2 ـ (وما ربُّ العالمين)

أربعة أنواع من الهداية لربِّ العالمين

أ ـ وما ربُّ العالمين

ب ـ أنواع هداية ربّ العالمين لاصناف الخلق الاربعة الاتية:

1 ـ التعليم للملائكة.

2 ـ التسخير لما خلق لمصلحة الانسان من غير صنف الحيوان.

3 ـ الالهام الغريزي للحيوان ممّا خلق لمصلحة الانسان.

4 ـ الوحي بالاسلام للانس والجِنّ.

تمهيد:

ينقسم بحث (وما ربّ العالمين) إلى:

أ ـ بيان معنى ربّ العالمين.

ب ـ وحَصْرُه في اللّه جلّ اسمه.

ج ـ بيان أربعة أنواع من الهداية لربّ العالمين، كالاتي:

1 ـ هداية الملائكة الذين لهم حياة وموت وإرادة وعقل بلا نفس أمّارة بالسوء، بتعليم اللّه إيّاهم.

2 ـ هداية الانسان والجن اللّذين لهما حياة وموت وإرادة وعقل ونفس أمّارة بالسوء، بالتعليم والانذار بواسطة الرّسل.

3 ـ هداية الحيوان الذي له حياة وموت وإرادة دون عقل ونفس أمّارة بالسوء، بالالهام الغريزي.

4 ـ هداية ما لا حياة ولا إرادة له كالمذكورين آنفا بالتسخير وتفصيل البحثين كالاتي:

أوّلا ـ معنى ربّ العالمين في القرآن الكريم:

قال سبحانه وتعالى في:

أ ـ سورة الاعلى:

بِسمِ اللّهِ الرِّحمنِ الرَّحيم

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاعلى* الّذي خَلقَ فَسوّى* وَالّذي قَدّرَ فَهدى* وَالّذي أَخرجَ المَرعى* فَجعلهُ غُثاء أَحوى) (الايات 1 ـ 5).

ب ـ سورة طه:

(رَبُّنا الّذي أَعطى كُلَّ شي‌ء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (الاية 50).

ج ـ سورة الفرقان:

(خلقَ كُلَّ شي‌ء فَقَدَّرَهُ تَقديرا) (الاية 2).

د ـ سورة البقرة:

(وَعَلَّمَ آدَم الاسماء كُلَّها ثُمَّ عَرضهُم على الملائكةِ فَقالَ أَنبِئوِني بأسماء هؤلاء إن كُنتمُ صادِقين* قالوا سُبحانكَ لا عِلَم لَنا إلاّ ما عَلّمْتَنا إنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم) (الايتان 31 ـ 32).

هـ ـ سورة الشورى:

(شَرَعَ لَكم مِنَ الدَّينِ ما وَصَّى بَهَ نُوحا والّذي أَوحينا إليكَ وَما وَصَّينا بِهِ إبراهيمَ وَموسى وَعيسى أَن أَقيموا الدِّينَ وَلا تَتَفرَّقوا فيه...) (الاية 13).

و ـ سورة النّساء:

(إنّا أَوحينا إليكَ كَما أَوحينا إلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعدهِ وَأوحينا إلى إبراهيمَ وَإسماعيلَ وَإسحاقَ وَيَعقُوبَ والاسباطِ وَعيسى وَأيُّوبَ وَيُونسَ وَهارونَ وسُليمانَ وآتينا داودَ زبورا* ورُسُلا قَد قَصَصناهُم عَليكَ من قبلُ ورسلا لَم نَقصُصهُم عليكَ وَكلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكليما* رُسُلا مُبَشِّرينَ وَمنذِرين...) (الايات 163 ـ 165).

ز ـ سورة آل عمران:

(نَزَّلَ عليكَ الكتابَ بِالحقِّ مُصدِّقا لما بينَ يَديهِ وَأَنزَلَ التَّوراةَ والانجيلَ* مِن قَبلُ هُدىً لِلنّاس...) (الايتان 3 و4).

ح ـ سورة الذّاريات:

(وَما خَلقتُ الجِنّ وَالانسَ إلاّ لِيَعبدون) (الاية 56).

ط ـ سورة الانعام:

(يا مَعشرَ الجنِّ والانس ألم يأتِكم رُسُلٌ يَقُصّون عَليكم آياتي وَيُنذرُونكم لقاء يَومكُم هذا قالوا شَهِدنا على أَنفسِنا وَغَرَّتْهُمُ الحياةُ الدُّنْيا وَشَهِدوا على أَنفسِهِم أَنَّهم كانوا كافرين) (الاية 130).

ى ـ سورة الاحقاف:

(وَإذا صَرَفنا إليَكَ نَفَرا مِنَ الجِنّ يَستَمِعونَ القُرآنَ فَلَمّا حُضروهُ قالوا أَنصِتوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوا إلى قَومِهم مُنذِرين* قالوا إنّا سَمِعنا كتابا أُنزِلَ مِن بَعدِ مُوسى مصدِّقا لِما بَينَ يَديهِ يَهدي إلى الحَقّ وَإلى طريقٍ مُستقيمٍ* يا قَومنا أَجيبوا داعِيَ اللّهِ وَآمِنوا بِهِ يَغفِر لَكم مِن ذُنوبِكم وَيُجِرْكُمْ مِن عَذابٍ أليمٍ* وَمَن لا يُجِبْ داعِيَ اللّهِ فَليسَ بِمُعجِزٍ في الارضِ وَلَيسَ لَه مِن دُونِه أَولياء أُولئكَ في ضَلالٍ مُبين). (الايات 29 ـ 32).

ك ـ سورة الجن:

بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

(قُل أُوحيَ إِلَيَّ أَنّهُ اسْتمعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ فقالوا إنّا سَمِعنا قُرآنا عَجَبا* يَهدي إلى الرُّشدِ فآمَنّا بِهِ وَلَن نَشرِكَ بِرَبِّنا أَحدا* وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا ما اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَدا* وَأنّهُ كانَ يَقولُ سَفيهُنا عَلى اللّهِ شَطَطا* وَأنّا ظَنَنّا أنْ لَن تَقولَ الانسُ وَالجِنُّ عَلى اللّهِ كَذِبا* وَأنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الانسِ يَعوذونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ فَزادوهُم رَهَقا* وَأنَّهم ظَنّوا كَما ظَنَنّتم أن لَن يَبعثَ اللّهُ أَحَدا* وَأنّا لَمَسنا السَّماء فَوجدناها مُلِئت حَرَسا شَديدا وَشُهُبا* وَأَنّا كُنّا نَقعدُ مِنها مَقاعِدَ لِلسَّمعِ فَمَن يَستِمعِ الانَ يَجِدّ لَهُ شِهابا رَصَدا* وأنّا لانَدري أشَرُّ أُريدَ بمَن في الارضِ أم أرادَ بهم ربهم رشدا * وَأَنّا مِنّا الصّالِحُون وَمِنّا دُونَ ذلِكَ كُنّا طَرائقَ قِدَدا* وَأنّا ظَنَنّا أَنْ لَن نُعْجِزَ اللّهَ في الارضِ وَلن نُعجِزَهُ هَرَبا* وَأَنّا لَمّا سَمِعنا الهدى آمَنّا بِهِ فَمَن يؤمِنْ بِرَبّهِ فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا* وَأنّا مِنّا المُسلِمونَ وَمِنّا القاسِطونَ فَمَن أَسلمَ فَأولئكَ تَحَرَّوا رَشَدا* وَأَمّا القاسِطون فَكانوا لِجَهنَم حَطَبا* وَالَّوِ [وأَن لَو] استَقاموا عَلى الطَريقَةِ لاَسقَيناهُم ماء غَدَقا* لِنَفتِنَهم فيهِ وَمَن يُعرِضْ عَن ذِكرِ رَبِّهِ يَسلُكْهُ عَذابا صَعَدا) (الايات 1 ـ 17).

ل ـ سورة النحل:

(وَأَوحى رَبُّكَ إلى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبالِ بُيوتا وَمِنَ الشَّجرِ وَمِمّا يَعرِشون* ثُمّ كُلي مِن كُلِّ الثَّمراتِ فَاسلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخرُجُ مِن بُطونِها شَرابٌ مُختلفٌ أَلوانهُ فيهِ شِفاء لِلنّاس...) (الايتان 68 ـ 69).

م ـ سورة الاعراف:

(إنَّ رَبَّكُم اللّهُ الّذي خلقَ السَّمواتِ وَالارضَ في ستّةِ أيّامٍ ثُمَّ استوى على العَرشِ يُغشي اللَّيلَ النَّهار يَطلبُهُ حَثيثا وَالشَّمسَ وَالقمرَ وَالنُّجومَ مُسخَّراتٍ بِأمرهِ أَلا له الخَلقُ والامرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالمين) (الاية 54).

ثانيا ـ حصر الربوبية في اللّهِ جَلّ اسمه:

كما قال سبحانه في:

أ ـ سورة يونس:

(إنَّ رَبَّكمُ اللّهُ الّذي خلقَ السَّمواتِ وَالارضَ في ستَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استوى على العَرشِ يُدَبِّرُ الامرَ ما مِن شَفيعٍ إلاّ مِن بَعدِ إذنِهِ ذلِكم اللّهُ رَبُّكم فاعبدوهُ أَفلا تَذَكّرون* هُوَ الّذي جعلَ الشّمسَ ضِياء وَالقمرَ نورا وَقَدَّرهُ مَنازِلَ لِتَعلموا عَدَدَ السِّنينَ وَالحِساب...) (الايتان 3 و5).

ب ـ سورة فصّلت:

(قُل أَئنَّكُم لَتكفُرونَ بِالّذي خلقَ الارضَ في يَومينِ وَتَجعَلونَ لَه أَندادا ذلكَ رَبُّ العالمين* وَجعلَ فيها رَواسِيَ مِن فَوقِها وَباركَ فيها وَقَدَّرَ فيها أَقواتَها في أَربعةِ أَيّامٍ سَواء للسّائلين* ثُمَّ استوى إلى السَّماء وَهيَ دُخانٌ فَقالَ لها وَلِلارضِ ائْتِيا طَوعا أَو كَرها قالَتا أَتينا طائِعين* فَقَضاهُنَّ سَبعَ سَمواتٍ في يَومَينِ وَأَوحى في كُلِّ سَماء أَمرَها وَزيَّنّا السَّماء الدُّنيا بِمَصابيحَ وَحِفظا ذلكَ تَقديرُ العَزيزِ العَليم) (الايات 9 ـ 12).

شرح الكلمات

أ ـ سَبِّح:

سَبَّحَ تسبيحا أي نزّه اللّه تنزيها، أو قال سبحان اللّه، أي تنزيها للّه، والتسبيح ـ أيضا ـ مطلق العبادة، قولا وفعلا ونيةً.

ب ـ اسم:

للاسم معنيان، كما ذكرناه سابقا:

1 ـ اللّفظ الذي يجعل اسما للاشياء، مثل: (مكّة) اسما عَلَما للبلد الذي فيه الكعبة قبلة المسلمين، والقرآن اسما عَلَما للكتاب الذي أنزله اللّه على خاتم أنبيائه.

2 ـ اسم الشي‌ء أي صفاته الخاصة المبينة لحقيقته، والمراد من الاسم في الاية: المعنى الثاني.

ج ـ رَبَّكَ:

سبق ذكر معناه.

د ـ الاعلى:

جاء الاعلى هنا بمعنى: الاعلى من أن يقاس عليه.

هـ ـ خَلَقَ:

نجد تفسير (خَلَقَ) في ما حكى اللّه عن قول موسى لفرعون:

(رَبُّنا الّذي أعطى كُلَّ شَيٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (طه 50).

ويكون المعنى بناء على هذا: ربّنا الذي خلق كلّ شي‌ء فسوّاه.

و ـ سَوّى:

سَوّى الشي‌ء: عدله وجعله لا عوج فيه، وسَوّى الشي‌ء: جعله على كمال واستعداد لما أُنشِى‌ء من أجله، وفي سورة الانفطار:

(يا أَيُّها الانسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَريمِ* الّذي خلقكَ فَسَوّاكَ فَعدلك) (الايتان 6 و7). والمراد هنا كلا المعنيين. وتنقسم التسوية في الخلق إلى الانواع الاربعة الاتية:

أوّلا ـ التسوية للانسان:

يخلق الانسان من النطفة جنينا في مراحله المعينة حتى يتم خلقه. وتمام خلقه في هذا المقام يكون بإتمام خلق جميع أعضائه التي بواسطتها يتلقّى الهداية من السمع والبصر وسائر الحواس التي بواسطتها يتلقّى المعلومات، مع الخلايا الدماغية اللاتي تختزن المعلومات، والعقل الذي بواسطته يميّز الصحيح من الباطل مما تلقّاه من المعلومات، وإيجاد قابلية تبادل المعلومات مع بني نوعه بوسيلتي اللِّسان والقلم، كما قال سبحانه في:

أ ـ سورة الرّحمن:

(خلقَ الانسانَ* عَلَّمهُ البَيان) (الايتان 3 و4).

ب ـ سورة العلق:

(إقرَأ بِاسمِ ربِّكَ الّذي خلق* خلَقَ الانسانَ مِن عَلَق* إقرَأ وَربُّكَ الاكرَم* الّذي علَّمَ بِالقلَم* علَّمَ الانسانَ مالَم يَعلَم) (الايات 1 ـ 5).

والتعلّم والتعليم بالبيان والقلم موهبتان خص الباري جلّ اسمه الانسان وحده بهما.

ثانيا ـ التسوية للحيوان:

التسوية وتمام الخلق في الحيوان: تتمُّ بمنحه الغريزة التي بواسطتها يستطيع أن ينظّم شؤون حياته بما يناسب فطرته.

ثالثا ـ التسوية للمسخّرات من خلق اللّه.

كما قال سبحانه:

أ ـ في سورة فاطر:

(وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى ذلكم اللّه ربكم) (الاية 13).

ب ـ في سورة الاعراف:

(والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك اللّه رب العالمين) (الاية 54).

رابعا ـ التسوية للملائكة:

كانت التسوية للملائكة، بأنّ اللّه تعالى جبلهم على أن: (لا يعصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهم وَيَفعلونَ ما يُؤمرون)، كما أخبر عنهم في سورة التحريم / 6.

ويأتي تمام معنى التسوية المادي بتفسير: قَدَّرَ فَهَدى، في (تفسير الايات) الاتي إن شاء اللّه تعالى.

ز ـ قدَّر:

قدّر اللّه الشي‌ء تقديرا: معناه في الموارد التي نحن بصدد تفسيرها: قدَّر نظام حياة الشي‌ء بما يناسب فطرته، ومنه قوله تعالى في سورة الفرقان:

(وَخلقَ كُلَّ شَي‌ء فَقدَّرهُ تَقديرا) (الاية 2).

ح ـ هدى:

هداية اللّه للخلق أربعة أنواع:

1 ـ تَعْليم.

2 ـ إلهام غريزي.

3 ـ تَسخير.

4 ـ تبليغ بواسطة الوحي إلى الانبياء.

ويأتي تمام تفسير كلمتي: (قَدَّرَ) و(هَدى) في تفسير الايات بإذنه تعالى.

ط ـ غُثاء:

نبات يابس يتفرّق بعضه عن بعض.

ي ـ أَحوى: شديد الخضرة من النبات وقريب من السواد لشدة خضرته.

ك ـ الوَحي:

أ ـ في اللّغة:

أوحى إليه وله: أشار وأومأ، وكلَّمه بكلام خفيٍّ يخفى على غيره، وأمره، وألهمه، وأوحى فلان الكلام إلى فلان: ألقاه إليه.

ب ـ في المصطلح الاسلامي:

الوحي الكلمة الالهية التي يلقيها إلى أنبيائه بواسطة مَلَك يشاهده الرسول، ويسمع كلامه؛ كتبليغ جبرئيل لخاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو بسماع كلام اللّه جلّ اسمه من غير معاينة، كسماع موسى كلام اللّه، أو بالرؤيا في المنام، كما أخبر اللّه عن قول إبراهيم لابنه إسماعيل:

(إنَّي أَرى في المنامِ أَنّي أَذبَحك) (الصافّات 102).

أو بأنواع أخرى من الوحي يعلمه اللّه وتدركه رسله صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ومن موارد استعماله في المصطلح الاسلامي في القرآن الكريم ما نقلناه آنفا من وحي اللّه إلى أنبيائه.

أمّا موارد استعماله في معانيه اللّغوية فمما جاء منها في القرآن الكريم قوله تعالى:

(فَخرجَ على قَومهِ مِنَ المِحرابِ فَأوحى إليهم أَن سبِّحُوا بُكرةً وَعشِيّا) (مريم 11).

والمراد من هذا الوحي: الاشارة أو الكتابة.

وقوله تعالى:

(إنَّ الشَّياطينَ لَيوحونَ إلى أَوليائهِم) (الانعام 121).

أي يلقون في قلوبهم الخواطر السيئة.

ومنها قوله تعالى في حكاية أُمّ موسى:

(وَأَوحينا إلى أُمِّ موسى أَن أَرضِعيه) (القصص 7).

أي ألهمناها أن ترضعه.

(وَأَوحى ربُّكَ إلى النَّحْل) (النحل 68).

أي ألهم النحل أنْ تعيش كذلك، وبيان ذلك أنّ اللّه تعالى بمقتضى الربوبية يوجد في كلّ صنف من أصناف الحيوان غريزة تهديه إلى إدامة حياته وفق ما يتناسب وفطرته.

ل ـ استوى:

إذا عُدَّيَ «استوى» بعلى، جاء بمعنى الاستيلاء. كما سيأتي بيانه في بحث صفات الرّبّ انّ شاء اللّه تعالى.

م ـ العَرش:

العَرشُ، في اللغة شي‌ء مسقف، وجمعه عروش، وسمِّي مجلس السلطان: عرشا، اعتبارا بعلوّه، وكُنِّي به عن العز، والسلطان، والمملكة.

وفي لسان العرب: ثلّ اللّه عرشهم أي هدم ملكهم (1) .

وقال الشاعر:

إذا ما بنو مروان ثلّت عروشهم‌وأودات كما أودت إياد وحِمْيَرُ

أراد إذا ما بنو مروان هلك ملكهم وبادوا(2) .

ن ـ الضياء:

الضياء: ما انتشر من الاجسام النيّرة، يقال: ضاءت النار، وأضاءت، والضوء أقوى وأسطع من النور، والضّوء: لما ينير؛ كضوء الشمس والنار، والنور: لما يكسب الضّوء من غيره.

س ـ الامر:

بمعنى: طلب الفعل وهو ضدّ النهي، وجمعه أوامر.

وبمعنى: الشأن، وجمعه: أمور.

ع ـ سَخَّرَ:

سخّره، يسخّره فهو مسخّر: ذلله، أخضعه، وساقه إلى غرض معين قهرا.

والسّخْريّ: الذي يُقهر فَيُتَسخّر.

ف ـ الرواسي:

الراسي: الجبل الثابت، الراسخ، وجمعه: الرواسي.

تفسير الايات

نفسّر الايات لتفسير كلمتي: (قدَّر فهدى) بتفصيل:

أ ـ قَدَّرَ:

في آيات سورة فصّلت:

حصر عزّ اسمه الخالقية لذاته: ربّ العالمين، ثمّ بينّ كيف قدّر لها نظام إدامة بقائها وقال:

(وَجعلَ فيها رَواسيَ مِن فَوقِها وَباركَ فيها وَقَدَّرَ فيها أَقواتَها في أَربعةِ أيّام). (الاية 10).

وقال عن السماء، إنّه أتمّ تكوينها سبع سموات في يومين وأوحى في كلّ سماء أمرها، وإنّه زيّن السماء الدّنيا بمصابيح، وإنّ ذلك من تقدير الربّ العزيز العليم.

وذكر كيف أتاهما أمر ربّهما بإدامة بقائهما وفق ذلك النظام فقال في سورة يونس:

(إنَّ ربَّكمُ اللّهُ الّذي خلقَ السَّمواتِ وَالارضَ في ستَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استوى على العرَشِ يُدبِّرُ الامْر). (الاية 3).

يُدَبِّرُ أمرَهما أي يربّيهما بعد أن خلقهما، وأنّه هو ربّكم فاعبدوه، ثمّ فصَّل بعض الامر وقال: إنّ الربّ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدَّره منازل.

استفدنا من هذه الايات أنّ معنى قدَّره تقديرا: جعل له نظاما معيّنا.

ب ـ هدى:

لما كان الكلام في سورتي (فصّلت) و(يونس) عن ربوبية اللّه للسموات والارض والشمس والقمر، جاء ذكر تربية الرّبّ لها خاصة، ولما كان ذكر تربية الربّ في سورة (الاعلى) للخلق عامّة، قصد من قوله: (فهدى) أنّ ربّ الخلق الذي خلقهم؛ قد سوّاهم، أي هيّأهم لقبول الهداية بعد أن قدّر حياة كلّ نوع من أصناف الخلق، وضرب مثلا ممّا خلق بمرعى الحيوان، وقال سبحانه ما معناه: إنّ ربّ الخلق أجمعين هو الذي أخرج مرعى الحيوان، وربّاه حتى بلغ درجة كماله، وأصبح شديد الخضرة، ثمّ جعله نباتا يابسا، بعد أن كان شديد الخضرة، وبيّن اللّه سبحانه في آيات أخرى كثيرة، كيفية الهداية لاصناف الخلق الاربعة كما يأتي بيانه بإذنه تعالى.

3 ـ‍ أنواعُ هِدايَةِ رَبَّ العالمينَ لاِصنافِ الخَلْق

1 ـ التعليم للملائكة.

2 ـ التسخير لما خلق لمصلحة الانسان من غير صنف الحيوان.

3 ـ الالهام الغريزي للحيوان ممّا خلق لمصلحة الانسان.

4 ـ الوحي بالاسلام للانس والجِنّ.

في بحث أنواع الهداية لاصناف الخلق نورد البحث عنهم حسب عصور بدء خلقهم، ولما كانت الملائكة هي جنود اللّه في الخلق، وحملة عرشه في الربوبية، خلقهم قبل غيرهم، ثمّ خلق الزمان والمكان، السماء والارض وما فيهما مما يحتاجه الاحياء من المخلوقات، من مياه ونبات وسائر مرافق الحياة، ثمّ خلق الجانّ والحيوان وخلق الانسان بعد خلق كلّ ما يحتاجه في حياته، وفي ما يأتي تفصيل أنواع هداية ربّ العالمين لكلّ صنف منهم: حسب الترتيب الاتي:

أوّلا ـ التعليم المباشر لصنف الملائكة:

قال اللّه سبحانه وتعالى في شأنهم:

(وِإذ قالَ رَبّكَ لِلملائِكةِ إنّي جاعِلٌ في الارضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعلُ فيها مَن يُفسدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماء وَنَحنُ نُسبِّحُ بِحمدكَ وَنُقدِّسُ لَك قالَ إنِّي أعلمُ مالا تَعلَمون* وَعلَّمَ آدمَ الاسماء كُلَّها ثُمَّ عَرَضهم على الملائكةِ فَقالَ أَنبِئوني بِأسماء هؤلاء إن كُنتُم صادِقين* قالوا سُبحانكِ لا عِلمَ لَنا إلاّ ما عَلّمْتَنا إنَّك أَنتَ العَليمُ الَحكيم* قالَ يا آدمُ أَنبِئهُم بِأسمائِهم فَلَمّا أَنبأهُم بِأسمائهم قالَ ألَم أَقُل لَكمْ إنّي أَعلمُ غَيبَ السَّمواتِ والارض وَأَعلمُ ما تُبدونَ وَما كُنتُم تَكتُمون* وَإذا قُلنا لِلملائكةِ اسجدوا لادمَ فَسجدوا إلاّإبليسَ أَبى وَاستكبرَ وَكانَ مِنَ الكافرين) (البقرة 30 ـ 34).

شرح الالفاظ‍

أوّلا ـ الخليفة: خليفة اللّه في الارض.

في اللّغة: خلف، خلافة، وخليفة:

أ ـ خلف:

خلف زيد عمرا: جاء بعده أو قام بالامر بعده (3) .

فالاول: مثل قوله تعالى:

(فَخَلفَ مِن بَعدهِمْ خَلْف...) (الاعراف 169).

والثاني: مثل قوله تعالى:

(وَقالَ موسى لاِخيهِ هارونَ اخْلُفني في قَومي وَأَصلح) (الاعراف 142).

ب ـ الخلافة:

النيابة عن الغير، إمّا لغيبة عنه، وإمّا لموته وعجزه، وإمّا لتشريف المستخلف.

ج ـ الخليفة:

من ناب عن الغير لموت المستخلف، وعجزه وغيبته، أو لتشريف المستخلف (4) .

فالاول مثل قوله تعالى:

(وَاذكُروا إذ جَعَلكم خُلفاء مِن بَعدِ قُومِ نُوح) (الاعراف 69).

والثاني مثل قوله تعالى:

(يا داوُدُ إنَّا جَعَلناكَ خَليفَةً في الارض) (ص 26).

وقول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أللّهُمَّ ارْحَم خُلَفائي! أللّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفائي! أللّهُمَ ارْحَم خُلَفائي!

قيل له: يا رسول اللّه من خلفاؤك؟

قال: الّذينَ يَأتونَ مِن بَعدي يَروُونَ حَديثي وَسُنَّتي» (5) .

وبمراجعة الروايات نرى أنّ خليفة اللّه هو النبيّ أو وصيّ النبّي الذي عيّنه اللّه لهداية الناس إلى شرائعه، كما سيأتي تفصيله في بحث: مبلِّغون عن اللّه، إن شاء اللّه تعالى.

ثانيا ـ سَجَدَ:

سَجَدَ سُجُودا: خضع وتطامن، ويضاف إليه في الانسان وضع جبهته على الارض.

فمن الاوّل قوله تعالى:

(وَللّهِ يَسجدُ مَن في السَّمواتِ وَالارضِ طَوعا وَكرها وَظِلالُهم بِالغُدُوِّ والاصال) (الرعد 15).

والثاني قوله تعالى:

(سِيماهُم في وجُوهِهم مِن أثَرِ السُّجود) (الفتح 29).

موجز تفسير الايات

جعل اللّه الايمان بالملائكة في عداد الايمان باللّه واليوم الاخر وكتبه والنبيّين، وعداوتهم في عداد عداوتهم.

ووصفهم بأنهم عباده، وأنهم يسبّحون بحمد ربّهم، ويستغفرون لمن في الارض ويفعلون ما يأمرهم اللّه.

ولم يذكر اللّه ممّ خلق الملائكة ـ كما جاء في بعض الاحاديث أنّه خلقهم من نور ـ (6) ، وإنّما أخبر أنّه جعل لهم أجنحة: مَثْنى وثُلاث ورُباع يزيد في الخلق ما يشاء، وأنّهم يتمثلون في صورة الانسان ويؤدون العمل الذي أمروا به، ولا يمكننا معرفة أجنحة الملائكة قياسا على أجنحة الطير ـ مثلا ـ لانّ الملائكة ليست أجساما مادّية مثل الطيور، ولا سبيل لنا لمعرفة حقيقتهم بما أُوتينا من وسائل لمعرفة الاجسام بالحواس الخمس، وإنّما سبيلنا إلى معرفتها إنّما هو النقل، كما أن سبيلنا إلى معرفة البلاد التي غبنا عنها تنحصر بالسماع عنها، غير أنّنا عندئذ نستطيع أن نقايسها بأمثالها التي شاهدناها، وللعقل هنا أن يحكم بصدق ما ينقل ومن ينقل أو يرده، ولا مجال هنا لشرح كيفية عمل العقل عندئذ، ولا يمكن قياس عالم الغيب بما في عالمنا المادّي.

وأخبر اللّه تعالى (ضمنا فيما أخبر) أنّه علّم الملائكة ما ينبغي أن يتعلّموه ولابد أن يكون ذلك في حدود ما أمرهم أن يقوموا بعمله، وحكى سبحانه كيف أخبرهم بأنّه جاعل في الارض خليفة.

وخليفة اللّه في الارض هو الانسان الذي عيّنه اللّه لهداية الناس، ويمثلهم في هذا الخبر آدم أبو البشر، وأخبر أنّ الملائكة قالت: (أَتَجعلُ فيها مَن يُفسدُ فيها وَيَسفكُ الدِّماء وَنَحنُ نُسبِّحُ بِحَمدكَ وَنُقدِّسُ لك) (البقرة 30).

وجاء في الروايات أنّ الملائكة قالت ذلك لانّ اللّه تعالى كان قد خلق قبل آدم (ع) في الارض، خلقا أراقوا الدماء وأفسدوا في الارض وأبادهم اللّه بظلمهم، وقاست الملائكة حالة الخلق الجديد بما كانت قد رأت قبله من خلق اللّه.

وكان جواب اللّه لهم: إنّي أعلم ما لا تعلمون. ثمّ خلق آدم (ع) وعلمّه الاسماء كلّها؛ أي حقائق الاشياء كلّها فإنّ الاسماء جاءت هنا جميعا للاسم بمعنى صفات الشي‌ء الخاصة المبينة لحقيقته، وذلك لانّ اللّه سخّر ما في السموات والارض لمنفعة الانسان ولا بدّ أن يعلّمه صفاتها وخواصها كما سيأتي شرحه في آخر هذا البحث إن شاء اللّه تعالى.

علَّم آدم خواص كلّ ما سخّره له ليعمل مع ما سخّره له في ما ينفعه، وعلَّم كلّ واحد من الملائكة عِلم كلّ ما خلق ذلك الملك للقيام به، علّم ـ مثلا ـ الملائكة التي خلقها للعبادة كيفية التهليل والتسبيح والتكبير للّه كما هو أهله، وعلَّم الملائكة التي خلقها لتسجيل أعمال الانسان، كيف تسجّل ما يصدر عن الانسان من خير وشر، وعلّم ملائكة قبض الارواح، كيفية قبضها، وكذلك علّم غيرهم ما خلقوا للقيام به.

إذا لم تكن الملائكة تعلم ما علَّمه اللّه آدم (ع)، ولما سأل اللّه الملائكة عن تلكم الاسماء التي علَّمها آدم، قالت: سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا، فأمر آدم أن يعلّمهم ما علّمه اللّه، ثمّ أمر الملائكة أن يسجدوا لادم (ع) فسجودا إلاّ إبليس أبى واستكبر كما سنشرحه في ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

النتيجة

إنّ هذا الصنف من الخلق ـ الملائكة ـ الذين أسكنهم اللّه السموات والارضين، ولهم حياة، وموت، وعقل مدرك دون هوى النفس، كان يكفيهم في مقام الهداية أن يتعلّموا ما خلقوا من أجله ليدأبوا على القيام بالعمل طوال حياتهم، أمّا قصة سؤالهم في خبر السجود لادم (ع) فلا تتجاوز أنّهم كانوا لا يعلمون لماذا خلق آدم، وَلمّا عرفوا ذلك بتعليم آدم إيّاهم الاسماء أطاعوا أوامر اللّه وسجدوا له دون إبليس الذي أبى السجود لادم (ع) واستكبر وأطاع هوى نفسه.

إذا فإنّ هداية الملائكة تكون بتعليمهم ما أراده اللّه منهم.

ثانيا ـ التّسخير للمسخّرات:

نخصّ بالذكر هنا من امر الهداية بالتسخير بعض الايات التي صرحت بأن اللّه سخر تلكم المسخرات لمنفعة الانسان (7) .

قال اللّه سبحانه في:

أـ سورة الجاثية:

(وَسخَّرَ لَكمُ ما في السَّمواتِ وَما في الارضِ جَميعا مِنهُ إنَّ في ذلكَ لاياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفكَّرون) (الاية 13).

ب ـ سورة المؤمن:

(اللّهُ الّذي جعلَ لَكمُ الارضَ قَرارا والسَّماء بِناء) (الاية 64).

ج ـ سورة الزخرف:

(الّذي جَعلَ لَكمُ الارضَ مَهدا وَجَعلَ لَكُم فيها سُبُلا لَعلَّكم تَهتدون) (الاية 10).

د ـ سورة الرحمن:

(وَالارضَ وَضَعَها لِلانام* فيها فاكِهةٌ وَالنَّخلُ ذاتُ الاكمام* وَالحَبُّ ذُو العَصفِ وَالَرَّيحان* فَبِأيِّ آلاء رَبِّكما تُكذِّبان) (الايات 10 ـ 13).

هـ ـ سورة الملك:

(هُوَ الّذي جَعلَ لَكمُ الارضَ ذَلولا فَامْشُوا في مَناكِبها وَكُلوا مِن رِزقِهِ وَإليهِ النُّشور) (الاية 15).

و ـ سورة الحج:

(أَلم تَرَ أنَّ اللّهَ سخَّرَ لَكم ما في الارضِ...) (الاية 65).

ز ـ سورة الاسراء:

(وَلَقد كَرَّمنا بَني آدمَ وَحَمَلناهُم في البَرِّ والبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطيِّباتِ وَفضَّلناهُم على كَثيرٍ مَّمن خَلَقنا تَفضيلا) (الاية 70).

ح ـ سورة إبراهيم:

(اللّهُ الّذي خَلقَ السَّمواتِ وَالارضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّماء ماء فَأَخرجَ بِهِ مِنَ الثَّمراتِ رزقا لَكُم وَسخَّرَ لكُم الفُلكَ لِتَجريَ في البحرِ بأمره وسخَّر لكمُ الانهار * وسخَّر لَكُم الشَّمسَ وَالقَمرَ دائبَين وَسخَّرَ لكمُ اللّيلَ وَالنّهار* وَآتاكم مِن كُلِّ ما سَأَلتموهُ وَإن تَعُدوا نِعمةَ اللّه لا تُحْصوها إنَّ الانسانَ لَظَلومٌ كَفّار) (الايات 32 ـ 34).

ط ـ سورة النحل:

(وَعَلى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيل وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أجْمَعِينَ* هُوَ الّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماء مَاء لَكُم منْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالاعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ إنَّ في ذَلكَ لايَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ* وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ والنَّهَارَ والشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بأمْرِهِ إنَّ في ذَلِكَ لاياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلْونَ* وَمَا ذَرَأَ لَكُم في الارضِ مُخْتَلِفا أَلْوَانُهُ إِنّ في ذلكَ لايَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرون* وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْما طَريّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَُ* وَأَلْقَى في الارْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارا وَسُبُلا لَعَلَّكُم تَهْتَدُونَ* وَعَلاَماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (الايات 9 ـ 16).

(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالاعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا إِنَّ فيِ ذَلِكَ لايَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الاية 67).

شرح الكلمات:

أـ سخّر:

سخّره يسخره فهو مسخّر: ذلّله، أخضعه وساقه إلى غرض معيّن قهرا، والسُخري: الذي يُقهر فيتسخّر.

ب ـ الاكمام:

جمع الكم: وهو الغلاف يغطّي الثمر والحبّ: من الشجر والنخل والزرع.

ج ـ الحبّ:

الحبّ يراد به: الحنطة والشعير والارز.

د ـ العصف:

ما هو كالغلاف للحبّ وهو قشره وفسّر بورق الزرع اليابس.

هـ ـ الرّيحان:

الريّحان: النبات الطيّب الرائحة.

و ـ الالاء:

الالاء: النِّعم.

ز ـ ذلولا:

ذلّت الدابّة بعد شماس ذلا: فهي ذلول، أو ممهّدة يسهل السلوك فيها وركوب متنها.

ح ـ مناكبها:

ومفرده: المنكب من الانسان وغيره: مجمع العضد والكتف، ومناكب الارض: فُسّرت بالجبال على التشبيه إذ هي ناتئة بارزة كمناكب البعير، وبجوانب الارض على التشبيه أيضا، فإنّ منكبي البعير جانباه.

ط ـ دائبين:

دأب: جدّ فيه وداوم عليه فهو دائب.

والدّأب: الشأن.

ودائبين: مستمرَّين في الحركة لا يفتُران إلى آخر الدنيا.

ي ـ تسيمون:

أسام الابل يسيمها: أخرجها وأرسلها للرعي.

ك ـ ذرأ:

ذرأ اللّه الخلق يذرأُهم ذَءرا: خلقهم على وجه الاختراع، وبثَّهم وكثَّرهم.

ل ـ مواخر:

مخرت السفينة مخرا ومخورا: إذا شقّت الماء بجُؤجُئها ـ صدرها ـ مستقبلة له فسمع لها صوت، والسفينة ماخرة، والجمع مواخر.

م ـ تميد بكم:

ماد ميدا: تحرّك واهتزّ.

والميد: اضطراب الشي‌ء العظيم كاضطراب الارض.

نتيجة البحث

إنّ اللّه تعالى خلق للانسان والارض وما عليها وما فيها من بحار وأنهار وأشجار ونبات ومعادن وما تحت السماء الدنيا من مجّرات وشموس وأقمار كما قال سبحانه في سورة الجاثية: (سَخَرَّ لكم ما في السَّمواتِ والارضِ جَميعا مِنه).

وقد هدى هذا الصنف من الخلق تسخيريّا أن يسير وفق نظام قدّر له بربوبيته، ويخبر اللّه عن هذا النوع من الهداية في القرآن بلفظ سخّر غالبا وفي موارد بلفظ جعل حيث يقول سبحانَه: (جَعلَ الشّمسَ ضِياء والقَمرَ نورا).

ثالثا ـ الالهام الغريزي لصنف كلِّ ذي روح حيواني وان اللّه سبحانه سخر جميعها لمنفعة الانسان:

قال اللّه سبحانه:

أ ـ في سورة النحل:

(وَالانعامَ خَلَقَها لَكُم فيها دِف‌ء وَمنافِعٌ وَمِنها تَأكُلونَ* وَلَكُم فِيها جَمالٌ حِينَ تُريحونَ وَحينَ تَسْرَحون* وَتَحملُ أَثقالَكُم إلى بَلَدٍ لَم تَكونوا بالِغيه إلاّ بِشقِّ الانفسِ إنَّ رَبَّكُم لَرَؤوفٌ رَحيم* وَالخَيلَ وَالبِغالَ وَالحَميرَ لِتَركَبوها وَزينةً وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمون) (الايات 5 ـ 8).

إلى قوله تعالى:

(وَانَّ لَكُمْ في الانعَامِ لَعِبرَةً نُسْقِيكُم ممَّا في بُطُونِهِ مِنْ بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لبَنا خَالِصا سَائِغا لّلشَّارِبِينَ) (الاية 66).

(وَأَوحى ربُّكَ إلى النَّحلِ أَن اتّخذِي مِنَ الجِبالِ بُيوتا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعرشون* ثُمَّ كُلي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخرُجُ مِن بُطونِها شَرابٌ مُختَلفٌ أَلوانُه فيهِ شِفاء لِلنّاسِ إنَّ في ذلكَ لايَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرون) (الايتان 68 و 69).

ب ـ في سورة النور:

(وَاللّهُ خَلقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماء فَمِنهُم مَن يَمشي على بَطنهِ وَمِنهُم مَن يَمشي على رِجلَينِ وَمِنهُم مَن يَمشي على أربَعٍ يَخلقُ اللّهُ ما يَشاء إنَّ اللّهَ على كُلِّ شَي‌ء قَديرُ) (الاية 45).

ج ـ في سورة الانعام:

(وَما مِن دابَّةٍ في الارضِ وَلا طائرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إلاّ أُمَمٌ أَمثالُكُم ما فَرَّطنا في الكِتابِ مِن شي‌ء ثُمَّ إلى رَبِّهم يُحشَرون) (الاية 38).

شرح الكلمات:

أ ـ فرثٍ:

الفرث: ما في الكرش.

ب ـ أوحى اللّه إلى الحيوان شيئا: الهمه إياه وهداه لما يصدر عنه من فعل فيه حياته وصلاحه وقد يكون فيه دقة وحذق وصدور الفعل من هذا الصنف من الخلق قريب من صدور العمل تسخيريّا من الصنف المسخر.

ج ـ يَعْرُشُون:

عَرشَ الكَرْم: رفع أغصانه على الخشب، والبيت سَقَّفَه.

د ـ ذُلُلا:

ذُلُلا: منقادة، غير متصعّبة.

نتيجة البحث

شرّع اللّه لكلّ نوع ممّا خَلقَ تحت السماء الدنيا في الجوّ وعلى الارض وفي جوفها وفي البحر ممّا جعل لها حياةً وموتا ونفسا حيوانية دون العقل على اختلاف درجاتها في ما جعل لها، شرّع اللّه لكلّ نوع من ذلكم نظاما يتناسب وفطرته، وألهم كلّ فرد من ذلك النوع بالغريزة التي فطره عليها أن يسير في حياته وفق ذلك النظام وبَيَّن نوع هداية هذا الصنف من الخلق في ما أخبر تعالى عن حياة النّحل في قوله تعالى:

(وأوحى ربُّك إلى النَّحل أن اتّخذي من الجبالِ بيوتا ومن الشَّجرِ وممّا يعرِشون* ثمّ كُلي من كلِّ الثَّمرات فاسْلكي سُبل ربّك ذُلُلا يخرج من بطونِها شرابٌ مختلفٌ ألوانهُ فيهِ شفاء للنّاسِ إنّ في ذلك لاية لقوم يتفكَّرون) (الايتان 68 ـ 69).

إذا فأنَّ كل ما يصدر من النَّحل من فِعْلٍ فيه حَذَقٌ ودقَّة وحكمة انما هو بإلهام من ربِّنا ربِّ العالمين، وفي هذا البيان مثالٌ توضيحيُّ لنوع الهداية لهذا الصنف من المخلوق الذي سبق ذِكْرُ الانعام فيه في الايات (5 ـ 8) وما في خلقها ونظام حياتها من حكمة ونفع، وفي التعبير بـ‍ (أوحى ربُّك) ايحاء بأنّ ربّ النحل الذي هداهُ أن يسير في حياته وفقا لما قدر لحياته من نظام متناسب وفطرته؛ هو ربّنا الذي شرع لنا نظاما يتناسب وفطرتنا التي فطرنا عليها بحكمةٍ واتقان، كالاتي بيانه:

____________

(1) مادّة (العرش) من مفردات الراغب، والمعجم الوسيط.

(2) البحار 58 / 7.

(3) مادّة (خلف) من: معجم ألفاظ القرآن الكريم.

(4) مادّة (خلف) من: مفردات الراغب.

(5) معاني الاخبار للشيخ الصدوق، ص 357 ـ 374، وعيون الاخبار له، ط. النجف 2 / 36، ومن لا يحضرهُ الفقيه، له تحقيق الغفاري 4 / 420، وبحار الانوار للمجلسي، 2 / 145، الحديث رقم: 7.

(6) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة ص: 2294، ومسند أحمد، 6 / 153 و168.

(7) إنّما قدّمنا ذكر هداية هذا الصنف لتقدّم عصر خلقها على عصر خلق الحيوان.