1 ـ‍ إبليس لا سلطان له على خلفاء اللّه في الارض

أخبر اللّه سبحانه في سورة الحجر أنَّ إبليس لاسلطان له على عباده المخلصين، في ذكره مادار بينه وبين إبليس من محاورة وذلك في قوله تعالى:

(ربِّ بِما أغوَيتَني لاُزَيِّنَنَّ لَهُم في الارضِ وَلاغوِيَنَّهمُ أَجمَعينَ إلاّ عِبادَكَ مِنهمُ المُخْلَصِين* قالَ... إنَّ عبادي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطانٌ إلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوين) (الايات 39 ـ 42).

وأخبر تعالى عمّا جرى بين يوسف وزليخا، وكيف يعصم اللّه المخلَصين من إغواء الشيطان، حيث قال تعالى في سورة يوسف: (وَلَقَد هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِها لَولا أَن رَأى بُرهَانَ رَبِّه كَذلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوء وَالفَحشاء إِنَّهُ مِن عِبادِنا المُخْلَصِين) (الاية 24).

وعرفنا انّ الوصف المذكور من شروط الامامة في ما أخبر اللّه عمّا دار بينه وبين خليله إبراهيم (ع) في سورة البقرة، وقال:

(وَإذِ ابتلى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلماتٍ فَاَتَّمَّهُنَّ قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إماما قالَ وَمِن ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدي الظالمين) (الاية 124).

وذكر في سورة الانبياء أنّ الذين جعلهم أئمة، يهدون بأمره. وقال تعالى:

(وَجَعَلناهُم أَئمَّةٌ يَهدونَ بأَمرِنا..) (الاية 73).

وذكر منهم في تلك السورة نوحا وابراهيمَ ولُوطا وإسماعيلَ وَأَيّوبَ وَذا الكِفْل وَيوُنُسَ وَموسى وَهارونَ وَداودَ وَسُلَيمانَ وَزَكريّا وَيحيى وَعيسى (ع).

وكان في من وصفهم بالامامة في هذه السورة: النبيُّ والرسول والوزير والوصيُّ. إذا فقد بان لنا أنّ اللّه تبارك وتعالى اشترط لمن جعله إماما أنْ يكون غير ظالم.

وقد وصف اللّه الامام بأنّه خليفته في الارض كما ورد في خطابه لداود (ع) في سورة ص:

(يا داوُدُ إِنّا جَعَلناكَ خَليفةٌ في الارض) (الاية 26).

وورد في وصفه لادم (ع) في خطابه للملائكة في سورة البقرة:

(وَإذْ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الارضِ خَليفَة...) (الاية 30).

كما سنشرحه بعد تفسير كلمات الايات إن شاء اللّه تعالى.

شرح الكلمات:

أ ـ أَغوَيْتَني، وَلاُغْوِيَنَّهُم، والغاوين.

غوى فهو غاوٍ: انهمك في الغيّ.

وأغواه: أضلّه وأغراه. وقصد اللعين بقوله أغويتني: أنّه تعالى بلعنه وقوله له قبل هذه الاية (وَإنَّ عَلَيْكَ اللّعْنَةَ إلى يومِ الدِّين) أبعده عن رحمته جزاء تمرُّده وامتناعه عن السجود لادم كما قال تعالى في سورة البقرة: (يُضِلُّ بِهِ كَثيرا وَيَهدي بِهِ كَثيرا وَما يُضِلُّ بِهِ إلاّ الفاسِقين) (الاية 26).

ب ـ لاُزَيِّنَنَّ لهم:

أي: أُحِّسنُ لهم سوء أعمالهم كما قال سبحانه وتعالى: (زَيَّنَ لهمُ الشيطانُ أعمالَهم) (الانفال 48 والنحل 24 والعنكبوت 37) و(زُيِّنَ لَهمُ سُوء أَعمالِهِم) (التوبة 37).

ج ـ المخلَصِين.

المُخلَصُون: هم الذين أخلصهم اللّه لنفسه بعدما أخلصوا أنفسهم للّه، فليس في قلوبهم محلُّ لغيره.

د ـ إبتلى:

بلاه بلاء وابتلاه ابتلاء: امتحنه واختبره بالخير والشرّ والنعمة والنقمة.

هـ ـ بكلمات:

المقصود من الكلمات هنا قضايا امتحن اللّه بها إبراهيم (ع)؛ مثل ابتلائه بعبّاد الكواكب والاصنام، وإحراقه بالنار، وتضحيته بابنه، وأمثالها.

و ـ فأتَّمهنَّ:

أي أكمل أداءهنَّ.

ز ـ جاعِلُكَ:

وردت «جعل» بمعنى: خلق وأوجد وحكم وشرّع وقرّر وصيّر، والاخير هو المقصود هنا.

خ ـ إماما:

الامام: هو المقتدى للناس في الاقوال والافعال.

ط ـ الظّالمين:

الظّلم: وضع الشي‌ء في غير موضعه. والظّلم ـ أيضا ـ تجاوز الحقّ.

والظّلم ثلاثة أنواع:

أوَّلاـ ظلم بين الانسان وربّه، وأعظمه الشِّرك والكفر، كما قال سبحانه في سورة لقمان:

(إنّ الشِّركَ لَظلمٌ عَظيم) (الاية 13).

وفي سورة الانعام:

(فَمَن أظلمُ مِمّن كَذَّب بآياتِ اللّه...) (الاية 157).

ثانيا ـ ظلم بين الانسان وغيره، كما قال سبحانه وتعالى في سورة الشورى:

(إنَّما السبيلُ على الّذينَ يَظلمون النّاس) (الاية 42).

ثالثا ـ ظلم الانسان نفسه، كما قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة:

(... وَمَن يَفعلْ ذلكَ فَقَد ظَلَمَ نَفسَه) (الاية 231).

وفي سورة الطلاق:

(وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَاللّهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَه) (الاية 1).

وكلّ نوع من الظّلم ظلم للنّفس.

يقال لمن اتّصف بالظُّلم في أي زمانٍ من عمره المتقدّم منه أو المتأخِّرِ: ظالم.

ى ـ همّت به وهمّ بها.

همّ بالامر: عَزَمَ على القيام به ولم يفعله.

ك ـ رَأى:

رأى بالعين: نظر، وبالقلب: أبصر، وأدرك.

ل ـ برهان:

البرهان: أَوكدُ الادِلِّةِ، والحجِّة‌ُوالبَيِّنَةُ الفاصلة، وما رآه يوسف أكثر من هذا.

تأويل الايات واللّه أعلم:

قال إبليس لربّ العالمين: رَبَّ بِما لَعَنْتَني وأَبْعدْتَني عن رحمتك لاُزَيِّيَنَّ لِلناس في دار الدنيا الاعمال السيّئة، كما قال سبحانه:

أ ـ في سورة النحل:

(لَقَد أرسَلنا إلى أُممٍ مِن قَبلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم) (الاية 63).

ب ـ في سورة الانفال:

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشّيطانُ أَعمالَهُم وقالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليَوم...) (الاية 48).

ج ـ في سورة النمل:

(... يَسجُدونَ لِلشَّمسِ مِن دونِ اللّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم فَصَدَّهُم عَنِ السَّبيل...) (الاية 24).

وقال الشيطان: لاُزَيِّنَنَّ للناس أعمالهم ولاُغوِيَنَّهم أجمعين إلاّ عبادَك الّذين اصطفيتهم لنفسك.

وقال اللّه في جوابه: إنّك لا سلطةَ لك إلاّ على من اتّبعك من المنهمكين في الغيِّ والضّلالة، وأخبر تعالى عن شأن عباده المخلَصين في ما حكاه عن خبر يوسف (ع) وزليخا، حيث قال: (وَلَقَدْ هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرهَانَ رَبِّهِ) في بيت خلا عن كلّ انسان ما عدا يوسف (ع).

وزليخا عزيزة مصر ومالكة يوسف همّت أن تنال مأربها من يوسف، ولولا أنّ يوسف رأى برهان ربّه لهمَّ بقتلها وهو السوء، أوْ همَّ بالفَحشاء كما هو مقتضى طبيعة الحال التي كان عليها الفتى مكتمل الرجولة غير المُتَزَوِّج مع مالكته الفتاة مكتملة الانوثة المترفة في بيت خلا من كلّ أحد، ولكنّه رأى برهان رَبِّه واستعصم، فقد كان مّمن أخلصه اللّه لنفسه. فما هو البرهان الذي رآه يوسف (ع)؟ وكيف رآه؟

إنّ يوسف (ع) رأى آثار العملين على نفسه كالاتي بيانه:

2 و 3 ـ‍ اثر العمل وخلوده وانتشار البركة والشّؤم من بعض الاعمال على الزمان والمكان وعصمة خلفاء اللّه عن المعصية لرؤيتهم ذلك

لمعرفة معنى عصمة الانبياء ينبغي أن ندرس كيفية انتشار البركة والشُّؤم على الزّمان والمكان وآثار أعمال الانسان في الدّنيا والاخرة، فنَستعين اللّه ونقول:

قال اللّه سبحانه وتعالى:

(شَهرُ رَمضانَ الّذي أُنْزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدىً للنّاسِ وَبَيِّناتً مِنَ الهدى وَالفُرقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمه) (الاية 185).

ب ـ في سورة القدر:

(إنّا أَنزَلناهُ في لَيلةِ القَدْر* وَما أَدراكَ ما لَيلَةُ القَدْرِ* لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن ألفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وَالرّوحُ فيها بِأذِنِ رَبِّهِم من كُلِّ أَمْر* سَلامٌ هيَ حَتّى مَطلَعِ الفَجْر).

أنزل اللّه القرآن على خاتم أنبيائه في ليلة من ليالي شهر رمضان، فأصبحت تلك الليلة ليلة القدر تتنزل الملائكة والروح فيها كل سنة بأمر ربّهم أبد الدَّهر، وانتشرت البركة من تلك اللّيلة إلى كلّ شهر رمضان كذلك أبد الدَّهر.

وسندرس في بحث النَّسْخِ إن شاء اللّه تعالى أنَّ الجمعة أصبحت مباركة منذ عهد آدم (ع) لما أنزل اللّه سبحانه وتعالى فيها من البركات على آدم (ع)، وأنّ عصر التاسع من ذي الحجّة أصبح مباركا يغفر اللّه ذنوب عباده فيه بمنى لنزول المغفرة على آدم (ع) فيه، وأصبحت أراضي عرفات والمشعر ومنى أراضي مباركةً في التاسع والعاشر من ذي الحجّة على كلّ بني آدم (ع) بعد ذلك، وبقي أثرها كذلك أَبَدَ الدّهر.

وكذلك أصبح أَثر قدَمَي إبراهيم (ع) في البيت على تلك الكتلة من الطين التي رقى عليها إبراهيم (ع) لبناء جدار البيت مباركا، فأمّرنا اللّه باتخاذها مصلّىً بعد ذلك أَبَدَ الدَّهر وقال: (واتّخِذوا مِن مَقامِ إبراهيمَ مُصَلى).

وكذلك الشأن في انتشار الشّؤم كما كان من أمر بيوت عاد في الحِجْرِ بعد نزول العذاب عليهم، كما أخبرنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها عند مروره عليها في غزوة تبوك، وجاء خبره في كتب الحديث والسيرة، وقالوا ما موجزه:

لمّا سار رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة مرَّ بالحِجْرِ ـ ديار ثمود بوادي القرى في طريق الشام من المدينة ـ فَنَزَلَ قبل أن يمر بها، فاستقى الجيش من بئرها، فنادى منادي النبي أن «لا تشربوا من ماء بئرهم، ولا تتوضّأوا منه للصلاة» فجعل الناس يهريقون ما في أسقيتهم وقالوا: «يا رسول اللّه قد عَجَنّا، قال: أعلفوها الابل خوف أن يصيبَكم مثل ما أصابهم».

ولما ارتحل ومرّ بالحِجْرِ، سجّى(1) ثوبه على وجهه واستحثّ راحِلته وفعل الجيش كذلك، وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا تَدْخُلُوا بُيُوت الّذينَ ظَلَمُوا إلاّ وَأنْتُم باكونَ».

وجاءه رجل بخاتم وجده في الحجر في بيوت المعذّبين، فأعرض عنه واستتر بيده أن ينظر إليه، وقال: «أَلْقِهِ!» فَألقَاهُ(2) .

ووقع نظير ذلك للامام علي (ع) كما رواه نصر بن مزاحم وغيره، واللفظ لنصر في كتابه (وقعة صفين) بسنده، وقال:

كان مخنف بن سليم يساير عليّا ببابل(3) فقال الامام علي (ع): «إِنَّ بِبابِلَ أَرْضا خُسِفَ بها فَحَرِّكْ دابَّتَكَ لَعَلَّنا نُصلِّي العَصْرَ خارجا مِنْها».

قال: فَحَرَّكَ دابَّتَهُ وحرَّك الناسُ دُوابَّهم في أَثَرِهِ، فَلَمّا جَشر الصَّراةِ نَزَلَ فَصَلَّى بالناسِ العَصْرَ(4) .

وفي رواية راوٍ آخر:

قطعنا مع أمير المؤمنين جسر الصِّراةِ في وقت العصر، فقال: «إنّ هذه أرض معذَّبةٌ لا ينبغي لنبّي ولا وصّي نبي أن يصلّيَ فيها»(5) .

هكذا كان للبركة انتشار من االزمان الذي بارك اللّه فيه لعبدٍ من عباده المخلصين، وللشؤم انتشار من الزمان الّذي غضب فيه على عبيده الاشقياء.

وسوف نرى في بحث آثار العمل الاتي أنّ لاعمال النّاس آثارا خالدة في الدنيا وفي الاخرة تتجسَّد لتخلد نارا وقودها الناس والحجارة، أو نعيما في جنّات عدن. وكلّ ذلكم الانتشار وتلكم الاثار يراها عباد اللّه المخلَصون ويدركونها، فتدفعهم إلى الاجتهاد في أداء الاعمال الصالحة واجتناب الاعمال السيّئة من الفحشاء والسوء والمنكر.

وتلكم الرؤية هي برهان اللّه الذي يؤتي اللّه من عباده من تزكّى وآثر رضى اللّه على هوى النفس الامّارة بالسوء، ومن ثمّ لا تصدر من عباده المخلَصين معصية موبقة، ومَثَلُهُمْ في ذلك مثل إنسان بصير وآخر ضرير يسيران معا في طريق واحد كثيرة العثرات والمهاوي المردية، يتجنبها البصير وينبِّه صاحبه الضرير ليتجنّبها.

أو كمثل أناس عطاشى أمامهم ماء تتوق أنفسهم إلى شربه ليبرّدوا به حرارة عطشهم، وفيهم طبيب معه مجهر نظر من خلاله إلى ذلك الماء وأبصر فيه أنواعا من الجراثيم المهلكة، وأخبر صحبه بلزوم تصفية الماء قبل الاستفادة منه.

هكذا مثل عباد اللّه المخلَصين في رؤيتهم البرهان وتَبصُّرهم بحقائق الاعمال وآثارها السيّئة أو الحسنة، فهم مع تلك الرؤية لقبح فعل المعصية وشناعتها في الدنيا وتجسّده نارا محرقة خالدة في الاخرة، لا يمكن أن يُقدموا على العمل بها مختارين وغير مجبورين على تركها، أو ممنوعين من قبل اللّه من إتيانها.

وما يوردون من شبهات حول عصمة الانبياء مستشهدين بآيات متشابهة، أخطأوا في تأويل بعضها وفسرّوا بعضها الاخر بروايات زائفة. ولكي لا يطول البحث نكتفي بإيراد أمثلة من النوعين في ما يأتي:

4 ـ‍ روايات مكذوبة على نبيّ اللّه داود في زواجه بأرملة أوريا، وعلى خاتم الانبياء في زواجه بزينب مُطَلَّلقَةَ مَنْ تَبَنّاهُ بروايات زائفة، والحكمة في الامْرَين

ندرس من هذا النوع الروايات التي وردت في خبر زواج داود بأرملة اوريا، وزواج خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) بمطلّقة زيد كالاتي:

أ ـ زواج داود (ع) في القرآن الكريم:

قال اللّه سبحانه في سورة ص:

(اصْبر عَلى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُر عَبدَنَا دَاوُدَ ذا الاَيدِ إنَّهُ أَوَّاب* إِنَّا سَخَّرنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحنَ بِالعَشِيّ وَالاِشْرَاق* وَالطَّيرَ مَحشُورَةً كُلُّ لَهُ أَوَّاب* وَشَدَدنا مُلكَهُ وآتَيْنَاهُ الحِكمَةَ وَفَصلَ الخِطَاب* وَهَل أَتَاكَ نَبَأُ الخَصمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحرَاب* إذ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنهُم قَالُوا لاَتَخَفْ خَصمَانِ بَغى بَعضُنَا عَلَى بَعضٍ فاحكُم بَينَنا بِالحَقِّ وَلاَ تُشطِط وَاهدِنَا إِلى سَواء الصِّراط* إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسعُ وَتِسعُونَ نَعجَةً وَليَ نَعجَةٌ وَاحِدةٌ فَقَالَ أَكفِلنِيهَا وَعَزَّنِي في الخِطَابِ* قَالَ لَقد ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعجتِكَ إلى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثيرا مِن الخُلَطاء لَيَبغِي بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ إلاّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ وَقَليلٌ مَاهُم وَظَنَّ داوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَأستَغفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعا وَأَنَاب* فَغَفَرنَا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلفَى وَحُسنَ مَآب* يَا دَاودُ إِنَّا جَعَلناكَ خَليفَةً فيِ الارض فَأحكُم بَينَ النّاسِ بِالحَقّ...) (الايات 17 ـ 26).

تأويل الايات في روايات مدرسة الخلفاء

الروايات بمدرسة الخلفاء في تأويل آيات خبر حكم داود (ع) كثيرة، ونَحْنُ نكتفي في ما يأتي بإيراد ثلاثة نماذج منها بإذنه تعالى:

أـ رواية وهب بن منبَّه:

روى الطبري في تأويل الاية عن وهب أنّه قال:

«لمّا اجتمعت بنو إسرائيل على داود، أنزل اللّه عليه الزَّبور، وعلَّمه صنعة الحديد، فألانه له، وأمر الجبال والطير أن يسبِّحن معه إذا سبّح، ولم يعط اللّه ـ فيما يذكرون ـ أحدا من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور ـ فيما يذكرون ـ تدنو له الوحوش حتى يأخذ بأعناقها، وإنها لمصيخة تسمع لصوته، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلاّ على أصناف صوته، وكان شديد الاجتهاد، دائب العبادة، فأقام في بني إسرائيل، يحكم فيهم بأمر اللّه نبيا مستخلفا، وكان شديد الاجتهاد من الانبياء، كثير البكاء، ثمّ عرض من فتنة تلك المرأة ما عرض له، وكان له محراب يتوحَّد فيه لتلاوة الزَّبور ولصلاته إذا صلى، وكان أسفَل مِنه جُنَينة لرجل من بني إسرائيل، كان عند ذلك الرجل المرأة التي أصاب داود فيها ما أصابه.

وأنّه حين دخل محرابه ذلك اليوم، قال: لا يدخلنّ عليّ محرابي اليوم أحد حتى الليل، ولا يشغلني شي‌ء عمّا خلوت له حتى أُمْسِي، ودخل محرابه ونشر زَبوره يقرؤه، وفي المحراب كُوَّة تطلعه على تلك الجنينة، فبينا هو جالس يقرأ زَبوره، إذ أقبلت حمامة من ذهب حتى وقعت في الكوّة، فرفع رأسه فرآها فأعجبته، ثمّ ذكر ما كان قال: لا يشغله شي‌ء عما دخل له، فنكَّس رأسه، وأقبل على زَبوره، فتصوّبت الحمامة للبلاء والاختبار من الكوّة، فوقعت بين يديه، فتناولها بيده، فأستأخرتْ غير بعيد، فأتبعها، فنهضت إلى الكوّة، فتناولها في الكوّة، فتصوّبت إلى الجُنينه، فأتبعها بصره أين تَقَع، فإذا المرأة جالسة تغتسل، بهيئة اللّه أعلم بها في الجمال والحُسن والخلق. فيزعمون أنها لما رأته نقضت رأسها فوارت به جسدها منه، واختطفت قلبه، ورجع إلى زَبوره ومجلسه، وهي من شأنه، لا يفارق قلبه ذكرها، وتمادى به البلاء، حتى أغزى زوجها، ثمّ أمر صاحب جيشه ـ فيما يزعم أهل الكتاب ـ أن يقدّم زوجها للمهالك، حتى أصابه بعض ما أراد به من الهلاك، ولداود تسع وتسعون امرأة، فلمّا أصيب زوجُها خطبها داود، فنكحها، فبعث اللّه إليه وهو في محرابه ملَكين يختصمان إليه، مثلا يضرب له ولصاحبه، فلم يُرَعْ داود إلاّبهما واقفين على رأسه في محرابه، فقال: ماأدخلكما عليّ؟ لا تخف، لم ندخل لبأس ولا لريبة (خَصمانِ بَغَى بَعضَنا عَلى بَعض) فجئناك لتقضىٍَّ بيننا (فَاحكُم بَيننا بالحَقِّ وَلا تُشْطِطْ، وَاهدِنا إلى سَواء الصِّراط): أي احملنا على الحقّ، ولا تخالف بنا إلى غيره، قال الملك الذي يتكلّم عن أوريا بن حنَانيا زوج المرأة: (إَنَّ هذا أخي): أي على ديني (لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَليَ نَعجَةٌ وَاحدةٌ، فَقالَ أكْفِلْنِيها): أي احملني عليها، ثمّ عزّني في الخطاب: أي قهرني في الخطاب، وكان أقوى منّي هو وأعزّ، فحاز نعجتي إلى نعاجه، وتركني لا شي‌ء لي. فغضب داود، فنظر إلى خصمه الذي لم يتكلم، فقال: لئن كان صدقني ما يقول، لاضربنَّ بين عينيك بالفأسِ، ثمّ ارعوى داود، فعرف أنّه هو الذي يُراد بما صنع في امرأة «أوريا»، فوقع ساجدا تائبا منيبا باكيا، فسجد أربعين صباحا صائما لا يأكل فيها ولا يشرب، حتى انبت دمعه الخُضَرَ تحت وجهه وحتى أندَب السجود في لحم وجهه، فتاب اللّه عليه وقبل منه.

ويزعمون أنّه قال: أي ربّ هذا غفرت ما جنيت في شأن المرأة، فكيف بدم القتيل المظلوم؟ قيل له: يا داود ـ فيما زعم أهل الكتاب ـ أما انّ ربّك لم يظلمه بدمه ولكنّه سيسأله إيّاك فيعطيه، فيضعه عنك، فلمّا فرّج عن داود ما كان فيه رسم خطيئته في كفه اليمنى: بطن راحته، فما رفع إلى فيه طعاما ولا شرابا قط إلاّ بكى اذا رآها، وما قام خطيبا في الناس قط إلاّ نشر راحته فاستقبل بها الناس ليروا رسم خطيئته(6) .

ب ـ رواية الحسن البصري:

روى الطبري والسيوطي في تفسير الاية عن الحسن البصري أنّه قال:

إنّ داود جَزَّأ الدهر أربعة أجزاء: يوما لنسائه، ويوما لعبادته، ويوما لقضاء بني إسرائيل، ويوما لبني إسرائيل، يذاكرهم ويذاكرونه، ويُبْكيهم ويُبْكونه، فلمّا كان يوم بني إسرائيل قال: ذكِّروا فقالوا: هل يأتي على الانسان يوم لا يصيب فيه ذنبا؟ فأضمر داود في نفسه أنّه سيطيق ذلك، فلما كان يوم عبادته، أغلق أبوابه، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكبَّ على التوراة، فبينما هو يقرؤها، فإذا حمامة من ذهب، فيها من كلّ لون حسن، قد وقعت بين يديه، فأهوى إليها ليأخذها، قال: فطارت، فوقعت غير بعيد من غير أن تُؤْيسه من نفسها، قال: فما زال يتبعها حتى أشرف على أمرأة تغتسل، فأعجبه خلقها وحُسنها، قال: فلما رأت ظله في الارض، جلّلت نفسها بشعرها، فزاده ذلك أيضا إعجابا بها، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا؛ مكان إذا سار إليه لم يرجع، قال: ففعل، فأُصيب فخطبها فتزّوجها(7) .

ج ـ رواية يزيد الرّقاشي عن أنس بن مالك:

أخرج الطبري والسيوطي بتفسير الاية بسندهما عن يزيد الرقاشي ما موجزه:

عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك، سمعه يقول:

سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ داود (صلى الله عليه وآله وسلم) حين نظر إلى المرأة قطع على بني اسرائيل وأوصى صاحب الجيش فقال: اذا حضر العدو تضرب فلانا بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم منه الجيش، فقتل وتزوّج المرأة، ونزل الملكان على داود (ع)، فسجد فمكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الارض جبينه وهو يقول في سجوده: ربّ زلّ داود زلّة أبعد مما بين المشرق والمغرب، ربّ إنْ لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثا في المخلوق من بعده. فجاء جبريل (ع) من بعد أربعين ليلة فقال: ياداود إنّ اللّه قد غفر لك وقد عرفت ان اللّه عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عند داود؟ قال جبريل: ما سألت ربّك عن ذلك فإن شئت لافعلن، فقال: نعم، ففرح جبريل وسجد داود (ع)، فمكث ما شاء اللّه ثم نزل فقال: قد سألت اللّه يا داود عن الذي أرسلتني فيها فقال: قل لداود إنّ اللّه يجمعكما يوم القيامة فيقول هب لي دمك الذي عند داود، فيقول هو لك يا رب، فيقول: فإنّ لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضا...(8)

***

هكذا جاءت الروايات عن خبر نبي اللّه داود (ع) في التفاسير وفي ما يأتي ندرس أسانيدها:

دراسة أسانيد الروايات:

أ ـ وهب بن منبِّه:

كان أبوه من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن. وفي ترجمته بطبقات ابن سعد ما موجزه:

قال وهب: قرأت اثنين وتسعين كتابا كلّها أُنزِلَتْ من السماء؛ إثنان وسبعون منها في الكنائس وفي أيدي الناس، وعشرون لا يعلمها إلاّ قليل. (ت 110 هـ).

وقال الدكتور جواد علي: يقال إنّ وهبا من أصل يهودي، وكان يزعم أنّه يتقن اليونانية والسريانية والحميرية وقراءة الكتابات القديمة. وذكر في كشف الظنون من تآليفه (قصص الانبياء)(9) .

ب ـ الحسن البصري:

أبو سعيد، كان أبوه مولى زيد بن ثابت الانصاري، ولد لسنتين بقيت من خلافة عمر، وعاش ومات في البصرة سنة 110 هـ، وكان غاية في الفصاحة والبلاغة، مهابا عند الناس وسلطة الخلافة، وإماما لاتباع مدرسة الخلفاء بالبصرة(10) .

رأيه:

يظهر من روايات وردت بترجمته في طبقات ابن سعد أنّه كان يقول بالقدر ويناظر فيه، ثمّ رجع عنه، وأنّه كان لا يرى الخروج على السلطة الظالمة كالحجّاج.

قيمة رواياته:

في ترجمته بميزان الاعتدال(11) .

كان الحسن كثير التدليس فإذا قال في حديث: عن فلان ضعف لحاجة، ولا سيّما عمّن قيل إنّهُ لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه، فعَدُّوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع. واللّه أعلم.

أي إنّ الحسن إذا قال في حديث: (عن فلان) ضَعُفَت روايته عن فلان لحاجته إلى ذلك القول، لا سيّما في ما يرويه عمَّن لم يسمعهمٌ مثل رواياته عن أبي هريرة ونحوها مّمن روى عنهم في حين أنّه لم يشاهدهم.

وبترجمته بطبقات ابن سعد بسنده عن علي بن زيد أنّه قال:

حدّثت الحسن بحديث فإذا هو يحدّث به، قال: قلت يا أبا سعيد! من حدّثكم؟ قال: لا أدري! قال: قلت أنا حدّثتكم.

وروى ـ أيضا ـ أنّه قيل له: أرأيت ما تفتي الناس أشياء سمعتها أم برأيك؟ فقال: لا واللّه ما كلّ ما نفتي به سمعناه، ولكنَّ رأينا خيرٌ لهم من رأيهم لانفسهم(12) .

تخرّج من مدرسته واصل بن عطاء (ت: 131 هـ) مؤسّس مذهب الاعتزال، وابن أبي العوجاء أحد مشاهير الزنادقة. قيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت في مالا أصل له ولا حقيقة! قال: إنّ صاحبي كان مخلّطا؛ يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر، فما أعلمه اعتقد مذهبا فدام عليه.

قتله على الزندقة والي الكوفة سنة 155 هـ، قال عند قتله: «لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرِّم فيه ما أحلَّ اللّه، وأُحرِّم فيه ما أحلَّ اللّه، فطَّرتكم يوم صومكم وصوّمتكم يوم فطركم»(13) .

ج ـ يزيد بن أبان الرقاشي:

المحدّث القاصّ البصري والزاهد البكّاء من غير دراية وفقه.

في ترجمته في تهذيب الكمال للمزّي وتهذيب التهذيب لابن حجر ما موجزه(14) .

أ ـ عن زهده:

جوّع نفسه وعطّشها، ذبل جسمه ونهك بدنه وتغيّر لونه. كان يبكي ويُبكي جلساءه ويقول ـ مثلا ـ: تعالوا نبكي على الماء البارد يوم الظَّمأ، ويقول: على الماء البارد السلام بالنهار، قال: وفعل مالم يقله رسول اللّه ولم يفعله، وقال اللّه سبحانه: (قُلْ مَن حَرَّمَ زينةَ اللّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيِّباتِ مِن الرِّزقِ قُل هي لِلّذينَ آمَنُوا في الحياة الدُّنيا).

ب ـ عن رأيه: كان ضعيفا قدريا(15) .

ج ـ عن قيمة رواياته:

رووا عن شعبة أَنّه قال: لان أقطع الطريق أحبُّ إليَّ من أن أروي عنه، وقال: لان ازني أحبُّ إليّ من أن أروي عنه.

وقالوا في حديثه: منكر الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه!

وقال أبو حاتم: كان واعظا بَكّاء كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر، وفي حديثه ضعف.

وفي تهذيب التهذيب: قال ابن حبّان: كان من خيار عباد اللّه من البكّائين بالليل، لكنّه غفل عن حفظ الحديث شغلا بالعبادة حتى كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا تحلّ الرواية عنه إلاّ على جهة التعجُّب.

وفاته:

توفّي يزيد بن أبان قبل العشرين ومائة هجرية(16) .

دراسة متون الروايات:

أوّلا ـ رواية وهب:

موجز الرواية: أنّ النبيَّ داود (ع) خلا بنفسه يوما للعبادة وأكبّ على التوراة يقرؤها، إذْ أقبلت حمامة من ذهب فوقعت بين يديه، فأَهوى اليها ليأخذها فطارَتْ غَيرَ بعيدٍ عَنهُ. فما زال يتبعها حتّى أشرف على امرأة جاره أوريا، وكانت عارية تغتسل، فأعجبه جمالها، فلمّا أحسّت به جلَّلت نفسها بشعرها فازداد افتتانا بها، فدبَّر أمر قتل زوجها الّذي كان في الغزو ثمّ تزوّجها، فتسوّر عليه الملكان وكان من أمرهما ما تحدّث عنه القرآن الكريم.

في هذه الرواية جاء مرَّة: قال وهب، وأخرى: قال (في ما يزعم أهل الكتاب)، وبذلك خرج من عهدة روايتها.

ولمّا رجعنا إلى التوراة وجدنا في سفر صموئل الثاني خبر رؤية داود يتشبع زوجة جاره أوريا من سطح داره وإعجابه بها وجلبه إيّاها إلى داره، وأنّه ضاجعها فحملت منه سفاحا إلى آخر القصة التي أوردنا مصوّرها في الملحق الثاني في آخر الكتاب.

ويظهر من مقارنة رواية وهب هذه بما جاء في خبر داود في سفر صموئيل من التوراة أنّه أخذ بعض القصة من التَّوراة وبعضا آخر منها من كتب إسرائيلية أخرى كان قرأها ـ كما كان يخبر عن قراءته إيّاها ـ، وهذا النوع من الروايات سُمّى في علم دراية الحديث بـ‍ «الروايات الاسرائيلية أو الاسرائيليات».

ثانيا ـ رواية الحسن البصري:

إنَّ موجز رواية البصري هو موجز رواية وهب نفسه، غير أنّ البصري أضاف في أوّل القصة: أنّ داود كان قد جزأ الدهر أربعة أيام، ولسنا ندري هل أضافه اليها من خياله وابتكاره أوْ أَنَّه أخذه من راوٍ آخر من رواة الاسرائيليات؟

وعلى أيّ حال، لم يذكر البصري سند روايته هذه، وإنّما أرسلها ارسالا، ولو أنّه حين رواها ذكر مصدرها وقال إنّه رواها من وهب بن منبّه أو غيره من رواة الروايات الاسرائيلية؛ لهان الامر وتمكّن الباحثون من العثور على مصدر الرواية وأدركوا بسهولة أنّها من الروايات الاسرائيليّة، وبإرساله الرواية غُمَّ أمر الرواية على الباحثين، وبما أنّه إمام الائمة في العقائد فقد كان لروايته أثرٌ مضاعفٌ على فهم العقائد الاسلاميّة.

وجلّ رواة الروايات الاسرائيلية يفعلون ما فعله البصريّ ويرسلون ما يروونه من الروايات الاسرائيلية دون ذكر مصدر الرواية، ومن ثمّ يَغمُّ أمر تلك الروايات على غير أهل دراية الحديث.

ثالثا ـ رواية يزيد الرقّاشي:

إنّ يزيد بن أبان قال: إنّه سمعها من الصحابي أنس الذي سمعها من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبذلك كذب على أنس وعلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الزاهد العابد، البكّاء، وكم يكون أثر رواية يرويها أمثال يزيد من العبّاد في وعظهم وقصصهم!؟ وهل يعرف غير المتخصِّصين بعلم دراية الحديث أنّ يزيد الرقّاشي أسند ما سمعه من الحسن البصري إلى الصحابي أنس إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويأتي بعدهم المفسّرون أمثال الطبري (ت: 310 هـ)

إلى السيوطي (ت: 911 هـ) ويوردون تلك الاساطير في تفاسيرهم. والامر لا يقتصر على من ذكرناهم هنا من رواة الروايات الاسرائيلية، بل يتعدَّاهم إلى غيرهم من صحابة وتابعين، كما ذكرنا بعضهم في الجزء الخامس والثاني عشر من قيام الائمة بإحياء السنّة(17) مثل:

1 ـ الصحابي عبد اللّه بن عمرو بن العاص: الذي أصاب راحلتين من كتب أهل الكتاب في بعض الغزوات، وكان يروي عنهما دونما ذكر لمصدر رواياته.

2 ـ الصحابي تميم الداري: الذي أسلم بعد أن كان راهب النصارى، وكان يقصّ في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجمعة قبل خطبة الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب، ويقصّ يومين في الاسبوع على عهد الخليفة عثمان.

3 ـ التابعي كعب الاخبار:

كان قد اسلم على عهد الخليفة عمر، وأصبح من علماء المسلمين على عهد الخليفتين عمر وعثمان.

ثمّ من أخذ من هؤلاء وألَّف تفسير القرآن مثل:

4 ـ مقاتل بن سليمان المروزي الازدي بالولاء (ت: 150 هـ).

كان مشهورا بتفسير كتاب اللّه. وقال الشافعي:

(الناس كلّهم عيال على ثلاثة: على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام):

كم يا تُرى دَسَّ مقاتل من الاسرائيليات في رواياته التي اعتمدوها وكم اختلق مما روى وأسند؟!(18)

نتيجة الدراسة

نقل وهب الرواية المفتراة على نبي اللّه داود (ع) من كتب أهل الكتاب وصرّحَ بمصدرها، ورواها إمام الائمة الحسن وأرسلها دون الاشارة إلى مصدرها، ودلَّس المحدّث القاصّ الزاهد العابد البكّاء يزيد بن أبان وقال: سمعها أنس من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولا يقتصر هذا النوع من التدليس وإسناد الروايات الاسرائيلية إلى الصحابة بهذا المورد وحده، وإلى هذا الصحابي وحده، فقد أكثروا في إسناد أمثالها إلى الصحابي ابن عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد اللّه بن عباس، ونحتاج لدراستها إلى بحوث مقارنة مبسوطة، وبمراجعة الصفحة الاخيرة من تفسير السيوطي «الدرّ المنثور» ينكشف لنا بعض الامر.

***

وهكذا نجد منشأ الخبر المفترى على داود (صلى الله عليه وآله وسلم) قصص التوراة، وكذلك تسرَّبت الاخبار الاسرائيلية إلى تفسير القرآن، فكونّت للمسلمين رؤية غير صحيحة عن سيرة الانبياء، وكان ذلكم خبر زواج داود (ع) بأرملة أوريا وما افتروا عليه في ذلك، ومنشأه، والصحيح من خبره، وفي ما يأتي الصحيح من خبر زواجي زينب بنت جحش بزيد ثمّ برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

خبر زواج الرسول بزينب بنت جحش في الرواية:

قال الخازن في تفسير آية: (وَتُخفي في نَفْسِك...):

«وأصحُّ ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بنَ عُيَيْنة عن عليّ بن زيد بن جدعان، قال: سألني زين العابدين عليّ بن الحسين قال: ما يقول الحسن ـ أي البصري (ت: 110 هـ) ـ في قوله تعالى: (وَتُخفي في نَفسِكَ ما اللّهُ مُبديهِ وَتخشى النّاسَ واللّهُ أَحقُّ أَن تَخشاه)؟ قلت، يقول: لما جاء زيدٌ إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه! إنّي اريد ان أُطلّق زينب، أعجبه ذلك وقال: أمسك عليك زوجك واتّق اللّه. فقال علي بن الحسين: ليس كذلك، فإنّ اللّه عزّ وجلّ أعلمه أنّها ستكون من أزواجه، وأنّ زيدا سيطلّقها، فلما جاء زيد قال: إني أريد أن أطلّقها، قال له: أمسك عليك زوجك. فعاتبه اللّه تعالى وقال: لِمَ قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك؟

قال الخازن:

وهذا هو الاولى والاليق بحال الانبياء، وهو مطابق للتلاوة... الخ.

وتفصيل خبر زواج زينب بزيد أوّلا ثّم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الايات والروايات كالاتي:

أ ـ الايات في خبر زواج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بزينب بنت جحش:

قال اللّه سبحانه في سورة الاحزاب:

(وَمَا كانَ لُمِؤمِنٍ وَلاَ مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمرا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أِمرِهِم وِمَن يَعصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلاَلا مُّبِينا* وَإذْ تَقولُ لِلَّذِي أَنعَم اللّهُ عَلَيهِ وَأِنعَمتَ عَلَيهِ أَمسِك عليكَ زَوجَكَ وَاتَّقِ اللّهَ وِتُخفي في نَفسِكَ ما اللّهُ مُبدِيهِ وَتَخشى النَّاسَ وَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخشاهُ فَلَمّا قَضَى زَيدٌ مِنْها وَطَرا زَوَّجناكَها لِكَي لا يَكُونَ على المُؤمِنِينَ حَرَجٌ في أَزواجِ أَدعِيَائِهِم إِذا قَضَوْا مِنهُنَّ وَطَرا وَكانَ أَمرُ اللّهِ مَفعُولا* مَا كانَ على النَّبيِّ مِن حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللّه لَهُ سُنَّةَ اللّهِ في الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَكَانَ أَمرُ اللّهِ قَدَرا مَّقدُورا* الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَيَخشَوْنَهُ وَلايَخْشَونَ أَحَدا إلاّ اللّهَ وَكَفى بِاللّهِ حَسِيبا* ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِن رِجالِكُمْ وَلكن رسُولَ اللّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِينَ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيٍ عَليما) (الايات 36 ـ‍ 40).

ب ـ تأويل الايات في روايات مدرسة الخلفاء:

روى الطبري في تأويل الاية عن وهب بن منبِّه: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد زوّج زيد بن حارثة زينب بن جحش ابنة عمّته، فخرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما يريده، وعلى الباب ستر من شعر فرفعت الريح الستر فانكشف وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا وقع ذلك كرهت إلى الاخر، فجاء ـ زيد ـ فقال: يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّي أريد أن أَفارق صاحِبَتي، قال: مالك؟ أَرابك منها شي‌ء؟ قال: لا واللّه ما رابني منها شي‌ء يا رسول اللّه ولا رأيت إلاّ خيرا... الحديث(19) .

ووردت ـ أيضا ـ رواية أُخرى في هذا الصدد بالمضمون نفسه عن الحسن البصري سوف نوردها ضمن روايات أهل البيت في تأويل الايات إن شاء اللّه تعالى.

دراسة الروايتين:

أ ـ سندهما:

نقلوا الروايتين عن وهب بن منبّه والحسن البصري، ونضيف إلى ما أوردناه في ترجمتهما: أن كليهما كانا قد ولدا بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأعوام، فكيف يرويان عمّا حدث في عصر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرسلانه إرسالا دونما ذكر مصدرهما؟!

ب ـ متنهما:

محور الخبر أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أعجبه جمال زينب عندما رآها بغتة بلا حجاب، ورغب في طلاق زيد إيّاها وأخفى ذلك في نفسه.

وبيان زَيف ذلك: أن زينب كانت ابنة عمّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد نزل حكم الحجاب بعد زواج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بزينب، وكان قد رآها قبل أن يزوّجها من زيد مرارا وتكرارا، وقد افترى على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من قال ذلك، والصحيح في الخبر ما ننقله عن كتب السيرة في ما يأتي بإذنه تعالى:

خبر زواج زينب بزيد أوّلا ثمّ بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد طلاق زيد إياهّا:

كان من خبر زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أنّه أصابه سباء في الجاهلية وبيع في بعض أسواق العرب، فاشتُري لخديجة، ثمّ وهبته خديجة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يُبعث وهم ابن ثماني سنين، فنشأ عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبلغ الخبر أهله فقدم أبوه وعمُّه مكة لفدائه، فدخلا على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالا: يا ابن عبد المطلب! يا ابن هاشم! يا ابن سيّد قومه! جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه! فقال: من هو؟ قالا: زيد بن حارثة، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): فهلاّ غير ذلك؟ قالا: ما هو؟ اُدعُوه وخيّروه فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فوَاللّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا، قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت، فدعاه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم! هذا أبي، وهذا عمّي! قال: فأنا من عرفت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما. قال: ما أريدهما وما أنا بالّذي أختار عليك أحدا، أنت منّي مكان الاب والعمّ! فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبوديّة على الحريّة وعلى أبيك وأهل بيتك؟ قال: نعم، ورأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالّذي أختار عليه أحدا أبدا، فلمّا رأى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك أخرجه إلى الحجر ـ في بيت اللّه ـ فقال: يا من حضر! اشهدوا أنّ زيدا ابني يرثني وأرثه، فلمّا رأى ذلك أبوه وعمّه طابت نفوسهما وانصرفا(20) .

ونُسِبَ زيد بعد ذلك إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل له: زيد بن محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزوّجه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمته وحاضنته برّة السوداء الحبشية، وكانت قد تزوّجت قبله من عبيد الحبشي، وولدت له أيمن فكُنِّيَتْ بـ (أمّ أيمن)، فولدت في مكّة أُسامة من زيد(21) .

كان ذلكم خبر تبنّي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لزيد، ثمّ تزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زينب كالاتي خبره:

خبر زواج زيد من زينب ابنة عمّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

بعد الهجرة إلى المدينة خطب زينب ابنة أميمة ابنة عبد المطلب عدّة من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأرسلت أخاها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تستشيره في أمرها، فقال: فأين هي ممّن يعلّمها كتاب ربّها وسنّة نبيّها؟ فسألت: من هو؟ فقال: زيد! فغضبت وقالت: تزوّج ابنة عمتك مولاك! لست بناكحته!

أنا خير منه حسبا! أنا أيِّم قومي(22) ، فأنزل اللّه تعالى: (وَما كانَ لمؤمنٍ وَلا مُؤمنةٍ إذا قَضى اللّهُ وَرسولُهُ أمرا أن يكونَ لهُم الخِيَرَةُ مِن أمرِهِم وِمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسولَهُ فقد ضَلَّ ضَلالا مُبِينا) (الاحزاب 36)، فرضيت فزوَّجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من زيد بعد أمّ أيمن السوداء الحبشية، ولها أُسامة بن زيد، فكانت تعلو على زيد وتشتد وتأخذه بلسانها، فكان يشكوها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحاول تطليقها، واقتضت مشيئة اللّه وحكمته أن يتزوّجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد زيد ليُلغى بذلك التبنّي بين المسلمين، وأشعره الوحي بذلك، فخشي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول الناس تزوّج حليلة ابنه، فكتم الوحي في نفسه وقال لزيد: إتّق اللّه وأمسك عليك زوجك، ولّما ضاق زيد ذرعا بزوجته زينب طلقها وانقضت عدتّها، فنزلت الايات على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة واحدة تخبر عمّا وقع وتبيّن حكم المتبنّي في شريعة الاسلام:

(فَلَمّا قَضى زَيدٌ مِنها وَطَرَا زَوَّجناكَها لِكَي لا يكونَ على المؤمنينَ حَرَجٌ في أَزواجِ أَدعيائهم*.... مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِن رِجالِكُم وَلكنْ رَسُولَ اللّهِ وَخاتَمَ النَّبيِّين...) (الاحزاب 37 ـ 64).

وقال عزّ اسمه لِسائر المؤمنين: (وَما جَعَلَ أَدعياءكُم أَبناءكُم ذلِكُم قَولُكُم بِأفواهِكُم وَاللّهُ يَقولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهدي السَّبيل * أُدعوهُم لابائهم هُوَ أَقسَطُ عِندَ اللّه فَإنْ لَمْ تَعلَموا آباءهُم فَإِخوانُكُم في الدِّينِ وَمَواليكُم) (الاحزاب 4 ـ 5).

***

أوردنا في ما سبق مثالين من آيات أخطأ العلماء في تأويلها بسبب ما ورد في رواياتٍ مُفْتَراةٍ على الانبياء، ونورد في ما يأتي أمثلة من آيات أخطأ البعض في تأويلها دونما استناد إلى رواية:

5 ـ‍ آيات أخطأوا في تأويلها

أ ـ نسبة العصيان إلى آدم (ع) في سورة طه حيث قال تعالى:

(وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (الاية 121).

ب ـ في سورة الانبياء: حيث قال إبراهيم عن تكسير الاصنام (بَل فعلهُ كَبيرُهُم) في حين أنّه هو الذي كان قد كسَّرها، كما قال سبحانه:

(فَجَعَلَهُم جُذَاذا إِلاّ كَبِيرا لَهُم لَعَلَّهُم إلَيهِ يَرجِعُون* قَالُوا مَن فَعَلَ هذَا بِآلَهِتِنَا إنَّهُ لَمِنَ الظَّالمِينَ* قَالُوا سَمِعنَا فَتىً يَذكُرُهُم يُقَالُ لَهُ إِبرَاهِيمُ* قَالُوا فَأْتُوا بِهِ على أَعيُن النَّاسِ لَعَلَّهُم يَشهَدُون* قَالُوا أَأَنتَ فَعَلتَ هذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبراهِيمُ* قَالَ بَل فَعَلَهُ كَبيرُهُم هذَا فَاسأَلوهُم إِن كانُوا يَنطِقُونَ* فَرَجَعُوا إِلى أَنفُسِهِم فَقَالُوا إِنَّكُم أَنتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا على رُؤُسِهِم لَقَد عَلِمتَ مَا هَؤلاَء يَنطِقُون) (الايات 58 ـ 65).

ج ـ أخبر اللّه سبحانه في سورة يوسف (ع) انّ وَزَعَتَهُ(23) قالوا لاخوته (إنَّكُم لَسارِقُون) في حين أنّهم لم يكونوا قد سرقوا صواع الملك، حيث قال تعالى:

(فَُلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهازِهِم جَعَلَ السِّقَايَةَ في رَحل أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُم لَسَارِقُون* قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيهِم مَاذَا تَفقِدُون* قَالُواْ نَفقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ وَلُمن جَآء بِهِ حِملُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيم* قَالُوا تَاللّهِ لَقَد عَلِمتُم مَا جِئنَا لِنُفسِدَ في الارض وَمَا كُنَّا سَارِقين* قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنْتُم كَاذِبينَ* قَالُوا جَزاؤهُ مَن وُجِدَ في رَحلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذَلِكَ نَجزِي الظَّالِمِين* فَبَدَأَ بِأَوعِيَتِهِم قَبلَ وِعاء أَخِيهِ ثُمَّ استَخرَجَهَا مِن وِعاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدنَا لِيُوسُف مَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخاهُ فيِ دِينِ المَلِكِ إِلاّ أَن يَشَاء اللّهَ نَرفَعُ دَرَجَاتٍ مَن نَشَاء وَفَوقَ كُلِّ ذِي عِلمٍ عَليم* قَالوا إِن يَسرِقْ فَقَد سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِن قَبلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ في نَفسِهِ وَلَم يُبدِهَا لَهُم قَالَ أَنتُم شَرُّ مَكانا وَاللّهُ أَعلمُ بِمَا تَصِفُون* قَالُوا يا أَيُّها العَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبا شَيخا كَبِيرا فَخُذ أَحَدَنَا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِن المُحسِنِينَ) (الايات 70 ـ 78).

د ـ أخبر اللّه سبحانه في سورة الانبياء أنّ النبّي ذا النون (ع) ظنّ أن اللّه لن يقدر عليه حيث قال تعالى:

(وَذا النُّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِبا فَظَّنَّ أَن لَن نَقدِرَ عَلَيهِ فَنادى في الظُّلُماتِ أَن لا إِلهَ إلاّ أَنتَ سُبحَانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظَّالمِينَ* فَاستَجَبنَا لَهُ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذلِكَ نُنجي المُؤمِنِين) (الايات 86 ـ 88).

هـ ـ أخبر اللّه تعالى في سورة الفتح أنّه سبحانه غفر بعد الفتح ما تقدّم من ذنب خاتم الانبياء وما تأخر، وقال سبحانه وتعالى:

(إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَا مُبِينا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعمتَهُ عَلَيكَ وَيَهدِيكَ صِراطا مُستَقيما* وَيَنصُرَكَ اللّهُ نَصرا عَزِيزا) (الايات 1 ـ 3).

***

هذه إلى آيات اُخرى لم يفطنوا إلى تأويلها، وسندرسها بَعْدَ تفسير الكلمات وبعض المصطلحات في ما يأتي بإذنه تعالى:

____________

(1) سجّى ثوبه على وجهه: غَطّاه، واستحثّ راحلته: استعجلها.

(2) الخبر في مادة الحجر في معجم البلدان، وخبر غزوة تبوك في سيرة ابن هشام (4 / 164 ـ 165)، ومغازي الواقدي (1006 ـ 1008)، وإمتاع الاسماع (454 ـ 456)، ومسند أحمد (2 / 9 و58 و66 و72 و74 و91 و96 و113 و137 و3 / 296)، وصحيح البخاري (3 / 61 و99) ذكر غزوة تبوك، وتفسير سورة الحِجْرِ، وصحيح مسلم كتاب الزهد، الحديثان: 39 و40.

(3) بابل في العراق بين الكوفة وبغداد، وجسر الصراة كان على نهر الصراة بالقرب من بغداد.

راجع مادتي (بابل) و(الصَّراة) بمعجم البلدان.

(4) صفّين، ص 135.

(5) في البحار (41 / 168) عن علل الشرائع ص 124، وبصائر الدرجات (58)

(6) تفسير الطبري (23 / 95 ـ 96) ط. دار المعرفة بيروت.

(7) تفسير الطبري (23 / 96) ط. دار المعرفة ببيروت. والسيوطي (5 / 148) واللفظ للاوّل.

(8) بتفسير الاية في تفسير الطبري (23 / 96)، ط، دار المعرفة ـ بيروت ـ والسيوطي 5 / 300 ـ 301.

(9) طبقات ابن سعد، ط. أوروبا (5 / 395)، وكشف الظنون (1328)، وتاريخ العرب قبل الاسلام، لجواد علي (1 / 44).

(10) ترجمته في وفيات الاعيان لابن خلكان ط. الاولى (1 / 354) وطبقات ابن سعد، ط. اوروبا 7 / 1 / 120.

(11) (1 / 527) رقم الترجمة 1986.

(12) الحديثان بطبقات ابن سعد (8 / 120) ط. اوروبا (7 / 1 / 120).

(13) ترجمة واصل بن عطاء في وفيات الاعيان لابن خلّكان، وترجمة ابن أبي العوجاء في بحث الزندقة والزنادقة في الجزء الاوّل من خمسون ومائة صحابي مختلق والكنى والالقاب، ط. صيدا (1 / 192).

(14) راجع ترجمته بتهذيب الكمال للمزي مخطوطة المكتبة الظاهرية مصوّرة المجمع العلمي الاسلامي، (8 / 264) (أ ـ ب)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (11 / 309 ـ 311).

(15) طبقات ابن سعد ط. اوروبا (ج 7 / ق 2 / 13).

(16) راجع ترجمته في تهذيب التهذيب، (11 / 309 ـ 311).

(17) لقد طبعا بالفارسية باسم «نقش أئمّه در إحياء دين».

(18) راجع ترجمة تاريخ بغداد (12 / 160 ـ 169) رقم الترجمة 7142، وفيات الاعيان (4 / 240 ـ 242) رقم الترجمة 4 ـ 7، وتهذيب التهذيب (10 / 279 ـ 285)، وميزان الاعتدال (4 / 172) رقم الترجمة 7841).

(19) تفسير الطبري، ط. دار المعرفة ببيروت (22 / 10 ـ 11).

(20) اسد الغابة (2 / 224 ـ 227).

(21) ترجمة اُم أيمن في اسد الغابة (7 / 303)، والاستيعاب ص 765 رقم الترجمة 2، والاصابة (4 / 415 ـ 417) الترجمة رقم 1145.

(22) ألاَّيم وجمعه الايامى: المرأة لا زوج لها والرجل لا زوجة له.

(23) ألوَزَعَةُ: الموظفون من قبل ولاة الامر.