عود على بدء

إنّ الربّ الرّزّاق علّم بوساطة الانبياء والاوصياء والعلماء ضيفه الانسان في هذا العالم كيف يتناول من النعم التي أعدّها اللّه؛ ما ينفعه ولا يضرّه، عاجلا في هذه الدنيا وآجلا في الاخرة، قال سبحانه:

أ ـ في سورة البقرة:

(يا أيُّها الّذينَ آمنوا كُلوا مِن طيِّباتِ ما رزقنَاكُم واشكُروا للّه) (الاية 172).

ب ـ في سورة المائدة:

(يَسألونكَ ماذا أُحِلَّ لَهُم قَل أَحلَّ لَكُم الطَّيِّبات) (الاية 4).

ج ـ في سورة الاعراف في وصف خاتم أنبيائه (صلى الله عليه وآله وسلم):

(وَيحلُّ لَهم الطَّيِّباتِ وَيحرِّمُ عَلَيهِم الخَبائث) (الاية 157).

إذا فإنّ الربّ خلقنا وسَخَّرَ لنا ما خلق من حولنا وَرَزقَنا في الدنيا من الطيّبات نتيجة زرعنا وغرسنا.

وكذلك يرزقنا نتيجة أعمالنا آجلا في الاخرة، كما قال سبحانه:

أ ـ في سورة الحجّ:

(وَالّذينَ هاجَرُوا في سَبيل اللّهِ ثُمَّ قُتِلوا أَو ماتوا ليرزقَنّهم اللّه رِزقا حَسنا) (الاية 58).

ب ـ في سورة مريم:

(إلاّ مَن تابَ وَآمنَ وَعَمِلَ صالحا فَأولئكَ يَدخُلونَ الجنَّةَ وَلا يُظلَمونَ شَيئا* جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتي وَعَدَ الرَّحمانُ عبادَهُ بِالغَيبِ إنَّهُ كانَ وَعدُهُ مَأتيّا* لاَيَسمَعونَ فيها لَغوا إلاّ سَلاما وَلَهُم رِزقُهُم فيها بُكرةً وَعشِيَّا) (الايات 60 ـ 63).

إذا فإنّ الربّ الحكيم يجزي الانسان بعمله عاجلا في الدنيا وآجلا في الاخرة، كما أخبر سبحانه عن ذلك في عدّة سور، منها قوله تعالى:

أ ـ في سورة الزلزلة:

(فَمَن يَعملْ مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرا يَرَه* وَمَن يَعملْ مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرَّا يَرَه) (الايتان 7 و8).

ب ـ في سورة يس:

(فَاليَومَ لا تُظلمُ نَفسٌ شَيئا وَلا تُجزَونَ إلاّ ما كُنتُم تَعملون) (الاية 54).

أجل إنّ الانسان الذي يزرع الحنظل في الدنيا يجني الحنظل، والذي يغرسُ الاشجار المثمرة يجني أطايب الثمر، كما قال سبحانه في سورة النجم:

(وَأنْ لَيْسَ لِلانسَانِ إلاّ مَا سَعَى* وَأنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (الايتان 40 و41).

ولا يقتصر تلقّي الانسان جزاء عمله بالحياة الدنيا، بل يتلقّى جزاءه في عوالم خمسة وهي:

أ ـ عند الممات.

ب ـ في القبر.

ج ـ في المحشر.

د ـ في الجنّة والنّار.

هـ ـ يورث جزاء عمله لخلفه في الدنيا.

***

لقد ذكرنا مثالا من تلقِّي الانسان جزاء عمله في الدنيا، وفي ما يأتي ندرس بإذنه تعالى كيف يُجزى الانسان بآثار عمله عند الممات.

3 ـ‍ كيف يُجزى الانسان بآثار عمله عند الممات

إنّ أوّل مرحلة من مراحل الاخرة هو الموت، وقد قال سبحانه في وصفه:

(وَجَاءتْ سَكْرَةُ المَوتِ بِالحَّقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنه تَحيد) (ق / 19).

أي جاءت غشية الموت وشدتّه التي تغلب على عقل الانسان، ذلك الموت الذي كنت تهرب منه.

وقال تعالى:

(قَل يَتَوَفّاكُم ملَكُ المَوتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُم ثُمَّ إلى رَبِّكُم تُرجَعون) (السجدة / 11).

ولا منافاة بين قوله تعالى هذا وقوله: (اللّهُ يَتوفَّى الانفُس) (الزمر 42)، وقوله تعالى: (تَتَوفّاهُم الملائكة) (النحل 28 و 32)، و (تَوفَّتهُ رُسُلنا) (الانعام 61).

فإنّ الملائكة هم رسل اللّه وهم أعوان ملك الموت في قبض الارواح، وكلّهم يقبضون الروح بأمر اللّه. إذا فإنّ اللّه هو يتوفّى الانفس حين يأمر الملائكة بذلك(1) .

إبتداءا من هذه المرحلة من مراحل الاخرة ينتهي تمكن الانسان من العمل الذي كان ميسَّرا له في الحياة الدنيا ويبدأ بتلقِّي جزاء عمله، ومّما يجزي في بدء هذه المرحلة ما رواه الصدوق بسنده عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «صوم رجب يهوّن سكرات الموت»(2) .

وتنقسم حال الانسان في هذه المرحلة بحسب عمله إلى صنفين، كما أخبر سبحانه وقال:

(فَأمَّا إن كانَ مِنَ المقرَّبِين* فَرَوحٌ وَرَيحانٌ وَجَنَّتُ نَعيم* وَأَمّا إن كانَ مِن أَصحابِ اليَميِن* فَسَلامٌ لك مِن أَصْحابِ اليَمِين* وَأَمّا إن كانَ مِنَ المُكَذّبينَ الضَّالّينَ* فَنُزُلٌ مِن حَميم* وَتَصليَةُ جَحِيم) (الواقعة 88 ـ 94).

وأخبر تعالى عمّا يتلقّاه الصنف الاوّل وقال:

(يا أَيَّتها النَّفْسُ المطمئِنَّة* أرْجِعي إلى ربِّكِ راضِيةً مرضِيَّة* فَادْخُلي في عِبادي* وَادخُلي جنَّتي) (الفجر 27 ـ 30).

وأخبر عن الصنف الثاني وهم الذين ظلموا أنفسهم في الحياة الدنيا وقال تبارك وتعالى:

(حَتّى إذا جاء أحدَهُمُ المَوتُ قالَ رَبِّ ارْجِعونِ* لَعلِّي أعملُ صالحِا فيما تَركتُ كَلاّ إنَّها كلمةٌ هوَ قائِلها وَمِن وَرائهم بَرزخٌ إلى يَومِ يُبعثُون) (المؤمنون 99 - 100).

شرح الكلمات

أ ـ يتوفّى:

وفّاه حقّه: أعطاه إيّاه كاملا، وتوفّاه: أخذه كاملا، وتوفّى اللّه أو ملك الموت الانسان إذا قبض روحه بإماتته، وتوفّاه اللّه وقت النوم بسلبه تمييزه وبعض حواسّه فكأنّما يتوفّى روحه.

ب ـ حميم:

الحميم: الماء الشديد الحرارة.

ج ـ تصلية:

صَلى الشي‌ء: ألقاه في النار، وصلاه النار: احرقه وأصلاه النار وصلاّه بها وفيها وعليها: شواه بالنار، وتصلية جحيم أي إحراق بالحميم.

د ـ برزخ:

البرزخ: الحاجز والحدّ بين الشيئين.

***

يدرك الانسان من هذه المرحلة ما فيها نهاية الحياة الدنيا وهو موات جميع أعضاء الانسان، وليست له وسيلة لفهم ما بعد ذلك إلاّ بما أخبرت به الانبياء، فإن كان ممَّن صدّق الانبياء وآمن بهم في ما أخبروا به عن صفات اللّه وما جاءوا به من شريعة إلهيّة، آمن بما أخبروا به عن عالم الاخرة مرحلة بعد أخرى، ولا يمكن قياس ما أخبرت به الانبياء عن الاخرة بما رآه وعرفه في الحياة الدنيا، فإنّ ما وهبه اللّه من وسائل المعرفة خاصّة بهذه الحياة، ولا مجال لعملها في ما أخبرت عنه الانبياء عن الاخرة وكما ذكرناه سابقا، ومن الاحاديث التي وردت عن آثار الاعمال عند الممات ما ورد عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:

«صوم رجب يهوّن سكرات الموت»(3) .

وعن أبي عبد اللّه الصادق أنّه قال:

«من مات ولم يحجّ حجّة الاسلام دونما مانع يمنعه فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيّا»(4) .

4 ـ‍ كيف يُجزى الانسان بآثار عمله في القبر؟

قد حفلت كتب الحديث بما يلقاه الميّت في قبره من سؤال الملكين عن عقائده(5) وما يتلقّاه من آثار سوء خلقه وحسن خلقه وسائر أعماله، وأنّ القبر روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النار(6) .

وأنّه يعذّب من كان يمشي بالنميمة ولا يستتر عن البول(7) .

ويثاب من حسنت أخلاقه بدءا من القبر حتى سائر مراحل يوم القيامة(8) .

ومن أتمّ ركوعه لم يدخله وحشة في قبره(9) .

5 ـ‍ كيف يُجزى الانسان بآثار عمله في المحشر

أ ـ عند نفخ الصور:

يبدأ يوم المحْشر بنفخ الصُور للحشر للحساب، والصُور في اللغة العربية شي‌ء كالقرن يُنْفَخُ فيه فيكون له صوت، قال سبحانه:

(وَنُفِخَ فيِ الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السّمواتِ وَمَن في الارضِ إلاّ مَن شاء اللّهُ ثَمَّ نُفِخَ فِيه أُخرى فَإذا هُم قِيامٌ يَنظُرون) (الزمر / 68).

الصعق هنا صوت أثره الموت، وجاء في الحديث ما موجزه: انّ النفخ مرّتان: الاُولى: ينفخ الملك إسرافيل في الصور، فيموت جميع من في السموات والارض إلاّ من شاء اللّه وهم حملة العرش وجبرائيل وميكائيل وعزرائيل، فيقول اللّه لملك الموت: من بقي؟ وهو أعلم! فيقول: ياربّ لم يبق إلاّملك الموت وحملة العرش وجبرائيل وميكائيل! فيقول عزّ اسمه: قل لجبرائيل وميكائيل: فليموتا، فيقبض روحيهما فيقول اللّه لملك الموت: من بقي؟ وهو أعلم! فيقول: ياربّ! لم يبق إلاّ ملك الموت وحملة العرش! فيقول: قل لحملة العرش فليموتوا فيقبض أرواحهم فيقول له: يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: لم يبق إلاّ ملك الموت، فيقول: مت يا ملك الموت! فيموت ثمّ ينادي الجليل: لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه مجيب، فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله مجيبا لنفسه: «للّه الواحد الاحد». ثمّ ينفخ حين يشاء في الصور ثانية كما قال سبحانه: ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون(10) .

وقال سبحانه عن النفخة الثانية:

أ ـ (وَنُفِخَ في الصُّور فَجَمَعناهم جَمعا) (الكهف / 99).

ب ـ (وَيومَ يُنفَخُ فيِ الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّمواتِ وَمَن في الارضِ إلاّ مَن شاء اللّهُ وَكُلُّ أَتَوْهُ داخِرين) (النحل / 87).

ج ـ (وَنُفِخَ في الصُّورِ فَإذا هُم مِنَ الاجداثِ إلى رَبِّهم يَنسِلون* قالوا يا وَيلَنا مَن بَعَثنا مِن مَرقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحمنُ وَصَدَقَ المرسَلون* إن كانَت إلاّ صَيحةً واحدةً فإذا هُم جَميعٌ لَدينا مُحضَرون* فَاليوم لا تُظلَمُ نفسٌ شيئا ولا تُجزَوْنَ إلاّ ما كُنتُم تَعمَلون) (يس / 51 ـ 54).

أتوه داخرين: أي أذلاّء. والاجداث: القبور. وينسلون: ينفصلون، يجمعهم ويحشرهم جميعا كما قال سبحانه:

أ ـ (وَحَشرناهُم فَلم نُغادِر مِنهُم أحَدا) (الكهف / 47).

ب ـ (يَومَ يُنفخُ في الصّورِ وَنَحشرُ المُجرمينَ يَومئذٍ زُرقا) (طه / 102).

ج ـ (يَومَ نَحشرُ المتَّقينَ إلى الرَّحمنِ وَفدا) (مريم/ 85).

شرح الكلمات

زُرْقا لونه: صار إلى لون بين السواد والبياض فهو أزرق وجمعه: زرق. والمعنى هنا: زرق الابدان بمكابدة الشدائد أو عميا أو عطاشا.

وفدا:

وفد وفدا على الملك ونحوه: قدم عليه قاصدا اعطاءه، أو في طلب حاجة فهو وافد، والجمع: وفد ووفود.

ب ـ مشاهد يوم القيامة:

أخبر اللّه سبحانه عن مَشاهد يوم القيامة وقال تعالى:

أ ـ في سورة المطفِّفين:

(...مَبعوثون* لِيومٍ عَظيم* يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العَالمين) (الايات 4 ـ 6).

ب ـ في سورة النبأ:

(يَومَ يَقومُ الّروحُ وَالملائكةُ صَفا لا يَتَكلَّمونَ إلاّ مَن أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وَقالَ صَوابا) (الاية 38).

ج ـ في سورة الجاثية:

(وَخَلَقَ اللّهُ السَّمواتِ وَالارضَ بالحَقِّ وِلِتُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبتْ وَهُم لايُظلَمون) (الاية 22).

د ـ في سورة الاسراء:

(وَكُلَّ إنسانٍ ألزَمناهُ طائرهُ في عُنقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيامةِ كِتابا يَلقاهُ مَنشورا* أقرَأ كِتابكِ كَفى بِنَفسكَ اليَومَ عليكَ حَسيبا) (الايتان 13 و14).

هـ ـ في سورة الجاثية:

...كُلِّ أُمَّةٍ تُدعى إلى كِتَابِها اليَومَ تُجزَونَ ما كُنتُم تَعمَلون* هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيكُم بِالحقِّ إنَّا كُنَّا نَستَنسخُ ما كُنتُم تَعمَلون*... وَبَدا لَهم سَيّئاتُ ماعَمِلوا وَحاقَ بهم ما كانُوا بهِ يَسْتَهْزِئون* وَقيلَ اليومَ نَنساكُم كَما نَسِيتم لِقاء يَومِكم هذَا وَمَاواكُمُ النَّارُ وَما لَكُم من نَّاصِرين * ذلِكُم بأنَّكُمُ اتَّخَذتُم آياتِ اللّهِ هُزُوا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنيا فاليَومَ لا يُخرَجونَ مِنها وَلاهم يُستَعتَبون) (الايات 28 ـ 29 و33 ـ 35).

و ـ في سورة الحاقّة:

(فَأمّا مَن أُوتَي كِتابَهُ بِيَمِينهِ فَيقولُ هاؤُمُ اقْرَأوا كِتابِيَه*...* وأَمّا مَن أُوتَي كِتابَه بِشمالِه فَيَقولُ ياليتَني لَم أُوتَ كِتابِيه* وَلَم أدرِ ماحِسابِيَه) (الايات 19 ـ 26).

ز ـ في سورة الانشقاق:

(فَأمّا مَن أُوتَي كِتابَهُ بِيَميِنه* فَسوفَ يَحاسَبُ حِسابا يَسيرا*...* وَأَمّا مَن أُوتَي كِتابَه وَراء ظَهرِه* فَسَوفَ يَدعو ثُبورا) (الايات 7 ـ 11).

ح ـ في سورة آل عمران:

(وَلا يَحسبَنَّ الَّذينَ يَبخَلون بِما آتاهُمُ اللّهُ مِن فَضلهِ هُو خَيرا لَهُم بَل هُوَ شَرُّ لَهُم سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلوا بهِ يَومَ القيامَة) (الاية 180).

ط ـ في سورة غافر:

(وَيَومَ يَقومُ الاشهاد...) (الاية 51).

ي ـ في سورة النحل:

(وَيَومَ نَبعثُ في كلِّ أُمَّةٍ شَهيدا عَلَيهِم مِن أَنفسهِم وَجِئنا بِكَ شَهيدا على هؤلاء) (الاية 89).

ك ـ في سورة فصلت:

(... حَتّى إذا ما جاءوها شَهِدَ عَلَيهِم سَمعُهم وَأَبصارهم وَجُلودُهم بِما كانوا يَعْمَلونَ* وَقَالوا لِجلودِهم لِمَ شهِدتم عَلينا قالوا أَنطَقَنا اللّهُ الّذي أنطلقَ كُلَّ شَي‌ء...) (الايتان 20 ـ 21).

شرح الكلمات

أ ـ طائِرُهُ: كناية عن عمله من خير أو شرّ.

ب ـ ثبورا:

ثبر فلان: هلك، ودعوة الثبور: ما ينادي به الواقع في شدة ويطلب الموت ويقول: واثبوراه!

ج ـ سَيُطَوّقون:

طوّقه: جعل في عنقه طوقا من ذهب وما شابهه، ويطوقون ما بخلوا به معناه: تجسيد لبخله في أداء الحقوق في المال على صورة حيّة في رقبته كما في مفردات الراغب.

د ـ الشهيد والاشهاد:

شهد على كذا: أخبر به خبرا قاطعا فهو شهيد، والاشهاد جمع الشاهد مثل الاصحاب جمع الصاحب، وهم الانبياء ومن معهم حين يشهدون على أممهم وكلُّ ما يشهد بما صدر من الانسان من عمل.

وورد في الاثار عن آثار الاعمال في يوم القيامة:

أ ـ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أطولكم قنوتا في دار الدُّنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف»(11) .

ب ـ عن الوصيّ أنّه قال:

«إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الارض لعلَّ يصرف عنه الغلَّ يوم القيامة»(12) .

ج ـ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من بغى على فقير أو تطاول عليه واستحقره حشره اللّه يوم القيامة مثل الذرة على صورة رجل يدخل النار»(13) .

د ـ عن أبي عبد اللّه (ع):

«إنّ المتكبرين يجعلون في صورة الذر يتوطأهم الناس حتى يفرغ اللّه من الحساب»(14) .

الذر: صغار النمل وواحده: الذرّة.

6 ـ‍ كيف يُجزى الانسان بآثار عمله في الجنّة والنار

إنّ اللّه يجزي الانسان في الاخرة حسب عمله بالنعيم، ويجازيه كذلك بالعذاب بتجسيد أعماله التي صدرت منه في الحياة الدنيا، وأخبر اللّه عن ذلك في قوله تعالى:

أ ـ في سورة الحجّ:

(إنَّ اللّهَ يُدخلُ الّذين آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ جنّاتٍ تجري مِن تَحتِها الانهارُ...) (الاية 23).

ب ـ في سورة غافر:

(... وَمَنْ عَمِلَ صالحا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُو مُؤمنٌ فَأُولئكَ يَدخُلُونَ الجنّةَ يَرزَقونَ فيها بِغير حساب) (الاية 40).

ج ـ في سورة النساء:

(... مَن يَعملْ سُوءا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجدْ لَه مِن دُونِ اللّهِ وَليّا وَلا نَصيرا* وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ مِن ذَكَرٍ أو أُنثى وَهُو مُؤمنٌ فَأُولئكَ يَدخُلون الجنَّةَ وَلا يُظلمونَ نَقيرا) (الايتان 123 ـ 124).

د ـ في سورة الزمر:

(وَيَومَ القيامَةِ تَرى الّذينَ كَذَبُوا عَلى اللّهِ وُجوهُهم مُسوَدَّةٌ ألَيسَ في جَهنَّمَ مَثوىً لِلمُتكبِّرين*...* وَوُفِّيَت كُلُّ نَفسٍ مَا عَمِلَت...* وَسيقَ الّذينَ اتّقوا رَبَّهُم إلى الجَنّة زُمَرا...) (الايات 60 و70 ـ 73).

هـ ـ في سورة الزخرف:

(الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا وَكَانوا مُسْلِمِين* ادْخُلُوا الجَنَّةَ أَنْتُمْ وأزْوَاجُكُم تُحْبَرُون) (الايتان 69 ـ 70).

(وَتِلْكَ الجَنَّةُ التي أورثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون*... إنّ المُجْرِمِين فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ*.. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِنْ كَانُوا هُمُ الظّالِمِين) (الايات 72 و74 و76).

و ـ في سورة التوبة:

(... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا في سَبيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بعَذَاِبٍ أَلِيم* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا في نار جَهَنَّمَ فَتُكْوى بهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُم هذا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون) (الايتان 34 ـ 35).

روى الصدوق بسنده عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال:

أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الاذى ينادون بالويل والثبور:

رجل عليه تابوت من حجر فانّه مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها في نفسه أداء ولا مخلصا.

ورجل يجرّ أمعاءه، فانّه كان لا يبالي أين أصاب البول جسده.

ورجل يسيل فوه قيحا ودما، فإنّه كان يحاكي فينظر كلّ كلمة خبيثة فيفسد بها ويحاكي بها.

ورجل يأكل لحمه، فإنّه كان يأكل لحوم الناس بالغيبة ويمشي بالنميمة(15) .

وأخبر اللّه سبحانه أنّ لكلّ من الجنّة وجهنم أبوابا وقال سبحانه:

أ ـ في سورة (صلى الله عليه وآله وسلم):

(... وإنّ للمتّقينَ لحسنَ مَآب* جنّاتِ عدنٍ مفتَّحةٌ لهمُ الابواب) (الايتان 49 و50).

ب ـ في سورة الحجر مخاطبا إبليس ـ لعنهُ اللّه ـ:

(إنَّ عِبادي لَيسَ لَك عَلَيهم سُلطانٌ إلاّ مَنِ اتَّبعَكَ مِنَ الغاوين*... *لَها سَبعةُ أَبوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنهم جُزء مَقسوم) (الايتان 42 ـ 44).

شرح الكلمات

أ ـ نقيرا:

النقير: النقطة التي في وسط نواة التمر ومنها تنبت النخلة، ويضرب بها المثل في الشي‌ء الذي لا قيمة له.

ب ـ مَثْوى:

ثوى ثواءا، الثواء: الاقامة مع الاستقرار، ومثوى: اسم مكان من الثواء.

ج ـ زُمَرا:

الزمرة: الفوج والجماعة، والجمع: الزُّمَر.

د ـ مآب:

آب إليه أوبا ومآبا: رجع رجوعا.

هـ ـ جنات عدن:

عدن بمكان كذا: استقر، وجنّات عدن: أي جنات استقرار وثبات.

تفسير الايات بالروايات

ورد في تفسير الاية ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«ثمانية للجنَّةِ أبواب، وللنار سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض»(16) .

وعن الامام علي (ع) أنّه قال:

أتدرون كيف أبواب جهنّم؟ قلنا كنحو هذه الابواب، قال: لا ولكنّها هكذا: ووضع يده فوق يده وبسط يده فوق يده. وفي تفسير القرطبي بعده: بعضها فوق بعض وروى عن رسول اللّه: «أهل كل طبقة فيها»(17) .

وعن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال في تفسير جزء مقسوم:

«لكلّ باب منهم ـ من أهل النار ـ جزء مقسوم يعذّب كلّ جزء على قدر أعمالهم»(18) .

وفي الختام نذكر بعض الاحاديث التي تشرح الايات السابقة وتبيّن آثار الاعمال جملة وتفصيلا:

أ ـ في أصول الكافي بسنده عن الامام جعفر الصادق (ع)، أنّه قال:

«من أدخل على مؤمن سرورا خلق اللّه عزَّ وجلَّ من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته، فيقول له: أَبشِرْ يا وليَّ اللّه بكرامة من اللّه ورضوان، ثمّ لا يزال معه حتى يُدخله قبره [يلقاه]، فيقول له مثل ذلك، فإذا بُعِثَ يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثمّ لا يزال معه عند كلّ هول يبشّره ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك اللّه؟ فيقول: أنا السرورُ الذي أدخلتَهُ على فلان»(19) .

ب ـ في البحار نقلا عن معاني الاخبار للصدوق، بسنده عن أبي عبد اللّه الصادق، أنّه قال:

«من نَفَّسَ عن مؤمن كربة نَفَّس اللّهُ عنه كرَبَ الاخرة وخرج من قبرهِ وهو ثَلِجَ الفؤادِ، ومن أطعمه من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنة، ومن سقاه شربة سقاه اللّه من الرحيق المختوم»(20) .

ج ـ في أصول الكافي عن الامام أبي الحسن (ع)، أنّه قال:

«إنّ للّهِ عبادا في الارض يَسعَون في حوائج الناسِ، هم الامنون يوم القيامة، ومن أدخل على مؤمن سرورا فرَّحَ اللّه قلبه يوم القيامة»(21) .

د ـ في أصول الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه الصادق (ع)، أنّه قال:

«ما قضى مسلمٌ لمسلمٍ حاجة إلاّ ناداه اللّه تبارك وتعالى: عليَّ ثوابُكَ، ولا أرضى لكَ بدونِ الجنَّة»(22) .

هـ ـ في ثواب الاعمال ما موجزه:

عن الامام جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (ع) قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

«وفي ثواب الاعمال، عن معروف بن خرَّبوذ، عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقول: ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدُّنيا فيسترجع عند مصيبته حين تفجأه المصيبة، إلاّ غفر اللّه له ما مضى من ذنوبه إلاّالكبائر الّتي أوجب اللّه عليها النار، قال: وكلّما ذكر مصيبة فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها وحمد اللّه، غفر اللّه له كلّ ذنب اكتسبه فيما بين الا سترجاع الاوّل إلى الاستراجاء الثاني إلاّ من الكبائر من الذنوب»(23) .

استرجع: قال: إنّا للّه وإنا إليه راجعون.

وفي البحار عن الامام أبي عبد اللّه (ع)، قال:

«قال رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): قال اللّه تعالى: ما من عبدٍ أُريدُ أن اُدخله الجنّة إلاّ ابتليتهُ في جسده، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ سلَّطتُ عليه سلطانا، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ ضيَّقتُ عليه في رزقه، فإن كانَ ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ شدَّدت عليه عندَ الموتِ حتى يأتيني ولا ذنبَ لهُ حتى اُدخِلَهُ الجنة...» الحديث(24) .

وفي صحيح البخاري أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«ما من مسلم يصيبه أذىً إلاّ حات اللّه عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر»(25) .

وفي رواية أخرى:

«ما من مصيبة تصيب المسلم إلاّ كفَّر اللّه بها عنه حتى الشوكة يشاكها»(26) .

وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلاّ كفّر اللّه بها سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها»(27) .

وفي صحيح البخاري ومسند أحمد، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ما يصيب المسلم من نَصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتى الشوكة يشاكها إلاّكفّر اللّه بها من خطاياه»(28) .

7 ـ‍ جزاء الصّبر

كما إنّ اللّه جعل لكلّ عمل يصدر من الانسان جزاء في الدنيا وجزاء في الاخرة، كذلك جعل اللّه لصبر الانسان على المكاره والمصائب جزاء في الدنيا وجزاء في الاخرة، وقد أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الصبر يكون على ثلاثة أنواع، كما روى ذلك عنه وصيّه الامام علي، وقال:

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «الصّبرُ ثلاثةٌ: صَبرٌ عِندَ المصيبةِ، وَصَبرٌ على الطّاعةِ، وَصَبرٌ عَنِ المعصية»(29) .

وقد أخبر اللّه في سورة الاعراف أنّه جزى بني إسرائيل بما صبروا في الحياة الدنيا، وقال تعالى:

(وَأَورَثْنَا القَومَ الَّذينَ كانوا يُستَضعَفونَ مَشارِقَ الارضِ وَمَغارِبهَا الَّتي بَارَكْنَا فيها وَتَمَّت كَلِمةُ رَبّكَ الحُسنى على بَني إسرائيلَ بِما صَبروا وَدمَّرنا مَا كانَ يَصنعُ فِرعَونُ وَقَومهُ وَما كانوا يَعرِشُون) (الاية 137).

وأخبر عن جزاء الانواع الثلاثة من الصبر في سورة البقرة، وقال:

أ ـ (ولَنَبلوَنّكم بِشَي‌ء مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الاموالِ والانفسِ وَالثّمَرات وَبَشّرِ الصَّابِرين* الّذينَ إذا أصابَتهم مُصيبةٌ قالوا إنّا للّهِ وإنّا إليهِ راجِعون* أُولئكَ عَلَيهِم صَلواتٌ مِن رَبِّهم وَرَحمةٌ وَأُولئكَ هُم المهتدون) (الايات 155 ـ 157).

ب ـ (ليسَ البِرَّ أَن تُوَلّوا وُجوهَكُم قِبَلَ المْشرِقِ وَالمغرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللّهِ وَاليومِ الاخِرِ وِالْمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ وَآتَى المَالَ على حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِينَ وَابنَ السَّبيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفي الرّقابِ وَأقامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفونَ بِعَهدِهِم إذا عاهَدُوا وَالصَّابِرينَ في البأساء وَالضَّرَّاء وَحِينَ البَأسِ أُولئكَ الَّذينَ صَدَقوا وَأُولئكَ هُم المُتّقون) (الاية 177).

في هاتين الايتين من سورة البقرة: إنّ المتقين هم الذين يعملون الصالحات ويتّصفون بالانواع الثلاثة من الصبر.

ومن أنواع الصبر على الطاعة والمصيبة صبر المؤمنين على الاذى والسخرية لايمانهم باللّه، كما أَخبر اللّه تعالى عنه وقال:

أ ـ في سورة المؤمنون:

(إِنَّهُ كانَ فَريقٌ مِن عِبادِي يَقُولونَ رَبَّنا آمَنّا فَاغفِر لَنا وارحَمنا وَأَنت خَيرُ الرَّاحِمِين* فَاتَّخَذتُمُوهم سِخريّا حَتّى أَنسوكُم ذِكِري وَكُنتم مِنهُمْ تَضحَكون* إنّي جَزَيْتُهم الْيَوْمَ بِما صَبَروا أَنَّهم هُم الفائزون) (الايات 109 ـ 111).

ب ـ في سورة القصص:

(الَّذِينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ مِن قَبلِهِ هُم بِهِ يُؤمِنُون* وَإذا يُتلى عَلَيهِم قَالُوا آمَنّا بِهِ إنَّهُ الحقُّ مِن ربِّنا إنَّا كُنَّا مِن قَبلِهِ مُسلِمِين* أُولئِكَ يُؤتونَ أَجرَهُم مَّرتَينِ بِما صَبروا وَيَدرَأونَ بِالحسَنَةِ السَّيئَةَ وَمِمَّا رَزَقناهُم يُنفِقون* وَإذا سَمِعوا اللَّغْوَ أَعرَضوا عَنه وَقَالوا لَنَا أَعْمالُنا وَلَكُم أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيكُم لانبتغي الجاهلين) (الايات 52 ـ 55).

وفي سورة الرعد بشرّ الذين صبروا وأقاموا الصلاة وقال سبحانه:

(وَالَّذينَ صبَروا ابتِغاء وَجهِ رَبّهم وَأَقَاموا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُم سِرّا وَعَلانِيَةً وَيَدرَأونَ بِالحسَنَةِ السَّيّئَةَ أُولَئكَ لَهُم عُقبى الدَّار* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدخُلُونها وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِمْ وَأزواجِهِم وَذُرِّيّاتِهِم وَالمَلائِكةُ يَدخُلونَ عليهم مِن كُلِّ باب* سَلامٌ عليكم بما صبرتُم فنِعمَ عُقبى الدار) (الايات 22 ـ 24).

شرح الكلمات

أ ـ يعرشون:

المعنى هنا ما يدعمون به ملكهم.

ب ـ البأس والبأساء: الشدّة والمكروه والحرب، والمقصُود من البأساء هنا الشدّة والمكروه، ومن البأس ساعة الحرب.

ج ـ يَدَرأون:

دَرَأَ: دفع، ودرأ عنه الشر: دفعه.

أجر الصابرين وجزاؤهم في الروايات:

في البحار بسنده عن الصّادق (ع)، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا نُشِرَت الدّواوين، ونُصِبَت الموازين، لم يُنْصَبْ لاهل البلاء ميزان، ولم يُنْشَرْ لهم ديوان، وتلا هذه الاية (إنمّا يُوَفَى الصّابرون أجرهم بِغيرِ حساب)(30) .

وفي البحار بسنده عن الامام زين العابدين (ع)، قال:

«إذا جمع اللّه الاوَّلين والاخرين ينادي منادٍ أين الصّابرون ليدخلوا الجنّة جميعا بغير حساب، قال: فيقوم عنق من الناس فتتلقّاهم الملائكة فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون إلى الجنّة، فيقولون: وقبل الحساب؟ فقالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصّابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه عزَّ وجلَّ، قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين»(31) .

وفي ثواب الاعمال بسنده عن الامام أبي جعفر الباقر (ع)، أنّه قال:

«من لَقِيَ اللّه مكفوفا محتسبا مواليا لال محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لَقِيَ اللّه ولا حساب عليه»(32) .

مكفوفا: كَفَّ بصره وكُفَّ: ذهب فهو مكفوف.

***

كان لكم أمثلة ممّا يتلقّاه الانسان جزاء لعمله أو لصبره على المكاره. وفي ما يأتي ندرس بحوله تعالى توارث جزاء الاعمال.

8 ـ‍ توارث جزاء العمل

أخبر اللّه سبحانه عن توريث الانسان جزاء عمله لعقبه، وقال سبحانه:

أ ـ في سورة النساء:

(وَليَخشَ الّذينَ لَو تَرَكوا مِن خَلفِهم ذُرِّيَّةً ضَعافا خافوا عَلَيهم فَليَتّقوا اللّهَ وَليَقولوا قَولا سَديدا* إنَّ الّذينَ يَأكُلونَ أموالَ اليتامى ظُلما إنّما يأكلونَ في بُطونِهم نارا وَسَيَصلَوْنَ سَعيرا) (الايتان 9 و10).

ب ـ سورة الكهف:

(فَانطَلَقا حَتّى إذا أَتَيا أَهلَ قَريةٍ اسْتَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أن يُضيِّفوهما فَوَجدا فيها جدارا يُريدُ أنْ يَنقضَّ فَأَقامهُ قالَ لَو شِئتَ لَتَّخَذتَ عَلَيه أَجرا*...* وَأَمّا الجدارُ فَكانَ لِغلامينِ يَتيمَينِ في المدينةِ وَكانَ تَحتَهُ كَنزٌ لَهما وَكانَ أبوهُما صالِحا فَأرادَ رَبُّكَ أن يَبلُغا أشُدَّهما وَيَستَخرِجا كَنزَهما رَحمةً مِن رَبِّك...) (الايتان 77 ـ 82).

شرح الكلمات

أ ـ سديدا:

سدّ سدادا، السدّاد: الصواب من القول، وقولا سديدا أي صوابا موافقا للعدل والشرع.

ب ـ سعيرا:

سَعَّرَ النار والحرب: أوقدهما وهيّجهما، ونار سعير: موقدة مهيجة، والمراد بالسعير جهنم.

ج ـ ينقضّ:

نقض البناء: هدمه، ويريد أن ينقض: يريد أن ينهدم.

د ـ أَشدّهُما:

شدّ: قوي، ويبلغا أشدّهما أي يبلغا قوّتهما.

أعمال يبقى أثرها بَعدَ حياة المتوفّى:

من الاعمال ما يبقى أثرها للانسان المتوفّى ويلحقه ضررها أو نفعها بعد حياته، كما جاء في الخصال عن الامام أبي عبد اللّه الصادق (ع)، أنّه قال:

«ليس يَتبعُ الرجل بعد موتِه من الاجرِ إلاّ ثلاثُ خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موتِهِ إلى يوم القيامة، صدقةٌ موقوفةٌ لا تُورَثُ، أو سُنَّةُ هدىً سَنَّها وكانَ يَعملُ بها وعَمِلَ بِها مِن بَعدِهِ غيره، أو ولدٌ صالحٌ يَستغفرُ له».

وشرحه في حديث آخر، وقال (ع):

«ستُّ خصالٍ ينتَفعُ بها المؤمنُ من بعد موته: وَلدٌ صالح يستغفرُ لهُ ومصحف يقرأُ فيه، وقليبٌ يحفرُهُ، وغرسٌ يغرسُهُ، وصدقةُ ماء يجريِه، وسنَّةٌ حسنةٌ يؤخذُ بها بعده»(33) .

***

ذكرنا آثار العمل في الدنيا والاخرة وتوارث آثار العمل، ومن آثار العمل منح ربّ العالمين لعبده حقّ الشفاعة كما سندرسه في البحث الاتي بحوله تعالى.

____________

(1) سورة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، آية 27.

(2) ثواب الاعمال، باب ثواب صوم رجب الحديث / 334.

(3) ثواب الاعمال للصدوق (131 ـ 132).

(4) ثواب الاعمال (537).

(5) راجع مادّة نكر من سفينة البحار.

(6) راجع مادّة قبر من سفينة البحار.

(7) ثواب الاعمال: ص 515، الحديث 1، وصحيح مسلم: كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ص 240 ـ 241، سنن الدارمي: كتاب الطهارة، باب الاتّقاء من البول (1 / 188)، وسنن ابي داود: كتاب الطهارة، باب الاستبراء من البول (1 / 34 ـ 35)، وسنن إبن ماجة: كتاب الطهارة، باب التشديد في البول 1 / 124 ـ 125، ومسند أحمد (1 / 225، 5 / 266، 417، 419)، وصحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستر من بوله (1 / 64)، وكتاب الادب، باب الغيبة (8 / 20)، وباب النميمة من الكبائر منه (8 / 21).

(8) ثواب الاعمال (/ 334)، باب ثواب ادخال السرور على الاخ المؤمن.

(9) سفينة البحار (1 / 524)، مادّة ركع.

(10) تفسير الاية في الدر المنثور (5 / 336 ـ 337)، والبحار نقلا عن الكافي وغيره (6 / 326) وقد أوردنا موجز الروايات.

(11) ثواب الاعمال ص 55.

(12) ثواب الاعمال ص 55 ـ 56.

(13) ثواب الاعمال، ص 655.

(14) ثواب الاعمال، ص 502، ح: 10.

(15) عذاب الاعمال ص 295 ـ 296.

(16) تفسير السيوطي (4 / 99 / 100).

(17) تفسير الاية في تفسير مجمع البيان والقرطبي والسيوطي.

(18) راجع المصدر رقم 21.

(19) أصول الكافي (2 / 191 ـ 192)، الحديث 12.

(20) البحار (6 / 355).

(21) أصول الكافي (2 / 197)، الحديث 2.

(22) أصول الكافي (2 / 194)، الحديث 7.

(23) البحار (82 / 127 ـ 128)، عن ثواب الاعمال ص 179.

(24) البحار (6 / 172)، عن كتاب التمحيص.

(25) صحيح البخاري (3 / 2 ـ 3)، كتاب المرضى باب شدّة المرض.

(26) صحيح البخاري: كتاب المرضى باب ما جاء في كفّارة المرض.

(27) صحيح البخاري (3 / 3)، كتاب المرضى، باب شدّة المرض، صحيح مسلم، كتاب البرّ والصلة والادب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه.

(28) صحيح البخاري (3 / 2)، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفّارة المرض، ومسند أحمد 3 / 180.

(29) البحار (82 / 139) نقلا عن مسكن الفؤاد، وراجع ص 136 منه.

(30) في البحار (82 / 145).

(31) في البحار (82 / 138).

(32) ثواب الاعمال ص 92 وص 464، واللفظ في الصفحة السابقة.

(33) الخصال للصدوق (1 / 73 و157)، كما نقله المجلسي في البحار (6 / 293) عنه.