الصفحة 192
أنّه كان "أبوه مولى للخيزران وكان من أمناء القضاة زماناً"؟

وأمّا عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذّن.

فقد قال ابن أبي حاتم عنه: سئل يحيى بن معين عن عبدالرحمن المؤذّن، فقال: مديني ضعيف ; روى عن أبي الزناد(1).

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: ضعيف من السابعة(2).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وعبدالرحمن ضعيف(3).

وقال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: ضعيف(4).

وقال البخاري في تار يخه الكبير: عبدالرحمن بن سعد فيه نظر، مولى بني مخزوم(5).

وقال المارديني الشهير بابن التركماني في الجوهر النقي: منكر الحديث(6).

وضعّفه ابن أبي حاتم، وقال ابن القطان: هو وأبوه وجدّه مجهولو الحال(7).

وقال الألباني في إرواء الغليل: عبدالرحمن بن سعد ضعيف وأبوه وجده لا يعرف حالهم(8).

وأمّا عبدالله بن محمد فقد ضعفه ابن معين(9).

____________

1- الجرح والتعديل 5: 238.

2- تحرير تقريب التهذيب 2: 321.

3- نيل الاوطار 3: 346.

4- الآحاد والمثاني 1: 65.

5- تاريخ البخاري الكبير 5: 287.

6- الجوهر النقي 3: 286.

7- الجوهر النقي 1: 394.

8- إرواء الغليل 3: 120.

9- الجوهر النقي 1: 394، 3: 287.


الصفحة 193
وسئل يحيى بن معين عن عبدالله بن محمّد وعمّار وعمر ابني حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم كيف حال هؤلاء؟ قال: ليسوا بشيء(1).

وأمّا عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ.

فقد قال ابن معين: ليس بشيء(2).

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن فيه لين، من السابعة(3).

وأمّا عمار بن حفص بن عمر بن سعد القرظ، فهو أخو عمر، وهو والد محمّد، روى عنه عبدالرحمن بن سعد(4).

قال البخاري: لم يصحّ حديثه(5).

وقال يحيى بن معين: ليس بشيء(6).

وأمّا حفص بن عمر بن سعد القرظ، فلم يسمع من جدّه ولا غيره من الصحابة، وربما نسب إلى جدّه فيتوهّمه الواهم أنّه تابعي(7).

وقد علّق ابن التركماني على أحد أحاديث حفص بن عمر في كتاب صلاة العيدين بقوله: إنّ حفصاً والد عمر المذكور في هذا السند إن كان حفص بن عمر

____________

1- انظر: تاريخ ابن معين (الدارمي) 169، الكامل في الضعفاء 5: 73، الضعفاء للعقيلي 2: 300 ـ 301، والجرح والتعديل 6: 103.

2- الجوهر النقي 3: 287 الجرح والتعديل 6: 102، المغني في الضعفاء 2: 464، تهذيب الكمال 21: 302، تهذيب التهذيب 6: 183.

3- تحرير تقريب التهذيب 3: 68.

4- التاريخ الكبير 5: 287.

5- ميزان الاعتدال 5: 211.

6- لسان الميزان 4: 271، الجرح والتعديل 6: 392.

7- معرفة علوم الحديث: 70 النوع الخامس عشر.


الصفحة 194
المذكور في السند الأوّل فقد اضطربت روايته لهذا الحديث، رواه ها هنا عن سعد القرظ، وفي ذلك السند رواه عن أبيه وعمومته عن سعد القرظ، فظهر من هذا أنّ الأحاديث التي ذكرها البيهقي في هذا الباب لا تسلم من الضعف. وكذا سائر الأحاديث الواردة في هذا الباب..(1)

وحكى الزيلعي عن "الإمام": وأهل حفص غير مُسمَّين، فهم مجهولون(2).

كان هذا حال رجال هذا الإسناد.


مع ما رواه الحافظ العلوي عن بلال


أمّا طريق الحافظ العلوي فهو أحسن من هذا بكثير، وإن كان فيه بعض الملابسات ; لأنّ الحافظ خرّج حديثه من طريق مسلم بن الحجّاج، وإن لم يكن في صحيحه:


حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، حدثنا معن بن عيسى، حدثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذّن، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر.


وهم خير من أولئك.

فمسلم بن الحجّاج، صاحب الصحيح، فهو إمام عند القوم.

وأمّا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة بن البرند بن النعمان أبو إسحاق البصري فقال عنه ابن أبي حاتم الرازي: سئل أبي عن إبراهيم بن أبي عرعره فقال: صدوق(3).

____________

1- الجوهر النقي 3: 287.

2- نصب الراية 1: 265.

3- الجرح والتعديل 2: 130.


الصفحة 195
وحكى عن عليّ بن الحسين بن حبّان أنّه قال: وجدت في كتاب أبي بخطّ يده قلت له ـ يعني يحيى بن معين ـ: أبو عرعرة؟

فقال: ثقه معروف الحديث، كان يحيى بن سعيد يكرمه، مشهور بالطلب، كيّس الكتاب ; ولكنه يفسد نفسه، يدخل في كلّ شيء(1). وجاء فيه بعض التليين.

وأمّا معن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي مولاهم القزّاز أبو يحيى المدني ; فهو في طبقة يعقوب بن حميد بن كاسب، فقد ترجم له المزّي في التهذيب(2)، قال أبو حاتم: أثبتُ أصحاب مالك وأوثقهُم معن بن عيسى، وهو أحب اليَّ من عبدالله بن نافع الصائغ ومن ابن وهب(3).

أمّا عبدالرحمن بن سعد المؤذن فضعيف حسبما عرفت.

وأمّا محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر، فهو أبو عبدالله المدني مؤذّن مسجد الرسول، ويقال له: كشاكش، وهو مولى الانصار ويقال: مولى عمّار بن ياسر(4).

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ما أرى به بأس(5)، وقال الدوري عن يحيى بن معين: لم يكن به باس(6).

وقال عليّ بن المديني: ثقة(7).

____________

1- تاريخ بغداد 6: 149 ـ 151 وفيه: سكن بغداد وحدّث بها عن يحيى بن سعيد القطّان وعبدالرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر ومحمد بن بكر البرساني ومعن بن عيسى...

2- تهذيب الكمال 28: 336.

3- الجرح والتعديل 8: 277 ـ 278 الترجمة 1271.

4- تهذيب الكمال 26: 163، تهذيب التهذيب 9: 358، التاريخ الصغير 2: 183.

5- العلل لأحمد 2: 485، بحر الدم فيمن مدحه أحمد أو ذمّ 141.

6- تاريخ بن معين برواية الدوري 1: 147.

7- لسان الميزان 7: 369 ـ 370، تهذيب الكمال 26: 163.


الصفحة 196
قال أبو حاتم: شيخ ليس به بأس، يُكتب حديثه(1).

وقال ابن حجر: لا بأس به، من السابعة(2).

وحفص بن عمر بن سعد القرظ قد عرفت حاله وهو مُتكلَّم فيه، والخبر موقوف عليه وليس بحجة.

ومع كلّ هذه الملابسات نرى هذا الإسناد أنظف ممّا رواه الطبراني في الكبير والبيهقي عن أبي الشيخ الإصفهاني عن محمّد بن عبدالله بن رُسته في السنن.


مع ما رواه السري عن أبي محذورة


ويعضد ثبوت الحيعلة الثالثة عن رسول الله ما رواه الحافظ العلوي بطرق متعددة ـ سيأتيك ذكرها تحت عنوان "تأذين الصحابة وأهل البيت" ـ عن أبي محذورة وأنّها اتفقت جميعاً على ثبوتها.

وأمّا رواية الحافظ العلوي بإسناده الذي فيه أحمد بن محمّد بن السري فإليك نصّها:


حدّثنا أبو القاسم عليّ بن الحسين العرزمي إملاءً من حفظه، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن السري التميمي، حدّثنا أبو عمران موسى بن هارون بن عبدالله الجمال، حدّثنا يحيى ابن عبدالحميد الحماني، حدّثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي محذورة، قال: كنتُ غلاماً


____________

1- الجرح والتعديل 8: 43.

2- تحرير تقريب التهذيب 3: 295.


الصفحة 197

صيّتاً، فأذّنت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لصلاة الفجر، فلما انتهيت إلى "حيَّ على الفلاح" قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): ألحق فيها "حيَّ على خير العمل"(1).


وهذا النص ـ كما تـراه ـ واضـح لا مغمز في لفظه ولا معناه، لكنّ المتأخّرين من علماء العامّة حرفوا النص عن وجهته فنقلوا الرواية بشكل آخر، قالوا:


زعم أحمد بن محمد بن السري أنّه سمع موسى بن هارون عن الحماني عن أبي بكر بن عياش عن عبدالعزيز بن رفيع عن أبي محذورة، قال: كنت غلاماً فقال النبيّ: اجعل في آخر أذانك «حيّ على خير العمل»(2).


وبناء على هذا التلاعب قال الحافظ ابن حجر في خبر السري:


"وهذا حدثنا به جماعة عن الحضرمي عن يحيى الحماني وإنما هو: اجعل في آخر أذانك الصلاة خير من النوم"(3).


لكن كلامه باطل من عدة جهات:

الأولى: أنّ مكان «حيّ على خير العمل» عند من يقول بها هي وسط الأذان لا في آخره، وأنّها من أصل الأذان لا زيادة فيه كالصلاة خير من النوم، وإنّما سوغ لهم هذا التلاعب تحريفهم نص السري عن وجهته، حيث جعلوا الحيعلة الثالثة في آخر الأذان، ليتسنى لهم ادعاء أنّ الرواية وردت بجعل «الصلاة خير من النوم» في آخره لا الحيعلة الثالثة.

الثانية: أنّ زيادة «الصلاة خير من النوم» جاءت متأخّرة، وقد قال مالك عنها

____________

1- الأذان بحيّ على خير العمل 15 ـ 16.

2- ميزان الاعتدال 1:283 ـ 284.

3- لسان الميزان 1: 268.


الصفحة 198
أنّها ضلال(1)، ورجع الشافعي عن القول بها في الجديد(2) ; لعدم ثبوت ذلك عن أبي محـذورة، وهو مؤشّر على عدم شرعيّتها في أصل الأذان، فلو كان الأمر كذلك فالزيادة مشكوك فيها ولا يمكن الأخذ بها، وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن الأسود بن يزيد قوله وقد سمع المؤذّن يقول «الصلاة خير من النوم» فقال: لا يزيدون في الأذان ما ليس سنّة(3).

الثالثة: إنّ ما زعمه ابن حجر من وضع حديث: نار تلتقط مبغضي آل محمّد، واتّهم به أحمد بن محمّد بن السريّ، فباطل.

إذ لا شاهد له على ذلك إلاّ استعظامه واستكباره أن يرد مثل هذا الحديث في فضل آل محمّد، ولو أنصف لعلم أنّ مبغضي آل محمّد في النار وأنّه لا استكبار ولا استعظام. وهناك روايات كثيرة تشير إلى هذا المعنى، فقد يكون أحمد بن محمّد بن السري نقل الحديث بالمعنى، وهو جائز عند الفريقين، ومحض الانفراد ـ لو صحّ ـ لا يدلّ على الوضع، خصوصاً مع أنّ لحديثه هذا شواهد ومتابعات كثيرة، وأحمد هذا ثقة بإجماعهم، ولم يعيبوا عليه إلاّ شيئاً لا يصح به قدح.

فأحمد بن محمّد بن السري المعروف بابن أبي دارم المتوفّى 351 هـ قال عنه الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي، بعد أنّ أرّخ وفاته: كان مستقيم الامر عامّة دهره، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ

____________

1- انظر: مواهب الجليل 2: 83 كتاب الصلاة، فضل الأذان والإقامة، حيث صرّح بأن التثويب ضلال، فتمحّل بعضهم وقالوا إن المراد بالتثويب «حيّ على خير العمل» وقال آخر المراد هو التثويب الثاني وهو خنق للحقيقة، خصوصاً وقد حكي عن مالك تجويزه الحيعلة الثالثة كما سيأتي في آخر القسم الثالث من هذا الفصل "جزئية حي على خير العمل"، والباب الثاني من هذه الدراسة "الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة".

2- الأمّ 1: 85.

3- مصنّف ابن أبي شيبة 1: 189.


الصفحة 199
عليه: إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن.

وفي خبر آخر في قوله تعالى: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ} عمر: {وَمِن قَبْلِهِ} أبو بكر {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} عائشة وحفصة، فوافقته على ذلك ; ثمّ أنّه حين أذَّن الناس بهذا الأذان الُمحدَث وضع حديثاً متنه: تخرج نار من عدن(1)...

وعليه فالخدشة في ابن أبي دارم جاءت لروايته المثالب لا لسوء حفظه واختلاطه بأخَرَة و..، بل لروايته أشياء لا ترضي الآخرين من القول برفس فاطمة، وشرعيّة حيّ على خير العمل، وأنّ النار تلتقط مبغضي آل محمّد وغيرها.

وقد تلحض مما سبق: إمكان الخدش في خبرَي أبي محذورة وبلال المُدَّعِيَيْنِ لنسخ الحيعلة الثالثة، والمُعَارَضَيْنِ بما رواه العلوي. ونلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ هذين الخبرين بمجردهما قد لا يصلحان لإثبات شرعية حيّ على خير العمل، بل إن ثبوتها عندنا يرجع إلى ما عندنا من طرق صحيحة في ذلك، ويؤيده تأذين أهل البيت والصحابة بذلك، وهو ما ستعرفه بعد قليل، الأمر الذي يتفق مع سيرة بلال وحياته الفكرية التي ستقف عليها في الفصل الثاني "حذف الحيعلة وامتناع بلال عن التأذين" من هذا الباب.

مشيرين إلى أنّ الملابسات العلمية التي تعرضنا لها آنفاً ينبغي أن تحدّ من إسراف من يدّعي النسخ ويلهج بوجود الناسخ بلا دليل مُرْض، وهذا هو الذي أشار إليه الشريف المرتضى (ت 436 هـ) بقوله:


وقد روت العامة أنّ ذلك مما كان يقال من بعض أيّام النبيّ وإنّما ادُّعي أنّ ذلك نُسِخَ ورُفِعَ، وعلى من ادّعى النسخ


____________

1- لسان الميزان 1: 268. ودعوى ابن حجر وغيره انّ هذا من مختلقات السري لا يثبت أمام الحقيقة العلمية، إذ روى هذا التأويل كثير من المحدثين ومن كتبوا في المثالب.


الصفحة 200

الدلالة له وما يجدها.


وممّا يضحك الثكلى أنّ البعض أسرف للغاية ; حيث رفض جزئية حيّ على خير العمل، مدّعياً أنّ الشيعة هم الذين أوجدوها وحشروها في كتب أهل السنة والجماعة لأنّ بقيّة الفرق الإسلاميّة لا تقول بذلك، كما أنَّ صحاحهم ومسانيدهم قد خلت من «حيّ على خير العمل».

وأمام احتمال طرح مثل هذه الشبهة، نقول: إنَّ هذه القضيّة لم تختصّ بالطالبيّين دون غيرهم على ما ضبطته لنا صفحات تاريخ السنّة والسيرة، بل أقرّها عدد من الصحابة وعملوا بها، ويكفينا أن نذكر هنا اسم ابن عمر فقط لأنّه الصحابي الذي كان مورد اعتماد أهل السنة والجماعة في فترات متعاقبة من التاريخ، حتّى أنَّ المنصور العبّاسيّ قد وجّه مالكاً حين تدوين كتاب "الموطّأ" بقوله: هل أخذت بأحاديث ابن عمر؟

قال: نعم.

قال المنصور: خذ بقوله وان خالف عليّاً وابن عباس(1).

وعلى ضوء هذا الأمر الحكومي يمكننا القول: إنّ الدولة العبّاسيّة قد اعتبرت فقه ابن عمر معياراً ومقياساً شاخصاً لتدوين السنّة، لأنّه لم يكن شخصاً عاديّاً، بل كانت شخصيته ذات أبعاد مبطّنة، وفي هذا المجال رأيناه يضفي على حياته هالة من القدسيّة في اقتفاء آثار النبيّ ومتابعته.

ويتلخص إشكال أهل السنة والجماعة في ثلاث نقاط:

إشكالهم الأوّل: ادّعاء أنَّ مصادرهم الحديثيّة المعتبرة قد خلت من الروايات التي تؤكّد ثبوت «حيّ على خير العمل» في الأذان، وأنّ السنن الكبرى للبيهقيّ،

____________

1- الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 147.


الصفحة 201
ومصنّف ابن أبي شيبة ـ اللَّذين ضمّا بين طيّاتهما مثل تلك الروايات ـ ليسا من الكتب الرئيسيّة التسعة، إذ هما من المصادر الثانويّة، لذا فهم لا يقولون بشرعيّة «حيّ على خير العمل» لأنّ صحيحي البخاريّ ومسلم لم يذكرا روايات تؤيّد ذلك!

إشكالهم الثاني: ادعاء أنّ رواة تلك الروايات المثبِتة لـ «حيّ على خير العمل» هم من الضعفاء، فتكون الروايات غير معتبرة من ناحية السند.

إشكالهم الثالث: إمكان القول بأنَّ عمل رسول الله هو الحجّة علينا لا عمل الصحابة، فلا حجّيّة في التزام ابن عمر الإتيانَ بـ «حيّ على خير العمل» في أذانه، لأنّ المسلم مكلّف باتّباع رسول الله لا غيره!

هذه هي جملة إشكالاتهم

أمّا ما يخصّ إشكالهم الأوّل ـ من أنّ صحاحهم وسننهم المعتبرة لم تذكر روايات تؤيّد شرعيّة «حيّ على خير العمل» وعلى الأخصّ فيما تمّ تدوينه في كتابي الشيخين البخاريّ ومسلم ـ فقد أجاب أحد الزيديّة عليه إجابة نقضيّة بقوله:


"وقالوا إن صحّت في الأذان الأوّل فهي منسوخة بالأذان الثاني، لعدم ذكره فيها.

وردّ هذا: بأنّه لا يلزم من عدم ذكره في الصحيحين عدم صحّته، وليس كلّ السنّة الصحيحة في الصحيحين، وبأنّه لو كان منسوخاً لما خفي على عليّ بن أبي طالب وأولاده كما في مسنداتهم، وهم السفينة الناجية بقول جدّهم سيّد البريّة: "أهل بيتي فيكم كسفينة نوح: مَن رَكبها نجا ومن تخلف عنها



الصفحة 202

غرق وهوى".

وما ذكره في كتاب (الأذان بحيّ على خير العمل) أنّها كانت ثابتة في الأذان أيّام النبيّ، وفي خلافة أبي بكر، وفي صدر من خلافة عمر ثمّ نهى عنها"(1).


وبعد ذكر جواب هذا الزيديّ على الإشكال الأوّل، نقول: إنّ من الثابت المعلوم أَنْ ليس باستطاعة كتبهم التسعة أن تضمّ جميع الأحاديث والروايات المرويّة على مرّ التاريخ، بل ولم يدَّعِ أصحاب تلك الكتب أنفسهم الإلمام بكلِّ ما رُوِي أو جمعهم لكل ما صح عن رسول الله.

بلى، إنّهم ادعوا أنّ أحاديثهم منتقاةٌ من الأحاديث الصحيحة، وبهذا المعنى صرح كلٌّ من النسائيّ والبخاريّ وابن ماجة وغيرهم، فهذا يقول إنَّه انتقى صحيحه من ستمائة ألف حديث صحيح، وذاك يقول إنّه أخذها من ثلاثمائة ألف حديث صحيح.. وهكذا.

وصحيح أنَّهم يصفون الأحاديث التي انتقوها بأنّها صحيحة، ولكنّهم بذات الوقت لا ينكرون صحّة بقيّة الأحاديث المتروكة عندهم ـ التي لم يشملها تدوينهم ـ فهم والحال هذه لا ينفون وجود أحاديث صحيحة عند الآخرين.

فلو لاحظت أحاديث عبدالله بن زيد الأنصاري المعتمدة عندهم في تشريع الأذان فلا تجدها في صحيحي البخاري ومسلم، ولم يأتِ بهما الحاكم في مستدركه، فما يعني هذا اذاً؟

ونحن قد بيّنّا أنّ ثمّة اتفاقاً بين الفريقين على ثبوت «حيّ على خير العمل»

____________

1- انظر: هامش مسند زيد بن علي: 84 عن الأذان بحيّ على خير العمل: 63 بتحقيق عزّان. والنص عن طبعة دار الحياة لمسند الإمام زيد.


الصفحة 203
في عهد رسول الله واستمرّ ذلك إلى أن جاء المنع من قبل عمر بن الخطاب، وبهذا تتأكّد شرعيّة وثبوت "حيَّ على خير العمل" إلى أنّ حكم عمر بن الخطّاب بعدم شرعيّتها، وعلى هذا الأساس فإنّ «حيّ على خير العمل» هي السنّة الحقّة وما خالفها ليس من سنّة الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله).

أمّا الإجابة على إشكالهم الثاني فهي غير مبتورة عن الإجابة على الإشكال الأوّل، إذ أنّ امتداد الإجابة بمثابة الردّ الفاصل على إشكالهم الثاني، لأنّهم يقولون بأنّ الروايات التي وردت فيها الحيعلة الثالثة «حيّ على خير العمل» ضعيفة السند، لأنّ أغلب رواتها من الضعاف... وهنا لابدّ لنا من الخوض في بحث منهجي مبنائيّ معهم ليكون حديثنا أكثر علميّة وأدقّ توجيهاً، فنقول:

هل ضوابط الجرح والتعديل المتّبعة في توثيق وتضعيف الرجال هي ضوابط قرآنيّة، أو هي مبنيّة على الهوى والهوس، أو تتحكّم بها الطائفيّة، كأن يكون للشافعيّة ضوابطهم الخاصّة بهم، وكذا للمالكيّة والحنفية وغيرهم.

فقد خدش ابن معين وأحمد بن صالح في الإمام الشافعيّ(1).

وذكر الخطيب البغداديّ أسماء الذين ردّوا على الإمام أبي حنيفة(2).

وقال الرازي في رسالة ترجيح مذهب الشافعيّ ما يظهر منه أنّ البخاري عدّ أبا حنيفة من الضعفاء في حين لم يذكر الشافعيّ(3).

وحكي عن أبي عليّ الكرابيسيّ أنّه كان يتكلم في الإمام أحمد، وكذا قدح

____________

1- انظر: هامش تهذيب الكمال 24: 380.

2- تاريخ بغداد 13: 370 وفيه اسم 35 رجلاً تكلّموا في الإمام أبي حنيفة.

3- طبقات الشافعية 2: 118.