هذه صفحات مضيئة، مملوءة بالحزن والأسى والألم، الّذي لم يبرح أهل بيت العصمة والطهارة (صلوات اللّه وسلامه عليهم)، طيلة حياتهم وبعد ارتحالهم، أحببت أن يعيشها ويلمسها بقلبه ومشاعره، كلّ مؤمن غيور على أولياء اللّه وأحبائه، كما وددت من هذه الصفحات أن تساهم في إعلاء كلمة الحق، ودحض الباطل، وتزييف الشبهات، سيراً على نهج سادتي وقادتي ومواليّ، ليهلك من يهلك عن بيّنة، وليحي من يحي عن بيّنة.
ومنذ اللحظة الأولى، التي خطر فيها ببالي الكتابة في هذا الموضوع، نويت أن يكون للنبي محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حبّاً وتقرّباً، وراجياً منه الشفاعة والقربى، وأملي أن أكتب عنده من أنصار محمد وآله(صلى اللّه عليه وآله وسلم).
فإليك أيّها النبي العظيم الحبيب، هذا العمل المتواضع، الّذي هو نفحة من نفحاتك، ونظرة من رحماتك، وعناية من فيوضاتك، قصر لساني عن شكرك، وكلّ بياني عن ثنائك، ولك المنّة، ولا أحد من خلق اللّه (سبحانه و تعالى) له المنّة عليك، بك اهتدينا، بل بك اهتدى الأنبياء والمرسلون، ولست مغالياً إن قلت: ما عرف مخلوق ربّه إلاّ بك، فلا تحرم يا مولاي عُبيدك من نظراتك وأنت في أعلى علّيين تحفّك عناية حبيبك، وعوّض هذا العاشق لك عن فراقك الطويل بجميل لقائك.
يتيم من أيتامكم
مقدمة
الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه (سبحانه و تعالى) ، أحمده وأستعينه على إحقاق حقّه وحقّ أوليائه، وأفوض أمري إليه، إنّه بصير بالعباد.
والصلاة والسلام على أشرف خلق اللّه محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، الّذين من نصرهم فقد نصر اللّه، ومن خذلهم فقد خذل اللّه.
في هذه الآونة الأخيرة، نرى المآسي المهولة التي لا تصدّق، لأنها أقرب إلى الخيال من الواقع، فمتى يقتل المؤمن أخاه المؤمن!!! ويدمر سكنى الأبرياء، ومن يُدّعى أنهم القادة، هم في بروجهم العاجية مع أولادهم وأصهارهم وأحفادهم، تجارة بالدماء، إما المغفلة البريئة أو المصلحيّة، فذهبت الدماء بإزاء المصالح الشخصية والأغراض الدنيوية.
والعجب كل العجب أنّه باسم الدين، حتى وصل الحال بأن ترفع إحدى الفئتين شعار الحسين صلوات اللّه وسلامه عليه، والأخرى ترفع شعار المهدي عجّل اللّه تعالى له الفرج.
ولو وقف الأمر عند هذا الحدّ لقلنا هذا ما جنته أيديهم، وحساب اللّه آتٍ لا محالة، وعند الصبح يحمد القوم السرى، إلاّ أنهم جاوزوا الحدّ بالتجري على
الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء، بنت أشرف الخلق محمد صلوات اللّه وسلامه عليهما وعلى آلهما.
نعم... أرادوا إخفاء ظلامة الزهراء صلوات اللّه وسلامه عليها، من حين مَنعِها من البكاء على أبيها، إلى هذا الحين حيث يُدَّعى أنّه لم يهجم على دارها أحد.
ورحم اللّه الشيخ الأصفهاني حيث يقول:
وللـسـياط رنّـة صـداهـا في مسمع الدهر فما أشجاها
نعم يسمع هذه السياط، ويسمع هذه الرنّة، من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أمّا من طبع على قلبه فهو لا يفقه ولا يعي ولا يسمع، غمرته الدماء فأعمته وأصمته. وما اللّه بغافل عما يعمل الظالمون.
وقد وقع التشكيك من ذلك القائل، المدّعي للعلم والإيمان وهما منه براء في كثير من العقائد الحقه، والّذي يهمّنا الآن في هذه الرسالة، أن نتعرض إلى تشكيكه بالهجوم على دار الزهراء(عليها السّلام) فقد بثَّ سموم التشكيك تارة بالتحفظ، وتارة بعدم المعقولية لحدوث هذا الأمر، وتارة بدعوى أن الزهراء صلوات اللّه وسلامه عليها كانت أقوى من أن يَهجم على دارها أحد، وأخرى أنّه لم يكن لها ولد اسمه المحسن، بل وصل الحدّ إلى أن أنكر وجود باب في ذلك الزمان، فمسحت الأبواب من ذاكرة التاريخ، وطمست كل معالم الحضارات السابقة، وكلّ ذلك حتّى تُبرأ ساحة شخص كانت جنايته في وضح النهار، بل أوضح من الشمس في رابعة النهار، وغير ذلك مما يندى له جبين المؤمن الغيور.
ومع غياب الشعور الديني المسؤول، أخذ الأمر يستفحل حتّى أصبح أتباعه، حتّى ممن يدّعي العلم والإيمان يؤيّدونه ويناصرونه في كلّ ما يقول، وإن أنكر أبده البديهيّات، ونفى أوضح الواضحات، فلا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم.
ونحن ذاكرون دفاعنا عن الزهراء صلوات اللّه وسلامه عليها، وردّ ما أثاره من الشبهات حول هذا الموضوع بعون اللّه وتوفيقه، كما أنّ لنا وقفات أخرى في إبطال فكر هذا المدعي، في رسائل أخرى إنشاء اللّه تعالى.
ولقد حاولت الاختصار في هذه الرسالة بما لا يخلّ بالغرض، فاقتطعت محلّ الشاهد من الأحاديث، أمّا كامل بعض الأحاديث الطويلة فمصدرها موجود في الحاشية لمن أراد الاستزادة.
وتعمدت إيراد الحديث الواحد، في أكثر من فصل بحسب دلالته، وما يصلح له من استدلال إن كانت له جهات استدلال متعددة، حتّى لا يلجأ القارئ العزيز، إلى المراجعات لما قرأه في الفصول السابقة.
وأكثر ما اعتمدت في بعض الفصول على روايات العامة، لأجل إثبات الغرض الأهم وهو التهديد بإحراق بيت علي وفاطمة(عليهما السلام)، وضرب الصديقة الزهراء(عليها السّلام)، وسقوط الجنين المحسن قتيلاً، أمّا بعض الفصول الأخرى مثل ـ واشتكى الجنين إلى جدّه ـ وإن ذكرت الرواية عن أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السّلام)، إلاّ أنّ المنصف يراه أمراً طبيعيّاً، لأنّه سيلقى جدّه على كلّ حال مشتكياً، بعد ما ثبت بالأدلة القطعية الّتي لا تقبل الجدل أنّه
مات قتيلاً، وإن لم يقم على ذلك دليل، والحال إنّ الدليل لمن يقبل كلام ذوي القربى صريح.
وأسأل اللّه (سبحانه و تعالى) أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله قربى ومحبّة لفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، كما أسأله تعالى أن يوفقني فيه ويوفق القارئ العزيز إلى إصابة الحق المحض الصّراح، وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت ومنه أسأل، إنّه سميع مجيب.
تمهيد
يفتتن النّاس بالباطل الّذي يلبس لباس الحقّ، أمّا ما كان محض الباطل فلا يشتبه على أحد لوضوحه، كما أنّ محض الحق لا يزيغ عنه أحد لتجليه، أمّا من خلط بين الأمرين فأخذ من الباطل نصيباّ، وأخذ من الحق مقداراً، فإنّه يلتبس على عامّة الناس، ولذلك نجد أنّ كل أصحاب البدع لم يأتوا إلى النّاس كمبتدعين، بل جاءوهم بدعوى الإصلاح، فانجرف من انجرف تحت الشعارات المزيفة، إلاّ من هدى اللّه وسدد بفضل منه (سبحانه و تعالى) ، وهذه الخطبة من سيّد البلغاء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، تبيّن لنا ما هي البدعة؟ وكيف يفتتن النّاس بها؟ فتعال معي ننصت بقلوب خاشعة إلى هذا النور المنهمر:
عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: خطب عليٌّ أمير المؤمنين(عليه السلام) الناس فقال: أيّها الناس، إنّما بدءُ وقوع الفتن أهواءٌ تتَّبع، وأحكام تبتدع، يخالَف فيها كتابُ اللّه، يقلّد فيها رجالٌ رجالاً، ولو أنَّ الباطل خلص لم يَخف على ذي حجى، ولو أنَّ الحقَّ خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث، فيمزجان فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه،
ونجا الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى(1).
نسأل اللّه (سبحانه و تعالى) أن نكون من الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى، إنّه ولي الأمر والتدبير والتوفيق والتسديد.
وما هو الموقف عند ظهور الفتن والبدع؟
لاشك انّه ليس التأييد وإلاّ لَتعدد المبتدع، بل ولا السكوت لأنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولم يقم باطل على مدار التأريخ إلاّ لخذلان المتفرجين، فقويت شوكة الباطل، وضعفت ظروف وفرص انتصار الحقّ، وتمادى الباطل في غيّه، بل لابدّ من القيام بالمسئولية الّتي أسداها الشرع المقدّس، إلى من أرادوا لأنفسهم أن ينهجوا نهج الأنبياء.
وللعالم مسئولية خاصّة، ولا يعني هذا أنّ غير العالم في حِلٍّ ، بل كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته، وكانت هذه الأمّة خير أمّة أخرجت للناس ماداموا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
قال تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر(2)}.
ومن المؤسف، نرى النّاس تجامل الباطل وتزوره وتوقره، وتبرر ذلك بالإنفتاح، وإنّ اتخاذ الموقف ضدّ المبتدع خلاف وحدة الصّف، مبررات لا يخلو منها كل فاعل حتّى من يفعل الشرّ، بل إنّ إبليس اللعين عندما عصى اللّه (سبحانه و تعالى)
____________
1- البحار ج2 ص315 ح83 .
2- سورة آل عمران 3\110 .
وتمرّد على حكمه، لم يكن ذلك بلا مبرر، بل المبرر عنده هو أنّه مخلوق من النار وآدم (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) مخلوق من الطين فهو أشرف خلقاً، وهو مبرر يمنعه من السجود، لكنّ الكلام في صحّة المبرر وعدمه، ولذا لا نقبل من أي أحد أن يقول لنا بوجود المبرر عنده، مادام حتى الشيطان اللعين له مبرره الغير مقبول.
فليحذر الأخوة المؤمنون، من زيارة المبتدع ومن احترامه، لأنّه هدم للإسلام، كما قال مولانا الإمام الصادق(عليه السلام): من مشى إلى صاحب بدعة فوقَّره فقد مشى في هدم الإسلام(1).
فإيّاك أخي المؤمن ثمّ إيّاك أن تحسب عند اللّه (سبحانه و تعالى) ممن هدم الإسلام من حيث لا تعلم.
إذن المسئولية العظمى تقع على عاتق رجل الدّين، وعليه بيان الحقّ للناس، وتنبيه كلّ غافل قد ينعق مع كلّ ناعق، يرى في ظاهر الشخص لباس الصّلاح الخادع، وإن كان يختفي تحت الثياب شيطان رجيم، وحقّاً إذا فسد العالِم فسد العالَم.
ولقد وردت الروايات في الحث على أنّ العالم عليه أن يظهر علمه إذا ظهرت البدع، وإن لم يفعل فأقلّ ما يقال في حقّه أنّه مؤاخذ.
روي عن النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) انّه قال: إذا ظهرت البدع في أُمّتي
____________
1- البحار ج2 ص304 ب34 ح45.
فليظهر العالم علمه، وإلاّ فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين(1).
ومن يقوم بواجبه الشرعي، فينقذ الناس من براثن النواصب، وفخاخ إبليس اللعين، فأولئك هم الأفضلون كما عبّرت الرواية الآتية:
روي عن علي بن محمّد الهادي(عليهما السلام) أنَّه قال: لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم(عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج اللّه، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين اللّه، ولكنّهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند اللّه عز وجل(2).
بل أكّدت الروايات أنّه لا يكتفى بالمناقشة والرّد الهادئ كما يُدّعى، بل لابد من إظهار البراءة منهم، وسبّهم بما يليق بالمؤمن، والوقيعة فيهم، ومداهمتهم حتّى يرى تكالب الإعتراضات والرّفض عليه، فلعلّه يكون ردعاً له أو عبرةً لغيره، ممن تسوّل له نفسه المريضة أن يحذو حذوه، ولا يكتفى بالمناقشة معه كما صنع البعض، كما يروي لنا الشيخ الكليني(رحمه الله) في الكافي(3) فقال:
____________
1- البحار ج57 ص234 .
2- الإحتجاج ص455 .
3- الكافي ج2 ص375 .
عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال: رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم):
إذا رأيتم أهل الرّيب والبدع من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبّهم، والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كيلا يطغوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم النّاس ولا يتعلّمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة(1).
فانطلاقاً من المسئولية الشرعيّة بادرت بتوفيق وتسديد وعون من اللّه (سبحانه و تعالى) ، بالقيام بهذا الجهد المتواضع، محتسباً ذلك جهاداً في سبيل اللّه (سبحانه و تعالى) ، مستجيباً لنداء أئمّة الحق صلوات اللّه وسلامه عليهم حيث قالوا:
من ردَّ صاحب بدعة عن بدعته فهو سبيل من سبل اللّه(2)
راجياً منه (سبحانه و تعالى) القبول والرضا، ومن نبيّنا محمد وآله الشفاعة والقربى.
____________
1- البحار ج75 ص235 ب66 .
2- البحار ج2 ص308 ب34 ح63.
المحسن في سطور
اسمه: سمّاه النبي محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالمحسن، قبل رحيله.
أبوه: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).
أمّه: سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السّلام).
جدّه لأمّه: أشرف الخلائق النبي محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم).
جدّه لأبيه: كافل النبي وحاميه أبو طالب(عليه السلام).
جدّته لأمه: أحب زوجات النبي للنبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد(عليها السلام).
جدّته لأبيه: من كان النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يناديها بأمّه؛ فاطمة بنت أسد(عليها السلام).
اخوته من أبيه وأمّه: الإمام الحسن والإمام الحسين والسيّدة زينب وأم كلثوم (عليهم السّلام).
مقتله: سقط جنيناً مقتولاً مظلوماً، عند عصر الزهراء(عليها السّلام) وراء الباب وضربها، وكان له ستة أشهر، كما يدلّ عليه الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) حيث قال: ... وإدخال قنفذ يده لعنه اللّه يروم فتح الباب، وضرب
عمر لها بالسوط على عضدها، حتّى صار كالدّملج(1) الأسود، وركل الباب برجله، حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن، لستة أشهر وأسقطها إيّاه(2).
وسنوافيك بتمام حديثنا حول هذا الموضوع وغيره، في البحوث القادمة إن شاء اللّه تعالى.
قاتله: عمر بن الخطّاب وجماعة، بأمر من أبي بكر بن أبي قحافة، كما سنوافيك به في الفصول الآتية بتوفيق اللّه تعالى.
مدفنه: بالمدينة المنوّرة (على ساكنها وآله أفضل الصلاة والسّلام).
____________
1- الدملج: شئ يشبه السوار تلبسه المرأة، وشبّه أثر الضربة به لبروزه وضهوره وانتفاخه فكأنّه أمر موضوع فوق الجسد.
2- البحار ج53 ص19 ب28 ح1 . والعوالم ج11 ص441 ـ 443. والهداية الكبرى للخصيبي ص392 و407 و417، وعن حلية الأبرار ج2ص652. وراجع فاطمة بهجة المصطفى ج2 ص532، عن نوائب الدهور للسيد الميرجهاني ص192.
التسمية بالمحسن
لقد وردت الروايات والأقوال المؤكدة أنّ النبي محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو الّذي سمّى سبطه بالمحسن، لأنّه كان الحريص على تسمية أبناء فاطمة(عليها السلام)، ولأنّ النبي محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يعلم بأنّ ابنته الصدّيقة الزهراء(عليها السّلام) كانت حاملة به، فبادر بتسميته لعلمه أنّه لا يدرك ميلاده، وأصبحت سيرة أهل البيت في تسمية أسقاطهم بالمحسن، ولنا مثال حيّ قريب المنال، وهو المحسن بن الإمام الحسين(عليه السلام) المدفون في سوريا بمدينة حلب، وله مقام مشيد معلوم، وأصبحت سيرة أتباعهم الّذين ينهجون نهج محمد وآله(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أن يُسمّوا أسقاطهم بالمحسن تيمناً واقتداءً.
وورد بعد ذلك الفعل، القول من أهل البيت بذلك، حتّى أنّ السقط يوم القيامة يحاجج أباه إذا لم يسمّه؛ بأنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) سمّى محسناً قبل أن يولد، وإليك النّص من معدن النبوة والإمامة(عليهم السّلام):
روى في تحف العقول(1):
أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه ودنياه ... إلى أن قال:
____________
1- تحف العقول ص 100-125 .
سمّوا أولادكم، فإن لم تدروا أذكر هم أم أنثى فسموهم بالأسماء الّتي تكون للذكر والأنثى، فإنّ أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تسموهم، يقول السقط لأبيه: ألا سمّيتني وقد سمّى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) محسناً قبل أن يولد(1).
هذا... وإليك أيضاً الأحاديث والأقوال الأخرى الّتي تدلّ على أنّ النبي محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو الّذي سمّى سبطه بالمحسن قبل أن يولد:
قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط(2):
وبأسمائهم سمّى النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) الحسن والحسين والمحسن.
وذكر العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي(رحمه الله):
في كتاب مرآة العقول، الذي شرح فيه أخبار أصول الكافي والروضة، قال: فضرب قنفذ -غلام عمر- الباب على بطن فاطمة(عليها السلام) فكسر جنبها، وأسقطت لذلك جنيناً كان سماه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله) محسناً(3).
وسنوافيك أيضاً في الفصل القادم ببعض ما يدل على أنّ النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو الّذي سمّى أسباطه(عليهم السلام) بتسمية الله (سبحانه و تعالى) ، وأرجأناه إلى
____________
1- البحار ج10 ص112 وكذلك في ج43 ص195 ح23 عن الكافي ج6 ص18 ح2 .
2- القاموس المحيط للفيروز آبادي ج2 ص55 .
3- مرآة العقول ج5 ص318 .
هناك دفعاً للتكرار، وروماً للاختصار.
اخوته من أبيه وأمّه
إنّ أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) من الزهراء(عليها السّلام) خمسة وهم: الحسن والحسين والمحسن وزينب الكبرى وأمّ كلثوم(عليهم السّلام)، فيكون للمحسن أخوة أربعة، كما دلّت على ذلك مجموعة من الروايات الآتية، ويكفي في دلالة الحديث المستشهد به على ذلك أن يذكر المحسن(عليه السلام) انّه من أولاد الزهراء(عليها السلام) لأنّ الأربعة الباقية(عليهم السلام) من الأمور الّتي لم تتعرّض إلى شكّ المغرضين:
قال الشّيخ المفيد في الإرشاد(1):
أولاده خمسة وعشرون، وربما يزيدون على ذلك إلى خمسة وثلاثين، ذكره النسّابة العمريّ في الشافي وصاحب الأنوار، البنون خمسة عشر والبنات ثمانية عشر، فولد من فاطمة(عليها السّلام) الحسن والحسين والمحسن سقط وزينب الكبرى
____________
1- الإرشاد للشيخ المفيد ص242 .
وأمّ كلثوم(1)...
واعترف ابن الأثير في أسد الغابة(2):
بوجود المحسن لفاطمة الزهراء(عليها السلام)، حيث أفرد له ترجمة في باب الميم، وقال: وتوفي المحسن صغيراً.
وذكر سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص(3):
عند تعداده لأولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: وذكر الزبير بن بكار ولداً آخر من فاطمة بنت رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) اسمه محسن، مات طفلاً.
وقال ابن شهراشوب في المناقب:
ولدت الحسن(عليه السلام) ولها اثنتى عشرة سنة وأولادها: الحسن والحسين والمحسن سقط، وفي معارف القتيبيّ أنَّ محسِناً فسد من زخم قنفذ العدوي. وزينب وأمُّ كلثوم(4).
____________
1- البحار ج42 ص91 ب120 ح20 .
2- أسد الغابة لابن الأثير ج4 ص308. والكامل لابن الأثير ج3 ص397. وتاريخ الأمم والملوك ج5 ص153.
3- تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص54 .
4- المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص407. البحار ج43 ص233 ب9 ح10. والعوالم ج11 ص539.
وقال ابن شهراشوب أيضاً في المناقب:
كناها أُم الحسن وأمّ الحسين وأمّ المحسن وأمّ الأَئمّة وأمّ أبيها(1).
وذكر أبو عبد اللّه بن مندة الأصفهاني في كتاب المعرفة:
أنَّ عليّاً تزوَّج فاطمة بالمدينة بعد سنة من الهجرة، وبنى بها بعد ذلك بنحو من سنة، وولدت لعليّ الحسن والحسين والمحسن وأُمَّ كلثوم الكبرى وزينب الكبرى(2).
وذكر الطبري في ذخائر العقبى(3):
عن الليث بن سعد قال: تزوج علي فاطمة، فولدت له حسناً، وحسيناً، ومحسناً، وزينب، وأم كلثوم، ورقيّة فماتت رقيّة ولم تبلغ، وقال غيره: ولدت حسناً، وحسيناً، ومحسناً فهلك محسن صغيراً، وأم كلثوم، وزينب، ولم يتزوّج عليها حتّى ماتت(عليها السلام)، ولم يكن لرسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عقب إلاّ من بنته فاطمة(عليها السلام) وأعظم بها مفخرة.
ومن الواضح أنّ قول الليث بن سعد فيه خطأ حيث عدّ أولاد فاطمة(عليها السلام) ستة، وهو خلاف المتفق عليه بين المؤرخين، كما قرأت وتقرأ، فروايته
____________
1- البحار ج43 ص16 ب2 ح15 .
2- البحار ج43 ص214 ب7 ح44 .
3- ذخائر العقبى ص55 .
هذه شاذة نادرة لا اعتبار بها، ويمكن حمل اشتباهه على أنّ رقيّة أمّها هي أمّ حبيب الصهباء التغلبية، كما ذكر هذا الطبري نفسه في نفس الكتاب ص117 .
وذكر الطبري أيضاً في ذخائر العقبى(1):
في مقام تعداد أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال: الحسن والحسين ومحسن مات صغيراً أمّهم فاطمة بنت رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ... إلى أن يقول: وأم كلثوم الكبرى، وزينب الكبرى، شقيقتا الحسن والحسين.
ذكر الدولابي في كتابه الذرّية الطاهرة(2):
قال: بالإسناد إلى ابن إسحاق إنّه قال: ولدت فاطمة بنت رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب: حسناً وحسيناً ومحسناً فذهب محسن صغيراً، وولدت أم كلثوم وزينب.
وذكر الرواية مرّة أخرى في ص155 رقم 207 .
أمّا قول الدولابي في موضع آخر من كتاب الذريّة الطاهرة(3):
____________
1- ذخائر العقبى ص117 .
2- الذرّيه الطاهرة للدولابي ص90 رقم81. ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص161
3- الذرّيه الطاهرة للدولابي ص97 رقم 91 وذكرها ابن الأثير في ترجمة المحسن (عليه السلام).
(( بالإسناد إلى هاني بن هاني، عن عليّ(عليه السلام) قال: لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً، فجاء النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلنا: حرباً قال: بل هو حسن.
فلمّا ولد حسين سمّيته حرباً، فجاء النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، قال: أروني ابني، ما سميتموه؟ فقلنا: سمّيناه حرباً فقال: بل هو حسين.
فلمّا ولد الثالث سمّيته حرباً، فجاء النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ فقلنا: سمّيناه حرباً فقال: بل هو محسن، ثم قال: إنّما سمّيتهم بأسماء ولد هارون: شبر وشبير ومشبر(1) )).
فهذا الكلام غير مقبول على إطلاقه، لصدور الروايات المتعددة في عدم حدوث هذا الأمر أصلاً، وليس هناك معنى لإصرار أمير المؤمنين(عليه السلام) على التسمية بحرب، فلم يكن هناك من أمير المؤمنين(عليه السلام) سبق بتسمية قبل رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، ولا سبق من رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالتسمية قبل اللّه (سبحانه و تعالى) ، كما دلّت عليه الروايات الصريحة في ذلك.
وإليك بعض ما يدلّ على ذلك ويؤيّده:
فعن علل الشرايع وأمالي الصدوق:
____________
1- وذكر هذه الرواية الطبري في ذخائر العقبى ص119 عن أحمد وأبي حاتم.
عن أحمد بن الحسن القطّان، عن الحسن بن علي السكّري، عن الجوهري، عن الضبّي، عن حرب بن ميمون، عن الثمالي، عن زيد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين(عليهما السلام) قال: لمّا ولدت فاطمة الحسن(عليهما السلام) قالت لعلي(عليه السلام): سمّه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فجاء رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فأخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: ألم أنهكم أن تلفّوه في خرقة صفراء، ثمّ رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها، ثم قال لعلي(عليه السلام): هل سمّيته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال(صلى اللّه عليه وآله وسلم): وما كنت لأسبق باسمه ربّي(عزّ وجلّ).
فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى جبرائيل: أنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط فاقرئه السلام وهنئه وقل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرائيل(عليه السلام) فهنأه من اللّه(عزّ وجلّ)، ثمّ قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبر، قال: لساني عربي قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن.
فلمّا ولد الحسين(عليه السلام) أوحى اللّه(عزّ وجلّ) إلى جبرائيل(عليه السلام) أنّه قد ولد لمحمّد ابن فاهبط إليه فهنئه وقل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، قال: فهبط جبرائيل(عليه السلام) فهنأه من اللّه تبارك وتعالى، ثمّ قال: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، قال: وما اسمه؟ قال: شبير، قال: لساني عربي قال: سمّه الحسين، فسمّاه
الحسين(1).
وعن معاني الأخبار(2) وعلل الشرايع(3):
عن القطّان، عن السكّريِّ، عن الجوهريِّ عن الضبّيِّ، عن عبّاد بن كثير وأبي بكر الهذليِّ، عن أبي الزُّبير، عن جابر قال: لمّا حملت فاطمة بالحسن فولدت وقد كان النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء فلفّوه في صفراء وقالت فاطمة: يا عليُّ سمّه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فجاء النبيُّ فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فيه فجعل الحسن(عليه السلام) يمصّه.
ثمَّ قال لهم رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : ألم أتقدَّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء فدعا(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى بالصفراء وأذَّن في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.
ثمَّ قال لعليّ(عليه السلام) : ما سمّيته؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه [فقال رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ما كنت لأسبق ربّي باسمه] قال: فأوحى اللّه عزَّ ذكره إلى جبرئيل(عليه السلام): أنّه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه، فأقرئه
____________
1- البحار ج43 ص238 ح3 .
2- معاني الأخبار ص57 ح6 .
3- علل الشرايع ج1 ص131 .
السلام وهنّئه منّي ومنك، وقل له: إنَّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون.
[فهبط جبرئيل على النبيِّ وهنّأه من اللّه(عزّ وجلّ) ومنه ثمَّ قال له: إنَّ اللّه(عزّ وجلّ) يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون] قال: وما كان اسمه؟ قال: شبَّر قال: لساني عربيٌّ قال: سمّه الحسن فسمّاه الحسن.
فلمّا ولد الحسين جاء إليهم النبيُّ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ففعل به كما فعل بالحسن (عليه السلام)، وهبط جبرئيل على النبيِّ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فقال: إنَّ اللّه(عزّ وجلّ) يقرئك السلام ويقول لك إنَّ عليّاً (عليه السلام) منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون قال: وما كان اسمه؟ قال: شبيراً قال: لساني عربيٌّ قال فسمّه الحسين، فسمّاه الحسين(1).
نعم ورد في بعضها ما ظاهره إظهار رغبة أمير المؤمنين بالتسمية بحرب، دون الإقدام على التسمية، وهذا يمكن حمله على بيان أنّ النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو القائم بالتسمية عن اللّه (سبحانه و تعالى) ، وأن أمير المؤمنين(عليه السلام) أراد إظهار ذلك بصورة ملفتة للأنظار، فيظهر الرغبة بالتسمية بحرب، دون أن يسمّيه، فيجئ النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فيسمّيه بتسمية اللّه (سبحانه و تعالى) ، أبلغ في إبلاغ الناس بذلك، وأنّ هؤلاء لا يسميهم إلاّ اللّه (سبحانه و تعالى) .
فعن عيون أخبار الرضا(عليه السلام):
____________
1- البحار ج43 ص240 ح8 .
عن الرِّضا، عن آبائه، عن عليِّ بن الحسين (عليهم السلام) عن أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدَّتك فاطمة(عليها السلام) بالحسن والحسين(عليهما السلام)، فلمّا ولد الحسن(عليه السلام) جاء النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه، فأذَّن في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثمَّ قال لعليّ(عليه السلام): بأيِّ شيء سمّيت ابني؟ قال: ما كنت أَسبقك باسمه يا رسول اللّه، قد كنت أُحبُّ أن أُسمّيه حرباً، فقال النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): ولا أسبق أنا باسمه ربّي.
ثم هبط جبرئيل(عليه السلام) فقال: يا محمد العليُّ الأَعلى يقرئك السّلام، ويقول: عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك، سمِّ ابنك هذا باسم ابن هارون.
قال النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): وما اسم ابن هارون؟ قال: شبّر، قال النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): لساني عربيٌّ، قال جبرئيل(عليه السلام): سمِّه الحسن.
قالت أسماء: فسمّاه الحسن، فلمّا كان يوم سابعه عقَّ النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عنه بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذاً وديناراً وحلق رأسه، وتصدَّق بوزن الشعر ورقاً وطلى رأسه بالخَلوق، ثمَّ قال: يا أسماء الدَّم فعل الجاهليّة.
قالت أسماء: فلمّا كان بعد حول ولد الحسين(عليه السلام) وجاءني
النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا أسماء هلمّي ابني.
فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره فبكى.
فقالت أسماء: قلت: فداك أبي وأُمّي ممَّ بكاؤك؟ قال: على ابني هذا، قلت: إنّه ولد السّاعة يا رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فقال: تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم اللّه شفاعتي.
ثمَّ قال: يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا، فإنّها قريبة عهد بولادته.
ثمَّ قال لعليّ(عليه السلام): أيّ شيء سمّيت ابني؟
قال: ما كنت لأَسبقك باسمه يا رسول اللّه، وقد كنت أُحبُّ أن أُسمّيه حرباً.
فقال النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): ولا أسبق باسمه ربّي عزّ وجلَ.
ثم هبط جبرئيل(عليه السلام) فقال: يا محمد العليُّ الأَعلى يقرئك السّلام، ويقول لك: عليٌّ منك كهارون من موسى، سمِّ ابنك هذا باسم ابن هارون.
قال النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): وما اسم ابن هارون؟ قال: شبير.
قال النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم): لساني عربيٌّ، قال جبرئيل: سمِّه الحسين، فسمّاه الحسين.
فلمّا كان يوم سابعه عقَّ عنه النبيُّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بكبشين أملحين(1) وأعطى القابلة فخذاً وديناراً، ثمَّ حلق رأسه، وتصدَّق بوزن الشعر
____________
1- الملحة: بياض يخالطه سواد.
ورقاً، وطلى رأسه بالخلوق(1)، فقال: يا أسماء الدَّم فعل الجاهليّة(2).
وأمّا المحسن(عليه السلام) فهو سقط، توفي النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأمّه(عليها السلام) حاملة به، وسمّاه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قبل وفاته كما دلّت عليه روايات هذا الفصل، ودلّت عليه الروايات الدالّة على إسقاطه، كما سنوافيك بها إن شاء اللّه تعالى، ولا ينافي ذلك تلك الروايات الّتي تذكر أنّ المحسن(عليه السلام) مات صغيراً، لأنّ الجنين المكتمل إذا سقط يصدق عليه أنّه مات صغيراً ولو بضرب من التجوز.
ولنا من هذا الحديث من المخالف الدولابي هو الاعتراف بالمحسن وأنّه ممن سمّاه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأمّا حيثيّات الرواية فكما ذكرنا آنفاً، واللّه المسدد للصواب.
وأمّا قول الشيخ المفيد في موضع آخر من الإرشاد(3):
____________
1- والخلوق: طيب معروف مركّب يتّخذ من الزَّعفران وغيره من أنواع الطّيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة.
2- البحار ج43 ص238 ح4 . وفي صحيفة الرضا: عن الرِّضا، عن آبائه (عليهم السلام) مثله . وفي مناقب ابن شهرآشوب: عن الواعظ في شرف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والسمعانيُّ في فضائل الصحابة وجماعة من أصحابنا في كتبهم عن هانئ بن هانئ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن عليِّ بن الحسين عليهما السلام وعن أسماء بنت عميس وذكر نحوه.
3- الإرشاد للشيخ المفيد ص167 وص168 .
وفي الشيعة من يذكر أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها أسقطت بعد النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ذكراً كان سمّاه رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وهو حمل محسناً، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) ثمانية وعشرون ولداً، واللّه أعلم(1).
فمراده(رحمه الله) أنّ بعض الشيعة ذكره وإن كان سقطاً وبعضهم لم يذكره لكونه سقطاً، ولم يعدّه في مقام تعداد أولاد علي(عليه السلام)، كما في زماننا وفي كلّ الأزمنة والبقاع أنّهم لا يذكرون الأسقاط عند بيان أولادهم إلاّ استدراكاً، ولا يظهر منه الخلاف في ذلك، كيف!!! ولم ينقل شكّ في ذلك، بل إجماع الطائفة الحقّة على ذلك.
ويؤيّد ذلك قول أبي الحسن الأربلي في كتابه كشف الغمة(2) في مقام ذكر أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام): فمنهم من أكثر فعدّ منهم السقط، ولم يسقط ذكر نسبه، ومنهم من أسقطه ولم ير أن يحتسب في العدّة به.
____________
1- البحار ج42 ص90 ب120 ح18 .
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص68 .
التهديد بحرق دار
عليّ وفاطمة
(عليهما السلام)
عجباً. مَن يهدّد مَن؟! أيُهدّد بطل الإسلام، ومن ضحّى من أجل الدّين وشريعة سيّد المرسلين، أم تُهدّد الصدّيقة الزهراء أمُّ أبيها، أم يهدد خاتم الأنبياء والمرسلين حبيب اللّه محمد(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، أم يُهدّد اللّه (سبحانه و تعالى) بتهديد أوليائه.
فوا أسفاه!!! أين أنصار اللّه وأحباؤه؟!
إنّ تهديد عمر بحرق دار علي وفاطمة(عليهما السلام)، ورد ذكره في الكثير من المصادر، بحيث لا تبقى أيّ حجّة لأحد، ولا يبقى شكّ حتّى للشكّاك، ولسنا بحاجة إلى ذكر الروايات جميعها سوى بعضاً منها بما يفي بالغرض، ثمّ نوكل أمر المراجعة لمن يريد الاستزادة إلى المجهود الشخصي، ولا أظن أحداً بحاجة إلى ذلك، علماً بأنّا قمنا بذكر مصادر كثيرة، لسهولة مراجعتها لمن يريد ذلك، وتركنا الإطالة في المصادر لعدم الحاجة لها، وركزنا على المصادر عند العامة أقوم للحجّة، وأدحض في رد من يدّعي ويزعم عدم الثبوت.
قال ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة(1):
إنّ أبا بكر أخبر بقوم تخلّفوا عن بيعته عند عليٍّ(عليه السلام) فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليٍّ، فأبو أن يخرجوا، فدعا عمر بالحطب فقال: والّذي
____________
1- الإمامة والسياسة لابن قتيبه ج1 ص12 .
نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص إن فيها فاطمة !؟ فقال: وإن(1).
وذكر في كنز العمّال(2):
إنّ عمر قال لفاطمة: ما من الخلق أحد أحبّ إليّ من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم اللّه ما ذلك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليك الباب(3).
وروى ابن عبد ربه في العقد الفريد(4).
فأمّا علي(عليه السلام) والعبّاس فقعدا في بيت فاطمة(عليها السلام) وقال أبو بكر لعمر بن الخطّاب: إن أبيا فقاتلهما فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما النار، فلقيته فاطمة(عليها السلام) فقالت: يا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟! قال: نعم(5).
____________
1- البحار ج28 ص356 ب4 ح69 ودلائل الصدق ج3 ص87 وعبد اللّه بن سبأ.
2- كنز العمّال ج3 ص140 .
3- عبد اللّه بن سبأ ص108 ودلائل الصدق ج3 ص87 .
4- العقد الفريد لابن عبد ربه ج4 ص259-260 .
5- البحار ج28 ص339 ب4 ح59 ودلائل الصدق ج3 ص78 وعبد اللّه بن سبأ ص108 . وفي العقد الفريد: علي والعباس والزبير وسعد بن عباده.
وقال البلاذري في أنساب الأشراف(1).
عن المدائني عن مسلمة بن محارب عن سليمان التميمي عن ابن عون أنّ أبا بكر أرسل إلى علي(عليه السلام) يريده إلى البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه قبس، فتلقّته فاطمة(عليها السلام) على الباب، فقالت: يا ابن الخطّاب أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك(2).
وذكر الطبري في تأريخه(3).
أتى عمر بن الخطّاب منزل علي(عليه السلام)، فقال: واللّه لأحرقنّ عليكم، أو لتخرجنّ للبيعة (4).
وذكر ابن شحنه في تأريخه(5).
إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرقه على من فيه، فلقيته فاطمة، فقال: ادخلوا
____________
1- أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص556.
2- البحار ج28 ص389 ب4 ، وتلخيص الشافي ج3 ص76 ، وعبد اللّه بن سبأ ص108 .
3- تاريخ الأمم والملوك للطبري ج3 ص202 .
4- البحار ج28 ص338 ودلائل الصدق ج3 ص88 .
5- مطبوع بهامش الكامل لابن الأثير ج7 ص164 .
فيما دخلت فيه الأمّة(1).
وروى ابن أبي الحديد في شرحه للنهج(2).
جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار، ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والّذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم(3).
وذكر أبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك(4):
لمّا بويع لأبي بكر، كان الزبير، والمقداد، يختلفان في جماعة من الناّس إلى علي(عليه السلام)، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون، ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتّى دخل على فاطمة(عليها السّلام) وقال: يا بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا منك بعد أبيك، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم(5).
____________
1- الغدير ج7 ص77 وعبد اللّه بن سبأ ص108 .
2- شرح النهج لابن أبي الحديد ج2 ص124 .
3- البحار ج28 ص321 ودلائل الصدق ج3 ص88 .
4- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص38 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص130 والبحارج28 ص313 .
والجوهري أيضاً(1):
حدّثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدّثنا أحمد بن معاوية، قال: حدّثني النضر بن شميل، قال: حدّثنا محمد بن عمرو، عن سلمة بن عبد الرحمن، قال:
لمّا جلس أبو بكر على المنبر، كان علي(عليه السلام) والزبير، وأُناس من بني هاشم في بيت فاطمة(عليها السلام)، فجاء عمر إليهم فقال: والّذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة، أو لأحرقنّ البيت عليكم. فخرج الزبير مصلتاً سيفه، فاعتنقه رجل من الأنصار، وزياد بن لبيد، فدقّ به، فندر السيف، فصاح به أبو بكر وهو على المنبر: اضرب به الحجر(2).
وكذلك الجوهري(3):
روي في رواية أخرى أنّ سعد بن أبي وقّاص، كان معهم في بيت فاطمة(عليها السّلام)، والمقداد بن الأسود أيضاً، وأنّهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّاً(عليه السلام)، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزّبير بالسّيف، وخرجت فاطمة(عليها السّلام) تبكي وتصيح، فنهنهت من النّاس(4).
____________
1- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص50 .
2- شرح نهج البلاغة ج1 ص134 وج2 ص19 . والبحار ج28 ص315 .
3- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص50 .
4- شرح نج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص19 والبحار ج28 ص315 .