2-خالد بن الوليد، ويدلّ على ذلك رواية المجلسي في بحاره(1) والشيخ المامقاني في تنقيح المقال في ترجمة خالد بن الوليد(2).
3- قنفذ مولى عمر، ويدلّ على ذلك روايات كثيرة منها: رواية المجلسي في بحاره(3)، وابن شهراشوب في المناقب(4)، والعيّاشي في تفسيره(5) والطبري في دلائل الإمامة(6).
4-مغيرة بن شعبه، ودلّ على ذلك رواية الطبرسي في الإحتجاج(7)، والمجلسي في بحاره(8).
خامساً: الّذين كانوا في دار أمير المؤمنين(عليه السلام) حين الهجوم على الدار،
____________
1- البحار ج53 ص18 . 2- تنقيح المقال للشيخ المامقاني ج1 ص394. 3- البحار ج53 ص18 . 4- البحار ج43 ص233 ب9 ح10 . 5- تفسير العيّاشي ج2 ص307-308 . 6- دلائل الإمامة ص45 ، وقد صححنا هذه الرواية في أواخر الكتاب فانتظر. 7- الإحتجاج للطبرسي ص277 . 8- البحار ج53 ص18 .
أصحابها، مع أُناس من بني هاشم(1)، وجماعة من المهاجرين والأنصار(2)، وذكر في الروايات منهم:
1-أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ويدلّ على ذلك كلّ الروايات تقريباً فراجع إن شئت.
2-سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام)، ويدلّ على ذلك كلّ الروايات تقريباً فراجع إن شئت.
3-أولاد علي وفاطمة(عليهم السلام)، ويدلّ على ذلك الكثير من الروايات منها: ابن خنزابه في كتابه الغرر(3)، والشهرستاني في الملل والنّحل(4)، والعيّاشي في تفسيره(5)، والمجلسي في بحاره(6).
4-فضّة: ـ أمة الزهراء(عليها السلام) ـ ودلّ على ذلك رواية المجلسي في بحاره. والطبري في دلائل الإمامة(7).
____________
1- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص50 . 2- تاريخ اليعقوبي ج2 ص126 وشرح الخطبة ص239 . 3- البحار ج28 ص339 ودلائل الصدق ج3 ص78. 4- الملل والنّحل للشهرستاني ج1 ص57 . 5- تفسير العيّاشي ج2 ص307-308 . 6- البحار ج53 ص14 . 7- دلائل الإمامة ص45 ، وقد صححنا هذه الرواية في أواخر الكتاب فانتظر.
5-العباس، ويدلّ على ذلك رواية العلاّمة الحلّي(قدّس سرّه) في كتابه نهج الحق وكشف الصدق(1) نقلاً عن ابن عبد ربّه.
6-الزبير، ويدلّ على ذلك مجموعة من الروايات، منها: رواية الطبري في تأريخه(2)، وأبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك(3)، وابن أبي الحديد في شرحه(4) والشيخ المفيد في أماليه(5)
7-المقداد: ورد بهذا اللفظ في إحدى روايتي أبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك(6)، ورواية الشيخ المفيد في أماليه(7)، وورد بلفظ (المقداد بن الأسود) في الرواية الأخرى لأبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك(8)، وورد بلفظ (المقداد بن عمر) في تاريخ أبي الفدا(9).
____________
1- نهج الحق وكشف الصدق للعلاّمة الحلّي ص271 . 2- تاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص443 . 3- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص38 . 4- شرح ابن أبي الحديد ج1 ص132 . 5- إمالي الشيخ المفيد ص38 . 6- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص38 . 7- أمالي الشيخ المفيد ص38 . 8- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص38 . 9- تاريخ أبي الفداء ج1 ص164 وفي طبعة أخرى ص156 .
8-طلحة، ويدلّ على ذلك رواية الطبري في تأريخه(1).
9-سعد بن أبي وقّاص، ويدلّ على ذلك رواية أبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك(2).
10-عتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد بن العاص، وسلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمّار بن ياسر، والبرّاء بن عازب، وأُبي بن كعب، في تاريخ أبي الفدا(3).
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا البحث، هو أنّ الطريقة الّتي جمعنا بها الروايات، هي طريقة العلماء المسلمين قاطبة في كلّ الروايات.
فإنّه إذا وردت رواية تذكر أنّ عمر ضرب الصدّيقة الزهراء(عليها السلام) ورواية أخرى تذكر أنّ قنفذاً فعل ذلك الفعل الشنيع أيضاً، فيحمل على تعدد الفعل من الإثنين.
بل إنّ نسبة الضرب بالسوط تارة وبالرِّجْل تارة أخرى إلى شخص واحد، يحمل على تعدد الفعل منه، ولا يجد علماء المسلمين كافّة أي تعارض وتنافٍ في البين، وهكذا في باقي نقاط البحث، فلا تغفل.
____________
1- تاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص443 . 2- السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري ص50 . 3- تاريخ أبي الفداء ج1 ص164 وفي طبعة أخرى ص156 .
شبهات وردود
الشبهة الأولـى: هذا قول مجتهد
الشبهة الثانيـة: مــع أحدهــــم
الشبهة الثـالثة: صحـة الـروايـة
الشبهة الرابعة: الــبـــــــــــاب
الشبهة الأولى
هذا قول مجتهد
إنّ الحديث حول الفقيه من الأحاديث المألوفة، وكلّنا يعلم أنّ هذه الطائفة الحقّه هي من المخطّئة، بمعنى أنّ الفقيه يمكن أن يصيب الواقع كما يمكن أن يُخطأه، لأنّ الواقع محفوظ، ولذا لا تكون كلّ أقواله مصيبة للواقع وبهذا المعنى امتلأت كتب أصول الفقه، وهذا أمر يدركه العامّة قبل الخاصّة، واتفق عليه جمهور العقلاء ما عدا الأشاعرة، وبعض المعتزلة، وليس حديثنا معهم.
ولتأكيد هذا الأمر البديهي حيث أصبحت البديهيّات بحاجة إلى إثبات، لوجود التشكيك في كلّ شئ ما عدا الباطل، فلا بأس بأن نورد مقطعاً من بعض تقريرات بحث آية اللّه الخوئي(رحمه الله) فقال(1): (( تبيّن أنّ المجتهد قد يصيب في استنباطاته فيطابق رأيه الواقع وقد يخطئ )).
ويشترط في قبول قول من يدّعي أنّه فقيه شروط، نذكر أهمّ ثلاثة شروط أساسية مذكورة في جميع الرسائل العملية(2) وهي:
____________
1- التنقيح ج1 ص43 . 2- راجع كلام السيّد الخوئي في منهاج الصالحين الجزء الأوّل في التقليد، نقلناه بتصرّف.
الأوّل: الإجتهاد: ولا يثبت اجتهاده بمجرّد دعواه، أو التفاف المصلحيين حوله، بل لابد من حصول أحد أمور ثلاثة:
1ـ العلم: بحيث يكون الشخص من أهل الخبرة والمعرفة والإستدلال، فيكون قادراً بنفسه على تشخيص المجتهد من غيره.
2ـ الشياع: بين أهل العلم المفيد للإطمئنان، ولا يعتبر الشياع بين العوام من الناس ما لم يكن مستنداً إلى أهل العلم، وكذلك لا يعتبر الشياع بين فئة حزبية أو غيرها وإن تزيت بزي أهل العلم، لأنّ المرجعية لا تقوم على أساس قرار سياسي أو حزبي.
3ـ البيّنة: فيشهد شاهدان مؤمنان عدلان باجتهاد شخص، ويشترط فيهما أن يكونا من أهل الخبرة في استنباط الأحكام الشرعيّة من مداركها، فلا تقبل شهادة الشخصين ما لم ثبتت عدالتهما وإن كانا من أهل الخبرة.
الثاني: العدالة: وهي عبارة عن الاستقامة في جادّة الشريعة المقدّسة، وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي، ولا فرق في المعاصي من حيث تحقق العدالة بين الصغيرة والكبيرة.
وتثبت العدالة بأحد أمور ثلاثة:
1ـ العلم اليقيني: الحاصل بالاختبار أو بغيره بحيث يكون هناك يقين وجزم لا يداخله شكّ في العدالة.
2ـ شهادة العدلين: بأنّ فلان عادل، ولا يبعد ثبوتها بشهادة العدل الواحد، بل بشهادة مطلق الثقة.
3ـ حسن الظاهر: والمراد حسن معاشرته مع الآخرين وسلوكه الديني المعروف بين الناس، بحيث لو سألت الناس عنه لقيل لك: لم نرى منه إلاّ خيراً.
الثالث: الإيمان: والمراد به أن يكون اثني عشريّاً، عرف منه الولاء للأئمة الطاهرين(عليهم السلام)، معتقداً فيهم ما تعتقده الطائفة الحقّة، فلو كان غير معتقد بعصمتهم مثلاً ولو بالشّك في ذلك فيقول: الظاهر أنّ أهل البيت معصومين، فلا يعتبر مؤمناً لأنّه يشترط في الإيمان الجزم والقطع بذلك، وكلمة الظاهر تُنبأ عن الشكّ لا اليقين.
ولا بأس بنقل كلام أستاذ مراجع عصرنا السيّد الخوئي(رحمه الله) فيما يتعلّق بالشرطين الثاني والثالث فقال(1):
(( إلاّ أنّ مقتضى دقيق النظر اعتبار العقل والإيمان والعدالة في المقلَّد بحسب الحدوث والبقاء، والوجه في ذلك؛ أن المرتكز في أذهان المتشرعة الواصل ذلك إليهم يداً بيد عدم رضى الشارع بزعامة من لا عقل له، أو لا إيمان أو لا عدالة له.
بل لا يرضى بزعامة كل مَن له منقصة مسقطة له عن المكانة والوقار، لأن المرجعية في التقليد من اعظم المناصب الإلهية بعد الولاية، وكيف يرضى الشارع
____________
1- التنقيح ج1 ص223 .
الحكيم أن يتصدى لمثلها من لا قيمة له لدى العقلاء والشيعة المراجعين إليه، وهل يحتمل أن يرجعهم إلى رجل يرقص في المقاهي والأسواق، أو يضرب بالطنبور في المجامع والمعاهد، ويرتكب ما يرتكبه من الأفعال المنكرة والقبائح، أو من لا يتدين بدين الأئمة الكرام، ويذهب إلى مذاهب باطلة عند الشيعة المراجعين إليه؟!!
فإنّ المستفاد من مذاق الشرع الأنور عدم رضى الشارع بإمامة من هو كذلك في الجماعة، حيث اشترط في إمام الجماعة العدالة، فما ظنك بالزعامة العظمى، الّتي هي من اعظم المناصب بعد الولاية، إذاً احتمال جواز الرجوع إلى غير العاقل أو غير العادل مقطوع العدم، فالعقل والإيمان والعدالة معتبر في المقلَّد حدوثاً، كما أنها معتبرة فيه بحسب البقاء، لعين ما قدمناه في اعتبارها حدوثاً )).
وأمّا البحث عن مدى قبول قول الفقيه:
للفقيه شؤونه في الفتيا والقضاء والحكم بين الناس، وتولّي الأمور الحسبيّة الّتي لابدّ من قيام أحد بها مع عدم وجود القائم عليها، كالولاية على الأيتام مع عدم وجود وصي شرعي عليهم، وكذلك المجانين على تفصيل يذكر في كتب الفقه ليس هذا محلّه، وكذلك الأوقاف من مساجد وغيرها، إذا لم يكن هناك متولي شرعي لها، ويثبت له البعض حكمه بثبوت الهلال، وقد قال عن هذا أستاذ فقهاء عصرنا السيّد الخوئي: فيه " إشكال بل منع(1)".
____________
1- المنهاج ج1 ص294 .
وحكم الحاكم إذا كان معتبراً يشترط فيه أمران(1):
الأوّل: أن يكون جامعاً للشرائط الّتي منها ما تقدّم من اشتراط الإجتهاد والعدالة والإيمان.
الثاني: أن لا يعلم بمخالفته للواقع، أو كان ذلك الحكم صادراً عن تقصير في المقدّمات.
بقي الكلام عن الأمور الإعتقاديّة:
لاشكّ ولا شبهة في أنّه لا يجوز التقليد في الأمور الإعتقاديّة، ولو صحّ ذلك لصححنا أعمال واعتقادات جميع الملل والنحلّ، ملحدةً وغيرها، فلا حق يعرف، ولا باطل يتميّز، حتّى من نصب العداء لأهل بيت العصمة(عليهم السلام) عن تقليد.
بل انّ أصل مسألة التقليد ليست تقليديّة، وخير بيان لذلك هو قول أستاذ فقهاء عصرنا السيّد الخوئي (رحمه الله) حيث يقول(2):
(( إنّا قد اسبقنا، أنّ كل مكلف يعلم -علماً إجمالياً- بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدّسة، من وجوب أو تحريم، وبه تنجزت الأحكام الواقعية عليه، وهو يقتضي الخروج عن عهدتها، لاستقلال العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة إلى العبد من سيده.
____________
1- راجع المنهاج للسيّد الخوئي ج1 ص11 . 2- التنقيح ج1 ص82 .
والمكلف لدى الامتثال، إما أن يأتي بنفس الواجبات الواقعية، ويترك المحرمات، وإما أن يعتمد على ما يعذّره على تقدير الخطأ ـ وهو ما قطع بحجيته ـ إذ لا يجوز لدى العقل الاعتماد على غير ما علم بحجيته، حيث يحتمل معه العقاب.
وعلى هذا يترتب أنّ العامي لابد ـ في استناده إلى فتوى المجتهد ـ أن يكون قاطعاً بحجيتها في حقه، أو يعتمد في ذلك على ما يقطع بحجيته، ولا يسوغ له أن يستند في تقليده على ما لا يعلم بحجيته، إذ معه يحتمل العقاب على أفعاله وتروكه، وعليه لا يمكن أن تكون مسألة التقليد تقليدية، بل لا بد أن تكون ثابتة بالاجتهاد.
نعم، لا مانع من التقليد في خصوصياته، كما يأتي عليها الكلام، إلاّ أنّ أصل جوازه لابد أن يستند إلى الاجتهاد )).
ومن ذلك ضروريّات المذهب الّتي عرف عدم الخلاف فيها عند الطائفة الحقّة، كوجوب الصلوات الخمس، وعدد ركعاتها وما إلى ذلك مما لا يصح فيه التقليد، ولا يصحّ لمجتهد أن يجتهد فيها فيقول بخلاف الضرورة.
فتبيّن مما سبق أنّه ليس كلّ من يدّعي الفقاهة فهو فقيه، وليس كلّ من يدّعي العدالة فهو عادل، وليس كلّ من يدّعي الإيمان فهو مؤمن، ولا يصحّ التقليد في كلّ شئ.
ولذا ورد عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) أنّه لا يجوز أن يُقلّد كلّ من يدّعي الفقاهة، وذكروا لنا ذلك في مقام التحذير حتّى لا يأتي الشخص في يوم
القيامة ويقول إنّ فلان فقيه، فهذه رواية الإمام العسكري(عليه السلام)، ومن الواضح أنّ الرواية لكونها من الإمام العسكري(عليه السلام)، وزمانه قريب من زمان الغيبة، تنبأ عن أن المراد من الفقهاء فيها هم الّذين في مثل زماننا من أزمنة الغيبة، لعدم جدوى ذلك في زمانهم صلوات اللّه وسلامه عليهم فإنّ أي انحراف في ذلك الزمان يكفيه إبلاغ من قبل الإمام(عليه السلام) حتّى ينتهي كلّ شئ.
وهذه الرواية وإن كانت قد اعتبرت من حيث السند ضعيفة، إلاّ أنّها مؤيّدة في مضمونها بالروايات الأخرى.
وقد عبّر عنها شيخ الفقهاء في عصره وإلى زماننا هذا ـ حيث أنّ كتبه محلّ درس وبحث إلى الآن ـ الشيخ الأنصاري (رحمه الله) فقال بعد إيراد الرواية الآتية: (( هذا الخبر الشريف اللآئح منه آثار الصدق ))(1).
ويدرك هذا ويحس به كلّ من عاش مع أهل بيت العصمة بحسّه ووجدانه، ويكفي هذا الحديث الشريف أنّه مع وجود الفاصل الزمني بيننا وبين زمن الرواية إلاّ أنّها تتحدّث وكأنّ المتحدّث قالها في زماننا لشدّة ملابستها لواقعنا الحالي، وهذا شأن كلام أهل بيت العصمة (عليهم السلام) حيّ ونور على مدى العصور.
أمّا الرواية، فيرويها الطبرسي (رحمه الله) في الإحتجاج(2)، وهي طويلة جدّا نقتطف منها ما يناسب نقله في هذا البحث، وسنورد بعض التعليق في أثناء نقله، مساهمة في وضوح الأمر، إن شاء اللّه تعالى:
____________
1- فرائد الأصول ج1 ص 200 . 2- الإحتجاج للطبرسي ص457.
فروي عن مولانا الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) انّه قال:
(( وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبية الشديدة، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقاً، وبالترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا وان كان للإذلال والإهانة مستحقاً ))
نرى هذا الصنف يتقرّب للأغنياء أصحاب الأموال، ومن له مصلحة شخصيّة معه، تزيده شهرة وأتباعاً، وهذا ما يفرزه المفهوم الحزبي في عصرنا، فإنّ كلّ من كان معهم ومنتمي لجماعتهم فهو حريٌّ بالبر والإحسان وإن كان فاسقاً فاجراً للإهانة مستحقاً، ومن كان على غير هواهم وليس منتمياً إليهم فلا يستحق عندّهم شيئاً ويهان وإن كان مؤمناً خيّراً مستحقاً للبرّ والصلة.
(( فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الذين ذمهم اللّه بالتقليد لفسقة فقهائهم، فأما مَن كان مِن الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنّه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً، ولا كرامة، وإنّما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك، لأنَّ الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره بجهلهم، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم، وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم.
ومنهم قوم نصّاب لا يقدرون على القدح فينا، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ))
يدرسون في الحوزات مثلاً، أو يقرأون أحاديث أهل البيت(عليهم السلام)، فيعرفون شيئاً من علوم محمّد وآل محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فبذلك يصبحون وجهاء عند الشيعة، وينصّبون أنفسهم رموزاً قياديّة ـ حسب المصطلح العصري ـ ومراجع للتقليد.
(( وينتقصون بنا عند نصابنا، ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها، فيتقبله المستسلمون من شيعتنا، على أنه من علومنا، فضلوا وأضلوا، وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي(عليهما السلام) وأصحابه، فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ))
فكم دم سفك؟! وكم عرض أُنتهك؟! وكم مال سلب؟! لأيتام آل محمّد(صلوات اللّه وسلامه عليهم) باسمهم وبشعارات كاذبة عليهم وهم منه براء.
(( وهؤلاء علماء السوء الناصبون، المتشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون، ويدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب ))
وما أكثر الشبهات والتشكيكات في هذا العصر من هؤلاء، فتارة يشككون في ظلم الزهراء(عليها السلام)، وتارة يشككون في الولاية التكوينيّة، وتارة يشككون في العصمة وغير ذلك من الموارد الفقهيّة حتّى تجلّت الإباحيّة جناية على علوم محمّد وآله(صلى اللّه عليه وآله وسلم)، واللّه (سبحانه و تعالى) ينقذ ضعفاء الشيعة الّذين لا وضوح عندهم للحق ويريدون الحق صادقين لا يتركهم في تلبيس هذا المتلبّس.
(( لا جرم أنَّ من علم اللّه من قلبه من هؤلاء القوم أنه لا يريد إلاّ صيانة دينه، وتعظيم وليه، لم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر، ولكنَّه يقيّض له مؤمناً يقف به على الصواب ، ثم يوفقه اللّه للقبول منه ، فيجمع اللّه له بذلك خير الدنيا والآخرة ، ويجمع على من أضله لعناً في الدنيا وعذاباً في الآخـرة )).
أمّا العلماء العاملون، والمدافعون عن حريم الولاية، والمجنّدون أنفسهم رباطاً في سبيل اللّه، فلم يخلو زمان منهم، فمنهم من قضى نحبه ولقي ربّه مشكوراً على عمله، ومنهم من ينتظر لقاء ربّه ليجزيه بما عمل من خير، وما بدّلو في دين اللّه (سبحانه و تعالى) ، بل شيّدوه ساهرين الليالي في إعلاء كلمة الحق، أولئك الّذين عناهم اللّه (سبحانه و تعالى) بقوله: } يرفع اللّه الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات واللّه بما تعملون خبير(1){ أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة.
وهم خير خلق اللّه (سبحانه و تعالى) بعد أئمة الهدى (صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين) كما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث قيل له: من خير خلق اللّه بعد أئمّة الهدى، ومصابيح الدّجى فقال: (( العلماء إذا صلحوا (2) )).
نسأل اللّه (سبحانه و تعالى) التسديد والتوفيق، للعلم والعمل الصالح، إنّه بالإجابة جدير، وعلى كلّ شئ قدير.
____________
1- سورة المجادلة 58\11 . 2- الإحتجاج ص458 .
الشبهة الثانية
مــع أحــدهـــم
بينما كنت أكتب بعض فصول هذا الكتاب قيل لي: إنّ هناك عالماً قال بمثل مقالة ورأي هذا الرجل المعاصر، فليس هو الوحيد والمتفرّد بهذا القول، فقد سبقه غيره، وطلبت الكتاب لأطلع عليه، والواقع إنني لم أكن متوقعاً أن أفاجأ بما قرأت، فلقد قرأت ما كادت روحي تزهق من هوله، وعيني تقطر دماً من فجيعته، وقلبي ينفطر من فظاعته، فضاقت بي الدنيا، فأحسست بأن قلب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أصيب بسهم مسموم، لم أر ولم أسمع بمثله قط ممن يُدّعى لهم ما يُدّعى من المناصب الإلهيّة، والقربات المحمّدية.
وهذا المعاصر أراد أن يؤيّد قوله بمثل هذه الشطحات، فخالف الكلّ وتشدّق بالخارج عن اتّفاق دين الحق!!
والّذي ألحظه على هذا المعاصر أنّه يبحث ويتصيّد العثرات، ثم يعتبرها ديناً، يتشبث بأي قول ولو كان أكل عليه الدهر وشرب، فيجعله انفتاحاً وتقدماً وإبداعاً، ويترك صريح الحق، لأنّه كما يقول المثل: خالف تعرف.
وعلى كلّ حال علينا أن ننقل عبارة صاحب الكتاب، ثمّ نعلّق عليها بما يلهمني به ربي (سبحانه و تعالى) ، وسيكون كلامه بين قوسين هكذا ، واللّه المسدد للصواب.
قال في كتابه:
(( طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام والقرن الأوّل مثل كتاب سليم بن قيس ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل وإلى يومنا، كل كتب الشيعة الّتي عنيت بأحوال الأئمة وأبيهم الآية الكبرى وأمهم الصديقة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين، وكلّ من ترجم لهم وألّف كتاباً فيهم أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة أنّها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها، ولطموا خدّها حتّى احمرّت عينها وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتّى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدّملج.
ثمّ أخذ شعراء أهل البيت سلام اللّه عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم، وأرسلوها إرسال المسلّمات من الكميت والسيد الحميري ودعبل الخزاعي والنميري والسلامي وديك الجن ومن بعدهم ومن قبلهم إلى هذا العصر، وتوسّع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الّذي نحن فيه كالخطّي والكعبي والكوازين وآل السيّد مهدي الحليين وغيرهم ممن يعسر تعدادهم ويفوت الحصر جمعهم وآحادهم.
وكلّ تلك الفجائع والفضائع وإن كانت في غاية الفضاعة والشناعة ومن موجبات الوحشة والدهشة ولكن يمكن للعقل أن يجوّزها وللأذهان والوجدان أن يستسيغها وللأفكار أن تقيلها وتهضمها ولاسيّما وأنّ القوم قد اقترفوا في قضيّة الخلافة وغصب المنصب الإلهي من أهله ما يعدّ أعظم وأفظع ))
كلام في غاية الروعة، ومنتهى الحق والصواب، بل هو محض الحق الّذي لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه، وهو اعتراف جليل، وحجّة دامغة على كلّ من ينكر إجماع الطائفة الحقّة، وتأكيد لما ذكره شيخ الطائفة الطوسي من إجماع، وليته عند هذا الحدّ سكت، أو انكسر قلمه فلم يجد مايتمّ به مقاله، أو أتته المنيّة وهو صادع بهذا الحق، ولكنّه قال بعد ذلك: لكن ... وما أدراك ما بعد لكن، فاقرأ معي قراءة الواعي الناقد الطالب للحق من أهله، الّذي لا تأخذه في اللّه لومة لائم، واجعل نصب عينيك حقّاً لمحمّد وآله(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وهو نصرتهم وإن كان القائل أباك أو أقرب من ذلك.
(( ولكن قضيّة ضرب الزهراء ولطم خدّها، مما لا يكاد يقبله وجداني، ويتقبّله عقلي، ويقتنع به مشاعري ))
أيُّ وجدان هذا لا يقبل ما أجمعت عليه الطائفة الحقّة الّذي اعترفت به؟! وأي عقل هذا لا يتقبل المتسالم عليه عند أهل الحق بشتّى أصنافهم من علماء وخطباء وكتّاب وشعراء وغيرهم فأصبح بديهة من بديهيّات الحق كما اعترفت به في صدر مقالتك؟! وأي مشاعر هذه لا تقبل ما قبلته مشاعر وأحاسيس أهل الحق؟! أم تقول أهل الحق فقدوا وجدانهم وعقولهم ومشاعرهم؟!!
(( لا لأنّ القوم يتحرّجون ويتورّعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأنّ السجايا العربية والتقاليد الجاهليّة الّتي ركّزتها الشّريعة الإسلاميّة وزادتها تأييداً وتأكيداً تمنع بشدّة أن تضرب المرأة، أو تمدّ إليها يد سوء، حتّى أنّ في بعض كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) ما معناه: أنّ الرجل كان في الجاهليّة إذا ضرب المرأة يبقى ذلك عاراً في أعقابه ونسله ))
أيّ سجايا عربية يتحدّث عنها هذا؟! ألا يعتقد أنّ القوم قد مسخوا، وقلوبهم قد ران وطبع عليها، وأنّهم أخبث خلق اللّه على الإطلاق؟! أيعتقد في هؤلاء شيئاً من العادات الحسنة، والسجايا الطيّبة؟! ولو أنصف هذا الرجل، وراجع التاريخ لوجده حافلاً بالخزي الّذي ينزّه عنه اللّسان والبيان، ويأتيك شيء من هذا في زنى مغيرة بن شعبه، وهو أحد الّذين تجرؤا على الزهراء كما مرّ.
(( ويدلك على تركّز هذه الرّكيزة، بل الغريزة في المسلمين، وأنّها لم تفلت من أيديهم، وإن فلت منهم الإسلام ))
إذا كان فلت الإسلام منهم، فلم عبّرت عنهم بالمسلمين؟! ومن فلت منه الإسلام ـ وفيه كلّ القيم ـ فلماذا تستبعد أن تفلت منهم كلّ القِيَم.
(( إن ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على اللّه وانتهاك حرماته، لمّا فضحته الحوراء زينب(عليها السلام) وأفلجته وصيّرته أحقر من نملة، وأقذر من قملة، وقالت له: ثكلتك أمّك يا ابن مرجانه، فاستشاط غضباً من ذكر أمّه، الّتي يعرف أنّها من ذوات الأعلام، وهمّ أن يضربها، فقال له عمرو بن حريث وهو من رؤوس الخوارج وضروسها: إنّها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فإذا كان ابن مرجانه امتنع من ضرب العقيلة خوف العار والشنار، وكلّه عار وشنار وبؤرة عهار مع بعد العهد من النبي(صلى اللّه عليه وآله)، فكيف لا يمتنع أصحاب النبي(صلى اللّه عليه وآله) مع قرب العهد به من ضرب عزيزته ))
هل تقيس ابن مرجانه وأمثاله من بؤر العهار، بمن أسس أساس الظلم، وورد
فيهم من الروايات المصرّحة بمشاركتهم لكل ذنب وقبيح فعل ويفعل إلى يوم القيامة؟! علاوة على ذلك، أليس ابن زياد عربيّاً؟! فلِمَ لم تمنعه عروبته من ذلك حتّى لا يحتاج إلى مثل عمرو بن حريث كي يردعه؟! ولماذا العروبة لم تمنع من صهّاك ومرجانة وتمنع أن تضرب امرأة؟! وأي عار أكبر عندهم أن يكون ابناً لذوات الأعلام، أم يضرب امرأة؟! فإن كنت تعني بالعادات العربيّة تلك المثل والقيم الموروثة الطيّبة فهؤلاء قد انسلخوا منها، وإن عنيت بذلك أنّهم على مثل هذه القيم، فقد زغت عن الحق، أما قرأت قول الإمام الحسين(عليه السلام) وهو مضرج بدمه المقدس، والقوم يريدون الحرم والأطفال: ويحكم يا شيعة الشيطان، إن لم يكن لكم دين، ولا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً وارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم أعراباً كما تزعمون، أنا الّذي أقاتلكم، فكفّوا سفهاءكم وجهالكم عن التعرض لحرمي(1).
فطالبهم الحسين(عليه السلام) بأنسابهم إن كانوا أعراباً يحملون شيئاً من العادات الحسنة، وما ذلك إلاّ لإثارة شئ في نفوسهم، ولذا عندما قتل الحسين(عليه السلام) انهالوا على بنات الرسالة حتّى الأطفال يسلبونهن، لماذا لم تمنعهم عروبتك المزعومة عن ذلك؟! وهل بقيت لهم مُثُل وقيم حتّى نبرر بها واقعاً، ونكذّب كل الحقائق لأجلهم؟!
(( وكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ولو كانوا أعتى وأعدى من عاد وثمود، ولو فعلوا أو همّوا أن يفعلوا أما كان في المهاجرين والأنصار مثل عمرو
____________
1- كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص262 .
بن حريث فيمنعهم من مدّ اليد الأثيمة وارتكاب تلك الجريمة! ))
هب أنّه لم يعترض أحد على ذلك، أهذا دليل على عدم الوقوع؟! ومن قال لك انّه لم يعترض أحد قط؟! ألم يخرج الزبير بسيفه؟! كما دلّت عليه مجموعة من الروايات السابقة، وألم يمرّ عليك في الرواية: فأنكر الناس ذلك من قوله(1)، وألم يمرّ عليك رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة(2): فقيل له يا أبا حفص: إن فيها فاطمة!!! فقال: وإن.
والعجب!!! أن يشكّ في أن يهمّوا بذلك الفعل الشنيع، فهو ينزّههم حتّى في باطنهم ونفوسهم، لا أنّهم لم يفعلوا ذلك خوف العار والشنار.
(( ولا يقاس هذا بما ارتكبوه واقترفوه في حقّ بعلها سلام اللّه عليه من العظائم، حتّى قادوه كالفحل المخشوش، فإنّ الرجال قد تنال من الرجال ما لا تناله من النساء.
كيف والزهراء سلام اللّه عليها شابّة بنت ثمانية عشر سنة لم تبلغ مبالغ النساء ))
عجباً !!! سيّدة النساء لم تبلغ مبالغ النساء، بل هي أمُّ أبيها(صلى الله عليه وآله وسلم). فهل هذا هو أفضل ما تمكّنت من التعبير به عن الصدّيقة الطاهرة؟! وهل في مثل أهل بيت العصمة والطهارة(صلوات الله وسلامه عليهم) تقاس الأمور بالأعمار؟!
____________
1- البحار ج28 ص204 . 2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص4.
ومتى تبلغ المرأة مبالغ النساء؟! فهل زوّجها أبوها(صلى الله عليه وآله وسلم) بل الله (سبحانه و تعالى) قبل أن تبلغ مبالغ النّساء؟! ألا يكفي أنّها كانت منجبة لأربعة من الأنوار الطاهرين، وحاملةً بالخامس؟! أم أنّه لا يشترط في الّتي تنجب أولاداً خمسة أن تكون من النساء؟!
فما هذه الشطحات؟! البعيدة كلّ البعد عن الجاهل فضلاً عن العالم.
(( وإذا كان في ضرب المرأة عار وشناعة فضرب الفتاة أشنع وأفظع، ويزيدك يقيناً بما أقول أنّها ـ ولها المجد والشرف ـ ما ذكرت ولا أشارت إلى ذلك في شئ من خطبها ومقالاتها المتضمّنة لتظلّمها من القوم وسوء صنيعهم معها، مثل خطبتها الباهرة الطّويلة الّتي ألقتها في المسجد على المهاجرين والأنصار ))
هل يفترض في المتكلّم أن يقول كلّ شئ؟! ولماذا لا يُحمل هذا على أنّ القوم يبررون ذلك بعدم البيعة، وأنّهم إنّما فعلوا ذلك لأنّها وقفت وحالت بينهم وبين الدخول، فيدّعون أنّها اضطرتهم لذلك، أمّا بقيّة القضايا فكان المناسب طرحها، لأنّها أبعد عن مغالطاتهم، وكلامك هذا ينفي أي ظلم عليها غير ما ذكرَتْه في خطبتها، فلماذا سلّمت بضرب قنفذ لها كما سيأتي؟! في حين أنّها لم تذكره في خطبتها.
(( وكلماتها مع أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد رجوعها من المسجد وكانت ثائرة متأثّرة أشدّ التأثّر حتّى خرجت عن حدود الآداب الّتي لم تخرج من حظيرتها مدّة عمرها ))
هنا أسفر عن لثامه، وبانت نواياه، وطفح الكيل عنده، حتّى لم يحتمل الأمر،
فأفصح عمّا يزلزل عرش الرحمن، ويندى له المؤمن الغيور، كيف يجرأ هذا على أن ينال من الزهراء(عليها السلام) بهذه الوقاحة، فيقول: خرجت عن حدود الآداب.
إن كانت المعصومة بنص آية التطهير تخرج عن حدود الأدب، فممن يا ترى يؤخذ الأدب؟! وإذا كانت تربية الرسول(صلى اللّه عليه وآله وسلم) نهايتها هي الخروج عن حدود الأدب، فممن تعلّمت أنت الأدب حتّى عرفت أنّ مثل هذا خروج عن حدوده، هل ستواجه الزهراء(عليها السلام) يوماً وتقول لها: لقد خرجت عن حدود الآداب؟!!!
وإذا كنت لا تعرف مداليل كلام أهل بيت العصمة فلِمَ أقحمت نفسك في هذا الميدان، وخضت فيه من غير هدى وبصيرة؟! ألم يطرق سمعك قولهم صلوات اللّه وسلامه عليهم: أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن اللّه قلبه بالإيمان.
فإن لم تكن واحداً من الأصناف الثلاثة فدع الأمر لغيرك، إن كانت نواياك حسنة، وما أظنّ أحداً له نيّة حسنة يكبو هذه الكبوة، ويجرؤ بهذه الجرأة.
وفي أيّ موقع من كلامها (صلوات الله عليها) خرجت فيه عن حدود الآداب؟! فاقرأ معي:
(( فقالت له: يا ابن أبي طالب افترست الذئاب، وافترشت التراب، إلى أن قالت: هذا ابن أبي فلانة يبتزّني نحلة أبي، وبلغة ابني، لقد أجهد في كلامي، وألفيته الألدّ في خصامي.
ولم تقلّ: أنّه أو صاحبه ضربني، أو مُدّت يدٌ إليّ، وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار، بعد سؤالهن كيف أصبحت يا بنت رسول اللّه؟ فقالت: أصبحت واللّه عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، ولا إشارة فيها إلى شيء من ضربة أو لطمة، وإنّما تشكوا أعظم صدمة وهي غصب فدك، وأعظم منها غصب الخلافة، وتقديم من أخّر اللّه، وتأخير من قدّم اللّه، وكلّ شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين.
وكذلك كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد دفنها، وتهيج أشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم، حيث توجّه إلى قبر النبي (صلى اللّه عليه وآله) قائلاً: السلام عليك يا رسول اللّه، عنّي وعن ابنتك النّازلة في جوارك ...إلى آخر كلماته، الّتي ينصدع لها الصّخر الأصم لو وعاها، وليس فيها إشارة إلى الضرب واللطم، ولكنّه الظلم الفظيع، والامتهان الذريع، ولو كان شئ من ذلك لأشار إليه سلام اللّه عليه، لأنّ الأمر يقتضي ذكره، ولا يقبل ستره.
ودعوى أنّها أخفته عنه ساقطة؛ بأنّ ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن إخفاؤها ))
كما قلنا سابقاً أنّه لا يشترط في القائل أن يقول كلّ شيء، وما يدّعيه من الدلالة فيما نَقل على فرض صحّته ينفي أيّ ظلم غير ما ذكرته، فينتفي حتّى ما سلّم به من ضرب قنفذ اللّعين، وبالخصوص مثل التعبير: مُدّت يدٌ إليّ ، وقوله: ليس فيها إشارة إلى الضرب واللطم.
وأمّا قضيّة الإخفاء فلم يقل أحد أنّها أخفت كلّ ذلك، حتّى تجيب بأنّ
ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن إخفاؤها، بل إنّ الّذي أخفته في بعض الروايات هو كسر ضلعها فقط.
(( وأمّا قضيّة قنفذ، وأنّ الرّجل لم يصادر أمواله كما صنع مع سائر ولاته وأمراءه، وقول الإمام(عليه السلام) أنّه شكر له ضربته، فلا أمنع من أنّه ضربها بسوطه من وراء الرداء، وإنّما الّذي أستبعده أو أمنعه هو لطمة الوجه ))
إن كان هذا فقط هو الّذي تنفيه وتستبعده ـ وإن كان الاستبعاد في غير محلّه ـ فأنت تناقض نفسك، فإنّ دليلك السابق ينصّ على أنّها مادامت لم تذكر شيئاً من الظلم فهي إذاً ما وقع عليها، وهي لم تذكر الضرب بالسوط، فلِمَ هذه المغالطات الّتي لا تصدر من جاهل فضلاً عمن يدّعي العلم؟!
(( وقنفذ ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب أو على عضدها ))
هل قنفذ أشدّ خبثاً وتهاوناً بالمثل والقيم من سيّده أساس الخبث؟!
أم لأنّ الوقيعة بقنفذ لا تمسّ مشاعر أحد فلذا لا مانع عنده من نسبة العار إليه، أمّا سيّده وآمره وموجّهه ومربّيه ابن صهّاك فلا بدّ أن ينزّهه ولو استدعى الأمر ارتكاب هذه الشطحات.
(( وبالجملة فإنّ وجه فاطمة الزهراء هو وجه اللّه المصون الّذي لا يُهان ولا يهون، ويغشى نوره العيون، فسلام اللّه عليك يا أمّ الأئمة الأطهار، ما أظلم الليل وأضاء النهار، وجعلنا اللّه من شيعتك الأبرار، وحشرنا معك ومع أبيك وبنيك في دار القرار ))
يخلط الحق بالباطل حتّى يمرر على البسطاء، ويفتتن به الناس، كيف تعتقد بأنّه وجه اللّه المصون، وقد تجرأت عليه فقلتَ: أنّها قد خرجت عن حدود الآداب؟! وكيف لا يهون ولا يهان وقد نسبت له الهوان بخروجه عن حدود الآداب؟! وإذا كان يغشي نوره العيون فلم لم تغشَ عينك فعلى الأقل سكتّ؟! وأنّى تكون من شيعتها وقد قلت فيها ما قلت؟!
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم، والعاقبة للمتّقين والحمد لله رب العالمين.
الشبهة الثالثة
صحة الرواية
لماذا تختلف الموازين عند الناس عندما يصل الأمر إلى حقّ أهل البيت(عليهم السلام)، فيطالبون بالبيّنة وهم أصحاب اليد في مثل فدك، والحق أنّ البينة على غيرهم؟! ويشككون في آلآمهم واللّه (سبحانه و تعالى) شاء أن يظهر حقهم حتّى عند أعدائهم فينطقهم اعترافا بالحق شاءوا أم أبوا، وهل بعد اعتراف الخصم من بيّنة أو دليل؟!
وعلى كلّ حال نحن نساير هؤلاء زيادة في إقامة الحجّة، وحتّى لا يبقى لمتشكك ومغرض مجال، ونحن ذاكرون وجوهاً في بيان ذلك وهي:
الأوّل: الإجماع: كل من تطرق لهذه المسألة من الطائفة الحقة، أرسلها إرسال المسلمات، ولم يعرف لهم مخالف في غير زماننا هذا، كما يصوره بعضهم ـ كما مرّ عليك ـ ولا بأس بإعادته:
طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام والقرن الأوّل مثل
كتاب سليم بن قيس ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل وإلى يومنا، كل كتب الشيعة الّتي عنيت بأحوال الأئمة وأبيهم الآية الكبرى وأمهم الصديقة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين وكل من ترجم لهم وألّف كتاباً فيهم أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة أنّها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ولطموا خدّها حتّى احمرّت عينها وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتّى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدّملج.
ثمّ أخذ شعراء أهل البيت سلام اللّه عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم وأرسلوها إرسال المسلّمات من الكميت والسيد الحميري ودعبل الخزاعي والنميري والسلامي وديك الجن ومن بعدهم ومن قبلهم إلى هذا العصر.
وتوسّع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الّذي نحن فيه كالخطّي والكعبي والكوازين وآل السيّد مهدي الحليين وغيرهم ممن يعسر تعدادهم ويفوت الحصر جمعهم وآحادهم.
وهل الإجماع غير هذا التسالم المنقطع النظير؟!
هذا.. مع تصريح شيخ الطائفة الطوسي(رحمه الله) بالإجماع الذي مرَّ عليك ذكره.
الثاني: التواتر: فإنّ الحديث إذا تعدد ناقلوه وتسالموا عليه في جميع الطبقات فإنّه يكون متواتراً، ولا ينظر إلى صحّة سنده، بل هناك ركيزة واحدة وهي أن يمتنع تواطئ الراوين على الكذب، ولا أظن أحداً يتّهم أمثال الشيخ المفيد
والشيخ الطوسي والعلاّمة الحلّي والشيخ المجلسي وأضرابهم.
قال الشهيد الأوّل في القواعد والفوائد(1): إذا كان للحديث الواحد طرق متعددة، وأسانيد متنوعة، فسنّة أهل الحديث أنّهم لا يهتمون بتصحيح السند، والتعمق في حال رجاله، ويلحقون مثل هذا بالمتواترات أو المستفيض(2).
الثالث: الإحتفاف بالقرائن: علاوة على قيام الإجماع والتواترعلى ذلك بما يوجب اليقين، فلو أنكره مكابر لقلنا له: كذلك احتفّت الروايات بقرائن توجب العلم بصحّة مضمون الرواية، وهنا نجد القرائن من تسليم أهل الحق به، وإرساله إرسال المسلّمات، بل اعتراف العامّة به يكفي للمنصف قرائن على صحّة مضمون هذه الأخبار، والقطع بصدورها، لعدم وجود مصلحة عند المخالف في نقلها حتّى يُتّهم في روايته.
الرابع: الإستفاضة: فإنّ من راجع الروايات المتعددة الكثيرة ولم يثبت لديه التواتر فعلى الأقل الإستفاضة هي قدر متيقن في البين، ولا ينظر في سند الخبر المستفيض صحيحاً أو غيره، كما مرّ عليك من كلام الشهيد الأوّل (رحمه الله) في القواعد والفوائد عند ذكرنا الأمر الثاني: المتواتر، فراجع.
وقد صرّح شيخ الطائفة الطوسي(رحمه الله) في تلخيص الشافي بأنَّ رواية
____________
1- القواعد والفوائد ج1 ص222 . 2- مستدركات مقباس الهداية ج5 ص69 للشيخ محمد رضا المامقاني دامت توفيقاته.
الشيعة مستفيضة به، ولا يختلفون في ذلك(1).
كما صرّح بذلك أيضاً الشيخ المجلسي في بحاره(2).
الخامس: صحّة الرواية: إن شئت إلاّ الرواية الصحيحة، ولم توفق للحصول على اليقين مما سبق، فإليك ما تريده، ويكفي أن نضرب لك هذا المثال فنقول وعلى اللّه (سبحانه و تعالى) الإتكال:
روى الطبري في دلائل الإمامة(3):
وهي الّتي مرّت علينا في الفصول السابقة، ونورد قسماً منها هنا، وإن أردت الرواية كاملة فراجع:
عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه، عن محمد بن همام، عن أحمد البرقيِّ، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرَّحمن بن أبي نجران، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال: قبضت فاطمة(عليها السّلام) في جمادى الآخرة يوم الثّلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشر من الهجرة.
وكان سبب وفاتها أنَّ قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسنّاً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممّن آذاها يدخل عليها.
____________
1- تلخيص الشافي ج3 ص155 . 2- البحار ج28 ص408 و410 . 3- دلائل الإمامة ص45.
وكان الرَّجلان من أصحاب النبيِّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) سألا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين(عليه السلام).
فلمّا دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول اللّه؟ قالت: بخير بحمد اللّه، ثمَّ قالت لهما: ما سمعتما النبي يقول: فاطمة بضعة منّي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه؟ قالا: بلى، قالت: فواللّه لقد آذيتماني.
قال: فخرجا من عندها(عليها السلام) وهي ساخطة عليهما(1).
وأمّا الآن فنتطرق لسند الرواية ذاكرين كل راوي على حدة، ونذكر أوّلاً كلام أستاذ فقهاء العصر الحاضر السيد الخوئي(رحمه الله)، لكونه الأعرف عند عامّة الناس في هذا الزمان، ثمّ كلام شيخ علم الرجال الشيخ المامقاني(رحمه الله) لكونه من المصادر المهمة والموثوقة عند العلماء:
1ـ الطبري:
قال أستاذ فقهاء عصرنا السيد الخوئي(رحمه الله) (2):
محمّد بن جرير بن رستم الطبري الآملي أبو جعفر، له كتاب دلائل الإمامة أو دلائل الأئمة، روى عن هذا الكتاب السيد علي بن طاووس المتوفّى سنة 664.
وروى عنه السيّد هاشم التوبلي المتوفّى سنة 1107 في كتاب مدينة المعاجز، فقال في أوّل الكتاب عند ذكر مصادره: كتاب الإمامة للشيخ الثقة أبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الآملي كثير العلم، حسن الكلام، وذكر أنّ
____________
1- البحار ج43 ص170 . 2- معجم رجال الحديث ج15 ص148 .
كلّما ينقل في كتابه مدينة المعاجز عن محمّد بن جرير الطبري فهو من كتاب الإمامة له.
وقال شيخ علماء الرجال المامقاني(رحمه الله) (1):
فتحقق مما ذكرنا كلّه: أنّ محمّد بن جرير بن رستم الطبري من أصحابنا اثنان كبير وهو السابق، وصغير وهو هذا وكلاهما ثقتان عدلان مرضيّان، ولكلّ منهما كتاب في الإمامة، وللأوّل كتاب المسترشد وللثاني كتاب دلائل الإمامة.
2ـ محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري:
قال السيد الخوئي(رحمه الله) (2):
محمد بن هارون بن موسى: أبو الحسين، مضى في ترجمة أحمد بن محمّد بن الربيع، عن النجاشي ذكره، وترحّم عليه، وروايته عن أبيه التلعكبري.
وقال الشيخ المامقاني(رحمه الله) (3):
محمد بن هارون بن موسى أبو الحسين: قال في التعليقة: مضى في أحمد بن محمّد بن الربيع ما يظهر منه حسن حاله، وأقول: أراد بذلك ترحم النجاشي عليه عند ذكره إيّاه هناك، وذلك مما يدرج الرجل في الحسان، لكشفه عن كونه إماميّاً مرضيّاً.
3ـ هارون بن موسى التلعكبري:
____________
1- تنقيح المقال ج2 ص91 . 2- معجم رجال الحديث ج17 ص318 . 3- تنقيح المقال ج3 ص198 .
قال السيد الخوئي(رحمه الله) (1):
قال النجاشي: هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد أبو محمّد التلعكبري، من بني شيبان، كان وجهاً في أصحابنا ثقة، معتمداً لا يطعن عليه.
له كتب منها: كتاب الجوامع في علوم الدين، كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر والناس يقرأون عليه.
وعدّه الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم(عليهم السلام) قائلاً: هارون بن موسى التلعكبري، يكنّى أبا محمد، جليل القدر عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة.
وقال الشيخ المامقاني(رحمه الله) (2):
ـ زيادة على ما تقدّم من كلام السيد الخوئي ـ ووثّقه في إيضاح الإشتباه والوجيزة والبلغة والبحار وغيرها أيضاً.
4ـ محمّد بن همّام:
قال السيد الخوئي(رحمه الله) (3):
قال النجاشي: محمّد بن أبي بكر، همّام بن سهيل الكاتب الإسكافي شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث، قال أبو محمد هارون بن
____________
1- معجم رجال الحديث ج19 ص235 . 2- تنقيح المقال ج3 ص286 . 3- معجم رجال الحديث ج14 ص232 .
موسى(رحمه الله) حدثنا محمد بن همام، قال ...
وقال الشيخ: محمّد بن همّام الإسكافي، يكنّى أبا علي: جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة، أخبرنا بها عدة من أصحابنا عن أبي المفضل، عنه.
وعدّه (الشيخ) في رجاله في من لم يرو عنهم(عليهم السلام) قائلاً: محمّد بن همام البغدادي، يكنّى أبا علي، وهمّام يكنى أبا بكر جليل القدر ثقة، روى عنه التلعكبري.
وذكر الشيخ المامقاني(رحمه الله) (1):
كما ذكر السيد الخوئي وزيادة فليراجع.
5ـ أحمد البرقي:
ونقل السيد الخوئي(رحمه الله) (2):
عن النجاشي قوله: وكان ثقة. ونقل عن الشيخ مثله.
ونقل في صفحة 265 عن ابن الغضائري قوله: طعن عليه القميون، وليس الطعن فيه، وإنّما الطعن في من يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمن يأخذ، على طريقة أهل الأخبار، وكان أحمد بن عيسى أبعده عن قم، ثم أعاده إليها واعتذر إليه، وقال: وجدت كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد، لمّا توفي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً، حاسراً، ليبرئ نفسه مما قذفه به.
____________
1- تنقيح المقال ج2 ص58 . 2- معجم رجال الحديث ج2 ص 261 .
وذكر الشيخ المامقاني(رحمه الله) (1):
بعد ذكر ما تقدم وزيادة: مضافاً إلى ملاحظة محاسنه، وتلقي الأعاظم إيّاه بالقبول، وإكثار المعتمدين من المشايخ من الرواية عنه والإعتداد بها ...الخ، فلا وجه للمتوقف في الرجل بوجه من الوجوه.
6ـ أحمد بن محمّد بن عيسى (أبو جعفر):
نقل السيد الخوئي(رحمه الله) (2):
عن الشيخ قوله: وأبو جعفر هذا شيخ قم، ووجيهها، وفقيهها غير مدافع، وكان أيضاً الرئيس الّذي يلقى السلطان بها، ولقي أبا الحسن الرضا(عليه السلام).
وقال الشيخ المامقاني(رحمه الله) (3):
وبالجملة فوثاقة الرجل متفق عليها بين الفقهاء وعلماء الرجال، متسالم عليه من غير تأمل من أحد، ولا غمز فيه بوجه من الوجوه.
7ـ عبد الرحمن بن أبي نجران:
نقل السيد الخوئي(رحمه الله) (4):
عن النجاشي قوله: وكان عبد الرحمن ثقة، ثقة، معتمداً على ما يرويه.
____________
1- تنقيح المقال ج1 ص84 . 2- معجم رجال الحديث ج2 ص297 . 3- تنقيح المقال ج1 ص91 . 4- معجم رجال الحديث ج9 ص299 .
وقال الشيخ المامقاني(رحمه الله) (1):
ووثّقه في الوجيزة والبلغة ومجمع الفائدة للمحقق الأردبيلي والمشتركاتين والحاوي وغيرها أيضاً، فوثاقته مسلّمة لا غمزة فيها بوجه.
8ـ عبد اللّه بن سنان:
قال السيد الخوئي(رحمه الله) (2):
وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الّذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذم واحد منهم.
وذكر الشيخ المامقاني(رحمه الله) (3):
ويستفاد من بعض الأخبار أنّه من أهل السر الغامض للصادق(عليه السلام).
9ـ عبد اللّه بن مسكان:
قال السيد الخوئي(رحمه الله) (4):
وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الّذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذم واحد منهم.
____________
1- تنقيح المقال ج2 ص139 . 2- معجم رجال الحديث ج10 ص210 . 3- تنقيح المقال ج2 ص186 . 4- معجم رجال الحديث ج10 ص325 .
وذكر الشيخ المامقاني(رحمه الله) (1):
وعدّه الكشي في عبارته الّتي نقلناها في مقباس الهداية: ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه، من أحداث أصحاب أبي عبد اللّه(عليه السلام).
10ـ أبو بصير:
قال السيد الخوئي(رحمه الله) (2):
لا ينبغي الشك في وثاقة أبي بصير يحي بن أبي القاسم وجلالته.
وقال في موضع آخر(3):
ذكرنا في ترجمة يحي بن أبي القاسم: أنّ أبا بصير عندما أطلق فالمراد به هو: يحي بن أبي القاسم، وعلى تقدير الإغماض فالأمر يتردد بينه وبين ليث بن البختري المرادي الثقة، فلا أثر للتردد، وأمّا غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية، بل لم يوجد مورد يطلق فيه أبو بصير، ويراد به غير هذين.
وذكر الشيخ المامقاني(رحمه الله) (4):
____________
1- تنقيح المقال ج2 ص216 . 2- معجم رجال الحديث ج20 ص83 . 3- معجم رجال الحديث ج21 ص47 . 4- تنقيح المقال ج3 ص310 .
كون يحي بن أبي القاسم أبي بصير إماميّاً ثقة غير مطعون بوقف ولا غيره، ويدل على ذلك قول النجاشي: انّه ثقة وجيه. فإنّه نصٌ فيما ادعيناه، وكفى به من عدل ضابط موثقاً.
الشبهة الرابعة
الـباب
من المهازل المضحكة ـ وشرّ البليّة ما يضحك ـ إنكار أن يكون في ذلك الزمان أبواب، فادُّعي بأنّ العرب آنذاك يستعملون الستائر فقط، وليس لهم حظٌّ من الأبواب في شيء، ولذا أُنكرت كلّ الروايات الّتي مرّت عليك، بدعوى عدم وجود باب حتى يكسر أو يفتح أو يحرق.
وكلّ ذلك لأجل تبرئة العجل الّذي أُشرب في قلوبهم حبّه وتقديسه، فلذا دافعوا عنه دفاع المستميت، ولو بالطعن في كلّ القيم والمبادئ والحضارات العريقة، وإنكار أبده البديهيّات، ولا أظنّ عاقلاً يقبل تلك المهزلة.
ولكن هناك من ينجرف بحسن نيّة لسذاجته، من دون تفكير ورويّة، ولذا كان لابدّ علينا من إزاحة الغمام عن بصيرة هؤلاء، وكشف الستار عن الحقيقة البديهيّة الّتي لامناص من بيانها، ردعاً للباطل، وإحقاقاً للحق.
من راجع كتب اللغة لا يجد أنّ معنى الباب هو الستار، والتعبير بإغلاق الباب في الزخم الهائل من تراثنا، لا شك أنّه مغاير لإسدال الستارة، وكأنّهم لم يقرأوا القران الكريم حيث يقول:{ وغلّقت الأبواب(1)} فالأبواب موجودة بصريح القرآن الكريم في ذلك الزمان فكيف بزمان الرسالة المحمّديّة (على الصادع بها آلاف التحيّة)، والستائر لا تمنع من الخروج السهل ليوسف (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام).
____________