وقال الشيخ في الخلاف وابن ادريس لا ينعقد مطلقاً لاَن شرط صحتها الحلف بالله والكافر لا يعرف الله، وفي إطلاق القولين معاً منع ظاهر.
وفصل العلامة جيداً في المختلف فقال إن كان كفره باعتبار جهله بالله وعدم علمه به لم ينعقد يمينه لاَنه يحلف بغير الله، ولو عبر به فعبارته لغو لعدم اعتقاده ما يقتضي تعظيمه بالحلف به، وإن كان جحده باعتبار جحد نبوة أو فريضة انعقدت يمينه، لوجود المقتضي وهو الحلف بالله تعالى من عارف به إلى آخر ما اعتبر. وتوقف فعل المحلوف عليه لو كان طاعة والتكفير على تقدير الحنث على الاِسلام لا يمنع أصل الاِنعقاد، لاَنه مشروط بشرط زايد على أصل اليمين فلا ملازمة بينهما.
وفائدة الصحة تظهر في بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة، وفي العقاب على متعلقها لو مات على كفره ولما يفعله لا في تدارك الكفارة ولو سبق الحنث الاِسلام، لاَنها تسقط به عنه.
قوله: وفي صحة التكفير.. إلخ. إذا قلنا بصحة يمين الكافر على بعض الوجوه وحنث في يمينه وجبت عليه الكفارة مطلقاً، ومذهب الاَصحاب عدم صحتها منه حال الكفر لاَنها من العبادات المشروطة بنية القربة، وهي متعذرة في حقه سواء عرف الله أم لا، لاَن المراد من القربة ما يترتب عليه الثواب وهو منتف في حقه.
والمصنف رحمه الله تردد في ذلك ووجه التردد ما ذكر ومن احتمال أن يراد بالقربة قصد التقرب إلى الله تعالى سواء حصل له القرب والثواب أم لا كما سبق تحقيقه في عتق الكافر، ومن حيث أن بعض خصال الكفارة قد يشك في اعتبار نية القربة فيها كالاِطعام والكسوة كما يقوله العامة فإنهم لا يعتبرون النية إلا في الصوم من خصالها
بحث في معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس
ـ تفسير الميزان للطباطبائي ج 6 ص 169 وما بعدها
في الغرر والدرر للآمدي عن علي عليه السلام قال: من عرف نفسه عرف ربه.
أقول ورواه الفريقان عن النبي أيضاً وهو حديث مشهور، وقد ذكر بعض العلماء أنه من تعليق المحال، ومفاده استحالة معرفة النفس لاستحالة الاِحاطة العلمية بالله سبحانه. ورد أولاً، بقوله صلى الله عليه وآله في رواية أخرى: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. وثانياً، بأن الحديث في معنى عكس النقيض، لقوله تعالى: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
وفيه عنه عليه السلام: قال الكيس من عرف نفسه وأخلص أعماله.
أقول: تقدم في البيان السابق معنى ارتباط الاِخلاص وتفرعه على الاِشتغال بمعرفة النفس.
وفيه عنه عليه السلام: قال المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين.
أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتين المعرفة بالآيات الاَنفسية والمعرفة بالآيات الآفاقية، قال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيَ شهيد. حم السجدة ــ 53، وقال تعالى: وفي الاَرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون. الذاريات ــ 21.
وكون السير الاَنفسي أنفع من السير الآفاقي لعله لكون المعرفة النفسانية لا تنفك عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقية، وذلك أن كون معرفة
وهذه وأمثالها معارف حقة، إذا تناولها الاِنسان وأتقنها مثلت له حقيقة حياته وأنها حياة مؤبدة ذات سعادة دائمة أو شقوة لازمة، وليست بتلك المتهوسة المنقطعة اللاهية اللاغية.
وهذا موقف علمي يهدي الاِنسان إلى تكاليف ووظائف بالنسبة إلى ربه وبالنسبة إلى أبناء نوعه في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وهي التي نسميها بالدين، فإن السنة التي يلتزمها الاِنسان في حياته ولا يخلو عنها حتى البدوي والهمجي إنما يضعها ويلتزمها أو يأخذها ويلتزمها لنفسه من حيث أنه يقدر لنفسه نوعاً من الحياة أي نوع كان، ثم يعمل بما استحسنه من السنة لاِسعاد تلك الحياة، وهذا من الوضوح بمكان.
فالحياة التي يقدرها الاِنسان لنفسه تمثل له الحوائج المناسبة لها فيهتدي بها إلى الاَعمال التي تضمن عادة رفع تلك الحوائج فيطبق الاِنسان عمله عليها، وهو السنة أو الدين.
فتلخص مما ذكرنا أن النظر في الآيات الاَنفسية والآفاقية ومعرفة الله سبحانه بها يهتدي الاِنسان إلى التمسك بالدين الحق والشريعة الاِلَهية، من جهة تمثيل المعرفة المذكورة الحياة الاِنسانية المؤبدة له عند ذلك، وتعلقها بالتوحيد والمعاد والنبوة.
وهذه الهداية إلى الاِيمان والتقوى يشترك فيها الطريقان معاً، أعني طريقي النظر إلى الآفاق والاَنفس، فهما نافعان جميعاً، غير أن النظر إلى آيات النفس أنفع فإنه لا يخلو من العثور على ذات النفس وقواها وأدواتها الروحية والبدنية وما يعرضها من
واشتغال الاِنسان بمعرفة هذه الاَمور والاِذعان بما يلزمها من أمن أو خطر وسعادة أو شقاوة لا ينفك من أن يعرفه الداء والدواء من موقف قريب، فيشتغل بإصلاح الفاسد منها والاِلتزام بصحيحها، بخلاف النظر في الآيات الآفاقية فإنه إن دعا إلى إصلاح النفس وتطهيرها من سفاسف الاَخلاق ورذائلها وتحليتها بالفضائل الروحية، لكنه ينادي لذلك من مكان بعيد، وهو ظاهر.
وللرواية معنى آخر أدق مستخرج من نتائج الاَبحاث الحقيقية في علم النفس، وهو أن النظر في الآيات الآفاقية والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري وعلم حصولي، بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلية منها، فإنه نظر شهودي وعلم حضوري، والتصديق الفكري يحتاج في تحققه إلى نظم الاَقيسة واستعمال البرهان وهو باق ما دام الاِنسان متوجهاً إلى مقدماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها، ولذلك يزول العلم بزوال الاِشراف على دليله وتكثر فيه الشبهات ويثور فيه الاِختلاف.
وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان فإذا اشتغل الاِنسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها في جميع أطوار وجودها وجد أمراً عجيباً، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها، بما لا يتناهى بهاءً وسناءً وجمالاً وجلالاً وكمالاً من الوجود والحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال.
وشاهد ما تقدم بيانه أن النفس الاِنسانية لا شأن لها إلا في نفسها، ولا مخرج لها من نفسها، ولا شغل لها إلا السير الاِضطراري في مسير نفسها، وإنها منقطعة عن كل شيء كانت تظن أنها مجتمعة معه مختلطة به إلا ربها، المحيط بباطنها وظاهرها وكل
وعند ذلك تنصرف عن كل شيء وتتوجه إلى ربها وتنسى كل شيء، وتذكر ربها فلا يحجبه عنها حجاب، ولا تستتر عنه بستر، وهو حق المعرفة الذي قدر للانسان.
وهذه المعرفة الاَحرى بها أن تسمى بمعرفة الله بالله....
وأما المعرفة الفكرية التي يفيدها النظر في الآيات الآفاقية سواء حصلت من قياس أو حدس أو غير ذلك، فإنما هي معرفة بصورة ذهنية عن صورة ذهنية، وجل الاِلَه أن يحيط به ذهن أو تساوي ذاته صورة مختلقة اختلقها خلق من خلقه، ولا يحيطون به علما.
وقد روى في الاِرشاد والاِحتجاج على ما في البحار عن الشعبي عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: إن الله أجل من أن يحتجب عن شيء أو يحتجب عنه شيء. وفي التوحيد عن موسى بن جعفر عليه السلام في كلام له: ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، لا إلَه إلا هو الكبير المتعال. وفي التوحيد مسنداً عن عبد الاَعلى عن الصادق عليه السلام في حديث: ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال، فهو مشرك، لاَن الحجاب والصورة والمثال غيره، وإنما هو واحد موحد، فكيف يوحد من زعم أنه يوحده بغيره ! إنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره.. الحديث. والاَخبار المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في معنى ما قدمناه كثيرة جداً لعل الله يوفقنا لاِيرادها وشرحها في ما سيأتي إن شاء الله العزيز من تفسير سورة الاَعراف.
فقد تحصل أن النظر في آيات الاَنفس أنفس وأغلى قيمةً، وأنه هو المنتج لحقيقة المعرفة فحسب، وعلى هذا فعده عليه السلام إياها أنفع المعرفتين لا معرفة متعينة إنما هو لاَن العامة من الناس قاصرون عن نيلها، وقد أطبق الكتاب والسنة وجرت السيرة الطاهرة النبوية وسيرة أهل بيته الطاهرين على قبول من آمن بالله عن نظر آفاقي وهو النظر الشائع بين المؤمنين. فالطريقان نافعان جميعاً، لكن النفع في طريق النفس أتم وأغزر.
وفيه عنه عليه السلام قال: أعظم الجهل جهل الاِنسان أمر نفسه.
وفيه عنه عليه السلام قال: أعظم الحكمة معرفة الاِنسان نفسه.
وفيه عنه عليه السلام قال: أكثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه. أقول: وذلك لكونه أعلمهم بربه وأعرفهم به، وقد قال الله سبحانه: إنما يخشى الله من عباده العلماء.
وفيه عنه عليه السلام قال: أفضل العقل معرفة المرء بنفسه، فمن عرف نفسه عقل ومن جهلها ضل.
وفيه عنه عليه السلام قال: عجبت لمن ينشد ضالته وقد أضل نفسه فلا يطلبها.
وفيه عنه عليه السلام قال: عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه.
وفيه عنه عليه السلام قال: غاية المعرفة أن يعرف المرء نفسه. أقول: وقد تقدم وجه كونها غاية المعرفة فإنها المعرفة حقيقة.
وفيه عنه عليه السلام قال: كيف يعرف غيره من يجهل نفسه.
وفيه عنه عليه السلام قال: كفى بالمرء معرفةً أن يعرف نفسه، وكفى بالمرء جهلاً أن يجهل نفسه.
وفيه عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه تجرد. أقول: أي تجرد عن علائق الدنيا، أو تجرد عن الناس بالاِعتزال عنهم، أو تجرد عن كل شيء بالاِخلاص لله.
وفيه عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جاهدها، ومن جهل نفسه أهملها.
وفيه عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جل أمره.
وفيه عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه كان لغيره أعرف، ومن جهل نفسه كان بغيره أجهل.
وفيه عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة وعلم.
وفيه عنه عليه السلام قال: من لم يعرف نفسه بعد عن سبيل النجاة، وخبط في الضلال والجهالات.
وفيه عنه عليه السلام قال: نال الفوز الاَكبر من ظفر بمعرفة النفس.
وفيه عنه عليه السلام قال: لا تجهل نفسك فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شيء.
وفي تحف العقول عن الصادق عليه السلام في حديث: من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك، ومن زعم أنه يعرف الله بالاِسم دون المعنى فقد أقر بالطعن لاَن الاِسم محدث، ومن زعم أنه يعبد الاِسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكاً، ومن زعم أنه يعبد بالصفة لا بالاِدراك فقد أحال على غائب، ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير، وما قدروا الله حق قدره.
قيل له فكيف سبيل التوحيد ؟ قال: باب البحث ممكن وطلب المخرج موجود، إن معرفة عين الشاهد قبل صفته، ومعرفة صفة الغائب قبل عينه. قيل وكيف يعرف عين الشاهد قبل صفته ؟ قال: تعرفه وتعلم علمه، وتعرف نفسك به ولا تعرف نفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه، كما قالوا ليوسف إنك لاَنت يوسف، قال أنا يوسف وهذا أخي، فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب.... الحديث.
أقول قد أوضحنا في ذيل قوله عليه السلام المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين، الرواية الثانية من الباب أن الاِنسان إذا اشتغل بآية نفسه وخلا بها عن غيرها انقطع إلى ربه من كل شيء وعقب ذلك معرفة ربه معرفة بلا توسيط وسط وعلماً بلا تسبيب سبب، إذ الاِنقطاع يرفع كل حجاب مضروب، وعند ذلك يذهل الاِنسان بمشاهدة ساحة العظمة والكبرياء عن نفسه. وأحرى بهذه المعرفة أن تسمى معرفة الله بالله.... وانكشف له عند ذلك من حقيقة نفسه أنها الفقيرة إلى الله سبحانه المملوكة له ملكاً لا تستقل بشيء دونه، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام: تعرف نفسك به، ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه.
وفي هذا المعنى ما رواه المسعودي في إثبات الوصية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال
وفي البحار عن إرشاد الديلمي وذكر بعد ذلك سندين لهذا الحديث وفيه: فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شكراً لا يخالطه الجهل، وذكراً لا يخالطه النسيان، ومحبةً لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين. فإذا أحبني أحببته وأفتح عين قلبه إلى جلالي ولا أخفي عليه خاصة خلقي وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار، حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، واسمعه كلامي وكلام ملائكتي وأعرفه السر الذي سترته عن خلقي، وألبسه الحياء حتى يستحيي منه الخلق كلهم، ويمشي على الاَرض مغفوراً له، واجعل قلبه واعياً وبصيراً، ولا أخفي عليه شيئاً من جنة ولا نار، وأعرفه ما يمر على الناس في القيامة من الهول والشدة، وما أحاسب به الاَغنياء والفقراء والجهال والعلماء، وأنومه في قبره وأنزل عليه منكراً ونكيراً حتى يسألاه، ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع، ثم أنصب له ميزانه وأنشر ديوانه، ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشوراً، ثم لا أجعل بيني وبينه ترجماناً. فهذه صفات المحبين.
يا أحمد إجعل همك هماً واحداً، واجعل لسانك لساناً واحداً، واجعل بدنك حياً لا يغفل أبداً، من يغفل عني لا أبالي بأي وادٍ هلك.
والروايات الثلاثة الاَخيرة وإن لم تكن من أخبار هذا البحث المعقود على الاِستقامة، إلا أنا إنما أوردناها ليقضي الناقد البصير بما قدمناه من أن المعرفة الحقيقية لا تستوفي بالعلم الفكري حق استيفائها، فإن الروايات تذكر أموراً من
وأما سائر الفرق المذهبية من الهنود كالجوكية أصحاب الاَنفاس والاَوهام وكأصحاب الروحانيات وأصحاب الحكمة وغيرهم، فلكل طائفة منهم رياضات شاقة عملية لا تخلو عن العزلة وتحريم اللذائذ الشهوانية على النفس.
وأما البوذية فبناء مذهبهم على تهذيب النفس ومخالفة هواها وتحريم لذائذها عليها للحصول على حقيقة المعرفة، وقد كان هذه هي الطريقة التي سلكها بوذا نفسه في حياته فالمنقول أنه كان من أبناء الملوك أو الرؤساء فرفض زخارف الحياة وهجر أريكة العرش إلى غابة موحشة لزمها في ريعان شبابه واعتزل الناس وترك التمتع بمزايا الحياة وأقبل على رياضة نفسه والتفكر في أسرار الخلقة، حتى قذفت المعرفة في قلبه وسنه إذ ذاك ستة وثلاثون، وعند ذاك خرج إلى الناس فدعاهم إلى ترويض النفس وتحصيل المعرفة ولم يزل على ذلك قريباً من أربع وأربعين سنة على ما في التواريخ.
وأما الصابئون ونعني بهم أصحاب الروحانيات فهم وإن أنكروا أمر النبوة غير أن لهم في طريق الوصول إلى كمال المعرفة النفسانية طرقاً لا تختلف كثيراً عن طرق البراهمة والبوذيين، قالوا: على ما في الملل والنحل، أن الواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبيعية، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوى الشهوانية والغضبية، حتى يحصل مناسبه ما بيننا وبين الروحانيات، فنسأل حاجاتنا منهم ونعرض أحوالنا عليهم ونصبوا في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم ورازقنا ورازقهم.
وهذا التطهير ليس يحصل إلا باكتسابنا ورياضتنا، وفطامنا أنفسنا عن دنيئات الشهوات، استمداداً من جهة الروحانيات، والاِستمداد هو التضرع والاِبتهال
وهؤلاء وإن اختلفوا فيما بين أنفسهم بعض الاِختلاف في العقائد العامة الراجعة إلى الخلق والاِيجاد لكنهم متفقوا الرأي في وجوب ترويض النفس للحصول على كمال المعرفة وسعادة النشأة.
وأما المانوية من الثنوية، فاستقرار مذهبهم على كون النفس من عالم النور العلوي وهبوطها إلى هذه الشبكات المادية المظلمة المسماة بالاَبدان، وأن سعادتها وكمالها التخلص من دار الظلمة إلى ساحة النور، إما اختياراً بالترويض النفساني وإما اضطراراً بالموت الطبيعي المعروف.
وأما أهل الكتاب ونعني بهم اليهود و النصارى والمجوس، فكتبهم المقدسة وهي العهد العتيق والعهد الجديد وأوستا، مشحونة بالدعوة إلى إصلاح النفس وتهذيبها و مخالفة هواها. ولا تزال كتب العهدين تذكر الزهد في الدنيا والاِشتغال بتطهير السر، ولا يزال يتربى بينهم جم غفير من الزهاد وتاركي الدنيا، جيلاً بعد جيل وخاصة النصارى فإن من سننهم المتبعة الرهبانية. وقد ذكر أمر رهبانيتهم في القرآن الشريف قال تعالى: ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون. المائدة ــ 82 وقال تعالى: ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها. الحديد ــ 27، كما ذكر المتعبدون من اليهود في قوله: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين. آل عمران ــ 114.
وأما الفرق المختلفة من أصحاب الاِرتياضات والاَعمال النفسية كأصحاب السحر والسيمياء، وأصحاب الطلسمات وتسخير الاَرواح والجن وروحانيات
وجملة الاَمر على ما يتحصل من جميع ما مر: أن الوجهة الاَخيرة لجميع أرباب الاَديان والمذاهب والاَعمال هو تهذيب النفس بترك هواها والاِشتغال بتطهيرها من شوب الاَخلاق والاَحوال غير المناسبة للمطلوب.
لعلك ترجع وتقول إن الذي ثبت من سنن أرباب المذاهب والطرق وسيرهم هو الزهد في الدنيا وهو غير مسألة معرفة النفس أو الاِشتغال بأمر النفس بالمعنى الذي تقدم البحث عنه. وبلفظ أوضح: الذي يندب إليه الاَديان والمذاهب التي تدعو إلى العبودية بنحو أن يتزهد الاِنسان نوع تزهد في الدنيا بإتيان الاَعمال الصالحة وترك الهوى والآثام ورذائل الاَخلاق ليتهيأ بذلك لاَحسن الجزاء إما في الآخرة كما تصرح به الاَديان النبوية كاليهودية والنصرانية والاِسلام، أو في الدنيا كما استقر عليه دين الوثنية ومذهب التناسخ وغيرهما، فالمتعبد على حسب الدستور الديني يأتي بما ندب إليه من نوع التزهد من غير أن يخطر بباله أن هناك نفساً مجردة وأن لها نوعاً من المعرفة فيه سعادتها وكمال وجودها.
وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات على اختلاف طرقها وسننها إنما يرتاض بما يرتاض من مشاق الاَعمال ولا همَّ له في ذلك إلا حيازة المقام الموعود فيها والتسلط على نتيجة العمل كنفوذ الاِرادة مثلاً، وهو في غفلة من أمر النفس المذكور من حين يأخذ في عمله إلى حين يختمه. على أن في هؤلاء من لا يرى في النفس إلا أنها أمر مادي طبيعي كالدم أو الروح البخار أو الاَجزاء الاَصلية، ومن يرى أن النفس جسم لطيف مشاكل للبدن العنصري حال فيه وهو الحامل للحياة، فكيف يسوغ القول بكون الجميع يرومون بذلك أمر معرفة النفس.
لكنه ينبغي لك أن تتذكر ما تقدم ذكره أن الاِنسان في جميع هذه المواقف التي يأتي فيها بأعمال تصرف النفس عن الاِشتغال بالاَمور الخارجية والتمتعات المتفننة
فالاَعمال والمجاهدات والاِرتياضات الدينية ترجع جميعاً إلى نوع من الاِشتغال بأمر النفس، والاِنسان يرى بالفطرة أنه لا يأخذ شيئاً ولا يترك شيناً إلا لنفع نفسه، وقد تقدم أن الاِنسان لا يخلو ولا لحظة من لحظات وجوده من مشاهدة نفسه وحضور ذاته، وأنه لا يخطيَ في شعوره هذا البتة، وإن أخطأ فإنما يخطيَ في تفسيره بحسب الرأي النظري والبحث الفكري.
فظهر بهذا البيان أن الاَديان والمذاهب على اختلاف سننها وطرقها تروم الاِشتغال بأمر النفس في الجملة، سواء علم بذلك المنتحلون بها أم لم يعلموا. وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات والمجاهدات وإن لم يكن منتحلاً بديلاً ولا مؤمناً بأمر حقيقة النفس، لا يقصد بنوع رياضته التي يرتاض بها إلا الحصول على نتيجتها الموعودة له، وليست النتيجة الموعودة مرتبطة بالاَعمال والتروك التي يأتي بها ارتباطاً طبيعياً نظير الاِرتباط الواقع بين الاَسباب الطبيعية ومسبباتها، بل هو
فحقيقة الرياضة المذكورة هي تأييد النفس وتكميلها في شعورها وإرادتها للنتيجة المطلوبة. وإن شئت قلت: أثر الرياضة أن تحصل للنفس حالة العلم بأن المطلوب مقدور لها، فإذا صحت الرياضة وتمت صارت بحيث لو أرادت المطلوب مطلقاً أو أرادته على شرائط خاصة، كإحضار الروح للصبي غير المراهق في المرآة، حصل المطلوب.
وإلى هذا الباب يرجع معنى ما روي: أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله أن بعض أصحاب عيسى عليه السلام كان يمشي على الماء فقال صلى الله عليه وآله: لو كان يقينه أشد من ذلك لمشى على الهواء، فالحديث كما ترى يومىَ إلى أن الاَمر يدور مدار اليقين بالله سبحانه وإمحاء الاَسباب الكونية عن الاِستقلال في التأثير.
فإلى أي مبلغ بلغ ركون الاِنسان إلى القدرة المطلقة الاِلَهية انقادت له الاَشياء على قدره، فافهم ذلك.
ومن أجمع القول في هذا الشأن قول الصادق عليه السلام: ما ضعف بدن عما قويت عليه النية. وقال صلى الله عليه وآله في الحديث المتواتر: إنما الاَعمال بالنيات.
فقد تبين أن الآثار الدينية للاَعمال والعبادات وكذلك آثار الرياضات والمجاهدات إنما تستقر الرابطة بينها وبين النفس الاِنسانية بشؤونها الباطنية، فالاِشتغال بشيء منها اشتغال بأمر النفس....
إياك أن يشتبه عليك الاَمر فتستنتج من الاَبحاث السابقة أن الدين هو العرفان والتصوف، أعني معرفة النفس كما توهمه بعض الباحثين من الماديين، فقسم المسلك الحيوي الدائر بين الناس إلى قسمين المادية والعرفان وهو الدين. وذلك أن الذي يعقد عليه الدين أن للاِنسان سعادة حقيقية ليس ينالها إلا بالخضوع لما فوق الطبيعة، ورفض الاِقتصار على التمتعات المادية.
فالدين يدعو إلى عبادة الاِلَه سبحانه من غير واسطة أو بواسطة الشفعاء والشركاء لاَن فيها السعادة الاِنسانية والحياة الطيبة التي لا بغية للاِنسان دونها، ولا ينالها الاِنسان ولن ينالها إلا بنفس طاهرة مطهرة من ألواث التعلق بالماديات والتمتعات المرسلة الحيوانية، فمست الحاجة إلى أن يدرج في أجزاء دعوته إصلاح النفس وتطهيرها ليستعد المنتحل به المتربي في حجره للتلبس بالخير والسعادة ولا يكون كمن يتناول الشيء بإحدى يديه ويدفعه بالاَخرى.
فالدين أمر وعرفان النفس أمر آخر وراءه وإن استلزم الدين العرفان نوعاً من الاِستلزام.
وبنظير البيان يتبين أن طرق الرياضة والمجاهدة المسلوكة لمقاصد متنوعة غريبة عن العادة أيضاً غير عرفان النفس وإن ارتبط البعض بالبعض نحواً من الاِرتباط.
نعم لنا أن نقضي بأمر وهو: إن عرفان النفس بأي طريق من الطرق فرض السلوك إليه إنما هو أمر مأخوذ من الدين، كما أن البحث البالغ الحر يعطي أن الاَديان على اختلافها وتشتتها إنما انشعبت هذه الاِنشعابات من دين واحد عريق تدعو إليه الفطرة الاِنسانية وهو دين التوحيد.
فإنا إذا راجعنا فطرتنا الساذجة بالاِغماض عن التعصبات الطارئة علينا بالوراثة من أسلافنا أو بالسراية من أمثالنا لم نرتب في أن العالم على وحدته في كثرته وارتباط أجزائه في عين تشتتها، ينتهي إلى سبب واحد فوق الاَسباب وهو الحق الذي يجب الخضوع لجانبه، وترتيب السلوك الحيوي على حسب تدبيره وتربيته، وهو الدين المبني على التوحيد.
ومن المعلوم أن السنن الدائرة بين الناس وإن انشعبت أي انشعاب واختلفت أي اختلاف شديد، فإنها تميل إلى التوحد إذا رجعنا إلى سابق عهودها القهقرى، وتنتهي بالآخرة إلى دين الفطرة الساذجة الاِنسانية وهو التوحيد.
فدين التوحيد أبو الاَديان وهي أبناء له صالحة أو طالحة.
ثم إن الدين الفطري إنما يعتبر أمر عرفان النفس ليتوصل به إلى السعادة الاِنسانية التي يدعو إليها، وهي معرفة الاِلَه التي هي المطلوب الاَخير عنده. وبعبارة أخرى: الدين إنما يدعو إلى عرفان النفس دعوة طريقية لا غائية، فإن الذوق الديني لا يرتضي الاِشتغال بأمر إلا في سبيل العبودية، وإن الدين عند الله الاِسلام ولا يرضى لعباده الكفر، فكيف يرضى بعرفان النفس إذا استقل بالمطلوبية.
ومن هنا يظهر أن العرفان ينتهي إلى أصل الدين الفطري إذ ليس هو بنفسه أمراً مستقلاً تدعو إليه الفطرة الاِنسانية، حتى تنتهي فروعه وأغصانه إلى أصل واحد هو العرفان الفطري.
نعم من الممكن أن يكون بعض أصحاب هذه الطرق غير الدينية كأصحاب السحر والاَرواح ونحوهما إنما تنبه إلى هذا النوع من عرفان النفس من غير طريق الدين، لكن لا من جهة الفطرة، إذ الفطرة لا حكم لها في ذلك كما عرفت، بل من جهة مشاهدة بعض الآثار النفسانية الغريبة على سبيل الاِتفاق، فتتوق نفسه إلى الظفر بمنزلة نفسانية يملك بها أعمالاً عجيبة وتصرفات في الكون نادرة تستغربها النفوس، فيدفعه هذا التوقان إلى البحث عنه والسلوك إليه، ثم السلوك بعد السلوك يمهد السبيل إلى المطلوب ويسهل الوعر منه.
يحكى عن كثير من صلحائنا من أهل الدين أنهم نالوا في خلال مجاهداتهم الدينية كرامات خارقة للعادة، وحوادث غريبة اختصوا بها من بين أمثالهم كتمثل أمور لاَبصارهم غائبة عن أبصار غيرهم، ومشاهدة أشخاص أو وقائع لا يشاهدها حواس من دونهم من الناس، واستجابة للدعوة وشفاء المريض الذي لا مطمع لنجاح المداواة فيه، والنجاة من المخاطر والمهالك من غير طريق العادة.
وقد يتفق نظائر ذلك لغير أهل الصلاح إذا كان ذا نية صادقة ونفس منقطعة، فهؤلاء يرون ما يرون وهم على غفلة من سببه القريب، وإنما يسندون ذلك إلى الله سبحانه من غير توسيط وسط.
واستناد الاَمور إليه تعالى وإن كان حقاً لا محيص عن الاِعتراف به، لكن نفي الاَسباب المتوسطة مما لا مطمع فيه.
وربما وجدوا الاَرواح المحضرة أنها تكذب في أخبارها فيكون عجباً لاَن عالم الاَرواح عالم الطهارة والصفاء لا سبيل للكذب والفرية والزور إليه.
وربما أحضروا روح إنسان حي فيستنطقونه بأسراره وضمائره وصاحب الروح في حالة اليقظة مشغول بأشغاله وحوائجه اليومية لا خبر عنده من أن روحه محضر مستنطق يبث من القول ما لا يرضى هو ببثه.
وربما نوم الاِنسان تنويماً مغناطيسياً، ثم لقن بعمل حتى ينعم بقبوله، فإذا أوقظ ومضى لشأنه أتى بالعمل الذي لقنه على الشريطة التي أريد بها وهو غافل عما لقنوه، وعن إنعامه بقبوله.
وبعض الروحيين لما شاهدوا صوراً روحية تماثل الصور الاِنسانية أو صور بعض الحيوان ظنوا أن هذه الصور في عالم المادة وظرف الطبيعة المتغيرة، وخاصة بعض من لا يرى لغير الاَمر المادي وجوداً، حتى حاول بعض هؤلاء أن يخترع أدوات صناعية يصطاد بها الاَرواح ! كل ذلك استناداً منهم إلى فرضية افترضوها في النفس أنها مبدأ مادي أو خاصة لمبدأ مادي، يفعل بالشعور والاِرادة، مع أنهم لم يحلوا مشكلة الحياة والشعور حتى اليوم.
ونظير هذه الفرضية فرضية من يرى أن الروح جسم لطيف مشاكل للبدن العنصري في هيئاته وأشكاله، لما وجدوا أن الاِنسان يرى نفسه في المنام وهو على هيئته في اليقظة، وربما يمثل لاَرباب المجاهدات صور أنفسهم قبالاً خارج أبدانهم وهي مشاكلة للصورة البدنية مشاكلة تامة، فحكموا أن الروح جسم لطيف حال البدن العنصري مادام الاِنسان حياً فإذا فارق البدن كان هو الموت.
وحقيقة الاَمر أن هؤلاء نالوا شيئاً من معارف النفس وفاتهم معرفة حقيقتها، فأخطأوا في تفسير ما نالوه، وضلوا في توجيه أمره. والحق الذي يهدي إليه البرهان والتجربة أن حقيقة النفس التي هي هذا الشعور المتعقل المحكي عنه بقولنا (أنا) أمر مغاير في جوهره لهذه الاَمور المادية كما تقدم، وأن أقسام شعوره وأنواع إدراكاته من حس أو خيال أو تعقل من جهة كونها مدركات إنما هي متقررة في عالمه وظرفه غير الخواص الطبيعية الحاصلة في أعضاء الحس والاِدراك من البدن، فإنها أفعال وانفعالات مادية فاقدة في نفسها للحياة والشعور، فهذه الاَمور المشهودة الخاصة بالصلحاء وأرباب المجاهدات والرياضات غير خارجة عن حيطة نفوسهم، وإنما الشأن في أن هذه المعلومات والمعارف كيف استقرت في النفس وأين محلها منها، وأن للنفس سمة علية لجميع الحوادث والاَمور المرتبطة بها ارتباطاً ما. فجميع هذه الاَمور الغريبة المطاوعة لاَهل الرياضة والمجاهدة، إنما ترتضع من إرادتهم ومشيئتهم، والاِرادة ناشئة من الشعور، فللشعور الاِنساني دخل في جميع الحوادث المرتبطة به والاَمور المماسة له.
فمن الحري أن نقسم المشتغلين بعرفان النفس في الجملة إلى طائفتين، إحداهما : المشتغلون بالاِشتغال بإحراز شيء من آثار النفس الغريبة الخارجة عن حومة المتعارف من الاَسباب والمسببات المادية كأصحاب السحر والطلسمات وأصحاب تسخير روحانيات الكواكب والموكلين على الاَمور والجن وأرواح
والثانية: المشتغلون بمعرفة النفس بالاِنصراف عن الاَمور الخارجة عنها والاِنجذاب نحوها، للغور فيها ومشاهدة جوهرها وشؤونها كالمتصوفة على اختلاف طبقاتهم ومسالكهم.
وليس التصوف مما أبدعه المسلمون من عند أنفسهم لما (ثبت) أنه يوجد بين الاَمم التي تتقدمهم في النشوء كالنصارى وغيرهم، حتى الوثنية من البرهمانية والبوذية، ففيهم من يسلك الطريقة حتى اليوم، بل هي طريقة موروثة ورثوها من أسلافهم. لكن لا بمعنى الاَخذ والتقليد العادي كوراثة الناس ألوان المدنية بعضهم من بعض، وأمة منهم متأخرة من أمة منهم متقدمة، كما جرى على ذلك عدة من باحثي الاَديان والمذاهب وذلك لما عرفت في الفصول السابقة من أن دين الفطرة يهدي إلى الزهد، والزهد يرشد إلى عرفان النفس.
فاستقرار الدين بين أمة وتمكنه من قلوبهم يعدهم ويهيؤهم لاَن تنشأ بينهم طريقة عرفان النفس لا محالة، ويأخذ بها بعض من تمت في حقه العوامل المقتضية لذلك. فمكث الحياة الدينية في أمة من الاَمم برهة معتداً بها ينشيَ بينهم هذه الطريقة لا محالة صحيحة أو فاسدة، وإن انقطعوا عن غيرهم من الاَمم الدينية كل الاِنقطاع. وما هذا شأنه لا ينبغي أن يعد من السنن الموروثة التي يأخذها جيل عن جيل.
ثم ينبغي أن نقسم أصحاب القسم الثاني من القسمين المتقدمين وهم أهل العرفان حقيقة إلى طائفتين: فطائفة، منهم يسلكون الطريقة لنفسها فيرزقون شيئاً من معارفها من غير أن يتم لهم تمام المعرفة لها، لاَنهم لما كانوا لا يريدون غير النفس فهم في غفلة عن أمر صانعها وهو الله عز اسمه الذي هو السبب الحق الآخذ بناصية النفس في وجودها وآثار وجودها. وكيف يسع الاِنسان تمام معرفة شيَ مع الذهول عن معرفة أسباب وجوده وخاصة السبب الذي هو سبب كل سبب، وهل هو إلا كمن يدعي معرفة السرير على جهل منه بالنجار وقدومه ومنشاره، وغرضه في
ومن الحري بهذا النوع من معرفة النفس أن يسمى كهانة بما في ذيله من الحصول على شيء من علوم النفس وآثارها.
وطائفة منهم يقصدون طريقة معرفة النفس لتكون ذريعة لهم إلى معرفة الرب تعالى، وطريقتهم هذه هي التي يرتضيها الدين في الجملة وهي أن يشتغل الاِنسان بمعرفة نفسه بما أنها آية من آيات ربه وأقرب آية، وتكون النفس طريقاً مسلوكاً والله سبحانه هو الغاية التي يسلك إليها، وأن إلى ربك المنتهى.
وهؤلاء طوائف مختلفة ذووا مذاهب متشتتة في الاَمم والنحل، وليس لنا كثير خبرة بمذاهب غير المسلمين منهم وطرائقهم التي يسلكونها. وأما المسلمون فطرقهم فيها كثيرة ربما انهيت بحسب الاَصول إلى خمس وعشرين سلسلة، تنشعب من كل سلسلة منها سلاسل جزئية أخر، وقد استندوا فيها إلا واحدة، إلى علي عليه أفضل السلام.
وهناك رجال منهم لا ينتمون إلى واحدة من هذه السلاسل ويسمون الاَويسية نسبة إلى أويس القرني، وهناك آخرون منهم لا يتسمون بإسم ولا يتظاهرون بشعار.
ولهم كتب ورسائل مسفورة ترجموا فيها عن سلاسلهم وطرقهم والنواميس والآداب التي لهم عن رجالهم، وضبطوا فيها المنقول من مكاشفاتهم، وأعربوا فيها عن حججهم ومقاصدهم التي بنوها عليها، من أراد الوقوف عليها فليراجعها.
وأما البحث عن تفصيل الطرق والمسالك وتصحيح الصحيح ونقد الفاسد، فله مقام آخر، وقد تقدم في الجزء الخامس من هذا الكتاب بحث لا يخلو عن نفع في هذا الباب، فهذه خلاصة ما أردنا إيراده من البحث المتعلق بمعنى معرفة النفس.
واعلم أن عرفان النفس بغية عملية لا يحصل تمام المعرفة بها إلا من طريق السلوك العملي دون النظري.
وأما علم النفس الذي دَوَّنه أرباب النظر من القدماء فليس يغني من ذلك شيئاً،
الموقف الفقهي من الدعوة إلى معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس
ما ذكره صاحب الميزان رحمه الله من الطريقين لمعرفة الله تعالى: طريق النظر في الآفاق وطريق النظر في الاَنفس، مطلب شائع بين العرفانيين والمتصوفة، والظاهر أنهم أخذوه من قوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) ولابد هنا من تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: وردت أحاديث شريفة في تفسير الآية المذكورة بأنها من علامات ظهور الاِمام المهدي عليه السلام أو من الاَحداث التي تظهر على يده، وأن المقصود بالآفاق آفاق الاَرض حيث (تنتقض الاَطراف عليهم) أي على الجبارين قرب ظهوره عليه السلام. ويؤيد ذلك سين الاِستقبال في الآية، التي تخبر عن حدث في المستقبل، وإلا لقال (ولقد أريناهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) مثلاً. أو قال (أولم ينظروا في الآفاق) كما قال تعالى (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والاَرض).
ثانياً: لا شك أن النظر في ملكوت السماوات والاَرض، أي فيما يمكن للاِنسان معرفته وفهمه وأخذ العبرة منه، أمر محبوب شرعاً وموصل إلى معرفة الله تعالى وزيادة الاِيمان به. قال تعالى: أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والاَرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، فبأي حديث بعده يؤمنون. الاَعراف ــ 185، ولكن نفس الاِنسان جزء من هذا الملكوت وواحدة من هذه الآفاق، وليست طريقاً في مقابل بقية الآفاق.
ثالثاً: لم أجد سنداً للحديث الذي ذكره (المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين) ومن البعيد أن يكون حديثاً شريفاً، وعلى فرض صحته لا يصح تفسيره بما ذكره رحمه الله فإن المقابل لمعرفة الله بالنفس معرفة الله بالله تعالى، أو معرفة الله بأنبيائه وأوليائه، أو
رابعاً: تقدم بحث الحد الاَدنى الواجب من معرفة الله تعالى، ولم يتعرض الفقهاء والمتكلمون إلى طرقه، ولم يفضلوا بعضها على بعض. كما تقدم أن معرفة الله هي من صنعه تعالى في نفس الاِنسان وألطافه به، ولا صنع للاِنسان فيها.
خامساً: لا شك في صحة ما ذكره رحمه الله من أن تزكية النفس وتهذيبها من الرذائل والشهوات والتعلق بحطام الدنيا ومتاعها، مقدمة لازمة لتحقيق هدف الدين الذي هو عبادة الله تعالى. قال تعالى (وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون) وقال تعالى (هو الذي بعث في الاَميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم) ولكن الوارد في القرآن الكريم والاَحاديث الشريفة هو تزكية النفس وجهاد النفس ومخالفة النفس، وهي أمور عملية غير ما يطرحه المتصوفة والعرفاء من معرفة النفس، وإن كانت تزكية النفس تتوقف على قدر من معرفتها.
سادساً: لو سلمنا أن تزكية النفس ومخالفتها وجهادها هي نفس معرفة النفس التي طرحها المتصوفة والعرفاء، ولكن الدعوة إلى معرفة الله تعالى وطاعته عن طريق معرفة النفس على إجمالها وإهمالها تتضمن مخاطر عديدة لا يمكن قبولها، لاَنها تتسع للضد والنقيض في الاَساليب والاَهداف والقدوات.. جميعاً.
فبعض الدعوات إلى معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس تتبنى العزلة والرهبانية، وبعضها يتبنى إصلاح النفس والمجتمع والحكم. وبعضها يدعو إلى التقيد بأحكام الشريعة المقررة في هذا المذهب أو ذاك.... وبعضها يدعو إلى تقليد الاَستاذ شيخ الطريقة أو أستاذ الاَخلاق وما شابه، دون الحاجة إلى أخذ أي مفهوم أو حكم شرعي من غيره !
وبعض الدعوات تجعل قدوتها في المعرفة بعض الصحابة أو الاَولياء الذين لم يجعلهم الله تعالى ولا رسوله قدوة. بل قد يتخذ بعضهم قدوة من العرفاء والمتصوفة غير المسلمين.. الى آخر ما هنالك من تعدد الاَساليب والاَهداف والقدوات.
ولهذا، فإن من المشكل جداً أن ندعو الناس إلى معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس، ونقول لهم اقتدوا بأستاذكم حتى يصل أحدكم إلى الله تعالى فيصير أستاذاً مجتهداً ! فما أيسر أن يجلس الشيطان في هذا الطريق وينحرف بالاِنسان !
سابعاً: بما أن حب الذات أقوى غرائز الاِنسان على الاِطلاق، فإن دعوة العوام بل وأكثر المتعلمين إلى سلوك طريق العرفان والتصوف بدون تحديد الوسائل والاَهداف والقدوة، يجعلهم في معرض الوقوع في عبادة الذات وتعظيمها، فيتخيل أحدهم أنه وصل إلى الله تعالى، وحصل على ارتباط به، وصار صاحب أسرار إلَهية، ويزين له الشيطان العيش في عالم من نسيج الخيال وحب الذات، وقد تظهر منه ادعاءات باطلة واتجاهات منحرفة، أعاذنا الله وجميع المؤمنين.
لذلك فإن الاِئتمام في المعرفة وتعيين وسائلها وهدفها من أول ضرورياتها، فالواجب التركيز على القدوة في معرفة النفس والسلوك، قبل الدعوة إلى سلوك طريقٍ لا إمام له.
ثامناً: ما دامت معرفة النفس عند المتصوفة طريقاً الى معرفة الله تعالى، ومعرفة الله تعالى طريقاً الى عبادته، فالهدف المتفق عليه عند الجميع هو عبادة الله سبحانه. وهذه العبادة التي هي غاية الخلق وطريق التكامل الاِنساني الوحيد، إنما تحصل بإطاعته سبحانه، وإطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وإطاعة أهل بيته عليهم السلام أولي الاَمر الذين أمرنا الله ورسوله بإطاعتهم والاِقتداء بهم..
ولذلك فلابد في الدعوة إلى المعرفة والعرفان وتزكية النفس وتطهيرها وجهادها
ومن الطبيعي أن يكون ذلك السلوك على درجات ومراتب ومقامات، ولكنها تتحقق من هذا الطريق الذي سلكه النبي وآله وتلامذتهم، لا من غيره.
معرفة النبي والاَئمة صلى الله عليه وعليهم
يجب على كل الناس معرفة النبي صلى الله عليه وآله
ـ الكافي ج 1 ص 168
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمر الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبتت الاَنبياء والرسل ؟ قال: أنه لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناوهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه عز وجل، وهم الاَنبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس ــ على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ــ في شيء من أحوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والاَنبياء من
ـ دعائم الاِسلام ج 1 ص 5
فأما ما فرض على القلب من الاِيمان فالاِقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن الله تبارك وتعالى هو الواحد، لا إلَه إلا هو وحده لا شريك له إلَهاً واحداً أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله والاِقرار بما كان من عند الله من نبي أو كتاب، وذلك ما فرض على القلب من الاِقرار والمعرفة.
ـ الهداية للصدوق ص 5
يجب أن يعتقد أن النبوة حق كما اعتقدنا أن التوحيد حق، والاَنبياء الذين بعثهم الله مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، جاؤوا بالحق من عند الحق وأن قولهم قول الله وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله، فإنهم لم ينطقوا إلا عن الله تبارك وتعالى وعن وحيه. وأن سادة الاَنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحى، وهم أصحاب الشرايع وهم أولوا العزم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم، وأن محمداً صلى الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين، وأن الذين كذبوه لذائقوا العذاب الاَليم، وأن الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.
ويجب أن يعتقد أن الله تعالى لم يخلق خلقاً أفضل من محمد صلى الله عليه وآله ومن بعده الاَئمة صلوات الله عليهم، وأنهم أحب الخلق إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النببين من الذر، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، وأن الله بعث نبيه صلى الله عليه وآله في الذر، وأن الله أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته، ونبينا صلى الله عليه وآله سبقهم إلى الاِقرار به.
ويعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق جميع ما خلق له ولاَهل بيته صلى الله عليه وآله وأنه لولاهم ما
ـ رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 144
الثالث، في بيان المعارف التي يحصل بها الاِيمان، وهي خمسة أصول: الاَصل الاَول، معرفة الله تعالى وتقدس. المراد بها التصديق الجازم الثابت بأنه تعالى موجود أزلاً وأبداً، واجب الوجود لذاته....
الاَصل الثاني، التصديق بعدله، أي بأنه عادل. والتصديق بحكمته....
الاَصل الثالث، التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وبجميع ما جاء به، تفصيلاً فيما علم تفصيلاً، وإجمالاً فيما علم إجمالاً. وليس بعيداً أن يكون التصديق الاِجمالي بجميع ما جاء به عليه السلام كافياً في تحقق الاِيمان، وإن كان المكلف قادراً على العلم بذلك تفصيلاً يجب العلم بتفاصيل ما جاء به من الشرائع للعمل به.
وأما تفصيل ما أخبر به من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات، والسؤال في القبر وعذابه، والمعاد الجسماني، والحساب والصراط، والجنة، والنار، والميزان، وتطاير الكتب، مما ثبت مجيؤه به تواتراً، فهل التصديق بتفاصيله معتبرة في تحقق الاِيمان ؟ صرح باعتباره جمع من العلماء. والظاهر أن التصديق به إجمالاً كاف، بمعنى أن المكلف لو اعتقد حقية كل ما أخبر به عليه السلام بحيث كلما ثبت عنده جزئي منها صدق به تفصيلاً كان مؤمناً وإن لم يطلع على تفاصيل تلك الجزئيات بعد ، ويؤيد ذلك أن أكثر الناس في الصدر الاَول لم يكونوا عالمين بهذه التفاصيل في الاَول، بل كانوا يطلعون عليها وقتاً فوقتاً، مع الحكم بإيمانهم في كل وقت من حين التصديق بالوحدانية والرسالة، بل هذا حال أكثر الناس في جميع الاَعصار كما هو المشاهد، فلو اعتبرناه لزم خروج أكثر أهل الاِيمان عنه، وهو بعيد عن حكمة العزيز الحكيم. نعم العلم بذلك لا ريب أنه من مكملات الاِيمان....
... ثم لا تجب على الاَمم اللاحقة معرفة الاَنبياء السابقين، نعم ربما وجب معرفة أن لله أنبياء قد سبقت دعوتهم وانقرضت ملتهم على الاِجمال. ويجب معرفة عصمته بالدليل، ويكفي فيه أنه لو جاز عليه الخطأ والخطيئة لم يبق وثوق بإخباره ولا اعتماد على وعده ووعيده، فتنتفي فائدة البعثة.
يعرف النبي بالمعجزة والاِمام بالنص والمعجزة
ـ رسائل الشريف المرتضى ج 3 ص 18
باب ما يجب اعتقاده في النبوة. متى علم الله سبحانه أن لنا في بعض الاَفعال مصالح وألطافاً، أو فيها ما هو مفسدة في الدين، والعقل لا يدل عليها، وجب بعثة الرسول لتعريفه، ولا سبيل إلى تصديقه إلا بالمعجز. وصفة المعجز أن يكون خارقاً للعادة، ومطابقاً لدعوى الرسول ومتعلقاً بها، وأن يكون متعذراً في جنسه أو صفته المخصوصة على الخلق، ويكون من فعله تعالى أو جارياً مجرى فعله تعالى، وإذا وقع موقع التصديق فلا بد من دلالته على المصدق وإلا كان قبيحاً.
... باب ما يجب إعتقاده في الاِمامة وما يتصل به أوجب في الاِمام عصمته، لاَنه لو لم يكن كذلك لكانت الحاجة إليه فيه، وهذا يتناهى من الرؤساء والاِنتهاء إلى رئيس معصوم. وواجب أن يكون أفضل من رعيته وأعلم، لقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه في العقول. فإذا وجبت عصمته وجب النص من الله تعالى عليه وبطل اختيار الاِمامة، لاَن العصمة لا طريق للاَنام إلى العلم بمن هو عليها.
ـ الاِقتصاد للشيخ الطوسي ص 151
ولا طريق إلى معرفة النبي إلا بالمعجز، والمعجز في اللغة عبارة عمن جعل غيره عاجزاً، مثل المقدور الذي يجعل غيره قادراً إلا أنه صار بالعرف عبارة عما
والمعجز يدل على ما قلناه بشروط: أولها أن يكون خارقاً للعادة، والثاني يكون من فعل الله أو جارياً مجرى فعله، والثالث أن يتعذر على الخلق جنسه أو صفته المخصوصة، والرابع أن يتعلق بالمدعى على وجه التصديق لدعواه.
... فعلى هذا لا يلزم أن يظهر الله على يد كل إمام معجزاً، لاَنه يجوز أن يعلم إمامته بنص أو طريق آخر، ومتى فرضنا أنه لا طريق إلى معرفة إمامته إلا المعجز وجب إظهار ذلك عليه وجرى مجرى النبي سواء، لاَنه لابد لنا من معرفته كما لابد لنا من معرفة النبي المتحمل لمصالحنا. ولو فرضنا في نبي علمنا نبوته بالمعجز أنه نص على نبي آخر لاَغنى ذلك عن ظهور المعجز على يد النبي الثاني، بأن نقول: النبي الاَول أعلمنا أنه نبي، كما يعلم بنص إمام على إمامته ولا يحتاج إلى معجز.
وتجب معرفة الاَئمة لاَن الله تعالى فرض طاعتهم
ـ رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 145
الاَصل الرابع: التصديق بإمامة الاِثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا الاَصل اعتبرته في تحقق الاِيمان الطائفة المحقة الاِمامية، حتى أنه من ضروريات مذهبهم، دون غيرهم من المخالفين، فإنه عندهم من الفروع....
ـ الكافي ج 1 ص 180
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه، عمن ذكره، عن محمد
بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إنكم لا تكونون
صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفوا حتى تصدقوا ولا تصدقوا حتى تسلموا، أبواباً أربعة
لا يصلح أولها إلا بآخرها.... إنما يتقبل الله من المتقين، فمن اتقى الله فيما أمره لقى
الله مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا