روى الطبري والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم كثير عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بني عبد المطلب! إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا وقلت: يا نبي الله! أكون وزيرك عليه؟ فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 59 {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله ورسوله، إنا إلى الله راغبون}.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 74 {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.
وقال تعالى سورة البقرة الآية151 {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}. أي أنه تعالى فوض أمر تعليم العباد وتزكيتهم لرسوله صلى الله عليه وآله، جعله المصدر لذلك والواسطة بيننا وبين ربنا، والوسيلة للوصول إليه.
وقال تعالى في سورة التوبة الآية 105 {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}. وهذه تدل على أن أعمالنا مراقبة في ظل رؤية الله لنا ومتابعة الرسول والأئمة المعصومين لأعمالنا.
وقال تعالى في سورة الأحزاب. الآية: 36 {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}. جعل الله قضاءه وقضاء رسوله واحدا، وعصيان العباد لقضاء رسول الله هو نفس عصيان قضاء الله تعالى.
وقال تعالى في سورة الفتح الآية 10 {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله}.
روى الحاكم في المستدرك عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني. ورواه في كنز العمال.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى ذكر أهل البيت عبادة، وفرض على المسلمين الصلاة على رسول الله بشرط أن يذكر أهل البيت عليهم الصلاة والسلام معه، كما أنه تعالى اسمه جعل النظر إلى وجوههم عبادة.
فقد روى السيوطي في الجامع الصغير، والديلمي في مسند الفردوس عن أم المؤمنين عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (ذكر علي عبادة). ورواه في كنز العمال، وروى الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك عن عمران بن الحصين وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (النظر إلى وجه علي عبادة). ورواه ابن عساكر، وفي مجمع الزوائد، وابن حبان. والحديث ورد من رواية أحد عشر صحابيا بعدة طرق وتلك طرق عدة التواتر.
مصير من ترفع عن العبودية وتطاول على الربوبية:
ولنعد إلى موضوع العبودية وأوصافها، ونضرب بعض الأمثلة من القرآن والسنة حتى يتضح المعنى ويتوضح.
فإذا ادعى إنسان القوة التي اختصها الله لنفسه، وجعلها من أوصاف الربوبية ولا تصلح للعبد إلا إذا كانت بالله ومن الله، فلو ادعاها عبد ضعيف ولم يستمد قوته من الله القوي العزيز، فإنه يضع نفسه في موضع لم يرضاه الله له، لأنه
قال تعالى في سورة النازعات الآية 15 - 26 {هل أتاك حديث موسى، إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى، اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقل هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى، فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}.
وقال تعالى في سورة القصص {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين، واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}.
وكذلك لو ادعى عبد الغنى الذي لا يصلح للعبد إلا بالله، فإنه يخرج عن حقيقته البشرية، فنحن الفقراء إلى الله وهو تعالى الغني. فالإنسان مهما امتلك في هذه الدنيا الفانية، ووصل إلى أعلى حالات الغنى والتملك، فإن ذلك لا يخرجه عن حقيقة فقره وحاجته إلى الله تعالى ومدده. فإذا خرج عن أصله ولم يستمد غناه من الله، فإنه سوف يدعي التفرد بالغنى ويدعي ما ليس له، ومن ادعى ما ليس له فضحته شواهد الإمتحان، وسوف يكون مصيره مثل مصير قارون
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة القصص الآيات: 76-82 {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي، أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون، فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون}.
وقال تعالى قي سورة العنكبوت. الآية: 39 - 40 {وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين، فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
وقال تعالى في سورة فصلت الآية 13 - 16 {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم
وقال تعالى في سورة العلق {كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى}.
تلك كانت بعض الأمثلة على من ادعى ما ليس له من أوصاف الربوبية التي لا تنبغي للعباد، فظلموا أنفسهم وعتوا وتجبروا واستكبروا على العبودية، وتطاولوا على مقام الربوبية، فكانت النتيجة أن أهلكهم الله تعالى. بعد أن أظهر ضعفهم وعجزهم وخستهم وذلتهم، حتى يكونوا عبرة لكل من يخرج عن مقام العبودية لله تعالى.
عبودية الأنبياء والأوصياء:
ومن المناسب أن نذكر عن العبد المؤمن الصالح نبي الله سليمان عليه السلام الذي ملكه الله تعالى الأرض ومن عليها وآتاه ملكا عظيما، فلم يزيده كل ذلك إلا عبودية وطاعة لله تعالى.
قال تعالى في سورة النمل الآيات 36-40 {فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون، ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون، قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين، قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم}.
إن تصرفات وسلوكيات العبد المؤمن المطيع لله تعالى، تكون دائما من منطلق العبودية لله تعالى، ويعتبر ذلك شرف عظيم منحه الله إياه، ولذلك مدح الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وآله بالعبودية فقال في سورة الإسراء
يقول الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه: إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.
ويقول الأمام علي عليه السلام مناجيا رب العزة_ إلهي ما عبدتك - حين عبدتك - خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام في زيارة جده الإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين: وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة.
إذ أن أعلى شرف للإنسان أن يكون عبدا لله تعالى على بساط العبودية متحققا بأوصاف العبودية قائما بحقوق الربوبية متبعا لأوامر الله كلها مطيعا مستسلما له، من الإيمان بالله تعالى وبنبوة محمد وإمامة علي والأئمة من ولده الذين اجتباهم الله واختارهم هداة لعباده، وهذا كله لمن يدرك أنه عبد لله عليه السمع والطاعة لربه من على بساط العبودية حتى تصح وتصلح الصلة بينه وبين ربه. ولذلك تجد العبد المؤمن المؤدب بآداب ربه دائما يردد أنا فقير إلى الله محتاج إلى الله، غني بالله عزيز بالله، قوي بالله عالم بالله، لأن الله تعالى هو الذي يمد عبده بالقوة والعزة والعلم والغنى وما إلى ذلك من أوصاف كريمة.
لقد جسد النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين المعصومين معنى العبودية وتحققوا بكامل أوصافها، وأدوا حقوق الربوبية لله تعالى فكانوا مطهرين معصومين كما أخبر عنهم القرآن الكريم في آية التطهير، قال تعالى في سورة الأحزاب {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لم تصنع هذا يا رَسُول اللَّهِ وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال - أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا.
وأما عبودية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء والأمام الحسن والإمام الحسين سلام الله تعالى عليهم جميعا، فكانت استسلاما كاملا لله تعالى في جميع نواحي الحياة، فقد نذروا أنفسهم لله تعالى، ويكفيهم شرفا سورة الدهر التي نزلت في حقهم قال تعالى في سورة الدهر {إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا}.
قال الإمام الحسن بن علي عليه السلام يصف حالة من حالات العبودية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قال- رأيت أمي فاطمة الزهراء عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعوا للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم ولاتدعوا لنفسها بشيء، فقلت لها يا أماه لم لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت يابني الجار ثم الدار.
وقال الحسن البصري- ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة الزهراء عليها السلام، كانت تقوم حتى تورمت قدماها.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لقد دخل الإمام أبوجعفر الباقر عليه السلام على الإمام السجاد علي بن الحسين ـ فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة،
يا بنيّ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته فقرأ فيها شيئاً يسيراً، ثم تركها من يده تضجراً وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليه السلام يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة... وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لونا آخر. وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل.
عن الإمام الباقر عليه السلام: إن أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد. ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد.
ولا دفع الله تعالى عنه سوءً يخشاه أو كيد كايد إلا سجد. ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد. ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد. وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد لذلك.
لقد جسدوا معنى العبودية لله تعالى في أدعيتهم، فهذا الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله تعالى عليه يناجي رب العزة في دعاء يوم عرفه، ويقدم بين يدي دعائه إعترافا بأوصاف العبودية وأداء لحقوق الربوبية فيقول سلام الله تعالى عليه _ (إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيرا في فقري، إلهي أنا الجاهل في علمي، فكيف لا أكون جهولا في جهلي).
وكان أيضا من دعاء الإمام علي بن الحسين الإمام السجاد زين العابدين دعاء التذلل:
(مولاي مولاي، أنت المولى وأنا العبد، وهل يرحم العبد إلا المولى.
مولاي مولاي، أنت العزيز وأنا الذليل، وهل يرحم الذليل إلا العزيز.
مولاي مولاي، أنت المالك وأنا المملوك، وهل يرحم المملوك إلا المالك.
مولاي مولاي، أنت الخالق وأنا المخلوق، وهل يرحم المخلوق إلا الخالق.
مولاي مولاي، أنت المعطي وأنا السائل، وهل يرحم السائل إلا المعطي.
مولاي مولاي، أنت الباقي وأنا الفاني، وهل يرحم الفاني إلا الباقي.
مولاي مولاي، أنت الدائم وأنا الزائل، وهل يرحم الزائل إلا الدائم.
مولاي مولاي، أنت الحي وأنا الميت، وهل يرحم الميت إلا الحي.
مولاي مولاي، أنت القوي وأنا الضعيف، وهل يرحم الضعيف إلا القوي.
مولاي مولاي، أنت الغني وأنا الفقير، وهل يرحم الفقير إلا الغني.
مولاي مولاي، أنت الكبير وأنا الصغير، وهل يرحم الصغير إلا الكبير).
وكان من دعاء الإمام موسى بن جعفر الكاظم سلام الله تعالى عليه:
(اللهم عد على جهلي بحلمك، وعلى فقري بغناك، وعلى ذلي بعزك وسلطانك، وعلى ضعفي بقوتك، وعلى خوفي بأمنك، وعلى ذنوبي وخطاياي بعفوك ورحمتك يا رحمان يا رحيم).
هذه نماذج من أدعية أهل البيت سلام الله تعالى عليهم، أظنها واضحة الدلالة في تبيان معنى العبودية وأوصافها، (ومن أراد المزيد من أدعية أهل البيت عليهم السلام فعليه بالصحيفة السجادية، وكتب الأدعية المختارة كمفاتيح الجنان وضياء الصالحين وغيرها) فهم يعلموننا أوصاف العبودية التي يجب على العبد المؤمن أن يحققها في ذاته وسلوكه، وكلما تحققت كان العبد أقرب إلى ربه، ذلك أن العبد إذا عرف أوصافه فمن المحتوم أن يعرف ربه كم بينت ذلك أدعية أهل البيت. فعندما يعرف العبد أنه مخلوق يعرف الخالق، وعندما يعرف أنه ضعيف يعرف أن ربه هو القوي، وهذا ما تتميز به أنواع الإبتلاء التي سأبينها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
عبودية الجهل والأهواء والشهوات:
وكما ضربنا أمثلة على من ادعى ما ليس له من أوصاف الربوبية من القرآن الكريم من طواغيت عصورهم كفرعون وقارون، نتطرق إلى قضية أهم عانت ولازالت الأمة الإسلامية تعاني منها ومن آثارها، نضرب مثلا على أساس من أسس العبودية وهو الجهل، فالعبد في حقيقته جاهل، ولا يمكن أن يعلم إلا بالله ومن الله عن طريق الأنبياء والأوصياء الذين اختارهم لنا الله، فمهما بلغ العبد
لكن المصيبة أن يخرج الجهلاء عن بساط العبودية، ولا يعترفون بجهلهم ويتطاولون على مقام الربوبية، ولا يطيعون الله ورسوله فيما يريده منهم ويأمرهم به، فهذا هو الضلال بعينه بل وربما أكثر من ذلك والعياذ بالله.
فعندما أمر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وآله أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه فيما يتعلق بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فالواجب على العبيد أن يطيعوا أمر ربهم، في إختيار من يخلف رسول الله بعد وفاته.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم، في علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} أن عليا مولى المؤمنين {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}.
أما صيغة الأمر الإلهي علي لسان رسول الله يوم غدير خم فكانت كما في الروايات التالية.
ويتوضح معنى ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ووصايته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، بالروايات المتضافرة والمتواترة في صحاح السنة ومسانيدها. كحديث الثقلين، والولاية، والسفينة، وغيرها من الأحاديث الصحيحة المتواترة التي لاتحتمل إلا معنى واحدا وهو ولاية أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام.
روي في كل صحاح المسلمين ومسانيدهم عن زيد بن أرقم قال:
لما رجع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات، فقممن، فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
ثم قال: إن الله -عز وجل- مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي -عليه السلام- فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
وأخرج الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول"مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
وأخرج أحمد والحاكم عن ابن مسعود. أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اثنا عشر كعدة بني إسرائيل.
ثم وقبل انتقال رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى، دعا الصحابة وأمرهم أن يأتوه بدواة وكتف، ليكتب لهم كتابا حتى لا يضلوا بعد رسول الله أبدا. فهو صلى الله عليه وآله يعلمنا بالله وينيرنا بالله ويهدينا بالله تعالى إلى صراطه المستقيم. فهو صلى الله عليه وآله ينطق بالوحي من الرب العالم الذي يعلم ما ينفعنا ويصلحنا، ويجنبنا طريق الضلال والطغيان.
قال تعالى سورة الأنفال. الآية: 20 {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون}.
فبعد أن أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، كثر لغط الصحابة، وتنازعوا ولا ينبغي لهم أن يتنازعوا عند رسول الله، ولا يعترضوا على أوامره.
قال تعالى في سورة الأنفال. الآية: 46 {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. لأن تكليف العبيد أن يسمعوا ويطيعوا رسول ربهم وسيدهم، وأن يتذكروا أنهم عبيد وليس للعبد التطاول على أوامر سيده.
وبعد أن تنازعوا، ولم يطيعوا وتمردوا على الله ورسوله، رموا رسول الله بالهجر أي الهذيان والخرف. وبدلا من أن يجيبوا رسول الله، قالوا لبعضهم دعوه فإنه يهجر ثم زادوا على ذلك بأن قالوا لا نريد أمر رسول الله ولا نريد أن نسمع كلامه وتركوه، وكان قائد تلك الحركة التمردية عمر بن الخطاب ومعه عددا كبيرا من الصحابة.
روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس؛ أنه قال: يوم الخميس! وما يوم الخميس! ثم جعل تسيل دموعه. حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ. قال: