ما يجب معرفته وتذكره
وعلى رأس ما يجب على المؤمن المحافظة على تذكره والتنبه له، هو المحافظة على الصلة الوثيقة بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام، من خلال معرفتهم ومعرفة حقوقهم وأحقيتهم، وكذلك معرفة محبيهم ومبغضيهم، ومعرفة مظلومياتهم وظالميهم، بالإضافة إلى معرفة ما بينوا من الأوامر والمنهيات الربانية والأوامر والنواهي النبوية الصحيحة من خلال متابعتهم والإقتداء بهديهم، ومن المهم أيضا تذكر الموت والمصير الذي سوف يؤول إليه العبد بعد هذه الحياة، وباختصار يجب أن يعرف عقيدته التي فيها رضى الله ورسوله وكذلك الأحكام الشرعية المأمور بتحقيقها والنواهي المأمور باجتنابها.
الإعتبار من القصص القرآني
ومن المهم أيضا قراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الصحيح، حتى يعرف العبد ما فيه من تنبيهات وتحذيرات وعبر، وسوف نلقي الضوء على بعض الآيات المتعلقة بموضوعنا من أجل توضيح بعض المعاني المتعلقة بالإبتلاء.
قال تعالى سورة الأعراف الآية 130 {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون}.
وقال تعالى في سورة الأعراف الآية 26 {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون}.
وقال تعالى في سورة الأنعام الآية 42 {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون}.
وقال تعالى في سورة الأعراف الآية 94 {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون}.
وقال تعالى في سورة الأعراف. الآية: 168 {وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون}.
وقال تعالى في سورة السجدة. الآية: 21 {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون}.
وقال تعالى في سورة الزخرف. الآية: 28 {وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}.
وقال تعالى في سورة الزخرف الآية 51 {وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون}.
تطهير وتمييزوتمحيص
وهناك قسم آخر من الناس يتعرضون لهذا النوع من التعرفات الجلالية، وهذا ما يختص به المؤمن الصادق الذي يريده رب العالمين أن يكون مؤهلا للعناية الإلهية والعطاء والمدد، وهذا لا يقبل منه أن يكون في مستوى المسلمين العاديين، فحسنات الأبرار سيئات المقربين. فتنزل بهم التعرفات الجلالية من أجل تطهيرهم، وتمييزهم وتمكينهم من القيم الأخلاقية والأدبية الفاضلة. ومن أجل الإعتبار والتأسي. بل وربما يحميهم الله من كثير من درجات الدنيا، فيبتليهم بالفقر لأنهم لا يصلحون بالغنى، ويبتليهم بالمرض لأن الصحة تفسدهم، لأن الله تعالى هو الذي يعلم الحال الذي ينفع العبد المؤمن ويصلحه أو يضره، قال تعالى في سورة البقرة الآية: 216 {عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: فيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن: يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإني إنما أبتليه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليرض بقضائي، وليشكر نعمائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري.
وعلى ذلك فإن دور العبد المؤمن الصادق في هذا المعنى من الإبتلاء أن يرضى بقضاء ربه له، وأن يستسلم لإرادته، وأن يشهد الله على صدق
قال تعالى في سورة آل عمران الآية 140 {وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}.
وقال تعالى في سورة محمد الآية 31 {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين}.
وقال تعالى في سورة الحديد الآية 25 {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز}.
قال تعالى في سورة آل عمران 139-142 {ولاتهنوا ولا تحزنوا وإنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}.
وقال أبو عبد الله الإمام الصادق عليه السلام: إنه ليكون للعبد منزلة عند الله عز وجل، لا يبلغها إلا بإحدى الخصلتين، إما ببلية في جسمه، أو بذهاب ماله.
تمييز الخبيث من الطيب
وقسم ثالث من العوام، وهم الذين يدعون الأحوال الدينية وهم ليسوا من أهلها، فيظهرون للناس مدى إهتمامهم في دينهم، وحبهم لله ولرسوله وأهل بيته، ويتنسكون ويلبسون مسوك الضان، ويتحلون بحلية الصالحين، ولكن قلوبهم خاوية على عروشها، خالية من مقومات الإيمان، فهم قوم أصلحوا
وهذا القسم يشمل طبقات متعددة من المسلمين منذ بداية الدعوة الإسلامية في مكة والمدينة وفشى واستشرى بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى، وما زال هذا القسم مستمرا حتى يومنا هذا، فتنزل بهم التعرفات الجلالية لتكشف حقيقتهم، ولتنضح قلوبهم بما فيها، لتفضحهم وتظهر كذبهم ونفاقهم. فمن ادعى ما ليس فيه فضحته شواهد الإمتحان. فكانت الإبتلاءات لهم تمييزا لهم وفضحا لأحوالهم، وكشفا لحقيقتهم، فتجدهم عند سكرات الموت، يظهرون كثيرا مما كان منهم في حياتهم من ظلم واعتداء على عباد الله تعالى، وتهجم على بيوت أولياء الله، وحرقها والإعتداء على المسلمين، فيظهرون ندمهم في اللحظات الأخيرة من الحياة، فمنهم من قال (وددت أني كنت نسياً منسيا (ومنهم من قال (وددت أني لم أكن أكشف بيت فاطمة وتركته). ومنهم من يقول (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) ومنهم من يقول (يا ليتني كنت ترابا).
بينما تجد المؤمن الصادق في شوق إلى لقاء ربه ولقاء نبيه وأئمته، هذا حالهم عند الموت، فهذا بلال رضي الله عنه كان يردد وهو في حالة النزاع يقول (واطرباه، غداً نلقى الأحبه، محمداً وصحبه) وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قولته المشهورة (فزت ورب الكعبة) بعدما ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه.
قال تعالى في سورة العنكبوت الآيات 1 - 3 {الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
وقال تعالى في سورة العنكبوت الآيات: 4 - 7 {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون، من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون}.
لاحظ الآيات كيف توضح أن الناس أنواع بحسب ادعاءاتهم وأحوالهم، فمنهم الصادق ومنهم المنافق ومنهم الكاذب ومنهم الضعيف الذي بميل مرة مع المؤمنين ومرة مع الضائعين في الدنيا، فجاءت التعرفات الجلالية لتضع كل واحد منهم في موقعه الذي يستحقه، وكشفت عن حقيقته والتزامه بما يقول ويدعي، فيطهر من كان من المؤمنين الصادقين من كان من السابقين، وأما إن كان من أهل اليمين، تكو ن التعرفات بالنسبة له تنبيه وتذكير وتأديب، وعى كل فكلا الحالتين هي تمييز لهما عن أهل العقوبة والطرد.
ابتلاء المال والبدن وما يرتبط بهما
و لبيان تلك الأقسام من التعرفات الجلالية وبيان أماكن تأثيرها، نقول أنها ربما تكون في نفس العبد وبدنه وما يخصه من مال أو أهل أو ولد أو عرض، ويكون ذلك تأديب وتهذيب وتطهير.
أخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله ليبتلي عبده بالبلاء والألم حتى يتركه من ذنبه كالفضة المصفاة" وأخرج أحمد عن أبي الدرداء "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الصداع والمليلة لا يزال بالمؤمن وإن ذنبه مثل أحد فما يتركه وعليه من ذلك مثقال حبة من خردل" وأخرج أحمد عن خالد بن عبد الله القسري عن جده يزيد بن أسد أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: المريض تحات خطاياه كما يتحات ورق الشجر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال: إن المؤمن يصيبه الله بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لسيئاته ومستعتبا فيما بقي، وإن الفاجر يصيبه الله بالبلاء ثم
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمار أنه كان عنده أعرابي، فذكروا الوجع فقال عمار: ما اشتكيت قط؟ قال: لا. فقال عمار: لست منا، ما من عبد يبتلى إلا حط عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها، وإن الكافر يبتلى فمثله مثل البعير عقل فلم يدر لم عقل، وأطلق فلم يدر لم أطلق.
روى الحاكم في المستدرك قال، قال النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلم-: (ما يزال البلاء بالمؤمن في جسده وماله، حتى يلقى الله -تعالى- وما عليه خطيئة).
ومن الضروري أن يتذكر القارئ العزيز أن هذا الثواب العظيم، المذكور في الأحاديث، يختص بالمؤمنين، فليس كل مبتلى يكون ابتلاءه تطهير وتزكية بل ربما يكون عقوبة، ولذلك تصف الأحاديث العبد المبتلى بالمؤمن، وحتى أعزز المعنى أضيف مجموعة من الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، توضح معنى هذا النوع من الإبتلاء.
قال الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: فيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإني إنما أبتليه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليرض بقضائي، وليشكر نعمائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري وعن أبي الحسن عليه السلام قال: ما أحد من شيعتنا يبتليه الله عز وجل ببلية فيصبر عليها إلا كان له أجر ألف شهيد وعن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله عنده ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ابتلاه بالحاجة، فإن هو لم يفعل شدد عليه عند الموت، وإذا كان من أمره أن يهين عبدا وله عنده حسنة أصح بدنه، فإن هو لم يفعل وسع في معيشته، فإن هو لم يفعل هون عليه الموت.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: مر نبي من أنبياء بني إسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج منه، فما كان خارجا منه قد نقبته الطير ومزقته الكلاب، ثم مضى ووقعت له مدينة فدخلها، فإذا هو بعظيم من عظمائها ميت، على سرير مسجى بالديباج حوله المجامر، فقال: يا رب إنك حكم عدل لا تجور، ذاك عبدك لم يشرك بك طرفة عين، أمته بتلك الميتة، وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة عين أمته بهذه الميتة. فقال الله عزوجل: عبدي أنا كما قلت حكم عدل لا أجور، ذاك عبدي كانت له عندي سيئة وذنب، فأمته بتلك الميتة لكي يلقاني ولم يبق عليه شيء، وهذا عبدي كانت له عندي حسنة، فأمته بهذه الميتة لكي يلقاني وليس له عندي شيء.
عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه رفعه قال: بينما موسى يمشي على ساحل البحر، إذ جاء صياد فخر للشمس ساجدا، وتكلم بالشرك، ثم ألقى شبكته فأخرجها مملوءة، فأعادها فأخرجها مملوءة، ثم أعادها فأخرج مثل ذلك، حتى اكتفى ثم مضى.
ثم جاء آخر فتوضأ ثم قام وصلى وحمد الله وأثنى عليه، ثم ألقى شبكته فلم تخرج شيئا، ثم أعاد فلم تخرج شيئا، ثم أعاد فخرجت سمكة صغيرة، فحمد الله وأثنى عليه وانصرف.
فقال موسى: يا رب عبدك جاء فكفر بك وصلى للشمس وتكلم بالشرك، ثم ألقى شبكته، فأخرجها مملوءة، ثم أعادها فأخرجها مملوءة، ثم أعادها فأخرجها مثل ذلك حتى اكتفى وانصرف، وجاء عبدك المؤمن فتوضأ وأسبغ الوضوء ثم صلى وحمد ودعا وأثنى، ثم ألقى شبكته فلم يخرج شيئا، ثم أعاد فلم يخرج شيئا، ثم أعاد فأخرج سمكة صغيرة فحمدك وانصرف!؟
فأوحى الله إليه: يا موسى انظر عن يمينك، فنظر موسى فكشف له عما أعده
إبتلاء العبد بما يسمع ويشاهد
وأيضا يكون الإبتلاء فيما ينزل من تعرفات وتنزلات جلالية بغيره، كالتي يراها أو يسمع عنها تقع لغيره ليكون عبرة وتذكرة للمشاهد والمستمع، كأن يرى شخصا مبتلى بمرض معين، أو حادث سير، أو زلزال، أو ظلم هنا أو هناك يقع في منطقة يسمع عنها أو يراها من خلال المحطات الفضائية. أو كأن يقرأ أو يسمع عن مظلوميات أهل البيت عليهم السلام وحقوقهم وأحقيتهم، فيكون ذلك عبرة لتنبيه العبد وتذكيره بحقيقة نفسه وعبوديته، ومن أجل التمسك بتعاليم دينه أو العودة إليها. فيستفيد من تلك التعرفات التنبيه والتذكير.
فإذا كان المشهد الذي سمعه أو رآه يتعلق بظلم أو إيذاء لمن حرم الله إيذاءهم وظلمهم، فإن الإبتلاء هنا يكون من حيث الرضى أو السخط، ومن حيث الولاء والبراء. لأن من رضي بأفعال الظالمين أو المستكبرين الخاطئين فهو منهم حتى وإن كانت الفترة الزمنية بينه وبين فعل الظالمين المستكبرين طويلة، فمن ابتلي بسماع قصص المستكبرين الظالمين الفاسقين ورضي بها وأقرها فهو منهم بدون أدنى شك. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة فأنكرها - كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها).
أو ربما يكون العبد في الأصل من أهل الإيمان والإعتبار فيزداد بالتعرف الإلهي والإبتلاء معرفة وخشية من الله تعالى، أو يستفيد معرفة حقيقة كانت غائبة عنه فيتوب ويتطهر.
قال تعالى في سورة طه الآيات 1 - 4 {طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى، تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى}.
قال تعالى في سورة الحاقة الآية 11 - 12 {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية، لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية}.
فالأذن الواعية هي التي عقلت عن الله تعالى وانتفعت بما سمعت، وهي أذن أمير المؤمنين على ابن أبي طالب عليه السلام، ومن له أسوة وقدوة برسول الله وأمير المؤمنين وأهل البيت، فإنه ولاشك ينتفع بما يسمع، لأنه يعلم أن السمع والطاعة لرسول الله وأهل بيته المعصومين من أهم مظاهر العبودية لله تعالى.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن البخاري عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: "إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق لك أن تعي" فنزلت هذه الآية {وتعيها أذن واعية}.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي قال: قال رسو ل الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي" فأنزلت هذه الآية {وتعيها أذن واعية} "فأنت أذن واعية لعلمي".
قال تعالى في سورة المزمل الآية 15 - 19 {إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا، فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا، السماء منفطر به كان وعده مفعولا، إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا}.
قال تعالى في سورة ق الآية 36 - 38 {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
التنبه لابتلاء أهل البيت عليهم السلام
وأهم ما يجب على العبد معرفته مما يسمع ويشاهد، معرفة ابتلاءات النبي وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
لأن في معرفتها والتنبه الدائم والمستمر لها، والاعتبار من تفاصيلها، وتحديد خط السير للعبد المؤمن في الحياة الذي فيه النجاة والتطهير والتزكية، فإن العبد يطهر بولايتهم ونصرتهم واتباعهم كما بينت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عند كل المسلمين، فهم الطاهرون المطهرون، قال تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
ومن اتخذ الطاهرين المطهرين قدوة وأسوة فلاشك أنه يطهر ويتطهر، يطهر بحبهم وولايتهم واتباعهم، ويحقق رضى ربه وسيده ومولاه، فقد كان ميزان الطهارة هذا ظاهر في تصرفات الصحابة المؤمنين منذ العصر الأول للإسلام، فقد ورد عن عدد كبير منهم رضي الله عنهم أنهم قالوا (كنَّا نَبُور أولادنا بَحُبّ علي عليه السلام).
ورد في الزيارة الجامعة (وجعل صلواتنا عليكم، وما خصّنا به من ولايتكم، طيباً لخلقنا، وطهارة لأنفسنا، وتزكية لنا، وكفّارة لذنوبنا، فكنّا عنده مسلمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إيّاكم). وورد في زيارة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام (فاشهدي أنّي طاهر بولايتك وولاية آل نبيّك محمد صلى الله عليه وآله).
فإما أن يسير العبد مع الناجين، ويتجنب الآثار السلبية للإبتلاء، ويوالى من أمر الله بولايتهم واتباعهم والإقتداء بهديهم، فيركب سفينة النجاة سفينة أهل البيت عليهم السلام، فتكون ابتلاءاته تطهيرا له وتزكية من الله ورسوله، وفوزا عظيما في الآخرة.
وأما من لا يتنبه إلى أئمته من أهل البيت، فإنه يضيع مع آثار الإبتلاء السلبية، ويبتعد عن ربه ودينه لأنه عليهم السلام الصلة بين العبد وربه. وربما كان موقفه مع الظالمين الذين ظلموا أهل البيت واعتدوا على حقوقهم وأحقيتهم التي فرضها الله تعالى لهم، فيحرم من الورود على الحوض يوم القيامة، مثل الصحابة الذين غيروا وبدلوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وتركوا
الوفاء بالعهود تمييز للصادق من الكاذب
إن الوفاء بالعهد من أهم ابتلاءات تمييز الصادقين من الكاذبين، والمتمكنين من المدعين، وتمييز الخبيث من الطيب.
قال تعالى في سورة الأحزاب الآية: 23 - 24 {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما}.
قال تعالى في سورة الرعد. الآية: 19-21 {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}.
فلطالما قطعت العهود على إتباع وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أمام رسول الله صلى الله عليه وآله، خاصة في يوم الغدير عندما بايعوا عليا عليه السلام بإمرة المؤمنين، وهنأه المسلمون على ذلك، وشهد كل المسلمين بولايته عليه السلام، ولقد ورد حديث الغدير يوم أخذت العهود لولايته عليه السلام في كل كتب المسلمين وهو حديث متواتر مقطوع بتواتره عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأورد للقارئ العزيز رواية مجملة منه.
حج رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في السنة العاشرة من الهجرة حجة الوداع، وخرج معه خلق كثير من المدينة وممّن توافد على المدينة ليخرجوا مع رسول للحج في تلك السنة. ويتراوح تقدير أصحاب السير لمن خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ للحج بين تسعين ألفا ومئة وأربعة وعشرين ألفا، عدا من حجّ مع رسول اللّه في تلك السنة من مكة المكرمة وممّن التحق برسول اللّه في مكة من اليمن ومن العشائر الذين توافدوا إلى مكة للحج.
فقال: (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) ـ يقولها أربع مرّات كما يروي أحمد بن حنبل ـ، ثم قال: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب).
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأقتاب التي صفت له، أخذ الناس يهنئون عليا عليه السلام يومئذ بالولاية. وممّن هنأه يومئذ بالولاية الشيخان أبو بكر وعمر؛ قالا له: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
ثم هناك عهد قد قطعه الله تعالى على المسلمين، في كل زمان ومكان، في قوله تعالى في سورة الشورى. الآية: 23 {ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور}.
أخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى} "أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا