الصفحة 99
«بكم فتح اللّه وبكم يختم»، «ولولا الحجة لساخت الأرض بأهلها».

وفي حديث المعراج خطاب ربّ العباد حبيبه محمد، قائلا: «يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(1)، فلو شبّهنا العالم وما سوى اللّه سبحانه بجسد الإنسان كما ورد في الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام):


أتزعم أنّك جرم صغيروفيك انطوى العالم الأكبر

وفي جسد الإنسان عقل في الدماغ وهو مركز الإرادة والتدبير، وقلب في صدره يضخّ منه الدم، وكبد يصفّي الدم الذي يأخذه من القلب ويدفعه إلى الدماغ، فلولا الدماغ لما كان الإنسان، ولولا القلب لما كان الدماغ، ولولا الكبد لما كان الدماغ والقلب، أي لا يتمّ عملية الدماغ والقلب.

ودماغ الأفلاك وعقل العالم هو رسول اللّه، وقلب عالم الإمكان هو الإمام المعصوم علي (عليه السلام)، وكبد العالم فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فلولاها لما كان مجال لعمل العقل والقلب، فهي مجمع النبوّة والإمامة، وهي ملتقى البحرين يخرج منها اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين، فهي اُمّ الأئمة النجباء الأطهار (عليهم السلام)، واُمّ أبيها.

الثاني عشر : ـ

لولا النقطة في لفظ النور، لكان مهملا لا معنى له، ولولا مولانا علي المرتضى (عليه السلام) لما كان للنور ظهور، فهو وابن عمّه وأهل بيته (عليهم السلام)نور السماوات والأرض، كما مرّ في آية النور.

____________

1- لقد ذكرت وجوهاً لهذا الخبر الشريف، كما ذكرت مصدره في رسالة (فاطمة الزهراء ليلة القدر)، فراجع.


الصفحة 100
إنّ سموّ النور على سائر الموجودات، بل كون قوامها جميعاً به، أوضح من أن يبرهن عليه، ويمتاز النور المحمدي المشترك مع النور العلوي في الحقيقة بأنّه مستمدّ من النور الإلهي الذي به استنارت السماوات والأرضون. وإليك ما يدلّ على ذلك: روى الحمويني، بإسناده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول اللّه يقول لعلي: خلقت أنا وأنت من نور اللّه تعالى(1).

وروى الكنجي، بإسناده، عن سلمان، قال: سمعت رسول اللّه يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه مطيعاً، يسبّح ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق اللّه آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتّى افترقا في صلب عبد المطّلب، فجزء أنا وجزء علي.

وروى ابن المغازلي، بإسناده، عن سلمان، قال: سمعت حبيبي محمداً يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه عزّ وجلّ يسبّح اللّه ذلك النور ويقدّسه، فلمّا خلق اللّه آدم ركب ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتّى افترقا في صلب عبد المطّلب، ففيّ النبوّة، وفي علي الخلافة.

وفي رواية اُخرى، عن جابر... فأسكنها في صلب آدم، فساقها حتّى قسمها جزئين، جزء في صلب عبد اللّه، وجزء في صلب أبي طالب، فأخرجني نبياً، وأخرج علياً وصياً(2).

وهناك العشرات بل المئات من الروايات التي تذكر الحقيقة المحمدية والحقيقة العلوية ونورهما وأنّهما من نور اللّه سبحانه قد رواها الفريقان بأسانيدهم

____________

1- قادتنا كيف نعرفهم 1: 41، عن فرائد السمطين 1: 40.

2- مناقب علي بن أبي طالب: 88.


الصفحة 101
المعتبرة، وإنّما نكتفي ببعض الروايات مع حذف السند طلباً للاختصار، وليكون ما سطرناه الخطوة الاُولى لمسيرة ألف ميل، والكلمة الاُولى لمن أراد التفصيل.

قال الحافظ البرسي: محمد وعلي نور واحد، وإنّما انقسما تسمية ليمتاز النبي عن الولي، كما امتاز الواحد عن الأحد، فكلّ أحد واحد ولا ينعكس، وكذا كلّ نبيّ ولي ولا ينعكس، فلهذا لا توزن الأعمال يوم القيامة إلاّ بحبّ علي، لأنّ الولاية هي الميزان(1).

الثالث عشر : ـ

الحروف الهجائية في اللغة العربية يتكوّن من 28 حرفاً، وفيها الحروف المنقّطة، ولولا النقطة لاختلّت الحروف وتناثرت وتهاوت، وكذلك نقطة البسملة علي المرتضى (عليه السلام)، فلولاه لاختلّ النظام التشريعي والتكويني، فإنّ القوم نحّوا عليّاً (عليه السلام) عن الخلافة الحقّة، فأدّى ذلك إلى الابتعاد عن النظام التشريعي والدين المحمّدي الأصيل، وأصاب المسلمين الذلّ والانكسار، وتفرّقوا شِيعاً، وذهبت شوكتهم وعزّتهم، وإنّما ينالوها مرّة اُخرى لو رجعوا إلى الحقّ والصدق، وإنّ علياً مع الحق والحق مع علي (عليهم السلام)، دار الحقّ معه أينما يدور.

الرابع عشر : ـ

كلّ الحروف والأعداد تفتقر في جوهرها وتكوينها وحقيقتها إلى النقطة دون العكس، وكذلك الموجودات في قوامها وإيجادها تفتقر إلى الإمام الحقّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ولمّا سأل سائل عن دليل إمامته، أجابهم بالبرهان العقلي: احتياج الكلّ إليه واستغنائه عن الكلّ دليل على أنّه إمام الكلّ في الكلّ، فهو النقطة في عالم الموجودات وبوجوده ثبتت الأرض والسماء،

____________

1- قادتنا كيف نعرفهم 1: 46، عن مشارق أنوار اليقين: 66.


الصفحة 102
وبيمنه رزق الورى. فهو حجة اللّه على الخلائق، وهو الكشّاف للحقائق.

الخامس عشر : ـ

روى الفريقان ـ السنّة والشيعة ـ في صحاحهم، عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): «كلّ أمر ذي بال لم يبدأ به ببسم اللّه فهو أبتر»، فلا بدّ من ذكر اللّه عند كلّ أمر حتى يكون مباركاً، وقال سبحانه وتعالى: {اذْكُرُونِي أذْكُرُكُمْ}، وعلي (عليه السلام) مظهر ذكر اللّه، فإنّه يذكّر الناس باللّه سبحانه، فهو ذاكر ومذكّر، وهو النقطة تحت البسملة، فلا يتمّ ذكر اللّه إلاّ به، وفي أحاديثنا عن أئمتنا الأطهار (عليهم السلام): «بنا عُرف اللّه»، «بنا عُبد اللّه»، «سبّحنا فسبّحت الملائكة، وكبّرنا فكبّرت الملائكة»، فلا يصحّ ولا يتمّ ذكر اللّه حقّاً والتوجّه إليه صدقاً إلاّ من ناحيتهم (عليهم السلام)، «أنتم وجه اللّه الذي يتوجّه إليه الأولياء». وروي عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ذكر عليّ عبادة»، و «حبّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيئة، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة»(1).

السادس عشر : ـ

الباء في البسملة عند المشهور من علماء التفسير والأدب إنّما هي للاستعانة، وبدون النقطة لا تكون بائها باءً، ولا يمكن تلاوتها، وهذا يعني أنّه من دون المولى (عليه السلام) لا يمكن أن يستعان بالبسملة(2).

وقال العلاّمة الشيخ محمد حسين الاصفهاني في تفسيره(3)، في وجوه تعليق الاستعانة باسم الجلالة وكيفيّتها: ثمّ إنّ في تعليق الاستعانة وما شابهها

____________

1- بحر المعارف: 398.

2- هذا الوجه وبعض الوجوه الموجزة الاُخرى أشار إليها زميلنا وصديقنا الفاضل الحجة السيد حسن الأحمدي وصديقنا العزيز وزميلنا الحجة الشيخ حسين الكنجي، جزاهما اللّه خيراً، وأسعدهما في الدارين.

3- مجد البيان: 216.


الصفحة 103
باسم اللّه سبحانه في البسملة وسائر المقامات كقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} و {اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ} و {تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} و {فَسَبِّحِ بِاسْمِ رَبِّكَ} وغير ذلك، وجهين:

أحدهما : ـ

أن يكون المنسوب إليه هو اللّه سبحانه لا الاسم كقول (لبيد): «إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما»، وهذا يمكن أن يكون نحو تعظيم في التعبير كما شاع ذكر الجناب ونحوه عند إرادة العرض على الأكابر، مع أنّ المنسوب إليه هو الكبير بنفسه، وأن يكون المراد من الاسم المذكور هو المسمّى، كما صرّح به بعضهم في الآية الاُولى.

وثانيهما : ـ

أن يكون الاستعانة بنفس الاستعانة وما شاكلها، متعلّقة بنفس الاسم من حيث كون الاستعانة به استعانة بالمسمّى، وكونه وسيلة إليه سبحانه، سواء جعل الاسم بمعنى اللفظ كما هو المفهوم منه عند العامة، فيكون إسناد التسبيح والتبارك إليه باعتبار كونه منزّها عن الدلالة على ما يشعر بنقص، وكونه موجباً للبركة لمن واظب عليه أو ذكر اللّه سبحانه به، أو عبارة عن حقيقة ذلك الاسم في عالم الربوبية، فإنّ للناس حقائق في أعلى درجات عالم الامكان، وحينئذ فنسبة التنزيه والبركة والاستعانة إليه حقيقة إمكانية، يعني في مقام نسبة الأشياء الإمكانية بعضها إلى بهض، وهذا الوجه أدلّ على تنزيه الحقّ وتباركه وكونه المستعان به من حذف الاسم وجعل المسمّى متعلّق النسبة.

ولعلّ أوجه الوجوه أن يقال: لمّا كان ذات الحقّ سبحانه منزّهاً عن تعلّق إدراكنا به وغيباً محضاً لا يصحّ الاشارة إليه لا عقلا ولا وهماً، ظاهراً لنا بصفاته وأسمائه وأفعاله وآثاره، وكان صفاته الذاتية عين الذات الممتنعة عن الادراك افتقر الداعي والمستعين والمسبّح إلى وجهة يتوجّه بها إليه سبحانه من أسمائه الكلية والجزئية {وَلِلّهِ الأسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها} بمنزلة القاصر عن مشاهدة

الصفحة 104
الشمس بعينه المتوسّل إلى ملاحظتها بالماء الصافي أو المرآة الصافية، فإنّ الاسم من حيث أنّه اسم وعلامة للشيء لا يعتبر له استقلال وهوية بل يلاحظ به المسمّى ويجعل آلة للحاظه، كالناظر إلى الشمس من المرآة والماء فإنّه ينبغي غفلته عن ملاحظة صفات الماء والمرآة واستغراقه في مشاهدة صفات الشمس الظاهرة له بتوسّط الماء، فتسبيحه حينئذ لما ظهر في الماء تسبيح للشمس، والماء مظهر لها. وأمّا من يرى الماء شيئاً مستقلا ويشاهده وصفاته فهو غير ناظر إلى الشمس ولا إلى علامته، بل إلى أمر آخر محتجب به عن الشمس، وكذا المستعين بحقائق الأسماء الإلهية أو ألفاظها ومسبّحها قد يكون مسبّحاً له سبحانه ومستعيناً به بإيقاع الألفاظ والحقائق عليه وهو الموحّد في ذلك المقام، وقد يكون مسبّحاً للألفاظ والحقائق ومحتجباً بها عنه سبحانه وهو من أخفى أقسام الشرك، انتهى كلامه رفع مقامه.

وإنّما ذكرت ما بيّنه في معنى الاستعانة بسم اللّه لما فيه من الدقّة والظرافة، ونقول في أمير المؤمنين علي المرتضى وأنّه يستعان به لا على نحو الاستقلالية، بل هو من أسماء اللّه وأنّه مرآة صافية تطبع فيها حقائق الأسماء الإلهية، وهذا من عين التوحيد الخالص، فإنّ ذات الحقّ سبحانه منزّهاً عن تعلّق إدراكنا وفهمنا به، فكلّ ما نتصوّره فهو مخلوق لنا، فإنّه غيب محض لا يصحّ الإشارة إليه لا عقلا ولا وهماً، وإنّما يظهر لنا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله وآثاره المتجلّية في أتمّ مخلوقاته، محمد وآله الطاهرين، فتدبّر جيّداً.

ثمّ يستعان بأمير المؤمنين في كلّ الاُمور، فهو مظهر لتمام الاستعانة باللّه سبحانه، فإنّ نهاية أدب العبد غمض العين عن حوله وقوّته والإلتجاء إلى اسم ربّه والاعتصام به والاستعانة به في جميع شؤونه وأفعاله، إلى أن يصل إلى مقام

الصفحة 105
يغني عن مشاهدة نفسه فاعلا ومريداً، ويرى ذاته فاعلا ومريداً باللّه سبحانه، وروي عن النبيّ الأكرم: «كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم اللّه فهو أبتر». وروي في التوحيد عن الإمام الرضا (عليه السلام) ـ بعد السؤال عن ترجمة البسملة ـ، أنّه قال: «معنى قول القائل (بسم اللّه)، أي: أسمُ على نفسي سمة من سمات اللّه عزّ وجلّ، وهي العبادة. قال الراوي: فقلت له: ما السمة؟ قال: العلامة»(1). «فإنّ التسمية بهذه الكيفية متحقّق بمقام العبودية التي هي علامة الربوبية ومظهرها، فإنّ العبودية فناء وتبعية وقابلية وسؤال والتجاء واعتصام واستمداد، والربوبية كمال وجود وإعطاء وإمداد وإيجاد ونفاذ كلمة وتأثير، والأوّل علائم ومظاهر للآخر، والمسمّى بذلك المعنى دالّ على ربّه فاعل به، وتاركها كذلك مظهر نفسه في فعله ومحتجب عن ربّه بذاته وصفاته وأفعاله، والعلامة ما كان كاشفاً عن المعنى الذي هي علامة له، لا حاجباً ساتراً عنه. فمن وضع التسمية على نفسه فقد وسم نفسه بسمة اللّه علامته»(2).

«ثمّ الرواية يؤيّد ما ذهب إليه الكوفيون من كون الإسم أصله الوسم والسمة، لأنّ الإسم علامة للمسمّى، خلافاً للبصريين، فذهبوا إلى أنّ أصله السموّ بمعنى العلوّ، والمناسبة أنّ التسمية تنويه للمسمّى وإعلاء له، أو أنّ اللفظ معرّف للمعنى، والمعرّف متقدّم على المعرّف في المعلومية فهو عال عليه، وكلاهما بعيدان، وإن كان اشتقاق الأسماء واُسمّي وسمّيت في الجمع والتثنية وبناء الفعل يؤيّده»(3).

السابع عشر : ـ

في الخبر النبوي الصحيح عند الفريقين: «لا صلاة إلاّ

____________

1- التوحيد: 229، وتفسير الصافي 1: 45، والبحار 9: 230.

2- مجد البيان: 215.

3- مجد البيان: 216.


الصفحة 106
بفاتحة الكتاب»، وبداية الفاتحة البسملة وأمير المؤمنين نقطتها، ولولا النقطة لما كانت البسملة ولما صحّ الدخول في الصلاة، وبدون ولايته (عليه السلام) لا تصحّ الصلاة ولا تقبل العبادة يوم القيامة، ولو كانت ذلك ليلا ونهاراً، كما صحّ وثبت في الأخبار المروية عند الفريقين.

قال العلاّمة الهمداني في كتابه(1): «ثمّ اعلم أنّ اللّه تعالى أوحى إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله)أنّ علياً (عليه السلام) هو السرّ المودع في فواتح السور والإسم الأعظم الأكبر الموحى إلى الرسل من البشر، والسرّ المكتوب على وجه الشمس والقمر والشجر والمدر، بل كلّ شيء خلق كما تقدّم من الخبر والأثر، وإنّه ذات الذوات في الذوات للذات، لأنّ أحدية الباري منزّهة عن الأسماء والصفات متعالية عن النعوت والإشارات، وأنّه الإسم الذي إليه ترجع الحروف والعبارات، والكلمة المتضرّع بها إلى اللّه سائر البريات، وإنّه الغيب المخزون بين اللام والهاء والكاف والنون، فقال سبحانه: {حمعسق كَذلِكَ يُوحى إلَيْكَ وَإلى الذِينَ مِنْ قَبْلِكَ}، قال الصادق (عليه السلام): (عسق) سرّ علي (عليه السلام)، فجعل اسمه الأعظم مرموزاً في فواتح سور القرآن وفاتحته، وإليه الإشارة بقوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»، ولا صلاة للربّ إلاّ بحبّ عليّ (عليه السلام) ومعرفته، ويظهر من ذلك وما سبق أنّ الوليّ هو المحيط بكلّ شيء، فهو محيط بالعالم، واللّه من ورائه محيط، وقد ظهر من أخبار معراج النبيّ (صلى الله عليه وآله)أنّ علياً (عليه السلام) أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بكلّ ما وقع له واطّلع عليه. وقد ظهر من ذلك سرّ كتابة اسمه الشريف على كلّ شيء، وقال تعالى: {وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْناهُ فِي كِتاب مُبِين}، فأخبرنا سبحانه أنّ جميع ما جرى به قلمه وخطّه في اللوح المحفوظ

____________

1- بحر المعارف: 440.


الصفحة 107
من الغيب أحصاه في الإمام المبين، وهو اللوح الحفيظ في الأرض والسماء، وهو الإمام المبين، فاللوح المحفوظ علي (عليه السلام)... وإنّ الوليّ المطلق ولايته شاملة للكلّ ومحيطة بالكلّ واللوح داخلة فيها فهو دالّ على المحفوظ... فعليّ سرّ الأسرار وآية الجبّار، التي ينفذ عدّ فضائله رمل القفار وورق الأشجار وطيّار البحار، ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات اللّه إنّ اللّه عزيز حكيم، فمعرفة العامة لعلي (عليه السلام) أنّه فارس الفرسان وقاتل الشجعان، ومعرفة الخاصة أنّه أفضل من فلان وفلان، فلذلك إذا سمعوا أسراره أنكروا واستكبروا وجهلوا وهم في جهلهم غير ملومين، لأنّهم لو عرفوا أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) هو الواحد المطلق وأنّ علياً (عليه السلام) هو الولي المطلق، الولاية على الكلّ والسبق على الكلّ والتصرّف في الكلّ، لأنّهما العلّة في وجود الكلّ، فلهما السيادة على الكلّ لأنّهما خاصة إله الكلّ، ومختار معبود الكلّ، سبحان إله الكلّ وربّ الكلّ وفالق الكلّ ومفضّل محمد وعلي (عليهما السلام) على الكلّ والمستعبد لولايتهم وطاعتهم الكلّ».

الثامن عشر : ـ

في الحديث الشريف، قال النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله): «مَن أراد أن ينجو من الزبانية فليقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم تسعة عشر حرفاً ليجعل اللّه كلّ حرف منها جُنّة من واحد منها»(1). وعلى أبواب وطبقات جهنّم تسعة عشر من الملائكة الغلاظ كما في سورة المدّثر: {عَلَيْها تِسْعَةُ عَشَر}، ونقطة الباء هو المولى، فمن دونه لا يمكن النجاة من الزبانية، فهو قسيم الجنّة والنار.


عليّ حبّه جُنّةقسيم النار والجَنّة

____________

1- مجد البيان: 267، والبحار 92: 257.


الصفحة 108

وصيّ المصطفى حقّاًإمام الإنس والجِنّة

وفي زيارة الجامعة الكبيرة: «من أتاكم نجا، ومن لم يأتكم هلك».

وفي الحديث النبوي المتواتر عند الفريقين: «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى».

روى الحمويني، بإسناده، عن أبي هريرة أنّه قال: لمّا خلق اللّه تعالى آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم إلى يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً ركّعاً، قال آدم: يا ربّ، هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم، قال: فمن هؤلاء الخمسة من الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العليّ وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزّتي إنّه لا يأتيني أحد مثال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا اُبالي، يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم اُنجيهم وبهم اُهلكهم، فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسّل. فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى اللّه حاجة فليسأل بنا أهل البيت(1).

حبّ علي (عليه السلام) حبّ اللّه جلّ جلاله: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إنّ اللّه عهد إليّ عهداً، فقلت يا ربّ، بيّنه لي؟ فقال: إسمع، إنّ علياً راية الهدى وإمام أوليائي ونور

____________

1- فرائد السمطين 1: 36.


الصفحة 109
مَن أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، مَن أحبّه فقد أحبّني، ومَن أطاعه فقد أطاعني.

رواه في حلية الأولياء من كتب العامة(1).

التاسع عشر : ـ

كلمة التوحيد والشهادة الاُولى: (لا إله إلاّ اللّه) ليس فيها النقطة، فإنّ اللّه سبحانه هو الغنيّ وما سواه فقير إليه، فما سواه (أنتم الفقراء) يحتاج إليه، فهو واجب الوجود لذاته مستجمع جميع الصفات الكمالية والجمالية، فذاته المقدّس سبحانه وتعالى ثبوتاً، لا يحتاج إلى النقطة وهو المولى، فكلمة اللّه هي العليا، لا يحتاج إلاّ إلى اللّه سبحانه، إلاّ أنّه في مقام الاثبات والمعرفة والعبودية لا بدّ من معرّف كما في الحديث القدسي: «كنت كنزاً مخفياً فخلقت الخلق لكي اُعرف»، فالخلق كلمات اللّه، وقال الإمام الرضا في الحديث الصحيح: «كلمة لا إله إلاّ اللّه حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»، ثمّ قال (عليه السلام): «بشرطها وأنا من شرطها»، فلولا الولاية لما كمل النبوّة والتوحيد، وإذا أردنا أن نعرف اللّه ونثبت الصانع سبحانه، إنّما يكون ذلك بأنوار الأنبياء والأولياء وعقولهم النيّرة ـ بنا عرف اللّه وعُبد ـ.

وزبدة الكلام أنّ التوحيد وكلمته في مقام الثبوت غني بالذات فلا يفتقر إلى النقطة، ولكن في مقام الإثبات والدلائل والبراهين لا بدّ من مرشد عقلي ودليل نقلي، وسيد البراهين الساطعة والأدلّة الواضحة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)نقطة باء البسملة.

العشرون : ـ

قال اللّه سبحانه وتعالى: {لا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرُ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ}،

____________

1- إثبات الهداة 4: 108، الباب العاشر في النصّ على علي (عليه السلام) من طرق العامة.