لقد جاهد الائمة (عليهم السلام) في إبعاد من يتّصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشدّدوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالاتهم، ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب، ومن ذلك ما كتبه الامام زين العابدين (عليه السلام) إلى محمّد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم:
«أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلَّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمَّروا لك في جنب ما خرّبوا عليك ; فانظر لنفسك، فإنّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول»(1).
ما أعظم كلمة «وحاسبها حساب رجل مسؤول»، فإنّ الانسان
____________
(1) تحف العقول: 275.
وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمَّال مع الامام موسى الكاظم (عليه السلام)، وقد كان من شيعته ورواة حديثه الموثّقين.
قال ـ حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان ـ: دخلت عليه فقال لي: «يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل، خلا شيئاً واحداً».
قلت: جعلت فداك! أيّ شيء؟
قال: «إكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ».
قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.
قلت: نعم جعلت فداك.
قال: «أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟».
قلت: نعم.
قال: «فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو كان ورد النار».
قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها(1).
فاذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنزلة، فكيف بمن يستعينون به على الظلم، أو يؤيدهم في الجور، وكيف حال من يدخل في زمرتهم، أو يعمل بأعمالهم، أو يواكب قافلتهم، أو يأتمر بأمرهم؟!.
40 ـ عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة
إذا كان معاونة الظالمين ولو بشق تمرة، بل حب بقائهم، من أشد ما حذَّر عنه الائمة (عليهم السلام)، فما حال الاشتراك معهم في الحكم،
____________
(1) رجال الكشي: 440.
غير أنّه ورد عنهم (عليهم السلام) جواز ولاية الجائر إذا كان فيها صيانة العدل، وإقامة حدود الله، والاحسان إلى المؤمنين، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، «إن لله في أبواب الظلمة مَن نوَّر الله به البرهان، ومكَّن له في البلاد، فيدفع بهم عن أوليائه، ويصلح بهم أمور المسلمين... أُولئك هم المؤمنون حقّاً، أولئك منار الله في أرضه، أولئك نور الله في رعيته» كما جاء في الحديث عن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) (2).
وفي هذا الباب أحاديث كثيرة توضّح النهج الذي ينبغي أن يجري عليه الولاة والموظفون، مثل ما في رسالة الصادق (عليه السلام) إلى عبد الله النجاشي أمير الاهواز (راجع الوسائل كتاب البيع
____________
(1) تحف العقول: 332.
(2) بحار الانوار 75/381، عن منية المريد، وفيه الحديث عن الامام الرضا (عليه السلام).
41 ـ عقيدتنا في الدعوة إلى الوحدة الاسلامية
عرف آل البيت (عليهم السلام) بحرصهم على بقاء مظاهر الاسلام، والدعوة إلى عزّته، ووحدة كلمة أهله، وحفظ التآخي بينهم، ورفع السخيمة من القلوب، والاحقاد من النفوس.
ولا يُنسى موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الخلفاء الذين سبقوه، مع توجده عليهم، واعتقاده بغصبهم لحقه، فجاراهم وسالمهم، بل حبس رأيه في أنّه المنصوص عليه بالخلافة، حتّى أنه لم يجهر في حشد عام بالنصِّ إلاّ بعد أن آل الامر إليه، فاستشهد بمن بقي من الصحابة عن نص الغدير في يوم الرحبة المعروف(1).
وكان لا يتأخّر عن الاشارة عليهم فيما يعود على المسلمين أو للاسلام بالنفع والمصلحة، وكم كان يقول عن ذلك العهد: «فَخَشِيتُ
____________
(1) مسند أحمد 1/84، فضائل أحمد: 77، السنة لابن أبي عصام: 593، مشكل الاثار 2/307، خصائص النسائي: 100، المعجم الصغير للطبراني 1/65، المعجم الاوسط للطبراني 2/68.
كما لم يصدر منه ما يؤثِّر على شوكة ملكهم، أو يضعف من سلطانهم، أو يقلِّل من هيبتهم، فانكمش على نفسه وجلس حلس البيت، بالرغم ممّا كان يشهده منهم.
كل ذلك رعاية لمصلحة الاسلام العامة، ورعاية أن لا يرى في الاسلام ثلماً أو هدماً، حتى عرف ذلك منه، وكان الخليفة عمر بن لخطاب يقول ويكرّر القول: (لا كنت لمعضلة ليس لها أبو الحسن)(2)، أو: (لولا علي لهلك عمر)(3).
ولا يُنسى موقف الحسن بن علي (عليه السلام) من الصلح مع معاوية، بعد أن رأى أنّ الاصرار على الحرب سيديل من ثقل الله الاكبر ومن دولة العدل، بل إسم الاسلام إلى آخر الدهر، فتمحى الشريعة الالهية، ويقضى على البقية الباقية من آل البيت، ففضَّل المحافظة
____________
(1) نهج البلاغة: الكتاب 62.
(2) طبقات ابن سعد 2/339، فضائل أحمد: 155، أنساب الاشراف للبلاذري 2/99، أسد الغابة 4/22، تهذيب التهذيب 7/296، فرائد السمطين 1/344.
(3) المناقب للخوارزمي: 80، تذكرة الخواص: 137، كفاية الطالب: 219، ذخائر العقبى: 82، الرياض النضرة 3/161.
وأمّا الحسين الشهيد (عليه السلام) فلئن نهض فلانّه رأى من بني أمية إن دامت الحال لهم ولم يقف في وجههم من يكشف سوء نيّاتهم، سيمحون ذكر الاسلام، ويطيحون بمجده، فأراد أن يثبت للتاريخ جورهم وعدوانهم، ويفضح ما كانوا يبيّتونه لشريعة الرسول، وكان ما أراد، ولولا نهضته المباركة لذهب الاسلام في خبر كان يتلهّى بذكره التاريخ كأنّه دين باطل.
وحرص الشيعة على تجديد ذكراه بشتّى أساليبهم إنّما هو لاتمام رسالة نهضته في مكافحة الظلم والجور، ولاحياء أمره امتثالاً لاوامر الائمة من بعده.
وينجلي لنا حرص آل البيت (عليهم السلام) على بقاء عز الاسلام ـ وإن كان ذو السلطة من ألد أعدائهم ـ في موقف الامام زين العابدين (عليه السلام)
«اللّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمِّد، وكثِّر عددَهُم، واشحَذ أسلحَتَهم، واحرُس حوزَتَهُم، وامنَع حومَتَهُم، وألِّف جمعَهُم، ودبِّر أمرَهُم، وواتِر بينَ ميرهِم، وتوحَّد بكافيَةِ مؤَنِهُم، واعضُدهُم بالنصرِ، وأعِنهُم بالصبرِ، والطُف لهُم في المكرِ».
إلى أن يقول ـ بعد أن يدعو على الكافرين ـ:
«اللّهمَّ وقوِّ بذلِكَ محال أهلِ الاسلام، وحصِّن بهِ ديارَهُم، وثمِّر بهِ أموالَهُم، وفرِّغهُم عن محاربِتِهم لعبادَتِكَ، وعن منابذَتِهم للخلَوةِ بِكَ، حتّى لا يُعبَدُ في بقاعِ الارضِ غيرُكَ، ولا تعفَّر لاحد منهُم جبهةً
وهكذا يمضي في دعائه البليغ ـ وهو من أطول أدعيته ـ في توجيه الجيوش المسلمة إلى ما ينبغي لها من مكارم الاخلاق، وأخذ العدّة للاعداء، وهو يجمع إلى التعاليم الحربية للجهاد الاسلامي بيان الغاية منه وفائدته، كما ينبِّه المسلمين إلى نوع الحذر من أعدائهم، ومايجب أن يتخذوه في معاملتهم ومكافحتهم، وما يجب عليهم من الانقطاع إلى الله تعالى، والانتهاء عن محارمه، والاخلاص لوجهه الكريم في جهادهم.
وكذلك باقي الائمة (عليهم السلام) في مواقفهم مع ملوك عصرهم، وإن لاقوا منهم أنواع الضغط والتنكيل بكل قساوة وشدّة، فانّهم لما علموا أنّ دولة الحق لا تعود إليهم انصرفوا إلى تعليم الناس معالم دينهم، وتوجيه أتباعهم التوجيه الديني العالي.
وكلّ الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويين وغيرهم لم تكن عن إشارتهم ورغبتهم، بل كانت كلّها مخالفة صريحة
____________
(1) ما أجمل هذا الدعاء، وأجدر بالمسلمين في هذه العصور أن يتلوا هذا الدعاء، ليعتبروا به، وليبتهلوا إلى الله تعالى في جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم وتنوير عقولهم «منه قدس سره».
وكفى أن نقرأ وصية الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) لشيعته:
«لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإن كان عادلاً فاسألوا الله بقاءه، وإن كان جائراً فاسألوا الله اصلاحه، فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم، وإنّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبّوا له ما تحبون لانفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لانفسكم»(1).
وهذا غاية ما يوصف في محافظة الرعية على سلامة السلطان أن يحبوا له ما يحبون لانفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لها.
وبعد هذا، فما أعظم تجنِّي بعض كتّاب العصر، إذ يصف الشيعة بأنّهم جمعية سرّية هدّامة، أو طائفة ثوروية ناقمة!!
صحيح أنّ من خلق الرجل المسلم المتّبع لتعاليم آل البيت (عليهم السلام)بغض الظلم والظالمين، والانكماش عن أهل الجور والفسوق، والنظرة إلى أعوانهم وأنصارهم نظرة الاشمئزاز والاستنكار، والاستيحاش والاستحقار، وما زال هذا الخلق متغلغلاً في نفوسهم
____________
(1) أمالي الصدوق: 277.
بل المسلم الذي يشهد الشهادتين مصون المال، محقون الدم، محرَّم العرض، «لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه»(1).
بل المسلم أخو المسلم، عليه من حقوق الاخوة لاخيه ما يكشف عنه البحث الاتي.
42 ـ عقيدتنا في حقِّ المسلم على المسلم
إنّ من أعظم وأجمل ما دعا إليه الدين الاسلامي هو التآخي بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم ومنازلهم، كما أنّ من أوطأ وأخس ما صنعه المسلمون اليوم وقبل اليوم هو تسامحهم بالاخذ بمقتضيات هذه الاخوة الاسلامية.
____________
(1) الفقيه 4/66، تحف العقول: 34.
أنعم النظر، وفكِّر في هذه الخصلة اليسيرة في نظر آل البيت (عليهم السلام)، فستجد أنّها من أشق ما يفرض طلبه من المسلمين اليوم، وهم على مثل هذه الاخلاق الموجودة عندهم البعيدة عن روحية الاسلام.
فكِّر في هذه الخصلة، لو قدِّر للمسلمين أن ينصفوا أنفسهم ويعرفوا دينهم حقاً ويأخذوا بها فقط: أن يحب أحدهم لاخيه ما يحب لنفسه، لما شاهدت من أحد ظلماً ولا اعتداء، ولا سرقة ولا كذباً، ولا غيبة ولا نميمة، ولا تهمة بسوء، ولا قدحاً بباطل، ولا إهانة ولا تجبُّراً.
بلى، إن المسلمين لو وقفوا لادراك أيسر خصال الاخوّة فيما بينهم، وعملوا بها، لارتفع الظلم والعدوان من الارض، ولرأيت البشر إخواناً على سرر متقابلين قد كملت لهم أعلى درجات السعادة الاجتماعية، ولتحقَّق حلم الفلاسفة الاقدمين في المدينة الفاضلة، فما احتاجوا ـ حينما يتبادلون الحب والمودّة ـ إلى
أزيدك: أنّ قانون المحبة لو ساد بين البشر ـ كما يريده الدين بتعاليم الاخوّة ـ لانمحت من قاموس لغاتنا كلمة العدل، بمعنى: إنّا لم نعد نحتاج إلى العدل وقوانينه حتى نحتاج إلى استعمال كلمته، بل كفانا قانون الحب لنشر الخير والسلام والسعادة والهناء، لانّ الانسان لا يحتاج إلى استعمال العدل ولا يطلبه القانون منه إلاّ إذا فقد الحب فيمن يجب أن يعدل معه، أمّا فيمن يبادله الحب ـ كالولد والاخ ـ إنّما يحسن إليه ويتنازل له عن جملة من رغباته فبدافع من الحب والرغبة عن طيب خاطر، لا بدافع العدل والمصلحة.
وسرُّ ذلك أنّ الانسان لا يحب إلاّ نفسه وما يلائم نفسه، ويستحيل أن يحب شيئاً أو شخصاً خارجاً عن ذاته إلاّ إذا ارتبط به وانطبعت في نفسه منه صورة ملائمة مرغوبة لديه.
كما يستحيل أن يضحّي بمحض اختياره له في رغباته ومحبوباته لاجل شخص آخر لا يحبه ولا يرغب فيه، إلاّ إذا
وهذه العقيدة المثالية لاجل أن تتكوَّن في نفس الانسان تتطلَّب منه أن يسمو بروحه على الاعتبارات المادية، ليدرك المثل الاعلى في العدل والاحسان إلى الغير، وذلك بعد أن يعجز أن يكوِّن في نفسه شعور الاخوّة الصادق والعطف بينه وبين أبناء نوعه.
فأوّل درجات المسلم التي يجب أن يتّصف بها أن يحصل عنده الشعور بالاخوة مع الاخرين، فاذا عجز عنها ـ وهو عاجز على الاكثر، لغلبة رغباته الكثيرة وأنانيته ـ فعليه أن يكوِّن في نفسه عقيدة في العدل والاحسان اتباعاً للارشادات الاسلامية، فإذا عجز عن ذلك فلا يستحق ان يكون مسلماً إلاّ بالاسم، وخرج عن ولاية الله، ولم يكن لله فيه نصيب على حد التعبير الاتي للامام.
والانسان ـ على الاكثرـ تطغى عليه شهواته العارمة، فيكون من أشق ما يعانيه أن يهيّئ نفسه لقبول عقيدة العدل، فضلاً عن أن يحصل عليها عقيدة كاملة تفوق بقوّتها على شهواته.
قال المعلّى: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟
قال أبو عبد الله: «له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حق إلاّ وهو عليه واجب، إن ضيَّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه نصيب».
قلت له: جعلت فداك وماهي؟
قال: «يا معلى، إنّي عليك شفيق، أخاف أن تضيّع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل».
قلت: لا قوة إلاّ بالله.
وحينئذ ذكر الامام الحقوق السبعة بعد أن قال الاوّل منها: «أيسر حقّ منها أن تحب له كما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك».
يا سبحان الله، هذا هو الحق اليسير، فكيف نجد ـ نحن المسلمين
والاعجب أن يلصق بالاسلام هذا التأخّر الذي أصاب المسلمين، وما الذنب إلاّ ذنب من يسمُّون أنفسهم بالمسلمين، ولايعملون بأيسر ما يجب أن يعملوه من دينهم.
ولاجل التأريخ فقط، لنعرف أنفسنا وتقصيرها، أذكر هذه الحقوق السبعة التي أوضحها الامام (عليه السلام):
1 ـ أن تحب لاخيك المسلم ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.
2 ـ أن تجتنب سخطه، وتتّبع مرضاته، وتطيع أمره.
3 ـ أن تعينه بنفسك، ومالك، ولسانك، ويدك، ورجلك.
4 ـ أن تكون عينه، ودليله، ومرآته.
5 ـ أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظماً، ولا تلبس ويعرى.
6 ـ أن يكون لك خادم وليس لاخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك، فتغسل ثيابه، وتصنع طعامه، وتمهِّد فراشه.
7 ـ أن تبرَّ قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت له حاجة تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه إلى أن
ثمّ ختم كلامه (عليه السلام) بقوله:
«فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك»(1).
وبمضمون هذا الحديث روايات مستفيضة عن أئمتنا، جمع قسماً كبيراً منها كتاب «الوسائل» في أبواب متفرّقة.
وقد يتوهّم المتوهِم أنّ المقصود بالاخوّة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) خصوص الاخوّة بين المسلمين الذين من أتباعهم «شيعتهم خاصّة»، ولكن الرجوع إلى رواياتهم كلها يطرد هذا الوهم، وإن كانوا من جهة أُخرى يشدّدون النكير على من يخالف طريقتهم ولا يأخذ بهداهم.
ويكفي أن تقرأ حديث معاوية بن وهب قال:
قلت له ـ أي الصادق (عليه السلام) ـ: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟
فقال: «تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما
____________
(1) الكافي 2/135، الخصال 2/350، الامالي للطوس: 98.
أمّا الاخوّة التي يريدها الائمة (عليهم السلام) من أتباعهم فهي أرفع من هذه الاخوّة الاسلامية، وقد سمعت بعض الاحاديث في فصل تعريف الشيعة، ويكفي أن تقرأ هذه المحاورة بين أبان بن تغلب وبين الصادق (عليه السلام) من حديث أبان نفسه.
قال أبان: كنت أطوف مع أبي عبد الله، فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجته، فأشار إليَّ، فرآنا أبو عبد الله.
قال: «يا أبان، إيّاك يريد هذا؟».
قلت: نعم.
قال: «هو على مثل ما أنت عليه؟».
قلت: نعم.
قال: «فاذهب إليه واقطع الطواف».
قلت: وإن كان طواف الفريضة؟!
____________
(1) الكافي 2/464.
قال أبان: فذهبت، ثمّ دخلت عليه بعد، فسألته عن حق المؤمن، فقال: «دعه لا ترده».
فلم أزل أردّ عليه حتى قال: «يا أبان، تقاسمه شطر مالك» ثم نظر إليَّ ـ فرأى ما داخلني ـ فقال: «يا أبان، أما تعلم أنّ الله قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟» قلت: بلى.
قال: «إذا أنت قاسمته فلم تؤثره، إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الاخر»(1).
أقول: إنّ واقعنا المخجل لا يطمعنا أن نسمِّي أنفسنا بالمؤمنين حقاً، فنحن بواد وتعاليم أئمتنا (عليهم السلام) في واد آخر، وما داخل نفس أبان يداخل نفس كل قارئ لهذا الحديث، فيصرف بوجهه متناسياً له كأنّ المخاطب غيره، ولا يحاسب نفسه حساب رجل مسؤول.
____________
(1) مصادقة الاخوان: 38.
الفصل الخامس
عقيدتنا في:
البعث والمعاد
المعاد الجسماني
43 ـ عقيدتنا في البعث والمعاد
نعتقد: أنّ الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين، ويعذِّب العاصين.
وهذا أمر على جملته وما عليه من البساطة في العقيدة اتّفقت عليه الشرائع السماوية والفلاسفة، ولا محيص للمسلم من الاعتراف به عقيدة قرآنية جاء بها نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ من يعتقد بالله اعتقاداً قاطعاً، ويعتقد كذلك بمحمّد رسولاً منه أرسله بالهدى ودين الحق، لابدّ أن يؤمن بما أخبر به القرآن الكريم من البعث، والثواب والعقاب، والجنة والنعيم، والنار والجحيم، وقد صرّح القرآن بذلك، ولمَّح إليه بما يقرب من ألف آية كريمة.
وإذا تطرَّق الشك في ذلك إلى شخص فليس إلاّ لشك يخالجه في صاحب الرسالة، أو وجود خالق الكائنات أو قدرته، بل ليس إلاّ لشك يعتريه في أصل الاديان كلّها، وفي صحّة الشرائع جميعها.
44 ـ عقيدتنا في المعاد الجسماني
وبعد هذا، فالمعاد الجسماني ـ بالخصوص ـ ضرورة من ضروريات الدين الاسلامي، دلَّ صريح القرآن الكريم عليها: (أيَحسَبُ الانسانُ أنْ لَنْ نَجمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادرينَ عَلَى أن نُّسَوِّيَ بَنَانهُ) (1).
(وَإن تَعجب فَعَجَبٌ قَولُهُم أءذَا كُنّا تُراباً أءِنّا لَفي خَلق جَدِيد) (2).
(أَفَعَيينَا بالخَلقِ الاوَّلِ بَل هُم في لَبس مِن خَلق جَدِيد) (3).
وما المعاد الجسماني ـ على إجماله ـ إلاّ إعادة الانسان في يوم البعث والنشور ببدنه بعد الخراب، وإرجاعه إلى هيئته الاولى بعد أن يصبح رميماً.
ولا يجب الاعتقاد في تفصيلات المعاد الجسماني أكثر من هذه العقيدة على بساطتها التي نادى بها القرآن، وأكثر ممّا يتبعها من
____________
(1) القيامة: 3 ـ 4.
(2) الرعد: 5.
(3) ق: 15.
(ولا تجب المعرفة على التحقيق التي لا يصلها إلاّ صاحب النظر الدقيق:
كالعلم بأنّ الابدان هل تعود بذواتها أو إنّما يعود ما يماثلها بهيئات؟
وأنّ الارواح هل تعدم كالاجساد أو تبقى مستمرّة حتى تتّصل بالابدان عند المعاد؟
وأنّ المعاد هل يختص بالانسان أو يجري على كافّة ضروب الحيوان؟
وأنّ عودها بحكم الله دفعي أو تدريجي؟
وإذا لزم الاعتقاد بالجنة والنار لا تلزم معرفة وجودهما الان، ولا العلم بأنّهما في السماء أو الارض، أو يختلفان.
وكذا إذا وجبت معرفة الميزان لاتجب معرفة أنّها ميزان معنوية، أو لها كفّتان.
ولا تلزم معرفة أنّ الصراط جسم دقيق، أو هو الاستقامة المعنوية.
نعم، إنّ تلك العقيدة في البعث والمعاد على بساطتها هي التي جاء بها الدين الاسلامي، فإذا أراد الانسان أن يتجاوزها إلى تفصيلها بأكثر ممّا جاء في القرآن ليقنع نفسه دفعاً للشبه ـ التي يثيرها الباحثون والمشككون بالتماس البرهان العقلي أو التجربة الحسية ـ فانّه إنّما يجني على نفسه، ويقع في مشكلات ومنازعات لا نهاية لها.
وليس في الدين ما يدعو إلى مثل هذه التفصيلات التي حشدت بها كتب المتكلِّمين والمتفلسفين، ولا ضرورة دينية ولا اجتماعية ولا سياسية تدعو إلى أمثال هاتيك المشاحنات والمقالات المشحونة بها الكتب عبثاً، والتي استنفدت كثيراً من جهود المجادلين وأوقاتهم وتفكيرهم بلا فائدة.
والشبه والشكوك التي تثار حول تلك التفصيلات يكفي في ردّها قناعتنا بقصور الانسان عن إدراك هذه الاُمور الغائبة عنّا،
____________
(1) مقتبس من كتاب كشف الغطاء: 5 للشيخ الكبير كاشف الغطاء.
وعلوم الانسان وتجريباته وأبحاثه يستحيل أن تتناول شيئاً لايعرفه ولا يقع تحت تجربته واختباره إلاّ بعد موته وانتقاله من هذا العالم عالم الحس والتجربة والبحث، فكيف ينتظر منه أن يحكم باستقلال تفكيره وتجربته بنفي هذا الشيء أو إثباته؟ فضلاً عن أن يتناول تفاصيله وخصوصياته، إلاّ إذا اعتمد على التكهّن والتخمين، أو على الاستبعاد والاستغراب، كما هو من طبيعة خيال الانسان أن يستغرب كل ما لم يألفه ولم يتناوله علمه وحسّه، كالقائل المندفع بجهله لاستغراب البعث والمعاد (مَن يُحيي العِظامَ وَهَيَ رَميمٌ) (1).
ولا سند لهذا الاستغراب إلاّ إنّه لم يرَ ميتاً رميماً قد أُعيدت له الحياة من جديد، ولكنّه ينسى هذا المستغرب كيف خلقت ذاته لاول مرة، ولقد كان عدماً، وأجزاء بدنه رميماً تألّفت من الارض وما حملت، ومن الفضاء وما حوى، من هنا وهنا، حتى صار بشراً
____________
(1) يس: 78.
يقال لمثل هذا القائل الذي نسي خلق نفسه: (يُحييها الَّذي أنشَأَهَا أوّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلق عَليمٌ) (2).
يقال له: إنّك بعد أن تعترف بخالق الكائنات وقدرته، وتعترف بالرسول وما أخبر به، مع قصور علمك حتى عن إدراك سرَّ خلق ذاتك وسر تكوينك، وكيف كان نموّك وانتقالك من نطفة لا شعور لها ولا إرادة ولا عقل إلى مراحل متصاعدة مؤتلفاً من ذرات متباعدة، لتبلغ بشراً سوياً عاقلاً مدبّراً ذا شعور وإحساس.
يقال له: بعد هذا كيف تستغرب أن تعود لك الحياة من جديد بعد أن تصبح رميماً، وأنت بذلك تحاول أن تتطاول إلى معرفة ما لا قِبل لتجاربك وعلومك بكشفه؟
يقال له: لا سبيل حينئذ إلاّ أن تذعن صاغراً للاعتراف بهذه الحقيقة التي أخبر عنها مدبّر الكائنات العالم القدير، وخالقك من العدم والرميم.
____________
(1) يس: 77 ـ 78.
(2) يس: 79.
إنّ الانسان مع ما بلغ من معرفة في هذه السنين الاخيرة، فاكتشف الكهرباء والرادار واستخدم الذرّة، إلى أمثال هذه الاكتشافات التي لوحدِّث عنها في السنين الخوالي لعدَّها من أوّل المستحيلات، ومن مواضع التندّر والسخرية.
إنّه مع كل ذلك لم يستطع كشف حقيقة الكهرباء ولا سر الذرّة، بل حتى حقيقة إحدى خواصهما وأحد أوصافهما، فكيف يطمع أن يعرف سر الخلقة والتكوين، ثم يترقّى فيريد أن يعرف سرَّ المعاد والبعث؟!.
نعم، ينبغي للانسان بعد الايمان بالاسلام أن يتجنَّب عن متابعة الهوى، وأن يشتغل فيما يصلح أمر آخرته ودنياه، وفيما يرفع قدره عند الله، وأن يتفكِّر فيما يستعين به على نفسه، وفيما يستقبله بعد الموت من شدائد القبر والحساب بعد الحضور بين يدي الملك العلاّم، وأن يتّقي (يوماً لاتَجزي نَفسٌ عَن نَفس شَيئاً وَلا يُقبَلُ مِنها شَفَاعَةٌ وَلا يُؤخَذُ مِنها عَدلٌ ولا هُم يُنصَرونَ) (1).
____________
(1) البقرة: 48.
التعريف بمركز الابحاث العقائدية
«تأسيس المركز»
أسس مركز الابحاث العقائدية في عام 1419 هـ لنشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في العالم ودفع الشبهات عنه، وليعمل على محور العقائد وأهم المسائل الخلافية، ولهذا المركز عدة أقسام نشير إلى بعضها:
«الموقع على الانترنت»
للمركز خمسة مواقع على الانترنت:
1 ـ موقع المركز، يحوي: التعريف بالمركز، إصدارات المركز، الاجابة على الاسئلة العقائدية، سجل الزوار، مدير المركز، البوم الصور، صفحات شخصية (www.aqaed.com ,net ,org).
2 ـ موقع المكتبة العقائدية، فيه: نص الكتب العقائدية، وكتب ردّ الشبهات، ومؤلفات المستبصرين، والكتب المؤلفة في الردّ على الخط السلفي، وأهم المناظرات (www.shialib.com).
3 ـ موقع المستبصرين، يحوي: مؤلفات المستبصرين، وحياتهم، ومحاضراتهم الصوتية والمرئية، وصفحات شخصية لهم (www.mostabser.com).
5 ـ موقع الندوات العقائدية، الذي يحوي: الندوات التي عقدت في المركز، وذلك على شكل التسجيل الصوتي والمرئي، ونص الندوات كتابة (www.alnadawat.com).
«المستبصرون»
تم لحد الان التعرّف على أكثر من (8000) آلاف مستبصر في أكثر من (70 دولة) من أديان ومذاهب مختلفة، وخصص لهم المركز سلسلة الرحلة إلى الثقلين لطباعة مؤلفاتهم، حيث تم طباعة بعضها، والعشرات منها في طريقها إلى الطبع، كما وقام المركز بإعداد برنامج «المستبصرون يتحدثون معكم» يحوي على مئات الاشرطة الصوتية والمرئية و cd تحدثوا فيها عن أسباب الاستبصار، كما وقام المركز بإعداد موسوعة عن حياة المستبصرين من القرن الاول إلى القرن الخامس عشر، ونظم المركز عشرات المحاضرات للمستبصرين تكلموا فيها عن أسباب
«ردّ الشبهات»
بعد أن جمع المركز كتب الشبهات والاشرطة الصوتية والمرئية وأقراص cd التي تهاجم مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، شرع بتنظيم أجوبة شافية على شكل كتب وأبحاث وأشرطة صوتية ومرئية مرتبة حسب المواضيع مع استقصاء شامل لموارد الشبهة والبحث عن منشأ الشبهة والسير التاريخي لها.
«الموسوعة العقائدية»
شرع المركز بإعداد المقدمات لتنظيم الموسوعة العقائدية، التي تحوي المسائل الكلامية والعقائدية وأهم المسائل الخلافية وما طرح جديداً من العلوم الحديثة، مرتبة على الحروف الالف بائية، كل ذلك بحثاً موضوعياً مستقصياً فيه آراءأهم المدارس الكلامية.
«الشيعة في العالم»
يقوم المركز بإعداد موسوعة عن الشيعة في العالم، ستصدر في عدة مجلدات، تحوي معلومات وافية عن الشيعة في العالم من
«الندوات العقائدية»
عقد المركز عشرات الندوات العقائدية اشترك فيها أساتذة الحوزة العلمية طرحت فيها أهم المسائل العقائدية والخلافية، يعقب الندوات حوار مفتوح، كما وبثت هذه الندوات مباشرة على الانترنت وطبعت على شكل كراسات صغيرة، وهي محفوظة على الاشرطة الصوتية والمرئية وأقراص cd.
«متابعة القنوات الفضائية»
للمركز قسم خاص يتابع القنوات الفضائية باللغة العربية، لينتقي منها ما يبث حول مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ثم كتابتها وإصدارها في نشرة شهرية تحت عنوان: (مطارحات فكرية في القنوات الفضائية) توضع باختيار العلماء والباحثين ليكونوا على علم بما يطرح في العالم حول المذهب الحق.
«المكتبة العقائدية»
للمركز مكتبة مختصة تحوي الكتب العقائدية والكلامية والردود والشبهات لكل المذاهب الاسلامية، تحوي المكتبة (18000) ألف كتاب، كما وفي المكتبة قسم خاص يحوي اسطوانات cd الكتب والعلوم الاسلامية، وتعتبر مكتبة نموذجية في مدينة قم المقدسة.
«إرسال الكتب»
يرسل المركز أهم الكتب العقائدية وردّ الشبهات والكتب التي تعرف مذهب أهل البيت (عليهم السلام) إلى المستبصرين والنشطين في التبليغ والمشتركين، ويتم الارسال بصورة مدروسة إلى (92) دولة، وأرسل المركز عشرات الاف الكتب إلى شتى أنحاء العالم وبصورة مجانية.
«الاعمال القادمة للمركز»
1 ـ تأسيس «معهد مركز الابحاث العقائدية» الذي يهتم بتدريس الابحاث الكلامية والعقائدية وتربية نخبة عقائدية لتأمين المستقبل والوقوف أمام الشبهات.
2 ـ إصدار مجلة «الشيعة» التي تحوي التعريف بالشيعة