(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى)
(النجم/3و4)
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَْقَاوِيلَ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)
(الحاقة/44-46)
الوحدة حول مائدة الكتاب والسنّة
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة على محمّد وآله الطاهرين، والسلام على أصحابه البررة الميامين.
وبعد: تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا، وسيطر الأعداء علينا، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/46).
وينبغي لنا اليوم وفي كلّ يوم أن نرجع إلى الكتاب والسنّة في ما اختلفنا فيه ونوحّد كلمتنا حولهما، كما قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (النساء/59).
وفي هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب والسنّة ونستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا.
راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال، ويبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان:
بيروت
ص.ب 124/24
العسكـري
نصّ الرسول على عدد الأئمة
حديث عدد الأئمة
أخبر الرسول أنّ عدد الأئمة الذين يلون من بعده اثنا عشر، كما روى عنه ذلك أصحاب الصحاح والمسانيد الآتية:
أ ـ روى مسلم عن جابر بن سمرة أنّه سمع النبي يقول:
"لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش".
وفي رواية:
"لا يزال أمر الناس ماضياً ...".
وفي حديثين منهما:
"إلى اثني عشر خليفة ...".
وفي سنن أبي داود:
"حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة".
وفي حديث:
وفي البخاري، قال: سمعت النبيّ (ص) يقول:
"يكون اثنا عشر أميراً"، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: قال: "كلّهم من قريش".
وفي رواية:
ثمّ تكلّم النبيّ (ص) بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (ص)؟ فقال: "كلّهم من قريش"(2).
وفي رواية:
"لا تضرّهم عداوة من عاداهم"(3).
____________
1- صحيح مسلم 3 : 1453 ح1821 بباب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة. واخترنا هذا اللفظ من الرواية لأنّ جابراً كان قد كتبها. وفي صحيح البخاري 4 : 165 كتاب الأحكام. وسنن الترمذي، باب ما جاء في الخلفاء من أبواب الفتن. وسنن أبي داود 3 : 106 كتاب المهدي. ومسند الطيالسي ح767و1278. ومسند أحمد 5 : 86 ـ 90 و 92 ـ 101 و 106 ـ 108. وكنز العمال 13 : 26 ـ 27. وحلية أبي نعيم 4 : 333.
وجابر بن سمرة بن جنادة العامري ثمّ السوائي، ابن أخت سعد بن أبي وقاص، وحليفهم، مات في الكوفة بعد السبعين، وروى عنه أصحاب الصحاح 146 حديثاً، ترجمته بأُسد الغابة. وتقريب التهذيب. وجوامع السيرة : 277.
2- فتح الباري 16 : 338. ومستدرك الصحيحين 3 : 617.
3- فتح الباري 16 : 338.
"لا تزال هذه الأُمّة مستقيماً أمرها، ظاهرة على عدوّها، حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، ثمّ يكون المرج أو الهرج"(1).
ج ـ وفي رواية:
"يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً لا يضرّهم من خذلهم كلّهم من قريش"(2).
د ـ "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا"(3).
هـ ـ وعن أنس:
"لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها"(4).
و ـ وفي رواية:
____________
1- منتخب الكنز 5 : 321. وتاريخ ابن كثير 6 : 249. وتاريخ الخلفاء للسيوطي : 10. وكنز العمال 13 : 26. والصواعق المحرقة : 28.
2- كنز العمال 13 : 27، ومنتخبه 5 : 312.
3- صحيح مسلم بشرح النووي 12 : 202. والصواعق المحرقة : 18. وتاريخ الخلفاء للسيوطي : 10.
4- كنز العمال 13 : 27.
ز ـ وروى أحمد والحاكم وغيرهما واللفظ للأول عن مسروق قال:
كنّا جلوساً ليلة عند عبد الله (ابن مسعود) يقرئنا القرآن، فسأله رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه فقال: "اثنا عشر عدّة نقباء بني اسرائيل"(2).
____________
1- كنز العمال 13 : 27 عن ابن النجار.
2- مسند أحمد 1 : 398 و 406.
قال أحمد شاكر في هامش الأول: اسناده صحيح.
ومستدرك الحاكم، وتلخيصه للذهبي 4 : 501. وفتح الباري 16 : 339 مختصراً. ومجمع الزوائد 5 : 190. والصواعق المحرقة لابن حجر : 12. وتاريخ الخلفاء للسيوطي : 10. والجامع الصغير له 1 : 75. وكنز العمال للمتقي 13 : 27.
وقال: أخرجه الطبراني ونعيم بن حمّاد في الفتن.
وفيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي 2 : 458. وأورد الخبرين ابن كثير في تاريخه عن ابن مسعود، باب ذكر الأئمة الاثني عشر الّذين كلّهم من قريش 6 : 248 ـ 250.
"يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى"(1).
قال ابن كثير: وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس(2).
ولست أدري هل قصد من رواية ابن عباس ما رواه الحاكم الحسكاني عن ابن عباس أو غيره.
نصّت الروايات الآنفة أنّ عدد الولاة اثنا عشر وأنّهم من قريش، وقد بيّن الإمام عليّ (عليه السلام) في كلامه المقصود من قريش وقال:
"إنّ الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم"(3). وقال:
"اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته ..."(4).
____________
1- ابن كثير 6 : 248. وكنز العمال 13 : 27. وراجع شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 455 ح626.
2- ابن كثير 6 : 248.
3- نهج البلاغة، الخطبة 142.
4- ينابيع المودّة للشيخ سليمان الحنفي في الباب المائة : 523. وراجع إحياء علوم الدين للغزالي 1 : 54. وفي حلية الأولياء 1 : 80 بإيجاز.
الأئمة الاثنا عشر في التوراة
وقال ابن كثير:
وفي التوراة الّتي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أنّ الله تعالى بشّر إبراهيم بإسماعيل، وأنّه ينمّيه ويكثّره ويجعل من ذرّيّته اثني عشر عظيماً.
وقال:
قال ابن تيميّة: وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرّر أنّهم يكونون مفرّقين في الأمّة ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا.
وغلط كثير ممّن تشرف بالإسلام من اليهود، فظنّوا أنّهم الّذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتّبعوهم(1).
قال المؤلف:
والبشارة المذكورة أعلاه في سفر التكوين، الإصحاح
____________
1- تاريخ ابن كثير 6 : 249 ـ 250.
جاء في سفر التكوين قول (الرب) لإبراهيم (عليه السلام) ما نصّه بالعبرية:
"قي لِيشْماعيل بيرَخْتي أوتوقي هِفْريتي أوتو قي هِرْبيتي بِمِئوْد مِئودشنيم عَسار نِسيئيم يوليد قي نِتتيف لِگوي گدول"(1).
وتعني حرفيّاً: "وإسماعيل أُباركه، وأُثمّره، وأكثّره جداً جداً، اثنا عشر إماماً يلد، وأجعلهُ أُمةً كبيرة".
"بشارات سِفر التكوين 17/20 (الأصل العبري) بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالأئمة (عليهم السلام)" أشارت هذه الفقرة إلى أنّ المباركة، والأثمار، والتكثير إنّما يكون في صلب إسماعيل (عليه السلام) و "شنيم عسار" تعني "إثنا عشر"، ولفظة "عسار" تأتي في "العدد التركيبي إذا كان
____________
1- "العهد القديم" سِفر التكوين 17/20، ص22 ـ 23.
وأما قول (الرب) لإبراهيم (عليه السلام) في الفقرة نفسها أيضاً:
"في نِتتيف كوي كدول"، نلاحظ أنّ "في نِتتيف" مكوّنة من حرف العطف (في)، والفعل (ناتَن) بمعنى: (أجعل، أذهب)(3)، والضمير "يف" في آخر الفعل "نِتتيف" يعود على إسماعيل (عليه السلام)، أي "وأجعله"، وأمّا كلمة (كوي) فتعني: "أُمّة، شعب"(4)، و "كدول" تعني: "كبير، عظيم"(5)، فتصبح (وأجعله أُمّة كبيرة).
فيتّضح من هذه الفقرة أنّ التكثير والمباركة إنّما هما في صلب إسماعيل (عليه السلام)، ممّا يجعل القصد واضحاً في الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) باعتبارهم امتداداً لنسل
____________
1- "المعجم الحديث" عبري ـ عربي : 316.
2- المصدر نفسه : 360.
3- المصدر نفسه : 317.
4- المصدر نفسه : 84.
5- المصدر نفسه : 82.
ووسّع الله ـ تعالى ـ على إبراهيم (عليه السلام) في كثرة المال، فقال: "ربّ ما أصنع بالمال ولا ولد لي"، فأوحى الله ـ عزّوجلّ ـ إليه: "إنّي مكثّر ولدك حتى يكونوا عدد النجوم". وكانت "هاجر" جاريةً لسارة، فوهبتها لإبراهيم (عليه السلام)، فحملت منه، وولدت له إسماعيل (عليه السلام)، وإبراهيم (عليه السلام) يومئذ ابن "ست وثمانين ستة"(1).
والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة من خلال توجّه إبراهيم (عليه السلام) بالدعاء إلى الله تعالى: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَاد غَيْرِ ذِي زَرْع عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الَّثمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(إبراهيم/37).
فالآية الكريمة تؤكّد أنّ إبراهيم (عليه السلام) قد أسكن بعضاً من
____________
1- تاريخ اليعقوبي 1 : 24 ـ 25 مؤسسة نشر ثقافة أهل البيت، قم.
وقد قال الإمام الباقر (عليه السلام): "نحنُ بقيّة تلك العترة وكانت دعوة إبراهيم لنا"(1).
____________
1- نقلنا ما ورد في الأصل العبري من التوراة والتعليق عليها من مقال للاُستاذ أحمد الواسطي في مجلة التوحيد، إصدار منظمة الإعلام الإسلامي في طهران. العدد 54 : ص127 ـ 128.
خلاصة الأحاديث الآنفة
نستخلص ممّا سبق ونستنتج: أنّ عدد الأئمة في هذه الأُمّة اثنا عشر على التوالي، وأنّ بعد الثاني عشر منهم ينتهي عمر هذه الدنيا.
فقد ورد في الحديث الأوّل:
"لا يزال هذا الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة...".
فإنّ هذا الحديث يعيّن مدّة قيام الدين ويحدّدها بقيام الساعة، ويعيّن عدد الأئمة في هذه الأُمّة باثني عشر شخصاً. وفي الحديث الخامس:
"لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها".
ويدلّ هذا الحديث على تأييد وجود الدين بامتداد الاثني عشر وأنّ بعدهم تموج الأرض.
وفي الحديث الثامن: حصر عددهم باثني عشر بقوله:
ويدلّ هذا الحديث على أنّه لا خليفة بعد الرسول عدا الاثني عشر. وأنَّ ألفاظ هذه الروايات المصرّحة بحصر عدد الخلفاء بالاثني عشر وأنّ بعدهم يكون الهرج وتموج الأرض وقيام الساعة تبيّن ألفاظ الأحاديث الأُخرى الّتي قد لا يفهم من ألفاظها هذا التصريح.
وبناءً على هذا لابدّ أن يكون عمر أحدهم طويلا خارقاً للعادة في أعمار البشر كما وقع فعلا في مدّة عمر الثاني عشر من الأئمة أوصياء النبيّ (صلى الله عليه وآله).
حيرتهم في تفسير الحديث
لقد حار علماء مدرسة الخلفاء في بيان المقصود من الاثني عشر في الروايات المذكورة وتضاربت أقوالهم.
فقد قال ابن العربي في شرح سنن الترمذي:
فعددنا بعد رسول الله (ص) اثني عشر أميراً فوجدنا: أبابكر، عمر، عثمان، عليّاً، الحسن، معاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح....
ثمّ عدّ بعده سبعاً وعشرين خليفة من العباسيّين إلى عصره، ثمّ قال:
وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة، الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز، ولم أعلم للحديث معنى(1).
وقال القاضي عياش في جواب القول: أنّه ولي أكثر من
____________
1- شرح ابن العربي على سنن الترمذي 9: 68 ـ 69.
هذا اعتراض باطل، لأنّه (ص) لم يقل: لا يلي إلاّ اثنا عشر، وقد ولي هذا العدد، ولا يمنع ذلك من الزيادة عليهم(1).
ونقل السيوطي في الجواب:
أنّ المراد: وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحقّ وإن لم يتوالوا(2).
وفي فتح الباري:
وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولابدّ من تمام العدة قبل قيام الساعة(3).
وقال ابن الجوزي:
وعلى هذا فالمراد من "ثمّ يكون الهرج": الفتن المؤذنة بقيام الساعة من خروج الدجال وما بعده(4).
قال السيوطي:
وقد وجد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية،
____________
1- شرح النووي على مسلم 12: 201 ـ 202. وفتح الباري 16: 339 واللفظ منه وكرّره في ص341.
2- تاريخ الخلفاء للسيوطي: 12.
3 و 4- فتح الباري 6: 341. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 12.
وقيل:
المراد: أن يكون الاثنا عشر في مدّة عزّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره، ممّن يعزّ الإسلام في زمنه، ويجتمع المسلمون عليه(2).
وقال البيهقي:
وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد ابن يزيد بن عبد الملك، ثمّ وقع الهرج والفتنة العظيمة، ثمّ ظهر ملك العباسيّة، وإنّما يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه، أو عدّ منهم من كان بعد الهرج المذكور(3).
____________
1- الصواعق المحرقة: 19. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 12. وعلى هذا يكون لأتباع مدرسة الخلفاء، إمامان منتظران أحدهما المهديّ، في مقابل منتظر واحد لأتباع مدرسة أهل البيت.
2- أشار إليه النووي في شرح مسلم 12: 202 ـ 203. وذكره ابن حجر في فتح الباري 16: 338 ـ 341. والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 10.
3- نقله ابن كثير في تاريخه 6: 249 عن البيهقي.
والذين اجتمعوا عليه: الخلفاء الثلاثة ثمّ عليّ إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة، ثمّ اجتمعوا على معاوية عند صلح الحسن، ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمرٌ بل قتل قبل ذلك، ثمّ لمّا مات يزيد اختلفوا إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثمّ سليمان، ثمّ يزيد، ثمّ هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد، عمر ابن عبد العزيز، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، اجتمع الناس عليه بعد هشام تولى أربع سنين(1).
بناءً على هذا فإنّ خلافة هؤلاء الاثني عشر كانت صحيحة، لإجماع المسلمين عليهم، وكان الرسول قد بشِّرَ المسلمين بخلافتهم له في حمل الإسلام إلى الناس.
قال ابن حجر عن هذا الوجه: إنّه أرجح الوجوه.
وقال ابن كثير:
إنّ الّذي سلكه البيهقي ووافقه عليه جماعة: من أنّ المراد هم الخلفاء المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك
____________
1- تاريخ الخلفاء: 11. والصواعق: 19. وفتح الباري 16: 341.
وذكر: أنّ بعضهم عدّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير، لأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادّاً للخلفاء الثلاثة، ثمّ معاوية، ثمّ يزيد، ثمّ عبد الملك، ثمّ الوليد ابن سليمان، ثمّ عمر بن عبد العزيز، ثمّ يزيد، ثمّ هشام، فهؤلاء عشرة، ثمّ من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، ويلزمه منه إخراج عليّ وابنه الحسن، وهو خلاف ما نصّ عليه أئمة السنّة بل الشيعة(1).
ونقل ابن الجوزي في "كشف المشكل" وجهين في الجواب:
أولا: أنّه (ص) أشار في حديثه إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه، وإنّ حكم أصحابه مرتبط بحكمه، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأنّه أشار بذلك إلى عدد الخلفاء من بني أميّة، وكأنّ قوله: "لا يزال الدين" أي الولاية إلى أن يلي اثنا عشر خليفة، ثمّ ينتقل إلى صفة أخرى أشدّ من الأولى،
____________
1- تاريخ ابن كثير 6: 249 ـ 250.
وقد ردّ ابن حجر في فتح الباري على هذا الاستدلال.
ونقل ابن الجوزي الوجه الثاني عن الجزء الذي جمعه أبو الحسين بن المنادي في المهدي، وأنّه قال:
يحتمل أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي، ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثمّ خمسة من ولد السبط الأصغر، ثمّ يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثمّ يملك بعده ولده، فيتمّ بذلك اثنا عشر ملكاً
____________
1- فتح الباري 16: 340 عن ابن الجوزي في كتابه (كشف المشكل).
علّق ابن حجر على الحديث الأخير في صواعقه وقال:
إنّ هذه الرواية واهية جدّاً فلا يعول عليها(1).
وقال قوم:
يغلب على الظنّ أنّه عليه الصلاة والسلام أخبر ـ في هذا الحديث ـ بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميراً، ولو أراد غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا، فلمّا أعراهم عن الخبر عرفنا أنّه أراد أنّهم يكونون في زمن واحد...(2).
قالوا:
وَقَعَ وَقْعٌ في المائة الخامسة، فإنّه كان في الأندلس وحدها ستّة أنفس كلّهم يتسمّى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج(3).
____________
1- فتح الباري 16: 341. والصواعق المحرقة لابن حجر: 19.
2- فتح الباري 16: 338.
3- شرح النووي 12: 202. وفتح الباري 16: 339 واللفظ للأخير.
وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة...(1). وقال:
إنّ وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق فلا يصحّ أن يكون المراد(2).
قال المؤلف:
هكذا لم يتّفقوا على رأي في تفسير الروايات السابقة، ثمّ إنّهم أهملوا إيراد الروايات الذي ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها أسماء الاثني عشر، لأنّها كانت تخالف سياسة الحكم بمدرسة الخلفاء مدى القرون. وخرّجها المحدّثون بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في تآليفهم بسندهم إلى أبرار الصحابة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونقتصر هنا على إيراد يسير منها في ما يأتي ممّا رواه الفريقان.
____________
1- فتح الباري 16: 338.
2- فتح الباري 16: 339.
أسماء الاثني عشر لدى مدرسة الخلفاء
أ ـ الجويني(1) عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (ص): "أنا سيّد النبيّين وعليّ بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وأنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي".
ب ـ الجويني ـ أيضاً ـ بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): "إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثني عشر أوّلهم أخي وآخرهم ولدي".
قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟
قال: "عليّ بن أبي طالب".
قيل: فمن ولدك؟
قال: "المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو لم يبق من
____________
1- قال الذهبي في ترجمة شيوخه بتذكرة الحفاظ ص1505: الإمام، المحدّث الأوحد، الأكمل، فخر الإسلام، صدر الدين إبراهيم بن محمد بن حمويه الجويني الشافعي، شيخ الصوفية. وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء. أسلم على يده غازان الملك.
ج ـ الجويني ـ أيضاً ـ بسنده قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: "أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون"(1).
اقتضت سياسة الحكم لدى مدرسة الخلفاء مدى القرون إخفاء أمثال الأحاديث الآنفة عن أبناء الأمة الإسلامية وإسدال الستار عليها. وجاهد القسم الأكبر من أتباع مدرستهم في هذا السبيل كما مرّ بنا فعلهم بأمثالها في بحث دراسة عمل مدرسة الخلفاء بنصوص سنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) الّتي تخالف اتّجاهها.
وليس هذا مجال إيراد تلكم الأحاديث، وإنّما نورد ما يأتي تراجم الاثني عشر الذين تواترت الإشارة إليهم والتنصيص على أسمائهم في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله).
____________
1- الأحاديث أ، ب، ج وردت في فرائد السمطين نسخة مصوّرة مخطوطة في المكتبة المركزية لجامعة طهران برقم 1164/1690 ـ 1691 الورقة 160.
تراجم الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)
الإمام الأوّل:
أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).
أبوه: أبو طالب بن عبد المطّلب بن هاشم.
أمّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
كنيته: أبو الحسن والحسين، أبو تراب.
لقبه: الوصيّ، أمير المؤمنين.
مولده: وُلد في الكعبة بيت الله الحرام(1)، سنة ثلاثين بعد عام الفيل.
وفاته: قتله الخارجي عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة في رمضان سنة أربعين للهجرة. ودفن خارج الكوفة في النجف الأشرف.
الإمام الثاني:
الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
أمّه: فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
____________
1- إنّ أمّه فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ (عليه السلام)، فضربها الطلق، ففتح لها باب الكعبة فدخلت فوضعته فيها، المستدرك 3: 483. وراجع تذكرة خواصّ الأمّة: 10. والمناقب لابن المغازلي: 7.
لقبه: السبط الأكبر، المجتبى.
مولده: ولد في المدينة في النصف من رمضان سنة ثلاث بعد الهجرة.
وفاته: توفّي لخمس ليال بقين من ربيع الأول سنة خمسين للهجرة. ودفن بالبقيع في المدينة المنوّرة.
الإمام الثالث:
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
أمّه: فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
كنيته: أبو عبد الله.
لقبه: السبط، شهيد كربلاء.
مولده: ولد في المدينة في شعبان سنة أربع للهجرة.
وفاته: قتله جيش يزيد مع أهل بيته وأنصاره في محرم سنة إحدى وستّين. وقبره في كربلاء من مدن العراق(1).
____________
1- راجع تراجم الأئمة، علي وابنيه الحسن والحسين (عليهم السلام) في ذكر حوادث سنة 40 و 50 و 60 للهجرة، بتاريخ الطبري وابن الأثير والذهبي وابن كثير. وفي ذكر تراجمهم بتاريخ بغداد ودمشق، والاستيعاب. واُسد الغابة. والإصابة، وطبقات ابن سعد، ولم يطبع في الطبعة الأروبية والبيروتية من طبقات ابن سعد ترجمة السبطين وإنما طبع بعد ذلك.
الإمام الرابع:
عليّ بن الحسين الشهيد (عليه السلام).
أمّه: غزالة، وقيل: شاه زنان.
كنيته: أبو الحسن.
لقبه: زين العابدين، السجّاد.
مولده: ولد في المدينة سنة ثمان وثلاثين أو سبع وثلاثين أو ثلاث وثلاثين.
وفاته: توفي سنة أربع وتسعين للهجرة. ودفن في البقيع إلى جانب عمّه الحسن السبط(1).
الإمام الخامس:
محمّد بن عليّ السجاد (عليه السلام).
أمّه: أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ.
كنيته: أبو جعفر.
____________
1- راجع ترجمته في ذكر حوادث سنة 94 هـ بتاريخ ابن الأثير وابن كثير والذهبيّ، وترجمته بطبقات ابن سعد. وحلية الأولياء. ووفيات الأعيان. وتاريخ اليعقوبي 2: 303. والمسعودي 3: 160.
مولده: ولد في المدينة سنة خمس وأربعين للهجرة.
وفاته: توفي سنة سبع عشرة ومائة للهجرة. ودفن في البقيع إلى جانب أبيه(1).
الإمام السادس:
جعفر بن محمّد الباقر (عليه السلام).
أمّه: أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر.
كنيته: أبو عبد الله.
لقبه: الصادق.
مولده: ولد في المدينة سنة ثلاث وسبعين للهجرة.
وفاته: توفي سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة. ودفن في البقيع إلى جانب أبيه(2).
الإمام السابع:
____________
1- راجع ترجمته بتذكرة الحفاظ للذهبي. ووفيات الأعيان. وصفوة الصفوة. وحلية الأولياء. وتاريخ اليعقوبي 2: 320. وتاريخ الإسلام للذهبي وتاريخ ابن كثير في ذكرهما حوادث سنة 115 و 117 و 118.
2- راجع ترجمته بحلية الأولياء. ووفيات الأعيان. وتاريخ اليعقوبي 2: 381. والمسعودي 3: 346.
أمّه: حميدة.
كنيته: أبو الحسن.
لقبه: الكاظم.
مولده: ولد في المدينة سنة ثمان وعشرين ومائة للهجرة.
وفاته: توفّي سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة في سجن الخليفة هارون الرشيد ببغداد. ودفن في مقابر قريش في الجانب الغربي من بغداد يومذاك، وفي مدينة الكاظمية في العراق اليوم(1).
الإمام الثامن:
عليّ بن موسى الكاظم (عليه السلام).
أمّه: الخيزران.
كنيته: أبو الحسن.
لقبه: الرضا.
مولده: ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة للهجرة في
____________
1- راجع ترجمته في مقاتل الطالبيين. وتاريخ بغداد. ووفيات الأعيان. وصفوة الصفوة. وتاريخ ابن كثير 2: 18. وتاريخ اليعقوبي 2: 414.
وفاته: توفّي سنة ثلاث ومائتين. ودفن بطوس خراسان(1).
الإمام التاسع:
محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام).
أمّه: سكينة.
كنيته: أبو عبد الله.
لقبه: الجواد.
مولده: ولد سنة خمس وتسعين ومائة للهجرة في المدينة المنوّرة.
وفاته: توفّي سنة مائتين وعشرين للهجرة ببغداد. ودفن إلى جانب جدّه موسى بن جعفر بمقابر قريش(2).
____________
1- راجع ترجمته بتاريخ الطبري. وابن كثير. وتاريخ الإسلام للذهبي. وتاريخ ابن كثير في ذكر حوادث سنة 203 هـ. ووفيات الأعيان. وتاريخ اليعقوبي 2: 453. والمسعودي 3: 441.
2- راجع ترجمته بتاريخ بغداد 3: 54. ووفيات الأعيان. وشذرات الذهب 2: 48. والمسعودي 3: 464.
الإمام العاشر:
عليّ بن محمّد الجواد (عليه السلام).
أمّه: سمانة المغربية.
كنيته: أبو الحسن العسكري.
لقبه: الهادي.
مولده: سنة أربع عشرة ومائتين للهجرة في المدينة المنوّرة.
وفاته: توفّي سنة أربع وخمسين ومائتين. ودفن بمدينة سامراء (سر من رأى) بالعراق(1).
الإمام الحادي عشر:
الحسن بن عليّ الهادي (عليه السلام).
أمّه: أمّ ولد اسمها سوسن.
كنيته: أبو محمد.
لقبه: العسكري.
مولده: ولد الحسن إحدى وثلاثين ومائتين في سرّ من رأى.
وفاته: توفي سنة ستّين ومائتين. ودفن في سرّ من
____________
1- راجع ترجمته بتاريخ بغداد 12: 56. ووفيات الأعيان. وتاريخ اليعقوبي 2: 484. والمسعودي 4: 84.
وقبور جميع الأئمة الأحد عشر المذكورين يزورها المسلمون اليوم وعليها قباب عالية، عدا الأئمة الأربعة المدفونين في البقيع بالمدينة المنوّرة، فإنّ الحكم الوهّابي لما دخل المدينة هدمها مع سائر قبور أزواج الرسول (صلى الله عليه وآله)وقبور صحابته.
الإمام الثاني عشر:
الحجّة محمّد بن الحسن العسكري عجّل الله فرجه.
أمّه: أمّ ولد يقال لها نرجس، وقيل: صيقل.
كنيته: أبو عبد الله، أبو القاسم.
لقبه: القائم، المنتظر، الخلف، المهدي، صاحب الزمان.
مولده: ولد في سامراء سنة خمس وخمسين ومائتين.
وهو آخر الأئمة، وهو حيّ يُرزق(2).
____________
1- راجع ترجمته في وفيات الأعيان. وتذكرة خواصّ الأمّة لسبط ابن الجوزي الحنفي. ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول للشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت:654هـ). وتاريخ اليعقوبي 2: 503.
2- تذكرة خواصّ الأمّة لسبط ابن الجوزي. ومطالب السؤول. ووفيات الأعيان.
تنبيه مهم
ورد في إحدى الروايات الماضية:
"... يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، ثمّ يكون المرج والهرج".
وفي أخرى:
"لن يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها".
وكلا اللّفظين يدلاّن على نهاية العالم بعد الثاني عشر ممّن يأتون من بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وعلى هذا فلابدّ أن يطول عمر أحد الاثني عشر إلى نهاية الدنيا، وهذا ما وقع فعلا بطول عمر الوصيّ الثاني عشر المهدي، محمّد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، فإنّ مجموع الروايات يصدق على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)المذكورين ولا يصدق على من سواهم. والحمد لله.