الاهداء
إن كان الناس يتقربون إلى الأكابر بتقديم مجهوداتهم وتهانيهم بمناسبة ما , فانني اتقرب الى سيدنا ومولانا ونبينا خير قدوة , الموصوف بمكارم الاخلاق محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) بتقديم مجهودي المتواضع تعبيرا عن سروري باشراق الارض بنور وجوده الوضاء , لعلها تكون هدية مقبولة شافعة نافعة ان شاء الله تعالى.
المقدمة:
ان المولى (عزّ وجلّ) قد أكد على الدعوة والمخاطبة فجعل لنا في النبي (صلّى الله عليه وآله) خير قدوة في حسن الاخلاق في تربية قومة وتعليمهم وتثقيفهم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(1). وقال (عزّ وجلّ): {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(2). ووصفه بالخلق الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(3). فان الله (سبحانه وتعالى) علم أنبيائه (عليهم السلام) اسلوب التربية لأنفسم وأهليهم , وأمرنا بالأقتداء بهم وبالائمة (عليهم السلام) وان في حياتهم دروس وعبر وعضات في التربية المثالية, فالمولى (عزّ وجلّ) يخاطبهم بما يجب ان يعملوه , ويقص علينا سلوكهم في التربية لأجل نقتدي بهم ونقتفي أثرهم , قال عز من قائل: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد * وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. * ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون * يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الارض يأت بها الله إن الله لطيف خبير * يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور * ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا إن الله
____________
1 - آل عمران 159.
2 - النحل 125.
3 - قلم 4.
لماذا يقص علينا قصصهم؟
الجواب:
هو لان دور القدوة مهم جدا عند الله (سبحانه وتعالى) , لهذا وصف لنا سلوك من يجب ان نقتدي بهم في أسلوب التربية والوعظ والارشاد.
والتربية لا تعني الاعتنا بالناحية المادية من غذا ولبس ونحوه , بل قد خاطبنا المولى (عزّ وجلّ) بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(2). فلم يوصي الانسان ان يحسن لبسه ومأكله فقط بل أوصاهم باتقاء النار وذلك بالعمل الصالح , وايضا لم يوصيه بنفسه فقط بل قال (وأهليكم) فلابد من ان ناخذ هذا التحذير بعين الاعتبارونقي انفسنا واهلينا تلك النار التي وصفت بانها وقودها الناس , فنجنب انفسنا واهلينا هذا الاتقاد فلا حجة لنا بعد ان أتم الله (عزّ وجلّ) الحجة علينا بارسال الرسل بالنذر وبالبينات , نسأله (سبحانه وتعالى) ان يجعل قدوتنا في القول والعمل خاتم النبيين وسيد الوصيين وسيدة نساء العالمين , وان يجعلنا نحيا على ما حيي عليه محمد وآله (صلّى الله عليه وآله) ونموت على ما لقوا الله عليه آمين يا رب العالمين.
تمهيد
ثبت علميا قديما وحديثا ان الصفات الخلقية والخلقية تنتقل للأبناء والأحفاد من الآباء والأمهات والاجداد بالتوارث، كما تنتقل اكتسابيا، كذلك ينقل الكثير من الأمراض التناسلية والأمراض الروحية والنفسية والاجتماعية وكثير من الطباع والأخلاق، فترى على الأغلب في العوائل الواحدة أن الصفات الحميدة والفضائل والمحاسن أو عكسها أي المساوئ تنتقل إلى الأبناء مثلما تنتقل لهم
____________
1 - لقمان من 12 - 19.
2 - تحريم 6.
نعم ان موضوع التربية من القضايا ذات الاهمية الخاصة في السيرة الذاتية للشخصية الاسلامية بأبعادها المختلفة، بحيث يكون نتاج هذه التربية ومحصلها الانسان الصالح، الذي يسير في طريق الكمالات الإلهية ذاتيا، ويتحمل مسؤولياته تجاه المجتمع الإنساني، ويكون قادرا على الانسجام، والحركة، والتأثير، سواء في دائرة الاسرة، أو دائرة المجتمع , ويكون فردا حر التفكيروالاستقلال في الارادة، والتوكل على الله (عزّ وجلّ)، والاعتماد على النفس، وحسن الخلق في المعاشرة، والادب الرفيع في التعامل مع الاخرين، والاستعداد للتضحية والفداء في أداء الواجب، أو خدمة الناس والمسلمين. وعلى المربي ان لا يفكر ان المال هو من يخلق لاطفاله السعادة ولينظر الى ما انتهت إليه أوضاع أبناء بعض الأسر المرفهه من انحرفات، بسبب غفلة الآباء عن التربية،
نعم أيها الوالدان انتما لا تستطيعان السيطرة الكاملة على الأطفال وانما عليكما ان تربوهم قدر المستطاع وتحاولا انتخاب اصدقائهم من حيث لا يشعرون بذلك , بل تحبباه اليه بكل وسيله وتحاولا تربطاه بزملاء متدينين ودراسات دينية , فالطفل اذا لم يقتدي بوالدية فحتما يقتدي بصديقة او معلمة, والطفل أول ما يأخذ عن والديه إلا إذا هو لا يجد حنان وحب وتقدير من الوالدين فهو حتما عندما يجد حضنا دافئا يحسسه بالحب والاحترام والإهتمام والاصغاء والاخذ والعطاء فسوف يتبع ذلك الحضن الحنون ويحبه أكثر من والديه ويقتدي به , فعلى الوالدين تحسيس الأبناء بانهم كبار ويناقشوهم مناقشة عقلية حتى يقتنعون بالأمر , أما الامر والنهي فهو يسبب الطاعة كرها وعندما يحس بفرصة كغياب الوالدين مثلا فهم سرعان ما يتركون عقيدة الابوين أي كانت ويتوجهون إلى من يحسسهم بانهم كبار ولهم مشاعر وليس فقط يسمعوا ويطيعوا طاعة عمياء.
ودور القدوة مهم جدا لانه ياخذ عنه صفاته , فلابد من الإعتناء بابنائكما و اختيار من ترضيا ان يتصف ابنكما بصفاته , كذلك الكتب والافلام لها دور كبير أيضا فتعمدوا شراء افلام وقصص تربطهم بالجانب الروحي والمعنوي , وإلا فأنتما مسؤولين أمام الله (عزّ وجلّ) عن ضياع ابنائكما ان لم تستخدما كل الوسائل الممكنه لهدايتهم.
كثير ما رأيت أنا بنفسي أسر تهتم وتجاهد جهاد عظيم في سبيل تعليم انبائهم , وفي كل جلسه معهم تحثهم على الدراسة الحديثة كالكمبيوتر واللغة الإنجليزية , وكسب أعلى ما يمكن من شهاده دنيوية , لكني ما سمعتهم مرة يشجعوا على علوم الدين ودراسة المعاهد الدينية , وعندما قلت لاحدهم ذلك قال: اني احثهم
نعم ان تعلم اللغة الإنجليزية والكمبيوتر وغيرها من العلوم الحديثة مهمة جدا ونشجع عليها , ولكن لا ننسى العلوم التي تتم بها سعادة الدارين...
فانني أنصح كل من يريد تهذيب أبنائه وصيغتهم صياغة عالية ان يفكر في معهد ديني بشرط يكون هذا الدين عن شيعة اهل البيت (عليهم السلام) لا عن شيعة معاوية(1) فانهم مسئول عن اطفالهم ان يربوهم على ولاية من افترض الله ولايتهم على كل مكلف , ويروونهم من عذب الاخلاق والسلوك الاسلامي الذي به يصل الى الدنيا والآخرة ويعرف حتى حقوق والديه , ومعاملة أسرته ومن لهم حق عليه , فالإسلام شامل لكل الحقوق والواجبات فمن حقر أمور الدين وأهتم بامور الدنيا فقد عظم ما حقر الله وحقر ما عظم الله (سبحانه وتعالى) , فعلى ولي الأمر ان يحاول بكل جهده ان يغرس في قلب ابنائه حب العلوم الدينية والعلماء فهو بذلك يكسب ابنائه ويكسب برهم وصلتهم ودينهم ودنياهم لانهم عندما يكبرون لا يعد الوالدين مسيطرين عليهم , إنما تبقى التربية التي تعلموها في صغرهم عن حق الله (عزّ وجلّ) وحق الوالدين وحق أسرته وحق الناس , بل حتى السعي لكسب الرزق الحلال الطيب والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة فينفع والديه ويسرهم بسلوكه , بل حتى بعد وفاتهم يبقى دعاء الولد الصالح الذي في قبورهم ويشفع لهم في محشرهم.
____________
1 - راجع كتابي (وعرفت منهم اهل البيت) وكتابي (للمنصفين فقط) فقد اثبت وجوب الولاية بالدليل القاطع المقنع فراجع.
و إن أمريكا قد عجزت عجزا تاما عن منع الخمر بالرغم من الجهود الجهيدة التي بذلتها , فقد نشر في كتاب تنقيحات للسيد أبو الاعلى المودودي ما يأتي: منعت حكومة أمريكا الخمر، وطاردتها في بلادها، واستعملت جميع وسائل المدنية الحاضرة كالمجلات، والمحاضرات، والصور، والسينما لتهجين شربها، وبيان مضارها ومفاسدها. ويقدرون ما أنفقت الدولة في الدعاية ضد الخمر بما يزد على 60 مليون دولار، وأن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على 10 بلايين صفحة، وما تحملته في سبيل قانون التحريم في مدة أربعة عشر عاما لا يقل عن 250 مليون جنيها، وقد أعدم فيها 300 نفس، وسجن 335، 532 نفس، وبلغت الغرامات إلى 16 مليون جنيها، وصادرت من الاملاك ما يبلغ 400 مليون وأربعة ملايين جنيها، ولكن كل ذلك لم يزد الامة الامريكية إلا غراما بالخمر وعنادا في تعاطيها، حتى اضطرت الحكومة سنة 1933 إلى سحب هذا القانون وإباحة الخمر في مملكتها إباحة مطلقة. ولكن الاسلام الذي غرس في نفوس أفراده الايمان الحق، وأحيا ضميرهم بالتعاليم الصالحة لم يتكلف مثل هذا الجهد، لان القرآن الكريم قد حرر الانسان من عبودية الشهوة , وعقيدة
____________
1 - المائدة: 90.
ولكن لا ينسى الابوين ان مهمتهم الاولى هي ان يقوا انفسهم واهليهم نارا وقودها الناس والحجارة. ويعلمه الاحساس بالمسؤولية تجاه هذا المقام الديني الإلهي، وتقديم الخدمة للإسلام والناس، لا من منطلق الاستفادة الشخصية, فقد سمعت الكثير يقول: لو كنت في الغرب أعيش لارتحت انا واهلي من هذا المجتمع الكذا وكذا.!!!
فقلت له وهو يقرب لنا: لماذا من تعلم هرب بعلمه؟ لماذا لا يحاول يرقي الناس ويعلمهم ويحس انه يعمل خدمة لدينه ووطنه؟
فقال: ممكن نجمع بين ان نرتاح ونترفه , وبين ان نعمل شي من ذلك في الخارج. فقلت له: ان وطنك بحاجة اليك والى من تعلم وترقى في أي مجال ان يخدم وطنه أولا , وإذا اقتضت مصلحة دينية ووطنية للسفر فهو ذاك , أما الهروب بنفسك من مجتمع تراه لا يليق ان تعيش بينهم فالسبب في انحطاطه أمثالك , لان كل من تعلم هرب بعلمه.
والسبب الذي جعله وأمثاله يريدون الهروب من مسؤوليتهم تجاه ابناء وطنهم المحتاجين الى علمهم وثقافتهم ان اهلهم لم يعلموهم ان يكونوا أعضاء فعالين يحسون بالمسؤولية تجاه دينهم ووطنهم , وان عليهم ان يعملون لتحسين الوضع بكل جهودهم بدل الفرار بأنفسهم , فمثلهم مثل شجرة لا ثمر لها فلا تستحق الحياة. فعليه وعلى امثاله ان يكونوا عنصرا فعالا وعضوا في المجتمع له مكانته يغير بيده ولسانه وقلمه , ويكون قدوة حسنة لاطفاله ولأسرته بل لمن بعده من الأجيال بعلمه وعمله سواء كان معلما او عاملا اوأي شي ولو حتى وهو ماشي مع صديق لابد ان يسعى لاصلاح فكره ومعتقده وتثقيفه و.. ويحس انه مسؤول
____________
1 - لأنفال: 60.
نعم على الوالدين نهج السلوك السليم للتربية لان مكونات الشخصية تعود - حسب ما يرى علماء النفس - إلى ثلاثة عوامل هامة لكل منها نصيب وافر في تكوين الشخصية وأثر عميق في بناء كيانها , وهذه العوامل الثلاثة هي:
1 - الوراثة 2 - التعليم والثقافة 3 - البيئة والمحيط.
كل ما يتصف به المرء من صفات حسنة أو قبيحة، عالية أو وضيعة تنتقل إلى الانسان عبر هذه القنوات الثلاث، وتنمو فيها شيئا فشيئا , وان الابناء يرثون من الآباء كل خصائص روحية وصفات حسنه أو سيئة , سواء في التكوين عبرتلك الخلية الجنينية التي تنمو مع ما تحمل من الصفات والخصوصيات الموروثة التي لابد ان يراعى فيها طيب المأكل وطيب الاستماع والنظر, لانه ثبت علميا وتجربيا تأثير الاكل والسمع والنظر سلبا وايجابا , كما جاء في حمل خديجه (س) بالزهراء (عليها السلام) ان الرسول (صلّى الله عليه وآله) انعزل عن نسائه بأمر ربه فترة من الزمن , ثم أهديت له ثمرة من ثمار الجنة كي تكون منه نطفة تطهر هي وذريتها من كل رجس ودنس. و قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس). وكذا نرى في مجتمعنا القريب أمثال السيد الدكتورالايراني معجزة القرن / محمد الطباطبائي. الذي اخذ شهادة الدكتوراة وهو في سن الطفولة , وكذا غيره من الاطفال في سن الخامسة فما دونها وما فوقها من حفاظ القرآن الكريم وتفسيره وعلومه وترجمته للعربي , ونهج البلاغة وغيرها , عندما يلقى مع آبائهم مقابله يتحدثون عن اهم سبب لحفظ الطفل للقرآن الكريم وباقي العلوم , يقولون ما مضمونه وملخصة: (مداومة الأم على قرأة القرآن والاستماع اليه ,
التأثير في المعاملة: فالطفل فطرة مقلد لابوية في الحركة والفعل والقول , وهوكما في الحديث الشريف: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
فعلى الوالدين اصلاح انفسهما وتهذيب سلوكهما حتى ينشأ منهما جيلا يرضيهما احياء , ويصلهما امواتا بالشفاعة والدعاء لهما بعد موتهما , قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(1). وقال (صلّى الله عليه وآله): (سبعة أسباب يكتب للعبد ثوابها بعد وفاته: رجل غرس نخلا، أو حفر بئرا، أو أجرى نهرا، أو بنى مسجدا، أو كتب مصحفا، أو ورث علما، أو خلف ولدا صالحا يستغفر له بعد وفاته)(2). كذلك الثقافة والمحيط فهما يشكلان جانبا مهما في الشخصية الإنسانية، ولهذين الأمرين أثرا مهما وعميقا في تنمية السجايا الرفيعة المودعة في باطن كل إنسان صغير ينطبع أي شي في مخه بسرعه , فإن في مقدور كل والد و معلم أن يرسم مصير الطفل ومستقبله من خلال ما يلقي إليه من تعليمات وتوصيات وما يعطيه من سيرة وسلوك ومن آراء وأفكار، فكم من بيئة حولت أفرادا صالحين إلى فاسدين، أو فاسدين إلى الصالحين , فعلى الآباء ان يناقشوا ابنائهم حول ما ياخذا من دروس خصوصا في الدول التي حكوماتها تدرس على منهج ابي هريرة ومعاوية , فيلزم على ولي الامر ان يعطي من وقته لاطفاله فراغ يسمع منهم ويعطيهم حتى يغرس الفكر الصحيح في عقولهم فيكون عندهم سلاح ضد أي تيار مخالف , وإلا فسيخسر اطفاله لانهم اذا حرموا من نقاش والديهم والاخذ والرد معهم فسيفرحون بمن يلقي لهم صدر رحب ولو اسقاهم سما ,لذا
____________
1 - كنز العمال: 43655.
2 - تنبيه الخواطر: 2 / 110.
____________
1 - البحار: 2|27. وغيرها.
في الأبيات المشهورة المنسوبة الى مولانا سيد الوصيين وأمير المؤمنين (عليه السلام):
دواؤك فيـك وما تبـصــر | وداؤك منـك وما تشــــــعر |
وتزعم أنك جرم صغـــير | وفيك انطوى العالم الأكبــــر(1) |
دورالقدوة الأخلاقية والتربوية
التربية: أصلها مشتق من الوزن تفعل - بتشديد العين- أي النمو والزيادة. وهي إنماء الشي حالا فحال إلى حد التمام. ورب , هو المالك والمدبر , مشتقة من ربو- بفتح كل الحروف - إشتقاق كبير فعل تربى , - تشديد الباء - قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}(2).
والانسان له صفات ذاتية 50% واكتسابية 50% , الذاتية اذا هو معوق لا سمح الله , فلا تنفع فيه التربية إلا بمعدل بسيط جدا , وكلما كان اسلم ذاتيا كلما كان للتربية اثرها في نمو وزيادة عقله وفكره ومعنوياته , فلو كان سليما 50% والتربية 50% صار انسان كامل , والكاملين هم المعصومين فقط , ولكن نحن دورنا ان نسعى لاجل نصل بانفسنا الى اعلى ما يمكننا من نسبة , كي نكون قدوة لمن نربيهم ومن نعظهم ونرشدهم.
وكل كلمة لها موضوع , وموضوع التربية هو الإنسان , فأول خطوة يجب ان نخطيها هي معرفة الإنسان , لاننا نريد ان يكون لنا دور في نموفكره وعقله وزيادتهما بالمنافع الإكتسابية فلابد ان نعرفه بأوصافه أي بجانبيه , جانب الروح وجانب الجسد. والهدف من التربية هو إيصال المربى إلى الكمال الذي يؤثر على جميع تصرفاته واعماله وسلوكه ودور الأسرة في ذلك أنها العامل
____________
1 - الديوان المرتضوي: ص 145 , وقد ذكرها جمع من عظماء الفريقين، كشيخنا البهائي في شرح الأربعين، والمحقق الجامي في شرح الفصوص , وغيرهما.
2 - الاسراء: 24.
نعم فالله (عزّ وجلّ) يعلم نبيه (صلّى الله عليه وآله) اسلوب الدعوة والارشاد لان الحوار العلمي والاخلاقي يقع في القلب ويؤثرعليه , اما الجدال بالعصبية والتكبر والغرور والاستهانة بالطرف الآخر فقد تضر اكثر مما تنفع , كما بين المولى تعالى ذلك بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(2). وكما في كلام قدوة المؤمنين وسيد المربين امير المؤمنين (عليه السلام) لكميل: (يا كميل إن رسول الله صلى الله عليه وآله أدبه الله وهو عليه السلام أدبني وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الآداب المكرمين..). ولقد سلك (عليه السلام) بحق
____________
1 - النحل 125.
2 - آل عمران 159.
____________
1 - نهج الباغة , الخطبة المعروفة بالقاصعة.