ـ الدعائم 2 / 572 كتاب آداب القضاء عن الصادق (عليه السلام): "ولاية أهل العدل الذين أمر الله بولايتهم، وتوليتهم وقبولها والعمل لهم فرض من الله".
ـ قوله (عليه السلام) لطلحة والزبير: "ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه لشاورتكما"(1).
ـ سنن أبي داود ج 2. كتاب الجهاد باب القوم يسافرون يؤمرون أحدهم.
عن النبي (صلى الله عليه وآله) اذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمر أحدهم. وفي مسند أحمد بن جنبل ج 2 / 177 لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة، إلا أمروا عليهم أحدهم.
ـ في كتاب الوثائق السياسية ص 120 الوثيقة 33 معاهدته مع أهل ومضمون المعاهدة هو أنه ليس عليكم أمير إلا من انفسكم او عن أهل رسول الله والسلام.
ـ في خطبة الإمام علي (عليه السلام) رقم 73.
"ولعمري لأن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس فما الى ذلك بسبيل، ولكن أهلها يحكمون على مَن غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار".
وفي الخطبة 127: "والزموا السواد الاعظم فإنّ يد الله مع الجماعة واياكم والفرقة".
ـ وفي وقعة صفين عندما كان القرّاء يتوسطون بين الامام ومعاوية قال معاوية: إن كان الأمر كما يزعمون فما له ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا ولا ممن هاهنا معنا، فقال علي (عليه السلام): "انما الناس تتبع المهاجرين والانصار، وهم شهود المسلمين
____________
1- شرح ابن أبي الحديد 7 / 41.
فرجعوا الى معاوية فأخبروه بذلك فقال: ليس كما يقول، فما بال مَن هاهنا من المهاجرين والانصار لم يدخلوا في الأمر فيؤامِروه، فانصرفوا الى علي (عليه السلام) فقالوا له ذلك واخبروه فقال (عليه السلام): "ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة وليس في الارض بدري الا وقد بايعني وهو معي، أو قد أقام ورضي فلا يغرنّكم معاوية من انفسكم ودينكم"(1).
فهذا الجواب للامام يدلل على مدى قيمة رأي النخبة في المجتمع أو أهل الحل والعقد.
وأمر الإمام معروف عندما أقبل عليه الثائرون من الامصار بعد مقتل عثمان وارادوا مبايعته فقال: انما ذلك لاهل الشورى وأهل بدر.
ولا يتصور أن اجوبة الامام هي في مقام المحاجة فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن ابائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله): "من جاءكم برأيه يفرّق الجماعة ويغصب الامة امرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه"(2).
فهي ليست في مقام المحاجة بل ذكرها ابتداءً وتأسيساً لقانون وجوب اتباع رأي الامة وهو الشورى وعدم جواز الخروج عن رأيهم.
الصنف الثاني:
روايات الاستشارة: وهي روايات كثيرة متظافرة من جهة المعنى تؤكد على ضرورة المشاورة والاستشارة في كافة الامور نحو قوله (عليه السلام): "لن يهلك امرؤ عن
____________
1- وقعة صفين ص 189 ـ 190.
2- عيون أخبار الرضا ح 2 / 62 ـ ب 31.
وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة:
أ ـ ان التأكيد الوارد في هذه الروايات يدلل على محبوبية الاستشارة ولزوم اتباع نتيجتها، ولو كانت نتيجتها غير واجبة الاتباع لكان الامر بها والحث عليها بهذا النحو لغوا وعبثاً.
ب ـ انه قد ورد في بعض الروايات على نحو القضية الشرطية من لم يستشر هلك. فقد يقول قائل ان الوقوع في الهلكة في بعض الحالات قد يكون له وجه لكن اذا عممنا الامر بالاستشارة للوظائف العامة التي تهم صالح المجتمع فان الوقوع في التهلكة لا يكون جائزاً بأي نحو كان. فهي تدلّ على وجوب الاستشارة ولزوم نتيجتها.
ج ـ بعض الروايات توجب اتباع اراء المستشارين وفي بعضها التحذير "اياك والخلاف، فإن مخالفة الوَرِع العاقل مفسدة في الدين والدنيا"(1). فهذه تدل على لزوم الاخذ بالاستشارة.
د ـ ورد في رواية انه قيل: "يارسول الله ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم"(2).
فالاستشارة لها ارتباط بالحزم وهو استجماع العزم والارادة فالارادة في مثل هذه الامور التي تهم المجتمع والتي يجب أن يؤخذ بها بالحزم يجب أن تكون صادرة
____________
1- وسائل الشيعة ابواب العشرة ح 5 / باب 22.
2- وسائل الشيعة ابواب العشرة/ باب 21 ح 1.
هـ ـ ان العقل العملي يحكم بلزوم الاستشارة وذلك لأن عقل الانسان وحده غير محيط بجهات الحسن والقبح في الافعال فإذا أراد أن يقدم على أمر ما يجب عليه مشاورة الاخرين والاخذ بارآئهم حتى يظهر له وجوه الحسن والقبح، وتزداد أهمية الاستشارة كلما ازدادت أهمية المورد الذي يريد الانسان أخذ قرار فيه، فكيف اذا كان شأناً من شؤون المجتمع العامة والمصالح العامة. والحكم والعلل المذكورة في الروايات انما هي ارشاد لهذا الحكم العقلي.
وقد يقال: ان الآيات والروايات الواردة في الشورى لا تدل على المطلوب وذلك لانها اكتفت بذكر العنوان فقط مع الاغفال عن ذكر تفصيلات الاستشارة وكيف تكون؟ وما هو دور أهل الحل والعقد؟ وماذا يحصل عند الخلاف؟ وهذا مع عظم أهمية الشورى حسب مدعى القائل ودخالتها في تلك الامور الهامة فلماذا سكت الشارع عن تحديد كل هذه التفصيلات؟
والجواب: انه مما لاشك فيه أن هذه القاعدة تدخل في تنظيم شؤون المجتمع فهي تتأثر بظروف المجتمع الخاصة، فلو كان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد اتخذ عدداً معيناً للمشورة فهو عدد يتلائم مع تعداد المسلمين في ذلك الزمان ومع ذلك فانه سوف يتمسك بهذا العدد حتى مع بلوغ عدد أفراد المجتمع الآف الاضعاف، فلذلك لم يشأ الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يجعل هناك ضوابط جزئية لهذه المسألة الهامة حتى يكون لكل مجتمع في كل زمان ما يرتأيه طبقاً لظروفه الخاصة وحتى يكون الاسلام متلائماً مع التطورات الحاصلة في كل مجتمع.
هذا تمام ما يمكن الاستدلال به من الطائفة الاولى وهي أهم الطوائف، يبقى كيفية الاستفادة من الشورى في اتخاذ الاراء والقرارات هل يتبع الكم ام الكيف؟
فمن جهة يقال انه من اجل حفظ النظام واستقامة الامر لا يمكن طرح رأي
والمشكلة تنشأ من أن الأقلية لو كانت متضمنة لرأي نخبة المجتمع من المفكرين والعلماء، فكيف يمكن غمض النظر عن هذا الأمر وترجيح رأي الاكثرية.
فذهب كثير الى محاولة التلفيق بين هذين الرأين:
ـ فقال البعض إن الامة يجب أن تقوم بانتخاب النخبة وهؤلاء ينتخبون الولي.
ـ أن توضع حدود لانتخاب واختيار الامة اي لا تكون الامور مطلقة على عنانها بالنسبة للامة بل يجب أن يتقيدوا بقوانين وأحكام اسلامية.
التقييم:
أولا: رأي آخر في فهم الأدلة:
في مقام تقييم هذه الادلة من آيات وروايات وقبل أن نبدأ بالاجابة على كل نقطة من النقاط السابقة فانا نذكر ان نفس الآيتين اللتين استدل بهما على الشورى يوجد لهما تفسير آخر وهو مشهور وشائع بين المفسرين والمفكرين وحاصل ذلك:
ان المستفاد من الآيات والروايات هو حث المكلف ـ الذي هو في موضع المسؤولية عن الامة وادارة شؤونها بل حتى في اموره الخاصة ـ على الاستشارة وتوسعة افق التفكير ومنابعه، وعدم التعنت برأيه والتوحد به بل يلزم الانسان بفحص اراء الآخرين مع تمسكه بأن يكون الرأي النهائي له والا يكون متحركاً تبعاً لارادة المجموع.
بيان ذلك:
ذكرنا سابقاً في الفصل الاول عن وجود قوتين مفكرتين في النفس البشرية أحدهما النظرية والاخرى العملية فالاولى تقوم بدور البحث بين المعلومات المتوفرة لأجل تهيئة مقدمات استكشاف المجهول وادراك النتيجة.
والاخرى عملية تقوم بدور الاذعان والتسليم والجزم بتلك النتيجة وتسيير القوى السفلى وممارسة دور الامير والتوجيه لها.
وبتعبير آخر ان الانسان في منهجية تفكيره يتبع ما هو متداول في العصر الحديث من سلطات الشورى والتشريع حيث دور البحث والتنقيب، ثم دور القضاء القانوني الذي يقوم بالاذعان والجزم بهذه النتيجة وعدمها ثم دور التنفيذ وتوجيه القوى العمالة.
فالانسان في تفكيره ينطوي على تلك السلطات التي تدير شؤون المجتمع المدني. لذلك عبر عن المجتمع بالانسان المجموعي، وكلما دققنا النظر وتأملنا في سير عملية التفكير في الانسان الصغير سوف يتضح لنا حلاً لملابسات كثيرة في الانسان المجموعي.
فالمدعى هو أن الشور والتشاور فعل ومادة وعنوان لفعل القوى الفكرية النظرية، وليس عنواناً لفعل القوى العملية وسلطتها العمالة على القوى النازلة وهي الارادة، ثم ترد مرحلة الجزم والتسليم والاذعان وهي مرحلة قضائية اذ تكون فيصلاً بين التسليم بتلك النتيجة وعدمها وهو فعل مزدوج بين القوة الفكرية والعملية فالقضاء يقوم بتحديد الكبرى وهو عمل فكري وليس بعملي ثم تطبيق الكبرى على النزاعات والموارد الموجودة والمعروضة امامه.
وعلى كل حال فالمشورة والتساؤل يقابله الفعل الاول من افعال العقل وهو البحث والتنقيب، والفعل الثاني هو ادراك النتيجة فهو أمر غير مسألة البحث وان
إذن فالمشورة والتشاور ماهية لفعل ادراك المعلومات لا ماهية لفعل عملي فكيف يناسب عنوان السلطة والولاية والقدرة التي هي عناوين لأفعال القوى العملية، فهناك جمع للآراء تارة واخرى جمع للارادات فالشورى عنوان للأول لا للثاني، بل ليست هي في حقيقتها ايضاً جمع للآراء ولى للجمع والاجتماع مدخلية فيها بل هي كما سيأتي في معناه المقرر في اللغة تقليب الآراء لاستخراج الصواب سواء كان هو رأي الواحد أو الأقل او الاكثر فصبغة الرأي المنتخب هو لصوابيته لا لكثرته فهي لا تعني حسم الامر في اتخاذ قرار في مسألة ما بل هو مقدمة لفعل آخر يقوم به المستشير.
واذا عدنا الى مفسري العامة في القرون الاربعة الاولى لا نلاحظ وجود نظرية معينة حول الشورى أو تفسير كلا الآيتين بمعنى ولاية الشورى، بل على العكس تراهم يذهبون في تفسيرها الى معنى المشورة اللغوية ويشكك الطبري انه كيف يؤمر النبيّ باتباع الشورى مع انه (صلى الله عليه وآله) غني عن المسلمين بالوحي(1). ويذكر فوائد الشورى من اقتداء الامة به، وتأليف قلوبهم وينقل ذلك عن قتادة وابن اسحاق والربيع والضحاك والحسن البصري، والسيوطي في الدر المنثور يورد روايات كثيرة في ذيل الآية الكريمة على حسن الاستشارة واستحبابها، وان المشاورة من الامور الموصلة للحق ومنها ما عن الامام علي (عليه السلام): يارسول الله اذا نزل بنا الأمر من بعدك وليس فيه قران وليس فيه من قولك ومن سنتك فماذا نصنع؟ قال: اجتمعوا وليكن فيكم العابد فترشدون الى أصوب الآراء.
____________
1- جامع البيان الطبري ـ ذيل سورة آل عمران ج4، ص101.
والزمخشري في ذيل {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ان الشورى كالفُتيا بمعنى التشاور، وفي ذيل {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} يعني في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وهي لتستظهر برأيهم... ويذكر من فوائده لئلا يثقل على العرب استبداده (صلى الله عليه وآله) بالرأي دونهم، {فَإِذَا عَزَمْتَ} يعني قطعت الرأي على شيء بعد الشورى(1).
فالجزم والرأي النهائي يكون للرسول (صلى الله عليه وآله) وهو قد يخالف اكثرية الاراء.
وما نلاحظه من استدلال العامة بالآيتين على ولاية الشورى بدأ في العصور المتأخرة بكتابات الآلوسي ورشيد رضا وابن الخازن.
اذن خلاصة ما يذهب اليه هذا الرأي انه يوجد منحى في فهم هاتين الآيتين غير ما استدل به اصحاب ولاية الشورى، وأن أوائل المفسرين لم يجعلوا هذه الآية دليلاً على ولاية الشورى.
مضافاً الى أن مبدأ ولاية الشورى يقترب من مبدأ سيادة الامة، وهو المصطلح الحديث في النظم السياسية المعبر عن حكم الامة، وتدخل الامة في ادارة شؤونها بنفسها، وهذا المبدأ من المبادئ الحديثة التي ظهرت في القرنين الاخيرين وما زالت تتدخل فيه يد القانونيين حتى يسدوا الثغرات التي تظهر بين آونة واخرى، فلا نجد مظهراً واحداً معبراً عن هذا المبدأ مع أن اغلب دول العالم تتمسك به وان الديمقراطية هي الاساس الذي تستند عليه الدولة الحديثة إلا ان الثغرات والعيوب الكثيرة التي ظهرت في هذه الممارسة للسلطة دعتهم الى أن يعيدوا النظر مرة وثانية
____________
1- الكشاف ـ الزمخشري ج 1 / 242.
ثانياً: الجواب عن تلك الأدلة:
بعد استعراض السير التأريخي لنظرية الشورى والرأي الآخر في فهم الآيتين الشريفتين وهو الحق فإنا نذكر الجواب عن الأدلة السابقة وهي في نفسها تكون دليلاً على الفهم الآخر الذي ذكرناه وقويناه.
الوجه الاول:
وهو العمدة حيث أن المعنى اللغوي لمادة الشور والمشاورة معاً هو الموضوع لهذا المصطلح.
ـ الراغب الاصفهاني فسر الشورى بأنها من التشاور والمشاورة والمشورة وهي استخراج الرأي بمراجعة البعض الى البعض الآخر. وقولهم: شرت العسل اذا أخذته من موضعه واستخرجته منه(1).
ـ وابن منظور في لسان العرب يذكر ان الاصل اللغوي هو من شار العسل اي استخرجه من الوقية واجتناه. ويقال: شرت الدابة اذا أجريتها لتعرف قوتها. وحمله البعض على قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} بمعنى لتعلم الامين والمخلص من غيره واستشاره اي طلب منه المشورة.
فالمدار في الاشتقاقات تشير الى عملية الفحص والبحث الفكرية عن حقيقة
____________
1- المفردات مادة شور ص 270.
ـ تاج العروس: فلان شيّرُك وزيرك، يقال: فلان وزير فلان وشيّره اي مشاوره. وجمعه شوراء كما في شُعراء، وأشرني عسلاً واشرني على عسل أعني على جنيه وأخذه من مواضعه(2).
وهذه تؤكد أن المشاورة هى أحد اساليب الفحص والبحث قبل اتخاذ الرأي النهائي والعزم الارادي في المسألة، وهو ما اشرنا اليه وأنه الفعل الأول للفكر.
ـ وأوضح من كل من مضى ما يذكره ابن فارس ان شور وضعت لأصلين مفردين الأول: ابداء شيء وأظهاره وعرضه. والآخر أخذ شيء(3).
وكلا المعنين شاهدان على ما ذكرناه فالاول عملية استكشاف واختبار وفحص، والثانية أخذ الرأي الصائب من تصفح الاراء.
فتكاد كلمات اللغويين تشير الى هذه الحقيقة في الشورى ولم يرد منها ذكر واشارة الى جهة سلطة أو ارادة أو ولاية أو قدرة تتحلى بها الشورى.
ـ ومن كتب اللغة المتأخرة نرى ما ذكر في المعجم الوسيط شار الشيء عرضه ليُبدي ما فيه من محاسن، وأشار اليه بيده، أومأ إليه معبراً عن معنى من المعاني كالدعوة للدخول والخروج. اشتور القوم: شاور بعضهم البعض، والمستشار: العليم الذي يؤخذ رأيه في أمر هام علمي أو فني أو سياسي او قضائي ونحوه، هو اصطلاح محدث (إلا انها ليست مرتجلة بل منقولة عن الاصل اللغوي لمناسبة بين المنقول منه والمنقول اليه بل قد يقال انه نفس المعنى القديم وليس معنى جديداً
____________
1- لسان العرب 4: 335.
2- تاج العروس الزبيدي ـ مادة (شور).
3- معجم مقاييس اللغة مادة (شور).
وانما اسهبنا في استعراض كلمات اللغويين لأن عمدة ما يستدل به على عدم وجود ولاية او سلطة في مادة الشورى هو أصل وضعها اللغوي فاذا ادُعي مثل ذلك في ظهور اللفظة فيجب أن يكون بمؤنة زائدة على مجرد ورود اللفظ في الكلام.
وكل ما تفيده الكلمة انها شبيه ما يسمى بـ (بنك المعلومات او بنك الخبرات).
ويمكن أن نضيف بعض الشواهد المؤيدة لما ذكره اللغويون:
1 ـ ان البشرية تعتمد على نظام المستشارين في ادارة اي عمل وقلما يوجد مدير أو مسؤول خال عن المستشارين وفي نفس الوقت لا يكون لهم أية سلطة على المستشير بل وظيفتهم مجرد ابداء الرأي والنصح.
2 ـ ان الفقهاء من الفريقين يذكرون أن أحد أنواع الاستخارة هي الاستشارة وهذا يدل على أن فهمهم لمادة الشورى هو بمعنى انتقاء الرأي الصائب لا وجود سلطة للمستشار على المستشير.
3 ـ سوف نشير فيما بعد الى التحليل الماهوي لمادة الشورى حيث نذكر انه لا ملازمة بين ابداء الرأي ووجوب الأخذ به. وانما الملزم هو حقانية الرأي واستصوابه.
4 ـ أن الآية الشريفة في مقام بيان صفات خاصة يتحلى بها المؤمنون ومن هذه الصفات عدم استبدادهم بالرأي وعدم نبذهم لاراء الاخرين، فهي تشير الى ما يجب أن يتحلى به المسلم في شؤونه الخاصة من تحريه للصواب والحكمة وهي ضالته أينما وجدها أخذها، وليس الامر محصوراً بالشؤون العامة التي تهم جميع المسلمين.
____________
1- المعجم الوسيط ـ المجمع اللغوي القاهرة ص 499.
6 ـ قد ورد في القران الكريم في قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاض مِنْهُمَا وَتَشَاوُر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا..}...
فالحديث في الآية حول خصام الزوج والزوجة حول الطفل، والفقهاء متفقون على أن الولاية للأب وأن الحضانة هي للام ومع ذلك ورد التعبير بالتشاور فمع اختصاص الولاية ندب الى التشاور بين الزوجين في أمر الرضاع، وهذا لا يعني كون المشورة ملزمة للولي وهو الأب بل هي معرفة اراء الاخير من أجل اتخاذ الرأي النافع لمصلحة الطفل.
7 ـ ما ورد في قصة بلقيس ملكة سبأ عندما جاءتها رسالة النبي سليمان (عليه السلام) فانها استشارت قومها مع أن الحكم بيدها فاشاروا اليها: {نَحْنُ أُولُوا قُوَّة وَأُولُوا بَأْس شَدِيد وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}.
فواضح انهم عرفوا موقعهم في الدولة وان الأمر بيد الملكة ووظيفتهم بيان ما يرونه من الرأي، والتصميم على الحرب او السلم بيد الملكة. وهي لم تأخذ برأيهم في المواجهة بل اختارت طريق السلم والدبلوماسية.
والغرض ليس الاستدلال بفعل بلقيس بل الاشارة الى أن مسألة الشورى والاستشارة أمر عقلائي منذ القديم، وأسلوب في الادارة متبع منذ الازمنة الغابرة. والشارع قد أكد على ذلك الامر المهم وحثّ عليه.
8 ـ فى سورة الحجرات (49: 6): {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِير مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ..}.