الصفحة 420

الحديث السادس: "قاتلت على التأويل كما قاتلت على التنزيل".

والتنزيل هو تلقي المقامات الكلية لحقيقة القرآن الكريم، والتأويل هو تطبيق تلك المقامات الكلية على الموارد الدرجات المتوسطة و الجزئية العديدة، ولا يمكن لشخص أن يحيط بكل تأويل القرآن إلا أن يكون قد أحاط بمراتب القرآن وأن تكون قواه خالية من الزلل والزيغ ومنه يعلم أن النبوة في التنزيل والامامة في التأويل فهي تلو النبوة الخاتمة ومشتقة منها ومترتبة عليها، وفي كثير من الاحاديث نرى ان النبي (صلى الله عليه وآله) يقرن بين النبوة والامامة المتمثلة بشخص النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام)، مع بيان الفاصل بين الشأن النبوي والشأن الولوي.

تذييل:

بعد هذا الاستعراض لفقه الروايات الواردة في الامامة نحاول ان نذكر عدد من التوصيات التي تنفع في المقام:

اولا: أن قدماء الامامية تبعا للطرق المبيّنة في الكتاب والسنة للمعصومين (عليهم السلام) قد ذكروا عدة مناهج لأثبات امامة الائمة الاثنى عشر - سواء من متكلمي الرواة أو متكلمي الغيبة كالشيخ المفيد والمرتضى والطبرسي - ونحن نشير إلى تغاير صياغات أدلتهم ومواد قوالبها تنبيها على تعدد اشكالها وموادها المنطقية.

منها: التدليل على الكبرى بما ورد نصوص عديدة تنص على ان الخلفاء بعد الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر، وفي بعضها أنهم من قريش، وفي بعضها أنهم من بنى هاشم، وهذه طائفة من الاحاديث.

وقد وقع العامة في بلبلة وتشويش في كيفية التطبيق الخارجي للخلفاء الاثنى عشر، واختلفت اقوالهم وبعض جعل بينهم فاصل ولم يشترط التتابع، وبعض أنهاهم قبل يوم القيامة مع أن في بعض الالسنة أنه هؤلاء الخلفاء حتى يوم القيامة،

الصفحة 421
ولو بحث الباحث عن الحقيقة بعيدا عن التعصب لا يرى مصداقا لهذا الحديث إلا لدى الامامية الاثنى عشرية حيث لا يوجد طائفة لديها تفسير لهذه الطائفة المتواترة إلا لدى الامامية الاثنى عشرية، حيث أن الامامة المنصوبة المجعولة من قبل الله تعالى عندهم إلى يوم القيامة هي في الاثنى عشر.

ونشير إلى نكتة مهمة يلحظها المطالع لكتب التاريخ انه لم يدّع احد لنفسه هذه المقامات وأنها خلافة الرسول طبقا لهذا الحديث إلا الائمة الاثنى عشر، فكانوا يدّعون علم الكتاب كله وكانوا على مرأى ومسمع من الدول الاموية والعباسية قرابة ثلاثة قرون، ولم تفتأ تلك الدولتين من امتحانهم في العلوم المختلفة ومسائل الدين وأحكامه، بل كانوا يمتحنونهم في الفنون المختلفة وفي الصفات البدنية بغية منهم أن يقطعوا عليهم دعواهم،ولم تكتفِ الدولتين بما كان لديها من أفراد في العلوم المختلفة بل كانت تستعين بعلماء النصارى واليهود والروم والهند وغيرها،وبأصحاب الرياضات المختلفة، وبمختلف وسائل القوى روما في دحض دعوى هؤلاء الائمة الاثنى عشر.

لكن الرصد التاريخي ينبئنا بفشل الدولتين في ذلك، وفشل علماء الفرق الاسلامية الاخرى في مقابلتهم، بل كان نجمهم يزداد تلألأ مما يضطر السلطات إلى تصفية وجودهم المبارك،فكان ذلك تحدي واعجاز للبشرية أجمع طيلة قرون ثلاثة.

وقد تحدوا جميع مَن حولهم أن يُقدِموا على مساجلتهم وقطع حجتهم ولم يظفر احد على ذلك، ومناظراتهم مع اليهود والنصارى اكثر من ان تحصى، بل انا نجد ان الائمة المعروفة الان قبورهم قد تواتر بين كل المسلمين انهم هم الذين ادعوا الامامة بهذا المعنى من السفارة الالهية والخلافة لله في أرضه ولم يدعها غيرهم.


الصفحة 422
ثم اذا تساءلنا عن كيفية الخلافة وانها في أي شيء؟ نجيب: أن الحديث مطلق واذا ضممنا إلى ذلك ان الزعامة الدنيوية لم يتولها إلا البعض منهم فقط، وحينئذ يكون الحديث لا اثر له مع تواتره وتعدد المواضع التي ذكّر الرسول امته بهؤلاء، وهذا يدلنا على ان مقام الخلافة عمدتها في المقامات الغيبية وهي المهمة بدليل انهم لم يتولوا الزعامة الدنيوية إذن مقام الامامة لا ينحصر بالزعامة الدنيوية بل يشمل المقام الغيبي.

ومنها: الاجوبة العلمية الاعجازية في المسائل العلمية التي كان علماء اليهود والنصارى وغيرهم من اصحاب الملل والنحل التي دخلت الاسلام يسألون عنها وهي اسئلة يمكن القول انها فوق افق البشرية، وهذه الاجوبة تكون مقدمة لكبرى ان من يستطيع الاجابة عنها لا بد ان يكون له نحو من العلم يختلف عن بقية البشر ومستقى من معين خارج اطار القدرات البشرية العادية، ويثبت بذلك اهليتهم وامامتهم وافضليتهم وقد اعتبرها الطبرسي من الدلائل الصريحة على امامتهم.

وهذه الاجوبة لا زالت تتحدى المعارف والعلوم البشرية و مادة اعجازية لبيان امامتهم من الله تعالى، فمثلا في علم المعرفة الالهية ببركة كلماتهم المبسوطة المتكثرة ننفي التجسيم عن الذات الالهية ولوازم الجسم من الاين والمتى والكيف ونحوها، حتى أصبح الامر من البديهيات في الدين الاسلامي مع ان بعض الفرق الاسلامية لا زالت مجسمة فيما يسرونه من اعتقادات.

وكذلك ببركة كلماتهم (عليهم السلام) ننفي الجبر والتفويض حيث اثبتوا الاختيار والأمر بين الأمرين، وبكلماتهم أبانوا عن عينية الصفات للذات وأن الذات في عين بساطتها هي عين كل كمال حتى صفة العلم، بينما بقية فرق المسلمين يجعل الذات جوفاء خالية تتبعها الصفات الكمالية، بل أن ذلك حتى في فلسفة البشر المشائيين والاشراق فأنهم يخلون الذات من العلم وأنه عبارة عن الصور المرتسمة

الصفحة 423
أو عين الفعل، بينما يقول الصادق (عليه السلام): ان الذات الالهية علم لا جهل فيه قدرة لا عجز فيه نور لا ظلمة فيه حياة لا موت فيه.

وكذلك كلامهم في التوحيد وتوحيد العبادة وأن مَن عبد الاسم دون المسمى فقد ألحد، ومَن عبدهما فقد أشرك،ومَن عبد المسمى دون الاسم فقد وحّد،ومراده (عليه السلام) مطلق مدارج و درجات الاسم، وهذا من البحوث العرفانية الوعرة التي لم تفتق معرفتها في البشرية قبل ذلك.

وكلماتهم في ان الارادة صفة فعل لا صفة ذات وغيرها من غوامض المعرفة، مثلا الصحيفة السجادية زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله) فإن فيها من دقائق المعرفة والتهذيب للنفس ولطائف السير والسلوك لمَن رام الرياضة وآداب العبودية،هذا فضلا عما يجده الباحث في ما يبهر الالباب في نهج البلاغة وبقية الروايات عنهم (عليهم السلام).

ومنها: الملاحم المذكورة عن كل واحد منهم (عليهم السلام) بدءا بأمير المؤمنين (عليه السلام) وما اخبر به من ملاحم عديدة في كيفية قتل اصحابه،وما يجري على شيعته وعلى بقية المسلمين إلى قرون متمادية، وكذلك ما أخبر به الحسنان عن اعدائهما، وإخبار الصادق (عليه السلام) للمنصور الدوانيقي بوصوله للسلطة وأن بني الحسن لا يصلوا إليها.

ومنها: ريادتهم وسبقهم في كل فضيلة وكمال علمي وعملي في الصفة والاخلاق، ويكفيك التنبيه لذلك انهم (عليهم السلام) من السجاد للعسكريين لم يقوموا بنشاط للإطاحة بالنظام الحاكم من الامويين والعباسيين،ومع ذلك كان الحكام على أشد هيبة وخوف منهم،وكأن اصل وجودهم الحامل لهذه المناقب والفضائل ينادي بحقانيتهم ونصبهم من قبل الباري تعالى.

ومنها: ان الاصل في الفكر البشري هو الاختلاف فلا يكاد يكون هناك اثنان يتفقان في طريقة معينة للتفكير، وهذا بخلاف الفكر السماوي الآتي من السماء حيث يكون واحدا لأنه لا يصطبغ بطبيعة الفرد بل يعبر عن المصدر الواحد، وهذه

الصفحة 424
الكبرى نطبقها على ائمتنا حيث نلاحظ انهم يصدرون عن فكر واحد ورأي واحد لا تضارب بين آرائهم وعقائدهم في ما لا يحصى من ابواب المعرفة والاعتقادات وابواب الفروع المتكثرة الهائلة، فما ثبت عنهم بطريق قطعي لا تخالف فيه، وما ثبت عنهم بالظن يندفع ما بينه من التخالف بطرق الجمع المعروفة، ونظيره في ظواهر الآيات فيما بينها،وذلك بقانون حمل المحكم على المتشابه والمظنون على ما يتفق مع المقطوع، وهذا القانون من أصول البيان في النطق البشري،والعمدة أن ما هو مقطوع به عنهم لا ترى يه أي تخالف {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}(1).

ومن الطرق الاخرى لاثبات الامامة النظر في نبوءات الاديان الاخرى المتقدمة وتبشيرهم بأوصياء خاتم الانبياء كما ورد في الكتابة على سفينة نوح وما هو مذكور في التوراة والانجيل والزبور،وقد استقصى عدة من محققي الامامية هذا الباب ووضعوا فيه كتبا جليلة، ويذكر هذا المنهج المسعودي في اثبات الوصية وفي تاريخه واليعقوبي في تاريخه.

ثانيا: ان البحث حول الامامة يتناول الكتاب والحديث ومن غير الصحيح أن يتناول الباحث أحدهما ويهمل الآخر بل يجب ضمهما إلى بعضهما دائما، حيث ان الآيات الكريمة توضح الامر الكلي ومواصفاته والروايات توضح المصاديق المتصفة، إذ ان الروايات تشير إلى وجود ثلة مع النبي وبعده لها هذه المواصفات ولها تلك المقامات ومن ثم نأتي إلى الاحاديث التي تنص على التطبيق ومن له هذه الصفات.

وبعبارة أخرى إن طوائف الآيات تثبت كبرى هي وجود ثلة معصومة هم ائمة

____________

1- النساء: 82.


الصفحة 425
منصبون من الله تعالى، ولهم ذلك المقام الغيبي إلى انقضاء هذه النشأة النبوية، وتدل بعض تلك الطوائف على إمامة علي (عليه السلام)، وبعضها على ضميمة الحسنين، ونظير اثبات الكبرى كثير من الاحاديث النبوية المتواترة كحديث الثقلين فإنه يدل على دوام بقاء العترة حتى الحوض، وأنهم عِدل الكتاب،واللازم التمسك بكل منهما والائتمام بهما، وكحديث الاثنى عشر خليفة كلهم من قريش، وحديث من مات ولم يعرف امام زمانه،وغيرها من الاحاديث التي إما تشمل جميع الائمة أو بعضهم، وعلى أية حال فإن اثبات الكبرى ينضم إليها عدة تقريبات لاثبات الصغرى والمصادق كما اشرنا إليه في النقطة السابقة.

ثالثا: من خلال قراءة التاريخ نستطيع أن نكشف عن طريقة اخرى من الاستدلال، وهي إن التاريخ ينص على وجود فرقة عاشت في الدولة الاموية والعباسية اسمها الرافضة، وهؤلاء كانوا يتبعون الائمة من أهل البيت (عليهم السلام)، وكان من المنطقي والطبيعي ان يقوم اصحاب الطوائف الاخرى ان يقطعوا الطريق عليهم من خلال محاولة افحام ائمتهم في المناظرات والاسئلة،وأن يكون ذلك بمساعدة السلطة الحاكمة، والحال أن التاريخ لا يذكر لنا شاهدا ولو واحدا حول ابكات هؤلاء الائمة، بل على العكس ينقل لنا صورا مشرقة عن العديد من المناظرات والمحاجات التي اجراها امراء الدولتين في محاولة للاطاحة والنيل من الائمة، مع الاخذ بعين الاعتبار ان ما نقل الينا هو النزر اليسير الذي لم تستطع السلطة الحاكمة اخفاؤه عن الناس.

وعليه نستطيع القول ان منهج الاستدلال يكون بالآيات والاحاديث والعقل والتاريخ.

رابعا: يجب الالتفات إلى ما اشرنا إليه في حقيقة التواتر وانه لا بد من الرجوع إلى كتب الحديث والاخذ بالنصوص ولو فرض انها بمفردها غير تامة لكن

الصفحة 426
بتظافرها و بمعية الجميع وبتراكم الاحتمالات كما وكيفا ينتج التواتر.

وقد أشرنا في الفصل الاول إلى تقسيم التواتر إلى ثلاثة أقسام لفظي ومعنوي واجمالي، وبيّنا كل قسم،كما ذكرنا إن دوائر التواتر تختلف سعة وضيقا وأن هذا الاختلاف لا يخل بضابطة التواتر الرياضية البرهانية، فمن الخطير الغفلة عن ذلك.


الصفحة 427

الخاتمة
الوظيفة الإجمالية في الإئتمام


بعد هذا الاستعراض كنموذج لفقه ماهية الامامة فقها عقليا وفقها قرآنيا وروائيا، وبيان مقتطف من المقامات التي للائمة (عليهم السلام) رأينا من المناسب ان نختم البحث في بيان الوظائف الإجمالية للمكلفين اتجاه أئمتهم حيث قال تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ}(1) وقال تعالى {قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(2)، وقال تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}(3)، وسوف نوجزها بالامور التالية:

1 ـ معرفتهم كأمر اعتقادي وهو غير مرهون بحضورهم بل حتى بعد مماتهم في زمان غيبتهم فمعرفتهم واجبة، كما هو الحال في الاعتقاد بنبوة الرسول (صلى الله عليه وآله).

2 ـ كون الامامة من أصول الدين لا من فروعه، ومن تحريف الكلم عن مواضعه بمكان حصر توليهم على الموالاة السياسية فقط، والتولي والتبري المذكور في الفروع صحيح ولكنه غير معرفتهم.

3 ـ إن محبتهم وبغض اعدائهم من الامور الركنية في معرفتهم والاعتقاد بهم التي لا تتوقف على حياتهم بل يجب اظهارها لأن المحبة من الامور التي تكون مصداقا

____________

1- الصافات: 24.

2- الشورى: 23.

3- الفرقان: 57.


الصفحة 428
للموالاة ألا ترى في قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً لِلَّهِ}(1) حيث أن المحبة واظهارها مصداق من مصاديق الولاء، وأن حب اعداء الله يوجب الخسارة وضياع الاعمال حسرات بل والخلود في النار،كما تشير إليه تتمة هذه الآية من سورة البقرة،وبقية الآيات الناهية عن موادة من حادّ الله ورسوله.

4 ـ تحليل فلسفي وذوقي معرفي لنكتة ما ورد في بعض الروايات "هل الايمان إلا الحب والبغض".

إن الايمان بنحو مطلق فعل من افعال النفس،و لا يمكن للموجود البشري أن يعيش من دونه لأن الايمان والاذعان بشئ ما من كمال الفرد البشري، ولو عثر على فرد بشري لا يعتقد بشىء أصلا فهو لا يستطيع أن ينتهج أي جادة في حياته،ومن ثَمّ فسيكون من الممتنع أو الصعب على بقية البشر التعامل معه لأن المفروض انه لا يتقيد بأي منهج ولا طريقة،إذ لا يؤمن بشىء ما كي يتقيد به، وحينئذ سوف يكون مطلق العنان في جميع غرائزه ورغباته كالوحش الكاسر أو الحيوان أو الحيوان المسعور المخيف لمن حوله، ويتبين بذلك أن الايمان بأي نحلة كانت وبأي شيء ما من الكمال بالمعنى الاعم، بمعنى أنه لا يستطيع احد ان يتركه ومن هنا وقع البحث في علوم مختلفة حول حقيقة الايمان بعض النظر عن متعلقه، فهل حقيقته هو الادراك ام المعرفة أم الاعتقاد والتصديق أو انه مجرد الانجذاب نحو الشىء؟؟

وذكرنا فيما سبق أن الايمان ليس هو مجرد الادراك لأن بعض درجات الادراك الحصولي لا يلازمها الايمان وبتعبير آخر علينا معرفة ان الايمان من أفعال العقل النظري أو العملي؟

____________

1- البقرة: 165.


الصفحة 429
ومن الأمور التي تسهل البحث في الحكم في القضايا المدركة أن الحكم طبقا لآخر التحقيقات ليس جزء القضية، فقد ذكر الملا صدرا أن الادراك تارة يلازمه الاذعان فيسمى تصديقا وتارة لا يلازمه فلا يسمى تصديقا، ثم في التحقيقات الاخيرة فسروا الحكم بما تقوم به النفس من دمج المحمول بالموضوع وهو من افعال العقل العملي، ولكنه لا يقوم به إلا مع الادراك والوضوح بنحو يدفع العقل العملي للحكم والاذعان،ومن ثَمّ التسليم والاخبات، فاتضح انه من لوازم الادراك بدرجته العالية.

اما حالة الجحود التي تحصل عند استيقان الحق فهي ناشئة من أمراض النفس من استهواء نزعات الغرائز او جربزة الخيال وانفعالات الوهم الذي يمنع من الانفعال الطبيعي الفطري لليقين، ولذا تقدم - في الفصل الاول - أن اليقين ليس علة تامة للاذعان ولكنه مقتض له.

ومن ثم نستطيع معرفة تعريف الامام أن الايمان هو الحب والبغض لأن الايمان يعني اذعان النفس فإن الحب والبغض من افعال العقل العملي،وهو من درجات العقل العملي فإن الايمان بشىء يعني انجذاب النفس إليه وعدم الايمان بشىء ما هو خلافه فتنفر النفس منه فالنفرة تعني البغض والابتعاد.

وبتعبير آخر نقول: إن افعال العقل العملي والنظري وجهان لعملة واحدة، والحقائق التي يدركها العقل النظري إثباتا لوجودها أو نفيا لها، إذا ادركها العقل العملي بعينها يكون لها آثار أخرى كالحب والبغض.

ومن هنا يتضح ما ذكره أهل المعرفة من الامامية من أن التولي لاولياء الله وهم الائمة (عليه السلام)، والتبري من اعدائهم من مظاهر الجلال والجمال الالهي، وذكرنا أن الجلال والجمال من لوازم الصفات الثبوتية والسلبية للذات الالهية،لأن معرفة الصفات الثبوتية يلازمها المحبة لأنه مفطور على حب الكمال ومعرفة الجلالية يلازمه النفرة والخوف، وقد بينا ملازمة معرفة الذات لمعرفة الامام فمن لوازم

الصفحة 430
الصفات الثبوتية الجمالية الايمان لوليه وانه مهبط لنافذية قدرة الله ومحل لتنزل مشيئة الله تعالى واراداته في مقام الفعل، وفيما ينكره العقل النظري فيوازيه في العملي التبري من اعدائه.

ومنه يتبين أن التولي والتبري بعض درجاته في الاصول وبعضها في الفروع فالذي يكون في القلب من الاصول ويتنزل إلى الجوارح فيكون من الفروع،كما أن المتابعة السياسية ليست وحدها من الفروع بل قبول أقوالهم ومودة اوليائهم ومعاداة اعدائهم في أفعال الجوارح ايضا منها.

وقد ورد عنهم (عليهم السلام): "كذب من يزعم انه يحبنا ويتولى عدونا ويبغض ولينا".

والبرهان عليه بنفس النحو: إذ كيف يمكن للانسان ان يجمع بين الكمال والنقص، ويثبت الصفات الثبوتية ولا يثبت الصفات السلبية لأن الصفات السلبية تعني نفي النقص عن الباري فالجلال لا يمكن ان لا يلازم الجمال ومن ثمّ من لوازم اثبات الجمال والجلال والصفات الثبوتية ونفي السلبية هو اثبات كمال قدرة الباري تعالى بإرسال الرسول وجعل خليفته في الارض الهادي لمراضيه ما دامت النشأة الدنيوية - كما اوضحنا في صدر هذا الفصل كون الامامة ركن من اركان التوحيد - فالتوحيد واثبات القدرة الازلية يستدعي عدم مغلولية بد الباري عن خلقه أي تولي خلفائه في أرضه، كما ان توحيده بنفي الصفات السلبية عنه أي صفات الجلال يعنى الخوف والابتعاد عن قهره ومواطن غضبه بالتبري من اعدائه.

5 ـ إن الحب والولاء محدود بحد وهو عدم الغلو وهو الافراط،وعدم الجفاء وهو التفريط فيجب بيان الحد الذي يجعل الانسان مغاليا أو جافيا قاليا وخارجا عن جادة الصواب؟

قال بعض: بأن من يثبت صفة لهم خارجة عن نطاق البشر يوجب الغلو والخروج عن حد الاستقامة فهو يثبت لهم مقام العصمة العملية والعلمية فقط، وهذا مع انهم انفسهم يرون روايات احاطة أنوارهم لا اجسامهم بالعوالم والنشآت

الصفحة 431
السابقة واللاحقة.

اما اصحاب السر كسلمان ورشيد الهجري ومحمد بن سنان ويونس بن عبد الرحمن وجابر بن يزيد الجعفي وامثالهم فانهم يعتقدون بهم فوق ذلك المقام {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} فالرسول في عين مثليته البشرية للآخرين إلا انه يغايرهم في (يوحى إلي) وأي مغايرة هذه وأي مفارقة. وانهم منذ بدء الخليقة كانوا أنوارا وأنهم مطلعون على عالم الملكوت بما يزيد على الانبياء من اولي العزم، ورواية تفسير الثمانية الذين يحملون العرش أربعة من الاولين وأربعة من الآخرين وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) على يسار العرش، ومحمد (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين على يمين العرش،ومن المعلوم ان اليمين واليسار في الرواية يدل على الدنو وعلو المقام وأنه لا من جهة المكان والأين إذ لا مكان جسماني للعرش الذي هو العلم وقد عرفت في استخلاف آدم أنه يحمل علم الله ما لا تحمله الملائكة،وقد أشير إلى تفسير الثمانية عند العامة (فقد رواه السيوطي في الدر المنثور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحمله اليوم أربعة، ويوم القيامة اربعة، فإن اليوم اشارة إلى من يحملهم من هذه الامة،وقد صرح بأسمائهم في روايات أهل البيت).

وكل الامامية متفقون على ان مستقى علومهم ليس بالعلم الحصولي الاعتيادي بل لهم العلم الواقعي، وانهم مطهرون مبرؤون من العيب والادناس والارجاس، وهذه كلها بعيدة عن الغلو.

فالمقياس العقلي هو أن الخروج بهم عن حد الامكان أو الخروج بصفاتهم عن صفات الممكن هو افراط،وأن كل ما عندهم هو من عند الله العزيز الحكيم الذي اعزهم واقدرهم واعطاهم من نعمه ما لا يحصى، مع بقاء محدودية ذاتهم وانهم معاليل مخلوقون والمعلول لا يبلغ شأن العلة، بل يجب الاعتقاد انهم محتاجون إليه تعالى ولا يوكل اليهم الامور بنحو العزلة والاستقلال - والعياذ بالله - مطلق

الصفحة 432
ومستقل فهم الفقراء إلى الله والله هو الغني المطلق،كما هو البحث والكلام الجاري في ادنى فعل يوجده البشر من أعمال جوارحه أنها باقدار الله لا بنحو التفويض العزلي الباطل.

واما جانب الجفاء والذي يجب الابتعاد عنه ايضا فمعناه هو تنزيلهم عن مقام كرامة الخلقة التي اولاها الباري تعالى لهم،وبيان ذلك على نحو الاجمال:

إن الصوادر الاولى في عالم الخلقة لها صفات لا يقاس بها سائر المخلوقات الاخرى، وهذا يعني ان لهم مقاما، وانهم ليسوا كبقية البشر وبالنسبة إلى باقي الخلق فبينهم بون شاسع، وهم بوجودهم النوري لا بأجسادهم واسطة في الفيض،كما تقدم اثبات ذلك برهانيا في طيات البحوث السابقة قال تعالى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاَءِ} ولم يقل تعالى عرضها أو اسماء هذه فهم ذوات عالية {أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} وقد تقدم شرح ذلك، فكما ان افاضة الحياة في الزرع لا تكون إلا بواسطة مادة البذر وصورة الزرع واعداد التربة فهي في حقيقتها شرائط قابلية القابل ولذا كان الكمال من الباري يتنزل عن طريقهم، وهذا أيضا لعجز القابل المخلوق لا الفاعل جلّ وعلى علوا كبيرا وهذا كله لا يجعلهم شركاء للباري فهل التربة شريكة الله وهل الصورة الزرعية ومادة البذر شريكة الله.

والضابطة الشرعية - المتطابقة مع الضابطة العقلية المتقدمة - المهمة ما ورد مستفيضا أو متواترا على لسانهم (عليهم السلام) "نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم، ولن تبلغوا"(1)، وهناك طوائف عديدة من الروايات التي تثبت هذا المطلب، والمعنى بلسان آخر كما في حديث الرضا "فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام.. ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الالباب وخسئت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الالباء وكلّت الشعراء وعجزت الادباء

____________

1- بصائر الدرجات: 527 / 261.


الصفحة 433
وعييت البلغاء عن وصف شأن من شئونه وفضيلة من فضائله، واقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من امره"(1).

وببيان فقهي نقول: ان المتابعة والتعظيم ليس فيه أي حد من حدود الشرك، بل ان كبار الفقهاء من المسلمين يذكرون أن التعظيم لغير الله لا يكون شركا إذا كان لا عن عبادة، وانه يكون عبادة اصطلاحية وتأليها إذا كان تمام الخضوع مع اعتقاد الاستقلال لذلك لا يجوز، أما إذا كان مع اعتقاد حاجة المخضوع له وفقره إلى الله سبحانه فانه لا يكون عبادة، هذا من جانب الحد الاعلى.

أما من جانب الحد الادنى فإن ادنى درجات الولاء هو المودة والمحبة القلبية وعليه يكون التشفع بهم وزيارتهم والتوسل والدعاء بهم لا يكون عبادة ولا يدخل تحت حد الغلو، قال تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً}(2)، وقال تعالى مخاطبا نبيه {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}(3)، وقال تعالى {أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ}(4)، وقال تعالى {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً}(5)، وقال تعالى {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(6)، قال تعالى {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}(7).

ولابأس بالاشارة مختصرا إلى ان شرك الجاهلية في العبادة كان بالتعظيم

____________

1- أصول الكافي 1: 202.

2- النساء: 64.

3- التوبة: 103.

4- التوبة: 74.

5- يوسف: 93.

6- يوسف: 98.

7- البقرة: 255.


الصفحة 434
والتوسل بأمور من دون جعل الله تعالى وإذنه، والتوحيد في العبادة هو نفي الطقوس التي لم تؤخذ من عند الله سبحانه وتعالى، ونستطيع ان نجد ما يدعم نظرية الامامية في التوسل بهم:

أ - ان الله يأمر بابتغاء الوسيلة إليه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}(1)، وقد تقدمت الاشارة إلى انهم السبيل إلى الله.

ب ـ ان الشفاعة مذكورة بنص القرآن الكريم {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى } والعديد من الآيات وهذا الاستثناء يدل على وجود اصل الشفاعة،والشفاعة تعني كرامة خاصة ومنزلة للشافع عند الله تعالى.

ج ـ انه لا فرق بين الوسيلة ان تكون تصرفا وعملا كالصلاة والصوم لله من اجل تحقيق حاجة معينة، وبين ان تكون بالتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) بل ان آية المائدة المتقدمة تدل على ان الوسيلة هي غير العمل الصالح والتقوى وأنها درجة فوق ذلك.

د ـ ان القرآن ذكر سجود الملائكة لآدم وابناء يعقوب ليوسف سجود احترام لا عبادة.

هـ ـ ان النذر مباح في اصله فقد نذرت والدة مريم ما في بطنها لمكان العبادة، كما ينذر الشيعة لله تعالى الان مالا يختص بالائمة والصالحين أي يصرف في خيراته.

و ـ قوله تعالى {واسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الواردة في العديد من السور القرانية.

ز ـ {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} فوجوده (صلى الله عليه وآله) كان حرزا لهم.

ح ـ {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فلا بد من مطلق التسليم النفسي للرسول فضلا عن عمل الجوارح.

____________

1- المائدة: 35.


الصفحة 435
فوجوب الخضوع للتوقير ثابت في القرآن للرسول الاكرم وهو مغاير للعبادة، والتفريق بينه حيا وميتا مما يضحك الثكلى، و في بعض الروايات لدى العامة والخاصة ان المسلمين كانوا يتبركون بفضل وضوء رسول الله (كما في ما حكاه مندوب مشركي قريش في صلح الحديبية من فعل المسلمين، فلاحظ كتب السير والتاريخ)، و في غزوة خيبر تنص الروايات التاريخية ان الامام علي كان به رمد فدعاه الرسول (صلى الله عليه وآله) وتفل فيها فبرأت، وغير هذا كثير جدا.

بل ان احد مبرزات التودد واظهار محبتهم هو زيارة قبورهم وتعاهدها وغير ذلك، وكل ذلك لكرامتهم عند الله تعالى وشأن قربهم ومنزلتهم عنده وخاصتهم به وصدق مقاعدهم عنده.

ومن مراتب ولايتهم هي الولاية التشريعية بمعنى انهم ليسوا رواة عدول ليس إلا بل ان علومهم مستقاة من معين الغيب وان واسطتهم الروائية هي بالقناة النورية لا بالحس كما في عنعنة النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن ميكائيل عن اسرافيل عن الله تعال، وإن اختلفت القناة النبوية بالوحي والنبوة، وقناتهم بالعلم اللدني الجامع بالكتاب المكنون {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.

وكذلك ولايتهم التكوينية بإذن الله تعالى وقد اشرنا إليها في موارد عدة ونشير هنا إلى بعض الآيات التي تنص على وجود ولاية تكوينية للبعض منها قوله تعالى {إِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم

الصفحة 436
بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ}(1)، {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمَـحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب}(2)، {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوء فِي تِسْعِ آيَات إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}(3)، {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَـانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}(4)، {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبِّي}(5).


أخيرا.. فإن من الواجب على الانسان الذي يوالي ائمة الهدى ان يثبت لهم هذه المقامات العلوية عند الله من دون ان يكون هناك تحفظ او تردد في احدها، فهم خلفاء الله في ارضه وآيات قدرة الله الواسعة التي لا يحدها شيء يؤتيها من يشاء من عباده وهو تعالى أقدر بلا كفو على الشيء الذي يؤتيه.

وهؤلاء هم الذين عرفوا الله حق معرفته واستحقوا بذلك تلك المقامات وهم على ما هم عليه من المنزلة الرفيعة في جميع عالم الوجود إلا انهم يستشعرون النقص والفقر والعبودية اتجاه الذات المقدسة وانهم دونها منزلة وهل يقاس برب الارباب شيء؟! ولذا نرى عبادتهم - التي لم يبلغها بشركما وكيفا - تتناسب مع قدر معرفتهم بربهم، وعظيم تذللهم - الذي لا يُرى لأحد غيرهم - لعلمهم أنهم امام العليم الجليل.

____________

1- المائدة: 110.

2- آل عمران: 37.

3- النمل: 11.

4- النمل: 17.

5- النمل: 40.