2 - ومن أئمة التفسير:
الطبري، والبغوي، والنسفي، وأبو حيان الأندلسي، والبيضاوي، والمهايمي (1)، وأبو السعود، والثعالبي (2).
والشوكاني، أيضا وقال: والمولى في الأصل من يتولى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن يلازمه (3).
والرازي أيضا، وقال: المولى بمعنى الرئيس أليق (4).
3 - ومن غيرهم:
البخاري (5)، والفقيه المالكي علي بن محمد بن الصباغ، وقال:
قال العلماء: لفظة (المولى) مستعملة بإزاء معان كثيرة متعددة، وقد ورد القرآن الكريم بها:
فتارة يكون بمعنى: أولى. قال الله تعالى في حق المنافقين (مأواكم النار هي مولاكم) معناه: أولى بكم (6).
ومنهم سبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 هـ (7).
____________
(1) هو علي بن أحمد بن إبراهيم المهايمي (835) هـ صاحب التفسير المسمى (تبصير الرحمن وتيسير المنان).
(2) ذكر ذلك كل في تفسيره عند الآية 15، من سورة الحديد.
(3) في تفسيره (فتح القدير) 5: 171 - سورة الحديد: 15 -.
(4) تفسير الرازي 23: 15 - عند قوله تعالى (لبئس المولى ولبئس العشير) في سورة الحج: 13.
(5) في صحيحه - كتاب التفسير (سورة الحديد) - 6: 259.
(6) في كتابه: الفصول المهمة: 43.
(7) تذكرة الخواص: 32.
أي أولى الناس بها.
وقول الكميت:
4 - وفي الحديث النبوي الشريف ما هو أظهر من ذلك كله:
فقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرأوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه " (1).
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " والذي نفس محمد بيده إن على الأرض من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به، فأيكم ترك دينا، أو ضياعا فأنا مولاه " (2).
____________
(1) صحيح البخاري - الاستقراض - 3: 238 / 15 و - التفسير - 6: 210 / 275، فتح الباري 12:
7.
(2) صحيح مسلم - كتاب الفرائض - 3: 1238 / 15، سنن الدارمي - البيوع -: 263، كنز العمال 11: 13 / 30413.
قال في لسان العرب: بغير إذن مولاها - وفي رواية وليها - أي متولي أمرها (2). وفي كل ما تقدم من أمثلة جاء (المولى) بمعنى: الأولى بالأمر، والأولى بالتصرف، بلا خلاف. فهل غاب ذلك كله عن شيخنا المفسر، أم تغافل عنه لأمر يبتغيه؟
ولقد كان أقل ما ينبغي عليه ملاحظته ما أثبته الرازي في تفسيره، إذ قال:
قال الكلبي (3): (هي مولاكم) يعني أولى بكم، وهو قول: الزجاج، والفراء وأبي عبيدة (4). فذكر الرازي أربعة لم يذكر منهم شيخنا سوى أبي عبيدة، فهل يمكننا أن نقول هنا أيضا إنه لم يطلع على تفسير الرازي؟!
- قال: والثاني: أنا لو سلمنا بأن المولى بمعنى الأولى، لا يلزم أن يكون صلته بالتصرف، بل يحتمل أن يكون المراد: أولى بالمحبة، وأولى بالتعظيم، ونحو ذلك.
على أن لنا قرينتين على أن المراد من الولاية من لفظ (المولى) أو (الأولى) المحبة:
____________
(1) مسند أحمد 6: 47، سنن أبي داود 2: 229 / 2083، سنن الترمذي - النكاح - 3: 407 / 1102 سنن الدارمي 2: 137.
(2) لسان العرب (ولي) 15: 407.
(3) هو محمد بن السائب الكلبي، أبو النضر: نسابة، راوية، عالم بالتفسير والأخبار وأيام العرب، قال النسائي: حدث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير، توفي بالكوفة (146 هـ).. الأعلام 6:
133.
(4) تفسير الرازي: 29 و 227.
وللتلطف المذكور افتتح الخطبة بقوله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ".
وثانيهما: قوله صلى الله عليه وآله وسلم على ما في بعض الروايات:
" اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
فإنه لو كان المراد من المولى المتصرف في الأمور، أو الأولى بالتصرف، لقال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم وال من كان في تصرفه، وعاد من لم يكن كذلك، فحيث ذكر النبي المحبة والعداوة فقد نبه على أن المراد إيجاب محبته كرم الله وجهه، والتحذير من عداوته وبغضه، لا التصرف وعدمه.
ولو كان المراد الخلافة لصرح صلى الله عليه وسلم بها، ويدل على ذلك ما رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط (رض) أنهم سألوه عن هذا الخبر: هل هو نص على خلافة الأمير كرم الله وجهه؟
فقال: لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد خلافته، لقال: أيها الناس، هذا ولي أمري، والقائم عليكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: وأيضا ربما يستدل على أن المراد بالولاية المحبة، بأنه لم يقع التقييد بلفظ (بعدي) والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في زمان واحد، ولا يتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف، بخلاف ما إذا كان المراد المحبة.
وقال: وتمسك [ آخرون ] في إثبات أن المراد بالمولى الأولى بالتصرف،
بل قد يقال: الأولى هنا مشتق من الولاية بمعنى المحبة، والمعنى:
ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم؟ ليحصل تلاؤم أجزاء الكلام، ويحسن الانتظام، ويكون حاصل المعنى هكذا:
يا معشر المؤمنين، إنكم تحبونني أكثر من أنفسكم، فمن يحبني يحب عليا، اللهم أحب من أحبه، وعاد من عاداه. انتهى.
- ومع يقيننا بأن كل ذي حصافة ونظر قد شخصت بعينيه مواضع الضعف والاضطراب في هذا الكلام، سنورد في الجواب عليه ما يلي:
1 - إن التكلف والإعياء الظاهرين في الفقرة الأخيرة يكفيانا عناء التفصيل في الرد على إشكالاته حول كلمة (ولي) بأكثر مما قدمناه، فهو - كما لا يخفى ظاهر في إرادته قلب المعنى، فتراه يشتق " أولى " من " مولى " ويقول:
بهذا يحصل تلاؤم أجزاء الكلام، ويحسن الانتظام!
فهو عندما أراد أن يصوغ المعنى بما يطابق مذهبه اشتق " الأولى " من " مولى " على عكس ترتيبهما في النص، ولكنه لم يفكر في اشتقاق " مولى " من " أولى " ليستقيم المعنى كما أراده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
حيث قدم في النص الشريف كلمة " أولى " ثم عطف بكلمة " مولى " ليتضح أن المراد هو أن تكون الأولى دليلا على الثانية، وأن تشتق الثانية من الأولى وتأتي على ما يوافقها من معنى، وعندها فقط يستقيم المعنى وينتظم الكلام، وينسجم مع القرائن العديدة التي تقدم ذكرها، ومع المعنى الظاهر الذي يتبادر إلى الأذهان لكل من يقرأ هذا النص الشريف ويعلم أنه من كلام سيد الفصحاء الذي يجنب أمته أبدا الوقوع في المتشابه من الكلام - وخصوصا
ومع هذا فقد زاده ظهورا هنا عندما صدره بقوله: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ".
2 - قول الشيخ: على ما في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فلو كان المراد أولوية التصرف والخلافة لقال...
فقد اعتمد إذن فيما ذهب إليه على تلك الفقرة الموجودة في بعض الروايات على حد تعبيره، وكما صرح الذهبي بقوله: أما صدر الحديث فمتواتر أتيقن أن رسول الله قد قاله، وأما " اللهم وال من والاه... " فزيادة قوية الإسناد.
فكيف بالروايات الأخرى التي لم تتضمن هذه الزيادة، فهل سيوافق الشيخ الآلوسي على دلالتها على الأولوية في التصرف والخلافة؟
3 - ويمكن أن يقال إن هذه الزيادة لا تستلزم أن تكون قرينة على ما ذكر هو، لأن الحب والبغض هما أساسان للإطاعة والعصيان، فمن أطاعه فقد أحبه، ولا يعصيه إلا من أبغضه، فيكون دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم بتأييد الله تعالى لمن امتلك مقدمة الطاعة وأساسها، وبالعداء لمن جمع في صدره أساس العداء، وهو البغض.
وفي هذا من البلاغة ما لا يخفى على الآلوسي الأديب!
4 - ولعل من أعجب ما في كلامه تلك العبارة التي انتخبها - بعد الجهد - لتكون بديلا عن هذا النص النبوي المحكم الشريف، فقال:
فيكون حاصل المعنى: يا معشر المؤمنين، إنكم تحبونني أكثر من أنفسكم، فمن يحبني يحب عليا..!
وهل يستدعي هذا المعنى الذي توصل إليه الشيخ كل هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيوقف مائة ألف مسلم، بعد ما تحملوه من مشاق الحج وعناء الطريق، يوقفهم في صحراء الجزيرة، وقت الظهيرة، فيأمر برد المتقدم، وانتظار المتأخر، كل ذلك لأجل أن يقول لهم: إنكم تحبونني، ومن يحبني يحب عليا؟!
أو ليقول - كما في تأويل آخر -: من كنت نصيره فعلي نصيره؟!
اللهم إلا أن يكون كما وصفه الشيخ الآلوسي: مبالغة كما هو شأنه صلى الله عليه وآله وسلم!!
أما نحن فنقول: حاش له صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون شأنه المبالغة، ليوقع الأمة في هذا الاختلاط والاضطراب، وإنما كان حكيما في قوله هذا كما هو شأنه صلى الله عليه وآله وسلم في سائر أقواله وأفعاله.
فعندما يكون البلاغ لأمر عظيم، فليس هناك وقت، ولا مكان أنسب من هذا الذي انتخبه ليجمع فيه أكبر عدد من المسلمين، وعند مفترق طرقهم، ولحظة وداعهم الأخير له صلى الله عليه وآله وسلم فيبدأ بقوله: " إنما أنا بشر يوشك أن أدعى فأجيب ".
ثم يختم بقوله: " هل بلغت، اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب ".
فكيف لا نعجب لمن يذهب إلى ذلك التأويل!
5 - ويوم قام الإمام علي عليه السلام في مسجده بالكوفة مناشدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " إلا قام فشهد، ولا يقوم إلا من رآه بعينه، وسمعه بأذنه، فهل أراد بذلك أن يشهدوا له بأن
فهذا أمر هو من أوضح الواضحات، ولم يجحده حتى أشدهم عداء لعلي عليه السلام وهم يرفعون السيوف بوجهه! وليست المبالغة في إيضاح الواضحات من شأن العقلاء، فكيف يمكن أن نتصورها من أعظم الناس عقلا وحكمة:
رسول الله، وعلي ابن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام؟!
6 - وأعجب من ذلك البديل الآخر الذي انتخبه، فقال: لو كان المراد الأولى بالتصرف، لقال: اللهم وال من كان في تصرفه، وعاد من لم يكن كذلك!
وهل يطمئن شيخنا نفسه لهذا الكلام؟
وهل ينسجم هذا مع بيان العرب، فضلا عن فصاحة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟
ومثله، ذكره الرواية المنسوبة إلى الحسن المثنى، حيث اشترط أن يقول النبي: هو وليكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا.
فهل كان النبي يلقن جهالا، لا يفهمون العربية!
فمن ناحية: أن المعنى ظاهر لا يستدعي هذا التكلف.
ومن ناحية أخرى: أن معنى الطاعة داخل في الولاية، فلا معنى للولاية من غير طاعة.
ومن ناحية ثالثة: أن مثل هذه الرواية الواحدة، المرسلة، المبهمة، المجهولة، لو كانت في فضائل أهل البيت عليهم السلام لضرب بها وبرواتها الأرض، ألا تراه كيف يتعامل مع نص ثبت تواتره في حقهم؟ ولكنها لما كانت بخلاف ذلك احتج بها، وهذا دليل على أنه لم يجد ما يشفع به قوله سواها! وهو كاف في رد حجته.
ومن ناحية رابعة: بفرض أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: هو
فمن قال: لا، لاحتمال تأويل آخر، فهذا ليس لنا معه كلام، حتى يجدد إيمانه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما من قال نعم، فنقول له: اعلم إذن أنه قالها مرة بعد مرة.
فقد مر عليك في قصص الشكوى كلها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي ".
وقوله: " فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي ".
وقد صح الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: " أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة " وفي رواية " أنت وليي في كل مؤمن بعدي " (1).
وأما الطاعة، فقد ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني " (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيه أيضا: " إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا " (3).
7 - وأما قوله بأن هذه الخطبة إنما جاءت ردا على الشكوى التي تقدم بها بعض الأصحاب، فهو:
____________
(1) مسند أحمد 1: 331، المستدرك 3: 134، الإستيعاب 3: 28، الإصابة 4: 270، الخصائص للنسائي: 9، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 1: 205 / 250، البداية والنهاية 7: 351.
(2) المستدرك 3: 121 و 128 وقال مع كل منهما: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في التلخيص، والترجمة من تاريخ ابن عساكر 2: 266 / 793 - 795، الرياض النضرة 3:
122، ذخائر العقبى 65 - 66، فرائد السمطين 1: 179 / 142، كنز العمال 11 ح / 32973.
(3) في حديث الدار، وقد تقدم مع ذكر أهم مصادره.
ثانيا: قد أضاف فيه غلطا عجيبا، بقوله: ولم يمنع صلى الله عليه وآله وسلم الشاكين بخصوصهم - أثناء الشكوى - والصحيح أنه منعهم بخصوصهم في كل مرة كما هو ظاهر في نصوصها.
وثالثا: فإن هذا الإحتجاج هو دليل ساطع على توفر القناعة لديه بأن النص في الغدير يدل دلالة واضحة على ولاية الأمر والتصرف، لذا فهو يحاول أن يجعله مضافا إلى سبب واحد، ليقيد المعنى به، ويجعله قرينة لصرف المعنى عن ظاهره، وهو واضح.
بقي قوله: والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في وقت واحد، ولا يتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف، بخلاف ما إذا كان المراد المحبة.
وجوابه: أن ولاية علي عليه السلام إنما هي فرع لولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي هي الأصل، كما في الأصيل والوكيل، والوالي والنائب عنه، والمراد أنه الأولى بالإمامة بعده بقرينة الإخبار عن قرب موته صلى الله عليه وآله وسلم.
وكما في النص المتقدم " أنت ولي كل مؤمن بعدي " و " هو وليكم بعدي ".
وهناك قول آخر تمسك به بعضهم، ونذكره هنا على قناعتنا بكونه (طريفة) أكثر من كونه رأيا وعقيدة.
وخلاصته: أننا لو سلمنا بأن المراد من النص أنه عليه السلام أولى بالإمامة، فالمراد: المآل، وليس الحال. فكأن المراد أنه أولى بالإمامة حين يوجد عقد البيعة له، فلا ينافي حينئذ تقديم الأئمة الثلاثة عليه، وبهذا تحفظ كرامة السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين.
أولا: ما الفرق إذن بين أن يقول صلى الله عليه وآله وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " أو أن يذكر أي شخص آخر، عندما يكون المعنى - كما يزعم - أنكم إذا عقدتم له البيعة فهو وليكم، وإلا فلا ولاية له عليكم!
هراء، ورب الكعبة.
ثانيا: إن هذا التأويل يأباه النص تماما، حيث يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " وعليه فكل من كان داخلا في ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو داخل في ولاية علي عليه السلام، بما فيهم الخلفاء الثلاثة.
ثالثا: بناء على تأويلهم هذا فإن كل من مات من الصحابة قبل خلافة علي عليه السلام لم يكن داخلا في ولاية رسول الله، بما في ذلك الخلفاء الثلاثة!
وهذا أشد عليهم وأدهى، ألم ينظروا إلى النص الذي يجتهدون في تأويله، والذي يقول: من كان رسول الله مولاه فعلي مولاه؟
رابعا: إن القول بولاية علي عليه السلام بعد وفاة النبي مباشرة، أمر لا يحتاج إلى كثير إيضاح، اعتمادا على النص، وعلى العهد المعلوم لكافة الأنبياء مع أوصيائهم.
وخامسا: ثم ماذا أبقوا - بهذا التأويل - من الفضائل التي زعموا أن هذه الخطبة إنما جاءت لأجل بيانها، وحسب؟
ولا عجب، عندما يكون الإيمان بأشخاص بأعيانهم أكبر وأعلى من الإيمان بالحق الذي يقره الله ورسوله! وهذا هو السر وراء كل تلك التأويلات، ألا تراهم يصرحون به، بقولهم: وبهذا تحفظ كرامة السلف الصالح؟
وهب أنه يمكن موافقتهم على هذا المستوى لحفظ من يمكن حفظه فيه، فلنأت إذن إلى المعنى الذي انتخبوه، بقولهم: فالمعنى (من يحبني يحب عليا، اللهم أحب من أحبه، وعاد من عاداه) فهل ترى أن من حفظوه في الأولى قد
هل رعوها يوم الجمل؟
أم يوم صفين؟
فإذا كان هذا المعنى أيضا لم يحفظ، فإلى أين سنذهب بالحديث؟
وإلى أين سنذهب بعشرات النصوص الأخرى؟
ومنها:
هذا النص:
الذي يستشهد به ابن حجر (1)، فيقول: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " وقفوهم إنهم مسؤولون) (2) عن ولاية علي بن أبي طالب "؟
قال: وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالى (وقفوهم إنهم مسؤولون) أي عن ولاية علي وأهل البيت، لأن الله أمر نبيه أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في القربى.
والمعنى: أنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أم أضاعوها وأهملوها، فتكون عليهم المطالبة والتبعة (3)؟
____________
(1) في الصواعق باب 11 فصل 1: 149 - الآية الرابعة -.
(2) الصافات: 24.
(3) رواه عن الواحدي غير ابن حجر:
2 - الجويني، المتوفى 730 هـ في فرائد السمطين 1: 79 / 47.
3 - أبو بكر الحضرمي 922 هـ في رشفة الصادي: 24.
ورواه آخرون بالواسطة، تركت ذكرهم لعدم عثوري على المصادر التي اعتمدوها، والتي نقلت عن الواحدي مباشرة، لأني قد أخذت على نفسي ألا أعتمد النقل بالواسطة ما تيسر لي ذلك.
تنبيه: إن الذين نقلوا عن الواحدي لم يذكروا من أي كتاب نقلوا، والذي يتوفر بين أيدينا من
=>
____________
<=
كتبه كتابه المشهور: أسباب النزول، والذي أثار استغرابي أن سورة الصافات - التي منها الآية
موضوع البحث - قد اختفت كلها من هذا الكتاب في جميع طبعاته!
بقي أن يكونوا قد نقلوا عن أحد كتبه الأخرى، ولقد ذكر أصحاب التراجم ثلاثة كتب في التفسير
للواحدي هي: البسيط، والوسيط، والوجيز.
وذكر أن (الوجيز) قد طبع بمصر سنة 1305 بهامش (التفسير المنير لمعالم التنزيل) المسمى
مراح لبيد بكشف معنى قرآن مجيد. تأليف الشيخ محمد نوري الجادي. أنظر: سير أعلام النبلاء
18: 339 / 160، كشف الظنون 1: 76، 245، هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين:
المجلد الأول: 693، معجم المؤلفين 7: 26.
نعود الآن لذكر مصادر أخرى للحديث: فقد رواه بهذا النص - عن طرق أخرى - أيضا:
4: الحاكم في شواهد التنزيل 2: 106 / 785 - 790 عن أبي سعيد الخدري، وابن عباس.
5 - الخوارزمي في المناقب: 195 عن أبي إسحاق.
6 - الحافظ الكنجي في كفاية الطالب: 247.
7 - النور المشتعل المقتبس من كتاب (ما نزل من القرآن في علي عليه السلام) للحافظ أبي نعيم
الأصبهاني: 196 / 53.
8 - الحبري في تفسيره: 312 / 60
9 - تذكرة الخواص: 17.
10 - ينابيع المودة 1: 238، 257، 295.
11 - الآلوسي في روح المعاني، عند تفسيره الآية، إلا أنه قال: روى الإمامية... وذكر الحديث،
ثم عاد فأقره، وإما نسبته إلى الإمامية وحدهم فهو كما ترى! فالمصادر العشرة التي تقدم ذكرها عليه
ليس فيها واحد من مصادر الإمامية!!
أما رواية الديلمي، التي افتتح بها ابن حجر الكلام، فقال: أخرج الديلمي عن أبي سعيد
الخدري... فقد أخرجها عن الديلمي أيضا بإسنادها: ابن البطريق (533 - 600 هـ) في كتابيه:
1 - خصائص الوحي المبين: 121.
2 - عمدة عيون صحاح الأخبار: 301.
فقال: من كتاب الفردوس - فردوس الأخبار - لابن شيرويه الديلمي، في الجزء الثاني، من قافية
(الواو).
ولكن من يدري كم يد - أمينة - مرت على (الفردوس) فأثبتت منه ما تشاء، وحسب!
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " استوصوا بأهل بيتي خيرا، فإني أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار ".
ومثله ما تقدم في حديث الثقلين: " وإني سائلكم غدا عن الثقلين ".
وهذا النص:
في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " يا علي، أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي " (2).
وهذا النص:
عن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل " (3).
فهو يفصل هنا بين الولاية والمحبة، فالولاية شئ، ومجرد المحبة شئ آخر.
ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قدم الولاية، فأمر بها، ثم عقب
____________
(1) في الصواعق المحرقة: باب 11 فصل 1: 150، وأخرجه المحب الطبري في الذخائر: 18.
(2) المستدرك 3: 122 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، حلية الأولياء 1: 64، ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر 2: 486 / 1014 - 1018، المناقب للخوارزمي: 236، كنز العمال 11 / 32983.
(3) الترجمة من تاريخ ابن عساكر 2 / 597 و 598 بهذا النص، ونصوص أخرى بين صفحة 91 - 97 منه، مجمع الزوائد 9: 109، المناقب لابن المغازلي: 230، فرائد السمطين 1: 391 / 229، كنز العمال 11 / 32953، والمنتخب من كنز العمال بهامش مسند أحمد 5: 32.
وهو كاف في الرد على أصحاب تلك الشبهة - الذين فسروا المولى بالحبيب - غير أنا لم نذكره هناك لئلا يتوهم أحد أنه هو دليلنا الوحيد في الرد عليهم، فآثرنا الرد من بطون حججهم، ومن نص الغدير أيضا، ثم أتينا بهذا الحديث الصحيح هنا كالشاهد على ما نقول.
وهذا النص:
قال صلى الله عليه وآله وسلم: " من أحب أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة " (1).
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 3: 128 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، لسان الميزان 2 : 34، مجمع الزوائد 9: 108، ترجمة الإمام من تاريخ ابن عساكر 2: 98 / 603 - 605، المناقب للخوارزمي: 34، كنز العمال 11: 611 / 32960، ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد 5: 32.
وأخرجه العسقلاني في الإصابة عند ترجمة زياد بن مطرف، وقال: في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه انتهى.
وهذا خطأ ولعله من خطأ النساخ، إذ إن يحيى بن يعلى المحاربي هو من رجال الصحاح إلا الترمذي وأما المعني هنا فهو يحيى بن يعلى الأسلمي الذي ورد في أحد طرق الحديث، وقد أتهم بالتشيع، فضعف لذلك والغريب أن الذين طعنوه قالوا: ضعفه البخاري، والصحيح أن البخاري لم يذكره في كتاب الضعفاء فيمن ذكر، وعندما ترجم له في التاريخ الكبير لم يشر من قريب أو بعيد إلى ما يفيد ذلك، بل اكتفى بقوله: يحيى بن يعلى الأسلمي القطواني كوفي، سمع حياة (بن شريح) وقطوان موضع. انتهى!
(التاريخ الكبير 8: 311 ترجمة 3138). وأما الحاكم فقد وثقه.
ثم إن الحديث قد ورد من عدة طرق أخرى ليس فيها يحيى بن يعلى الأسلمي، ومنها:
1 - في تاريخ دمشق - ترجمة الإمام علي - ح / 604.
2 - في مناقب الخوارزمي - من طريق ثالث - ص: 34.
3 - في تاريخ دمشق أيضا: ح / 603 وفي أوله: " من سره أن يحيا حياتي ".
4 - في لسان الميزان - من طريق خامس - 2: 34 وأوله: " من سره " الحديث.
فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين بهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي " (1).
ومن هذه النصوص الشريفة ونظائرها نفهم بوضوح قول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو على فراش الموت، يودع الدنيا، ويستقبل الآخرة، إذ قال:
(اللهم، إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب) (2).
8 - قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم الراكعون) (3).
وإجماع المفسرين وأهل الحديث، على أنها نزلت في علي بن أبي طالب، حين تصدق بخاتمه وهو راكع.
قال الآلوسي (4): وغالب الإخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله وجهه.
ثم ذكر فيها عدة روايات، إلى أن قال، فيما رواه عن ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - للسائل -: " فهل أعطاك أحد شيئا؟
____________
(1) ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 9: 170 - الخبر الثاني عشر، حلية الأولياء 1: 86، كنز العمال 12: 103 / 24198، ومنتخب الكنز 5: 94.
(2) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2: 662 / 1139، والمحب الطبري في الرياض النضرة 3: 130.
(3) المائدة: 55.
(4) في روح المعاني عند هذه الآية.
فقال له: " على أي حال أعطاك؟ ".
قال وهو راكع.
فكبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تلا هذه الآية، فأنشأ حسان (رض) يقول:
ثم روى لابن الجوزي، وقد سألوه: كيف تصدق علي بالخاتم، والظن فيه أن له شغلا شاغلا فيها - أي الصلاة -؟
____________
(1) هكذا وردت الأبيات في هذا المصدر، وهناك اختلافات يسيرة في مصادر أخرى، أنظر: فرائد السمطين 1: 189 - 190 / 150، المناقب للخوارزمي 186، تذكرة الخواص: 15 - 16، كفاية الطالب 228 - 229.
وأما الثعلبي فيروي (1) حديث أبي ذر الغفاري (رض) الذي يقول فيه:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا، يقول: " علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله " أما إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي راكعا، فأومأ بخنصره إليه - وكان يتختم بها - فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره.
فتضرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل يدعوه، فقال:
" اللهم إن أخي موسى سألك، قال: (رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا) (2).
فأوحيت إليه: (قد أوتيت سؤلك يا موسى) (3).
____________
(1) في تفسيره الكبير عند هذه الآية من سورة المائدة.
(2) طه: 25 - 35.
(3) طه: 36.
قال أبو ذر فوالله ما استتم رسول الله صلى الله عليه وآله الكلمة، حتى هبط عليه الأمين جبرئيل بهذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (1).
وممن روى نزولها في علي عليه السلام أيضا: الشوكاني عن عدة مصادر (2)، وأبي السعود (3)، والواحدي (4)، والسيوطي (5)، والزمخشري (6)، والبغوي (7)، والجزري (8)، وسائر أصحاب المناقب والتفاسير.
وخلاصته القول هنا:
1 - أن سائر المسلمين يتفقون على نزولها في علي بن أبي طالب خاصة (9).
2 - أنها تصرح بصريح العبارة على ولاية الأمر، التي هي الإمامة.
____________
(1) وممن أخرج مثل هذا النص أيضا: الرازي في تفسيره 12: 26، أحمد في الفضائل 2: 678 / 1158 والحاكم في شواهد التنزيل ح / 235، والمتقي في كنز العمال 11 / 32909، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: 15.
(2) فقد قال في تفسيره (فتح القدير): أخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس - نزولها في علي -، وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب نحوه.
(3) في تفسيره 2: 52.
(4) في أسباب النزول: 114.
(5) لباب النقول في أسباب النزول: 93.
(6) في تفسيره الكشاف 1: 649.
(7) في تفسيره (معالم التنزيل) 2: 272.
(8) في جامع الأصول 9: 478 / 6503.
(9) وهذا ظاهر من ملاحظة المصادر التي ذكرناها.
وإنما استنتجوا هذا من قولهم بعدم جواز تحقق إمامته زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم! وكأنهم غفلوا تماما عن طبيعة العهود التي تكون للأوصياء مع الأنبياء، أو حتى لولي العهد مع الرئيس، أو الملك في دولته! وقد تقدم الكلام حول هذه النقطة مفصلا.
4 - ربما تعلق بعضهم بأن الآية جاءت بصيغة الجمع، فلا يمكن انطباقها على فرد واحد بعينه.
وهذه شبهة واهية، إذ لا يخفى على كل من تكلم بلغة الضاد أن العرب يخاطبون الفرد بصيغة الجمع تكريما وتعظيما، وهو كثير جدا في لغتنا، بل كثير أيضا استعمال المتكلم هذه الصيغة في نسبة الفعل إلى نفسه، وهذا من أشهر المشهورات، ومع هذا نذكر ردا آخر اختاره الزمخشري في تفسيره، إذ قال:
فإن قلت: كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه، واللفظ لفظ جماعة؟
قلت: جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله (1).
والأمر بين لمن كان الدين الحق همه وبغيته، وليس البحث عن أي تأويل يوافق رغبته! وإلا، فقد كان في كل واحد من النصوص التي عرضناها حجة
____________
(1) تفسير الزمخشري 1: 649.
ومع هذا: نقول: إنها ستنتفي الحاجة إلى كل ما أطلنا حوله الكلام، عندما توصد كل الأبواب أمام التأويل، وذلك عندما يبدو لنا أن نص خطبة الغدير - الذي ما زلنا بصدده - قد وقع بين آيتين من آيات القرآن المجيد..
9 - آيتان في القرآن:
الأولى:
قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (1).
فقد روى الواحدي من طريق الأعمش، بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: نزلت هذه الآية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) يوم غدير خم، في علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2).
وفي الدر المنثور، وفتح القدير، كليهما عن ابن مسعود، قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) أن عليا مولى المؤمنين (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (3).
وفي فتح القدير (4)، وتفسير المنار (5): أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه
____________
(1) المائدة: 67.
(2) أسباب النزول: 115.
(3) الدر المنثور 3: 117، فتح القدير للشوكاني 2: 60.
(4) للشوكاني 2: 60.
(5) لمحمد رشيد رضا 6: 463.
أما الحاكم الحسكاني، فقد ذكر لهذا الحديث طرقا عديدة، بأسانيد متصلة (1)، ثم قال: وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب (دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة) من تصنيفي، في عشرة أجزاء (2).
وممن ذكر ذلك: الآلوسي، إلا أنه - كعادته - نسبه إلى الإمامية وحدهم!
- نعم، قد ذكروا حكايات أخرى كثيرة في سبب نزول هذه الآية، لكنها - والحق يقال - حكايات متضاربة، متباينة، بل ومضطربة، توحي نظرة إليها أنها صنعت من النص الشريف، ولم تكن سببا في نزوله، إما على عادة بعضهم في ابتكار أسباب لنزول الآيات مما توحي به الآيات نفسها!
وإما عن قصد يرجى من ورائه تقليل أهمية السبب الصحيح والمباشر لنزولها! وكلاهما ليس ببعيد، فانظر فيما قالوا:
قالوا: إن أبا طالب كان يرسل مع النبي رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية: (والله يعصمك من الناس)، فأخبرهم بذلك، فتركوا حراسته (3).
وقالوا: عن عائشة أم المؤمنين: أنه كان يحرس، وكان معها - أي في بيتها - يسهر حتى يأتي من يحرسه، فينام حتى تسمع غطيطه، فلما نزلت الآية أخرج رأسه من الطاقة، فصرفه (4).
____________
(1) شواهد التنزيل 1: 188 - 193 عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي إسحاق الحميدي، وأبي هريرة، وأبي جعفر محمد بن علي.
(2) شواهد التنزيل 1: 190
(3) أنظر تفسير الطبري، وابن كثير، والآلوسي، والزمخشري.
(4) المصادر المتقدمة في هامش (3).
وعلى الثاني أنها نزلت بعد الهجرة، وبعد زواجه صلى الله عليه وآله وسلم من عائشة!
ثم انظر إلى ما في تفسير المنار (1)، إذ يقول: وأما المتبادر من الآية، فالظاهر أنه الأمر بالتبليغ في أول الإسلام، ولولاه لاحتمل أن يكون المراد به تبليغ أهل الكتاب ما بعد هذه الآية. انتهى.
لاحظ فيه هذه العبارات: (أما المتبادر) (فالظاهر) (ولولاه) (لاحتمل)!
وأغرب من هذا التردد، ما قطع به المراغي من كون هذه الآية مكية!
إذ قال: وقد وضعت هذه الآية - وهي مكية - في سياق تبليغ أهل الكتاب - وهو مدني - لتدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عرضة لإيذائهم أيضا، وأن الله تعالى عصمه من كيدهم (2).
واقرأ بعده قول الثعالبي (3): ولعلمائنا في الآية تأويلات، أصحها: أن العصمة عامة في كل مكروه، وأن الآية نزلت بعد أن شج وجهه، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وآله وسلم.
ومثل هذا تماما ما قاله الزمخشري (4).
وأما ابن كثير، فقد ذكر الروايات التي ترجع إلى التبليغ أول الإسلام،
____________
(1) 6: 467.
(2) تفسير المراغي 6: 160.
(3) في تفسيره 1: 476.