الصفحة 379
ورود ثم في حالة عطفها جملة على جملة، فهي للمهلة الرتبية معروف ومشهور في القرآن الكريم ولغة العرب، والله سبحانه يقول: (ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أبعث حيا أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا، فوربك لنحشرنهم والشياطين، ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا، ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا).

فهل يقال إن الله لم يعلم بالذين أولى بها صليا إلا بعد ما وقع مما ذكره من إنكار الكفار دخول النار؟ لا والله، وإنما ذلك للمهلة الرتبية، فثم هنا، دالة على المهلة الرتبية، وليست دالة على المهلة الزمنية.

ونحو هذا قوله سبحانه وتعالى (ثم ننجي الذين اتقوا)، وكذلك قول الحق تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فهذه الآية تدل على أن قول الله سبحانه وتعالى للملائكة متأخر على خلقه وتصويره إن حملت فيه ثم على المهلة الزمنية، وذلك يتنافى مع قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة إني خالق بشرا من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وإنما يجمع ما بين الآيتين إن، ثم في قوله (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) للمهلة الرتبة وليست للمهلة الزمنية.

وكذلك يقال في قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) والأدلة واضحة جلية في أن الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء والقهر، وليس بمعنى القعود.

والأدلة العقلية والنقلية دالة على ذلك من استحالة أن الله سبحانه وتعالى متحيزا (كذا) إذ لو كان الله عز وجل متحيزا للزم أن يكون محدودا، وإذا

الصفحة 380
كان محدودا يتوجه السؤال: هل يمكن أن يزيد في ذاته أو لا، يمكن أن يزيد في ذاته؟

وإن قيل: لا يمكن أن يزيد في ذاته فهو عاجز، والعاجز ليس بإله، وإن قيل: يمكن أن يزيد في ذاته فهو متغير، وكل متغير ليس بإله، لأن كل متغير حادث.

ثم إن الفضاء الذي يزيد فيه هل هو عينه، أو غيره؟

فإن قيل: هو غيره، فالشئ لا يزيد في نفسه، وإن قيل: هو غيره فلزم افتقاره إلى غيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

فالله قد كان قبل خلق الزمان والمكان، وهو الآن على ما عليه كان، فكما أنه لا يجري عليه زمان كذلك لا يحل في مكان.

فالله سبحانه وتعالى لو كان حالا في مكان للزم أن يكون ذلك المكان سابقا قبل وجود ذات الله سبحانه فيكون أحق بالألوهية منه سبحانه، تعالى الله عن ذلك، وأما أن يكون موجودا مع الله تعالى مشاركا له في القدم، فيكون مشاركا لله سبحانه في الألوهية لمشاركته في القدم.

وإما أن يكون حادثا، وإذا كان حادثا يتوجه السؤال عن المكان الذي كان فيه قبل خلق ذلك المكان، فيقال أين كان قبل خلق المكان، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

انتهى جواب سماحته، وعذرا إذا كانت هناك أخطاء في الكتابة.

وإلى لقاء مع الوقفة الرابعة: نفي الجوارح....

إلى آخر البحث....


الصفحة 381

الفصل الثاني عشر
أصوات حرة في غابة الارهاب الفكري!!


الصفحة 382

الصفحة 383

أصوات حرة في غابة الارهاب الفكري!!

توجد ظاهرة جديدة تبشر بخير في المملكة العربية السعودية، وهي صيحات من علماء وباحثين تطالب بحرية الفكر والبحث العلمي.. بعد عهود من الارهاب الفكري وتحريم الرأي المخالف، حتى على مستوى البحث بين العلماء وفي الجامعات!!!

وأول المنادين بذلك أستاذ العلوم الشرعية في المسجد الحرام، العالم المعروف السيد محمد علوي المالكي.

ثم تبعه باحث من الرياض هو الأستاذ حسن بن فرحان المالكي.

ثم ظهر في هذا السنة عالم معروف من جدة سمى نفسه في شبكات الحوار (سيف التوحيد).

وكل واحد من هؤلاء العلماء أمة برأسه، وقصته تختلف عن قصة الآخر..

وهذا الموضوع في بابنا للمدعو (العربي) أحد تلامذة سيف التوحيد، وقد تعرضا كلاهما لحملة من شبكة سحاب وشبكة القلعة، السلفيتين المتعصبتين، وحذفوا موضوعاتهما واتهموهما بالرفض!!

وسيأتي موضوع سيف التوحيد في باب الدفاع عن الإمام الحسين عليه السلام، حيث انتقد نصب بني أمية وطغيانهم، ودافع عن أهل البيت النبوي صلى الله عليه وعليهم..


الصفحة 384
كما حذفوا هذا الموضوع لصاحبه (العربي)، فنشره في شبكة هجر:

  • كتب (العربي) بتاريخ 16 - 12 - 1999، السابعة صباحا، في شبكة (هجر الثقافية) موضوعا بعنوان (عقيدة الله.. أم عقيدة المذهب؟!) جاء فيه:

    ظهرت الفرق الإسلامية (أو غالبها) في أواخر عصر الخلافة الراشدة، وفي عصر بني أمية. ثم في عصر بني العباس استقرت أصول هذه المذاهب، وظهر التمايز الواضح بين هذه الفرق، فبدأت كل فرقة تدعي أنها وحدها ( الفرقة الناجية) وما سواها فهالك وفي النار!

    [ ورووا في ذلك حديثا لعلي، أفرد له بحثا لبيان بطلانه سندا ومتنا، وتوضيح أثره السئ على المسلمين ].

    وفي سبيل سعي هذه الفرق إلى ترسيخ وجودها خاضت كل فرقة حروبا شرسة مع الفرق المخالفة لها، واستعملت (في بعض الأحيان) أسلحة غير أخلاقية ولا نزيهة! مثل تشويه الخصم، ورميه بالتهم والأقوال المستبشعة، ومحاولة اضطهاده والتضييق عليه ولو بالاستعانة بالسلطة!

    فمثلا (أهل السنة) كانوا يصدرون فتاوى بقتل المناوئين لهم في الفكر، كما فعلوا بغيلان والجعد والجهم (مع ملاحظة أن هؤلاء كانوا من المعارضين للسلطة في زمانهم).

    ومن فتاوى أهل السنة: الفتوى المشهورة للإمام مالك بن أنس أن المبتدع الداعية، يقتل.

    وأهل السنة (يرون) الصلاة خلف الولاة من أهل الظلم والفجور والفسق والابتداع، و (لا يرون) الصلاة خلف (أهل الأهواء) من غير الولاة، وإن كانوا من أتقى الناس!


    الصفحة 385
    أما المعتزلة فمع ادعائهم التسامح واحترام العقل، فإنهم لا يتوانون إذا وجدوا الفرصة، في اضطهاد خصومهم، كما حصل في محنة خلق القرآن، أو قصة المنصور عبد الله بن حمزة مع المطرفية، وهذا تحت شعار (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الذي هو الأصل الخامس من أصولهم.

    وهذا الواقع جعل العلماء المنتمين إلى هذه الفرقة أو تلك يخشون مخالفة المذهب الذي ورثوه عن آبائهم ومشايخهم، واقتصر بحثهم على تأييد قواعد مذهبهم (الفرقة الناجية)، عوضا عن البحث عن الحقيقة، مما قاد إلى جمود في الفكر العقدي، وظهور أدواء عدة منها:

    أولا - التقليد:

    وللتقليد في العقائد حديث عجيب، فإنه لا يخلو منه مذهب من المذاهب، بل لم ينج منه إلا أفراد قلائل، مثل: ابن حزم وابن الوزير والمقبلي، وبيان ذلك أن علماء كل فرقة كانوا يرسخون في أذهان أتباعهم أنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المتبعة للحق، وأما من عداهم فضال مبتدع أو كافر، وعند مناقشتهم للمذاهب الأخرى فإنهم يستوفون حجج مذهبهم ويبالغون في تقويتها، أما حجج المذاهب الأخرى فإنهم يسمونها (شبها) ولا يعرضون منها إلا ما يستطيعون الجواب عنه، وأيضا فعرضهم للحجة يكون عرضا مشوها، يخلطون فيه بين القول ولازمه.

    ويحاول هؤلاء العلماء أن يرسخوا في أذهان تلاميذهم أن أئمة مذهبهم كانوا من العلماء الفضلاء المتقين، المرتفعين عن الدوافع البشرية. أما أئمة المذاهب المخالفة فهم مجموعة من الضلال الفساق الزنادقة الانتهازيين...


    الصفحة 386
    ويخرج الطالب بعد هذه التربية يظن أنه وطائفته وارثو الحق المطلق، وأما من سواهم ففي ضلال بعيد، ويرى هذا الطالب في نفسه أنه بلغ مرتبة العلم والاجتهاد.

    كيف لا؟ وهو يعرف حجج مذهبه أتم معرفة، ويعرف كيف يناضل عنها، ويعرف أيضا (شبه) خصومه، ويعرف كيف يجيب عنها.

    ولكنه للأسف لا يعلم أنه لا يعلم شيئا، فلا حجج مذهبه درسها بإنصاف، وبعد عن هالة التعظيم التي أحاطها بها مشايخ مذهبه، ولا (شبه) خصومه قرأها بإنصاف وعدل حتى ينظر إن كان يقدر على الإجابة عنها أو لا، وهو يرى في نفسه أنه ليس في حاجة إلى قراءة كتب (المبتدعة) لأن حججهم استوفى ذكرها علماء مذهبه، وهم أهل الإنصاف والعدل والصدق والتقوى والفهم، فلن يميلوا على خصومهم، وأيضا فإن (الشبه خطافة، والقلوب ضعيفة)!

    وهو قبل ذلك وبعده يعيش حالة (برمجة) يقوم فيها بالدفاع عن مذهبه، لا الحق ويبحث عن حجج تؤيد مذهبه، لا الحق. وعن حجج للرد على خصومه، لا الباطل.

    والتعلم على وسائل مغالطة الخصوم إذا أحكموا الحجة عليه عند النقاش، لا التسليم للحق واتباعه. ويظن مع ذلك أنه يحسن عملا.

    لكن المذاهب تختلف عن بعضها في أساليب التقليد، وترسيخ مفهومه عند أتباعها، ولا بأس من ذكر أمثلة على ذلك:

    1 - (أهل السنة والحديث): وعندهم يظهر التقليد جليا، لا سيما وهم لا يرضون أن يفهم أحد الكتاب والسنة إلا على ضوء فهم (السلف)، وطرقهم في ترسيخ التقليد كثيرة، فمن ذلك:


    الصفحة 387
    أ - تقديس علماء مذهبهم، وأن بهم تعرف السنة، ويوصل إلى الحق، فمن طعن في حماد بن سلمة، أو الأوزاعي، أو الأعمش، أو أبي مسهر...

    فهو مبتدع، ومن طعن في أحمد فهو كافر، ومن ذم أهل الحديث فهو طاعن في السنن والآثار، زنديق، مبغض للرسول.

    وفهم هؤلاء السلف مقدم على فهمنا، ومن خالفهم فليتهم نفسه، ومن أوضح النصوص على هذا: النص المنسوب إلى عمر بن عبد العزيز (وهو في ذم القول بالقدر.. فتنبه!) وفي هذا النص يقول عمر: (فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، وقف حيث وقفوا، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ قد كفوا، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى، وبفضل فيه لو كان أحرى، فإنهم هم السابقون. ولئن كان الهدى ما أنتم عليه، لقد سبقتموهم إليه. (أي:

    وهذا مستحيل!).

    ولئن قلت: حدث بعدهم حدث. فما أحدثه إلا من تبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم. ولقد تكلموا، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسر، لقد قصر دونهم قوم فجفوا، وطمح عنهم آخرون فغلوا، وإنهم مع ذلك لعلى صراط مستقيم.

    فلئن قلت: فأين آية كذا؟ ولم قال الله كذا وكذا؟ لقد قرأوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم). انتهى.

    ومن شعارات مذهب أهل السنة والحديث: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.

    هذه حال السلف عندهم، أما مخالفو هؤلاء السلف، فهم مبتدعة، أهل سوء، تكتب الكتب والأبواب في ذمهم، وزيادة في التنفير من مذاهبهم نقرأ

    الصفحة 388
    أبوابا مثل: (سياق ما روي من المأثور عن الصحابة، وما نقل عن أئمة المسلمين من إقامة حدود الله في القدرية).

    ولا يكفي هذا بل يتبع بباب: (ما روي في منع الصلاة خلف القدرية، والتزويج إليهم، وأكل ذبائحهم، ورد شهادتهم) ولا يكفي هذا بل يتبع بباب: (ما ذكر من مخازي مشايخ القدرية، وفضائح المعتزلة).

    ولا يكفي هذا بل يتبع بباب: (سياق ما رؤي من الرؤيا السوء أي: في الحلم! من المعتزلة).

    وهذا الباب شبيه بباب سابق عنوانه: (سياق ما رؤي من الرؤيا السوء لمن قال بخلق القرآن).

    ب - النهي عن الجدل والبحث، ونجد لهذا المعنى فصولا كثيرة في كتبهم، فمن ذلك باب: (كراهية التنطع في الدين، والتكلف فيه، والبحث عن الحقائق، وإيجاب التسليم).

    وباب: (ذم المراء والخصومات في الدين، والتحذير من أهل الجدل والكلام).

    ومن أعجبها باب: (التحذير من طوائف تعارض سنن النبي، صلى الله عليه وسلم، بكتاب الله، عز وجل).!

    ج - النهي عن مجالسة المخالفين من أهل الأهواء، وعن مناظرتهم والكلام معهم، ووجوب هجرهم. فكيف لا يخرج الطالب بعد هذا كله متبعا لأقوال أئمة مذهبه، متجانفا عن غيرهم؟


    الصفحة 389
    ومما تعلمناه.. أن من كتب في العقيدة وهو يظن أنه سيأتي بجديد، فإنه لن يأتي إلا البدعة، ومن كتب في مسائل الاعتقاد بتجرد فإنه إنما يتجرد من عقيدته، ليصبح شخصا لا عقيدة له!!...

    ثانيا: التكفير والتبديع:

    والمراد عدم عذر المتأولين، والغريب أن الفرق الإسلامية تعذر في الاختلاف في المسائل الفقهية، أما المسائل العقدية (أو المتوهم أنها عقدية) فلا عذر فيها، عند هذه الفرق، وهذا تناقض لا برهان عليه إلا تحكيم الأهواء، وهذا التفريق وإن رده بعضهم نظريا، فإن غالب أهل الفرق يلتزمونه عمليا.

    وأدلة عذر المتأول والمخطئ والجاهل كثيرة جدا، فمنها قوله تعال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

    وقوله: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. وقبل الله هذا الدعاء.

    ومثل حديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وهم يقبلون هذه الأدلة في الفقه ويحتجون بها، أم في العقيدة فلا يرفعون بها رأسا، والسبب في ذلك:

    أ - التقليد. فإنه يورث التعصب، وظن ملك الحقيقة المطلقة، كما تقدم.

    ب - ظن أتباع المذاهب أن أدلة الفقه ظنية، وأن أدلة العقائد قطعية، ومخالف القطعي ليس كمخالف الظني. وهذا يعرف خطأه من له أدنى ممارسة لكتب العقائد.

    ج - دخول الحسابات السياسية في الحكم على الفرق والمذاهب والأشخاص، وذلك أن الساسة استغلوا بعض الفرق لإصدار فتاوى بتكفير

    الصفحة 390
    وتبديع بعض المخالفين السياسيين لهم، للتمكن من اضطهادهم باسم الذب عن العقيدة.

    ومثال ذلك:

    استغلال بني أمية وبني العباس والعثمانيين الخلاف بين أهل السنة والشيعة (وهو خلاف ليس في أصول الدين القطعية) لإصدار فتاوى بتكفير وتبديع (الروافض) وهو لقب للشيعة المخالفين سياسيا لهؤلاء الولاة.

    ولما خرج الجهم بن صفوان مع الحارث بن سريج على بني أمية، وظفر به سلم بن أحوز، قال له سلم لما قدمه ليضرب عنقه: إني لا أقتلك لخروجك علينا، ولكني أقتلك لإنكارك تكليم الله لموسى.

    وكذا فليكن استغلال الدين والعقيدة للقضاء على الخصوم، والتلبيس على الناس واللعب بمشاعرهم.

    وهؤلاء الصحابة اختلفوا في مسائل كثيرة، مما يعدها المتأخرون من العقائد ولم يكفروا أو يبدعوا بعضا، ومن ذلك:

    اختلافهم في صفة الساق، والكرسي،

    ورؤية النبي لله في الإسراء،

    وسماع الموتى في قبورهم،

    والتفضيل بين الصحابة، وغيرها كثير.

    وقد كتب علماء منصفون في عذر المتأولين، وقطع الطريق على استغلال السياسة باسم الدين، ليس هذا موضع ذكرهم. وفي الختام فهناك تنبيهات:

    1 - غالب الكتب المصنفة في العقيدة (سوى الكتب المدرسية، بالطبع)، هي كتب الردود، والردود على الردود، للذود عن حياض المذهب، وسبب

    الصفحة 391
    ذلك أن أسلوب التفكير العقدي عند أصحاب المذاهب مبني، في غالبه، على (ردود الأفعال)، لذا نجد الإمام أحمد، مثلا، كان يقول: القرآن كلام الله ولا يزيد، فلما قال المعتزلة: إنه مخلوق. زاد هو في عقيدته: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما خوطب في ذلك قال: لما زادوا زدنا!! وقال أيضا: إذا سكتوا سكتنا.

    2 - وجوب التجرد في البحث عن الحقيقة، وعدم التسليم بما عليه الآباء والمشايخ.

    3 - وجوب إحسان الظن بالمخالفين، وعدم المبادرة بعدائهم وهجرهم في وقت المسلمون فيه في أمس الحاجة إلى الاتحاد والتضامن.

    4 - وجوب السعي إلى حل الخلافات بين المسلمين بعيدا عن جو التعصب والتحزب، و (مذهبنا ومذهبكم)، بل المسلمون جميعا ملة واحدة.

    5 - التفطن لمواطن الاتفاق بين المسلمين، والسعي لتوسيعها ونشرها، والتنبه لمواطن الاختلاف، والسعي لتضييق دائرتها، وجعلها ضمن الخلاف المحتمل.

    6 - قطع الطريق أمام المتعصبين والجهال والمقلدين من شتى المذاهب الساعين إلى نشر العداء والفرقة بين المسلمين باسم (العقيدة).

    7 - الواجب على طالب الحق إصلاح عقيدته على ضوء كتاب الله، وما ثبت عن رسول الله، والبحث عن مراد الله، ولا يجعل همه تأييد مذهبه، ولو على حساب الحق، قناعة بالتقليد، أو لنيل رضى أئمة هذا المذهب.

    بل يقول كما قال الإمام الشافعي: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله.


    الصفحة 392

  • فكتب (سيف التوحيد) بتاريخ 16 - 12 - 1999، الثامنة صباحا:

    وإذا الحبيب أتى بذنب واحد... جاءت محاسنه بألف شفيع أخي الحبيب: العربي... سلمه الله.

    عاطر التحية لشخصك لك، وكل عام وأنت بخير.. ورمضان كريم.

    ها أنت قد أنخت رحلك هنا.. ولما تضع عنك عناء السفر الفكري في القلعة...

    لا أزال أعجب منذ أول حرف دبجته يراعكم الكريمة في الإنترنت.. نشوء وترقي (كذا).. ولكنه في الفكر..

    آفتنا الاستعجال... استعجال البحث قبل استكمال أدواته، استعجال النتيجة قبل إحكام القضايا وفقه مدلولاتها.. هروب من ضيق الأفق إلى ضيق الحكم والوصف...

    جاء الوقت الذي يجب أن نتحاور فيه.. طويلا حول تيك الأفكار التليدة، التي تشنف بها مسامعنا... كنت أحسبها... قفشات داخل الصف خلافا في المذهب كما اعتدنا، ولكن الأمر تجاوز إلى الربط والتحليل واللاإنتماء...

    لا عليك ما دمت تعتقد أنه الحق.. ولكن.. إتئد.. فإني أرجو لك الخير...

    إذا كنت قد كتبت هذا الموضوع بعينه في القلعة، فتابع معي هنالك..

    وليكن الحوار بيننا في موضوع مستقل خاص...

    قرأت بعناية.. كالعادة ما تكتبه هنا وهناك على الإنترنت كما كنت أقرأ بعناية أيضا ما نشر لك في خارج النت... سأنتظر منك... فتح موضوع

    الصفحة 393
    في القلعة حول مسألة المسائل كما يحلو لي تسميتها.. ما يحرز المرء من أطرافها طرفا إلا وفاجأه النقصان من طرف!!

    ولتسلم لمحبك: سيف التوحيد،،،

    ليت شعري،

    أي طير.. يسمع الأحزان تبكي.. بين أعماق القلوب،

    ثم لا يهتف في الفجر.. برنات النحيب،

    بخشوع واكتئاب!!! لست أدري!

    أي أمر أخرس العصفور عني.. أترى مات الشعور؟

    في جميع الكون حتى.. في حشاشات الطيور

    أم بكى خلف السحاب!

  • فأجابه (العربي) بتاريخ 16 - 12 - 1999، الرابعة والنصف مساء:

    أخي العزيز سيف التوحيد سلمه الله.. آمين.

    أشكر لك يا أخي هذه الأريحية، وكنت دائما سباقا إلى الخير.

    ولقد أرسلت لك رسالتين عبر البريد الإلكتروني، لكن لعل المانع عن إجابتك عنهما، خير.

    وبالنسبة للقلعة فلعلك رأيت ما وصل إليه الوضع هناك [... ].

    أخي الحبيب أنا في غاية الشوق إلى قراءة ما ستكتبه، فالله يعلم أني لا أريد إلا الوصول إلى الحق. [... ] وبالنسبة لهذا الموضوع فأنا كتبته منذ سنة تقريبا، وأرجأت نشره، وهذه أول نشرة له.

    وبانتظار تعليقاتك أنت والأخوة جميعا. المحب العربي.


    الصفحة 394

  • وكتب (العربي) أيضا بتاريخ 4 - 1 - 2000، الثانية عشرة ظهرا:

    الأخ حكيم العرب، ها أنا قربت الموضوع إليك، لتحكم أنت والأخوة بيني وبين ساحة سحاب.

  • وكتب (حكيم العرب) بتاريخ 4 - 1 - 2000، الرابعة والربع عصرا:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي العربي!!!

    وتسأل لم طردوك؟! يا أخي هذا الكلام يخالف كل ما يمكن أن يفهمه أكثرهم تهاودا في موضوع العقيدة.... راجع ما يكتب في سحاب أولا، ثم راجع فكرهم المذهبي، تعرف ما أعني!

    وهذا ليس انتقاصا لهم! فلا أنا أجرؤ، ولا أريد أن أنتقصهم،،، الآن، بعيدا عن سحاب أقول... يا أخي هذا الكلام، عجيب بعض الشئ، يدل على رؤية جريئة، لحال الأمة، إنما يشير في الوقت نفسه فيما أرى، إلى قراءة مجزوءة ناقصة يا صديقي!.

    أخي الكريم، في عجالة أقول: هذا التعميم المبالغ فيه، من أخطر الأمور، لأنك لا تضع فيه يدك على الجرح تبلسمه، لكنك تدخلها فيه بعنف فتوسعه... ثم علينا دائما أن نتذكر: أنه ما خوطب الناس بأكثر مما تحتمله عقولهم، إلا حدثت فتنة! وأنت يفهم من موضوعك انتقاص لكل من اشتغل في علم الكلام، وهذا تعميم كما قلت لك، لا تفيه جملة صغيرة تستبعد التعميم بطريقة غير واضحة أيضا.

    أخي الكريم، الكلام أو الحوار مع مثلك، وفي هذا الموضوع، يحتاج إلى تأصيل، وكلام علمي، لكن لا يمكن أن يكون هذا مني اليوم، فأنا أكثر من مشغول، مع نهاية شهر رمضان! أعتذر مع وعد بألا أترك الموضوع، فيجب

    الصفحة 395
    أن نتحاور فيه، وما لا يدرك كله لا يترك جله... إنما، في فترة العيد، بإذن الله... جزاك الله خيرا...

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وآتنا الحكمة وافتح لنا أبواب الفهم يا كريم.

  • فكتب (العاملي) بتاريخ 7 - 1 - 2000، العاشرة مساء:

    محور الموضوع ما يلي:

    من البديهي أنه يجب على المسلم الاعتقاد بكل عقائد الإسلام التي ثبت أنه من ضرورياته، كالإيمان بالشهادتين والقرآن واليوم الآخر والبعث والحساب والجنة والنار.. إلى آخره.

    أما تفاصيل هذه العقائد، فنرى أهل المذاهب يعدون تفسيراتهم من ضروريات الدين، ويفرضون على المسلم الإيمان بها، وإلا فقد يعدونه خارجا عن الدين.

    والسؤال:

    أن الشاب المسلم، هل يجب عليه البحث والتحقيق عن تلك التفاصيل وتحصيل الإيمان بها على أساس المذاهب؟

    أم يجوز له تقليد من يثق بعلمه وتقواه من الصحابة أو أئمة المذاهب أو العلماء؟

    وهل يجوز له أن يقول:

    اللهم إني لست مسؤولا إلا عن ضروريات الدين.. والباقي لا أريد تكوين رأي فيه، ولا تقليد أحد فيه، وأنا أعتقد بالواقع الذي هو في علمك؟

    فهل تكون ذمته بريئة عند ربه؟


    الصفحة 396
    أرجو من الإخوة الكرام المشاركة.. وشكرا.

  • وكتب (أبو هاجر) بتاريخ 8 - 1 - 2000، السابعة صباحا:

    الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله.

    أفضل أن نجزئ الموضوع إلى خطوات ونسير خطوة، خطوة....

    لتسهل المتابعة والتدقيق.

    العقيدة الإسلامية: هي ما طلب الله من الناس الإيمان به، وامتدح فاعله، ووصفه بالمؤمن ووعده بالخلود في الجنة....

    وأيضا فقد ذم الله منكره أو الشاك فيه، ووصفه بالكافر والمنافق ووعده الخلود في النار.

    الإيمان في النصوص الإسلامية: التصديق الجازم المطابق للواقع بناء على دليل عقلي. تفصيل التعريف أعلاه:

    - التصديق الجازم: لا يقبل الشك في الإيمان، فالشك في العقيدة هو النفاق، وهو يهدم الإيمان.

    - المطابق للواقع: هذا الجزء مرتبط مع الجزء الأخير من التعريف، والمعنى أن لا تقوم للعقل حجة بإنكاره.... كمن قال: بأن الصنم الذي لا يضر ولا ينفع إله.

    - بناء عن دليل عقلي: أي له دليل إثبات عقلي قطعي.

    - وهذا التعريف مشتق من آيات القرآن التي تجعل الشك هادما للإيمان، وتجعل عدم مطابقة الواقع دليلا هادما لجميع عقائد الكفر، وتجعل فقدان القدرة على إثبات صحة المعتقد دليلا على بطلان جميع ما يعتقده الكفار.

    ويفهم من ذلك:


    الصفحة 397
    1 - أنه لا يعذر الإنسان بالجهل في ايا (كذا) من المواضيع التي تشكل العقيدة الإسلامية، فهو لا يعد مؤمنا في الأصل.

    2 - أن ما لم يقم عليه دليل عقلي قطعي، لا يطلب الإيمان به، ولا يعتبر من العقيدة.

    ويجب أن يطلق على ذلك القسم مسمى آخر، يميزه عن مواضيع العقيدة... فلو أطلق عليه اسم المواضيع المتعلقة بالعقيدة، لجازت التسمية.

  • أمثلة على ما يطلب الإيمان به ولا مجال للظن أو الاجتهاد فيه: (مواضيع العقيدة): وحدانية الله، الجنة والنار، البعث، الحساب...

  • أمثلة على ما لا يطلب الإيمان به، ويجوز فيه تغليب الراجح من الاجتهاد وغلبة الظن (المواضيع المتعلقة بالعقيدة): مصير أولاد الكفار الذين يموتون على دين آبائهم. مصير أهل الفترة الذين لم يدركوا الرسل. رؤية الرسول ربه (تفسير الآيات في سورة النجم وفي سورة الإسراء).

    وجزاكم الله خيرا أيها الإخوة، والسلام عليكم ورحمة الله.

    لا حزن إلا في جهنم ولا سعادة إلا في الجنة.

  • فكتب (العاملي) بتاريخ 10 - 1 - 2000، الثامنة والنصف صباحا:

    الأخ الكريم أبا هاجر، هذا المنهج لا بأس به، بشرط أن يكون كلامنا محددا، فالكلام في العقائد لا يتحمل العموم والإبهام..

    نحن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله عامل الناس على الظاهر، وقبل إسلام من نطق بالشهادتين حتى تحت السيف..

    وهذا معناه: أن الذي يعلن قبوله للإسلام يصبح جزءا من الأمة الإسلامية، ويكون مصون الدم والعرض والمال، إلا بحقه المقرر المجمع عليه، وحسابه

    الصفحة 398
    على الله.. والعقيدة الإسلامية المجمع عليها هي ما ثبت أنه من ضروريات الدين..

    فبين لنا هذه الضروريات التي لا يعذر المسلم إلا بالإيمان بها، مع دليلها الواضح من الكتاب والسنة.. وشكرا.

  • فأجاب (أبو هاجر) في 10 - 1 - 2000، العاشرة والنصف صباحا:

    الأخ الكريم العاملي:

    كل ما كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة فهو من العقيدة ويطلب الله منا الإيمان به، ولا مجال للشك أو للاجتهاد فيه... وهو ما عبرت عنه أنت بضروريات الدين.

    أمثلته: وحدانية الله. وجود الجنة والنار والحساب والملائكة. إرسال الرسل. فأي جاهل أو شاك أو منكر لهذه الأمور لا يعد مسلما.

    أما ما كان ظني الدلالة أو ظني الثبوت فهو عرضة للاختلاف والاجتهاد، ولم يطلب الله الإيمان به.... بل على المسلم اتباع ما يغلب على ظنه أنه صواب فيه (بعد التدقيق والتحري)، ويقبل فيه الشك.

    أمثلته: تفسير المتشابه في القرآن الذي يحتمل أكثر من معنى (فأنا مثلا، لا أ دري ما هو مصير أولاد الكفار الذين ماتوا على دين آبائهم، ولا عن مصير أهل الفترة). فالجاهل أو الشاك أو المنكر لرأي معين لم يقتنع به، معذور شرعا.

    والأمثلة من الحديث، هي أنه من حكم بردتهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، كانوا قد أنكروا وجحدوا مسائل في العقيدة (القرآن من عند الله. رسالة محمد...).


    الصفحة 399
    أما في المواضيع المتعلقة بالعقيدة، وليست من العقيدة، فأنظر إلى اختلاف الصحابة في فهم وتفسير بعض الآيات المتشابهة (كرؤية الرسول لله، هل كان الإسراء بالجسد والروح أم بالجسد فقط).

    أرجو أن أكون قد وضحت المقصد. وجزاك الله خيرا. والسلام عليكم.

    لا حزن إلا في جهنم ولا سعادة إلا في الجنة.

  • وكتب (العربي) بتاريخ 10 - 1 - 2000، الحادية عشرة والنصف صباحا:

    الأخوة، السلام عليكم، سيكون تعليقي على كلام أبي هاجر الذي أوافقه في كثير مما قال، في نقطتين:

    الأولى: كانت العقيدة الإسلامية في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، واضحة سهلة ميسرة مستمدة من الكتاب والسنة، لا يستغلق فهمها على الأعرابي الأمي، ولا تتطلب معرفة المضائق العقلية.

    وكانت هذه العقيدة هي أركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر. ولكن بعد وفاة النبي، وظهور الخلاف في الأمة، أضيف إلى هذه العقيدة متطلبات أخرى أصبحت تزداد من عصر إلى عصر، فلا يصح الإيمان (ولا يمكن دخول الجنة) إلا بعد التصديق بها، وصار المخالف لهذه الإضافات مترددا بين الكفر والبدعة عند الفرق الإسلامية، والقارئ لكتب العقائد من شتى الفرق يجد مباحث كثيرة (مضافة) ليست من أركان الإيمان يبدع أو يكفر المخالف فيها.

    وهذه الإضافات تختلف من مذهب إسلامي إلى آخر، فهي عند المعتزلة غيرها عند الأشاعرة، وسواها عند أهل السنة، وكذلك هي عند الشيعة ليست موافقة لما عند الزيدية أو السنة أو الإباضية.


    الصفحة 400
    بل إنك تجد محض الإيمان عند فرقة هو محض الكفر عند فرقة أخرى!

    لذا فالتبديع والتكفير يجب أن يقتصر على أصول الإسلام فقط، أما ما عداها فلا تبديع فيه ولا تكفير، وليس من العقائد، فليبحث في مكان آخر سوى العقيدة.

    أما من اقتصر على (الإيمان الجملي) فهو أسلم له، ولا يعاب على ذلك.

    الثانية: في الفرق بين الإسلام والإيمان:

    سأذكر تصورا استقرأته من نصوص الكتاب والسنة، لكنه بحاجة إلى النقد ليصل إلى درجة أعلى من الكمال، وهو: الإيمان، وهو الاعتقاد الجازم، لا يكون إلا عن قيام البرهان، فلا يصح فيه تقليد أو شك غالب.

    أما الإسلام، فهو التسليم بأحكام الشريعة وعقائدها، دون قيام برهان ملزم بذلك. وهذا يكون عن:

    1 - التقليد: كحال أكثر العامة الذين لم يقم عندهم البرهان على صحة أصول عقائد أهل الإسلام، ولكنهم قبلوها بالتلقين والتقليد.

    2 - الشاك: وأعني به من استفرغ وسعه في طلب الحق، لكن قامت عنده شبهة قوية حالت بينه وبين الإيمان بأصل من أصول الدين، لكنه مع ذلك سلم لهذا الأصل، مع شكه الغالب فيه.

    3 - من آمن عن طريق البراهين الإقناعية، كما يقول شيخ المعرة: قال المنجم والطبيب كلاهما:

    لن يبعث الأموات.

    قلت: إليكما إن صح قولكم، فلست بنادم... أو صح قولي، فالخسار عليكما

    الصفحة 401

    العلم للرحمن جل جلاله * وسواه في جهلاته يتغمغم
    ما للتراب وللعلوم؟ وإنما * يسعى ليعلم أنه لا يعلم

  • وكتب (أبو هاجر) بتاريخ 10 - 1 - 2000، الثامنة والنصف مساء:

    الأخ الكريم العربي:

    كلامك عن الفرق بين الإسلام والإيمان غير دقيق.

    فالإسلام هو الظاهر لنا، والإيمان هو ما يكنه الشخص في نفسه من معتقد.

    والمؤمن هو مسلم، ولكن من تظاهر بالإسلام حكمنا له بالإسلام وأوكلنا أمر إيمانه إلى الله... فهو ممكن أن يكون منافق (كذا)، والمنافق هو كافر لا نستطيع الحكم عليه بالكفر بسبب استتار نيته.

    (قالت الأعراب آمنا...) أتمنى أن أكون قد أوضحت الفرق. والسلام عليكم.

  • فكتب (العاملي) بتاريخ 10 - 1 - 2000، العاشرة ليلا:

    الأخوة الكرام،

    أرجو أن يكون هدفنا أن نضع بعض القواعد التي تنفع المسلمين في نظرتهم لبعضهم، وأرانا نقترب من ذلك..

    وما ذكرته يا أخ أبا هاجر هو قاعدة تقول: (إنما يجب على المسلم بما هو قطعي الثبوت وقطعي الدلالة من عقائد الإسلام، دون غيره مما هو اجتهادي مختلف فيه). حسنا، وما دام ثبوت السند والدلالة أمر نسبي، فهل يجب على من ثبت عنده أن يعذر من لم يثبت عنده، أم يجوز له أن يفرض عليه اجتهاده ويحاسبه عليه؟


    الصفحة 402

  • فأجاب (أبو هاجر) بتاريخ 10 - 1 - 2000، العاشرة والنصف ليلا:

    الأخ الكريم العاملي:

    - قولك: (وما دام ثبوت السند والدلالة أمر نسبي، فهل يجب على من ثبت عنده أن يعذر من لم يثبت عنده، أم يجوز له أن يفرض عليه اجتهاده ويحاسبه عليه؟) غير صحيح، فالقطعي المحكم غير الظني الثبوت والمتشابه...

    فالظني هو عرضة لتفاوت الأفهام، بينما القطعي ليس فيه مجال للاجتهاد...

    والقطعي ليس نسبي (كذا) وإلا لما كان قطعيا. والسلام عليكم.

  • فكتب (العاملي) بتاريخ 10 - 1 - 2000، الحادية عشرة ليلا:

    قلت يا أبا هاجر: (فالقطعي المحكم غير الظني المتشابه، والقطعي ليس نسبي (نسبيا) وإلا لما كان قطعيا).

    فإن كنت تقصد بالقطعي: المجمع عليه بين جميع المسلمين لصح قولك..

    وإلا فإن القطعي نسبي أيضا، وكما يقول المناطقة (مقولة مشككة)، لأنه قد يكون قطعيا عند شخص، وظنيا عند آخر.. وكذا المحكم.

    مثلا، دائرة عصمة الرسول صلى الله عليه وآله حتى في غير تبليغ الرسالة، قطعية عند البعض وظنية عند آخرين.

  • وكتب (أبو هاجر) بتاريخ 11 - 1 - 2000، الثانية عشرة والنصف صباحا:

    الأخ الكريم العاملي:

    - قولك: (فإن كنت تقصد بالقطعي: المجمع عليه بين جميع المسلمين لصح قولك..)

    الصفحة 403
    يا أخي القطعي هو القطعي الثبوت القطعي الدلالة:

    (المحكم من آيات القرآن، الصريح من الأحاديث المتواترة)....

    وهو مطلوب الإيمان به من الجميع، ولا يعذر فيه بالجهل، بل لا يعتبر المسلم مسلما إذا لم يؤمن به. مثاله: لا إله إلا الله... هل في ذلك من نسبية أو شك؟؟

    - قولك: وإلا فإن القطعي نسبي أيضا، وكما يقول المناطقة (مقولة مشككة) لأنه قد يكون قطعيا عند شخص وظنيا عند آخر.. وكذا المحكم.

    خطأ، هل هناك نسبية أو تشكك في لا إله إلا الله؟؟؟

    - قولك: مثلا، دائرة عصمة الرسول صلى الله عليه وآله حتى في غير تبليغ الرسالة، قطعية عند البعض وظنية عند آخرين.

    الرجاء عدم الخلط بين تبليغ الرسالة وعند عدم تبليغ الرسالة، ومن ثم الخروج بهذا الاستنتاج الممزوج... فعصمة الرسول فيما يتعلق بتبليغ الرسالة قطعية... أما عصمة الرسول في غير المتعلق بتبليغ الرسالة فهي غير ثابتة.

    الرجاء تحري منتهى الدقة عند البحث. والسلام عليكم.

  • فأجابه (العاملي) بتاريخ 11 - 1 - 2000، التاسعة صباحا:

    لم تذكر تعريفا جامعا مانعا للقطعي المحكم، ومثال (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ليس محل كلامنا، لأنه قطعي مجمع عليه بين المسلمين! وتكرر أن المحكم هو قطعي الثبوت..

    ولم تحدد عند من؟ هل قصدك عند جميع المسلمين، أم عندك؟

    وقطعي الدلالة.. عند من؟


    الصفحة 404
    فكم قطعي عندك ظني عند غيرك، وبالعكس. ألا ترى أن صحة السند ودلالة النص نسبية، فكيف تنكر ذلك؟!

    وما رأيك في هذا المثال: نسبة الجهة والجسم إلى الله تعالى، هل هي برأيك من القطعي المحكم أم الظني الاجتهادي؟.

  • وكتب (أبو هاجر) بتاريخ 11 - 1 - 2000، العاشرة صباحا:

    الأخ الكريم العاملي:

    سأنقل لك ما ذكرته في موضوع سابق عن الدليل النقلي:

    الدليل النقلي حتى يكون دليلا قطعيا يؤخذ به في العقيدة ويطلب الإيمان به يجب أن يقوم برهان عقلي على صحة ثبوته، وبرهان عقلي على قطعية معناه..

    فإذا لم يقوم (كذا) دليل عقلي قاطع على ثبوت النص أنه من عند الله، لا يدخل هذا النص في العقيدة وتنزل درجته إلى دليل ظني يقبل فيه الخلاف في الاجتهاد، ولا يطلب الإيمان به....

    وأيضا إذا كان المدلول اللغوي للنص يحتمل أكثر من معنى، فإن معناه يصبح ظني الدلالة ولا يدخل في العقيدة ويقبل فيه الخلاف في الاجتهاد، ولا يطلب الإيمان به.

    وحتى نبسط هذه النقطة، لأهمية فهمها، أرتبها بالشكل التالي:

    قطعي الثبوت + قطعي الدلالة = هو من العقيدة.

    ومخالفه كافر قطعي الثبوت + ظني الدلالة = لا يؤخذ في العقيدة، ويقبل اختلاف الاجتهادات فيه.

    ظني الثبوت + قطعي الدلالة = لا يؤخذ في العقيدة، ويقبل اختلاف الاجتهادات فيه.


    الصفحة 405
    هذا هو مفهوم الدليل النقلي عندي... الرجاء الاطلاع عليه وذكر أية ملاحظات.

    - أما قولك: (ألا ترى أن صحة السند ودلالة النص نسبية، فكيف تنكر ذلك).

    لا يوجد نسبية في الأمور القطعية يا أخي، وسبب استنكارك يعود للطريقة التلقينية التي تربينا عليها.... القطعي ليس نسبي (كذا) والنسبي ليس قطعي (كذا)... فهما نقيضان لا يجتمعان.

    - قولك: " وما رأيك في هذا المثال: نسبة الجهة والجسم إلى الله تعالى، هل هي برأيك من القطعي المحكم أم الظني الإجتهادي؟ ".

    نسبة الجسم إلى الله هي مسألة ظنية خاطئة، لأنها عارضت مسألة قطعية تضادها.

    التفصيل: توهم البعض تجسم الله سبحانه وتعالى من خلال فهم بعض الآيات التي ذكرت اليد والاستواء والمجئ والعين على المعنى الحقيقي، لا المجازي...

    ولكن هذه الآيات وردت فيها تلك الصفات بصيغة لغوية تحتمل التجسد وعدمه (حقيقة أو مجاز)... ولكن الآية المحكمة المعنى (ليس كمثله شئ) عارضت المعنى الحقيقي لتلك الآيات وأبقت فقط على المعنى المجازي. ونفس الشئ يقال عن مسألة الجهة، فمعناها مجازي وغير معلوم لدينا.

    وأخيرا، لم تكن هذه هي طريقة الرسول والصحابة في فهم الآيات، بل كانت تفهم الآيات من سياقها... غير أن في ذلك تفصيل.

    أرجو أن أكون قد شرحت بطريقة مقبولة. والسلام عليكم.


    الصفحة 406

  • وكتب (العاملي) بتاريخ 11 - 1 - 2000، الثانية والنصف ظهرا:

    شكرا على توضيحك يا أبا هاجر مقصودك ب (قطعي الثبوت، قطعي الدلالة).

    وبهذا ثبت أنك تتبنى قاعدة أصولية في ميزان العقائد الإسلامية، قد تتفق نتيجتها مع هذا العالم أو ذاك، وهذا المذهب أو ذاك.. كما أني أوافقك على تنزيه الله تعالى عن الجهة والجسمية الحقيقية، وتفسير الآيات الموهمة لهما بالمجاز.

    وسؤالي الآن: إذا كان الدليل على عقيدة ما في رأيك قطعي الثبوت والدلالة، وفي رأي غيرك ظنيا في أحدهما أو كليهما.. فهل تعذره في ذلك؟....

    تم المجلد الثاني من كتاب: (الإنتصار)
    مناظرات الشيعة في شبكات الإنترنت
    ويليه الجزء الثالث إن شاء الله، وموضوعه:
    رد اتهامهم للشيعة بأنهم يقولون بتحريف القرآن.