الصفحة 101

فكتب (شعاع) بتاريخ 19 - 9 - 1999، السابعة والنصف صباحا:

العاملي... كلام البخاري ليس فيه تناقض، وإلا لقال (باب ترجيح أن المعوذتين ليستا من القرآن)... أما لماذا أورد هذه الروايات وترك غيرها، فإما لأنها لم تصله، أو لم تنطبق على شرطه...

وأنا أطلب منك دليلا على افتراءاتك على الإمام البخاري.

فكتب (العاملي) بتاريخ 19 - 9 - 1999، الرابعة عصرا:

العمل أبلغ من القول يا شعاع!

البخاري لم يقل: ترجيح أنهما ليستا من القرآن، ولكنه لم يرو حديث إثبات أنهما منه، مع أنه موجود ويعرفه!!

بل روى في صحيحه حديثين في نفي أنهما منه!!

أعد قراءة ما كتبه البخاري وغيره رجاء.. ورحم الله من كانت عنده شجاعة الاعتراف بالحق ولم يكابر!.

وكتب (محب السنة) بتاريخ 19 - 9 - 1999، السابعة مساء:

ليتك تطبق ما تقول يا عاملي على نفسك، فتعيد قراءة ما كتبه البخاري حتى لا تفتري عليه.

هل تظن أنك ممن تدعو لهم بقولك: ورحم الله من كانت عنده شجاعة الاعتراف بالحق ولم يكابر!.

وكتب (جميل 50) بتاريخ 20 - 9 - 1999، السادسة صباحا:

إلى الإماراتي... لست كثير دخول في الساحة (في الفترة الأخيرة) وقد أعلنت عن ذلك مسبقا، ولكن من باب الاتفاق لفت انتباهي جوابك العاجز عن معالم ضلالكم - الاجتهاد في مقابل النص، نسخ التلاوة - فإشكالك

الصفحة 102
على الخميني (قدس الله نفسه الشريفة) الذي فقأ عين الفتنة في أم رؤوسكم، وكسر عضد البطش المقيت في سواعد المستكبرين، ممن دخلوا هذا العالم بواسطة حكامكم..

فهذا الإشكال يدفعه أولا: أنك جاهل بمنشأ القول بولاية الفقيه ووجود هذا القول عند الطبقات المتقدمة من العلماء الإمامية، والخميني مقتبس له بما يؤدي إليه اجتهاده على الطريقة المثلى المعروفة عند العلماء، ومن أشكل عليه فإنما من باب مقابلة الاجتهاد بالاجتهاد... لا من باب البدعية.

وثانيا: ما لك تهرف بما تسمع، أفهل عهدت أحدا من العلماء الإمامية يقر له بحق إبداء النظر الشرعي، وله المرتبة القاصية بين العلماء طبعا، قال بكفر الخميني؟!

على أنني أعلم بمن عاداه وما ذلك إلا لأغراض الهوى والبؤس...

وإشكالك على القول بنسخ التلاوة... فهذا من أعجب العجب، وقد سبقت فيه بموضوع وتلا ذلك الموضوع نقاش كانت نتيجته خذلان صاحبك شعاع مع الأخ محمد العلي..

وخلاصة الخلاصة مما بين هناك، أن علماءنا حيث اعتنوا في دواوينهم الفقهية والتفسيرية بذكر الرأي الآخر (كما ترانا هنا لا نطرد أمثالك من المفترين) فقد أجروه كذلك فقط.

ولكن لكي تتعلم جيدا أقول لك أنا لدينا الجرأة الكافية أن نرفض القول عندما يبين بطلانه بالدليل كائن من كان القائل به!! ولكن كم نقلنا لكم من أقوال علماء المسلمين في الرد على ابن تيمية فهل نجع معكم ذلك؟!

* *


الصفحة 103

الفصل الرابع
سورتا الحفد والخلع اللتان كان يقرأ بهما عمر!


  • قصة تغييب القنوت عند السنيين لتضمنه الدعاء على المشركين والمنافقين
  • أعمال مبتكرة لمعالجة مشكلة الملعونين
  • قرار حذف القنوت من الصلاة لأنه كان محل لعن قريش
  • روايات القنوت الشاهدة الشهيدة!

  • كيف صار قنوت النبي (المصحح) سورتين من القرآن؟

  • القنوت في فقه الشيعة

    الصفحة 104

    الصفحة 105

    سورتا الحفد والخلع اللتان كان يقرأ بهما عمر!

    كتب (العاملي) في شبكة هجر بتاريخ 28 - 8 - 1999، موضوعا، جاء فيه:

    من أعجب ما تجد في مصادر السنيين قصة (سورتي) الخلع والحفد!

    وقد زعمت رواياتهم أن الخليفة كان يقرؤهما في صلاته على أنهما سورتان من القرآن، أو دعاء في القنوت!

    وذكرت المصادر أنهما كتبتا في مصاحف عدد من الصحابة المقربين من الخليفة عمر.

    ولو أن أحدا غير الخليفة وجماعته روى سورة غير موجودة في القرآن، أو قرأها في إمامته في الصلاة، لكان للرواة أصحاب الغيرة على القرآن كلام آخر معه، وحساب آخر، ولكنه الخليفة عمر!...

    ويتوقف فهم قصة سورتي الخلع والحفد أو سورتي الخليفة عمر، على معرفة قصة قنوت النبي صلى الله عليه وآله ودعائه في قنوته على أئمة الكفر وقادة الأحزاب، الذين هم بالدرجة الأولى زعماء قريش، ثم على بقية أعداء الله ورسوله من المشركين والمنافقين...


    الصفحة 106
    لذلك نحن مضطرون إلى بحث القنوت في فقه الشيعة والسنة..

    ليتضح أمر السورتين المزعومتين:

    * *

    قصة تغييب القنوت عند السنيين لتضمنه الدعاء على المشركين والمنافقين

    من المعروف في سيرة النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقنت في صلاته، أي يرفع يديه أثناء الصلاة ويدعو الله تعالى.. وقد يدعو على أعداء الله ورسوله من المشركين والمنافقين، وقد يلعنهم ويسميهم بأسمائهم..!

    ومن الطبيعي أن ذلك كان ثقيلا عليهم، خاصة على رؤساء قريش..!

    وتذكر روايات السيرة أن الله تعالى استجاب دعاء رسوله صلى الله عليه وآله، وأنزل بقريش ضائقة اقتصادية ألقت بثقلها على مكة، حتى أكلوا العلهز أو العلهس الذي كانوا يضطرون لأكله أحيانا في الجاهلية، وهو وبر الجمال يخلطونه بالدم ويشوونه ويأكلونه!!

    ولكنهم مع ذلك لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله.. اللهم إلا بعد أن نزل بساحتهم مباغتة في عشرة آلاف مقاتل من المسلمين، فاضطروا إلى التسليم وإلقاء السلاح، فجمعهم النبي في المسجد الحرام وخيرهم بين الإسلام والقتل، فأسلموا تحت السيف أو استسلموا، فعفا عنهم ولم يحررهم بل أطلقهم وسماهم الطلقاء..

    وبعد أسبوع أخذهم معه كجزء من جيشه إلى حرب هوازن في حنين!

    ومع أنهم انهزموا في أول معركة حنين.. إلا أن النبي أكرمهم ماديا وأعطاهم أكثر غنائم حنين!


    الصفحة 107
    وهكذا انحلت أزمة قريش الاقتصادية بفتح مكة، كما انحلت مشكلة لعن النبي لهم بأسمائهم! وإن بقيت ذكراها تاريخا يطاردهم! وعقدة تتراءى لهم!

    وعين النبي حاكما على مكة، وأطمع شخصيات قريش بأنهم يستطيعون أن يأخذوا مواقع قيادية في دولة الإسلام، فهاجر قليل منهم إلى المدينة، وبقي أكثرهم في مكة، وبدؤوا ينسون مرارة الهزيمة بحلاوة الطمع، لولا أن النبي صلى الله عليه وآله وأصل دعاءه على المنافقين والمشركين عامة ولعنهم، لكن بدون تسمية!!

    وطال أمر مشكلة القنوت واللعن نحو سنتين بعد فتح مكة.. إلى وفاة النبي صلى الله عليه وآله.

    وكان لله تعالى ولرسوله خلالها مع المنافقين آيات وقرارات، بلغت أوجها في سورة براءة التي سموها (الفاضحة)، لأنها فضحت نواياهم وأفكارهم ونفذت إلى أعماقهم، ورسمت صورا حية لمجموعاتهم وأشخاصهم.. لم يبق إلا أن توضع عليها أسماؤهم!!

    * *


    الصفحة 108

    أعمال مبتكرة لمعالجة مشكلة الملعونين

    وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله قام محبوا قريش والمنافقين بأعمال سبعة مبتكرة لمعالجة مشكلة الملعونين على لسان النبي:

    العمل الأول

    وضعوا أحاديث مفادها أن النبي صلى الله عليه وآله قد اعترف بخطئه في لعن الذين لعنهم ودعا عليهم، لأنه بشر!

    فدفع كفارة خطئه بأن دعا الله تعالى أن يجعل لعنته على من لعنه أو سبه أو آذاه (صلاة وقربة، زكاة وأجرا، زكاة ورحمة، كفارة له يوم القيامة، صلاة وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة، مغفرة وعافية وكذا وكذا، بركة ورحمة ومغفرة وصلاة، فإنهم أهلي وأنا لهم ناصح) على حد تعبير رواياتهم!

    فقد روى البخاري في صحيحه ج 7 ص 157: (عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة).

    وروى مسلم في صحيحه ج 8 ص 26: عن أبي هريرة أيضا: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة).

    وروى مسلم سبع روايات أخرى من هذا النوع!!

    وروت ذلك أغلب مصادرهم مثل: مسند أحمد: 2 / 390 و 488 و 496 و 3 / 384، و: 5 / 437، و 439، و: 6 / 45، وسنن الدارمي: 2 / 314، وسنن البيهقي: 7 م 60، وكنز العمال: 3 / 609...


    الصفحة 109
    في عشرات الروايات التي تصور النبي صلى الله عليه وآله جالسا على كرسي الاعتراف بأنه سباب لعان فحاش، مؤذ للناس يضربهم بالسوط ويهينهم!

    ولذا فهو يعلن توبته ويدعو لمن ظلمهم وأساء إليهم من الفراعنة والأبالسة، بهذا الخير الطويل العريض!!

    وقد حيرت هذا الروايات بعض الفقهاء مثل البيهقي.. لأن لعن الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وآله ما دام بأمر الله تعالى فهو طاعة وليس معصية، لأن الطرد من رحمة الله تعالى إنما هو جزاء من الله تعالى تابع لقوانين عادلة يتحمل مسؤوليتها الملعون نفسه، فلا يحتاج لعنه إلى توبة... كما لا يجوز الدعاء له بالخير والبركة والرحمة...

    وقد نصت بعض روايات اللعن والدعاء على أن النبي صلى الله عليه وآله قال: والله ما أنا قلته ولكن الله قاله. كما في مسند أحمد ج 4 ص 48 و ص 57 و ص 420 و ص 424 ومجمع الزوائد ج 10 ص 46 وكنز العمال ج 12 ص 68 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 82.

    أما إذا كان اللعن بسبب غضب وخطأ بشري كما تقول الروايات، فهو معصية كبيرة توجب خروج صاحبها عن العدالة، بل تجعله هو ملعونا!

    وقد نصت على ذلك روايات رواها السنة أيضا.. منها أن لعن المؤمن كقتله، ومنها إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها نظرت فإن وجدت مسلكا في الذي وجهت إليه، وإلا عادت إلى الذي خرجت منه.

    وقد عقدت بعض مصادر الحديث عندهم بابا لروايات النهي عن اللعن وتحريمه، كما في كنز العمال ج 3 ص 614 و 616 وغيره.


    الصفحة 110
    ولكن البيهقي حاول أن يجد حلا يحفظ كرامة نبيه كما حفظت هذه الروايات كرامة الملعونين!

    قال في سننه ج 7 ص 60: (باب ما يستدل به على أنه جعل سبه للمسلمين رحمة وفي ذلك كالدليل على أنه له مباح). انتهى! يعني أن اعتراف النبي بأنه لعن أناسا بغير حق، أو دعا عليهم بغير حق، أمر ثابت، ولا يمكن انسجامه مع عصمة النبي صلى الله عليه وآله إلا بالقول بأن الله قد أحل لنبيه هذه المحرمات..

    وأطلق لسان نبيه ويده في أعراض المسلمين!! وبقيت على أمته حراما!!

    لقد تصور البيهقي أنه قدم حلا للجانب الفقهي من المسألة.. ولكن وقع هو وغيره في محذورها الأخلاقي، الذي يدعي أن النبي صلى الله عليه وآله قد ارتكب هذا السلوك السئ الذي لا يليق بشخص عادي من أسرة عادية مؤدبة!!

    بل وقعوا في محذور أخلاقي بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى الذي حلل لنبيه هذا السلوك!!

    ولكنهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى نسبة هذا النقص الأخلاقي إلى النبي صلى الله عليه وآله! لأنه الضريبة الوحيدة لتبرئة من يحبونهم من الملعونين على لسانه!

    العمل الثاني

    من أعمال معالجة اللعن، أحاديث أكثر جرأة على مقام النبي صلى الله عليه وآله لأنها تصرح بأن النبي قد أخطأ وأساء الأدب في لعنه من لعنهم!


    الصفحة 111
    فبعث الله تعالى إليه جبرئيل فوبخه وقال له: إن الله يقول لك إني لم أبعثك سبابا! بل بعثتك رحمة للعالمين، والقرشيون قومك وأهلك أولى بالرحمة الإلهية من غيرهم، فلماذا تسبهم وتلعنهم؟! ثم علمه جبرئيل دعاء عاما يقوله في قنوته ليس فيه ما يمس قريش!

    وكان ذلك الدعاء: (سورتي الخلع والحفد العمريتين)!!.

    ف (السورتان) عند أصحابهما نسخة إلهية بدل دعاء اللعن والسب غير المناسب الذي كان يتلوه النبي صلى الله عليه وآله في قنوت صلاته!! أي:

    نسخة موضوعة لمصلحة زعماء قريش والمنافقين بدل الدعاء عليهم ولعنهم!

    قال البيهقي في سننه ج 2 ص 210: (.. عن خالد بن أبي عمران قال:

    بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر (يعني قريش) إذ جاءه جبرئيل فأومأ إليه أن اسكت فسكت، فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا! وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابا، ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون.

    ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك.

    اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق).

    ثم قال البيهقي: (هذا مرسل وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحا موصولا...

    عن عبيد بن عمير أنه عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح

    الصفحة 112
    ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم ألعن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.

    بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.

    بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعي ونحفد ونخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكافرين ملحق.

    رواه أبو سعيد بن عبد الرحمن ابن أبزى، عن أبيه، عن عمر، فخالف هذا في بعضه.

    عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع:

    اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع من يكفرك.

    كذا قال قبل الركوع. وهو إن كان إسنادا صحيحا، فمن روى عن عمر قنوته بعد الركوع أكثر...). انتهى!

    العمل الثالث

    أحاديث تفسير قوله تعالى (ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) آل عمران - 128، فإنك تجد العجاب في تفسيرهم لهذه الآية!


    الصفحة 113
    فالروايات فيها من كل حدب وصوب في رد أفكار النبي صلى الله عليه وآله وآلامه من طغاة قريش وتخطئته في دعائه عليهم ولعنه إياهم!

    وكأن أصحاب هذه الروايات وجدوا بغيتهم من القرآن ضد النبي صلى الله عليه وآله لمصلحة مشركي قريش ومنافقيها!!

    قال الترمذي في ج 4 ص 295:

    عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية، قال فنزلت: ليس لك من الأمر شئ، أو يتوب عليهم، فتاب عليهم فأسلموا وحسن إسلامهم!!

    هذا حديث حسن غريب يستغرب من حديث عمر بن حمزة عن سالم، وكذا رواه الزهري عن سالم عن أبيه...

    عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فهداهم الله للإسلام!

    هذا حديث حسن غريب صحيح يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر. ورواه يحيى بن أيوب عن ابن عجلان). انتهى.

    أما البخاري فقد عقد للآية أربعة أبواب!!

    روى فيها كلها أن الله تعالى رد دعاء نبيه على المشركين والمنافقين أو لعنه إياهم، ولم يسم البخاري الملعونين في أكثرها، حفظا على (كرامتهم)!!!

    قال في ج 5 ص 35:


    الصفحة 114
    (باب ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) قال حميد وثابت عن أنس: شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال:

    كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ فنزلت: ليس لك من الأمر شئ...

    عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، فأنزل الله عز وجل: ليس لك من الأمر شئ إلى قوله فإنهم ظالمون).

    وقال في ص 171:

    (باب ليس لك من الأمر شئ)

    سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول:

    اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، فأنزل الله ليس لك من الأمر شئ، إلى قوله فإنهم ظالمون. رواه إسحاق بن راشد عن الزهري).

    ثم أورد البخاري رواية أخرى تجعل فلانا وفلانا الملعونين أحياء من قبائل العرب وليسوا قادة من قريش! قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف، يجهر بذلك.


    الصفحة 115
    وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله: ليس لك من الأمر شئ... الآية).

    وقال في ج 8 ص 155:

    (باب قول الله تعالى ليس لك من الأمر شئ) عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا ولك الحمد في الأخيرة، ثم قال: اللهم العن فلانا وفلانا. فأنزل الله عز وجل: ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون). انتهى.

    والمرة الوحيدة التي سمى فيها البخاري بعض الملعونين رواية رواها عن حنظلة بن أبي سفيان، ومن الطبيعي أن يحذف منها اسم أبيه!!

    قال في ج 5 ص 35:

    وعن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحرث بن هشام فنزلت: ليس لك من الأمر شئ إلى قوله فإنهم ظالمون!).

    وأورد في ج 7 ص 164، روايات يوهم تسلسلها أن الآية نزلت ردا على دعاء النبي على أبي جهل، مع أن أبا جهل قتل في بدر والآية نزلت على أقل تقدير بعد بدر بسنة! قال البخاري:

    (باب الدعاء على المشركين) وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف. وقال اللهم عليك بأبي جهل.

    وقال ابن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة اللهم العن فلانا وفلانا حتى أنزل الله عز وجل: ليس لك من الأمر شئ!...


    الصفحة 116
    عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت:

    اللهم أنج عياش بن ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين.

    اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسني يوسف). انتهى.

    والنتيجة من روايات البخاري فقط أن الآية نزلت عدة مرات.. من أجل أشخاص أو فئات متعددين.. وفي أوقات متفاوتة!!

    أما إذا جمعنا أسباب نزولها عند البخاري وغيره، فقد تبلغ عشرين مناسبة متناقضة في الزمان والمكان والأشخاص الملعونين!!

    راجع أيضا: سنن النسائي ج 2 ص 203 ومسند أحمد ج 2 ص 93 و 104 و 118 و 147 و 255 وسنن الدارمي ج 1 ص 374 وسنن البيهقي ج 2 ص 197 وكنز العمال ج 2 ص 379 والدر المنثور ج 2 ص 70.

    ولكن مسلما كان أقل تشددا من البخاري!

    فقد روى أن نهي الله لرسوله عن لعن قريش تأخر عدة سنوات.. وأن الآية نزلت بعد غزوة بئر معونة وشهادة قراء القرآن..

    قال في ج 2 ص 134: سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف. اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان

    الصفحة 117
    وعصية عصت الله ورسوله. ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل: ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون.

    ثم برأ مسلم ذمته وروى رواية أخرى ليس فيها ذكر نزول الآية.. قال:

    عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله: واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر ما بعده!!

    عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في الصلاة شهرا إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة ابن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف.

    قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد، فقلت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم؟ قال فقيل وما تراهم قد قدموا؟!

    ثم برأ مسلم ذمته مرة أخرى فقال:... عن أبي سلمة أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي إلى قوله كسني يوسف ولم يذكر ما بعده!!

    ثم روى مسلم رواية تنفي أن النبي ترك لعن الكفار من صلاته إلى آخر حياته! فقال: (حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار). انتهى.


    الصفحة 118

    العمل الرابع: فتوى المفتين بالجنة للمنافقين!!

    عندما تقرأ القرآن تجد فراعنة قريش والمنافقين وجودا بارزا خطيرا بشخصياتهم ومواقفهم وخططهم ضد النبي صلى الله عليه وآله ودعوته ودولته وأمته..

    لكن عندما تقرأ السيرة والحديث من مصادر أتباع الخلافة.. تجد الصورة تخف.. وتصغر.. وتخفى ملامحها.. وأحيانا تغيب كليا.. فتجبرك على البحث والتنقيب لتعرف من هذا الشخص أو الجماعة الذين نزلت فيهم هذه الآية أو الآيات الكاسحة..!

    ومن هؤلاء الجهنميون الخبثاء الذين حذر الله تعالى منهم واعتبرهم مجرمين على مستوى الأمم والشعوب..؟!

    لقد اختفوا وغابوا، كما غاب قنوت النبي بالدعاء عليهم ولعنهم!

    قد يقال إن النبي صلى الله عليه وآله كان يعرفهم أو يعرف أكثرهم بما علمه الله تعالى، فكانوا في عصره معروفين مميزين.. أما بعد وفاته وانقطاع الوحي فقد صار أمرهم إلى الله تعالى.

    ولكن لو سلمنا ذلك، فإنا نسأل عن أولئك الذين كانوا مكشوفين في زمن النبي صلى الله عليه وآله، أين صاروا، ولماذا اختفوا..؟!

    وأين غاب أبطال الكفر والنفاق في تاريخ البعثة والمرحلة المكية والمدنية وأحداث نزول القرآن..؟!

    وأين غابت أسماء الذين كان يدعو عليهم النبي صلى الله عليه وآله في صلاته طوال نبوته تقريبا؟!!


    الصفحة 119
    وأين أسماء أولئك العتاة الذين لم يسعهم حلم الله العظيم، ضاق بهم صدر رسوله الرحب صلى الله عليه وآله، فكشفهم النبي بأمر ربه، وسماهم في المسجد واحدا واحدا وطرد بعضهم من مسجده!!

    وقال لآخرين في أنفسهم قولا بليغا؟!!

    لقد اختفى تاريخ أكثر مشركي قريش ومنافقيها من المصادر!!

    ولولا آيات القرآن القارعة الهادرة لكان اختفى كل تاريخهم!!

    إنها ظاهرة ذات دلالة على وجود موقف مقصود مدروس في التغطية على تاريخ القرشيين، أعداء الله ورسوله بالأمس، والمنافقين اليوم.. لأنهم صاروا جميعا من شخصيات مجتمع المدينة، عاصمة دولة الخلافة الإسلامية الكبرى!!

    فقد صدر مرسوم خليفي بقبول المنافقين واعتبارهم مسلمين من أهل الجنة!! وكتب رواة الخلافة تحته توقيع النبي صلى الله عليه وآله، فظهرت الروايات التي تشهد بذلك!

    ومن أجل عيون مشركي قريش ومنافقيها صدرت الفتاوي باستحقاق الجنة حتى لمنافقي المدينة من غير قريش!!

    روى أحمد في مسنده ج 3 ص 135، قصة مالك بن الدخشم الذي كان رأس المنافقين بعد ابن أبي سلول فقال:

    فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم، فجعلوا يذكرون ما يلقون من المنافقين فأسندوا أعظم ذلك إلى مالك بن دخشم، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

    أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟

    فقال قائل: بلى وما هو من قلبه؟


    الصفحة 120
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فلن تطعمه النار أو قال لن يدخل النار) ونحوه في ج 5 ص 449!!

    أما في ج 4 ص 44: فاكتفت الرواية بشهادة التوحيد فقط دون النبوة!

    قال (ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتى صيروا أمرهم إلى رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم وقالوا: من حاله ومن حاله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟

    فلما كان في الثالثة قالوا إنه ليقوله، قال: والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقا من قلبه لا تأكله النار أبدا! قالوا فما فرحوا بشئ قط كفرحهم بما قال!) انتهى!

    إذن يكفي لضمان الجنة أن يشهد الشخص بالتوحيد، ولا يضره أن يكون كافرا بالنبي صلى الله عليه وآله، أو منافقا يكيد للإسلام ورسوله وأمته!

    وقد احتاط البخاري وغيره قليلا في ضمان الجنة للمنافق، فاشترطوا أن يشهد شهادة التوحيد يريد بها وجه الله تعالى!

    ثم لا مانع بعد ذلك أن يكفر برسول الله ويقصد بأعماله وجه الشيطان!

    فقد روى في صحيحه رواية ابن الدخشم وغيره في ج 2 ص 56 و ج 6 ص 202 وفيهما أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).

    ورواه أحمد نحوه في مسنده ج 4 ص 44!


    الصفحة 121
    أما مسلم فلم يستعمل الاحتياط، بل روى في صحيحه ج 1 ص 122، كيفية نجاة المنافقين يوم القيامة ودخولهم الجنة، يوم (يتجسد!) الله سبحانه وتعالى و (يضحك!) للمؤمنين والمنافقين ويمشي أمامهم.. الخ!!

    قال مسلم: (أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال... فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا. فيقول أنا ربكم، فيقولون حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك! قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك. ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها). انتهى.

    ومع أن (بركات) هذه الأحاديث شملت المنافقين من أهل المدينة، لكن المقصود بها بالأساس مشركوا قريش ومنافقوها.. فقد أكد الخليفة عمر أن الظالم من قريش مغفور له ويدخل الجنة!

    روى الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 355: (عن أبي عثمان النهدي، سمعت عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له!) وهو يقصد بذلك قريشا.


    الصفحة 122
    وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 251: (وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية (ثم أورثنا الكتاب...) قال: ألا أن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له!!

    وأخرج العقيلي وابن لال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، وقرأ عمر فمنهم ظالم لنفسه... الآية).

    انتهى.

    وما أدري كيف يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين آية واحدة من آيات المنافقين في القرآن مثل قوله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)؟!

    بل كيف يمكن الجمع بينها وبين ما روته نفس هذه المصادر، كالذي رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 108:

    (عن عبد الله يعني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن كان فيه خصلة ففيه خصلة من النفاق: إذا حدث كذب، وإذا أوتمن خان، وإذا وعد أخلف. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

    وعن ابن مسعود قال: اعتبروا المنافقين بثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر. فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله... إلى آخر الآية.

    رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح). انتهى.


    الصفحة 123
    والذي رواه الترمذي في سننه ج 5 ص 298: (عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب.

    هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد).

    وأحاديث الحاكم الصحيحة في المستدرك ج 3 ص 129: (عن أبي ذر رضي الله عنه قال ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

    هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه).

    وفي ص 138: (عن علي بن أبي طلحة قال حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج، فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي، فقال علي به، فأتي به فقال: أنت الساب لعلي؟ فقال ما فعلت.

    فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائما على حوض رسول الله صلى الله عليه وآله يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصا من عوسج. حدثنيها الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله، وقد خاب من افترى. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). انتهى.

    العمل الخامس: إعطاء مناصب الدولة الهامة للمنافقين!

    وأول من فتح هذا الباب وأعطى مناصب الدولة للمنافقين هو الخليفة عمر..

    وكان يبرر ذلك تبريرا عصريا فيقول إن مسألة الدين أمر بين الإنسان وربه..


    الصفحة 124
    والمنافق إثمه عليه!!

    فقد روى في كنز العمال ج 4 ص 614 (عن عمر قال: نستعين بقوة المنافق، وإثمه عليه)!

    وفي ج 5 ص 771: (عن الحسن أن حذيفة قال لعمر: إنك تستعين بالرجل الفاجر فقال عمر: إني لاستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفائه - أبو عبيد) انتهى.

    هذا مع أنه روي عن الخليفة قول النبي صلى الله عليه وآله: (من استعمل فاجرا وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله). كنز العمال ج 5 ص 761.

    وقد برر البيهقي إعطاء المناصب للمنافقين بأنهم منافقون لينون، فقال في سننه ج 9 ص 36: (عن عبد الملك بن عبيد قال: قال عمر رضي الله عنه:

    (نستعين بقوة المنافقين وإثمهم عليهم). وهذا منقطع، فإن صح فإنما ورد في منافقين لم يعرفوا بالتخذيل والإرجاف، والله أعلم)!. انتهى.

    ولكن محاولة البيهقي للتخفيف لا تنفع في الترقيع، لأن البخاري روى في صحيحه ج 8 ص 100، أن المنافقين في زمن الخليفة عمر كانوا - بسبب بسط أيديهم - وقحين متجاهرين!!

    حتى أن حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي صلى الله عليه وآله أطلق صيحة التحذير من خطرهم فقال: (إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون)!!. انتهى.


    الصفحة 125

    قرار حذف القنوت من الصلاة لأنه كان محل لعن قريش

    العمل السادس: انتقام الخلفاء من القنوت!

    فقد قررت الخلافة وأتباعها التخلص من القنوت في كل فريضة وحصره في صلاة الفجر والوتر، أو فيما إذا نزلت نازلة بالناس فيدعو الإمام بشأنها، وجوز الإمام أحمد أن يقنت الأمراء فقط في صلاتهم ويدعوا، أما عامة المسلمين فلا..!

    ومع أن القنوت بقي عندهم جزئيا، لكنك تشعر وأنت تقرأ فتاواهم فيه أنه ما زال في أنفسهم منه شئ، وكأنهم لم يستوفوا حقهم من قنوت رسول الله صلى الله عليه وآله! ثم تراهم لا يحبونه ولا يعلمونه لعوامهم!

    وإذا علموهم اقتصروا على سورتي الخلع والحفد، أو دعاء القنوت الذي يروونه عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، وهو دعاء عام لا أثر فيه لذكر الكفار والمنافقين.. وهو الدعاء الشائع عندهم في عصرنا أكثر من سورتي الخليفة، بسبب أن نصه أقوى من نصهما..

    قال في فتح العزيز ج 4 ص 250:

    (واستحب الأئمة منهم صاحب التلخيص أن يضيف إليه (القنوت) ما روي عن عمر رضي الله عنه..) ثم ذكر (السورتين).

    ويبدو أن ترك القنوت وتحريمه كان مذهب الأكثرية في زمن بني أمية!

    حتى تصاعد غيظ الفقهاء منه وأفتوا بأنه كان من أصله تصرفا شخصيا من النبي صلى الله عليه وآله لمدة شهر فقط، ثم نهاه الله عنه، أو كان مشروعا لكنه نسخ، وهو الآن حرام وبدعة!!