الصفحة 70
  • وكتب (الصارم) بتاريخ 18 - 8 - 1999، الخامسة والنصف مساء:

    إلى العاملي: ألخص حوارنا السابق بما يلي:

    سؤالي لماذا تشد الرحال إلى القبور؟ فأجبت للاستشفاع!!

    لماذا تستشفع بهم؟ فأجبت لأن لي ذنوبا!!! ما الذي يعمله الميت لك؟.

    أرجو أن تجيب بصراحة عن هذا السؤال وبلا إطالة.

  • فكتب (العاملي) بتاريخ 18 - 8 - 1999، السابعة مساء:

    - كان سؤالك: لماذا تشد الرحال إلى القبور؟

    وجوابه: أننا نشد الرحال لزيارة من ثبت عندنا استحباب زيارته كالنبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم..

    فغرضنا وكل المسلمين من شد الرحال والسفر هو الزيارة، وقد لا يعرف بعضهم الاستشفاع أبدا، بل يقول أنا ذاهب لزيارة النبي. وقد يستشفع بهم الزائر وقد لا يستشفع، بل يسلم عليه ويصلي عنده، ويدعو الله تعالى بدون استشفاع.

    - وسألتني: لماذا تستشفع بهم؟

    فضربت لك مثلا في طلب شفاعتهم بالمغفرة، وأضيف هنا أن النبي صلوات الله عليه وآله له مقام عظيم أكرمه به ربه في الدنيا والآخرة، ومن إكرامه له أن المسلم إذا طلب من ربه حاجة مستشفعا به وكانت مستجمعة للشروط الأخرى، قضاها له. فالتوسل والاستشفاع طلب من الله تعالى وحده بجاه نبيه، وليس طلبا من النبي الذي هو مخلوق مثلنا، ليس له من الأمر شئ، إلا ما أعطاه الله.


    الصفحة 71
    - وسألت: ما الذي يعمله الميت لك؟

    وجوابه أن النافع الضار هو الله تعالى وحده لا شريك له، والميت والحي وكل المخلوقات لا تملك لي ولا لأنفسها نفعا ولا ضرا، إلا ما ملكها الله تعالى..

    ومن اعتقد بأن أحدا له بنفسه ذرة من ذلك فهو مشرك بالله تعالى.

    ولكن الله تعالى هو الذي جعل هذا المقام لنبيه صلى الله عليه وآله، وأمرنا أن نبتغي إليه الوسيلة بالعمل وبتشفيع رسوله في حاجاتنا في الدنيا والآخرة.

    ومع الأسف أن بعضكم ما زال يتصور أن شد الرحال إنما يكون بنية الاستشفاع والتوسل، وأن الاستشفاع والتوسل طلب من النبي ودعاء له بدل الله تعالى!! ونعوذ بالله من ذلك، ونعوذ به ممن يتهم المسلمين بذلك بدون ذليل!!

  • وكتب (الصارم) بتاريخ 22 - 8 - 1999، الثالثة ظهرا:

    إلى العاملي: معذرة لتأخري، وأعود مرة أخرى لموضوعنا وأقول: هل لك أن تفرق بين فعل الشيعة وبين فعل المشركين في جاهليتهم عند قبورهم؟

    فالمشركون يقرون بالربوبية، وإنما كفروا بتعلقهم بالملائكة والأنبياء، لأنهم يقولون (هؤلاء شفعاؤنا عند الله)؟. أرجو أن تفرق لي باختصار. تحياتي لك.

  • فأجاب (العاملي) بتاريخ 22 - 8 - 1999، الثالثة والنصف ظهرا:

    الكفار والمشركون اتخذوا آلهة وأولياء من دون الله تعالى. والضالون اتخذوا إليه وسيلة من دونه لم يأمرهم بها ولم ينزل بها سلطانا..


    الصفحة 72
    أما نحن فنوحده ونطيعه ونبتغي إليه الوسيلة التي أمرنا بها وهي محمد وآل محمد صلوات الله عليهم. والذين ينتقدوننا لم يفرقوا في موضوع التوسل والشفاعة بين ما هو من الله تعالى وما هو من دونه!!

    وفي الفرق بينهما يكمن الكفر والإيمان، والهدى الضلال!!

    وكتب (حسين مهدي أحمد) في الموسوعة الشيعية بتاريخ 28 - 1 - 2000، الحادية عشرة صباحا، موضوعا بعنوان (حول زيارة قبور الأنبياء الأئمة والأولياء) قال فيه:

    يشكل على الشيعة بأنهم يعتقدون بجواز زيارة قبور الأنبياء والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم والأولياء ويشيدونها ويتبركون بها ويصلون ويدعون عندها مع أنه ورد النهي عن اتخاذ القبور مساجد وعن بناء المساجد على القبور.

    لم يرد النهي عن الزيارة في أثر من الآثار وإنما نهى عنه الوهابيون، منع الوهابية من شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله، فضلا عن غيره، ونقل القسطلاني في شرح صحيح البخاري وابن حجر الهيثمي في الجوهر المنظم، عن ابن تيمية قدوة الوهابيين تحريم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع شد الرحال وبدونه! وعن الملا علي القاري في المجلد الثاني من شرح الشفا أنه قال: قد فرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أفرط غيره حيث قال: كون الزيارة قربة معلوم من الدين وجاحده محكوم عليه بالكفر! ولعل الثاني أقرب إلى الصواب، لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا، لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب. انتهى.


    الصفحة 73
    تدل على مشروعية زيارته صلى الله عليه وآله وسلم وفضيلتها كما في كشف الارتياب 362 - 372، الأدلة الأربعة:

    الدليل الأول: كتاب الله العزيز:

    قال تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما. النساء - 64.

    قال السمهودي في وفاء الوفاء مجلد 2 ص 411: العلماء فهموا من هذه الآية العموم لحالتي الموت والحياة واستحبوا لمن أتى القبر أن يتلوها.

    الدليل الثاني: السنة الشريفة:

    والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، نقلها السمهودي في وفاء الوفاء - مجلد 4 ص 394 - 403، ونقلها غيره ونحن ننقلها منه وربما نترك بعض أسانيدها، وقد تكلم هو على أسانيدها بما فيه كفاية.

    1 - الدار قطني في السنن وغيرها والبيهقي وغيرهما بالأسانيد من طريق موسى بن هلال العبدي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زار قبري وجبت له شفاعتي.

    2 - البزار من طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من زار قبري حلت له شفاعتي.

    3 - الطبراني في الكبير والأوسط والدار قطني في أماليه وأبو بكر بن المقري في معجمه، من رواية مسلمة بن سالم الجهني عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من جاءني زائرا لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة.


    الصفحة 74
    قال والذي في معجم ابن المقري: من جاءني زائرا كان حقا على الله عز وجل أن أكون له شفيعا يوم القيامة. قال وأورد الحافظ ابن السكن هذا الحديث في باب ثواب من زار قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابه السنن الصحاح المأثورة. ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون هذا الحديث مما أجمع على صحته انتهى. وهو بإطلاقه شامل للزيارة في الحياة وبعد الموت.

    4 - الدار قطني والطبراني في الكبير والأوسط وغيرهما من طريق حفص بن داود القاري عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي. قال:

    ورواه ابن الجوزي في مثير الغرام الساكن بسنده وزاد وصحبتي. ورواه ابن عدي في كامله بسنده بهذه الزيادة. ورواه أبو يعلى بسنده بدون الزيادة.

    وفي بعض الروايات: من حج فزارني في حياتي. ورواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق عائشة بنت يونس امرأة الليث عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي. أقول: ورواه بلفظه الأول السيوطي في الجامع الصغير عن أحمد في مسنده وأبي داود والترمذي والنسائي عن الحارث.

    5 - ابن عدي في الكامل من طريق محمد بن محمد بن النعمان عن جده عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

    من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني. قال السبكي: وذكر ابن الجوزي له في الموضوعات طرفا منه.

    6 - الدار قطني في السنن من طريق موسى بن هارون عن محمد بن الحسن الجيلي عن عبد الرحمن بن المبارك عن عون بن موسى عن أيوب عن نافع عن

    الصفحة 75
    ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني في المدينة كنت له شهيدا وشفيعا.

    7 - أبو داود الطيالسي عن سوار بن ميمون أبي الجراح العبدي عن رجل من آل عمر عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

    من زار قبري أو قال من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا. الحديث.

    8 - أبو جعفر العقيلي من رواية سوار بن ميمون عن رجل من آل الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة. الحديث.

    9 - الدار قطني وغيره من طريق هارون بن قزعة عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي. الحديث.

    10 - أبو الفتح الأزدي من طريق عمار بن محمد عن خاله سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله عز وجل فيما افترض عليه.

    11 - أبو الفتوح بسنده من طريق خالد بن يزيد عن عبد الله بن عمر العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي ومن زارني كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة.

    12 - ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن أبي فديك عن سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من

    الصفحة 76
    زارني بالمدينة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة. وفي رواية: كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة. ورواه البيهقي بهذا الطريق ولفظه من زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة.

    13 - ابن النجار في أخبار المدينة بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني ميتا فكأنما زارني حيا، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة.

    14 - أبو جعفر العقيلي بسنده عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو قال شفيعا.

    15 - بعض الحفاظ في زمن ابن مندة بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان. قال: والحديث في مسند الفردوس.

    16 - يحيى بن الحسن بن جعفر الحسيني في أخبار المدينة بسنده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن لم يزرني فقد جفاني.

    وروى ابن عساكر بسنده عن علي: من زار قبر رسول كان في جوار رسول الله صلى الله عليه وآله.

    17 - يحيى أيضا بسنده عن رجل عن بكر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة.

    الحديث.


    الصفحة 77
    انتهت الأحاديث التي أوردها السمهودي وهي مع كثرتها يعضد بعضها بعضا وتعضدها الأحاديث الآتية مع أنه لا حاجة لنا إلى الاستدلال بها للسيرة القطعية وعمل المسلمين البالغ حد الضرورة.

    الدليل الثالث: الاجماع:

    فقد أجمع المسلمون خلفا عن سلف من عهد النبي صلى الله عليه وآله والصحابة إلى يومنا هذا قولا وعملا على زيارة قبره صلى الله عليه وآله ولم يشذ عنهم أحد إلا الوهابيون. بل إن استحباب زيارة قبور الأنبياء والصالحين بل وسائر المؤمنين ومشروعيتها ملحق بالضروريات عند المسلمين فضلا عن الإجماع، وسيرتهم مستمرة عليها من عهد النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين وتابعيهم وجميع المسلمين في كل عصر وفي كل صقع عالمهم وجاهلهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم. فلا يكون إنكار ذلك إلا مصادمة للبديهة وإنكارا للضروري.

    قال السمهودي في وفاء الوفاء، نقلا عن السبكي، قال عياض: زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم سنة بين المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغوب فيها.

    انتهى.

    قال السبكي: وأجمع العلماء على استحباب زيارة القبور للرجال كما حكاه النووي بل قال بعض الظاهرية بوجوبها. واختلفوا في النساء وامتاز القبر الشريف بالأدلة الخاصة به لهذا أقول إنه لا فرق بين الرجال والنساء.

    الدليل الرابع: دليل العقل:

    فإنه يحكم بحسن تعظيم من عظمه الله تعالى والزيارة نوع من التعظيم وفي تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم بالزيارة وغيرها تعظيم لشعائر الإسلام

    الصفحة 78
    وإرغام لمنكريه. وأما زيارة سائر القبور، فثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يزور أهل البقيع وشهداء أحد. وروى ابن ماجة بسنده عنه صلى الله عليه وآله وسلم: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة. وبسنده عن عائشة أنه صلى الله عليه وآله وسلم رخص في زيارة القبور، وقال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة. ورواه مسلم إلى قوله: فزوروها. وروى النسائي: ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر. وفي حاشية السندي عن الزوائد: إن رجال إسناده ثقات.

    وقد زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه وهي مشركة بزعم الخصم.

    روى مسلم وابن ماجة والنسائي بأسانيدهم عن أبي هريرة زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم بالموت. قال النووي في شرح صحيح مسلم: هو حديث صحيح بلا شك.

    وروى مسلم: أنه كلما كانت ليلة عائشة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وآتاكم ما توعدون. وعلم صلى الله عليه وآله وسلم عائشة حين قالت له: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين رواه مسلم.

    ونحن وإن كنا نعتقد بأن آباء النبي وأمهاته كلهم مؤمنون تبعا لما ثبت عندنا بالأحاديث الصحيحة، ولا نقبل أن أم النبي صلى الله عليه وآله كانت

    الصفحة 79
    مشركة ولكنا أوردنا الحديث لنحتج به على من يحرم الزيارة. ونسأل الله التوفيق.

  • وكتب (خادم الحق) بتاريخ 29 - 1 - 2000، الحادية عشرة والنصف صباحا:

    أحسنت والله يا أبا علي... وعندما نزور قبور النبي وأهل بيته (ص)..

    فإننا نعظم ما جاء به النبي ص وما جاهد من أجهله أهل البيت طوال حياتهم ألا وهو الإسلام.. فهل في هذا الأمر من شئ؟؟؟

    ولكن نقول الحمد لله الذي خصنا بولاتهم وهدانا لزيارتهم...

    ونسأله أن يجعلنا معهم ولا يحرمنا صحبتهم. آمين رب العالمين.

    وكتب (مالك الأشتر) في الموسوعة الشيعية بتاريخ 27 - 11 - 1999، السادسة صباحا، موضوعا بعنوان (آداب الزيارة عند أهل السنة)، قال فيه:

    هذه بعض آراء علماء السنة في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وآدابها، واعتقادهم بحقيقته بعد موته صلى الله عليه وآله:

    1 - أخرج القاضي عياض بإسناده عن إن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين (يعني المنصور الدوانيقي) مالكا (مالك إمام المذهب المالكي) في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوما فقال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي... ومدح قوما فقال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله... الآية، وإن حرمته ميتا كحرمته حيا.


    الصفحة 80
    فاستكان أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله؟ فقال (مالك): ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟! بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله تعالى، قال الله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله توابا رحيما.

    2 - قال العبدري المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد: وأما النذر للمشي إلى المسجد الحرام أو المشي إلى مكة فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة، وإلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه (وآله) أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس.

    وقال ابن الحجاج في المدخل ج 1 ص 256 بعد نقل هذه العبارة: وهذا الذي قاله مسلم صحيح، لا يرتاب فيه إلا مشرك أو معاند لله ولرسوله صلى الله عليه وآله!!

    3 - يقول جمال الدين عبد الله الفاكهي المكي الشافعي المتوفى سنة 927، في كتابه (حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل): يتتبع (المسافر لزيارة النبي) ما في طريقه من المساجد والآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه (وآله) فيحييها بالزيارة ويتبرك بالصلاة فيها.

    4 - يقول الفقيه الشرنبلالي في كتاب (مراقي الفلاح): فإذا عاين (الزائر) حيطان المدينة المنورة يصلي على النبي ثم يقول: اللهم هذا حرم نبيك ومهبط وحيك فامنن علي بالدخول فيه، واجعله وقاية لي من النار وأمانا من العذاب واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب.


    الصفحة 81
    5 - قال القاضي عياض في الشفاء: إن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل باكيا منشدا:

    ولما رأينا رسم من لم يدع لنا * فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا
    نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة * لمن بان عنه أن نلم به ركبا

    فضمنها القاضي عياض قصيدة نبوية له يقول فيها:

    وتهنا بأكناف الخيام تواجدا * نقبلها طورا ونرشفها طورا
    ونبدي سرورا والفؤاد بحبها * تقطع والأكباد أورى بها لهبا
    أقدم رجلا بعد رجل مهابة * وأسحب خدي في مواطنها سحبا
    وأسكب دمعي في مناهل حبها * وأرسل حبا في أماكنها النجبا

  • وكتب (مدقق) بتاريخ 27 - 11 - 1999، السادسة والنصف صباحا:

    أحسنت.

  • وكتب (مالك الأشتر) بتاريخ 28 - 11 - 1999، الواحدة صباحا:

    أين الذين يرموننا بعبادة القبور؟

  • ثم كتب (صعصة بن صوحان) بتاريخ 10 - 2 - 2000، الثانية عشرة وخمس دقائق صباحا:

    السلام عليك يا سيدي ومولاي ونبيي وشفيعي رسول الله (ص)

    السلام عليك يا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

    السلام عليك يا سيدتي ومولاتي أيتها الصديقة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)


    الصفحة 82
    السلام عليك يا سيدي ومولاي أبا محمد الحسن بن علي المجتبى (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين يا شهيد كربلاء (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي علي بن الحسين زين العابدين (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي محمد بن علي الباقر (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي جعفر بن محمد الصادق (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي موسى بن جعفر الكاظم (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي محمد بن علي الجواد (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي علي بن محمد الهادي (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي الحسن بن محمد العسكري (ع)

    السلام عليك يا سيدي ومولاي يا صاحب العصر والزمان، يا محمد بن الحسن المهدي المنتظر. عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه.

    وجعلنا الله وإياكم من الطالبين رضا الله بمناصحته.

    اللهم ارزقنا زيارتهم والتقرب والتبرك والتوسل عند قبورهم، صلواتك عليهم أجمعين.

  • وكتب (ولائي) بتاريخ 10 - 2 - 2000، الثانية عشرة والنصف صباحا: أحسنتم يا إخوة.. وكثر الله من أمثالكم.

    وكتب (فرات) في الموسوعة الشيعية بتاريخ 20 - 2 - 2000، السادسة مساء، موضوعا بعنوان (زيارة القبور في السنة النبوية)، قال فيه:


    الصفحة 83
    إن زيارة القبور تنطوي على آثار أخلاقية وتربوية هامة باعتبار أن مشاهدة المقابر التي تضم في طياتها مجموعة كبيرة من الذين عاشوا في هذه الدنيا ثم انتقلوا إلى الآخرة، يؤدي إلى قتل روح الطمع والحرص على الدنيا، أو لا أقل يؤدي إلى تخفيفها في النفس.. وبالتالي يغير سلوك الإنسان فيترك المظالم والمنكرات ويتوجه إلى الحي الذي لا يموت بقلب خاشع، مما يجعله يصبو نحو الآخرة. وبهذا المعنى يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

    (زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة).

    مضافا إلى روايات أخرى تدل بالصراحة على المطلب لا مجال لذكرها.

    هذا كله في زيارة قبور المسلمين. وأما زيارة مدفن الأولياء من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة والشهداء والصالحين.

    فلا شك في أن لزيارتهم نتائج مهمة، فإن زيارة مراقدهم نوع من الشكر والتقدير لتضحياتهم الجبارة التي بذلوها. وإعلام للجيل الحاضر بأن هذا هو جزاء الذين يسلكون طريق الحق والهدى والفضيلة والدفاع عن المبدأ والعقيدة.

    وهذا لا يدفعنا إلى زيارة قبورهم فقط، بل يدعونا إلى إبقاء ذكرياتهم حية ساخنة والمحافظة على آثارهم، وإقامة المناسبات في ذكرى مواليدهم، وعقد المجالس في أيام التحاقهم بالرفيق الأعلى لأجل تعظيمهم من جهة، والاستلهام من منابعهم والتزود من فيوضهم من جهة أخرى.

    وهذا مما لا ينكره منصف، ولهذا نرى الأمم الحية يتسابقون في زيارة مدفن رؤسائهم وشخصياتهم، الذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل إحياء الشعب واستقلاله من يد المستعمرين والظالمين، ويقيمون الذكريات لإحياء معالمهم. فبطريق أولى يحسن أن نقيم هذه المهرجانات، لأن عظماءنا جادوا

    الصفحة 84
    بأرواحهم وقدموا دمائهم رخيصة من أجل سعادة البشرية جمعاء، وأرادوا أن يكون الوجود كله خاضعا في مسالكه تابعا في إرادته لله الواحد القهار.

    ولا يخطر ببال أحد أن هذه الأمور عبادة لهم!!

    فأين التعظيم للشخصيات من عبادتها؟! فإن التعظيم تقدير لجهودهم والعبادة من تأليههم واتخاذهم أربابا! فهل منا من يخلط بين الأمرين؟!

    وكتب (خادم أهل البيت) في الموسوعة الشيعية بتاريخ 5 - 3 - 2000، العاشرة مساء، موضوعا بعنوان (زيارة القبور والتوسل بالعلماء عند أهل السنة)، قال فيه:

    هذه نبذة بسيطة من الروايات والأحاديث الموجودة عند العامة في كتبهم: - أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام الحنفية المتوفى 150 ه، قبره في الأعظمية ببغداد مزار معروف، روى الخطيب في تاريخه 1 صفحة 123:

    عن علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجئ إلى قبره في كل يوم، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد حتى تقضى. وذكره الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة ج 2 صفحة 199، والكردري في مناقبه 2 صفحة 112، وطاش كبرى زاده في مفتاح السعادة 2 صفحة 82، والخالدي في صلح الإخوان صفحة 83 نقلا عن السفيري وابن جماعة.

    - وقال ابن حجر (الخيرات الحسان) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل إلى الله تعالى به في قضاء حاجاته وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسل

    الصفحة 85
    بالإمام الشافعي حتى تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد فقال له أبوه: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولما بلغ الإمام الشافعي أن أهل المغرب يتوسلون بالإمام مالك لم ينكر عليهم.

    - وقال ابن الجوزي في صفوة الصفوة: 2 / 183: عن أحمد بن الفتح قال: سألت بشرا (التابعي الجليل) عن معروف الكرخي فقال: هيهات حالت بيننا وبينه الحجب. إلى أن قال: فمن كانت له إلى الله حاجة فليأت قبره وليدع فإنه يستجاب له إن شاء الله تعالى. وقال: قبره ظاهر يتبرك به في بغداد.

    - أحمد بن حنبل إمام الحنابلة المتوفى 241، قبره ظاهر مشهور يزار ويتبرك به.

    كذا في مختصر طبقات الحنابلة ص 11، وقال الذهبي في (ل 1 ص 114):

    ضريحه يزار ببغداد. وحكى ابن الجوزي في (مناقب أحمد) ص 297 عن عبد الله ابن موسى قال: خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد، فاشتدت الظلمة فقال أبي: يا بني تعال حتى نتوسل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح حتى يضئ لنا الطريق فإني منذ 30 سنة ما توسلت به إلا قضيت حاجتي، فدعا أبي وأمنت على دعائه فأضائت السماء كأنها ليلة مقمرة حتى وصلنا إليه. هذا قليل من كثير مما حصلت عليه في هذا اليوم، فهل هذا مختص بالشيعة فقط؟؟؟

    وكتب (تائه) في الموسوعة الشيعية بتاريخ 14 - 12 - 1999، الثامنة مساء، موضوعا بعنوان (زيارة القبور.. رد على الجاهل بالفرق بين عبادة الأصنام والقبور؟)، قال فيه:


    الصفحة 86
    إعلم أن البناء على قبور الأنبياء والعباد المصطفين تعظيم لشعائر الله، وهو من تقوى القلوب، ومن السنن الحسنة، حيث إنه احترام لصاحب القبر، وباعث على زيارته، وعلى عبادة الله عز وجل - بالصلاة والقراءة والذكر وغيرها - عنده، وملجأ للزائرين والغرباء والمساكين والتالين والمصلين. بل هو إعلاء لشأن الدين. فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها. وقد بني على مراقد الأنبياء قبل ظهور الإسلام وبعده، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أحد من الصحابة والخلفاء، كالقباب المبنية على قبر دانيال عليه السلام في شوشتر، وهود وصالح ويونس وذي الكفل عليهم السلام، والأنبياء في بيت المقدس وما يليها، كالجبل الذي دفن فيه موسى عليه السلام، وبلد الخليل مدفن سيدنا إبراهيم عليه السلام.

    بل الحجر المبني على قبر إسماعيل عليه السلام وأمه رضي الله عنها. بل أول من بنى حجرة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باللبن - بعد أن كانت مقومة بجريد النخل - عمر بن الخطاب، على ما نص عليه السمهودي في كتاب (الوفا) ثم تناوب الخلفاء على تعميرها.

    وروى البنائي واعظ أهل الحجاز، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين، عن أبيه علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:

    والله لتقتلن في أرض العراق وتدفن بها. فقلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟. فقال: يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده، تحن إليكم وتحتمل المذلة والأذى، فيعمرون

    الصفحة 87
    قبوركم، ويكثرون زيارتها تقربا منهم إلى الله تعالى، ومودة منهم لرسوله [ أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زواري غدا في الجنة ].

    يا علي، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس... إلى آخره. ولا يخفى أن جعل معمر قبورهم كالمعين على بناء بيت المقدس، دال على أن تعظيم مراقدهم تعظيم لشعائر الله سبحانه.

    ونقل نحو ذلك أيضا في حديثين معتبرين، نقل أحدهما الوزير السعيد بسند، وثانيهما بسند آخر. والسيرة القطعية من قاطبة المسلمين المستمرة، والإجماع، يغنيان عن ذكر الأحاديث الدالة على الجواز.

    وما أعجب قول المفتين: أما البناء على القبور فممنوع إجماعا! فإن مذهب الوهابية وهم فئة قليلة بالنسبة إلى سائر المسلمين لم يظهر إلا قريبا من قرن واحد، ولا يتفوه أحد من المسلمين سوى الوهابية بحرمة البناء، فأين الإجماع المدعي؟! ودعوى ورود الأحاديث الصحيحة على المنع لو ثبت غير مجد لإثبات الحرمة، لأن أخبار الآحاد لا تنهض لدفع السيرة والإجماع القطعي، مع أن أصل الدعوى ممنوع جدا. فإن مثل رواية جابر: نهى رسول الله أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ. لا تدل على التحريم، لعدم حرمة الكتابة على القبور ووطئها، فذلك من أقوى القرائن على أن النهي في الرواية غير دال على الحرمة، ولا نمنع الكراهة في غير قبور مخصوصة. مع أن الظاهر من قوله: يبنى عليها إحداث بناء كالجدار على نفس القبر، فإن بناء القبة وجدرانها بعيدة عن القبر، ليس بناء على القبر على الحقيقة، وإنما هو نوع من المجاز، وحمل اللفظ على الحقيقة حيث لا صارف

    الصفحة 88
    عنها معين، مع أن النهي عن الوطء يؤكد هذا المعنى، لا الذي فهموه من الرواية. وأما الاستدلال على وجوب هدم القباب بحديث أبي الهياج، فغير تام في نفسه مع قطع النظر عن مخالفته للإجماع والسيرة لوجوه:

    الأول: إن الحديث مضطرب المتن والسند. فتارة يذكر عن أبي الهياج أنه قال: قال لي علي كما في رواية أحمد عن عبد الرحمن. وتارة يذكر عن أبي وائل، أن عليا قال لأبي الهياج. ورواه عبد الله بن أحمد في مسند علي هكذا: لأبعثنك فيما بعثني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أسوي كل قبر، وأن أطمس كل صنم.

    فالاضطراب المزبور يسقطه عن الحجية والاعتبار.

    الثاني: إنه من الواضح أن المأمور به في الرواية لم يكن هدم جميع قبور العالم، بل الحديث وارد في بعث خاص وواقعة مخصوصة، فلعل البعث قد كان إلى قبور المشركين لطمس آثار الجاهلية - كما يؤيده ذكر الصنم - أو إلى غيرها مما لا نعرف وجه مصلحتها، فكيف يتمسك بمثل هذه الرواية لقبور الأنبياء والأولياء؟! قال بعض علماء الشيعة من المعاصرين: إن المقصود من تلك القبور، التي أمر علي عليه السلام بتسويتها، ليست هي إلا تلك القبور التي كانت تتخذ قبلة عند بعض أهل الملل الباطلة، وتقام عليها صور الموتى وتماثيلهم، فيعبدونها من دون الله. إلى أن قال: وليت شعري لو كان المقصود من القبور التي أمر علي عليه السلام بتسويتها هي عامة القبور على الإطلاق، فأين كان عليه السلام وهو الحاكم المطلق يومئذ عن قبور الأنبياء التي كانت مشيدة على عهده؟! ولا تزال مشيدة إلى اليوم في فلسطين وسورية والعراق وإيران، ولو شاء تسويتها لقضى عليها بأقصر وقت. فهل

    الصفحة 89
    ترى أن عليا عليه السلام يأمر أبا الهياج بالحق وهو يروغ عنه فلا يفعله؟!

    انتهى ما أردنا نقله منه.

    الثالث: قال بعض المعاصرين من أهل العلم: لا يخفى من اللغة والعرف أن تسوية الشئ من دون ذكر القرين المساوي معه، إنما هو جعل الشئ متساويا في نفسه، فليس لتسوية القبر في الحديث معنى إلا جعله متساويا في نفسه، وما ذلك إلا جعل سطحه متساويا. ولو كان المراد تسوية القبر مع الأرض، لكان الواجب في صحيح الكلام أن يقال: إلا سويته مع الأرض.

    فإن التسوية بين الشيئين المتغايرين لا بد فيها من أن يذكر الشيئان اللذان تراد مساواتهما. وهذا ظاهر لكل من يعطي الكلام حقه من النظر، فلا دلالة في الحديث إلا على أحد أمرين:

    أولهما: تسطيح القبور وجعلها متساوية برفع سنامها، ولا نظر في الحديث إلى علوها، ولا تشبث فيه بلفظ (المشرف) فإن الشرف إن ذكر أنه بمعنى العلو، فقد ذكر أنه من البعير سنامه، كما في القاموس وغيره، فيكون معنى (المشرف) في الحديث هو: القبر ذو السنام، ومعنى تسويته: هدم سنامه.

    وثانيهما: أن يكون المراد: القبور التي يجعل لها شرف من جوانب سطحها، والمراد من تسويته أن تهدم شرفه ويجعل مسطحا أجم، كما في حديث ابن عباس: أمرنا أن نبني المدائن شرفا والمساجد جماء.

    وعلى كل حال، فلا يمكن في اللغة والاستعمال أن يراد من التسوية في الحديث أن يساوى القبر مع الأرض، بل لا بد أن يراد منه أحد المعنيين المذكورين.


    الصفحة 90
    وأيضا: كيف يكون المراد مساواة القبر مع الأرض، مع أن سيرة المسلمين المتسلسلة على رفع القبور عن الأرض؟! وفي آخر كتاب الجنائز من جامع البخاري، مسندا عن سفيان التمار، أنه رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنما. وأسند أبو داود في كتاب الجنائز عن القاسم، قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمه، اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة.

    وأسند ابن جرير، عن الشعبي، أن كل قبور الشهداء مسنمة. انتهى ما أردنا نقله منه. وأقول بعد ذلك: لو كان قوله: (مشرفا) بمعنى عاليا، فليس يعم كل قبر ارتفع عن الأرض ولو بمقدار قليل، فإنه لا يصدق عليه القبر العالي، فإن العلو في كل قبر إنما هو بالإضافة إلى سائر القبور، فلا يبعد أن يكون أمرا بتسوية القبور العالية فوق القدر المتعارف المعهود في ذلك الزمان إلى حد المتعارف، وقد أفتى جمع من العلماء بكراهة رفع القبر أزيد من أربع أصابع. ولتخصيص الكراهة لو ثبتت بغير قبور الأنبياء والمصطفين من الأولياء وجه.

    الرابع: لو سلم أي دلالة في الرواية، فلا ربط لها ببناء السقوف والقباب ووجوب هدمها، كما هو واضح. وأما قول السائل: إذا كان البناء في مسبلة كالبقيع وهو مانع... إلى آخره. فقد أجاب بعض المعاصرين عنه بما حاصله: أن أرض البقيع ليست وقفا، بل هي باقية على إباحتها الأصلية، ولو شككنا في وقفيتها يكفينا استصحاب إباحتها.

    وأقول: بل وقفيتها غير مانع عن البناء لأنها موقفة مقبرة على جميع الشؤون المرعية في المقابر. ومنها: البناء على قبور أشخاص مخصوصين