الصفحة 701
قال: فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها، فطلّقها(1).

فماذا تستفيدون من هذا الخبر؟ إنّ هكذا مصاهرات لها تأثيراتها، فالبنت مثلاً تمرض في بيت زوجها، ولابدّ وأن يأتي أبوها، لابدّ وأن يمرّ عليها إخوتها، ولابد وأن يكون هناك ارتباطات واتّصالات، المصاهرات دائماً لها هذه التأثيرات الإجتماعيّة، وهم ملتفتون إلى هذا.

يقول: لمّا تزوّجت ابنة الزبير ذهب ما في صدري على الزبير، ولو تزوّج الحجاج ابنة عبدالله بن جعفر ذهب ما بقلب الحجاج من البغض بالنسبة إلى بني هاشم وآل أبي طالب.

فلابدّ وأن يكتب عبدالملك بن مروان إلى الحجاج بسرعة ليطلّقها، وأن ينقطع هذا الارتباط والاتصال، ولا ينفتح باب للمراودة بين العشيرتين.

وهذا ما كان يقصده عمر بن الخطاب من خطبته بنت أمير المؤمنين، بعد أنْ فعل ما فعل، وعلي امتنع من أن يزوّجه، إلى أن هدّده واضطرّ الإمام إلى السكوت، وإيكال الأمر إلى العباس، وحصل الأمر بهذا المقدار، وهو وقوع العقد فقط، ولم يكن أكثر من ذلك، ولذلك بمجرّد أنْ مات عمر جاء علي (عليه السلام) وأخذ بيدها وأرجعها إلى بيته.

فلا يستفيدنّ أحد من هذه القضيّة شيئاً من أجل أنْ يغطّي على ما كان، وأن يجعل هذه القضيّة وسيلة للتشكيك أو لتضعيف ما كان، وإنّما هذه القضيّة كانت بهذا المقدار، وعلى أثر التهديد واضطرار أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن هنا نفهم كيف اضطرّ الامام إلى السكوت عن أمر الخلافة والولاية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك ممّا كان.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

____________

1- مختصر تاريخ دمشق 6 / 205.


الصفحة 702

الصفحة 703



المسح على الرجلين
في الوضوء





الصفحة 704

الصفحة 705

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.

بحثنا في مسألة المسح على الرجلين في الوضوء.

وهي مسألة علمية تحقيقيّه فقهيّة، مطروحة في كتب العلماء في الفقه والكلام والحديث والتفسير.

وأُلّفت في هذه المسألة رسائل كثيرة، لكون المسألة تتعلّق بالوضوء، والوضوء مقدّمة الصلاة، والصلاة عمود الدين، فريضة يقوم بها كلّ فرد من المكلّفين في كلّ يوم خمس مرّات.

ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلّي بالناس، ولعلّه كان يتوضّأ أمامهم وفي حضورهم، والصحابة أيضاً لا سيّما الملازمون له، المطّلعون على جزئيّات حالاته، لابدّ وأن يكونوا على اطّلاع من وضوئه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومع هذه التفاصيل، وتعليم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)الوضوء للناس، نرى هذا الخلاف الشديد بين المسلمين في كيفيّة الوضوء.

ومسألتنا مسألة المسح، وبحثنا الآن في مسألة المسح على الرجلين في الوضوء، وإلاّ فالمسائل الأُخرى المتعلّقة بالوضوء، التي وقع النزاع فيها بين المسلمين أيضاً موجودة، لكنّا نتعرّض الآن لمسألة المسح على الرجلين أو غسل الرجلين على الخلاف الموجود.


الصفحة 706

الصفحة 707

الأقوال في المسألة

الأقوال في هذه المسألة متعدّدة، فأجمعت الشيعة الإماميّة الإثنا عشريّة على أنّ الحكم الشرعيّ في الوضوء هو المسح على الرجلين على التعيين، بحيث لو أنّ المكلّف غسل رجله، وحتّى لو جمع بين الغسل والمسح بعنوان أنّه الواجب والتكليف الشرعي، يكون وضوؤه باطلاً بالإجماع.

هذا رأي الطائفة الإماميّة، ولهم على هذا الرأي أدلّتهم من الكتاب والسنّة المرويّة عن أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم، وقد ادّعي التواتر في الروايات الدالّة على وجوب المسح دون الغسل، بل ذكر أنّ المسح في الوضوء من ضروريّات هذا المذهب.

إذن، لا خلاف بين الشيعة الإماميّة في وجوب المسح على التعيين، ولهم أدلّتهم.

وأمّا الآخرون، فقد اختلفوا:

منهم من قال بوجوب الغسل على التعيين، وهذا قول الأئمّة الأربعة، والقول المشهور بين أهل السنّة.

ومنهم من قال: بوجوب الجمع بين المسح والغسل، وينسب هذا القول إلى بعض أئمّة الزيديّة وإلى بعض أئمّة أهل الظاهر.

ومن أهل السنّة من يقول بالتخيير، فله أن يغسل وله أن يمسح.

وسنذكر أصحاب هذه الأقوال في خلال البحث.

إلاّ أنّ المهمّ هو البحث عن المسح على وجه التعيين والغسل على وجه التعيين، فالقول بالغسل على وجه التعيين قول جمهور أهل السنّة، والقول بالمسح على التعيين

الصفحة 708
قول الطائفة الشيعيّة الإماميّة الإثنى عشرية.

فلننظر ماذا يقول هؤلاء، وماذا يقول أولئك، ولنحقق في أدلّة القولين على ضوء الكتاب والسنّة، لنتوصّل إلى النتيجة التي نتوخّاها.


الصفحة 709

الاستدلال بالقرآن على المسح

أمّا في الكتاب، فقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلى الْكَعْبَيْنِ )(1).

ومحل الشاهد والاستدلال في هذه الآية كلمة ( وَأَرْجُلَكُمْ ).

في هذه الكلمة ثلاثة قراءات، قراءتان مشهورتان: الفتح والجر ( وَأَرْجُلَكُمْ )( وَأَرْجُلِكُمْ )، وقراءة شاذّة وهي القراءة بالرفع: ( وَأَرْجُلُكُمْ ).

القراءة بالرفع وصفت بالشذوذ، يقال: إنّها قراءة الحسن البصري وقراءة الأعمش، ولا يهمّنا البحث عن هذه القراءة، لأنّها قراءة شاذّة، ولو أردتم الوقوف على هذه القراءة ومن قرأ بها، فارجعوا إلى تفسير القرطبي(2)، وإلى أحكام القرآن لابن العربي المالكي(3)وإلى غيرهما من الكتب، كتفسير الآلوسي، وتفسير أبي حيّان البحر المحيط، وفتح القدير للشوكاني، يمكنكم الوقوف على هذه القراءة.

والوجه في الرفع ( وَأَرْجُلُكُمْ ) قالوا بأنّ الرفع هذا على الإبتداء ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلُكُمْ ) هذا مبتدأ يحتاج إلى خبر، فقال بعضهم: الخبر: مغسولة، وأرجلكم مغسولة، فتكون هذه الآية بهذه القراءة دالّة على وجوب الغسل.

____________

1- سورة المائدة: 6.

2- الجامع لأحكام القرآن 6/94.

3- أحكام القرآن لابن العربي 2/72.


الصفحة 710
لاحظوا كتاب إملاء ما منّ به الرحمن في إعراب القرآن لأبي البقاء، وهو كتاب معتبر، هُناك يدّعي بأنّ كلمة ( وَأَرْجُلُكُمْ ) بناء على قراءة الرفع مبتدأ والخبر مغسولة، فتكون الآية دالّة على وجوب الغسل(1).

لكنّ الزمخشري(2) وغير الزمخشري من كبار المفسّرين يقولون بأنّ تقدير مغسولة لا وجه له، لأنّ للطرف الآخر أن يقدّر ممسوحة.

ومن هنا يقول الآلوسي(3): وأمّا قراءة الرفع فلا تصلح للاستدلال للفريقين، إذ لكلّ أن يقدّر ما شاء، القائل بالمسح يقدّر ممسوحة والقائل بالغسل يقدّر مغسولة.

نرجع إلى القراءتين المشهورتين أو المتواترتين، بناء على تواتر القراءات السبع.

أمّا قراءة الجر ( وَأَرْجُلِكُمْ ) وجه هذه القراءة واضح، لأنّ الواو عاطفة، تعطف الأرجل على الرؤوس، الرؤوس ممسوحة فالأرجل أيضاً ممسوحة (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ )، بناء على هذه القراءة تكون الواو عاطفة، والأرجل معطوفة على الرؤوس، وحينئذ تكون الآية دالّة على المسح بكلّ وضوح.

أمّا بناء على القراءة بالنصب ( وَأَرْجُلَكُمْ ) الواو عاطفة، وأرجلكم معطوفة على محلّ الجار والمجرور، على محلّ رؤوسكم، ومحلّ رؤوسكم منصوب، والعطف على المحل مذهب مشهور في علم النحو وموجود، ولا خلاف في هذا على المشهور بين النحاة، وكما أنّ الرؤوس ممسوحة، فالأرجل أيضاً تكون ممسوحة.

فبناء على القراءتين المشهورتين تكون الآية دالّة على المسح دون الغسل.

وهذا ما يدّعيه علماء الإماميّة في مقام الاستدلال بهذه الآية المباركة.

ولننظر هل لأهل السنّة أيضاً رأي في هاتين القراءتين أو لا؟ وهل علماؤهم يوافقون على هذا الاستنتاج، بأنْ تكون القراءة بالنصب والقراءة بالجرّ كلتا القراءتان

____________

1- إملاء ما منّ به الرحمن 1 / 210.

2- الكشاف 1 / 611.

3- روح المعاني 6 / 77.


الصفحة 711
تدلاّن على وجوب المسح دون الغسل أو لا؟

أمّا الإماميّة فلهم أدلّتهم، وهذا وجه الاستدلال عندهم بالآية المباركة كما قرأنا.

تجدون الاعتراف بدلالة الآية المباركة ـ على كلتا القراءتين ـ على وجوب المسح دون الغسل، تجدون هذا الاعتراف في الكتب الفقهيّة، وفي الكتب التفسيريّة، بكلّ صراحة ووضوح، وأيضاً في كتب الحديث من أهل السنّة، أعطيكم بعض المصادر: المبسوط في فقه الحنفيّة للسرخسي(1)، شرح فتح القدير في الفقه الحنفي(2)، المغني لابن قدامة في الفقه الحنفي(3)، تفسير الرازي(4)، غنية المتملّي(5)، حاشية السندي على سنن ابن ماجة(6)، تفسير القاسمي(7).

هذه بعض المصادر التي تجدون فيها الاعتراف بدلالة الآية المباركة على كلتا القراءتين بوجوب المسح، وحتّى أنّ الفخر الرازي يوضّح هذا الاستدلال، ويفصّل الكلام فيه ويدلّل عليه ويدافع عنه، وكذا غير الفخر الرازي في تفاسيرهم.

وفي هذه الكتب لو نراجعها نرى أموراً مهمّة جدّاً:

الأمر الأول: إنّ الكتاب ظاهر ـ على القراءتين ـ في المسح على وجه التعيين.

الأمر الثاني: يذكرون أسماء جماعة من كبار الصحابة والتابعين وغيرهم القائلين بالمسح دون الغسل، وسنذكر بعضهم.

الأمر الثالث: إنّهم يصرّحون بأنّ الكتاب وإنْ دلّ على المسح، فإنّا نقول بالغسل

____________

1- المبسوط 1 / 8.

2- شرح فتح القدير 1 / 11.

3- المغني 1 / 151.

4- تفسير الرازي 11 / 161.

5- غنية المتملي: 16.

6- حاشية السندي 1 / 88.

7- تفسير القاسمي 6 / 1894.


الصفحة 712
لدلالة السنّة على الغسل.

فإذن، يعترفون بدلالة الكتاب على المسح، إلاّ أنّهم يستندون إلى السنّة في القول بوجوب الغسل.

لكنّ الملفت للنظر أنّهم يعلمون بأنّ الاستدلال بالسنّة للغسل سوف لا يتمّ، لوجود مشكلات لابدّ من حلّها وبعضها غير قابلة للحل، فالاستدلال بالسنّة على وجوب الغسل لا يتم، والاعتراف بدلالة الآية على وجوب المسح ينتهي إلى ضرورة القول بوجوب المسح، لدلالة الكتاب ولعدم دلالة تامّة من السنّة، حينئذ يرجعون ويستشكلون ويناقشون في دلالة الكتاب على المسح.


الصفحة 713

مناقشات القوم في الاستدلال بالقرآن وردّها

أذكر لكم بعض المناقشات، وهذه المناقشات تجدونها في كتبهم، وتجدون أيضاً الردّ على هذه المناقشات في كتبهم أيضاً، فأقرأ لكم بعض المناقشات وبعض الردود على تلك المناقشات من أنفسهم.

المناقشة الأُولى:

إنّ قراءة النصب في أرجلكم ليس هذا النصب بالعطف على محلّ رؤوسكم كما ذكرنا، وإنّما هو لأجل العطف على الوجوه والأيدي، فكأنّه قال: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم.

فإذن يجب الغسل لا المسح، والنصب ليس للعطف على محل رؤوسكم، وإنّما العطف على لفظ الوجوه والأيدي، ولفظ الوجوه والأيدي منصوب، وأرجلكم منصوب.

إذن، يسقط الاستدلال بالآية المباركة ـ على قراءة النصب ـ لوجوب المسح دون الغسل، بل تكون الآية دالة على الغسل دون المسح، بناء على صحّة هذا الوجه.

هذا الإشكال تجدونه في أحكام القرآن لابن العربي المالكي يقول: جاءت السنّة قاضيّة بأنّ النصب يوجب العطف على الوجه واليدين، النصب في أرجلكم بمقتضى دلالة السنّة لابدّ وأنْ يكون لأجل العطف على الوجه واليدين، لا لأجل العطف على محلّ رؤوسكم، وقد ذكر ابن العربي المالكي بأنّ هذا الذي أقوله هو طريق النظر البديع(1).

____________

1- أحكام القرآن 2 / 72.


الصفحة 714

ردّ المناقشة الأُولى:

لكنّ المحققين منهم يردّون هذا الوجه، ويجيبون عن هذا الإشكال، ويقولون: بأنّ الفصل بين المتعاطفين بجملة غير معترضة خطأ في اللغة العربية، والقرآن الكريم منزّه من كلّ خطأ وخلط، وكيف يحمل الكتاب على خطأ في اللغة العربيّة.

لاحظوا، يقول أبو حيّان ـ وهو مفسر كبير ونحوي عظيم، وآراؤه في الكتب النحويّة مذكورة ينظر إليها بنظر الاحترام، ويبحث عنها ويعتنى بها ـ يقول معترضاً على هذا القول: بأنّه يستلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض بل هي منشئة حكماً.

قال: قال الأُستاذ أبوالحسن ابن عصفور [ وهذا الإسم نعرفه كلّنا، من كبار علماء النحو واللغة ] وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه قال: وأقبح ما يكون ذلك بالجمل، فدلّ قوله هذا على أنّه ينزّه كتاب الله عن هذا التخريج(1).

وتجدون هذا الاعتراض على هذه المقالة أيضاً في عمدة القاري، وفي الغنية للحلبي، وفي غير هذين الكتابين أيضاً.

المناقشة الثانية:

قال بعضهم بأنّ لفظ المسح مشترك بين المسح المعروف والغسل، أي في اللغة العربية أيضاً يسمى الغسل مسحاً، وإذا كان اللفظ مشتركاً حينئذ يسقط الاستدلال.

قال القرطبي: قال النحّاس: هذا من أحسن ما قيل في المقام، أي لأنْ تكون الآية غير دالّة على المسح، نجعل كلمة المسح مشتركة بين الغسل والمسح المعروف.

ثمّ قال القرطبي: وهو الصحيح.

____________

1- البحر المحيط 3/438.


الصفحة 715
فوافق على رأي النحّاس(1).

وراجعوا أيضاً: البحر المحيط(2)، وتفسير الخازن(3)، وابن كثير(4)، يذكرون هذا الرأي.

ردّ المناقشة الثانية:

لكنّ المحقّقين لا يوافقون على هذا الرأي، وهذه المناقشة عندهم مردودة، ولا يصدّقون أن يقول اللغويون بمجيء كلمة المسح بمعنى الغسل، وأن تكون هذه الكلمة لفظاً مشتركاً بين المعنيين.

لاحظوا مثلاً: عمدة القاري في شرح البخاري يقول بعد نقل هذا الرأي: وفيه نظر(5).

ويقول الصاوي في حاشية البيضاوي: وهو بعيد(6).

وصاحب المنار يقول: وهو تكلّف ظاهر(7).

فتكون هذه المناقشة أيضاً مردودة من قبلهم.

المناقشة الثالثة:

إنّ قراءة الجرّ ليست بالعطف على لفظ برؤوسكم ليدلّ قوله تعالى في هذه الآية المباركة على المسح، لا، وإنّما هو كسر على الجوار.

____________

1- الجامع لأحكام القرآن 6/94.

2- البحر المحيط 3 / 438.

3- تفسير الخازن 2 / 441.

4- ابن كثير 2 / 35.

5- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري 2/239.

6- الصاوي على البيضاوي 1/270.

7- تفسير المنار 6/233.


الصفحة 716
عندنا في اللغة العربيّة كسر على الجوار، ويمثّلون له ببعض الكلمات أو العبارات العربيّة مثل: هذا جحر ضبٍّ خرب، يقال: هذا كسر على الجوار.

فليكن كسر ( وَأَرْجُلِكُمْ ) أيضاً على الجوار، فحينئذ يسقط الاستدلال.

أورد هذه المناقشة: العيني في عمدة القاري، وأبو البقاء في إملاء ما منّ به الرحمن، والآلوسي في تفسيره، ودافع الآلوسي عن هذا الرأي.

ردّ المناقشة الثالثة:

لكنّ أئمّة التفسير لا يوافقون على هذا.

لاحظوا، يقول أبو حيّان: هو تأويل ضعيف جدّاً(1).

ويقول الشوكاني: لا يجوز حمل الآية عليه(2).

ويقول الرازي وكذا النيسابوري: لا يمكن أن يقال هذا في الآية المباركة(3).

ويقول القرطبي قال النحّاس: هذا القول غلط عظيم(4).

وهكذا يقول غيرهم كالخازن والسندي والخفاجي في حاشيته على البيضاوي وغيرهم من العلماء الأعلام.

فهذه المناقشة أيضاً مردودة.

المناقشة الرابعة:

يقولون إنّ الآية بكلتا القراءتين تدلّ على المسح، يعترفون بهذا، فقراءة النصب تدلّ على المسح، وقراءة الجر تدلّ على المسح، لكن ليس المراد من المسح أنْ يمرّ

____________

1- البحر المحيط 3 / 438.

2- فتح القدير 2 / 16.

3- غرائب القرآن 6 / 53.

4- الجامع لأحكام القرآن 6 / 94.


الصفحة 717
الإنسان يده على رجله، بل المراد من المسح المسح على الخفّين، حينئذ تكون الآية أجنبيّة عن البحث.

إختار هذا الوجه جلال الدين السيوطي، واختاره أيضاً المراغي صاحب التفسير.

ردّ المناقشة الرابعة:

لكن هذه المناقشة تتوقّف:

أوّلاً: على دلالة السنّة على الغَسل دون المسح، وهذا أوّل الكلام.

ثانياً: إنّ جواز المسح على الخفّين في حال الإختيار أيضاً أوّل الكلام، فكيف نحمل الآية المباركة على ذلك الحكم.

وفي هذه المناقشة أيضاً إشكالات أُخرى.

وتلخّص إلى الآن: أنّهم اعترفوا بدلالة الآية المباركة بكلتا القراءتين على وجوب المسح دون الغسل، اعترفوا بهذا ثمّ قالوا بأنّنا نعتمد على السنّة ونستند إليها في الفتوى بوجوب الغسل، ونرفع اليد بالسنّة عن ظاهر الكتاب.

وحينئذ، تصل النوبة إلى البحث عن السنّة، والمناقشات في الآية ظهر لنا اندفاعها بكلّ وضوح، فنحن إذن والسنّة.


الصفحة 718

الصفحة 719

الاستدلال بالسنّة على المسح

وفي السنّة النبويّة ـ بغضّ النظر عن روايات أهل البيت ومافي كتاب وسائل الشيعة وغير وسائل الشيعة من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ـ ننظر إلى روايات أهل السنّة في هذه المسألة.

وفي كتبهم المعروفة المشهورة، نجد أنّ الروايات بهذه المسألة على قسمين، وتنقسم إلى طائفتين، منها ما هو صريح في وجوب المسح دون الغسل، أقرأ لكم بعض النصوص عن جمع من الصحابة الكبار، وننتقل إلى أدلّة القول الآخر.

الرواية الأُولى:

عن علي (عليه السلام): إنّه توضّأ فمسح على ظهر القدم وقال: لولا أنّي رأيت رسول الله فعله لكان باطن القدم أحقّ من ظاهره.

هذا نصّ في المسح عن علي (عليه السلام) أخرجه أحمد والطحاوي(1).

الرواية الثانية:

عن علي (عليه السلام) قال: كان النبي يتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً إلاّ المسح مرّةً مرّة.

____________

1- مسند أحمد 1 / 95، 114، 124، شرح معاني الاثار 2 / 372.


الصفحة 720
في المصنّف لابن أبي شيبة وعنه المتقي الهندي(1).

الرواية الثالثة:

عن علي (عليه السلام) إنّه توضّأ ومسح رجليه، في حديث مفصّل وقال: أين السائل عن وضوء رسول الله؟ كذا كان وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

هذا في مسند عبد بن حميد وعنه المتقي الهندي(2).

وهذا الخبر الأخير تجدونه بأسانيد أُخرى عند ابن أبي شيبة وأبي داود وغيرهما، وعنهم المتقي(3)، وبسند آخر تجدون هذا الحديث الأخير في أحكام القرآن(4).

فأميرالمؤمنين (عليه السلام) يروي المسح عن رسول الله، وهم يروون خبره وأخباره في كتبهم المعتبرة بأسانيد عديدة.

الرواية الرابعة:

عن ابن عبّاس: أبى الناس إلاّ الغسل ولا أجد في كتاب الله إلاّ المسح.

رواه عبدالرزّاق الصنعاني وابن أبي شيبة وابن ماجة، وعنهم الحافظ الجلال السيوطي(5).

الرواية الخامسة:

عن رفاعة بن رافع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه

____________

1- كنز العمال 9 / 444.

2- كنز العمال 9 / 448.

3- كنز العمال 9 / 448، 605.

4- أحكام القرآن للجصّاص 1 / 347.

5- الدر المنثور 2 / 262.


الصفحة 721
ورجليه إلى الكعبين.

وهذا نص صريح أخرجه أبو داود في سننه(1)، والنسائي في سننه(2)، وابن ماجه في سننه(3)، والطحاوي(4)، والحاكم(5)، والبيهقي، والسيوطي في الدر المنثور(6).

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

قال الذهبي: صحيح.

وقال العيني: حسّنه أبو علي الطوسي وأبو عيسى الترمذي وأبو بكر البزّار، وصحّحه الحافظ ابن حبّان وابن حزم.

الرواية السادسة:

عن عبدالله بن عمر، كان إذا توضّأ عبدالله ونعلاه في قدميه، مسح ظهور قدميه برجليه ويقول: كان رسول الله يصنع هكذا(7).

الرواية السابعة:

عن عبّاد بن تميم عن عمّه: إنّ النبي توضّأ ومسح على القدمين، وإنّ عروة بن الزبير كان يفعل ذلك.

هذا الحديث رواه كثيرون من أعلام القوم، فلاحظوا في شرح معاني الآثار(8)، وفي

____________

1- سنن أبي داود 1 / 86.

2- سنن النسائي 1 / 161.

3- سنن ابن ماجة 1 / 156.

4- الطحاوي 1 / 35.

5- المستدرك 1 / 241.

6- الدر المنثور 2 / 262.

7- شرح معاني الآثار 1 / 35.

8- شرح معاني الآثار 1 / 35.


الصفحة 722
الاستيعاب(1) وصحّحه صاحب الاستيعاب.

وقال ابن حجر: روى البخاري في تاريخه وأحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عمرو والبغوي والباوردي وغيرهم كلّهم من طريق أبي الأسود عن عبّاد بن تميم المازني عن أبيه قال: رأيت رسول الله يتوضّأ ويمسح الماء على رجليه.

قال ابن حجر: رجاله ثقات(2).

وروى هذا أيضاً ابن الأثير في أُسد الغابة عن ابن أبي عاصم وابن أبي شيبة(3).

الرواية الثامنة:

عن عبدالله بن زيد المازني: إنّ النبي توضّأ ومسح بالماء على رجليه.

ابن أبي شيبة في المصنَّف وعنه في كنز العمّال(4)، وابن خزيمة في صحيحه وعنه العيني في عمدة القاري(5).

الرواية التاسعة:

عن حمران مولى عثمان بن عفّان قال: رأيت عثمان بن عفّان دعا بماء، فغسل كفّيه ثلاثاً، ومضمض واستنشق وغسّل وجهه ثلاثاً وذراعيه، ومسح برأسه وظهر قدميه.

رواه أحمد والبزّار وأبو يعلى وصحّحه أبو يعلى(6).

____________

1- الاستيعاب 1 / 159.

2- الإصابة في معرفة الصحابة 1 / 185.

3- أسد الغابة في معرفة الصحابة 1 / 217.

4- كنز العمال 9 / 451.

5- عمدة القاري في شرح البخاري 2 / 240.

6- كنز العمال 9 / 442.


الصفحة 723

الرواية العاشرة:

ابن جرير الطبري بسنده عن أنس بن مالك: وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما.

قال ابن كثير: إسناده صحيح(1).

الرواية الحادية عشرة:

عن عمر بن الخطّاب.

أخرج ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ عنه حديثاً في المسح، ولاحظ عمدة القاري(2).

الرواية الثانية عشرة:

عن جابر بن عبدالله الأنصاري كذلك.

أخرجها الطبراني في الأوسط وعنه العيني(3).

وهناك أحاديث وآثار أُخرى لا أُطيل عليكم بذكرها، وإلاّ فهي موجودة عندي وجاهزة.

ومن هنا نرى أنّهم يعترفون بذهاب كثير من الصحابة والتابعين إلى المسح.

لاحظوا أنّه اعترف بذلك ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، وابن العربي في أحكام القرآن، وابن كثير في تفسيره، هؤلاء كلّهم اعترفوا بذهاب جماعة من الصحابة والتابعين والسلف إلى المسح، وفي بداية المجتهد لابن رشد: ذهب إليه قوم، أي المسح.

وأمّا رأي محمّد بن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير، فقد نقلوا عنه الردّ على القول بتعيّن الغسل، وهذا القول عنه منقول في تفاسير: الرازي والبغوي والقرطبي وابن

____________

1- تفسير ابن كثير 2 / 25.

2- عمدة القاري في شرح البخاري 2 / 240.

3- عمدة القاري في شرح البخاري 2 / 240.