الصفحة 324
الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام) - وذكر خطبة للحسن ابن علي (عليه السلام) بمحضر الناس ومعاوية وذكر فيها فضل أبيه وسوابقه وما قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من النص إلى أن قال الحسن (عليه السلام) في الخطبة: " وقد تركت بنو إسرائيل - وكان أصحاب موسى - هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم وهم يعلمون أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك لأبي (عليه السلام): إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نصبه لهم بغدير خم وسمعوه ونادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب "(1).

السابع والثلاثون: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن علي بن محمد العلوي قال: حدثنا الحسن بن علي بن صالح بن شعيب الجوهري(2) قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: " حدثنا الحسن بن علي - صلوات الله عليه - إن الله عز وجل بمنه وبرحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه لا إله إلا هو ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ولتتسابقوا إلى رحمته ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية، وجعل لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض مفتاحا إلى سبله، ولولا محمد (صلى الله عليه وآله) والأوصياء من ولده (عليهم السلام) كنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل يدخل قرية إلا من بابها، فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم (صلى الله عليه وآله) قال: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * ففرض عليكم لأوليائه حقوقا وأمركم بأدائها إليهم ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثم قال عز وجل: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) *(3).

فاعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه إن الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه، فاعملوا ما شئتم

____________

(1) قطعة من حديث مفصل أخذ المؤلف - رحمه الله - منه موضع استشهاده وذكره بطوله الشيخ الطوسي في أماليه: 2 / 174 - 180.

(2) في المصدر: الحسين بن صالح بن شعيب الجوهري.

(3) الشورى: 23.


الصفحة 325
* (فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) *(1) والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:

خلقت من نور الله عز وجل وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبيهم من نورهم، وسائر الخلق في النار "(2).

الثامن والثلاثون: الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد في أماليه قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا علي بن الحسن(3) التيملي قال: وجدت في كتاب أبي، حدثنا محمد بن مسلم الأشجعي، عن محمد بن نوفل بن عابد الصيرفي دخل علينا أبو حنيفة(4) النعمان بن الثابت فذكرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) ودار بيننا كلام في غدير خم فقال أبو حنيفة قد قلت لأصحابنا لا تقروا لهم بغدير خم فيخصموكم، فتغير وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي وقال له: لم لا تقرون به، أما هو عندك يا نعمان؟ قال: هو عندي وقد رويته، قال: فلم لا تقرون به؟ وقد، حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم أن عليا (عليه السلام) أنشد الله في الرحبة من سمعه، فقال أبو حنيفة: أفلا ترون أنه قد جرى في ذلك خوض حتى نشد علي الناس لذلك، فقال الهيثم: فنحن نكذب عليا أو نرد قوله؟ فقال أبو حنيفة: ما نكذب عليا ولا نرد قولا قاله ولكنك تعلم أن الناس قد غلا منهم قوم، فقال الهيثم: يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويخطب به ونحن نشفق منه ونتقيه بغلو غال أو قول قائل(5).

التاسع والثلاثون: ابن بابويه في كتاب النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) قال: حدثنا علي ابن الحسن قال: حدثنا محمد بن الحسين الكوفي قال: حدثنا محمد بن علي بن زكريا، عن عبد الله ابن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن عبد الرحمن بن عاصم، عن عمر، عن محمود بن لبيد(6) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت فاطمة (عليها السلام) تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة - رضي الله عنه - فوجدتها - صلوات الله عليها - تبكي هناك

____________

(1) التوبة: 105.

(2) أمالي الطوسي: 2 / 268 - 269.

(3) في المصدر: علي بن الحسين.

(4) في المصدر: نوفل بن عائذ الصيرفي قال: كنت عند الهيثم بن حبيب الصيرفي فدخل علينا أبو حنيفة.

(5) أمالي المفيد ص 15 - 16. ط النجف الأشرف.

(6) في كفاية الأثر، والبحار: عن عبد الرحمان، عن عاصم بن عمر (عمرو)، عن محمود أبي لبيد.


الصفحة 326
فأمهلتها حتى سكتت فأتيتها وسلمت عليها وقلت لها: يا سيدة النسوان والله قد قطعت نياط(1) قلبي من بكائك، فقالت: " يا أبا عمر ويحق لي البكاء فلقد أصبت بخير الآباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أنشأت(2) تقول:


إذا مات يوما ميت قل ذكرهوذكر أبي مذ مات والله أكثر "

قلت: يا سيدتي إني سائلك عن مسألة تتلجلج في صدري، قالت: " سل "، قلت: هل نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته على علي بالإمامة؟ قالت: " واعجبا أنسيتم يوم غدير خم "؟ قلت: قد كان ذلك ولكن أخبريني بما أسر إليك، قالت: " أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول: علي فيكم خير من أخلفه فيكم، وهو الإمام والخليفة بعدي، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة "، قلت:

يا سيدتي فما باله قعد عن حقه؟ قالت: " يا أبا عمر لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا تأتي - أو قالت: مثل علي - ثم قالت: أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيهم لما اختلف في الله تعالى اثنان، ولورثها سلف عن سلف وخلف عن خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من صلب ولدي الحسين، ولكن قدموا من أخره الله وأخروا من قدمه الله حتى إذا ألحدوا المبعوث وأودعوه الجدث(3) المجدوث اختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم تبا لهم ألم يسمعوا الله يقول: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) *(4)؟ بل سمعوا ولكنهم كما قال الله:

* (فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور) *(5) هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم، فتعسا لهم وأضل أعمالهم، أعوذ بك يا رب من الحور بعد الكور "(6).

الأربعون: الشيخ الفاضل أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج قال:

حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرث الحسيني المرعشي - رضي الله عنه - قال:

أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن ابن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - رضي الله عنه - قال:

أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر - قدس الله روحه - قال: أخبرني جماعة عن أبي هارون بن موسى التلعكبري قال: أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال: أخبرنا علي السوري قال: أخبرنا أبو

____________

(1) النياط: عرق متصل بالقلب فإذا قطع مات صاحبه.

(2) في كفاية الأثر: واشوقاه إلى رسول الله، ثم أنشأت.

(3) الجدث: القبر.

(4) القصص: 78.

(5) الحج: 46.

(6) كفاية الأثر: 26 - 27، البحار: 36 / 353 - 354.


الصفحة 327
محمد العلوي من ولد الأفطس - وكان من عباد الله الصالحين - قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي قال: حدثني سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعا، عن قيس بن سمعان، عن علقمة ابن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه قال: " حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال له: يا محمد إن الله جل اسمه يقرئك السلام ويقول لك: إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا من رسولي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج أن تبلغها قومك: فريضة الحج وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإني لم أخل أرضي من حجة، ولن أخليها أبدا، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج، وتحج ويحج معك كل من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطراف والأعراب، وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرايع.

فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس ألا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد الحج، وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم، ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره، فخرج (صلى الله عليه وآله) وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على عدد أصحاب موسى السبعين الألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) البيعة لعلي (عليه السلام) بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل(1) سنة بسنة ومثلا بمثل واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة.

فلما وقف بالموقف أتاه جبرائيل (عليه السلام) عن الله تعالى فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إنه قد دنا أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك ونفذ وصيتك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلمها إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب فأقمه للناس وجدد عهده وميثاقه وبيعته، وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به، وعهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب، فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني وإتمام نعمتي على خلقي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي

____________

(1) في المصدر: العجل والسامري.


الصفحة 328
وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته، وذلك أني لا أترك أرضي بغير قيم ليكون حجة لي على خلقي، فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي بوليي(1) ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بعدي ووصي نبي والخليفة من بعده، حجتي البالغة على خلقي، مقرونة طاعته بطاعة محمد نبيي، ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا، ومن أنكره كان كافرا، ومن أشرك ببيعته كان مشركا، ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمد عليا علما، وخذ عليهم البيعة، وجدد عهدي وميثاقي لهم وبالذي واثقتهم عليه، فإني قابضك إلي ومستقدمك علي.

فخشي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية(2) لما عرف من عداوتهم ولما تنطوي عليه أنفسهم لعلي (عليه السلام) من البغضاء وسأل جبرائيل (عليه السلام) أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر جبرائيل بالعصمة من الناس من الله جل اسمه، فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرائيل في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة، فأتاه جبرائيل فأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله تعالى ولم يأته بالعصمة، فقال: يا جبرائيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرائيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس، فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * في علي * (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *(3).

وكان أوائلهم قريبا من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم من ذلك المكان ليقيم عليا للناس، ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي (عليه السلام)، وأخبره أن الله عز وجل قد عصمه من الناس: فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما جائته العصمة مناديا ينادي في الصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر(4)، وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره

____________

(1) في الاحتجاج: ورضيت لكم الإسلام دينا بولاية وليي.

(2) في الاحتجاج: إلى الجاهلية.

(3) المائدة: 67.

(4) في البحار: من تأخر عنهم.


الصفحة 329
بذلك جبرائيل عن الله عز وجل وفي الموضع سلمات(1) فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقم ما تحتهن وينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوق تلك الأحجار(2) فقال: الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكل شئ علما وهو في مكانه وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، مجيدا لم يزل محمودا لا يزال، بارئ المسموكات(3) وداحي المدحوات(4) وجبار السماوات، قدوس سبوح رب الملائكة والروح، متفضل على جميع من برأه، متطول على من أدناه، يلحظ كل عين والعيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شئ رحمته، ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شئ والغلبة على كل شئ والقوة في كل شئ، والقدرة على كل شئ، لا مثله شئ(5) وهو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عز وجل على نفسه.

وأشهد بأنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشي الأبد نوره، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير، ولا تفاوت في تدبير، صور ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال، أنشأها فكانت وبرأها فباتت، فهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الذي أحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي ترجع إليه الأمور.

وأشهد أنه الذي تواضع كل شئ لقدرته، وخضع كل شئ لهيبته، مالك الأملاك، ومفلك الأفلاك، ومسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاصم كل جبار عنيد، ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، إله واحد ورب ماجد، يشاء فيمضي ويريد فيقضي، ويعلم فيحصي ويميت فيحيي، ويفقر ويغني، ويضحك ويبكي، ويمنع ويؤتي، له

____________

(1) سلم الواحدة " سلمة ": جنس شجر شائك من فصيلة القطانيات، ينمو في البلدان الحارة.

(2) في الاحتجاج: ثم حمد الله وأثنى عليه فقال:

(3) سمك الشئ: رفعه. يقال: " سمك الله السماء " أي رفعها.

(4) دحى الشئ: بسطه.

(5) في الاحتجاج: ليس مثله شئ.


الصفحة 330
الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار. مستجيب الدعاء، ومجزل العطاء محصي الأنفاس ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شئ ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين، ومولى(1) العالمين، الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، أقر له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحي إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته. لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم فأوحى لي بسم الله الرحمن الرحيم * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *.

معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزله(2)، وأنا مبين لكم سبب(3) هذه الآية إن جبرائيل هبط إلي ثلاثا(4) يأمرني عن السلام ربي - وهو السلام - أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وهو وليكم بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) *(5) وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال، وسألت جبرائيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وختل المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم:

* (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) *(6) وكثرة أذاهم لي غير مرة(7) حتى سموني أذنا، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك(8): * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن) * على الذين يعزمون أنه

____________

(1) في الاحتجاج والبحار: ومولى المؤمنين ورب العالمين.

(2) في الاحتجاج والبحار: ما أنزله إلي.

(3) في الاحتجاج والبحار: سبب النزول.

(4) في الاحتجاج والبحار: هبط إلى مرارا ثلاثا.

(5) المائدة: 55.

(6) الفتح: 11.

(7) في الاحتجاج: في غير مرة.

(8) في الاحتجاج: في ذلك قرآنا.


الصفحة 331
أذن * (خير لكم) *(1) الآية. ولو شئت أن أسمي بأسمائهم(2) لسميت وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت(3) وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل لي(4) ثم تلا (صلى الله عليه وآله): * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * في علي * (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *.

فاعلموا معاشر الناس: أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى العجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى كل موحد، ماض حكمه، جايز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، من صدقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.

معاشر الناس: إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه رسولكم محمد وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولدي إلى يوم تلقون الله عز وجل ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الحلال والحرام، وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.

معاشر الناس: ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام مبين، وما من علم إلا علمته عليا وهو الإمام المبين.

معاشر الناس: لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه، ولا تستنكفوا من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهى عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله، والذي فدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه، والذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد مع رسول الله من الرجال غيره.

معاشر الناس: فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس: إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الأبد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.

____________

(1) التوبة: 61.

(2) في البحار: أن أسمي القائلين بذلك بأسمائهم.

(3) أومأ إيماء: أشار بحاجبه أو بيده.

(4) في البحار: ما أنزل الله إلي.


الصفحة 332
أيها الناس: بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين، والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في قولي فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار.

معاشر الناس: حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي، ولا إله إلا هو، له الحمد مني أبد الأبدين ودهر الداهرين على كل حال.

معاشر الناس: فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأثنى، بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب على من رد قولي هذا ولم يوافقه، ألا إن جبرائيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي فلتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون.

معاشر الناس: إنه جنب الله تعالى في كتابه(1): * (يا حسرتي على ما فطرت في جنب الله) *(2).

معاشر الناس: تدبروا القرآن وافهموا آياته، وانظروا محكماته، ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا أخذ بيده ومعضده(3) - وشائل بعضده - ومعلمكم أن من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل أنزلها علي.

معاشر الناس: إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، فكل واحد ينبئ(4) عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، أمناء الله(5) في خلقه وحكماؤه في أرضه. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.

ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ أول ما صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)(6) شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:

معاشر الناس: هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب

____________

(1) في الاحتجاج: إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه.

(2) الزمر: 56.

(3) في الاحتجاج والبحار: ومصعده إلي.

(4) في الاحتجاج والبحار: منبئ.

(5) في الاحتجاج: هم أمناء الله وفي البحار: ألا إنهم أمناء الله.

(6) في البحار: وكان منذ أول ما صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) درجة دون مقامه، فبسط يده نحو وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشال عليا.


الصفحة 333
الله عز وجل والداعي إليه، والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول: ما يبدل القول لدي بأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره واغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنت أنزلت علي في كتابك أن الإمامة لعلي وليك عند تبياني ذلك، ونصبي إياه بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا فقلت: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) *(1) اللهم إني أشهدك أني قد بلغت.

معاشر الناس: إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل فأولئك الذين حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.

معاشر الناس: هذا علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكم علي، والله عز وجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضا إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد الله بالجنة في * (هل أتى على الإنسان) *(2) إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس: هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله، وهو التقي النقي الهادي المهدي، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي(3).

معاشر الناس: ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي.

معاشر الناس: إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عز وجل، فكيف بكم وأنتم أنتم(4) عباد الله ما يبغض(5) عليا إلا شقي ولا يتولى به إلا مؤمن تقي، ولا يؤمن به إلا مخلص، في علي والله نزلت سورة العصر * (بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إن الإنسان لفي خسر) * إلى آخرها.

معاشر الناس: قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

معاشر الناس: * (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) *(6).

____________

(1) آل عمران: 85.

(2) الإنسان: 2.

(3) في الاحتجاج: وبنوه خير الأوصياء.

(4) في الاحتجاج: وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله؟.

(5) في البحار: ألا إنه لا يبغض.

(6) آل عمران: 102.


الصفحة 334
معاشر الناس: * (آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) *(1).

معاشر الناس: النور من الله عز وجل في، ثم مسلوك في علي(2) ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

معاشر الناس: أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، ألا وإن عليا الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس: لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم فيصيبكم بعذاب من عنده إنه لبالمرصاد.

معاشر الناس: سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.

معاشر الناس: إن الله وأنا بريئان منهم.

معاشر الناس: إنهم وأنصارهم وأشياعهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين ألا إنهم أصحاب (الصحيفة) فلينظر أحدكم في صحيفته، قال: فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة.

معاشر الناس: إني أدعها أمانة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد ولدا ولم يولد فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين، وعندها سنفرغ لكم أيها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.

معاشر الناس: إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

معاشر الناس: إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى(3) وهذا علي إمامكم ووليكم، وهو مواعيد الله والله يصدق وعده.

____________

(1) النساء: 47.

(2) في الاحتجاج والبحار: مسلوك في ثم في علي.

(3) إشارة إلى قوله تعالى في سورة القصص الآية 59 / * (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) *.