الباب الحادي والستون
في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا أولى بالأمر من أبي بكر وعمر وعثمان
واحتجاجه عليهم وقوله (عليه السلام): إن لنا حقا إن نعطه نأخذه
وإن الإمامة والخلافة له (عليه السلام) دونهم، ولم يبايع حتى راموا قتله (عليه السلام)
الأول: موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة في كتاب فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أخبرنا الشيخ الإمام شهاب الدين أفضل الحفاظ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب إلي من همدان، أخبرنا الحافظ أبو علي بن الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد بأصبهان فيما أذن في الرواية عنه، أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، أخبرني الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، حدثنا الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبيد الله الهمداني، وأخبرني بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصفهاني في كتابه إلي من أصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، حدثنا سليمان بن أحمد بن علي بن سعيد الرازي حدثنا محمد بن حميد حدثنا زافر بن سليمان بن الحارث بن محمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت عليا (عليه السلام) يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا والله أولى بالأمر منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذ لا أسمع ولا أطيع، إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلا في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم بأشياء لا يستطيع عربهم لا عجمهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك أن يرد خصلة منها ثم قال:
قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله (صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له ابن عم مثل ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له أخ مثل أخي المزين بالجناحين يطير مع الملائكة في الجنة؟
قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء هذه الأمة؟ قالوا:
لا، قال: أمنكم أحد له سبطان مثل الحسن والحسين سبطا هذه الأمة ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيري؟
قالوا: لا، قال: أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد وحد الله قبلي؟
قالوا: لا، قال: أمنكم أحد صلى القبلتين غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد أمر الله سبحانه وتعالى بمودته غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلى صلاة العصر غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قرب إليه الطير ليأكله فقال: اللهم ايتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجئت وأنا لا أعلم ما كان من قوله فدخلت قال: وإلي يا رب وإلي يا رب، غيري؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان قتل المشركين عند كل شدة تنزل برسول الله (صلى الله عليه وآله) مني؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان أعظم عناء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى اضطجعت على فراشه ووقيته بنفسي وبذلت له مهجتي غيري؟
قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان له سهم في الخاص وسهم في العام غيري؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد يطهره كتاب الله غيري حتى سد النبي (صلى الله عليه وآله) أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي إليه حتى قام إليه عماه حمزة والعباس وقالا: يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما فتحت بابه ولا سددت أبوابكم، بل الله فتح بابه وسد أبوابكم. قالوا: لا، قال: أفيكم أحد أتم الله نوره حين قال: *(وآت ذا القربى حقه)*؟
قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد ناجى رسول الله ست عشرة مرة غيري حين نزل: *(يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)* غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد ولي غمض عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد آخر عهده برسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وضعه في حفرته غيري؟ قالوا: اللهم لا(1).
الثاني: ابن أبي الحديد من علماء السنة في شرح نهج البلاغة قال: روى أبو جعفر ما قاله
____________
(1) المناقب: 313 / ح 314.
الثالث: ابن أبي الحديد قال عوانة: حدثني يزيد بن جرير عن الشعبي عن شقيق بن مسلمة أن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) لما انصرف إلى رحله يعني في قصة الشورى قال لبني هاشم: يا بني عبد المطلب إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي كعداوتهم النبي في حياته، إن يطمع قومكم لا تؤمروا أبدا، والله لا يثبت هؤلاء إلى الحق إلا بالسيف، قال عبد الله بن عمر بن الخطاب كان داخلا عليهم قد سمع الكلام كله فدخل فقال: يا أبا الحسن أريد أن يضرب بعضهم بعضا فقال: اسكت ويحك فوالله لولا أبوك وما ركب مني قديما وحديثا، ما نازعني ابن عفان ولا ابن عوف فقام عبد الله فخرج(2).
الرابع: ابن أبي الحديد قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): واعجبا أن تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة قال الرضي (رحمه الله): وقد روى له شعر قريب من هذا المعنى وهو:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم | فكيف بهذا والمشيرون غيب |
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم | فغيرك أولى بالنبي وأقرب |
وقال ابن أبي الحديد في الشرح: حديثه (عليه السلام) في النثر والنظم المذكورين مع أبي بكر وعمر، أما النثر فإلى عمر توجيهه لأن أبا بكر لما قال لعمر: امدد يدك قال له عمر: أنت صاحب رسول الله في المواطن كلها شدتها ورخاؤها فامدد أنت يدك، فقال علي (عليه السلام): إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلها، فهلا سلمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك وزاد عليه بالقرابة، وأما النظم فموجه إلى أبي بكر لأن أبا بكر حاج الأنصار في السقيفة فقال: نحن عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيضته التي تفقأت عنه، فلما بويع احتج على الناس بالبيعة وإنما صدرت عن أهل الحل والعقد فقال علي: أما احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن قومه فغيرك أقرب نسبا
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 195.
(2) شرح نهج البلاغة: 9 / 54.
الخامس: ابن أبي الحديد قال: قال (عليه السلام): ما زلت مدفوعا منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا(2).
السادس: ابن أبي الحديد قال: قال (عليه السلام): ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا، ولقد كنت أظلم من قبل ظهور الإسلام، لقد كان يجئ أخي عقيل بذنب أخي جعفر فيضربني(3).
السابع: ابن أبي الحديد في الشرح قال: نحن نذكر ما استفاض من الروايات من مناشدته أصحاب الشورى وتعديده فضائله وخصائصه التي بان بها منهم ومن غيرهم، قد روى الناس ذلك فأكثروا، والذي صح عندي أنه لم يكن الأمر كلما روي من تلك التعديدات الطويلة ولكنه قال لهم بعد أن بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان وتلكأ هو (عليه السلام) عن البيعة قال: إن لنا حقا أن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى، في كلام قد ذكره أهل السيرة وقد أوردنا بعضه فيما تقدم ثم قال لهم: أنشدكم الله أفيكم أحد آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينه وبين نفسه حيث وأخي بين بعض المسلمين وبعض غيري؟ فقالوا: لا، قال: أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ فقالوا: لا، فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري؟ قالوا: لا، قال: أفيكم من اؤتمن على سورة براءة وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني، غيري؟ قالوا: لا، قال: ألا تعلمون أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فروا عنه في مواطن الحرب في غير موطن وما فررت قط؟ قالوا: بلى، قال: ألا تعلمون أني أول الناس إسلاما؟ قالوا: لي، قال: فأينا أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نسبا؟ قالوا: أنت، فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف كلامه وقال: يا علي قد أبى الناس إلا على عثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا ثم قال: يا أبا طلحة ما الذي أمرك به عمر قال: إن أقتل من شق عصا الجماعة، فقال عبد الرحمن لعلي: بايع إذا وإلا كنت متبعا عن سبيل المؤمنين وأنفدنا فيك ما أمرنا به فقال: لقد علمتم أني أحق بها من غيري والله لأسلمن الفضل إلى غيره، ثم مد يده فبايع(4).
الثامن: البلاذري وهو من أعيان العامة وثقاتهم في كتابه عن الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف في إسناده له أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لما بايع عبد الرحمن عثمان كان قائما فقعد فقال له عبد
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 18 / 416.
(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 223.
(3) شرح نهج البلاغة: 20 / 283.
(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 167.
قال السيد المرتضى عقيب ذكره هذا الحديث في الشافي فأي رضا هاهناء وأي إجماع؟ وكيف يكون مختارا من يهدد بالقتل والجهاد؟ وهذا المعنى - يعني حديث التهديد بضرب العنق - لو روته الشيعة لتضاحك المخالفون منه ولتغامزوا وقالوا: هذا من جملة ما يدعونه من المحال ويروونه من الأحاديث، وقد أنطق الله به رواتهم وأجراه على أفواه ثقاتهم. إلى ههنا كلام السيد المرتضى(2).
أقول: إنه قد صح في أخبار العامة وأهل السنة والجماعة من الأخبار المتقدمة في الباب السادس والخمسين وفي هذا الباب أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما بايع وصالح المتقدمين عليه الذين أخذوا الإمامة والخلافة منه أبو بكر وعمر وعثمان ما وقع الصلح منه (عليه السلام) لهم إلا بعد أن هدد (عليه السلام) بالقرآن لم يبايعهم، فإذا كان الأمر على ذلك فمما صالحهم إلا لخوف القتل منهم له (عليه السلام)، وبيعته (عليه السلام) وقعت منه على سبيل التقية والخوف، فلا تكون بيعته (عليه السلام) حجة للعامة كما هو واضح بين، لأن من هدد بالقتل وأكره على أمر ففعله لا يكون فعله له باختيار منه، وما وقع على غير اختيار لا يكون صاحبه ينسب إليه الفعل الاختياري ويكون حجة عليه وعلى أوليائه الموافقين له في أمره، من ذلك يعلم أن مذهب العامة على شفا جرف هار فأنهار به في نار جهنم ألا ذلك هو الخسران المبين.
____________
(1) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج: 12 / 265.
(2) شرح نهج البلاغة: 12 / 265.
الباب الثاني والستون
في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا أولى بالأمر ممن تقدم علي
واحتجاجه (عليه السلام) عليهم، وأن الخلافة والإمامة له (عليه السلام) دونهم
الأول: الشيخ الطوسي في أماليه قال: حدثنا محمد بن محمد يعني المفيد قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال: حدثنا الحسن بن علي الزعفراني قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثنا المسعودي قال: حدثنا محمد بن كثير عن يحيى بن حماد القطان قال: حدثنا أبو محمد الحضرمي عن [ أبي ] علي الهمداني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين إني سائلك لآخذ عنك، وقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله، ألا تحدثنا عن أمرك هذا كان بعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو شئ رأيته فإنا قد أكثرنا فيك الأقاويل، وأوثقه عندنا ما نقلناه عنك وسمعناه من فيك؟ إنا كنا نقول: لو رجعت إليكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينازعكم فيها أحد، والله ما أدري إذا سئلت ما أقول، أأزعم أن القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك؟ فإن قلت ذلك فعلام نصبك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد حجة الوداع فقال: أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه، وإن كنت أولى منهم لما كانوا فيه فعلام نتولاهم؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا عبد الرحمن إن الله تعالى قبض نبيه (عليه السلام) وأنا يوم قبضه أولى الناس مني بقميصي هذا، وقد كان من نبي الله إلي عهد لوخزتموني بأنفي لأقررت سمعا لله وطاعة، وإن أول ما انتقصنا بعده إبطال حقنا في الخمس، فلما دق أمرنا طمعت رعيان قريش فينا، وقد كان لي على الناس حق لو ردوه إلي عفوا قبلته وقمت به، وكان إلى أجل معلوم وكنت كرجل له على الناس حق إلى أجل فإن عجلوا ماله أخذه وحمدهم عليه وإن أخروه أخذه غير محمودين، وكنت كرجل يأخذ السهولة وهو عند الناس محزون، وإنما يعرف الهدى بقلة من يأخذه من الناس، فإذا سكت فاعفوني فإنه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم، فكفوا عني ما كففت عنكم فقال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين فأنت لعمرك كما قال الأول:
لعمري لقد أيقظت من كان نائما | وأسمعت من كانت له أذنان(1) |
الثاني: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عبد الكريم قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال:
أخبرني أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا أبو عاصم عن قيس بن مسلم قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: لما نزل علي بالربذة سألت عن قدومه إليها فقيل: خالف عليه طلحة والزبير وعائشة وصاروا إلى البصرة، فخرج يريدهم فصرت إليه فجلست حتى صلى الظهر والعصر، فلما فرغ من صلاته قام إليه ابنه الحسن بن علي (عليهما السلام) فجلس بين يديه ثم بكى وقال: يا أمير المؤمنين إني لا أستطيع أن أكلمك، وبكى فقال له أمير المؤمنين: لا تبك يا بني وتكلم ولا تحن حنين الجارية.
فقال: يا أمير المؤمنين إن القوم حصروا عثمان يطلبونه بما يطلبونه إما ظالمون أو مظلومون، فسألتك أن تعتزل الناس وتلحق بمكة حتى تؤوب العرب وتعود إليها أحلامها ويأتيك وفودها، فوالله لو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى تستخرجك منه ثم خالفك طلحة والزبير فسألتك ألا تتبعهما وتدعهما، فإن اجتمعت الأمة فذاك وإن اختلفت رضيت بما قسم الله، وأنا اليوم أسألك ألا تقدم العراق وأذكرك بالله أن لا تقتل بمضيعة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما قولك: إن عثمان حصر فما ذاك؟ وما علي منه؟ وكنت بمعزل عن حصره، وأما قولك إئت مكة فوالله ما كنت لأكون الرجل الذي تستحل به مكة، وأما قولك اعتزل العراق ودع طلحة والزبير، فوالله ما كنت لأكون كالضبع ينتظر حتى يدخل عليها طالبها فيضع الحبل في رجلها حتى يقطع عرقوبها فيمزقها إربا إربا، ولكن أباك يضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المخالف أبدا حتى يأتي علي يومي، فوالله ما زال أبوك مدفوعا عن حقه مستأثرا عليه منذ قبض الله نبيه (عليه السلام) حتى يوم الناس هذا، فكان طارق بن شهاب - أي وقت حدث بهذا الحديث يبكي(2).
الثالث: ابن بابويه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن حفص الخثعمي قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد قال:
حدثني أحمد التعلبي قال: حدثني أحمد بن عبد الحميد قال: حدثني حفص بن منصور العطار قال: حدثنا أبو سعيد الوراق عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: لما كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ما كان، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط
____________
(1) أمالي الطوسي: 9 / مجلس 1 / ح 9.
(2) أمالي الطوسي: 52 / مجلس 2 / ح 37.
فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الله لا يجمع أمتي على ضلال، ولما رأيت اجتماعهم اتبعت حديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأحلت أن يكون اجتماعهم على خلاف الهدى وأعطيتهم قود الإجابة، ولو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت، قال: فقال (عليه السلام): أما ما ذكرت من حديث النبي (صلى الله عليه وآله) أن الله لا يجمع أمتي على ضلال، أفكنت من الأمة أو لم أكن؟ قال: بلى، وكذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمار والمقداد وأبي ذر وابن عبادة ومن معه من الأنصار؟ قال: كل من الأمة فقال علي (عليه السلام): فكيف تحتج بحديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك وليس للأمة فيهم طعن ولا صحبة الرسول ونصيحته منهم تقصير؟ قال: ما علمت بتخلفهم إلا من بعد إبرام هذا الأمر وخفت إن دفعت عني الأمر أن يتفاقم إلى أن يرجع الناس مرتدين من الدين وكان ممارستكم إلى أن أجبتهم أهون مؤونة على الدين وأبقى لهم. وفي نسخة بقي له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفارا، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم.
فقال علي (عليه السلام): أجل ولكن أخبرني عن هذا الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟
فقال أبو بكر: بالنصيحة والوفاء ورفع المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وإنصاف المظلوم من الظالم القريب والبعيد، ثم سكت فقال علي عليه السلام: أنشدتك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في؟
قال: بل فيك يا أبا الحسن، فقال: أنشدتك بالله أنا المجيب لرسول الله قبل ذكران المسلمين أم أنت؟
قال: بل أنت، قال: أنشدك بالله أنا الأذان لأهل الموسم وجميع الأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال:
بل أنت، قال: أنشدك بالله أنا وقيت رسول الله بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك
قال: بل بكم.
قال: فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك؟ قال: بل لك ولأهل بيتك، قال: فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله وأهلي وولدي يوم الكساء: اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار أم أنت؟ قال: بل أنت وأهلك وولدك، قال: فأنشدك بالله أنا صاحب الآية *(يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا)* أم أنت؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنت الفتى الذي نودي من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي أم أنا؟ قال: بل أنت، قال:
فأنشدك بالله أنت الذي ردت له الشمس لوقت صلاته وصلاها ثم توارت أم أنت؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنت الذي حباك رسول الله برايته يوم خيبر ففتح الله له أم أنا؟ قال: بل أنت، قال:
فأنشدك بالله أنت الذي نفس(1) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كربته وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ود أم أنا؟ قال: بل أنت قال: فأنشدك بالله أنت الذي ائتمنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنت الذي طهرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) من السفاح من أبيك آدم إلى أبيك بقوله: أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من آدم إلى عبد المطلب، أم أنا؟ قال: بل أنت، قال:
فأنشدك بالله أنا الذي اختار لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوجني ابنته فاطمة وقال (صلى الله عليه وآله)، الله زوجك، أم أنت؟
قال: أنت، قال: فأنشدك بالله أنا والد الحسن والحسين ريحانتيه اللذين يقول فيهما: هذان سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما أم أنت؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أخوك الذي بجناحين في الجنة يطير بهما مع الملائكة أم أخي؟ قال: بل أخوك، قال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله وناديت في الموسم بإنجاز موعده أم أنت؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنا الذي دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والطير(2) عنده يريد أكله، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك بعدي، أم أنت؟ قال: بل أنت.
قال: فأنشدك بالله أنا الذي بشرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنا الذي شهدت آخر كلام رسول لله (صلى الله عليه وآله)
____________
(1) في المصدر: نفست.
(2) في المصدر: لطير.
قال: فبكى أبو بكر وقال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنت الذي حملك رسول الله (صلى الله عليه وآله) على كتفيه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنالها أم أنا؟ قال: بل أنت، قال:
فأنشدك بالله أنت الذي، قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة أم أنا؟ قال:
بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنت الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفتح بابه في مسجده حين أمر بسد جميع أبواب أصحابه وأهل بيته وأحل له فيه ما أحل الله له أم أنا؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنت الذي قدم بين يدي نجوى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صدقة فناجاه أم أنا إذ عاتب الله عز وجل قوما فقال:
*(أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات)* الآية؟ قال: بل أنت، قال: فأنشدك بالله أنت الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة عليها السلام: زوجتك أول الناس إيمانا وأرجحهم إسلاما في كلام له أم أنا؟ قال: بل أنت.
قال: فلم يزل (عليه السلام) يعد عليه مناقبه التي جعل الله عز وجل له دونه ودون غيره ويقول له أبو بكر:
بل أنت. قال: بهذا وشبهه يستحق القيام بأمور أمة محمد، فقال له علي: فما الذي غرك عن الله وعن رسوله وعن دينه وأنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه، قال: فبكى أبو بكر فقال: صدقت يا أبا الحسن أنظرني يومي هذا فأدبر ما أنا فيه وما سمعت منك، قال: فقال له علي: لك ذلك يا أبا بكر فرجع من عنده وخلى بنفسه يومه ولم يأذن لأحد إلى الليل، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي (عليه السلام) فبات في ليلته فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه متمثلا له في مجلسه، فقام إليه أبو بكر ليسلم [ عليه ] فولى وجهه، فقال أبو بكر: يا رسول الله هل أمرت بأمر فلم أفعل، فقال [ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ]: أرد السلام عليك وقد عاديت من ولاه الله ورسوله(1)؟ رد الحق إلى أهله، فقلت: من أهله؟
قال: من عاتبك عليه وهو علي.
قال: فقد رددت عليه يا رسول الله بأمرك، قال: فأصبح وبكى وقال لعلي (عليه السلام): أبسط يدك فبايعه وسلم إليه الأمر وقال له: أخرج إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبر الناس بما رأيت في ليلتي وما جرى
____________
(1) في المصدر: عاديت الله ورسوله وعاديت من وإلى الله ورسوله.
الرابع: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا جماعة عن أبي الفضل قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن حفص الخثعمي الأسناني قال: حدثنا عباد بن يعقوب السدي قال: أخبرنا علي بن هاشم بن البريد عن أبيه عن عبد الله بن مخارق عن هاشم بن مساحق عن أبيه أنه شهد يوم الجمل، وإن الناس لما انهزموا اجتمع هو ونفر من قريش فيهم مروان فقال بعضهم لبعض: والله لقد ظلمنا هذا الرجل ونكثنا بيعته على غير حدث كان منه، ثم لقد ظهر علينا فما رأينا رجلا قط كان أكرم سيرة ولا أحسن عفوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه فتعالوا فلندخل عليه ولنعتذر مما صنعنا، قال:
فدخلنا عليه فلما ذهب متكلمنا يتكلم قال: انصتوا أكفكم إنما أنا رجل منكم، فإن قلت حقا فصدقوني وإن قلت غير ذلك فردوه علي، أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبض وأنا أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالناس؟ قالوا: اللهم نعم قال: فبايعتم أبا بكر وعدلتم عني فبايعت أبا بكر كما بايعتموه وكرهت أن أشق عصا المسلمين وأن أفرق بين جماعتهم، ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده وأنتم تعلمون أني أولى الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالناس من بعده فبايعت عمر كما بايعتموه فوفيت له ببيعته حتى لما قتل جعلني سادس ستة فدخلت حيث أدخلني، فكرهت أن أفرق جماعة المسلمين وأشق عصاهم فبايعتم عثمان فبايعته ثم طغيتم على عثمان فقتلتموه وأنا جالس في بيتي، ثم أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره لأحد منكم فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبي بكر وعمر وعثمان ببيعتهم منكم ببيعتي؟ قالوا له: يا أمير المؤمنين كن كما قال العبد الصالح: *(لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)*(2)، فقال: كذلك أقول: *(يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)* مع أن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث
____________
(1) الخصال: 548 ج / 30، والاحتجاج: 1 / 163.
(2) يوسف: 92.
الخامس: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت قال: أخبرنا أحمد بن محمد ابن سعيد إجازة قال: حدثنا علي بن محمد بن حبيبته الكندي قال: حدثنا حسن بن حسين قال:
حدثنا أبو غيلان سعد بن طالب الشيباني عن أبي إسحاق عن أبي الطفيل قال: كنت في البيت يوم الشورى وسمعت عليا (عليه السلام) يقول: أنشدتكم بالله جميعا أفيكم أحد صلى القبلتين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدكم بالله جميعا هل فيكم أحد وحد الله قبلي؟ قالوا: اللهم لا، قال:
فأنشدكم بالله جميعا هل فيكم أحد أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ غيري قالوا: اللهم لا، قال أنشدكم بالله هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر؟ قالوا: اللهم لا، قال أنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة سيدة نساء أهل الجنة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيدي شباب أهل الجنة؟ قالوا: اللهم لا، قال:
فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقدم بين يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال: له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنت مني بمنزلة هارون من موسى غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بطير فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فدخلت عليه فقال: اللهم وإلي، فلم يأكل معه أحد غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: اللهم اشهد(2).
____________
(1) أمالي الطوسي: 507 / 1109.
(2) أمالي الطوسي: 333 / 667.