الصفحة 122
يختصُّ طلب الزيارة بالحاجّ غير أنّها في حقِّه آكد.

والاولى تقديم الزِّيارة على الحجّ إذا إتّسع الوقت، فإنّه ربّما يعوقه عنها عائقٌ، وقد ورد في فضل زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم)أحاديث منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ زار قبري وجبت له شفاعتي»(1) ، وينبغي الحرص عليها، وعدم التخلّف عنها عند القدرة على أدائها خصوصاً بعد حجّة الاسلام، لانَّ حقّه (صلى الله عليه وآله وسلم)على اُمَّته عظيمٌ.

وينبغي لمريد الزيارة أن يُكثر من الصّلاة والسَّلام عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)في طريق ذهابه إليها، وإذا وصلها إستحبَّ له أن يغتسل ثمَّ يتوضَّأ أو يتيمّم عند فقد الماء،ثمَّ ذكر جملةً من آداب الزيارة ولفظاً مختصراً من زيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)والشيخين.

41 ـ قال الشيخ محمّد زاهد الكوثري في (تكملة السيف الصقيل) ص156: والاحاديث في زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغاية من الكثرة، وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدين العلائي في جزء كما سبق، وعلى العمل بموجبها استمرَّت الاُمّة، إلى أن شذَّ ابن تيميَّة عن جماعة المسلمين في ذلك، قال عليّ القاري في شرح «الشفاء»: وقد فرط ابن تيميّة من الحنابلة حيث حرَّم السفر لزيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أفرط غيره حيث قال: كون الزيارة قربةً معلومٌ من الدين بالضرورة، وجاحده محكومٌ عليه بالكفر. ولعلَّ الثاني

____________

(1) تقدّمت مصادره في الصفحة 61 ـ 62.

الصفحة 123
أقرب إلى الصَّواب، لانَّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً، لانّه فوق تحريم المباح المتّفق عليه.

فسعيه في منع الناس من زيارته (صلى الله عليه وآله وسلم)، يدلُّ على ضغينة كامنة فيه نحو الرَّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف يتصوّر الاشراك بسبب الزيارة والتوسّل في المسلمين الذين يعتقدون في حقِّه (عليه السلام) أنَّه عبده ورسوله، وينطقون بذلك في صلاتهم نحو عشرين مرَّة في كلِّ يوم على أقلِّ تقدير، إدامة لذكرى ذلك؟

ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كلِّ شؤونهم، ويرشدونهم إلى السنّد في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعةٌ في شيء، ولم يعدّهم في يوم من الايّام مشركين بسبب الزِّيارة أو التوسّل، كيف؟ وقد نقذهم الله من الشِّرك وأدخل في قلوبهم الايمان. وأوَّل من رماهم بالاشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيميّة، وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس، ولم يخف ابن تيميّة من الله في رواية عدِّ السفر لزيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)سفر معصية لا تقصر فيه الصّلاة عن الامام ابن الوفاء ابن عقيل الحنبلي ـ وحاشاه عن ذلك ـ راجع كتاب «التذكرة» له تجد فيه مبلغ عنايته بزيارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)والتوسّل به كما هو مذهب الحنابلة.

ثمَّ ذكر كلامه وفيه القول بإستحباب قدوم المدينة وزيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيفيّة زيارته وزيارة الشيخين، وكيفيّة زيارتهما،

الصفحة 124
وإتيان مسجد قبا والصَّلاة فيه، وإتيان قبور الشهداء وزيارتهم، وإكثار الدعاء في تلك المشاهد. ثمَّ قال: وأنت رأيت نصّ عبارته في المسألة على خلاف ما يعزو إليه ابن تيميّة.

42 ـ قال فقهاء المذاهب الاربعة المصريّين في (الفقه على المذاهب الاربعة): ج1 ص590: زيارة قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)أفضل المندوبات، وقد ورد فيها أحاديث. ثمَّ ذكروا ستَّة من الاحاديث، وجملةً من أدب الزائر، وزيارة للنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، واُخرى للشيخين.

(هُدوا إلى الطيِّب مِنَ الْقول وَهُدوا إلى صِراطِ الْحميدِ)(1)

فروع ثلاثة

هذه الفروع تُعطينا درس التسالم من أئمَّة المذاهب على رجحان زيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وإستحبابها، ومحبوبيَّة شدِّ الرحال إليها من أرجاء الدنيا، ألا وهي:

1 ـ إختلفت الاراء من فقهاء المذاهب الاربعة في تقديم أيٍّ من الحجّ والزِّيارة على الاخر:

فقال تقيُّ الدين السبكي في «شفاء السقام: ص42»: إختلف السَّلف رحمهم الله في أنَّ الافضل البدأة بالمدينة قبل مكّة، أو بمكّة

____________

(1) الحجّ: 24.

الصفحة 125
قبل المدينة.

وممَّن نصَّ على هذه المسألة وذكر الخلاف فيها الامام أحمد رحمه الله في كتاب المناسك الكبير من تأليفه، وهذه المناسك رواها الحافظ أبو الفضل [بإسناده(1) ] عن عبدالله بن أحمد عن أبيه، وفي هذه المناسك سُئل عمَّن يبدأ بالمدينة قبل مكّة؟ فذكر بإسناده عن عبدالرَّحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد أنَّهم قالوا: إذا أردت مكّة فلا تبدأ بالمدينة وأبدأ بمكّة، وإذا قضيت حجَّك فأمرر بالمدينة إن شئت.

وذكر بإسناده عن الاسود قال: اُحبّ أن يكون نفقتي وجهازي وسفري أن أبدأ بمكّة.

وعن إبراهيم النخعي: إذا أردتَ مكّة فاجعل كلَّ شيء لها تبعاً.

وعن مجاهد: إذا أردت الحجَّ أو العمرة فابدأ بمكّة، واجعل كلَّ شيء لها تبعاً.

وعن إبراهيم: قال إذا حججت فابدأ بمكّة ثمَّ مر بالمدينة بعدُ.

وذكر الامام أحمد أيضاً بإسناده عن عدي بن ثابت: أنَّ نفراً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يبدأون بالمدينة إذا حجّوا يقولون: فهل من حيث أحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وذكر ابن أبي شيبة في فضيلة هذا الامر أيضاً، وذكر بإسناده عن علقمة والاسود وعمرو

____________

(1) ذكره كاملا ونحن حذفناه روماً للاختصار. «المؤلّف».

الصفحة 126
ابن ميمون: أنَّهم بدأوا بالمدينة قبل مكّة، إلى أن قال: وممَّن نصّ على هذه المسألة من الائمة أبو حنيفة رحمه الله وقال: والاحسن أن يُبدأ بمكّة.

وقال الشيخ علي القاري في شرح «المشكاة: ج3، ص284»: الانسب أن تكون الزِّيارة بعد الحجِّ، كما هو مقتضى القواعد الشرعيَّة من تقديم الفرض على السنَّة(1) ، وقد روى الحسن عن أبي حنيفة تفصيلاً حسناً وهو: أنّه إن كان الحجٍّ فرضاً فالاحسن للحاجّ أن يبدأ بالحجِّ ثمَّ يثني بالزِّيارة، وإن بدأ بالزِّيارة جاز. وإن كان الحجٍّ نفلاً فهو بالخيار فيبدأ بأيِّهما شاء. إنتهى.

ثمَّ قال: والاظهر أنَّ الابتداء بالحجِّ أولى; لاطلاق الحديث(2) ولتقديم حقِّ الله على حقّه، ولذا تُقدَّم تحيَّة المسجد النبويِّ على زيارة المشهد المصطفوي.

2 ـ من المتسالم عليه بين فرق المسلمين سلفاً وخلفاً جواز إستنابة النائب وإستئجار الاجير لزيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن عاقه عنها عذرٌ، وقد إستفاض عن عمر بن عبد العزيز أنَّه كان يبرد إليه (صلى الله عليه وآله وسلم)البريد من الشام ليقرأ السّلام على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)ثمَّ يرجع، وفي لفظ:

____________

(1) هذه القاعدة إنّما تؤخذ في موارد تزاحم الامرين لا مطلقاً، والمقام ليس منها كما لا يخفى، فإنّ الحج فريضة مؤقوتة، فلا بأس بتقديم المندوب عليها قبل ظرفها. «المؤلّف».

(2) يعني الحديث الثالث من أحاديث الزيارة وقد مرّ في صفحة. «المؤلّف».

الصفحة 127
كان يبعث بالرَّسول قاصداً من الشام إلى المدينة.

ذكره البيهقي في شعب الايمان، وأبو بكر أحمد بن عمرو النيلي المتوفّى 287هـ، في مناسكه، والقاضي عياض في «الشفاء»، والحافظ ابن الجوزي في (مثير الغرام الساكن)، وتقيّ الدين السبكي في «شفاء السِّقام: ص41»، وغيرهم.

وقال يزيد بن أبي سعيد مولى المهري: قد مُت على عمر بن عبد العزيز فلمّا ودَّعته قال: لي إليك حاجةٌ، إذا أتيت المدينة سترى قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقرأه منّي السَّلام (الشفاء للقاضي(1) ، والشفاء للسبكي ص41).

وقال أبو الليث السمر قندي الحنفي في الفتاوي في باب الحجِّ: قال أبو القاسم: لمّا أردتُ الخروج إلى مكّة قال القاسم بن غسّان: إنَّ لي إليك حاجة، إذا أتيتَ قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فاقرأه منّي السَّلام، فلمّا وضعت رجلي في مسجد المدينة ذكرت (شفاء السقام ص41).

قال عبد الحقّ بن محمّد الصقلي المالكي المتوفّى 466هـ، في «تهذيب الطالب»: رأيتُ في بعض المسائل التي سُئل عنها الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد: قيل له في رجل إستوجر بمال ليحجَّ به، وشرطوا عليه الزِّيارة، فلم يستطع تلك السنة أن يزور لعذر منعه من تلك؟ قال: يردُّ من الااُجرة بقدر مسافة الزِّيارة.

____________

(1) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 198.

الصفحة 128
قال عبد الحقّ: وقال غيره من شيوخنا: عليه أن يرجع نائبه حتّى يزور. ثمَّ قال: إن استؤجر للحجّ لسنة بعينها فها هنا يسقط من الاُجرة ما يخصّ بالزيارة، وإن استؤجر على حجَّة مضمونة في ذمَّته فهاهنا يرجع ويزور، وقد إتَّفق النقلان.

وقالت الشافعيَّة:

إنَّ الاستئجار والجعالة إن وقعا على الدعاء عند قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أو على إبلاغ السَّلام، فلا شكَّ في جواز الاجارة والجعالة، كما كان عمر بن عبد العزيز يفعل. وإن كانا على الزِّيارة لا يصحّ; لانَّها عملٌ غير مضبوط.(شفاء السقام ص50).

وقال أبو عبد الله عبيد الله بن محمّد العكبري الحنبلي، الشهير بابن بطَّة المتوفّى 387هـ، في كتاب «الابانة»: حسبك دلالة على إجماع المسلمين وإتّفاقهم على دفن أبي بكر وعمر مع النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ كلّ عالم من علماء المسلمين وفقيه من فقهائهم ألَّف كتاباً في المناسك، ففصَّله فصولاً وجعله أبواباً يذكر في كلِّ باب فقهه، ولكلِّ فصل علمه وما يحتاج الحاجُّ إلى علمه «إلى أن قال»: حتّى يذكر زيارة قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فيصف ذلك فيقول: ثمَّ تأتي القبر فتستقبلهوتجعل القبلة وراء ظهرك، إلى أن قال: وبعدُ أدركنا الناس ورأيناهم وبلغنا عمَّن لم نره أنَّ الرجل إذا أراد الحجَّ فسلّم عليه أهله وصحابته قالوا له: وتقرأ على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر منّا السَّلام، فلا ينكر ذلك أحدٌ ولا يخالفه (شفاء السقام 45).

الصفحة 129

قال الاميني:

وذكر أبو منصور الكرماني الحنفي. والغزالي في «الاحياء» والفاخوري في «الكفاية» وشرنبلالي في مراقي الفلاح، والسبكي، والسمهودي، والقسطلاني، والحمزاوي العدوي وغيرهم: أنَّ النائب يقول: السَّلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك إلى ربِّك بالرَّحمة والمغفرة فإشفع له.

3 ـ قال العبدري المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد: وأمّا النذر للمشي إلى المسجد الحرام أو المشي إلى مكّة، فله أصلٌ في الشَّرع وهو الحجُّ والعمرة، وإلى المدينة لزيارة قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس، وليس عندهم حجّ ولا عمرة. فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه، فالكعبة متَّفقٌ عليها، واختلف أصحابنا وغيرهم في المسجدين الاخرين:

قال ابن الحاجِّ في «المدخل 1: 256»، بعد نقل هذه العبارة: وهذا الذي قاله مسلّمٌ صحيحٌ لا يرتاب فيه إلاّ مشركٌ أو معاندٌ لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقال تقيُّ الدين السبكي في «شفاء السقام: 53»، بعد ذكر كلام العبدري المذكور: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزِّيارة.

وقال ص71 بعد كلام طويل حول نذر العبادات وجعلها أقساماً: إذا عرفتَ هذا فزيارة قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قربةٌ; لحثِّ الشرع عليها وترغيبه فيها، وقد قدّمنا أنَّ فيها جهتين: جهة عموم، وجهة

الصفحة 130
خصوص.

فأمّا من جهة الخصوص، وكون الادلَّة الخاصَّة وردت فيها بعينها، فيظهر القطع بلزومها بالنذر، إلحاقاً لها بالعبادات المقصودة التي لا يؤتى بها إلاّ على وجه العبادة، كالصّلاة والصَّدقة والصَّوم والاعتكاف، ولهذا المعنى ـ والله أعلم ـ قال القاضي ابن كج رحمه الله: إذا نذر أن يزور قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فعندي أنَّه يلزمه الوفاء وجهاً واحداً.

إلى أن قال: وإذا نظرنا إلى زيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة العموم خاصَّة، وإجتماع المعاني الَّتي يقصد بالزِّيارة فيه، فيظهر أن يقال: إنَّه يلزم بالنذر قولاً واحداً، ويحتمل على بعد أن يقال: إنَّه كما لو نذر زيارة القادمين وإنشاء السَّلام، فيجري في لزومها بالنذر ذلك.

وقبل هذه كلّها تنبأك عمّا نرتأيه الاداب المسنونة الاتية للزائر، فإنَّها تتفرَّع على استحباب الزِّيارة، ومندوبيَّة شدِّ الرِّحال إلى روضة النبيِّ الاقدس (صلى الله عليه وآله وسلم).

أدب الزائر عند الجمهور

نذكُر نصَّ ما وقفنا عليه في المصادر(1)

____________

(1) أفرد جمال الدين عبد الله الفاكهي المكي الشافعي المتوفّى 972هـ، آداب زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بالتأليف وسمّاه (حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل) جمع فيه أربعاً وتسعين أدباً من آداب الزائر، وقد صفحنا عن كثير منها; لكونه أدب المسافر لا يخص بالزيارة، طبع في هامش الاتحاف للشبراوي بمصر سنة 1318هـ. «المؤلّف».

الصفحة 131
1 ـ إخلاص النيّة وخلوص الطويّة، فـ «إنّما الاعمال بالنيّات»، فينوي التقرُّب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرُّب بالمسافرة إلى مسجده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشدِّ الرحال إليه والصّلاة فيه. قاله ابن الصّلاح والنووي من الشافعيّة، ونقله شيخ الحنفيّة الكمال بن الهمام عن مشايخهم.

2 ـ أن يكون دائم الاشواق إلى زيارة الحبيب الشفيع.

3 ـ أن يقول إذا خرج من بيته: بسم الله، وتوكّلت على الله، ولا حول ولا قوَّة إلاّ بالله. اللّهمَّ إليك خرجتُ وأنت أخرجتني، اللّهمَّ سلّمني وسلّم منّي ورُدَّني سالماً في ديني كما أخرجتني، اللّهمَّ إنِّي أعوذ بك أن أضلّ أو اُضلّ، أو أذلَّ أو اُذلّ، أو أظلم أو اُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليّ، عزَّ جارك وجلَّ ثناؤك وتبارك إسمك ولا إله غيرك.

4 ـ الاكثار في المسير من الصَّلاة والتسليم على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل يستغرق أوقات فراغه في ذلك من القربات.

5 ـ يتتبّع ما في طريقه من المساجد والاثار المنسوبة إلى النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيحييها بالزّيارة ويتبرَّك بالصّلاة فيها.

6 ـ إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها ورباها وآكامها،

الصفحة 132
فليستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشراً بالهنا وبلوغ المنى، وإن كان على دابّة حرَّكها تباشراً بالمدينة، ولا بأس بالترجّل والمشي عند رؤية ذلك المحلّ الشريف كما يفعله بعضهم; لانَّ وفد عبد القيس لمّا رأوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نزلوا عن الرّواحل ولم ينكر عليهم، وتعظيمه بعد الوفاة كتعظيمه في الحياة.

وقال أبو سليمان داود المالكي في الانتصار: إنَّ ذلك يتأكّد فعله لمن أمكنه من الرِّجال، وأنّه يستحبُّ تواضعاً لله تعالى وإجلالاً لنبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم).

وحكى القاضي عياض في «الشفاء»: إنَّ أبا الفضل الجوهري(1) لمّا ورد المدينة زائراً وقرب من بيوتها وترجَّل باكياً منشداً:

ولمَّا رأينا رسم مَن لم يدع لنا فؤاداً لعرفان الرسوم ولا لبّا
نزلنا عن الاكوار نمشي كرامةً لمن بانَ عنه أن نلمَّ به ركبا
وقد ضمّنها القاضي عياض في قصيدة نبويَّة له يقول بعدهما:

____________

(1) عبدالله بن الحكيم الرندي الاندلسي، من علماء الحديث والقراءات والعربية، وله شعر رائق. «المؤلّف».

الصفحة 133
وتهنا بأكناف الخيام تواجداً نُقبِّلها طوراً ونرشفها حُبّا
ونُبدي سروراً والفؤاد بحبِّها تقطّع والاكباد أورى بها لهبا
اُقدِّم رِجلاً بعد رِجل مهابةً وأسحب خدِّي في مواطنها سحبا
وأسكب دمعي في مناهل حبِّها واُرسل حبّاً في أماكنها النجبا
وأدعو دعاء البائس الواله الذي براه الهوى حتّى بدا شخصه شجبا
7 ـ إذا بلغ حرم المدينة الشريفة فليقل بعد الصّلاة والتسليم: اللّهمَّ هذا حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حرَّمته على لسانه، ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما في حرم البيت الحرام، فحرِّمني على النار، وآمنِّي من عَذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاته ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفّقني لحسن الادب وفعل الخيرات وترك المنكرات، ثمَّ تشتغل بالصّلاة والتسليم.

وقال الغزالي في الاحياء 1 ص246: إذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال: اللّهمَّ هذا حرم رسولك، فاجعله لي وقايةً من النّار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب.

وفي «مراقي الفلاح» للفقيه شر نبلالي: فإذا عاين حيطان

الصفحة 134
المدينة المنوّرة يصلّي على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمَّ يقول: اللّهمَّ هذا حرم نبيِّك ومهبط وحيك، فامنن عليَّ بالدخول فيه، واجعله وقايةً لي من النّار وأماناً من العذاب، واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب.

8 ـ إن كانت طريقه على ذي الحليفة فلا يجاوز المعرَّس حتّى ينيخ به، وهو مستحبّ كما قاله أبو بكر الخفّاف في كتاب (الاقسام والخصال) والنووي وغيرهما.

9 ـ الغسلُ لدخول المدينة المنوَّرة من بئر الحرَّة أوغيرها، والتطيّب، ولبسُ الزائر أحسن ثيابه. وقال الكرماني من الحنفيّة، فإن لم يغتسل خارج المدينة فليغتسل بعد دخولها.

قال ابن حجر: ويسنُّ له كمالاً في الادب أن يلبس أنظف ثيابه والاكمل الابيض إذ هو أليق بالتواضع المطلوب متطيِّباً، وقد يقع لبعض الجهلة عند الرؤية للمدينة نزولهم عن رواحلهم مع ثياب المهنة والتجرُّد عن الملبوس فينبغي زجره; نعم: النزول عن الرَّواحل عند رؤية المدينة من كمال الادب لكن بعد التطيّب ولبس النظيف.

وقال الفقيه شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجّه للزِّيارة إن أمكنه، ويتطيَّب ويلبس أحسن ثيابه تعظيماً للقدوم على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ يدخل المدينة ماشياً إن أمكنه بلا ضرورة.

الصفحة 135
10 ـ أن يقول عند دخوله من باب البلد: بسم الله ما شاء الله لا قوَّة إلاّ بالله، ربّ أدخلني مُدخل صِدْق، وأخرجني مُخرج صدْق، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً; حسبي الله آمنت بالله توكلّت على الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، اللّهمَّ إنني أسألك بحقِّ السائلين عليك، وبحقِّ ممشاي هذا إليك فإنّي لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا رياء ولا سمعةً، خرجت إتِّقاء سخطك وإبتغاء مرضاتك، أسألك أن تُنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت.

وقال شيخ زاده في «مجمع الانهر: ج1، ص157»: إذا دخل المدينة قال: ربِّ أدخلني مُدخل صِدْق. الاية، اللّهمَّ إفتح لي أبواب فضلك ورحمتك، فارزقني زيارة قبر رسولك المجتبى (عليه السلام)ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك، وإغفر لي وارحمني ياخير مسؤول.

11 ـ لزوم الخشوع والخضوع لمّا شاهد القبّة مستحضراً عظمتها، يمثِّل في نفسه مواقع أقدام رسول الله، فلا يضع قدمه عليه إلاّ مع الهيبة والسكينة والوقار.

12 ـ عدم الاخلال بشيء ممّا أمكنه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغضب عند إنتهاك حرمة من حرمه أو تضييع شيء من حقوقه (صلى الله عليه وآله وسلم).

13 ـ إذا شاهد المسجد والحرم الشريف فليزدد خضوعاً وخشوعاً يليق بهذا المقام، ويقتضيه هذا المحلّ الذي ترتعد دونه

الصفحة 136
الاقدام، ويجتهد في أن يوفي للمقام حقَّه من التعظيم والقيام.

14 ـ الافضل أن يدخل الزائر إلى الحضرة الشريفة من باب جبرئيل، وجرت عادة القادمين من ناحية باب السَّلام بالدخول.

15 ـ يقف بالباب لحضةً لطيفةً، كما يقف المستأذن في الدُّخول على العظماء، قاله الفاكهي في «حسن الادب: 56»، والشيخ بعد المعطي السقافي «الارشادات السنيَّة: 261».

16 ـ إذا أراد الدخول فليفرغ قلبه وليصف ضميره، ويقدِّم رجله اليمنى ويقول: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبنوره القديم من الشيطان الرَّجيم، بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوَّة إلاّ بالله ما شاء الله لا قوَّة إلاّ بالله، اللّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً; اللّهمَّ إغفر لي ذنوبي وإفتح لي أبواب رحمتك، ربِّ وفِّقني وسدِّدني وأصلحني وأعنّي على ما يُرضيك عنّي، ومُنَّ عليَّ بحسن الادب في هذه الحضرة الشريفة، السَّلام عليك أيّها النبيُّ ورحمة الله تعالى وبركاته; السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يترك ذلك كلّما دخل المسجد أو خرج منه، إلاّ أنَّه يقول عند خروجه: وإفتح لي أبواب فضلك، بدل قوله: أبواب رحمتك.

وقال القاضي عياض: قال ابن حبيب: يقول إذا دخل مسجد الرَّسول: بسم الله وسلامٌ على رسول الله، السَّلام علينا من ربِّنا، وصلّى الله وملائكته على محمّد، اللّهمَّ إغفر لي ذنوبي، وإفتح لي

الصفحة 137
أبواب رحمتك وجنَّتك، واحفظني من الشَّيطان الرَّجيم(1) .

17 ـ قال القاضي في «الشفاء»: ثمَّ أقصد إلى الرَّوضة ـ وهي ما بين القبر ـ والمنبر واركع فيهما ركعتين قبل وقوفكَ بالقبر، تحمد الله تعالى فيهما وتسأله تمام ما خرجت إليه والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الرَّوضة أجزأتاك، وفي الرَّوضة أفضل(2) .

وقال القسطلاني في «المواهب»: يستحبّ أن يصلّي ركعتين قبل الزِّيارة، قيل: وهذا ما لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف، وإلاّ إستحبَّ الزِّيارة أوَّلاً، قال في «تحقيق النصرة»: وهو إستدراكٌ حسنٌ، ورخَّص بعضهم تقديم الزيارة مطلقاً، وقال ابن الحاجّ: كلُّ ذلك واسعٌ.

وقال شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: فتسجد شكراً لله تعالى بأداء ركعتين غير تحيَّة المسجد، شكراً لما وفَّقك الله تعالى ومَنَّ عليك بالوصول إليه.

وقال الحمزاوي في «كنز المطالب: ص211»: يبدأ بتحيَّة المسجد ركعتين خفيفتين بقل يا أيّها الكفارون وقل هو الله أحد، وأن يكون بمصلاّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن لم يتيسَّر له فما قرب منه ممّا يلي المنبر من جهة الرَّوضة.

18 ـ ينبغي للزائر أن يكون واقفاً وقت الزِّيارة كما هو الاليق

____________

(1) الشفاء بتعريف حقوق المصطوفى 2: 201.

(2) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 201.

الصفحة 138
بالادب، فإذا طال فلا بأس متأدِّباً جاثياً على ركبتيه، غاضّاً لطرفه في مقام الهيبة والاجلال، فارغ القلب مستحضراً بقلبه جلالة موقفه، وأنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)حيٌّ ناظرٌ إليه ومطَّلعٌ عليه.

وقال الخفاجي في شرح «الشفاء: ج3، ص571»: ويستحبُّ القيام في حال الزِّيارة كما نبَّه عليه المصنّف (يعني القاضي عياض) بقوله: يقف. وهو أفضل من الجلوس عند الجمهور، ومن خيَّر بينهما أراد الجواز دون المساواة، فإن جلسَ فالافضل أن يجثو على ركبتيه ولا يفترش ولا يتربَّع; لانَّه أليق بالادب.

19 ـ يقف كما يقف في الصَّلاة واضعاً يمينه على شماله، قاله الكرماني الحنفي، وشيخ زاده في «مجمع الانهر»(1) ، وغيرهما ورآه ابن حجر أليقاً.

20 ـ يتوجَّه إلى القبر الكريم مُستعيناً بالله تعالى في رعاية الادب في هذا الموقف العظيم، فيقف ممثِّلاً صورته الكريمة في خياله بخشوع وخضوع تامّين بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم)محاذاة الوجه الشريف مستدبر القبلة، ناظراً في حال وقوفه إلى أسفل ما يستقبل من جدار الحجرة الشريفة، مُلتزماً للحياء والادب التامِّ في ظاهره وباطنه، عالماً بأنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)عالمٌ بحضوره وقيامه وزيارته وأنَّه يبلغه سلامه وصلاته.

وقال ابن حجر: إستدبار القبلة واستقبال الوجه الشريف، هو

____________

(1) مجمع الانهر: 158.

الصفحة 139
مذهبنا ومذهب جمهور العماء.

وقال الخفاجي في شرح «الشفاء: ج3، ص171»: إستقبال وجهه (صلى الله عليه وآله وسلم)وإستدبار القبلة مذهب الشافعي والجمهور، ونُقل عن أبي حنيفة، وقال ابن الهمام: ما نُقل عن أبي حنيفة أنَّه يستقبل القبلة مردودٌ بما روي عن ابن عمران: من السنَّة أن يستقبل القبر المكرَّم ويجعل ظهره للقبلة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول الكرماني: إنَّ مذهبه بخلافه ليس بشيء; لانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيٌّ في ضريحه يعلم بزائره، ومَن يأتيه في حياته إنّما يتوجَّه إليه.

وقال في شرح قول ابن أبي مليكة(1) (مَنْ أحبّ أن يكون وجاه النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه): هو إرشادٌ لكيفيَّة الزيارة، و أن يكون بينه وبين القبر فاصلٌ. فقيل: إنَّه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع، وقيل: ثلاثة وهذا على أنَّ البعد أولى وأليق بالادب كما كان في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه الاكثر، وذهب بعض المالكيَّة إلى أنَّ القرب أولى. وقيل: يعامل معاملته في حياته، فيختلف ذلك بإختلاف الناس، وهذا بإعتبار ما كان في العصر الاوَّل، وأمّا اليوم فعليه مقصورةٌ تمنع من دنوِّ الزائر فيقف عند الشبّاك.

____________

(1) عبدالله بن عبيدالله المتوفّى 117هـ، أخرج له أصحاب الصاح الستّ. «المؤلّف».

الصفحة 140
21 ـ لا يرفع في الزِّيارة صوته ولا يخفيه بل يقتصد، وخفض الصَّوت عنده صلّى الله عليه أدبٌ للجميع، أخرج القاضي عياض بإسناده عن ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له مالك: يا أمير المؤمنين! لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإنَّ الله تعالى أدَّب قوماً فقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيِّ)(1) الاية، ومدح قوماً فقال: (إنَّ الَّذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله)(2) الاية، وذمَّ قوماً فقال: (إنَّ الذين ينادونك من وراء الحجرات)(3) الاية، وإنَّ حرمته ميِّتاً كحرمته حيّاً.

فإستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبدالله أستقبل القبلة وأدعوا، أم أستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم (عليه السلام)إلى الله تعالى يوم القيامة؟! بل إستقبله وإستشفع به فيشفعك الله تعالى، قال الله تعالى: (ولو انَّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله)(4) الاية(5) .

____________

(1) الحجرات: 2.

(2) الحجرات: 3.

(3) الحجرات: 4.

(4) النساء: 64.

(5) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 201.

الصفحة 141

زيارة النّبي الاقدس

22 ـ يقول: السَّلام عليكَ يا رسول الله، السَّلام عليكَ يا نبيَّ الله، السَّلام عليكَ ياخيرةَ الله، السَّلام عليكَ يا حبيب الله، السَّلام عليكَ يا سيِّد المرسلين وخاتم النبيِّين، السَّلام عليكَ يا خيرة الخلائق أجمعين، السَّلام عليكَ يا قائد الغرِّ المحجَّلين، السَّلام عليكَ وعلى آلك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين، السَّلام عليكَ وعلى سائر الانبياء والمرسلين وجميع عباد الله الصالين، جزاك الله عنّا يا رسول الله أفضل ما جزى به نبيّاً ورسولاً عن اُمَّته، وصلّى عليك كلّما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، أفضل وأكمل ما صلّى على أحد من الخلق أجمعين.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأشهد أنّك بلّغت الرِّسالة، وأدّيت الامانة،ونصحت الاُمَّة،وكشفت الغمَّة،وجاهدت في الله حقَّ جهاده.

اللّهمَّ آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السّائلون.

اللّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد نبيِّك ورسولك النبيِّ الاُمّيِّ، وعلى آل سيِّدنا محمّد وأزواجه وذرّيته، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على سيِّدنا محمّد النبيِّ الاُمّيِّ وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنّك حميدٌ مجيد.

الصفحة 142

زيارة أخرى

حكاها ابن فرحون عن ابن حبيب(1) : السّلام عليكَ أيَّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، صلّى الله عليكَ وسلّم يا رسول الله، أفضل وأزكى وأعلى وأنمى صلاة صلاّها على أحد من أنبيائه وأصفيائه، أشهدُ يا رسول الله أنّك قد بلّغت ما اُرسلتَ به، ونصحتَ الاُمّة، وعبدتَ ربّك حتّى أتاك اليقين، وكنتَ كما نعتك الله في كتابه حيث قال: (لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤفٌ رحيم)(2) ، فصلوات الله وملائكته وجميع خلقه في سماواته وأرضه عليك يا رسول الله.

زيارة ثالثة

إتَّفق عليها أعلام المذاهب الاربعة(3) : السّلام عليكَ يا نبيَّ الله ورحمة الله وبركاته، أشهدُ أنّك رسول الله، فقد بلّغت الرّسالة، وأدَّيتَ الامانة، ونصحتَ الاُمَّة، وجاهدت في أمر الله حتى قبض الله روحك حميداً محموداً، فجزاك الله عن

____________

(1) عبدالملك بن حبيب القرطبي الامام الجليل الثقة، مصنّف كتاب «الواضحة». «المؤلّف».

(2) التوبة: 128.

(3) في الفقه على المذاهب الاربعة 1: 591. «المؤلّف».

الصفحة 143
صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء، وصلّى عليك أفضل الصّلاة وأزكاها، وأتمَّ التحيّة وأنماها، اللّهمَّ أجعل نبيّنا يوم القيامة أقرب النبيِّين إليك، وإسقنا من كأسه، وارزقنا من شفاعته، وإجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللّهمَّ لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبيِّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإرزقنا العود إليه ياذا الجلال والاكرام.

الزيارة الرابعة

رواية الغزالي

السّلام عليكَ يا رسول الله، السّلام عليكَ يا نبيَّ الله، السَّلام عليك يا أمين الله، السّلام عليكَ يا حبيب الله، السّلام عليك يا صفوة الله، السّلام عليك يا خيرة الله، السّلام عليك يا أحمد، السّلام عليكَ يا محمّد، السّلام عليك يا أبا القاسم، السّلام عليك يا ماحي، السَّلام عليكَ يا عاقب، السّلام يا حاشر، السّلام عليك يا بشير، السّلام عليك يا نذير، السّلام عليك يا طهر، السّلام عليك يا طاهر، السّلام عليك يا أكرم ولد آدم، السّلام عليك يا سيِّد المرسلين، السّلام عليك يا خاتم النبيِّين، السّلام عليك يا رسول ربِّ العالمين، السّلام عليكَ يا قائد الخير، السّلام عليك يا فاتح البرّ، السّلام عليك يا نبيّ الله، السّلام عليك يا هادي الاُمّة، السّلام عليك يا قائد الغرّ المحجّلين، السّلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً، السّلام عليك وعلى

الصفحة 144
أصحابك الطيِّبين وعلى أزواجك الطّاهرات اُمّهات المؤمنين.

جزاك الله عنّا أفضل ما جزى نبيّاً عن قومه ورسولاً عن اُمَّته، وصلّى عليك كلّما ذكرك الذاكرون، وكلّما غفل عنك الغافلون، وصلّى عليك في الاوّلين والاخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجلَّ وأطيب وأطهر ما صلّى على أحد من خلقه كما استنقذنا بكَ من الضّلالة، وبصَّرنا بك من العماية، وهدانا بك من الجهالة.

أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّك عبد الله ورسوله وأمينه وصفيّه وخيرته من خلقه، وأشهد أنَّك قد بلّغت الرِّسالة، وأدّيتَ الامانة، ونصحتَ الاُمّة، وجاهدتَ عدوّك، وهديتَ اُمّتك، وعبدتَ ربّك حتّى أتاك اليقين، فصلّى الله عليك وعلى أهل بيتك الطيِّبين وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم(1) .

زيارة خامسة

رواية القسطلاني:

السّلام عليك يا رسول الله، السَّلام عليك يا نبيَّ الله، السَّلام عليك يا حبيب الله، السَّلام عليك يا خيرة الله، السَّلام عليك يا صفوة الله، السَّلام عليك يا سيِّد المرسلين وخاتم النبيين، السَّلام عليك يا قائد الغرّ المحجّلين، السَّلام عليك وعلى أهل بيتك الطيِّبين الطاهرين، السَّلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات اُمَّهات

____________

(1) إحياء علوم الدين 1: 259.

الصفحة 145
المؤمنين، السَّلام عليكَ وعلى أصحابك أجمعين، السَّلام عليكَ وعلى سائر الانبياء وسائر عباد الله الصّالين.

جزاك اللهُ أفضلَ ما جزى نبيّاً ورسولاً عن اُمَّته، وصلّى الله عليكَ كلّما ذَكرَكَ الذاكِرون، وغفل عن ذِكره الغافلون، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله، وأشهد أنَّك عبده ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه، وأشهد أنَّك قد بلّغت الرِّسالة، وأدَّيت الامانة، ونصحتَ الاُمَّة، وجاهدت في الله حق جهاده.

قال: ومَن ضاق وقته عن ذلك فليقل ما تيسَّر منه.

زيارة سادسة

رواية الباجوري:

قال: يُسلّم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا رفع صوت قائلاً:

السَّلام عليكَ يا رسول الله، السَّلام عليك يا نبيَّ الله، السَّلام عليك يا حبيب الله، أشهد أنّك رسول الله حقّاً، بلّغتَ الرِّسالة، وأدّيتَ الامانة، ونصحتَ الاُمّة، وكشفتَ الغمّة، وجلوت الظّلمة، ونطقت بالحكمة، وجاهدتَ في سبيل الله حقَّ جهاده، جزاك الله عنّا أفضل الجزاء.

زيارة اُخرى سابعة

ذكرها شرنبلالي الحنفي في «المراقي»:

السّلام عليكَ يا سيِّدي يا رسول الله، السّلام عليكَ يا نبيَّ الله،

الصفحة 146
السّلام عليكَ يا حبيب الله، السّلام عليكَ يا نبيَّ الرَّحمة، السّلام عليكَ يا شفيع الاُمّة، السّلام عليكَ يا سيِّد المرسلين، السّلام عليك يا خاتم النبيِّين، السّلام عليك يا مزمِّل، السّلام عليكَ يا مدَّثِّر، السّلام عليكَ وعلى اُصولك الطيِّبين وأهل بيتك الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، جزاك الله عنّا أفضل ما جزى نبيّاً عن قوله ورسولاً عن اُمَّته.

أشهد أنّك رسول الله بلّغت الرِّسالة، وأدَّيت الامانة، ونصحت الاُمّة، وأوضحت الحجّة، وجاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده، وأقمتَ الدِّين حتّى أتاك اليقين، صلّى الله عليك وسلّم وعلى أشرف مكان شرَّف بحلول جسمك الكريم فيه صلاةً، وسلاماً دائمين من ربِّ العالمين، عدد ما كان وعدد ما يكون بعلم الله، صلاة لا إنقضاء لامرها.

يا رسول الله! نحن وفدك وزوّار حرمك تشرّفنا بالحلول بين يديك، وجئنا من بلاد شاسعة وأمكنة بعيدة، نقطع السهل والوعر بقصد زيارتك لنفوز بشفاعتك، والنظر إلى مآثرك ومعاهدك، والقيام بقضاء بعض حقِّك والاستشفاع بك إلى ربِّنا، فإنَّ الخطايا قد قصمت ظهورنها، والاوزار قد أثقلت كواهلنا وأنت الشافع المشفَّع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود والوسيلة، وقد قال الله تعالى: (ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله وإستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً) .

الصفحة 147
وقد جئناك ظالمين لانفسنا، مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربِّك، واسأله أن يميتنا على سنّتك، وأن يحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك، وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا نادمين، الشَّفاعة الشَّفاعة يا رسول الله [تقولها ثلاثاً]، ربَّنا إغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤف رحيم.

زيارة ثامنة

رواية شيخ زاده في «مجمع الانهر»:

السَّلام عليك ورحمة الله وبركاته، السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليكَ يا خير خلق الله، السّلام عليك يا سيِّد ولد آدم، إنِّي أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّك عبده ورسوله وأمينه، أشهد أنّك قد بلّغت الرِّسالة، وأدَّيت الامانة، ونصحت الاُمّة، وكشفت الغمَّة، فجزاك الله عنّا خيراً، جزاك الله عنّا أفضل ما جزى نبيّاً عن اُمَّته اللّهمَّ أعط سيِّدنا ورسولك محمّداً الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، وأنزله المنزل المبارك عندك، سبحانك أنت ذو الفضل العظيم.

ثمَّ يسأل الله تعالى حاجته، وأعظم الحاجات حسن الخاتمة وطلب المغفرة، ويقول:

الصفحة 148
السَّلام عليك يا رسول الله، أسألك الشفاعة الكبرى، وأتوسّل بك إلى الله تعالى في أن أموت مسلماً على ملّتك وسنّتك، وأن اُحشر في زمرة عباد الله الصّالحين. ثمَّ ذكر السّلام على الشيخين(1) .

زيارة تاسعة

رواية الفاكهي:

السَّلام عليك أيّها النبيُّ الكريم ـ ثلاثاً ـ السَّلام عليك يا رسول الله، السَّلام عليك يا نبيّ الله، السّلام عليك يا خيرة الله، السّلام عليك يا حبيب الله، السَّلام عليكَ يا سيِّد المرسلين، السَّلام عليك يا خاتم النبيِّين، السَّلام عليك يا خير الخلائق أجمعين، السَّلام عليكَ يا إمام المتّقين، السَّلام عليكَ يا قائد الغرّ المحجّلين، السّلام عليكَ يا رحمةً للعالمين، السَّلام عليكَ يا منّة الله على المؤمنين، السَّلام عليكَ يا شفيع المذنبين، السَّلام عليك يا هادياً إلى صراط مستقيم، السَّلام عليكَ يا من وصفه الله بقوله: (وإنَّك لعلى خلق عظيم)(2) وبالمؤمنين رؤفٌ رحيم، السَّلام عليك وعلى سائر الانبياء والمرسلين وآلك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين وعباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته.

____________

(1) مجمع الانهر 1: 159.

(2) القلم: 4.

الصفحة 149
جزى الله محمَّداً كما هو أهله، جزاك الله عنّا يا رسول الله أفضل ما جزى نبيّاً عن قومه و رسولاً عن اُمتَّه، وصلّى الله عليك كلّما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، أفضل وأكمل ما صلّى على أحد من خلقه أجمعين.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، فإنَّك قد بلّغت الرِّسالة، وأدَّيتَ الامانة، ونصحتَ الاُمَّة، وجاهدت في الله حقَّ جهاده، وكما نصَّ الله في كتابه، اللّهمَّ آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، اللّهمَّ صلِّ على محمَّد عبدك ونبيِّك ورسولك النبيِّ الاُمِّيّ، وعلى آل محمَّد، وأزواجه وذريَّته كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد وأزواجه وذريَّته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنّك حميدٌ مجيدٌ، ربّنا آمنّا بما أنزلتَ وأتّبعنا الرَّسول فاكتبنا مع الشاهدين، الحمد الله الذي أقرَّ عيني برؤيتك يا رسول الله، وأدخلني بروضتك وحضرتك يا حبيب الله.

فإن عجز عن ذلك كلّه أتى بما أمكنه.

الدعاء عند رأس النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)

23 ـ يقف عند رأسه الشريف ويقول: اللّهمَّ إنّك قلتَ وقولك الحقُّ: (ولو إنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله

الصفحة 150
وإستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً) ، وقد جئناك سامعين قولك، طائعين أمرك، مستشفعين بنبيك، ربنا إغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاٍّ للّذين آمنوا، ربّنا إنَّك رؤوفٌ رحيم، ربنّا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النّار، سبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عمّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين. ويدعو بما يحضره من الدعاء، ذكره شرنبلالي الحنفي في «مراقي الفلاح»، وغيره في غيرها.

دعاء آخر عند رأسه (صلى الله عليه وآله وسلم) رواية «الغزالي»

يقف عند الرأس مستقبل القبلة بين القبر والاُسطوانة، وليحمد الله عزَّوجلَّ، وليمجِّده، وليكثر من الصّلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمَّ يقول:

اللّهمَّ إنَّك قلت وقولك الحقّ: (ولو إنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله وإستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً)(1) ، اللّهمَّ إنّا سمعنا قولك، وأطعنا أمرك، وقصدنا نبيَّك، مستشفعين به إليك في ذنوبنا، وما أثقل ظهورنا من أوزارنا، تائبين من زللنا، معترفين بخطايانا وتقصيرنا، فتب اللّهمَّ علينا وشفِّع نبيّك هذا فينا، وارفعنا بمنزلته عندك وحقهِّ عليك، اللّهمَّ إغفر

____________

(1) النساء: 64.

الصفحة 151
للمهاجرين والانصار، وإغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، اللّهمَّ لا تجعله آخر العهد من قبر نبيِّك ومن حرمك يا أرحم الراحمين.

ثمَّ يأتي الرَّوضة فيصلّي فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما بين قبري ومنبري روضةٌ من رياض الجنَّة ومنبري على حوضي»(1) .

وقال العدوي الحمزاوي في «كنز المطالب: ص216»: ومن أحسن ما يقول بعد تجديد التوبة في ذلك الموقف الشريف، وتلاوة: (ولو إنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله وإستغفر لهم الرَّسول) الاية: نحن وفدك يا رسول الله وزوّارك، جئناك لقضاء حقِّك، وللتبرّك بزيارتك، والاستشفاع بك ممّا أثقل ظهورنا، وأظلم قلوبنا. [وزاد الشيخ علي القاري الحنفي في شرح الشمائل: فليس لنا شفيعٌ غيرك نؤمِّله، ولا رجاء غير بابك نصله، فاستغفر لنا وإشفع لنا إلى ربِّك يا شفيع المذنبين، وأسأله أن يجعلنا من عباده الصّالحين].

يا خير من دُفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهنَّ القاع والاكمُ
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ

____________

(1) أحياء علوم الدين 1: 259.

الصفحة 152
قال الاميني: هذه مأخوذةٌ عن حكاية حكاها محمّد بن حرب الهلالي عن أعرابيّ أتى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزاره ثمَّ قال ما يقرب ممّا ذكره، رواها ابن النجّار، وابن عساكر، وابن الجوزي، والقسطلاني «في المواهب»، والسبكي في «شفاء السِّقام»، والخالدي في «صلح الاخوان: 54»، وقال: تلقّى هذه الحكاية العلماء بالقبول، وذكرها أئمّة المذاهب الاربعة في المناسك مستحسنين لها، وذكر جمعٌ تضمين أبي الطِّيب أحمد بن عبد العزيز المقدسي البيتين المذكورين بقوله:

أقول والدمع من عينيّ منسجمُ لما رأيتُ جدار القبر يُستلم
والناس يغشونه باك ومنقطع من المهابة أو داع فملتزمُ
فما تمالكتُ أنْ ناديت من حرق في الصدر كادت لها الاحشاء تضطرمُ
[يا خير من دُفنت بالقاع أعظمه]
إلى آخر البيتين.

وفيه شمس التّقى والدين قد غربت من بعدما أشرقت من نيرها الظلمُ

الصفحة 153
حاشا لوجهك أن يبلى وقد هُديت في الشرق والغرب من أنواره الاُممُ
فإنْ تمسَّك أيدي الترب لامسةً فأنت بين السَّماوات العلى علمُ
لقيتَ ربَّك والاسلام صارمه ماض وقد كان بحر الكفر يلتطمُ
فقمتَ فيه مقام المرسلين إلى أنْ عزَّ فهو على الاديان محتكمُ
لئن رأيناه قبراً إنَّ باطنه لروضةٌ من رياض الخلد تبتسمُ
طافت به من نواحيه ملائكةٌ تغشاه في كلِّ ما يوم وتزدحمُ
لو كنتُ أبصرته حيّاً لقلت له لا تمش إلاّ على خدّي لك القدمُ
الصلاة على النبيّ الطاهر (صلى الله عليه وآله وسلم)

24 ـ أخرج البخاري بإسناده مرفوعاً: «مَنْ صلّى عليَّ عند قبري وكّل الله به ملكاً يبلّغني، وكفى أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة»(1) .

____________

(1) ذكره الخطيب الشربيني في المغني 1: 494. «المؤلّف».

الصفحة 154
قال المجد: ويأتي «الزائر» بأتمِّ أنواع الصَّلاة وأكمل كيفيّاتها، والاختلاف في ذلك مشهورٌ، قال: والَّذي أختاره لنفسي:

اللّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد وآله وصحبه وأزواجه عدد ما خلقت، وعدد ما أنت خالقٌ، وزنة ما خلقت، وزنة ما أنت خالق، وملا ما خلقت، وملا ما أنت خالق، وملا سماوتك، وملا أرضك، ومثل ذلك، وأضعاف ذلك، وعدد خلقك، وزنة عرشك، ومنتهى رحمتك، ومداد كلماتك، ومبلغ رضاك، وحتّى ترضى، وعدد ما ذكرك به خلقك في جميع ما مضى، وعدد ما هم ذاكروك فيما بقي في كلِّ سنة وشهر وجمعة ويوم وليلة وساعة من السّاعات ونسيم ونفَس ولمحة وطرفة من الابد إلى الابد، أبد الدنيا والاخرة، وأكثر من ذلك لا ينقطع أوَّله ولا ينفد آخره.

يقوله مرَّةً أو ثلاث، ثمَّ يقول: اللّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد وعلى آل سيِّدنا محمّد.

روي(1) عن ابن أبي فديك(2) قال: سمعتُ بعضَ من أدركت يقول: بلغنا أنَّه من وقف عند قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال: إنَّ الله وملائكته يصلّون على النبيِّ يا أيّها الَّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا

____________

(1) أخرجه البيهقي، والقاضي عياض في الشفاء، والسبكي في الشفاء، والعبدري في المدخل، وجمع آخرون. «المؤلّف».

(2) محمّد بن إسماعيل من مسلم بن فديك المتوفّى 200هـ، إمام ثقة يروى عنه الائمة الستة أصحاب الصحاح. «المؤلّف».

الصفحة 155
تسليما، صلّى الله تعالى على محمّد وسلّم. وفي رواية: صلّى الله عليك يا محمّد. يقولها سبعين مرَّة، ناداه ملك: صلّى الله عليك يا فلان لم تسقط لك اليوم حاجة(1) .

قال السَّمهودي: قال بعضهم: الاولى أن يقول: صلّى الله وسلّم عليكَ يا رسول الله، وإن كانت الرواية «يا محمّد» تأدُّباً، لانَّ من خصائصه صلّى الله تعالى عليه وسلّم أن لا يُنادي بإسمه، بل يُقال: يا رسول الله، يا نبيَّ الله، ونحوه، والذي يظهر أنَّ هذا في نداء لا يقترن به الصَّلاة والسَّلام.

التوسل والاستشفاع بقبره الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم)

25 ـ ثمَّ يرجع الزائر إلى موقفه الاوَّل قبالة وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيتوسَّل به في حقِّ نفسه، ويستشفع إلى ربِّه سبحانه وتعالى، ويكثر الاستغفار والتضرُّع بعد قوله: ياخير الرسل أنَّ الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه: (ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)(2) ، وإنّي جئتك مستغفراً من ذنوبي متشفعا بك إلى ربي، ويقول:

____________

(1) السنن الكبرى للبيهقي 2: 177، الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 202.

(2) النساء: 64.

الصفحة 156
نحن وفدك يارسول الله وزوّارك، جئناك لقضاء حقك والتبرك بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربك تعالى، فإنّ الخطايا قد أثقلت ظهورنا، وأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود، وقد جئناك ظالمين لانفسنا، مستغفرين لذنوبنا، سائلين منك أنْ تغفر لنا إلى ربك، فأنت نبينا وشفيعنا، فاشفع لنا إلى ربك، واسأله أنْ يميتنا على سنتك ومحبتك، ويحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك غير خزايا ولانادمين.

قال القسطلاني في «المواهب اللدنية»: وينبغي للزائر له (صلى الله عليه وآله وسلم)أنْ يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل به (صلى الله عليه وآله وسلم)فجدير بمن استشفع به يشفعّه الله فيه.

قال: وإنّ الاستغاثة هي طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به إغاثته أنْ يحصل له الغوث، فلا فرق بين أنْ يعبّر بلفظ الاستغاثة، أو التوسل، أو التشفع، أو التوجه، أو التجوه، لانهما من الجاه والوجاهة ومعناهما علو القدر والمنزلة، وقد يُتوسل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه.

قال: ثمَّ إنَّ كلاً من الاستغاثة، والتوسل، والتشفّع، والتوجّه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكره (تحقيق النصرة ومصباح الظلام) واقع في كلّ حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة، ثمَّ فصّل ما وقع من التوسّل والاستشفاع به (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحالات المذكورة.

الصفحة 157
وقال الزرقاني في شرح «المواهب: ج8، ص317»: ونحو هذا في منسك العلامة خليل، وزاد: وليتوسّل به (صلى الله عليه وآله وسلم)ويسأل الله تعالى بجاهه في التوسّل به إذ هو محطّ جبال الاوزار وأثقال الذنوب: لانّ بركة شفاعته وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب، ومن اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس الله بصيرته، وأضلّ سريرته، ألم يسمع قوله تعالى: (ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)(1) ، الاية؟

قال: ولعلّ مراده التعريض بابن تيمية.

قال الاميني: هناك جماعة من الحفّاظ وأعلام أهل السنّة بسطوا القول في التوسّل وقالوا: إنَّ التوسل بالنبي جائز فى كلّ حال قبل خلقه وبعده في مدّة حياته في الدنيا وبعد موته في مدّة البرزخ وبعد البعث فى عرصات القيامة والجنة، وجعلوه على ثلاثة أنواع:

1 ـ طلب الحاجة من الله تعالى به أو بجاهه أو لبركته، فقالوا: إنَّ التوسل بهذا المعنى جائز في جميع الاحوال المذكورة.

2 ـ التوسّل به بمعنى طلب الدّعاء منه، وحكموا بأن ذلك جائز في الاحوال كلّها.

3 ـ الطلب من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الامر المقصود، بمعنى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

(1) النساء: 64.

الصفحة 158
قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى، غير أن العبارة مختلفة، وعدّوا منه قول القائل للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أسألك مرافقتك في الجنة، وقول عثمان ابن أبي العاص: شكوت إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)سوء حفظي للقرآن، فقال «أُدن مني ياعثمان» وضع يده على صدري وقال: «أخرج ياشيطان من صدر عثمان»، فما سمعت بعد ذلك شيئاً إلاّ حفظته.

وقال السبكي في «شفاء الاسقام»: والاثار في ذلك كثيرة أيضاً(إلى أنْ قال): فلا عليك في تسميته توسّلاً، أو تشفعاً، أو إستغاثة، أو تجوها، أو توجهها، لان المعنى في جميع ذلك سواء.

قال الاميني: لايسعنا إيقاف الباحث على جلّ ماوقفا عليه من كلمات ضافية لاعلام المذاهب الاربعة في المناسك وغيرها حول التوسّل بالنبي الاقدس (صلى الله عليه وآله وسلم)ولو ذكرناها برمتها لتأتي كتاباً حافلاً، وقد بسط القول فيه جمع لايستهان بعدتهم منهم:

1 ـ الحافظ ابن الجوزي المتوفّى 597هـ في كتاب (الوفاء في فضائل المصطفى) جعل فيه بابين في المقام: باب التوسّل بالنبي، وباب الاستشفاء بقبره.

2 ـ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن النعمان المالكي المتوفّى 673هـ في كتاب (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الانام)، قال الخالدي في صلح الاخوان: هو كتاب نفيس نحو عشرين كراساً. وينقل عنه كثيراً السيد نور الدين السمهودي في «وفاء الوفاء» في

الصفحة 159
الجزء الثاني في باب التوسّل بالنبي الطاهر.

3 ـ ابن داود المالكي الشاذلي، ذكر في كتابه (البيان والاختصار) شيئاً كثيراً مما وقع للعلماء والصلحاء من الشدائد، فالتجئوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فحصل لهم الفرج.

4 ـ تقي الدين السبكي المتوفّى 756هـ في «شفاء السقام: 120ـ133».

5 ـ السيد نور الدين السمهودي المتوفّى 911هـ في «وفاء الوفاء 2: 419 ـ 431».

6 ـ الحافظ أبو العباس القسطلاني المتوفّى 923هـ في «المواهب اللدنية».

7 ـ أبو عبد الله الزرقاني المصري المالكي المتوفّى 1122هـ في شرح المواهب 8: 317.

8 ـ الخالدي البغدادي الموفي 1299هـ في (صلح الاخوان)، وهو أحسن ماألف في الموضوع، فقد جمع شوارده في سبعين صحيفة، وأفرد له رسالة رداً على كلمة السيد محمود الالوسي في التوسّل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، طبعت في عشرين صحيفة بمطبعة «نخبة الاخبار» سنة1306.

9 ـ العدوي الحمزاوي المتوفّى 1303هـ، في «كنز المطالب: 198».

10 ـ العزامي الشافعي القضاعي في (فرقان القرآن) المطبوع مع

الصفحة 160
(الاسماء والصفات) للبيهقي في 140 صحيفة، وهو كتاب قيّم أدّى للكلام حقّه.

(أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة)(1)

التبرك بالقبر الشريف بالتزام وتمريغ وتقبيل

26 ـ لم نجد في المقام قولاً بالحرمة لاحد من أعلام المذاهب الاربعة ممّن لهم ولارائهم قيمة في المجتمع، وإنما القائل بالنهي عنه من أولئك يراه تنزيهاً لاتحريماً، ويقول بالكراهة مستنداً إلى زعم أنّ الدنو من القبر الشريف يخالف حسن الادب، ويحسب أنّ البُعد منه أليق به، وليس من شأن الفقيه النابه أنْ يُفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التى لا تُبنى على أساس، وتختلف باختلاف الانظار والاراء.

نعم، هناك أُناس(2) شذّت عن شِرعة الحق وحكموا بالحرمة، قولاً بلا دليل، وتحكّماً بلا برهان، ورأياً بلا بّينة، وهم معروفون في الملا بالشذوذ، ولا يُعبأ بهم وبآرائهم.

فهانحن نقدم بين يدي القارئ ما يوقفه على الحقيقة، ويريه

____________

(1) الاسراء: 57.

(2) هم ابن تيمية ومن لفّ لفّه. «المؤلّف».

الصفحة 161
صواب الرأي، وجدد الطريق، وعند جُهينة الخبر اليقين.

1 ـ أخرج الحافظ ابن عساكر في «التحفة» من طريق طاهر بن يحيى الحسيني قال: حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي (رضي الله عنه)قال: «لمّا رمس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)جاءت فاطمة رضي الله عنها فوقفت على قبره (صلى الله عليه وآله وسلم)وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعت على عينيها وبكت، وأنشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صُبّت علي مصائب لو أنها صُبّت على الايام صرن لياليا
ورواه ابن الجوزي في «الوفاء» وابن سيد الناس في السيرة النبوية 2: 340، والقسطلاني في «المواهب» مختصراً، والقاري في شرح «الشمائل 2: 210»، والشبراوي في «الاتحاف: 9»، والسمهودي في «وفاء الوفاء 2: 444»، والخالدي في «صلح الاخوان: 57»، والحمزاوي في «مشارق الانوار: 63»، والسيد أحمد زيني دحلان في «السيرة النبوية 3: 391»، وعمر رضا كحالة في «أعلام النساء 3: 1205».

وذكر البيتين لها سلام الله عليها ابن حجر في «الفتاوى الفقهية 2: 18»، والخطيب الشربيني في تفسيره 1: 394، والقسطلاني في «ارشاد الساري 2: 390».

الصفحة 162
2 ـ عن أبي الدرداء قال: إنَّ بلالاً مؤذن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)رأى في منامه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقول: ماهذه الجفوة يابلال؟! أما آن لك أنْ تزورني يابلال؟! فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهم فجعل يضمهما ويقبلهما.الحديث.

أخرجه الحافظ بن عساكر في «تاريخ الشام» مسنداً بطريق في موضعين ـ كما في «شفاء السقام: 39 ـ 40»، في ترجمة ابراهيم بن محمد الانصاري، 2: 256 وفي ترجمة بلال. غير أنّ مهذِّب الكتاب حذف الاسناد في الموضع الاوّل وأبقى المتن، وأسقطه رأساً سنداً ومتناً في الثاني، وقد أخطأ وأساء على الحديث وعلى الكتاب.

ورواه الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي في «الكمال» في ترجمة بلال، وأبو الحجاج المزي في «التهذيب»، والسبكي في «شفاء السقام: 39»، وقال: روينا ذلك بإسناد جيد، و لاحاجة إلى النظر في الاسنادين اللذين رواه ابن عساكريهما، وإن كان رجالهما معروفين مشهورين.

وذكره ابن الاثير في «أسد الغابة 1: 208»، والسمهودي في «وفاء الوفاء 2: 408»، وقال: سند جيد، و443 وقال: إسناده جيد، والقسطلاني في «المواهب اللدينة»، والخالدي في «صلح الاخوان: 57»، والحمزاوي في «مشارق الانوار: 57».