الفصل الثاني
حوارات ومكاتبات مع الدكتور أحمد بن سعد حمدان الغامدي
نص الرسالة التي أرسلتها إلى الدكتور أحمد الغامدي
نص الرسالة التي أرسلها الدكتور عبر الفاكس من مكة المكرمة
الرسالة الثانية التي أرسلتها إلى الدكتور للإجابة على رسالته
لقاء آخر مع الدكتور أحمد الغامدي
تمهيد:
نظراً لما قام به الدكتور من حذف جملة من الحوارات التي دارت بيننا واختزال بعضها في كتابه، مع أهمية تلك الحوارات ودورها في رسم معالم الحقيقة، سوف أستعرض للقارئ الكريم في هذا الكتاب ما جرى بيننا من الحوارات التي لم يذكرها الدكتور في كتابه، كما سأضع فيه المكاتبات التي حصلت بيننا بكل تفاصيلها.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
حوار مع الدكتور أحمد الغامدي
الأستاذ في الدراسات العليا بجامعة أم القرى
في الليلة السادسة عشرة من شهر رمضان المبارك لسنة 1423 هـ، بعد صلاة المغرب، وبمعية عدد من طلاب جامعة أم القرى، ذهبنا نحو بيت الدكتور أحمد بن سعد حمدان الغامدي، أحد أساتذة جامعة أم القرى الكبار، وقد استقبلنا بحفاوة وحرارة.
فتوجّه نحوي سائلاً: ماذا تدرسون في إيران؟
قلت: أدرس علم الرجال والحديث والفرق الإسلاميّة.
فقال: كتب رجال الشيعة مثل: رجال النجاشي والكشّي وغيرهما هي من ضعاف الكتب، فلم يذكر أي جرح أو تعديل للرواة فيها.
فقلت له: هل قرأت رجال النجاشي؟
قال: لا! ولكنّي قرأت مجمع الرجال للقهبائي، ولم أجد فيه أيّ جرح أو تعديل للرواة، ولم يذكر فيه مشايخ الرواة ولا تلاميذهم.
قلت: بل العكس هو الصحيح، فإنّ مجمع رجال القهبائي يضم، كتاب رجال النجاشي وفهرست الشيخ الطوسي، وقد ذكرا فيه الجرح والتعديل لأغلب الرواة.
ويمكن لك أيضاً الرجوع إلى كتاب الرجال للسيّد الخوئي، الذي ذكر فيه أقوال كلّ الرجاليّين المتقدّمين الذين تعرّضوا إلى جرح وتعديل الرواة، وهكذا قد ذكر مشايخ كلّ راوٍ تحت عنوان (روى عن...) كما ذكر تلاميذه تحت عنوان (روى عنه...)، مضافاً إلى ذكر مواضع رواياته في الكتب الأربعة للشيعة (الكافي، الفقيه، التهذيب، والاستبصار) مشيراً إلى موارد اختلاف الكتب والنسخ، بحيث لا يوجد عند أهل السنّة كتاب رجاليّ بهذا الشكل.
فقال: إنّني لم أسمع بهذا الكتاب ولم أره.
تهجم الدكتور على الشيعة
وبعد ذلك بدأ بالكلام حول الشيعة، وأذكر خلاصة كلامه:
حيث قال: أرسل الباري تعالى الأنبياء والرسل لهداية البشر، وأرسل رسوله محمداً (صلى الله عليه وآله)ليكمل الدين ويختم به.
وقد أرسل هذا الدين الكامل بواسطة الرسول العربي (صلى الله عليه وآله) للعرب، ولو كانت أمّة خيراً منهم لأرسل الرسول محمداً (صلى الله عليه وآله)إليهم....
وهذا الجيل الذي ربّاهم اللّه، من أفضل الأجيال، ولوكان جيل أفضل من هذا الجيل لأرسل الرسول إليهم.
وأنزل القرآن عربيّاً ليكون معجزة؛ لأنّه أكمل اللغات وأفضلها، ولو كانت لغة أفضل من هذه اللغة لنزّل القرآن بتلك اللغة.
وقد أبلغ ما احتاجت إليه الأمّة لتكاملها، خلال 23 سنة، ولم يقصر في شيء، وقد شخّصت الأمة وظيفتها الشرعيّة، وانتخبت أبا بكر، وبايعه جميع المسلمين على ذلك، وكذلك علي(عليه السلام)وقد بايعه بعد ستّة أشهر واستطرد قائلاً: ما قال عليٌ بأنّهم غصبوا حقي!
والزهراء (ع) في مسألة الإرث طلبت من أبي بكر أمراً، ولكنّه وبناءً على قول الرسول (صلى الله عليه وآله)الذي قال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورّث" لم ينفذ طلبها، وقد ماتت وهي غاضبة عليه.
وتزعم الشيعة إنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)قد اختار عليّاً(عليه السلام) للخلافة نيابة عنه، لكن الصحابة خالفوا ذلك، وهل يمكن للصحابة أن يخالفوا ذلك!؟
ومعنى هذا الكلام أنّ جميع الأصحاب قد أخطأوا إلا قليلاً منهم جداً، وهذا القليل هم من كانوا على الحق ولم يخطأوا بحسب ظن الشيعة!
ونزول آية {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} في حقّ عليً(عليه السلام)، من موهومات الشيعة، وليس لدينا رواية واحدة تؤيّد هذا المدعى، وأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قد اختار علياً(عليه السلام)للخلافة....
وتقول الشيعة بالتقيّة، حتى قالوا: "من لا تقيّة له لا دين له"....
وقد نقل في الكافي أنّ أبا حنيفة قد دخل على الإمام الصادق(عليه السلام)في يوم ما في أمر، وأقسم الإمام كذباً أمام أبي حنيفة، لكنّنا معاشر السنة وإن كنّا لا نعترف به كإمام لكنّه موثق وصادق عندنا.
وبعقيدتي أنّ (9 %) من روايات الكافي والتي نقلت عن الإمام الصادق(عليه السلام) هي كذب محض لا غير.
وتعتقد الشيعة أنّ القرآن ناقص، ويفسّرونه تفسيراً باطنيّاً، وأنّ كلّ ما نزل في القرآن الكريم من فضائل ومدائح، هو في حقّ علي(عليه السلام)، وكلّ نقص ومذمّة نزلت في حق أعدائه.
ويفسّرون البقرة بعائشة، مع أن آية {الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} تدلّ على طيبة كلّ أزاوج النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ويستحيل أن تكون زوجته خبيثة.
وتدّعي الشيعة أنّ عليّاً قد عيّن أحد عشر نفراً من بعده للخلافة، وكلّهم من أولاده.
وقد رأيت في أحد كتب الشيعة أنّ زوجة الإمام الحسن العسكري لم تحمل، وقد فتّش بيته من قبل السلطة ولم يجدوا أطفالاً فيه، وقد قسمت التركة وأمواله بين الورثة.
فمتى سيظهر الإمام المهدي؟ هل سيكون ظهوره عند الجبل الرضوي؟ أم من السرداب؟
وأنتم تقولون أنّ الظهور يجب أن تسبقه مقدّمات وتمهيد، وأنّ الدولة الإسلاميّة في إيران هي مقدمة وتمهيد لظهوره، فلماذا لا يظهر؟
اعتراضي على الدكتور أحمد الغامدي
وبعد أن أتم كلامه قلت له: لديّ عدّة اعتراضات على كلامكم، وأودّ أن أبيّنها لكم قبل الدخول بالموضوع.
فقال: تفضل.
فقلت: قلتم إنّ العرب هم أفضل قوميّة في العالم، ولكنّ القرآن الكريم يقول: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ}(1).
فقال: ما هو المراد من الآية؟
قلت: تقول الآية إنّ العرب قوم معاندون، ولو أنزل على غيرهم لما آمنوا به، فما رأيك في ذلك ؟
____________
(1) الشعراء: 199.
فقال: عليّ أن أرجع إلى التفاسير، وانتفض قائماً ليجلب تفسير ابن كثير وبدأ بالقراءة، فقال: ورد في هذا التفسير أنّ القرآن لونزّل على غير العرب ـ وبما أنّهم لا يعرفون العربيّة ـ لم يكونوا ليعرفوا معاني الآيات ويفهموها.
قلت: فلِمَ نزّل بالعربيّة، وقد آمن به غير العرب، كما هو المعمول به حاليّاً من ترجمة الكلمات العربيّة وتفسيرها إلى غير العربيّة، فبالإمكان أن تترجم باقي اللغات إلى العربية أيضاً.
فلم يحر جواباً، وقال: لنبدأ ببحث آخر، فهذا البحث لا فائدة فيه.
عجز الدكتور عن الإجابة عن آية التبليغ
قلت: أنتم ذكرتم أنّ آية التبليغ ونزولها في حقّ عليّ(عليه السلام)، هي من موهومات الشيعة، والحقّ أنّ كثيراً من علماء السنّة قد صرّحوا بنزولها في حقه(عليه السلام)، منهم ابن جرير الطبري في كتاب الإمامة.
قال: لايوجد للطبري كتاب باسم الإمامة، وهذه أيضاً من ألاعيب الشيعة إذ ينسبون بعض الكتب لبعض الأفراد كذباً وزوراً.
قلت: إن كثيراً من علمائكم ذكروا بأن للطبري كتاباً باسم الإمامة أو الولاية(1).
____________
(1) إنّ ابن كثير يقول: "رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلّدين ضخمين". ابن كثير، البداية والنهاية: ج11 ص146. وقال أيضاً: "وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع في مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه" ج5 ص208. وقال الذهبي في ترجمة الطبري: وحكي عن الفرغاني أنّه قال: وكما بلغه أنّ ابن أبي داود تكلّم في حديث غدير خم، عمل كتاب الفضائل، وتكلّم على تصحيح الحديث، ثمّ قال: رأيت مجلّداً من طرق هذا الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق تذكرة الحفاظ: ج2 ص713. وقال ابن البطريق: "وقد ذكر محمد الطبري صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمسة وسبعين طريقاً وأفرد له كتاباً سمّاه الولاية" العمدة: 157. وقال ابن حجر في ترجمة أمير المؤمنين(عليه السلام)، والكلام عن حديث الغدير: وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلّف فيه أضعاف من ذكر (أي ابن عقدة) وصحّحه. تهذيب التهذيب: ج7 ص339.
ثمّ أخرجت له من جيبي ورقة وقرأت فيها: قد نقل هذا الحديث كثير من علماء أهل السنّة مثل: السيوطي في الدر المنثور: 2 / 298، الشوكاني في فتح القدير: 2 / 6، الحسكاني في شواهد التنزيل: 1 / 249، الفخر الرازي في التفسير الكبير: 3 / 636، النيشابوري في أسباب النزول: 135، العيني في عمدة القارئ: 8 / 584، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 27.
فأجاب الدكتور أحمد الغامدي: ذكر أحدهم ذلك والبقية نقلوا عنه.
ومن ثمّ قام من فوره وأتى بفتح القدير، وأتى بالآية المختلف فيها، وأخذ يقرأ حتى وصل إلى عبارة:
"أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} على رسول اللّه يوم غدير خم، في علي بن أبي طالب(رضي الله عنه). وأخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): {ياأيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين}".
ولما قرأ هذه العبارة تأمّل قليلاً، وقال بعدها: لِمَ تركتم كلّ موارد شأن النزول وتمسّكتم بهذه فقط؟!
قلت: أنتم تفضّلتم وقلتم: إنّ هذه من موهومات الشيعة، فأردت أن أثبت لكم العكس، وأنّها حقيقة لا وهم فيها.
فقال: عليّ الاطلاع على سند هذه الرواية، فابن مردويه فيه بعض الكلام.
فقلت: الرجاء إطلاعي بالأمر إن توصّلتم إلى نتيجة في هذا الصدد.
وقد تألم كثيراً مما حصل، والتفت إليّ قائلاً: يوجد في كتب الشيعة أمور ذكرت تحت عنوان التقية، وقد نسبت للإمام الصادق(عليه السلام)كذباً وزوراً، وهو منزّه وأجلّ من ذلك.
فقلت: يا جناب الدكتور، مع احترامي الشديد لكم، ولكنّي لا أقبل الاتّهامات من دون دليل وتوثيق، وأرجو أن تدعموا أقوالكم بالدليل القاطع؟
فقام متوجّهاً نحو مكتبته، وأتى ببعض الأوراق المصورة، وهو يقرأ الرواية التي وردت فيها التقية وقد نقلت من الكافي:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن بكار بن بكر، عن موسى بن أشيم، قال: "كنت عند أبي عبد اللّه(عليه السلام)فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه عز وجل، فأخبره بها ثمّ دخل عليه داخل سأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرالأوّل، فدخلني من ذلك ما شاء اللّه حتى كان قلبي يُشرّح بالسكاكين.
فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في واو وشبهه وجئت إلى هذا، يخطئ هذا الخطأ كلّه، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية، فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أنّ ذلك منه تقية.
قال: ثمّ التفت إليّ، فقال لي: يا بن أشيم، إنّ اللّه عز وجل فوّض إلى سليمان بن داود، فقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1).
____________
(1) سورة ص: آية 39.
وفوّض إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله)، فقال: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، فما فوّض إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)فقد فوّضه إلينا(1).
فقلت: وقع في سند الرواية موسى بن أشيم، وهو راو ضعيف.
وأخرجت ما ورد عنه في كتب الرجال عند الشيعة عن طريق الحاسوب بسرعة، فقرأ بنفسه ما ورد في رجال ابن داود: "غال خبيث"(2).
وكذلك رجال السيّد الخوئي، فقال: إنّ ابن أشيم كان خطّابياً.
قلت: نحن الشيعة نرى أنّ الخطّابية ليسوا بمسلمين؛ فضلاً عن كونهم من الشيعة.
وعندها رفع يديه مسلّماً ومذعناً، وهي أعلى درجات الشهامة والفضيلة، فقال: قبول! قبول!
واستطرد قائلاً: يوجد في الكافي مطلب آخر عن التقية، وأتى بأوراق مصوّرة أخرى عن رواية موجودة في الكافي، ولكن لم يذكر فيها رقم الصفحة ورقم الحديث، فاستطعت إخراجها عن طريق الحاسوب، وفيها:
علي، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن أبي جعفر الصائغ، عن محمد بن مسلم، قال: "دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السلام)وعنده أبو حنيفة، فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة، فقال لي: يابن مسلم هاتها فإنّ العالم بها جالس (وأومأ إلى أبي حنيفة)، قال: فقلت: رأيت كأنّي أدخل داري وإذا أهلي خرجت عليّ فكسرت جوزاً كثيراً ونثرته عليّ، فتعجّبت من هذه الرؤيا؟ فقال أبو حنيفة: أنت رجل تخاصم وتجادل لئاماً في مواريث أهلك، فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء اللّه.
____________
(1) الكافي: ج1 ص265. (2) رجال ابن داود: 281 رقم 523.
فقال أبو عبد اللّه(عليه السلام): أصبت واللّه يا أبا حنيفة.
قال: ثمّ خرج أبو حنيفة من عنده، فقلت: جعلت فداك إنّي كرهت تعبير هذا الناصب.
فقال: يا بن مسلم، لايسؤك اللّه، فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم، وليس التعبير كما عبّره.
قال: فقلت له: جعلت فداك فقولك: أصبت وتحلف عليه، وهو مخطئ؟
قال: نعم، حلفت عليه أنّه أصاب الخطأ.
قال: فقلت له: فما تأويلها؟
قال: يا بن مسلم، إنّك تتمتّع بامرأة فتعلم بها أهلك فتمزّق عليك ثياباً جدداً; فإنّ القشر كسوة اللب.
قال ابن مسلم: فواللّه ما كان بين تعبيره وتصحيح الرؤيا إلاّ صبيحة الجمعة، فلمّا كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرّت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردّها، ثمّ أدخلها داري فتمتعت بها، فأحست بي وبها أهلي، فدخلت علينا البيت، فبادرت الجارية نحو الباب، وبقيت أنا، فمزّقت عليّ ثياباً جدداً كنت ألبسها في الأعياد"(1).
فقلت: في بداية السند: علي بن إبراهيم وأبيه، وفي آخره: محمد بن مسلم وهم ثقات، ولكن في الوسط: الحسن بن جعفر وأبو جعفر الصائغ وهما مجهولان ومن الضعاف.
____________
(1) الكافي: ج8 ص292.
وقد ورد في جامع الرواة: "أبو جعفر الصائغ، ضعيف جداً، قيل: إنّه غال لا يلتفت إليه"(1).
وقال السيّد الخوئي عن حسن بن علي: "الحسن هذا مشترك بين جماعة، والتمييز إنّما بالراوي والمروي عنه"(2).
فسلّم وأذعن للحقيقة، ورفع يديه قائلاً: قبول! قبول! (3).
التقية شعار الشيعة
قال: مسألة التقية من المسائل الأساسيّة عند الشيعة.
قلت: من محاسن الصدف، إنّني اليوم قد اقتنيت برنامجاً من سوق مكّة المكرمة، فيه فتاوى ابن تيمية، وإحداها: من دخل إلى مسجد، تقام الصلاة فيه بإمامة إمام ظالم، فلو لم يصلّ خلفه لم يأمن على نفسه الضرر، فيجب عندئذ الاقتداء به، ثمّ إعادة الصلاة(4).
____________
(1) جامع الرواة: ج2 ص92. (2) معجم رجال الحديث: ج5 ص7 رقم 2923. (3) لقد استشعرت من كلامه هذا الإنصاف والموضوعية، مما دفعني لمواصلة الحوار معه. (4) قال السرخسي في المبسوط عن النزال بن سيدة، قال: "جعل حذيفة يحلف لعثمان على أشياء باللّه ما قالها، وقد سمعناه يقولها، فقلنا له: يا أبا عبد اللّه، سمعناك تحلف لعثمان على أشياء ما قلتها وقد سمعناك قلتها، فقال: إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه". وعقّب السرخسي قائلاً: "وإن حذيفة من كبار الصحابة وكان بينه وبين عثمان بعض المداراة، فكان يستعمل معاريض الكلام فيما يخبره به" المبسوط: ج30 ص214. روى ابن أبي شيبة بإسناده عن النزال بن سبرة، قال: "دخل ابن مسعود وحذيفة على عثمان، فقال عثمان لحذيفة: بلغني أنك تقول كذا وكذا؟ قال: لا واللّه ما قلته، فلما خرج قال له عبد اللّه: ما لك فَلِمَ تقوله ما سمعتك تقول؟ قال: إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه" المصنف لابن أبي شيبة: ج7 ص643.
قلت: وفي الحقيقة إنّ هذا هو عين ما تعتقده الشيعة في التقيّة، وإذا لم يوجد مورد للخوف على النفس والمال فلا تقية حينئذ.
وقد رآني هؤلاء الإخوة من الطلاب في هذه الليلة كيف أني أقمت الصلاة خلف الإمام في المسجد، لكني لم أصلّ التراويح؛ لأنّها ليست من عقائدنا، وانشغلت بقراءة القرآن الكريم بدلاً منها، ثمّ وافيناكم إلى بيتكم الكريم، فسأل الدكتور الطلاب عن ذلك وأجابوه بنعم، فأبدى تعجبه واستغرابه.
الشبهة في ولادة المهدي (عليه السلام)
قلت: ذكرتم إنّكم رأيتم في كتب الشيعة بأنّ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)لم تكن زوجته حاملاً، فالرجاء اذكر لنا اسم الكتاب والمؤلف؟
فتأمّل قليلاً، وقال: الظاهر أنّ اسمه كان موسى.
قلت: موسى الموسوي واسم الكتاب (الشيعة والتصحيح)؟!
قال: بالضبط هو ذلك الكتاب.
قلت: هو ليس من الشيعة ولا من السنة، وهو شخص معروف بالفسق والفجور وشربه للخمرة وهو مشهور في إيران بذلك، ولا أهمية ولا صحّة لكلامه أساساً.
فقال أحد الطلبة: وكيف يكون ذلك وبأيّ دليل؟
قلت: الصحف والجرائد في عهد الشاه مملوءة بأدلّة فجوره وفسقه، ويعرفه أكثر الطلبة والعلماء هناك.
ثمّ استطردت قائلاً: إنّ أكثر وأغلبية علماء الأنساب شهدوا بميلاد الإمام المهدي (عليه السلام)، مثل النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد اللّه، من أعلام القرن الرابع، حيث يقول: "أولد علي بن محمد النقي(عليه السلام)، جعفراً وهو الذي تسمّيه الإماميّة جعفر الكذّاب، وإنّما تسمّيه الإماميّة بذلك؛ لادعائه ميراث أخيه الحسن، دون ابنه القائم الحجة(عليه السلام)، لا طعن في نسبه". [سر السلسلة العلوية: 4] وهذا يدل على أن للإمام العسكري(عليه السلام) ولداً باسم الحجة، ولا شك في نسبه، وادعاء جعفر الكذاب عدم وجود ولد له ـ لأخذ ميراثه ـ باطل(1).
____________
(1) يقول الفخر الرازي الشافعي المتوفي في سنة 606 هـ: أما الحسن العسكري الإمام(عليه السلام)، فله ابنان وبنتان، أمّا الابنان فأحدهما صاحب الزمان والثاني موسى، وقد درج في حياة أبيه... الفخر الرازي، الشجرة المباركة في أنساب الطالبية: ص78. وأورد محمد أمين السويدي في سبائك الذهب: محمد المهدي وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وكان مربوع القامة حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، صبيح الجبهة... سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: ص346. وقال النسابة المعاصر محمد ويس الحيدري السوري: فالحسن العسكري(عليه السلام)أعقب محمد المهدي صاحب السرداب، وهكذا قال السيّد العمري في المجدي في أنساب الطالبيّين: 130، والمروزي الأزورقاني الفخري في أنساب الطالبيّين: 7، والنسّابة المشهور ابن عنبة، أحمد بن علي بن الحسيني في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ص199 والفصول الفخريّة في الأنساب: ص134 وشهد جمع كثير من علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهدي(عليه السلام) كما صرّح ابن الأثير الجزري عزّ الدين بقوله: " وفيها توفّي أبو محمّد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمّة الاثنى عشر على مذهب الإماميّة، وهو والد محمّد الذي يعتقدونه المنتظر ". الكامل في التاريخ: ج7 ص274، آخر حوادث سنة 260 هـ. وقال ابن خلّكان: " أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجّة... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ". وفيات الأعيان: ج4 ص176 / 562. وقال الذهبي: " وفيها (أي: في سنة 256 هـ) ولد محمّد بن الحسن بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم الذي تلقّبه الرافضة الخلف الحجّة، وتلقّبه بالمهدي، والمنتظر، وتلقبّه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثني عشر ". العبر في خبر من غبر: ج5 ص37، واعترف بولادة الإمام الثاني عشر في ص26 عند ذكر وفاة أبيه الحسن العسكري في سنة (260) حيث قال: "هو والد المنتظر محمّد...". وقال في تاريخ دول الإسلام: وأمّا ابنه محمّد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجّة فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين ". تاريخ دول الإسلام، حوادث ووفيات (251 ـ 260 هـ): 113 / 159 وقال في سير أعلام النبلاء: "المنتظر الشريف أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري ... سير أعلام النبلاء: ج13 ص119، الترجمة رقم (60). وقال خير الدين الزركلي: "محمد بن الحسن العسكري الخالص بن عليّ الهادي أبو القاسم، آخر الأئمّة الاثنى عشر عند الإمامية... ولد في سامراء ومات أبوه وله من العمر خمس سنين... وقيل في تاريخ مولده: ليلة نصف شعبان سنة 255، وفي تاريخ غيبته، سنة 265 هـ ". الأعلام: ج6 ص80 وبهذا يتبين أن مقولة كون الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري غير مولود لا أساس لها من الصحة.
لماذا بايع الإمام علي(عليه السلام) بعد ستة أشهر
قلت: لماذا بايع الإمام علي(عليه السلام)أبا بكر بعد ستّة شهور؟
فقال: لم يتخلّف علي(عليه السلام)إلاّ أنّه كان يعتقد أنّ له حقّاً.
قلت: ألم يكن ذلك الحق هو حق الخلافة؟
قال: لا، بل كان يعتقد أنّ له رأياً.
قلت: فما معنى كل تلك الاحتجاجات والمناشدات التي صدرت من علي(عليه السلام)حول حق الخلافة؟
قال: لا دليل لها ولا أساس لها من الصحّة.
قلت: هل تبقى على رأيك في عدم وجود رواية صحيحة كتبت حول حق خلافة علي(عليه السلام)؟
قال: نعم.
فقلت: أحب أن أكتب عين عبارتكم بالضبط.
قال: اكتب: لا توجد رواية صحيحة تثبت أنّ عليّاً هو الخليفة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله).
قلت: لاتوجد لدينا فرصة الآن، وإلا لأخرجت لكم العشرات، بل المئات من الروايات الصحيحة في هذا المجال (في خلافة علي(عليه السلام))، ولكنّي أقدّم لكم كتاب المراجعات هذا لشرف الدين، ففيه ما طلبتم.
وفيه: بعد ما نزلت الآية {وأنْذِر عَشِيرَتَكَ الأقرَبينَ} جمع الرسول (صلى الله عليه وآله) أربعين من رؤساء قريش وقال: "إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع"(1).
فقد صرّح بصحّته جمع من العلماء كابن جرير الطبري فيما نقله المتقي في كنز العمال: 13 / 128 ر 3648، والهيثمي في مجمع الزوائد: 8 / 32، وأبي جعفرالإسكافي كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13 / 243، والحاكم في مستدرك الصحيحين: 3 / 132 والذهبي في تلخيص المستدرك، ـ في حديث طويل ـ والشهاب الخفاجي في شرحه على الشفاء للقاضي عياض، نسيم الرياض: 3 / 35، وورود الرواية في كتاب المختارة للضياء المقدسي الذي التزم فيه بأن لا يروي في كتابه هذا إلاّ الروايات الصحيحة المعتبرة، كما صرّح بذلك جمع كعبد اللّه بن الصديق المغربي في ردّ اعتبار الجامع الصغير: 42، ومحقّقي كنز العمال: 1 / 9، وقال ابن حجر:ابن تيمية يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك< فتح الباري: 7 / 211.
____________
(1) تاريخ الطبري: ج2 ص262، بتحقيق نخبة من العلماء، ط. مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
وعشرات من الروايات التي ذكرت في كتاب المراجعات التي تدلّ على إمامة وخلافة علي بن أبي طالب(عليه السلام).
فقال: سأقرأ الكتاب.
تهمة تكفيرالمسلمين
فقال حينذاك: أنتم تقطعون بنجاسة غير الشيعي!
قلت: أين سمعت هذا المدعى وفي أي من الكتب قد رأيته؟
قال: الشيعة تقول الإمامة من أصول الدين، فكيف لمنكر أصول الدين أن يكون مسلماً.
قلت: ترى الشيعة أنّ أصول الدين هي: التوحيد والنبوة والمعاد. أمّا العدل والإمامة فهي من أصول المذهب، كما صرّح بذلك الإمام الخميني(قدس سره) بقوله: "فالإمامة من أصول المذهب لا الدين"(1)، هذا أولاً.
وثانياً: لم يفت أيّاً من العلماء من الشيعة لا قديماً ولاحديثاً بنجاسة أو كفر أهل السنة وخروجهم عن الإسلام.
قال: أريد أدلّة من علماء الشيعة في هذا الصدد.
قلت: من جميل ومحاسن الصدف يوجد عندي في حاسوبي المحمول أكثر من ألفي عنوان وكتاب لفقهاء الشيعة، ومن تلك الكتب: العروة الوثقى، وقد علّق على هذا الكتاب عشرات من فقهاء الشيعة، فلن تجد فيه تكفيراً لأهل السنة البتة.
أضف إلى ذلك إنّ الشيعة في إيران يتزوجون من أهل السنّة والسنّة يتزوجون من الشيعة، وأعرف الكثير من الإخوة في إيران قد أعطوا بناتهم للسنّة وهكذا العكس، وكلامكم هذا، لا يدل إلاّ على عدم الاطلاع على الحقائق وبما يجري على أرض الواقع.
____________
(1) كتاب الطهارة: ج3 ص323.
وفوق هذا كلّه ألم آكل في بيتكم من الطعام والقهوة و... الآن.
وقد تأثّر من كلامي هذا ولم يحر جواباً.
مشاركة الخلفاء في اغتيال النبيّ (صلى الله عليه وآله) على رأي ابن حزم
وفي هذه الأثناء قام أحد الطلبة قائلاً:
اسأل الدكتور أحمد الغامدي سؤالك الذي سألته البارحة للشيخ محمد بن جميل بن زينو، كي يجيب عليه بجوابه الكافي.
فقلت: أورد ابن حزم في كتابه المحلى: "إنّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن وقّاص أرادوا قتل النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وإلقاءه من العقبة في تبوك".
ثمّ يستطرد ابن حزم قائلاً: "بأنّ هذا من موضوعات وليد بن جُميع، وهو ضعيف وهالك(1) والحال أنّ أرباب الرجال من العامّة قد وثّقوه.
فقال: إنّ ابن حزم ليس بثقة ولا اعتبار بنقله.
قلت: إنّه يروي وينقل.
____________
(1) كما صرّح بوثاقته العجلي. تاريخ الثقات: 465 رقم 1773. وقال ابن سعد:كان ثقة وله أحاديث<. الطبقات: ج6 ص354. وأورده ابن حبّان في الثقات. كتاب الثقات: ج5 ص492. وقد نقل الذهبي وابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال:قال أبي: ليس به بأس<. وعن يحيى بن معين، أنّه قال:ثقةوقال أبو حاتم:صالح الحديث<. وقال أبو زرعة:لا بأس به< الجرح والتعديل: ج9 ص8 رقم 34 وتهذيب الكمال: ج31 ص35. وقال الذهبي: وثّقه أبو نعيم. تاريخ الإسلام: ج9 ص661.
فقال: على أيّة حال فلا عبرة بروايته.
قلت: لقد وثّقه أغلب علماء السنة ويعتبرون كلامه.
وهذا الذهبي إمام الجرح والتعديل عندكم قد وثّقه قائلاً:ابن حزم، الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف... ورزق ذكاء مفرط، وذهناً سيّالاً وكتباً نفيسة كثيرة... فإنّه رأس في علوم الإسلام، متبحّر في النقل، عديم النظير...(1) .
وشهد له بالصدق والأمانة والديانة والحشمة والسؤدد(2).
وقال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام: "وكان أحد المجتهدين، ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم<، قال الذهبي بعد نقله هذا:لقد صدق الشيخ عز الدين..."(3).
وقريب من هذا عن السيوطي في طبقات الحفاظ(4).
قال الزركلي: "ابن حزم: عالم الأندلس في عصره، وأحد أئمّة الإسلام، كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم: (الحزميّة)"(5).
وبعد هذا لم يكن من جواب للدكتور أحمد الغامدي إلا أنه قال: هو ليس من أهل المذاهب الأربعة وهو ظاهريّ المذهب، ولا عبرة بكلامه.
إصرار الدكتور على التواصل
وفي هذه الأثناء قاربت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وانتهى اللقاء، وأصرّ الدكتور على التواصل، وقال: اكتب لي أسئلتك، وسأجيب عنها بالفاكس على عنوانكم.
____________
(1) سير أعلام النبلاء: ج18 ص184. (2) كما في كتاب العبر: ج3 ص239. (3) سير أعلام النبلاء: ج18 ص193. (4) طبقات الحفاظ: 436. (5) الأعلام: ج4 ص254.
وأخيراً ودعنا الدكتور بحرارة، وقال: إن البيت بيتكم، وعاودوا إلينا عندما تنزلون مكة المكرمة.
وبعد عودتي للفندق كتبت عدة أسئلة وأرسلتها بيد الأخ جابر ـ وهو أحد تلامذة الدكتور أحمد الغامدي ـ ليسلّمها إليه. وسنوافيك بنص رسالتي الموجهة إليه:
نص الرسالة
التي
تحمل أسئلة موجهة للدكتور أحمد بن سعد حمدان الغامدي
(مع تعديل طفيف في التركيب اللفظي والإملائي لبعض المفردات والعبارات)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل المحقّق الأستاذ سماحة الدكتور أحمد بن سعد حمدان
السلام عليكم
أقدّم شكري الوافر إلى سماحتكم كما أقدّم ثنائي العطر؛ لما شاهدت من أخلاقكم الحسنة وكرمكم الجميل.
ولقد استفدت من جنابكم كثيراً وأرجو أن يستمرّ هذا اللقاء ولا يكون هذا آخر العهد منكم لنا.
وفي الختام أحب أن أقدّم لسماحتكم بعض الأسئلة، راجياً أن أجد عندكم أجوبة مستدلّة ومبرهنة تقنع النفس بها.
فأسأل: ماذا يقول سماحة الأستاذ فيما رواه البخاري وغيره بأنّ عدة من الأصحاب يدخلون النار يوم القيامة، ويقول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "يا ربّ أصحابي! أصحابي! فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك فإنّهم ارتدّوا بعدك على أعقابهم؟!".
ألم يكن في مضمون هذه الروايات مخالفة لوثاقة الأصحاب؟
وماذا تقول فيما ورد من سبّ الأصحاب بعضهم البعض الآخر؟ هل يوجب الفسق في السابّ أم لا؟
أو أن الاجتهاد والخطأ والوصول إلى أجر واحد، يختصّ بالأصحاب فقط أو نقول بأنه يعمّ غيرهم من الفقهاء وأصحاب الفتيا؟
وماذا تقول فيما جرى على بعض الأصحاب من الحدّ، فهل يكشف ذلك عن فسقهم أم لا؟
وماذا تقول فيمن أمر بقتل عثمان من الأصحاب أو اشترك في قتله؟ هل تحكم فيهم بأنّهم اجتهدوا وأخطأوا ولهم أجر واحد أم لا؟
ثم إنه قد ورد في الروايات المتعدّدة بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: "فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني" وورد أيضاً "بأنّ فاطمة هجرت أو غضبت على أبي بكر ولم تكلّمه حتّى ماتت".
وكما صرّحتم في كلامكم بأنّ فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر؟
فهل هذا لا يتعارض مع ما دلّ على حرمة إيذاء الرسول (صلى الله عليه وآله)؟
ثم إنه قد ورد في الروايات الكثيرة بأنّ النبيّ قال عند موته: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً. ومنعه عمر وقال: إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه، بحيث أذي رسول اللّه وقال: قوموا عنّي.
فهل يكون عمر أعلم من النبيّ بمصالح الأمّة؟ وهل أن رسول اللّه لم يكن يعلم أن الكتاب لا يكفي للناس؟ ألا يعد هذا منافياً لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى}(1).
وسمعت من سماحتكم بأنّ قوله تعالى: {وَالطَّيباتُ لِلطَّيِّبِينَ}(2) يدلّ على أنّ عائشة أمّ المؤمنين، كانت طيّبة؛ لكون النبيّ من الطيّبين.
____________
(1) النجم: 4. (2) النور: 26.
فماذا يقول سماحة الأستاذ في توجيه هذه الآية وما في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوح وامْرَأَتَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}؟(1).
فهل النبيّ نوح لم يكن طيّباً وكذلك لوط؟
وقد أشرتم في مطاوي كلامكم بأنكم تعتقدون: أنّ تسعين بالمائة مما في الكافي مما هو منقول عن الصادق كذب.
فكيف يمكن التوفيق بين كلامكم هذا مع ما قاله الذهبي:فلو ردّ حديث هؤلاء (الرواة الشيعة) لذهب جملة من الآثار النبويّة وهذه مفسدة بيّنة(2).
فيا حبذا لو أوضحتم كلامكم هذا وأجبتم عنه بأدلّة مقنعة فنكون لكم من الشاكرين.
أبو مهدي محمد الحسيني القزويني
17 رمضان المبارك 1423هـ
____________
(1) التحريم: 10. (2) ميزان الاعتدال: ج1 ص56؛ سير أعلام النبلاء: ج1 ص59.