الصفحة 126

أقول: وقد رواه الترمذي في سننه، ثمّ قال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه"(1).

قال الألباني في شرح كتاب السنّة لعمرو بن أبي عاصم الضحّاك بعد نقله الحديث: "إسناده ضعيف; لجهالة عبد اللّه بن عبد الرحمن. ويقال عبد الرحمن بن زياد، وقد تكلّمت عليه وخرجت حديثه في الضعيفة (291) "(2).

وقال أيضاً في ضعيف سنن الترمذي: (ضعيف - تخريج الطحاوية 471 (673)، الضعيفة 291 (ضعيف الجامع الصغير وزيادته الفتح الكبير 116)(3), هذا أولاً.

وأمّا ثانياً: فقوله "فبحبّي أحبّهم" أي: بسبب حبّي إيّاهم أحبّهم، "ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" أي: بسبب بغضي إيّاهم أبغضهم.

يعني بذلك أنّ من علامات حبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)، هو حبّ كلّ من يحبّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبغض من يبغضه.

كما قال القاضي عياض في شرح الحديث: "فبالحقيقة من أحبّ شيئاً أحبّ كلّ شيء يحبّه، وهذه سيرة السلف حتّى في المباحات وشهوات النفس، وقد قال أنس حين رأى النبيّ يتتبّع الدباء من حوالي القصعة: فما زلت أحبّ الدباء من يومئذ، وهذا الحسن بن علي وعبد اللّه بن عباس وابن جعفر، أتوا سلمى وسألوها أن تصنع لهم طعاماً ممّا كان يعجب رسول اللّه، وكان ابن عمر يلبس النعال السبتية ويصبغ بالصفرة، إذ رأى النبيّ يفعل نحو ذلك.

____________

(1) سنن الترمذي: ج5 ص358، أبواب المناقب، باب ما جاء في سبّ أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله).

(2) كتاب السنّة: 465.

(3) ضعيف سنن الترمذي لمحمد ناصر الألباني: 518.


الصفحة 127

ومنها بغض من أبغض اللّه ورسوله ومعاداة من عاداه ومجانبة من خالف سنّته وابتدع في دينه واستثقاله كلّ أمر يخالف شريعته قال اللّه تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الاَْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}"(1).

فتدلّ الرواية على وجوب حبّ كلّ صحابيّ يحبّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبغض كلّ صحابي يبغضه النبيّ (صلى الله عليه وآله).

ولا ريب أنّ حبّ جميع الصحابة ولو كان فيهم من يبغضه النبيّ أو أغضبه أو لعنه (صلى الله عليه وآله)، فليس من حبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) من شيء، كما ورد عن علي بن أبي طالب(عليه السلام): {أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدوّ عدوّك. وأعداؤك: عدوّك، وعدوّ صديقك، وصديق عدوّك}(2).

فقد ظهر بذلك فساد ما ذهب إليه بعض الشارحين، بما يتفق مع هواه، كالمناوي في شرح الحديث بقوله:(فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم) أي: فبسبب حبّهم إيّاي، أو حبّي إيّاهم، أي: إنّما أحبّهم لحبّهم إيّاي أو لحبّي إيّاهم (ومن أبغضهم فببغضي) أي: فبسبب بغضه إيّاي (أبغضهم) يعني: إنّما أبغضهم لبغضه إيّاي، ومن ثمّ قال المالكيّة: يقتل سابّهم(3)، وقريب منه ما عن المباركفوري في شرح سنن الترمذي(4).

____________

(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج2 ص26.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج19 ص200، وينابيع المودّة: ج2 ص247، ومختصر تاريخ ابن الدبيثي للذهبي: 124 بقوله: فذكر حديثاً.

(3) فيض القدير، شرح الجامع الصغير: ج2 ص124.

(4) تحفة الأحوذي: ج10 ص247.


الصفحة 128

وأنت ترى كيف فرّق بين قوله (صلى الله عليه وآله) "فبحبّي أحبّهم" وقوله "فببغضي أبغضهم"، حيث فسّر الأوّل: بأنّ حبّ الأصحاب، إمّا بسبب حبّ هؤلاء الأصحاب، رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أو حبّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إيّاهم ولم يقل في الثاني، فبغض الأصحاب لبغضهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أو بغض رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إيّاهم; بل فسّر بما هو معناه: "لا يبغض الأصحاب إلاّ من كان يبغضني" أي سبب بغض المبغض للأصحاب هو وجود بغض رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في قلبه. وهذا في الحقيقة تفسير بما يخالف سياق الحديث من كلّ وجه.

سادساً: آراء الشيعة الإماميّة في الصحابة

أمير المؤمنين وأصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله):

من أراد أن يقف على رأي الشيعة في الصحابة، فعليه بما يقوله إمام المسلمين علي(عليه السلام) في حقّهم:

"لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبلّ جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب"(1).

____________

(1) نهج البلاغة، خطبة 97.


الصفحة 129

"أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق. أين عمّار وأين ابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة. أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنّة وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتّبعوه..."(1).

علي بن الحسين (عليهما السلام)والأصحاب:

وهذا هو الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) يذكر في بعض أدعيته صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بقوله: "اللّهمّ وأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) خاصّة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته...(2).

قول والد الشيخ البهائي المتوفى سنة 984 هـ:

قال الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد العاملي، والد الشيخ البهائي من أئمّة الفقه والحديث:

"ليس في مذهبنا وجوب سبّهم، وإنّما يسبّهم عوام الناس المتعصّبون، وأمّا علماؤنا فلم يقل أحد بوجوب سبّهم، وهذه كتبهم موجودة.

وأقسمت له أيماناً مغلّظة(3) بأنّه لو عاش أحد ألف سنة وهو يتديّن بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويتوّلاهم، ويتبرّأ من أعدائهم، ولم يسبّ الصحابة قطّ، لم يكن مخطئاً، ولا في إيمانه قصور"(4).

____________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 182.

(2) الصحيفة السجادية، الدعاء الرابع.

(3) قاله في مناظراته مع أحد علماء حلب في سوريا.

(4) المناظرات لمقاتل بن عطية بتحقيق الورداني: 77.


الصفحة 130

قول السيد علي خان الشيرازي المتوفى 1130 هـ:

قال السيّد علي خان الشيرازي: "حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتّم الحكم بالإيمان والعدالة بمجرّد الصحبة ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبّار إلاّ أن يكون مع يقين الإيمان وخلوص الجنان، فمن عَلِمْنا عدالته وإيمانه وحفظه وصيّة رسول اللّه في أهل بيته، وأنّه مات على ذلك، كسلمان وأبي ذر وعمّار، واليناه وتقرّبنا إلى اللّه تعالى بحبّه.

ومن علمنا أنّه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت(عليهم السلام) عاديناه للّه تعالى، وتبرّأنا إلى اللّه منه، ونسكت عن المجهولة حاله"(1).

ثمّ قال: "اعلم أنّ كثيراً من الصحابة رجع إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)وظهر له الحقّ بعد أن عانده وتزلزل بعضهم في خلافة أبى بكر وبعضهم في خلافته(عليه السلام) وليس إلى استقصائهم جميعاً سبيل، وقد اتّفقت نقلة الأخبار على أنّ أكثر الصحابة كانوا معه(عليه السلام)في حروبه".

قال المسعودي في مروج الذهب: "كان ممّن شهد صفّين مع علي(عليه السلام)من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً منهم: سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الأنصار. وشهد معه ممّن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار، ومن سائر الصحابة، تسعمائة، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة"(2).

ثمّ اختصّ الباب الأوّل من كتابه، إلى الطبقة الأولى ببني هاشم وساداتهم من الصحابة العليّة، وعدّ منهم أربعة وعشرون رجلاً (3).

____________

(1) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 11.

(2) الدرجات الرفيعة: 39.

(3) المصدر نفسه: 41 إلى 195.


الصفحة 131

واختصّ الباب الثاني بذكر غير بني هاشم من الصحابة المرضيّة والشيعة المرتضويّة رضوان اللّه عليهم. وذكر فيه زهاء خمسين رجلاً منهم(1).

قول السيد محسن الأمين المتوفى 1371 هـ:

قال السيّد محسن الأمين العاملي ما يمثّل عقيدة الشيعة:

"حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتّم الحكم بها بمجرّد الصحبة، وهي لقاء النبيّ (صلى الله عليه وآله)مؤمناً به، ومات على الإسلام. وإنّ ذلك ليس كافياً في ثبوت العدالة بعد الاتّفاق على عدم العصمة المانعة من صدور الذنب، فمن علمنا عدالته حكمنا بها، وقبلنا روايته، ولزمنا له من التعظيم والتوقير، بسبب شرف الصحبة ونصرة الإسلام والجهاد في سبيل اللّه ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل روايته، أمثال مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وبسر بن أرطاة وبعض بني أميّة وأعوانهم، ومن جهلنا حاله في العدالة توقّفنا في قبول روايته.

وممّا يمكن أن يذكر في المقام أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)توفّي ومن رآه وسمع عنه يتجاوز مائة ألف إنسان من رجل وامرأة على ما حكاه ابن حجر في الإصابة عن أبي زرعة الرازي: وقيل مات (صلى الله عليه وآله)عن مائة وأربعة عشر ألف صحابيّ(2).

ومن الممتنع عادة أن يكون هذا العدد في كثرته وتفرّق أهوائه وكون النفوس البشريّة مطبوعة على حبّ الشهوات كلّهم، قد حصلت لهم ملكة التقوى المانعة عن صدور الكبائر، والإصرار على الصغائر بمجرّد رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله)والإيمان به.

ونحن نعلم أنّ منهم من أسلم طوعاً ورغبة في الإسلام، ومنهم من أسلم خوفاً وكرهاً، ومنهم المؤلّفة قلوبهم، وما كانت هذه الأمة إلاّ كغيرها من الأمم التي جبلت على حبّ الشهوات وخلقت فيها الطبائع القائدة إلى ذلك إن لم يردع رادع والكلّ من بني آدم.

____________

(1) المصدر نفسه: 197 إلى 452.

(2) راجع الإصابة: ج1 ص154، طبعة دار الكتب العلميّة ـ بيروت.


الصفحة 132

وقد صحّ عنه (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: لتسلكنّ سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة حتّى لو دخل أحدهم جحر ضبّ لدخلتموه.

ولو منعت رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله)من وقوع الذنب لمنعت من الارتداد الذي حصل من جماعة منهم كعبد اللّه بن جحش، وعبيد اللّه بن خطل، وربيعة بن أمية بن خلف، والأشعث بن قيس(1) وغيرهم.

هذا مع ما شوهد من صدور أمور من بعضهم، لا تتّفق مع العدالة، كالخروج على أئمّة العدل، وشقّ عصا المسلمين، وقتل النفوس المحترمة، وسلب الأموال المعصومة، والسبّ والشتم وحرب المسلمين وغشّهم، وإلقاح الفتن، والرغبة في الدنيا، والتزاحم على الإمارة والرئاسة وغير ذلك ممّا تكفلّت به كتب الآثار والتواريخ وملأ الخافقين"(2).

قول محمد حسين آل كاشف الغطاء المتوفى 1373:

قال محمد حسين آل كاشف الغطاء من كبار علماء الشيعة: "لا أقول إنّ الآخرين من الصحابة ـ وهم الأكثر الذين لم يتسمّوا بسمة الولاء لأهل البيت ـ قد خالفوا النبي ولم يأخذوا بإرشاده، كلا ومعاذ اللّه أن يظنّ فيهم ذلك، وهم خيرة من على وجه الأرض يومئذ، ولكن لعلّ تلك الكلمات لم يسمعها كلّهم، ومن سمع بعضها لم يلتفت إلى المقصود منها، وصحابة النبي الكرام أسمى من أن تحلّق إلى أوج مقامهم بغاث الأوهام"(3).

____________

(1) الثلاثة الأوّلون ارتدّوا وماتوا على الردّة، والأشعث ارتدّ فأتي به إلى الخليفة أبي بكر أسيراً فعاد إلى الإسلام وزوجّه أخته، وكانت عوراء، فأولدها محمداً أحد قتلة الحسين$.

(2) أعيان الشيعة: ج1 ص113.

(3) أصل الشيعة وأصولها: 188، بتحقيق علاء آل جعفر.


الصفحة 133

إلى أن قال: "لا يذهبنّ عنك أنّه ليس معنى هذا إنّا نريد أن ننكر ما لأولئك الخلفاء من الحسنات وبعض الخدمات للإسلام التي لا يجحدها إلاّ مكابر، ولسنا بحمد اللّه من المكابرين، ولا سبّابين ولا شتّامين; بل ممّن يشكر الحسنة ويغضي عن السيّئه، ونقول: تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وحسابهم على اللّه، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعدله"(1).

قول السيد شرف الدين العاملي المتوفى 1377 هـ:

قال السيّد شرف الدين من أكابر علماء الشيعة بلبنان: "إنّ من وقف على رأينا في الصحابة، علم أنّه أوسط الآراء، إذ لم نفرّط فيه تفريط الغلاة الذين كفّروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثّقوهم أجمعين، فإنّ الكامليّة ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافّة، وقال أهل السنّة: بعدالة كلّ فرد ممّن سمع النبيّ (صلى الله عليه وآله)أو رآه من المسلمين مطلقاً، واحتجّوا بحديث كلّ من دبّ أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين.

أمّا نحن، فإنّ الصحبة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنّها - بما هي ومن حيث هي- غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال. فيهم: العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم: البغاة، وفيهم: أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم: مجهول الحال.

____________

(1) أصل الشيعة و أصولها: 209.


الصفحة 134

فنحن نحتجّ بعدولهم ونتولاّهم في الدنيا والآخرة، أمّا البغاة على الوصيّ، وأخي النبيّ، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم، فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم.

ومجهول الحال نتوقّف فيه حتّى نتبيّن أمره، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسنّة بيننا على هذا الرأي، كما هو مفصل في مظانّه من أصول الفقه.

لكنّ الجمهور بالغوا في تقديس كلّ من يسمّونه صحابيّاً حتّى خرجوا عن الاعتدال، فاحتجّوا بالغث منهم والسمين، واقتدوا بكلّ مسلم سمع النبيّ أو رآه (صلى الله عليه وآله) اقتداء أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلوّ، وخرجوا في الإنكار على كلّ حد من الحدود، وما أشدّ إنكارهم علينا حين يروننا نردّ حديث كثير من الصحابة مصرّحين، بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينيّة، والبحث عن الصحيح من الآثار النبويّة، وبهذا ظنّوا بنا الظنونا، فاتّهمونا بما اتّهمونا، رجماً بالغيب، وتهافتاً على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا دليل عليه، ولو تدبّروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقين منهم، وحسبك من سوره التوبة والأحزاب، وإذا جاءك المنافقون، ويكفيك من آياته المحكمة {الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا ونِفَاقًا}(1).

____________

(1) التوبة: 97.


الصفحة 135

فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)وقد كانوا جرّعوه الغصص مدّة حياته، حتّى دحرجوا الدباب و... وقد تعلمون أنّه (صلى الله عليه وآله)خرج إلى أُحد بألف من أصحابه، فرجع منهم قبل الوصول ثلاث مائة من المنافقين، وربما بقي معه منافقون لم يرجعوا خوف الشهرة، أو رغبة بالدفاع عن أحساب قومهم، ولو لم يكن في الألف إلاّ ثلاث مائة منافق، لكفى دليلاً على أنّ النفاق كان زمن الوحي فاشياً، فكيف ينقطع بمجرّد انقطاع الوحي ولحوق النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى؟!

وما ضرّنا لو صدعنا بحقيقة أولئك المنافقين، فإنّ الأمّة في غنى عنهم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة، وهم أهل السوابق والمناقب، وفيهم الأكثريّة الساحقة، ولا سيّما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبويّة، وسدنة الأحكام الإلهيّة، قال تعالى: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّـت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَْنْهَـرُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(1). وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة اللّه تعالى، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم، وحسبهم تأييد الدين، ونشر الدعوة إلى الحقّ المبين. على أنّا نتولّى من الصحابة كلّ من اضطرّ إلى الحياد - في ظاهر الحال - عن الوصي، أو التجأ إلى مسايرة أهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين، والاحتفاظ بشوكة المسلمين، وهم السواد الأعظم من الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين فإنّ مودّة هؤلاء لازمة، والدعاء لهم فريضة، {وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولاِِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاِْيمَانِ ولاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(2)،(3).

____________

(1) التوبة: 88 و89.

(2) الحشر: 10.

(3) أجوبة مسائل، جار اللّه: 14.


الصفحة 136

قول السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي استشهد سنة 1402 (1):

قال: "إنّ الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رساليّة، حتّى أنّ تاريخ الإنسان لم يشهد جيلاً عقائديّاً أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأه الرسول القائد"(2).

لا أظنّ بأنّ الشيخ ابن تيمية استطاع فيما كتب أن يمتدح الصحابة بأكثر من هذا الذي قاله فيهم الزعيم الشيعي الكبير السيّد الصدر.

قول سماحة الشيخ السبحاني (المعاصر )

قال سماحة آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني من أكابر علماء وأساتذة الحوزة العلميّة بقم المقدّسة:

"إنّه من المستحيل أن يحبّ الإنسان النبيّ (صلى الله عليه وآله)وفي الوقت نفسه يبغض من ضحّى بنفسه ونفيسه في طريق رسالته، والإنسان العاقل لا يمكنه أن يجمع في قلبه حالتين متضادّتين. والذي دعا أهل السنّة إلى اتّهام الشيعة بالسبّ هو اعتقادهم بعدالة الصحابة كلّهم من أولّهم إلى آخرهم، والشيعة الإثنا عشريّة لا تعترف بذلك; بل إنّ الصحابة والتابعين وغيرهم من تابعي التابعين عندهم في صفّ واحد، ولا ترى أيّ ملازمة بين كون الرجل صحابيّاً رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وبين كونه رجلاً مثاليّاً يكون القدوة والأسوة للمسلمين إلى يوم القيامة.

____________

(1) السيد محمد باقر الصدر: مجتهد و مرجع شيعي ّ شهير; له مؤلّفات عديدة منها: "اقتصادنا" و"فلسفتنا" و"البنك اللاربوي" وقد جمعت مؤلّفاته في 15 مجلّداً، عاش مجاهداً داعياً إلى الإصلاح و إلى إزاحة الأنظمة اللادينيّة وإقامة النظام الإسلامي، وقتل شهيداً في السجن ببغداد سنة 1980 ، وله من العمر 47 سنة.

(2) بحث حول الولاية: 48 المجموعة الكاملة ج 11.


الصفحة 137

بل تعتقد أنّ مصير الصحابة كمصير الآخرين، فيهم: الصالح، والتقيّ، والمخلص، وفيهم: الطالح، والمنافق، وتدلّ على ذلك أمور كثيرة"(1).

وقال أيضاً: "على أنّ ما نحن بصدد بحثه ودراسته هنا هو (عدالة جميع الصحابة) لا سبّ الصحابة، وإنّ من المؤسف أنّه لم يفرق البعض بين المسألتين، وإنّما عمد إلى اتّهام المخالفين في المسألة الأولى، والإيقاع فيهم في غير ما حق.

وفي الخاتمة نؤكّد على أنّ الشيعة الإماميّة لا ترى احترام صحبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مانعاً من مناقشة أفعال بعض صحابته (صلى الله عليه وآله)والحكم عليها، وتعتقد بأنّ معاشرة النبيّ لا تكون سبباً للمصونيّة من المعاصي إلى آخر العمر... على أنّ موقف الشيعة، في هذا المجال ينطلق من الآيات القرآنيّة، والأحاديث الصحيحة، والتاريخ القطعي، والعقل المحايد الحصيف"(2).

وبعد إلفات نظركم السامي إلى هذه الأُمور فلنرجع إلى تحليل ما جاء في رسالتكم الكريمة:

نظرة مجرّدة إلى روايات الحوض

قلتم:

أوّلاً: هذه الروايات رواها الصحابة أنفسهم رضي اللّه عنهم وهذا لأمانتهم وصدق إيمانهم ولو كانوا قد ارتدّوا ما رووها.

ثانياً: المعنى: إمّا أنّه يراد به الصحابة أنفسهم جميعهم، وهذا مردود للآيات السابقة والأحاديث الصحيحة في فضلهم جميعاً وفي فضائل أفرادهم.

____________

(1) رسائل ومقالات: 155.

(2) العقيدة الإسلاميّة: 298.


الصفحة 138

وإما أن يراد به بعضهم وهذا يحتاج إلى دليل قطعيّ، وهذا غير موجود.

وإمّا أن يراد به بعض أفراد الأمّة وسمّاهم بأصحابه لأنّ كلّ أمّته أصحابه; لمشاركته في دينه وفي الجنّة، أي يصاحبونه فيها فعندما يقدّم هؤلاء على حوضه، وعليهم علامة المسلمين بآثار الوضوء ويمنعون عن الحوض فيقول: أصحابي... وفي بعضها لا يقول أصحابي، وإنّما يقول: ألا هلمّ، وفي بعضها بالتصغير: أصيحابي، فالذي يظهر أنّ هذا هو المراد وهو الذي نعتقده.

أحاديث الحوض على ما نقله الشيخان (1)

أقول: قبل أن أجيب عن كلامكم هذا، أذكر أحاديث الحوض على ما نقله البخاري ومسلم في صحيحيهما حتى يعرف القارئ حقيقة ما ورد في الأصحاب ثمّ نعقّب على ما ذكرت.

إنّ الروايات التي وردت في الصحيحين حول الصحابة في باب الحوض على أقسام:

1ــ ما يدلّ على إحداث الصحابة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)

روى البخاري عن ابن عباس: "ألاّ وإنّه يجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: ياربّ أصيحابي، فيقال: إنّك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك"(2).

وفي رواية أخرى: "فأقول: ياربّ أصحابي! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك"(3).

____________

(1) هذا الفصل أضيف قبل الطبع ولم يكن في أصل الرسالة.

(2) صحيح البخاري: ج5 ص192 (880 رقم 4625) كتاب التفسير، باب "وكنت عليهم شهيداً"، و5: 240، (917، رقم 4770) كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأنبياء، باب كما بدأنا أوّل خلق.

(3) صحيح البخاري: ج7 ص207، (1258، رقم 6576، أخرجه مسلم برقم 2297).


الصفحة 139

وهكذا في رواية عن أنس(1). وأبي سعيد الخُدري(2). وأبي هريرة(3). وعن ابن المسيّب(4).

2ــ ما يدلّ على ارتدادهم بعد مفارقة النبيّ (صلى الله عليه وآله)

روى البخاري عن ابن عباس، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول: أصحابي؟

فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم"(5).

وفي رواية أخرى روي عن أبي هريرة: "إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القَهْقَرَى"(6).

3 ــ ما يدلّ على إبعادهم عن الحوض

____________

(1) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم 6582، أخرجه مسلم برقم 2304)، كتاب الرقاق، باب في الحوض.

(2) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم6584)، كتاب الرقاق، باب في الحوض، وج8 ص87 (1349رقم 51ـ7050) كتاب الفتن، باب ما جاء في قول اللّه تعالى واتّقوا فتنة، أخرجه مسلم رقم 2290.

(3) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم6585)، كتاب الرقاق، باب في الحوض.

(4) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم6586)، كتاب الرقاق، باب في الحوض.

(5) صحيح البخاري: ج4 ص142، (ص664، رقم 3447)، كتاب بدء الخلق، باب واذكر في الكتاب مريم، أخرجه مسلم برقم 2860 وصحيح البخاري: ج4 ص110 (640 رقم 3349) باب قول اللّه تعالى واتخذ اللّه إبراهيم خليلاً، و5: 240، (رقم 4770) كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأنبياء. أخرجه مسلم: ج7 ص157 برقم 2860.

(6) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم6585)، كتاب الرقاق، باب في الحوض.


الصفحة 140

روى مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادنّ رجال عن حوضي، كما يذاد البعير الضالّ، أناديهم: ألا هلمّ، فيقال: إنّهم قد بدّلوا بعدك فأقول: سحقاً سحقاً"(1).

وفي رواية البخاري: "أنا فرطكم على الحوض ولَيُرْفَعَنَّ معي رجال منكم ثمّ لَيُخْتَلَجُنَّ دوني"(2).

ورواه مسلم أيضاً عن أمّ سلمة(3).

وروى البخاري ومسلم عن أنس(رضي الله عنه)، عن النبيّقال: "ليَرِدَنّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني"(4).

ورويا ذلك عن أبي وائل أيضاً(5).

4 ــ ما يدلّ على دخولهم النار

روى البخاري عن أبي هريرة، عن النبيّ، قال: "بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمّ فقلت: أين؟ قال: إلى النار واللّه! قلت: وما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القَهْقَرَى"(6).

5 ــ ما يدلّ على أنّه لا يخلص منهم إلاّ القليل

روى البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ قال: "...ثمّ إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلُمّ قلت: أين؟ قال: إلى النار واللّه! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يَخْلُص منهم إلاّ مثلَ هَمَل النَّعَم"(7).

____________

(1) صحيح مسلم: ج1 ص150 (رقم 249) كتاب الطهارة باب (12) باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء ح39.

(2) صحيح البخاري: ج7 ص207، (ص1258، رقم 6576، أخرجه مسلم برقم (2297).

(3) صحيح مسلم: ج7 ص67، (رقم 2295) كتاب الفضائل باب (9) باب إثبات حوض نبينا (صلى الله عليه وآله) ح 29.

(4) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم 6582، أخرجه مسلم برقم 2304)، كتاب الرقاق، باب في الحوض.

(5) صحيح البخاري: ج8 ص87 (رقم 7049) كتاب الفتن، باب ما جاء في قول اللّه تعالى: {واتّقوا فتنة}، وصحيح مسلم: ج7 ص71 رقم 2297.

(6) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم6587) كتاب الرقاق، باب في الحوض.

(7) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم6587) كتاب الرقاق، باب في الحوض.


الصفحة 141

6 ــ ما يدلّ على دعاء الرسول (صلى الله عليه وآله) عليهم

روى البخاري عن أبي سعيد الخُدري، عن النبيّ، قوله: "فأقول: إنّهم منّي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي"(1).

وروى مسلم قريباً منه عن أبي هريرة(2). وعن أمّ سلمة(3).

ما هو المراد من الأصحاب في حديث الحوض؟

اُختلف في المراد من الأصحاب في حديث الحوض هل المراد منه هو المعنى المصطلح أي: كلّ من صحب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ورآه كما عرّفه أبناء أهل السنّة، أو المراد منه هو المعنى اللغوي أي كلّ من تبعه وكان موافقاً له في سلوكه؟

قال القاضي عياض عند تأويله أحاديث الحوض: "فإنّ أصحابه وإن شاع عرفاً فيمن يلازمه من المهاجرين والأنصار، شاع استعماله لغة في كلّ من تبعه مرّة"(4).

____________

(1) صحيح البخاري: ج7 ص207 (1259، رقم6584)، كتاب الرقاق، باب في الحوض وج8 ص87 (1349، رقم 51 ـ 7050) كتاب الفتن، باب ما جاء في قول اللّه تعالى واتّقوا فتنة، أخرجه مسلم رقم 2290.

(2) صحيح مسلم: ج1 ص150 (رقم 249) كتاب الطهارة باب (12) باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء ح39.

(3) صحيح مسلم: ج7 ص67، (رقم 2295) كتاب الفضائل باب (9) باب إثبات حوض نبينا (صلى الله عليه وآله) ح 29.

(4) تحفة الأحوذي للمباركفوري: ج9 ص6.


الصفحة 142

ويلاحظ عليه:

أوّلاً: بأنّ المراد بالردّة في هذه الروايات، ليست ردّة الكفر أو الارتداد والخروج عن الإسلام; بل المراد بها تخلّفهم عن إحدى أهمّ الواجبات الدينيّة، كما صرّح ابن الأثير في النهاية بقوله: "وفي حديث القيامة والحوض، فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أدبارهم القهقري، أي متخلّفين عن بعض الواجبات، ولم يرد ردّة الكفر"(1).

فالمراد منها هو ترك وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله)في عليّ وأهل بيته، كما أنّ المراد من الأحداث هي الوقائع والبدع التي أحدثت بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كما سيوافيك ذلك عن براء بن عازب وأمّ المؤمنين عائشة وأبي سعيد الخدري.

وثانياً: إنّما الكلام في كلمة (الأصحاب) الواردة في لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله)، لا الواردة في اللغة أو في لسان التابعين بعد مضيّ سنوات، فمراده (صلى الله عليه وآله) منها ـ كلمة الأصحاب ـ هم الذين صحبوه ورأوه بلا ريب.

وثالثاً: لو حملنا كلمة الأصحاب الواردة في لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله) على مطلق من تبع النبيّ (صلى الله عليه وآله) فلابدّ من حمل هذه اللفظة على هذا المعنى في عامّة الموارد، مثل قوله (صلى الله عليه وآله): "لا تسبّوا أصحابي" و"أصحابي كالنجوم" و.... وهذا ما لا يرتضيه أحد.

ما يدل على أنّ الصحابة هم الذين صحبوا النبيّ (صلى الله عليه وآله) ورأوه

ورابعاً: ملاحظة متن روايات الحوض وغيرها تثبت بأنّ المراد من الصحابة هم الذين صحبوه ورأوه من دون شكّ في ذلك وإليك بعض هذه الروايات:

____________

(1) النهاية في غريب الحديث والأثر: ج2 ص214 مادّة "ردد". وهكذا في لسان العرب.


الصفحة 143

1ـ التصريح في بعض الروايات بكلمة "صاحبني ورآني":

ففي مسند أحمد عن أبي بكرة، أنّ رسول اللّهقال: "ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ ربّ أصحابي! أصحابي! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟"(1).

وفي صحيح مسلم عن عبد العزيز بن صهيب يحدث، قال:حدّثنا أنس بن مالك أنّ النبيّ(صلى الله عليه و سلم)قال: ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ، اختلجوا دوني فلأقولنّ: أي رب! أصيحابي أصيحابي! فليقالنّ لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك"(2).

قال ابن حجر: "ولأحمد والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني وسنده حسن. وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وزاد: فقلت: يا رسول اللّه ادع أن لا يجعلني منهم، قال: لست منهم. وسنده حسن"(3).

وفى تفسير الطبري: "والذي نفس محمد بيده ليردنّ عليّ الحوض ممّن صحبني أقوام حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني فلأقولنّ ربّ أصحابي، أصحابي، فليقالنّ إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك"(4).

____________

(1) مسند أحمد بن حنبل: ج5 ص48، حديث أبي بكرة نفيع بن الحرث، والمصنّف لابن أبي شيبة: ج7 ص415 رقم 35، كتاب الفضائل، باب ما أعطى اللّه محمداً (صلى الله عليه وآله)، وتاريخ دمشق: ج36 ص8، وكنز العمال: ج13 ص239 ح 36714.

(2) صحيح مسلم: ج7 ص70، باب إثبات حوض نبيّنا، وشرح مسلم للنووي: ج15 ص64.

(3) فتح الباري: ج11 ص333.

(4) جامع البيان: ج4 ص55، في تفسير قوله تعالى: }أمّا الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم{.


الصفحة 144

2ـ تعبير رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عن المخاطبين بالصحابة وعن الذين يأتون بعدُ بالإخوان:

ورد في صحيح مسلم: "عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم)أتى المقبرة فقال: السلام عليكم، دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول اللّه؟

قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمّتك يا رسول اللّه؟

فقال: أرأيت لو أنّ رجلاً له خيل غرّ محجّلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: فإنّهم يأتون غرّاً محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادّن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضالّ أناديهم ألا هلمّ، فيقال: إنّهم قد بدلّوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً"(1).

وفي رواية عبد الرزاق: "ثمّ يلتفت إلى أصحابه، وفيهم يومئذ الأفاضل، فيقول: أنتم خير، أم هؤلاء؟ فيقولون: نرجو أن لا يكونوا خيراً منّا، ـ إلى أن قال: ـ فإنّ هؤلاء قد مضوا، وقد شهدت لهم، وإنّي لا أدري ما تحدثون بعدي"(2).

وفى تفسير الثعالبي: "ثمّ أقبل على أصحابه فقال: هؤلاء خير منكم، قالوا: يا رسول اللّه! إخواننا، أسلمنا كما أسلموا، وهاجرنا كما هاجروا، وجاهدنا كما جاهدوا، وأتوا على آجالهم فمضوا فيها وبقينا في آجالنا، كلّ فما يجعلهم خيراً منّا؟

قال: هؤلاء خرجوا من الدنيا لم يأكلوا من أجورهم شيئاً وخرجوا وأنا الشهيد عليهم، وأنّكم قد أكلتم من أجوركم ولا أدري ما تحدثون من بعدي؟

____________

(1) صحيح مسلم: ج1 ص150، كتاب الطهارة، باب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء، وأحكام الجنائز للألباني: 190، حيث قال: أخرجه مسلم: ج1 ص150 - 151؛ مالك: ج1 ص49 - 50؛ النسائي: ج1 ص35؛ ابن ماجة: ج2 ص580؛ البيهقي: ج4 ص78؛ أحمد: ج2 ص300، 408.

(2) المصنّف لعبد الرزاق الصنعاني: ج3 ص575 ح 6720.


الصفحة 145

قال: فلمّا سمعها القوم عقلوها وانتفعوا بها، وقالوا إنّا لمحاسبون بما أصبنا من الدنيا وأنّه لمنتقص به من أجورنا"(1).

3ـ طلب الأصحاب من النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يدعو اللّه أن لا يجعلهم من المطرودين واستعاذتهم باللّه من الرجوع على الأعقاب:

ورد في معجم الطبراني، عن أبي الدرداء، قال: "قال رسول اللّه: لألفينّ ما نوزعت أحداً منكم على الحوض، فأقول: هذا من أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك قال أبو الدرداء: يا نبيّ اللّه، ادع اللّه أن لا يجعلني منهم. قال: لست منهم"(2).

وروى الهيثمي عن أبي الدرداء، قال:

"قال: رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم)لألفينّ ما نوزعت أحداً منكم عند الحوض، فأقول: هذا من أصحابي، فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

قال أبو الدرداء: "يا رسول اللّه ادع اللّه أن لا يجعلني منهم، قال: لست منهم. رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه ورجالهما ثقات"(3).

وهكذا استعاذة ابن أبي مليكة باللّه من رجوعه على الأعقاب، كما في صحيح البخاري ومسلم: عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: "قال النبيّ(صلى الله عليه و سلم): إنّي على الحوض حتّى أنظر من يرد عليّ منكم وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا ربّ منّي ومن أمّتي؟

____________

(1) تفسير الثعالبي: ج5 ص221.

(2) المعجم الأوسط للطبراني: ج1 ص125، مسند الشاميين للطبراني: ج2 ص317، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج47 ص117 وج54 ص76، والبداية والنهاية لابن كثير: ج6 ص231.

(3) مجمع الزوائد: ج9 ص367، باب ما جاء في أبي الدرداء رضي اللّه عنه، وفي ج10 ص365، رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح عن أبي عبد اللّه الأشعري وهو ثقة.


الصفحة 146

فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك واللّه ما برحوا على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا"(1).

وفي معجم الطبراني: "فكان ابن أبي مليكة يقول: اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نغيّر ديننا"(2).

4ـ بكاء أبي بكر حين سمع حديث الحوض وارتداد الأمّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله):

كما في الموطّأ عن مالك، عن أبى النضر مولى عمر بن عبيد اللّه، "أنّه بلغه أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم)قال لشهداء أحد: (هؤلاء أشهد عليهم) فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول اللّه بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا. وجاهدنا كما جاهدوا. فقال رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم): بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي؟ فبكى أبو بكر، ثمّ بكى، ثمّ قال: أئنّا لكائنون بعدك؟"(3).

فلو كان المراد من الأصحاب في هذه الأحاديث، هم الذين يأتون بعد زمان الصحابة، فما معنى قوله (صلى الله عليه وآله)ممّن صاحبني ورآني؟ بل ما معنى كلام أبي الدرداء واستعاذة ابن أبي مليكة وبكاء أبي بكر؟

____________

(1) صحيح البخاري: ج7 ص209، كتاب الرقاق، باب في الحوض. وج8 ص86، كتاب الفتن، ما جاء في قول اللّه تعالى: "واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة"، وصحيح مسلم: ج7 ص66، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبيّنا.

(2) المعجم الكبير للطبراني: ج42 ص94.

(3) كتاب الموطأ للإمام مالك: ج2 ص461، ح32، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج51 ص38، ومغازي الواقدي: ج1 ص310.


الصفحة 147

5ـ قوله (صلى الله عليه وآله)منذ فارقتهم:

كما في صحيح البخاري: "وإنّ أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم"(1). وهذا صريح بأنّ المراد من الصحابة هم الذين عاشوا في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبقوا أحياءً بعد وفاته.

6ـ قول رسول اللّه في حديث الحوض: "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم" وشهادته (صلى الله عليه وآله) على من مضى من الأصحاب:

في رواية البخاري: "ثمّ يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول: أصحابي، فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم، {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}"(2).

وفى مصنّف عبد الرزاق، عن معمّر قال: "وأخبرني من سمع الحسن يقول: قال النبيّ(صلى الله عليه و سلم)للشهداء يوم أحد: إن هؤلاء قد مضوا، وقد شهدت عليهم، ولم يأكلوا من أجورهم شيئاً، ولكنّكم تأكلون من أجوركم، ولا أدري ما تحدثون بعدي"(3).

وفيه أيضاً عن ابن جريج، قال: "حدّثت أنّ النبيّ(صلى الله عليه و سلم)كان ينطلق بطوائف من أصحابه إلى دفنى بقيع الفرقد، فيقول: السلام عليكم يا أهل القبور، لو تعلمون ممّا نجاكم اللّه ممّا هو كائن بعدكم.

____________

(1) صحيح البخاري: ج4 ص142 كتاب بدء الخلق، باب واذكر في الكتاب مريم وقبل باب نزول عيسى، وج5 ص192 باب قوله إن تعذّبهم فإنّهم عبادك و240 وج7 ص195.

وصحيح مسلم: ج8 ص157، كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها، باب صفة يوم القيامة.

(2) صحيح البخاري: ج4 ص142.

(3) المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج3 ص541، ح 6634، وج5 ص273ح 9581.


الصفحة 148

ثمّ يلتفت إلى أصحابه، وفيهم يومئذ الأفاضل، فيقول: أنتم خير أم هؤلاء؟ فيقولون: نرجو أن لا يكونوا خيراً منّا، هاجرنا كما هاجروا فقال: هؤلاء خرجوا من الدنيا ولم يأكلوا من أجورهم شيئاً، وإنّكم تأكلون من أجوركم، فإنّ هؤلاء قد مضوا، وقد شهدت لهم، وإنّي لا أدري ما تحدثون بعدي"(1).

قال الثعالبي في تفسيره: "وروى ابن المبارك في رقائقه من طريق الحسن عن النبيّ أنّه خرج في أصحابه إلى بقيع الغرقد، فقال السلام عليكم يا أهل القبور لو تعلمون ما نجاكم اللّه منه ممّا هو كائن بعدكم، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: هؤلاء خير منكم، قالوا: يا رسول اللّه إخواننا أسلمنا كما أسلموا، وهاجرنا كما هاجروا، وجاهدنا كما جاهدوا، وأتوا على آجالهم فمضوا فيها وبقينا في آجالنا، فما يجعلهم خيراً منّا؟

قال: هؤلاء خرجوا من الدنيا لم يأكلوا من أجورهم شيئاً وخرجوا وأنا الشهيد عليهم، وإنّكم قد أكلتم من أجوركم ولا أدري ما تحدثون من بعدي؟

قال: فلمّا سمعها القوم عقلوها وانتفعوا بها، وقالوا إنّا لمحاسبون بما أصبنا من الدنيا وأنّه لمنتقص به من أجورنا"(2).

وفي تاريخ المدينة لابن شبة النميري: "إنّ هؤلاء مضوا لم يأكلوا من أجورهم شيئاً، وشهدت عليهم، وإنّكم قد أكلتم من أجوركم بعدهم، ولا أدري كيف تفعلون بعدي"(3). وفي موضع آخر: "ولا أدري كيف تصنعون بعدي"(4).

____________

(1) المصنّف لعبد الرزاق الصنعاني: ج3 ص575 ح 6720.

(2) تفسير الثعالبي: ج5 ص221.

(3) تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج1 ص94.

(4) المصدر نفسه: ج1 ص95.


الصفحة 149

وهذا يدلّ على أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله)لم يكن مطمئنّاً لما ينتهي إليه أمر أصحابه بعده. ولم يكن يعتقد أنّ مجرّد صحبتهم له تدخلهم الجنان، وتجعلهم معصومين، أو أنّها تكون أماناً لهم من كلّ حساب وعقاب، عملوا ما عملوا، وفعلوا ما فعلوا، فإنّ ذلك خلاف ما قرّره القرآن الذي يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(1).

7ـ انشغال بال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقلقه عمّا يصنع الصحابة:

مرّ قوله (صلى الله عليه وآله)في قضيّة بكاء أبي بكر: "لكن لا أدري ما تحدثون بعدي؟"(2). وفي الفصل السابق في قضيّة شهداء أحد: "ولا أدري ما تحدثون بعدي"(3) وفي قضية بقيع الغرقد عن تفسير الثعالبي ومصنف عبد الرزّاق "وإنّي لا أدري ما تحدثون بعدي"(4).

وعن تاريخ المدينة: "لا أدري كيف تفعلون بعدي"(5) أو "ولا أدري كيف تصنعون بعدي"(6).

8ـ قوله (صلى الله عليه وآله)ارتدادهم على الأدبار:

ورد في روايات الحوض: "أيضاً لا تدري بما أحدثوا إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى"(7).

____________

(1) الزلزلة: 7 و8.

(2) كتاب الموطأ للإمام مالك: ج2 ص461، ح32.

(3) المصنّف لعبد الرزاق الصنعاني: ج3 ص541، ح 6634، وج5 ص273ح 9581.

(4) تفسير الثعالبي: ج5 ص221، والمصنّف: ج3 ص575 ح 6720.

(5) تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج1 ص94.

(6) المصدر السابق نفسه: ج1 ص95.

(7) صحيح البخاري: ج7 ص208، كتاب الرقاق، باب في الحوض.


الصفحة 150

وفي قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(1).

وكأنّ هذه الأحاديث واردة مورد التفسير لهذه الآية، ومؤكّدة لتحقّق مضمونها بعد وفاته.

9ـ اعتراف بعض الأصحاب على إحداث الصحابة بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله):

أ: اعتراف البراء بن عازب:

رواه البخاري عن محمد بن فضيل، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، قال: "لقيت البراء بن عازب رضي اللّه عنهما، فقلت: طوبى لك صحبت النبيّ(صلى الله عليه و سلم) وبايعته تحت الشجرة!! فقال: يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده"(2).

والبراء بن عازب من أكابر الصحابة ومن السابقين الأوّلين الذين بايعوا النبيّ (صلى الله عليه وآله) تحت الشجرة يشهد على نفسه وغيره من الصحابة بأنّهم أحدثوا بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) كي لا يغترّ بهم الناس، وأوضح بأنّ صحبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومبايعته تحت الشجرة والتي سميّت بـبيعة الرضوان لا تمنعان من ضلالة الصحابي وارتداده بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله).

ب: اعتراف أبي سعيد الخدري:

روى ابن عدي عن ابن أبي بكر، عن عباس: "سئل يحيى عن خلف بن خليفة، فقال: ليس به بأس، ثنا بهلول بن إسحاق، ثنا سعيد بن منصور، ثنا خلف بن خليفة، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا له: هنيئاً لك يا أبا سعيد برؤية رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم)وصحبته!! قال: أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده"(3).

____________

(1) آل عمران: 144.

(2) صحيح البخاري: ج5 ص65، كتاب المغازي باب غزوة الحديبية، ومقدمة فتح الباري لابن حجر: 433.

(3) الكامل لعبد اللّه بن عدي: ج3 ص63، ترجمة خلف بن خليفة.