الصفحة 421

وتسعون بالمائة من هؤلاء العلماء كانوا من الأحناف، وقد قالوا أمامك: نحن نعيش مع الشيعة في إيران بكل محبة وود وأخوة، وليس بيننا وبين الشيعة اختلاف، وقالوا لك: نحن ندرّس هناك في المدارس والحوزات العلمّية ونقيم صلاة الجمعة والجماعة.

فقلتَ لهم: نحن سمعنا بأنّ بين الشيعة والسنّة في إيران اختلافات كثيرة، فهل يسمحون لكم أن تدرّسوا في الجامعات والمدارس وإقامة صلوات الجمعة والجماعات.

وقد أراك بعض هؤلاء العلماء بطاقات تدريس تثبت أنهم يدرسون في المدارس والجامعات في إيران، وقال لك أحدهم: أنا خطيب الجمعة، وقال آخر: أنا مدرس في الحوزة و... وجنابك قد تعجبت من كلامهم هذا.

تساؤل عن وجود مساجد للسنة في طهران

قال الدكتور: كم عدد سكان طهران؟

قال الشيخ المبلغي: خمسة ملايين.

قال الدكتور: كم فيها من السنّة؟

قلت: حوالي ثلاثمائة.

قال الدكتور: هل لهم مسجد في طهران؟

قلت: كم عدد الشيعة بالمدينة المنورّة؟

قال الدكتور: خمسة آلاف.

قلت: بل أكثر من عشرة آلاف، وهل لهم مسجد في المدينة؟


الصفحة 422

قال الدكتور: الشيعة لا ترى صحة الصلاة جماعة إلاّ خلف المهدي، فإذا خرج المهدي سنبني لهم مسجداً إن شاء اللّه(1).

قلت: نحن أيضاً إذا ولد مهدي أهل السنّة نسمح لهم ببناء مسجد بطهران.

قال الدكتور: إنّ الشيعة لا يصلّون صلاة جماعة؛ لأنّهم لا يجيزون الصلاة إلاّ خلف الإمام المعصوم.

قلت: يا دكتور! ما هذه الخرافات الوهّابيّة، فأنت أجل شأناً من التفوه بمثل هذه التفاهات .

قال الدكتور: هل عندكم مساجد في طهران ؟

قلت: أكثر من ألف مسجد في طهران للشيعة يصلّون فيها.

الدكتور يقدم اعتذاره في الطبعة الثانية من كتابه>حوار هادئ<

قال الدكتور: لقد كتبت في الطبعة الثانية لكتاب حوار هادئ:>وأعتذر للأستاذ أبي مهدي لنشرها، وأعتذر عن العبارات القاسية التي وردت في الرسالة والتي قد حرّرت كثيراً منها في هذه الطبعة (الثانية)، ولعلّي أستدرك ما فات في طبعات أخرى إن شاء اللّه(2).

____________

(1) سمعت من بعض مشايخي بأنه في زمان سماحة آية اللّه العظمى السيّد البروجردي (قدس سرّه)، قد جاء إليه شخص من جانب شاه إيران وقال: قد طلب منّى علماء أهل السنّة أن نسمح لهم في بناء مسجد لهم بطهران، ماذا تقول؟

فأجاب السيّد البروجردي: إنّ طهران عاصمة الشيعة في العالم كما أنّ مكّة عاصمة أهل السنّة، فمتى ما سمحوا أن يبنى مسجد للشيعة بمكّة فنحن نسمح لهم بناء مسجد لأهل السنّة بطهران.

(2) حوار هادئ، ص 5 من الطبعة الثانية.


الصفحة 423

فعليك أن تعطيني ما عندك من الملاحظات على الكتاب، حتى أستدركها في الطبعات الآتية، فليس هناك رجل معصوم غير رسول اللّه(صلى الله عليه وآله).

قلت: لقد حضرت في بيتكم هذا، في شهر رمضان من السنة الماضية وكان معي فضيلة الشيخ الهادوي وگل زاده، وقلتَ لنا: إني أريد طبع ما جرى بيننا من المكاتبات.

فقلت لكم حينها: ليس من الصلاح أن تطبع هذه المراسلات؛ لأنّ ما سميته بالحوار الهادئ لم يكن هادئاً، بل هو حوار متشدّد ومتشنج; كما أنك قد حرّفت كثيراً من كلامي الذي نقلتَه فيها حين نشرتَها.

قال الدكتور الغامدي: كلمة تحريف كلمة كبيرة، بل صعبة.

قلت: ماذا فهمتم من كلمة تحريف؟

قال الدكتور: يعني أني تعمدّت أن أضع لفظاً بدلاً عن لفظك.

قلت: إنّ مرادنا من التحريف هو التغيير بالمعنى العام، وهو إمّا بإضافة شيء أو حذفه أو تغييره.

فإنّك قد حذفت سطراً أو سطرين من الرسالة الأولى التي أرسلتها إليكم، وهذه أصل عبارتي التي أرسلتها إليكم في رسالتي:

>ماذا تقول؟ فيما جرى على بعض الأصحاب من الحدّ، هل يوجب ذلك فسقهم أم لا؟ لماذا جرى الحدّ على بعضهم؟ ماذا تقول فيمن أمر بقتل عثمان من الأصحاب أو شرك في قتله؟ هل يحكم فيهم بأنّهم اجتهدوا وأخطأوا ولهم أجر واحد أم لا؟<

بينما الذي ذُكر في كتابك في ص11:

"ماذا تقول فيما جرى على بعض الأصحاب أو شرك في قتله؟ هل يحكم فيهم


الصفحة 424

بأنّهم اجتهدوا وأخطأوا ولهم أجر واحد أم لا؟"

وتلاحظ أنك قد حذفت هذه العبارة الوسطية:

>من الحدّ، هل يوجب ذلك فسقهم أم لا؟ لماذا جرى الحدّ على بعضهم؟ماذا تقول فيمن أمر بقتل عثمان من الأصحاب"

قال الدكتور: أقسم باللّه بأنّي ما تعمّدت في حذفها، وما الفائدة في حذفها؟

قلت للدكتور الغامدي: إنّك ذكرت في كتابك: "هذه عبارته بنصّها" ولم يكن ما ذكرت نصّ كلامي.

قال الدكتور: أنا أصلحها إن شاء اللّه.

قلت: كنت قد أرسلت إليكم فاكساً وكتبت فيه بعض أشياء ومن جملتها عبارة:>وقد أوجبت رسالتكم الكريمة أن أسبر في الجوامع الروائيّة و... زهاء خمسمائة ساعة< وقد قمتم بنشر هذه العبارة في كتابكم.

وإني شديد العتب عليكم هنا يا دكتور! فإن المطالب التي كتبتها لكم في رسالة الفاكس هي مطالب بيني وبينكم ونشرها بهذه الكيفية ليس صحيحاً ، ولا يليق صدور ذلك ممن هو بمثل جنابكم.

قال الدكتور: لم أجد في نشرها أي ضرر.

قلت: واضح أن مقصودكم من نشر هذه العبارة بالخصوص هو أن تقول إن فلان الأستاذ الجامعي قد بذل خمسمائة ساعة من وقته بينما كتب إليّ خمسين صفحة فقط.

وكلّ من قرء كتابكم وقرأ هذه العبارة قد اعترضوا عليّ وعاتبوني.

كما إني قلت: بأنّي أدرّس في بعض الجامعات:


الصفحة 425

وقد كتبت بأن الفلاني يدرّس في ثماني جامعات، كذا وكذا.

يا دكتور، لو تذكر سماحتك حين حضرت في السنة الماضية في جلسة مع عدّة من الدكاترة وأساتذة جامعة طهران، فقلت لنا: - وكلامك مسجل وموجود عندي- إنّ علماءنا لا يقبلون كلامنا معكم، ومسؤلو الحكومة لا يقبلون منّا ذلك، وإذا علمت الحكومة بأنّي جئتكم لأتكلّم معكم ومع الأساتذة الإيرانيين ربما يتشددون عليّ، ويؤاخذونني.

فهل يصحّ مني أن أنشر كلامك هذا؟(1).

ولو نشرت كلامك هذا، أفلا تعترض عليّ بأنّ هذا كلام خاص بيني وبينك فلا يصح نشره ؟

بغض أهل البيت يعتبر نفاقاً

قلت للدكتور الغامدي: إنّك نقلت في كتابك في صفحة 113، روايتين عن الكافي:

الرواية الأولى: روى الكليني عن النبي (صلى اللّه عليه وسلّم)، أنَّه قال: >فلو أنَّ الرجل من أمتي عَبَدَ اللّه عزّ وجل عمره أيام الدنيا ثمَّ لقي اللّه عزّ وجل مبغضاً لأهل بيتي وشيعتي ما فرّج اللّه صدره إلاَّ عن النفاق(2).

ثمّ قلت: رحم اللّه أهل البيت كم لقوا من هؤلاء الكذّابين من الافتراء!!!

فيبدو من كلامك أنك ترفض مضمون هذه الرواية!

____________

(1) فإن قلت: إنك الآن قد نشرته فعلاً وقد فعلت نفس الخطأ، فسوف أقول لك إن نشري إياه الآن لكي أشعرك بخطئك وأنه ليس كل ما يقال يصح نشره.

(2) الكافي الروضة، ج2 ص46.


الصفحة 426

يا دكتور! إنّ هذه الرواية مفادها أنّ بغض أهل البيت(عليهم السلام) هو نفاق، ومضمونها مطابق للكتاب; لأنّ أقلّ ما تدلّ آية المودّة عليه(1) هو أنّ محبّتهم من الإيمان ومن الدين، فمن ينكر محبة أهل البيت فقد ينكر القرآن.

قال الدكتور: هل الرواية صحيحة عندكم؟

قلت: لو كان عندك دليل على ضعف الرواية فاذكره، فنحن أبناء الدليل ونقبل منك ذلك.

قال الدكتور زماني: برأيي أن مضمون الرواية مقبول عند الدكتور، وهو يعتقد بأنّ حبّ أهل البيت من الإيمان وبغضهم من النفاق; فلم يكن مضمون الحديث كذباً.

أهل البيت يتولون حساب الناس يوم القيامة

أما الرواية الثانية: فمضمونها فيه خلاف بيننا وبينكم.

حيث روى الكليني عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، أنّه قال:>علينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين اللّه عز وجل حتمنا على اللّه في تركه فأجبنا إلى ذلك، وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوضهم اللّه عز وجل(2).

قال الدكتور الغامدي: أنتم تعتقدون بأنّ أهل البيت يحاسبون الناس؟

قال الدكتور زماني: إني أرى لو أنك لم تعترض على مضمون الحديث الأول

____________

(1) { قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى. الشورى}،42/23.

(2) الكافي، ج8 ص162، ح 167.


الصفحة 427

وكان اعتراضك على الحديث الثاني فقط؛ لكان أحسن وأقرب للإنصاف.

قال الدكتور الغامدي: لا شكّ بأن محبّة أهل البيت من الدين وما من مسلم يكره أهل البيت، ولكنّهم بشر مكلّفون، محاسَبون، معاقَبون.

والقول بأنّهم يتولون حساب البشر، هذا عندنا من الخرافات، فاللّه يحاسب الناس حتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فهو مثلنا بشر; لأنّ اللّه تعالي يقول:}إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم }(1).

قلت: عندنا أدلّة متعددة بأنّ اللّه تعالى يفوّض حساب الناس إلى الأئمّة عليهم السلام يوم القيامة، كما أنّه يفوض توفّي الأنفس للملائكة، يقول تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } (2) ثمّ يقول في آية أخرى: {قُلْ يَتَوَفّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الذي وُكِّلَ بِكُمْ } (3).

ولا منافاة بينهما; إذ ملك الموت إنما يتوفّى الأنفس بإذن اللّه تعالى لا مستقلاً عن إرادة الله.

وهكذا بالنسبة لحساب الناس، فإن الله تبارك وتعالي قال: {إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم} ومع ذلك يمكن لنا أن نستفيد من السنة النبوية أن الله تعالى قد يفوّض حساب الناس إلى رجل صالح من أهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) من الذين جعل مودّتهم من الدين، وهذا ليس غريباً ومستحيلاً وخرافياً.

فنحن نعتقد بأنّ حساب الناس على اللّه تبارك وتعالى، ولكن قد ثبت عندنا بالأدلّة الصحيحة الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السلام بأنّ اللّه

____________

(1) الغاشية:88/ 25 ـ 26.

(2) الزمر:39/42.

(3) السجدة:32/11.


الصفحة 428

يفوّض حساب الناس إلى الأئمّة، فلا إشكال فيه، إذ عملهم هذا كان بإذن اللّه.

ومن تلك الأدلة التي تثبت هذا المعنى ما ورد عن الصادق (عليه السلام)، قال:>إذا كان يوم القيامة وكلنا اللّه بحساب شيعتنا<، وفي رواية أخرى عنه(عليه السلام): >إذا حشر اللّه الناس في صعيد واحد أجل اللّه أشياعنا أن يناقشهم في الحساب، فنقول: إلهنا هؤلاء شيعتنا، فيقول اللّه تعالي: قد جعلت أمرهم إليكم وقد شفّعتكم فيهم..(1).

وما دام الأمر ليس مستحيلاً فلكم أن تسألونا عن أدلّتنا على مدعانا، وإذا أقمنا الدليل عليه، فلكم حينئذ المناقشة فيه، وغاية ما يمكن أن يقال لنا: إنّكم اجتهدتم فأخطأتم.

قال الدكتور الغامدي: هذا اجتهاد كبير جدّاً، كيف اجتهدتم بأنّ البشر يحاسب الناس، لا نوح ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا محمد(صلى الله عليه وآله) يحاسبون الناس، مع أن الأئمّة يعترفون بأنّهم مخطئون، والسجاد يسأل عن ذنبه كثيراً، كيف يحاسب هؤلاء البشر، فهذا غلوّ.

قلت: يا دكتور، لك أن تناقش في الأدلّة بأسلوب صحيح فلك أن تطعن في الأدلة لإثبات تلك العقيدة، لكن لا يحق لك أن تقول بعجلة بأنّ هذا من الخرافات، فلو قلت لك: بأنّ تسعين بالمائة من عقائد أهل السنّة خرافات، فهل تقبل منّي ذلك أم تقول بأنّ هذا قول بلا دليل وتطلب مني الدليل على دعواي؟

قال الدكتور الغامدي: إنّ القرآن الكريم واضح الدلالة، يقول إنّ البشر كلّهم

____________

(1) الأمالي، للشيخ الطوسي: ص 406 ح 911، بحار الأنوار، ج 8 ص 50.


الصفحة 429

محاسبون.

فهل الأئمّة جزء من اللّه، فيقول اللّه: أنا والأئمّة الاثنا عشر، كلانا نحاسب الخلق؟!

قال الشيخ المبلغي: هذا كفر، من يقول هذا؟

قلت: يا دكتور! أنا أقول: إنّ الأئمّة يتولون حساب الناس بإذن من اللّه، ماذا تقول؟

قال الدكتور: هل الأئمّة يحاسَبون؟ ومن يحاسبُهم؟

قلت: لا شكّ بأنّ الأئمّة(عليهم السلام) والأنبياء(عليهم السلام) يحاسَبون من قِبَل الله، بمعنى أنّ اللّه تعالى يحاسب الأئمّة، والأئمّة يحاسبون الناس بإذن الله، كما أنّ توفي الأنفس بيد الله تبارك وتعالى، ثمّ ملك الموت يتوفى الأنفس بإذن اللّه ]وفي الرواية أنّ توفّى ملك الموت في آخر الأمر بيد اللّه تعالى[.

وكما أنّ إحياء الأموات مرتبط باللّه تعالى أصالةً، فهو الذي يحيي وهو الحيّ القيّوم، لكن مع ذلك يقول عيسى(عليه السلام) والذي هو بشر: {وَأُحْيي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} (1).

قال الشيخ المبلغي: يمكن أن يقال في تفسير الحساب بأنّ للأئمة(عليهم السلام) مكانة سامية عند اللّه وشفاعة مقبولة، بحيث يصح نسبة حساب الناس لهم بسبب تلك المقبولية وتلك الشفاعة التي لها دخل في الحساب.

قال الدكتور زماني: ويمكن أن يقال: بأنّهم يحاسبون الناس، أي أنّهم ميزان ومعيار لحساب الناس.

ويمكن أن يقال أيضاً: كما قال الدكتور أبو مهدي بأنّهم يحاسبون الناس حساباً

____________

(1) آلِ عِمْرَانَ: 3/49.


الصفحة 430

حقيقياً، لكن بإذن وتفويض من اللّه.

وهاهنا سؤال مهم ـ والكلام للدكتور زماني ـ وهو لو اعتقد أحد من الناس بأنّ غير اللّه سيحاسب الناس يوم القيامة، فهل هذا ينسجم مع التوحيد أم لا؟

طبعاً من الشرك بلا شكّ فيما لو اعتقد إنسان بأنّ واحداً من البشر بنفسه ومن دون إذن اللّه هو من سيحاسب الناس.

وأمّا لو اعتقد بأنّ هذه المحاسبة تكون بإذن من اللّه وتفويض منه، سواء كانت هذه العقيدة صواباً أم خطأً، فهذا لا يعد شركاً.

قال الدكتور الغامدي: لا نقول شرك، بل نقول: بأنّ الأئمّة يحاسبون الناس بدل ربّ العالمين هذا شرك.

قلت: يا دكتور، لم ندّع أن الأئمة يحاسبون الناس بدل ربّ العالمين، فمن قال هذا؟ بل كلّ من قال ذلك قصد بأنّهم كانوا في فعل المحاسبة مأذونين من ربّ العالمين.

قال الدكتور الغامدي: هذه خرافات، تحتاج إلى الدليل.

قال الدكتور زماني: كلامك هذا جيّد: هذا يحتاج إلى دليل.

فهل سألت إلى الآن من عالم شيعي، ما هو دليلكم على هذه العقيدة؟

قال الدكتور الغامدي: نتكلّم عن النصوص ما نتكلم عن عقيدة الشيعة.

علي(عليه السلام) قسيم الجنة والنار

وهذا البحث لم يكن من ضمن الحوار لكن نضيفه هنا للفائدة فنقول: ويمكن أن يستدلّ على إمكان صحة تلك العقيدة بما ورد بأنّ علياً قسيم


الصفحة 431

النار والجنّة.

كما قال القاضي عياض، في فصل إخباره (صلّى اللّه عليه وآله) عن المغيّبات: >وأخبر بملك بني أمية، ... وقتل علي، وأنّ أشقاها الذي يخضب هذه من هذه، أي لحيته من رأسه، وأنّه قسيم النّار; يدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار"(1).

قال ابن الأثير:>وفي حديث علي رضي اللّه عنه: أنا قسيم النّار والجنّة< (2). وقال الزمخشري في غريب الحديث قريباً مما ذكره ابن الأثير(3).

وهكذا عن الزبيدي(4).وابن المنظور(5).

قال ابن حجر المكي: >أخرج الدارقطني: إنّ عليّاً قال للستّة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاماً طويلاً من جملته: أنشدكم باللّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللّه: يا علي، أنت قسيم النّار والجنّة يوم القيامة، غيري ؟ قالوا: اللّهمّ لا. ومعناه ما رواه غيره عن عليّ الرضا، أنّه قال له: أنت قسيم الجنّة والنّار، فيوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك"(6).

قال الكنجي الشافعي:>فإن قيل: هذا سند ضعيف، قلت: قال محمد بن منصور الطوسي: كنّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: ما تقول في هذا الحديث الذي يروى: أنّ عليّاً قال: أنا قسيم النار ؟ فقال أحمد: وما تنكرون من هذا الحديث ؟ ! أليس روينا أنّ النبي (ص) قال لعلي: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ؟ قلنا:

____________

(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ج1 ص338.

(2) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج4 ص54، مادّة: "قسم".

(3) جار الله الزمخشري، الفائق في غريب الحديث، ج3 ص 195 مادّة "قسم".

(4) الزبيدي، تاج العروس، ج 17 ص 569.

(5) ابن منظور، لسان العرب، ج 12 ص 479.

(6) الصواعق المحرقة، ج2 ص369.


الصفحة 432

بلى، قال: فأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعلي قسيم النار !!(1)

ورواه أبو يعلى الحنبلي(2) وغيره بتعابير مختلفة(3).

ويؤيّد ذلك ما ورد في هذا المضمون في مصادر أهل السنّة، فقد روى الخطيب عن أنس بن مالك، قال: >سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنّ على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب(4).

وروى عن ابن عباس، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، للنار جواز؟ قال: نعم، قلت: وما هو؟ قال: حب علي بن أبي طالب(5).

وقال ابن حجر المكي: >عن أبي بكر بن أبي قحافة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز(6).

وهكذا ما ورد في تفسير قوله تعالى: {أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار عَنِيد}(7).

وعن الحافظ الحسكاني، عن أبي سعيد الخدري، قال: >قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى لمحمد وعلي : أدخلا الجنة من أحبكما ، وأدخلا النار من أبغضكما ، فيجلس علي على شفير جهنم، فيقول لها:

____________

(1) كفاية الطالب: ص72.

(2) أبو يعلى الحنبلي، طبقات الحنابلة: ج1 ص320 ط . القاهرة .

(3) فليراجع: تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص298 ص301، كنز العمال، ج13 ص151 ح36475، جواهر العقدين، للسمهودي، ج2 ق2 ص429، المناقب، للموفق الخوارزمي، ص294، ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي، ج 1 ص249، حلية الأولياء ، ج 1 ص 66 ، وتاريخ بغداد ، ج12 ص 99، زين الفتى بتفسير سورة هل أتى: ج2 ص404 ص527.

(4) تاريخ بغداد: ج10 ص357.

(5) تاريخ بغداد: ج3 ص161.

(6) الصواعق المحرقة، ابن حجر: ص195.

(7) سورة ق:50/24.


الصفحة 433

هذا لي وهذا لك ! وهو قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}(1).

ورواه الخوارزمي في جامع مسانيد أبي حنيفة(2)، كما في هامش مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه(3).

وروى الكلابي بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: >قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة قال الله تبارك وتعالى لي ولعلي: ألقيا في النار من أبغضكما، وأدخلا في الجنة من أحبكما، فذلك قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}(4).

وروى قريباً منه القندوزي في ينابيع المودّة،(5)، الباب الخامس عشر، عن فرائد السمطين(6).

وكذا مما يؤيّد صحّة حديث "علي قسيم النار والجنة" أنّ مخالفيه وضعوا حديثاً كذباً وهو بأنّ أبا بكر قسيم الجنة والنار، وأرادوا أن يقابلوا به حديثاً معروفاً يحتج به الشيعة. وهذا الوضع علامة من علامات صحة الحديث وثبوته، فلولا صحته لما اضطر البعض إلى وضع حديث في مقابله.

وكون الحديث المذكور من الموضوعات لا شك فيه:

قال ابن حبان: >أحمد بن الحسن بن القاسم شيخ كوفي: يضع الحديث على

____________

(1) شواهد التنزيل: ج2 ص264.

(2) الخوارزمي، جامع مسانيد أبي حنيفة: ج 2 ص 284.

(3) ابن مردويه، مناقب علي بن أبي طالب: ص325.

(4) الكلابي، مناقب علي بن أبي طالب: 427 / 3؛ شواهد التنزيل: ج2 ص262 / 895 ؛ مناقب أبي حنيفة: ج2 ص287.

(5) القندوزي، ينابيع المودّة: ج1 ص251.

(6) فرائد السمطين: ج1 ص 106 ح 76.


الصفحة 434

الثقات. . روى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد (ص) فيؤتى بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (رض)، قال: فيقال لأبي بكر: قف على باب الجنة فأدخل من شئت برحمة الله ، وادرأ من شئت بعلم الله . . . .<

ثم قال ابن حبان: >الحديث موضوع لا أصل له(1).

* * * * * *

وبعد هذا نعود إلى إكمال حوارنا مع الدكتور الغامدي حول محاسبة الأئمة للناس يوم القيامة.

قال الدكتور زماني: فثبت بأنّك ما سألت أحداً إلى الآن وما قرأت كتاباً في خصوص هذا الأمر.

القول بضعف السند أولى من القول بأنه خرافات

بعد أن أثبتنا أن ذلك ليس من الخرافات كما وصفه الدكتور وأنه من الممكن أن يفوض الله تعالى حساب الناس إلى الأئمة.

قلت: يا دكتور، لا أدري، هل أخذت هذه الرواية التي استندت عليها من كتاب الدكتور السالوس أو الدكتور القفاري بلا تدقيق في صحتها؟ وأني أعتقد بأنّك لم تقرأ الرواية من كتاب الكافي، لأنّه قد جاء في هامش هذه الصفحة من كتاب الكافي:>في سنده سهل بن زياد، ضعيف في الحديث، غير معتمد عليه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى شهد عليه بالغلوّ والكذب، وأخرجه من

____________

(1) المجروحين، ج1 ص145.


الصفحة 435

قم إلى الري، وكان يسكنها، نقله العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة المعدّ للضعفاء(1).

مضافاً إلى أنّ في سند الرواية أيضاً ابن سنان، وهو محمد بن سنان الذي ورد فيه أيضاً تضعيف في الكتب الرجاليّة.

قال النجاشي:>وهو رجل ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه، ولا يلتفت إلى ما تفرد به... فقال صفوان: إن هذا ابن سنان، لقد هم أن يطير غير مرة، فقصصناه حتى ثبت معنا. وهذا يدلّ على اضطراب كان وزال... مات محمد بن سنان سنة عشرين ومائتين(2).

وقال الشيخ الطوسي:محمد بن سنان: له كتاب، وقد طعن عليه وضعف(3).

وقال في كتاب الرجال في أصحاب الرضا (عليه السلام):محمد بن سنان، ضعيف(4).

وقال في التهذيب:محمد بن سنان: مطعون عليه، ضعيف جدّاً، وما يستبد بروايته ولا يشركه فيه غيره، لا يعمل عليه< (5).

قال الكشّي:وذكر الفضل في بعض كتبه، أن من الكاذبين المشهورين، ابن سنان، وليس بعبد الله(6).

وقال ابن الغضائري:>محمد بن سنان أبو جعفر الهمداني: مولاهم ، هذا أصح ما

____________

(1) الشيخ الكليني: الكافي ، ج8، هامش ص162، تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري.

(2) رجال النجاشي: ص 328 رقم 888.

(3) الفهرست: ص 406، رقم 620.

(4) رجال الطوسي: ص 364، رقم 7.

(5) التهذيب: ج7 ص361، ذيل حديث 1464 ، باب المهور والأجور.

(6) رجال الكشيّ: ج 1 ص 507، رقم 979.


الصفحة 436

ينسب إليه ، ضعيف غال، يضع، لا يلتفت إليه(1).

وقال المفيد:>ومحمد بن سنان مطعون فيه ، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لا يعمل عليه في الدين(2).

قال السيّد الخوئي:>ولولا أن ابن عقدة، والنجاشي، والشيخ، والشيخ المفيد، وابن الغضائري ضعفوه، وأن الفضل بن شاذان عده من الكذابين ، لتعين العمل برواياته، ولكن تضعيف هؤلاء الأعلام يسدنا عن الاعتماد عليه، والعمل برواياته، ولأجل ذلك لا يمكن الاعتماد على توثيق الشيخ المفيد إياه، حيث عدّه ممن روى النص على الرضا(عليه السلام) من أبيه من خاصته وثقاته وأهل الورع، والعلم والفقه من شيعته . الإرشاد: باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن عليه السلام من ولده(3).

فالرواية التي عندنا صحيحة، كيف لك أن تستدل بها على الشيعة وترتب عليها الأثر؟ ألا يعتبر هذا خطأ في المنهج الصحيح؟

قال الدكتور الغامدي: الآن ثبت كلامي من أنّ هؤلاء كذبوا على أئمّة أهل البيت، فنسبوا إليه حديثاً ما قالوه أصلاً.

قلت: يا دكتور، ليس الأمر كما ذكرت؛ لأنّك قد قلت ظلماً، فقلتَ شيئاً من دون أن تحقق في سنده، وفرق كبير بين كون الرواية ضعيفة وبين كونها مكذوبة وموضوعة، مع غض النظر عن أن مضمون الرواية ثابت عند الشيعة بغير هذه الرواية.

____________

(1) رجال ابن الغضائري، ج 1 ص 92.

(2) جوابات أهل الموصل للشيخ المفيد، ص20، الرسالة العدديّة، ص9، المطبوع في مصنفات الشيخ المفيد، ص9، معجم رجال الحديث، ج17 ص168 عن الرسالة العدديّة.

(3) معجم رجال الحديث، ج 17 ص 160 ص169.


الصفحة 437

فلو ذكرنا رواية ضعيفة عن مجمع الزوائد للهيثمي أو من معجم الطبراني في مضمونها معتقداً معيناً ثمّ نهجم على أهل السنّة، فماذا تقولون؟ أيصح هذا من جهة منهجية؟

مضافاً إلى أنّ هذه الرواية التي استندت عليها هي في المجلد الثامن من الكافي المسمّى بالروضة، وهناك خلاف بين علماء الشيعة في كونه للكليني أم لا.

ثمّ قلت: يا دكتور، لو ادعى أحد بأنّ إنساناً يحيي الموتى وادعى آخر بأنّ إنساناً يحاسب الناس، أيّهما أعظم؟

قال الدكتور الغامدي: الأنبياء قد جعل اللّه لهم علامات ومعجزات وأمّا غير الأنبياء فكذِبٌ.

قلت: ابن تيميّة يصدقّه ويقول عدّة من الأولياء قادرين على إحياء الموتى.

ابن تيمية وإحياء الموتى من غير الأنبياء

وهذا البحث خارج أيضاً عن الحوار، بل ادرجه هنا للفائدة؛ لإثبات أن مسألة إحياء الموتى أو التصرف التكويني في الأشياء هي أمور ليست ممتنعة عقلاً ولا يختص بها الأنبياء، وقد اعتقد بها حتى مثل ابن تيمية:

قال ابن تيمية:>وقد يكون إحياء الموتى على يد أتباع الأنبياء عليهم السلام كما وقع لطائفة من هذه الأمة ومن أتباع عيسى. فإنّ هؤلاء يقولون: نحن إنّما أحيى اللّه الموتى على أيدينا لاتّباع محمد أو المسيح، فبإيماننا بهم وتصديقنا لهم، أحيى اللّه


الصفحة 438

الموتى على أيدينا(1).

وقال أيضاً:>فإنّه لا ريب أنّ اللّه خص الأنبياء بخصائص لا توجد لغيرهم، ولا ريب أنّ من آياتهم ما لا يقدر أن يأتي به غير الأنبياء عليهم السلام، بل النبي الواحد له آيات لم يأت بها غيره من الأنبياء كالعصا واليد لموسى وفرق البحر، فإنّ هذا لم يكن لغير موسى، وكانشقاق القمر والقرآن وتفجير الماء من بين الأصابع وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لغير محمد (ص) من الأنبياء عليهم السلام، وكالناقة التي لصالح(عليه السلام) فإن تلك الآية لم يكن مثلها لغيره وهو خروج ناقة من الأرض، بخلاف إحياء الموتى فإنّه اشترك فيه كثير من الأنبياء، بل ومن الصالحين(2).

وقال أيضاً:>فإنّ أعظم آيات المسيح عليه السلام إحياء الموتى، وهذه الآية قد شاركه فيها غيره من الأنبياء كإلياس وغيره، وأهل الكتاب عندهم في كتبهم أنّ غير المسيح أحيا اللّه على يديه الموتى(3).

وقال أيضاً:>ونحن لا نحس من أنفسنا عجزاً عن إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ونحو هذه الأمور(4).

رجل من النخع أحيى حماره

قال ابن تيمية:>ورجل من النخع كان له حمار فمات في الطريق، فقال له أصحابه: هلم نتوزع متاعك على رحالنا، فقال لهم: أمهلوني هنيئة، ثمّ توضأ فأحسن

____________

(1) كتاب النبوات، ص 213.

(2) كتاب النبوات، ص 218.

(3) الجواب الصحيح، ج4 ص17.

(4) النبوات، ص32.


الصفحة 439

الوضوء وصلى ركعتين ودعا اللّه تعالى، فأحيا حماره فحمل عليه متاعه(1).

صلة بن أشيم أحيا فرسه

وصلة بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو، فقال: اللهم لا تجعل لمخلوق عليّ منّة، ودعا اللّه عز وجل فأحيا له فرسه، فلمّا وصل إلى بيته، قال: يا بني، خذ سرج الفرس فإنّه عارية وأخذ سرجه، فمات الفرس(2).

و بعد هذا نعود لحوارنا مع الدكتور الغامدي

قلت: يا أخي العزيز، لو اعتقد أحد بأنّ هؤلاء يحيون الموتى من دون إذن اللّه فهذا شرك، ولكن لو اعتقد أنّه يحيي الموتى بإذن من اللّه كما عن عيسى، فليس هذا شركاً، و هل اللّه عاجز أن يعطي هذه القدرة لواحد من البشر؟

قال الدكتور الغامدي: هذه قضايا غيبيّة لا يصل إليها من طريق الدليل الصريح.

قلت: هناك عبارات كثيرة عن ابن تيميّة أيضاً يصرّح بأنّ أولياء اللّه يعلمون الغيب.

قول ابن تيمية بأنّ الصحابة يعلمون الغيب

وهذا أيضاً من البحوث الخارجة عن الحوار أضعه هنا بين يدي القارئ الكريم للفائدة:

قال ابن تيمية في جوابه على العلاّمة الحلي:>أمّا الإخبار ببعض الأمور الغائبة

____________

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج 11 ص 281، أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص123.

(2) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج 11 ص 281، أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص123.


الصفحة 440

فمن هو دون عليّ يخبر بمثل ذلك، فعلي أجلّ قدراً من ذلك، وفي أتباع أبي بكر وعمر وعثمان من يخبر بأضعاف ذلك، وليسوا ممّن يصلح للإمامة ولا هم أفضل أهل زمانهم، ومثل هذا موجود في زماننا وغير زماننا. وحذيفة بن اليمان وأبو هريرة وغيرهما من الصحابة كانوا يحدثون الناس بأضعاف ذلك.

وأبو هريرة يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحذيفة تارة يسنده وتارة لا يسنده وإن كان في حكم المسند.

وما أخبر به هو وغيره قد يكون مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون مما كوشف هو به، وعمر رضي الله عنه قد أخبر بأنواع من ذلك.

والكتب المصنفة في كرامات الأولياء وأخبارهم مثل ما في كتاب الزهد للإمام أحمد وحلية الأولياء وصفوة الصفوة وكرامات الأولياء لأبي محمد الخلال وابن أبي الدنيا واللالكائي، فيها من الكرامات عن بعض أتباع أبي بكر وعمر، كالعلاء بن الحضرمي نائب أبي بكر وأبي مسلم الخولاني بعض أتباعهما وأبي الصهباء وعامر بن عبد قيس وغير هؤلاء(1).

الكهّان يعلمون الغيب بإخبار الشياطين

وقال أيضاً:>وأمّا إخبار الكهّان ببعض الأمور الغائبة لإخبار الشياطين لهم بذلك وسحر السحرة، بحيث يموت الإنسان من السحر أو يمرض أو يمنع النكاح ونحو ذلك، مما هو بإعانة الشياطين، فهذا أمر موجود في العالم كثير معتاد يعرفه الناس، وليس هذا خرق للعادة، بل هو من العجائب الغريبة التي يختصّ بها بعض الناس...(2).

____________

(1) منهاج السنّة: ج8 ص 135.

(2) كتاب النبوات، 219، عن المكتبة الشاملة، ص 309، ط، دار القلم ـ بيروت.


الصفحة 441

وما دام الكهّان يعلمون الغيب بإخبار الشياطين، فهذا يعني أن للشياطين قدرة على معرفة الغيب، ومن هنا يقال: لماذا لا يكون للملائكة هذه القدرة وهم بدورهم يخبرون الأئمة أو غيرهم من الأولياء؟

المدّعون للنبوّة يطّلعون على المغيبات

وقال ابن تيميّة:>قد ادعى جماعة من الكذّابين النبوة وأتوا بخوارق من جنس خوارق الكهّان والسحرة:... وهذا الأسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) واستولى على اليمن وكان معه شيطان سحيق ومحيق، وكان يخبره بأشياء غائبة.<.

إلى أن قال:>وكذلك الحارث الدمشقي ومكحول الحلبي وبابا الرومي لعنة اللّه عليهم، وغير هؤلاء كانت معهم شياطين كما هي مع السحرة والكهّان(1).

وقال أيضاً:>وكذلك مسيلمة الكذّاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيّبات ويعينه على بعض الأمور، وأمثال هؤلاء كثيرون مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن عبد الملك بن مروان وادعى النبوة، وكانت الشياطين تخرج رجليه من القيد وتمنع السلاح أن ينفذ فيه، وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده، وكان يرى الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء، ويقول: هي الملائكة، وإنما كانوا جنّاً ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه، فقال له عبد الملك: إنك لم تسم اللّه فسمى الله فطعنه فقتله< (2).

وقال أيضاً:>ومن استمتاع الإنس بالجن استخدامهم في الإخبار بالأمور الغائبة(3).

____________

(1) كتاب النبوات، ص 114، عن المكتبة الشاملة، ص 155 ص156، ط، دار القلم ـ بيروت.

(2) أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 129.

(3) مجموع فتاوى ابن تيميّة، ج 13 ص 82.


الصفحة 442

اطلاع ابن تيميّة على المغيبات

إخبار ابن تيمية عن هزيمة جيش التتار

قال ابن القيم الجوزيّة، تلميذ ابن تيميّة:>ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية أموراً عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سفراً ضخماً، أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة، وأنّ جيوش المسلمين تكسر، وأنّ دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبيّ عام، وأنّ كلب الجيش وحدته في الأموال: وهذا قبل أن يهمّ التتار بالحركة، ثمّ أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبع مائة لمّا تحرك التتار وقصدوا الشام: أنّ الدائرة والهزيمة عليهم وأنّ الظفر والنصر للمسلمين، وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يميناً، فيقال له: قل إن شاء اللّه، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.(1)

اطلاع ابن تيميّة على اللوح المحفوظ

وسمعته يقول ذلك، قال:>فلما أكثروا عليّ قلت: لا تكثروا، كتب اللّه تعالى في اللوح المحفوظ: إنّهم مهزومون في هذه الكرة، وأنّ النصر لجيوش الإسلام.

قال: أطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدوّ، وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر(2).

ابن تيميّة يعرف بواطن أصحابه

قال ابن القيمّ الجوزيّة أيضاً:>وقال [ابن تيمية] مرّة: يدخل عليّ أصحابي

____________

(1) مدارج السالكين، ج 2 ص 489.

(2) مدارج السالكين، ج 2 ص 489.


الصفحة 443

وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أموراً لا أذكرها لهم، فقلت له: أو غيري لو أخبرتهم ؟!

فقال: أتريدون أن أكون معرفاً كمعرف الولاة، وقلت له يوماً: لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح! فقال: لا تبصرون معي على ذلك جمعته أو قال: شهراً!(1).

إخبار ابن تيميّة بأمور باطنة عن ابن القيم

قال ابن القيم الجوزية بعد ذلك:>وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي ممّا عزمت عليه، ولم ينطق به لساني، وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل، ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها، وأنا أنتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته واللّه أعلم< (2) .

آخر الحوار مع الدكتور الغامدي

وفي آخر الجلسة أعطيت الدكتور نسخة كتاب قصّة الحوار الهادئ، وهي النسخة التي لم تطبع، وقلت له: لو كانت عندك أي ملاحظات أرسلها إليّ حتى ندخلها في الكتاب قبل طباعته، ولكن إلى الآن ـ وقد مضى أكثر من نصف سنة- لم تصلني أي ملاحظة منه، وأنا على وشك طبع الكتاب.

____________

(1) مدارج السالكين، ج 2 ص 490.

(2) مدارج السالكين، ج 2، ص 490.


الصفحة 444

الصفحة 445

هذه خاتمة الجزء الأول من تعقيبنا المختصر على كتاب

الحوار الهادئ وسيليه الجزء الثاني الذي سنتناول

فيه ما تبقى من ملاحظات وردود على

الكتاب المذكور بمشيئة الله وتوفيقه

وآخر دعوانا أن الحمد

لله ربّ العالمين