الصفحة 111
وذلك بإشارة واحدة، أو حركة، وغالبا بلكمة كان مفعولها يتم حالا ولهذا فإنه كان يظهر ألوهيته من خلال هذه المعاجز (1)...

ولكن هذا الكلام مخالف للعهد الجديد ولتعاليم المسيح (عليه السلام) الذي يعترف مرارا بأنه لا يفعل هذه المعاجز باستقلاليته وقوته الخاصة بل بمشية أبيه وربه حيث يقول أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا، كما أسمع أدين ودينونتي عادلة، لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الأب الذي أرسلني (يو: 5: 30) وكذلك هذا ما يذكره لوقا في إنجيله أنظر (لو: 11: 20) أن كنت بأصبع الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله فالاصبع إشارة إلى القدرة الإلهية كما هو واضح.

والإشارة الأكثر وضوحا نجدها في (أعمال الرسل) وعلى لسان وصيه (بطرس) حيث يقول: أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال، يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله، بقوات وعجائب وآيات، صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون (أعمال الرسل: 2: 22). وغيرها، فهل يبقى مجال لمدعي أن يقول أن المسيح (عليه السلام) كان يجري المعجزات باستقلالية وبسلطته الخاصة؟! فلا معنى لفهم كلمة (أب) و (وابن الله) بالمعنى الحقيقي لشخص عيسى (عليه السلام).

____________

(1) المسيح في الفكر الاسلامي: 236.

الصفحة 112
سادسا: مما تبين سابقا فإن هذه الأقانيم الثلاثة لم تذكر مجتمعة إلا في موضع واحد، وهو في آخر إنجيل متي، فهو بعد ما يتحدث عن قيامة المسيح (عليه السلام) من بين الأموات، يذكر أنه (عليه السلام) ظهر لتلاميذه، وقال لهم فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم (باسم الأب والابن والروح القدس) (متي: 28: 19)، ويورد على هذا النص ما يلي:

أ - هذا النقل مخالف لنقل آخر عن نفس القصة حسب إنجيل مرقس ولوقا، فمرقس يذكر (مر: 16: 14) (أخيرا ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. وأما لوقا فإنه ينقل الحديث بشكل آخر مختلف فهو يذكر وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم. (لو: 24: 47)..

فهذه الكلمات التي ذكرها متي إضافية، ولعلها أضيفت إلى إنجيل متي بعد كتابته بقرون عديدة، فالإنجيل الذي بين أيدينا هو نسخ عن نسخ ووقوع الزيادة والنقصان غير بعيد...

ب - أن المعمدانية في أيام الكنيسة الأولى كانت تعطى فقط باسم عيسى كما يذكر بولس في رسائله. وبالروح القدس أن يوحنا

الصفحة 113
عمد بالماء وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس (أعمال الرسل: 11:

17).

ح‍ - مع تسليمنا بصحة هذا القول فهو يذكر الأقانيم الثلاثة، دون الإشارة إلى أنها أجزاء كائن إلهي واحد (1).

سابعا: تبقى المسألة المهمة وهي أن المسيح (عليه السلام) ومن خلال ما يذكره العهد الجديد، كان كثير العبادة، إذ أنه صام أربعين يوما قبل أن يجريه الشيطان اللعين، وكذلك صلاته الشديدة، وخلوته للعبادة، كلها تشير إلى معنى كونه عبدا يؤدي واجبات العبودية لمعبوده وخالقه، فهل يعقل أن يكون الله سبحانه يسجد ويصلي ويصوم لنفسه فأي عقل يقبل مثل هذه الأفكار!!

وغيرها الكثير من الإشكالات التي كلها تقضي ببطلان هذه العقيدة المتناقضة. فالمسيح (عليه السلام) لم يكررها قط، بل كان يؤكد (عليه السلام) أنه ابن الإنسان، وأنه نبي أما يسوع فقال لهم ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه (متي: 13: 57)، ويؤكد بأنه ليس صالحا إلا الله وحده لماذا تدعونني صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله (متي:

19: 17)، فهو ينفي عنه كل ألوهية، وهو (عليه السلام) كان يوصي الذين يشفيهم أن لا يظهروا ذلك وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعا وأوصاهم أن لا يظهروه (متي: 12: 16) وغيرها، إذ كان يخشى أن

____________

(1) نظرة عن قرب في المسيحية: ص 34.

الصفحة 114
ينسب الناس إليه شيئا من الألوهية ولذا كان يأمر بإخفاء هذه المعاجز، وكان يحذر الناس ويقول طوبى للذي لا يعثر في (متي:

11: 6) وذلك بأن ينسب إليه بأنه إله، أو ابن الله حقيقة..

فلا يبقى إلا أن نقول بأن هذه العقيدة لم تظهر في زمن المسيح (عليه السلام) وهي ليس من تعاليمه، بل مخالفة لها، فلا يصح نسبتها إلى الوحي الإلهي.


الصفحة 115

الشريعة

ومن المسائل المهمة الأخرى في المسيحية، هي إهمال وإلغاء الشريعة بمجئ المسيح (عليه السلام). ولإيضاح المطلب نذكر نبذة مختصرة عن الشريعة ومن ثم نبين كيف رفضها المسيحيون فنقول: - الشريعة أو الناموس: هي الشريعة التي جاء بها الكليم موسى (عليه السلام) بوحي من الله سبحانه، أوحى بها إليه في جبل سيناء، والشريعة الموسوية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء وهي:

1 - الوصايا الأخلاقية: تختصرها الشريعة في الوصايا العشر، وهي الوصايا التي أوحاها الله سبحانه إلى موسى (عليه السلام) على جبل سيناء وكتبها في لوحين من حجر. وقد كسر موسى (عليه السلام) اللوحين لما غضب على الشعب عند عودته، ثم أعاد نحتهما من جديد (خر: 34:

1 - 5). والوصايا العشر هي حسب ما يذكرها سفر الخروج (خر: 20 - 1) (أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية لا

الصفحة 116
يكن لك آلهة سواي، لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة شئ مما في السماء من فوق.. لا تسجد لها ولا تعبدها، لأني أنا الرب إلهك إله غيور... لا تحلف باسم الرب إلهك باطلا لأن الرب لا يبرر من يحلف باسمه باطلا... أذكر يوم السبت وكرسه لي، في ستة أيام تعمل وتنجز جميع أعمالك، واليوم السابع سبت للرب ألهك... أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض... لا تقتل... لا تزن... لا تسرق... لا تشهد على غيرك شهادة زور... لا تشته بيت غيرك... لا تشته امرأة غيرك ولا عبده ولا جاريته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما له... ففي هذه الوصايا تلخيص للخلق المثالي للديانة اليهودية...

2 - الحقل العبادي: وهي مجموعة الشعائر التي دعا موسى (عليه السلام) إلى اتباعها في التقرب إلى الله سبحانه، وقد أوحى بها الله سبحانه إليه في جبل سيناء أيضا، وكان القصد منها تنظيم العبادات والذبائح والتقدمات والمواسم والأعياد والصلوات والصيام والتطهير.

وكانت هذه الشرائع العبادية عرضة للتعديل، وحسب تطورات الحياة. وموسى (عليه السلام) نفسه وضع بعض تعديلاتها بعد ثمان وثلاثين سنة من وضعها، وهذا فرق أساسي بين الوصايا الأخلاقية والجانب العبادي في الشريعة. فالوصايا العشر ثابتة لا تتبدل لأنها صالحة لكل زمان ومكان، وأما الطقوس العبادية فهي معرضة لطبيعة الظروف إلى

الصفحة 117
حد بعيد (1).

3 - المعاملات المدنية (الأسرية، الاجتماعية، الاقتصادية، القضائية): وهي كثيرة ومنها قصاص القاتل (تك: 8: 6) والزانية (تك:

38: 24) والتمييز بين الحيوانات الطاهرة والنجسة (تك 8: 20) وعدم أكل ما قدم للأوثان والمخنوقة. وغسل مس الجثة (عد 19:

11) وغيرها الكثير..

هذه باختصار الشريعة الموسوية، ولنرى الآن موقف المسيح منها من خلال العهد الجديد..

فالمسيح (عليه السلام) جاء مكملا لشريعة موسى (عليه السلام) وهذا ما كان يقوله في تعاليمه لتلاميذه والناس لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة وتعاليم الأنبياء، ما جئت لأبطل، بل لأكمل، الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة من الشريعة، حتى يتم كل شئ. فمن خالف وصية من أصغر هذه الوصايا وعلم الناس أن يعملوا مثله عد صغيرا في ملكوت السموات وأما من عمل بها وعلمها فهو يعد عظيما في ملكوت السموات (متي 5: 17).

وهو يوصي تلاميذه بأن يفعلوا كل يأمر به معلمو الشريعة وخاطب يسوع تلاميذه قال: معلمو الشريعة والفريسيون على كرسي موسى (عليه السلام) جالسون فافعلوا كل ما يقولونه لكم واعملوا به،

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس: 978.

الصفحة 118
ولكن لا تعملوا مثل أعمالهم لأنهم يقولون ولا يفعلون. (متي: 23: 1 - 4).

وهو يؤكد على عدم ترك الشريعة ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع والشب والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. (متي: 23: 23)..

وعمليا فإن المسيح (عليه السلام) التزم بالشريعة الموسوية فإنه (عليه السلام) اختتن في اليوم الثامن من ولادته حسب شريعة موسى (عليه السلام) وقدم والداه الذبيحة للرب بحسب الشريعة (لو: 2: 21 - 23)، وقد دفع ضريبة الهيكل (متي: 17: 24) وغيرها من الأعمال.

والذي يطالع العهد الجديد يتضح له جليا أن المسيح (عليه السلام) لم يلغ الشريعة بمجيئه أبدا، بل على العكس من ذلك فإنه أوصى بها قولا، وعمل بها فعلا، نعم هو أكد على الالتفات إلى باطن الشريعة أيضا دون الاكتفاء بالافعال الخارجية والظاهرية ولكنه لم يبطل أبدا الشريعة الظاهرية..

ولكننا نرى الآن أن المسيحيين قد تخلوا عن الشريعة الموسوية، وهم ينظرون إلى الشريعة والديانة اليهودية بأنها شريعة وقتية وغير كاملة، بل أعدت استعدادا لمجئ المسيح (عليه السلام) (1).

____________

(1) قاموس الكتاب المقدس: 598.

الصفحة 119
فيطرح الآن السؤال المهم وهو: إذا كان المسيح (عليه السلام) قد أوصى وأكد على الشريعة كما رأينا، وأمر بحفظها والعمل بها، فمن هو الذي عطلها وأهملها وأكتفي بالإيمان بالمسيح (عليه السلام) بدلا عنها؟ فالمسيحي المؤمن بعيسى (عليه السلام) المخلص لم يعد بحاجة إلى شريعة!!!

فيأتينا الجواب من العهد الجديد، هو بولس القديس ولنوضح كيفية ذلك:

يقص لنا سفر أعمال الرسل، أنه نتيجة للتبشير الذي قام به الرسل، آمن بالمسيح (عليه السلام) عدد كثير من الوثنين على يد بطرس وبولس وبرنابا، دون أن يمروا بالديانة اليهودية، فكانوا ذوي غلف (أي غير مختونين) (أعمال الرسل: 11: 2).

وفي انطاكية جرى خلاف وجدال شديد بين بولس وبرنابا من جهة وبين المؤمنين بالمسيحية من اليهود، إذ أخذوا يعلمون المؤمنين الجدد بأن لا خلاص لكم إلا إذا اختتنتم على شريعة موسى (أعمال الرسل: 15: 1 - 2) وبولس يعارضهم في ذلك، وانبرى يدافع عن حرية الوثنين والمهتدين تجاه الأوامر التي تأمر بها الكنيسة (1).

فأجمعوا أن يراجعوا الرسل في أورشليم و والشيوخ في هذه المسألة، فلما وصلوا إلى أورشليم، أخبروهم بالمسألة فقام بعض المؤمنين الذين كانوا قبلا على مذهب الفريسيين وقالوا يجب أن

____________

(1) معجم اللاهوت الكتابي: 446.

الصفحة 120
يختتن غير اليهود ويعملوا بشريعة موسى (أعمال الرسل: 15: 5).

فأجتمع الرسل والشيوخ للنظر في هذه المسألة وبعد جدال طويل، قام بطرس وقال لهم أيها الإخوة تعرفون أن الله اختارني من بينكم من زمن بعيد... فلماذا تجربون الله الآن بأن تضعوا على رقاب التلاميذ نيرا عجز آباؤنا وعجزنا نحن عن حمله (أعمال الرسل: 15: 7 - 11).

واستمر بولس وبرنابا يرويان الآيات التي جرت بين غير اليهود فقام يعقوب (راعي الكنيسة في أورشليم) وقال: أرى أن لا نثقل على الذين يهتدون إلى الله من غير اليهود، بل نكتب إليهم أن يمتنعوا عن ذبائح الأصنام النجسة، والزنا، والحيوان المخنوق والدم، فلشريعة موسى من قديم الزمان معلمون في كل مدينة يقرأونها كل سبت في المجامع (أعمال الرسل: 15: 19 - 21).

وكان هذا أول تباعد عن بعض أحكام الشريعة التي أوصى المسيح (عليه السلام) بحفظها، حيث أن (تيطس) رفيق بولس لم يختتن (غل:

2: 1 - 10) والوثنيين الذين آمنوا بالمسيح (عليه السلام) أيضا لم يوجب عليهم الختان..

ولكن لم تنته المسألة إلى هذا الحد، فبولس بدأ شيئا فشيئا بنشر أفكاره وآرائه الجديدة، فبولس الذي ليس من الرسل وبخ بطرس (الوصي) ولامه على فعله كما يذكر ذلك في رسالته: وعندما

الصفحة 121
جاء بطرس إلى أنطاكية قاومته وجها لوجه لأنه كان يستحق اللوم، فقبل مجئ قوم من عند بعقوب (أورشليم) كان بطرس يأكل مع غير اليهود فلما وصلوا تجنبهم وانفصل عنهم خوفا من دعاة الختان وجاراه سائر اليهود في ريائه (غلاطية: 2: 11)، وبعد أن رأى بولس أن بطرس الوصي لا يستقيم مع البشارة وبخه (غل: 2: 14) وأعلن نظريته الجديدة أن الله لا يبرر الإنسان لأنه يعمل بأحكام الشريعة، بل لأنه يؤمن بيسوع المسيح (عليه السلام). ولذلك آمنا بالمسيح يسوع ليبررنا الإيمان بالمسيح، لا العمل بأحكام الشريعة، فالانسان لا يتبرر لعمله بأحكام الشريعة (غلو: 2: 16)، فهو يقول أن العمل بالشريعة لوحده لا يكفي في النجاة، بل يجب الإيمان بالمسيح (عليه السلام).

وإذا سألنا القديس بولس، هل نفهم من هذا الكلام أن الإيمان والعمل بالشريعة هما اللذان ينجيان الإنسان؟ يجيبنا بالنفي، فهو يقول: أما الذين يتكلمون على العمل بأحكام الشريعة فهم ملعونون جميعا (غل: 3: 10) ويضيف (والمسيح حررنا عن لعنة الشريعة، بأن صار لعنة لأجلنا) (غل: 3: 13)، ويكمل بولس نظريته ويدعي أن الشريعة وإن كان مصدرها الله ولكنها أعطيت للبشر عن واسطة الملائكة وهذا دليل على ضعفها (1). (غل: 3: 19) فهي مع أنها مقدسة وروحانية (رومة: 7: 12 - 14) ولكني ما عرفت الخطيئة إلا بالشريعة

____________

(1) معجم اللاهوت الكتابي: 446.

الصفحة 122
فلولا قولها لي: لا تشته لما عرفت الشهوة (رومة: 7: 7)، ولكنها أضعف من أن تخلص الإنسان المباع لسلطان الخطيئة (رومة: 7:

14)، فالشريعة بدلا من أن تخلص البشر من الشر، تكاد لو جاز هذا التعبير تغمسهم فيه وتعدهم للعنة. ويستمر بولس في بيان عقيدته فيقول: (أن الشريعة باعتبارها مؤدبا وحارسا لشعب الله في مرحلة الطفولة (غل: 3: 23 - 24) كانت تجعله يشتهي برا يستحيل تحقيقه وذلك حتى يدرك بطريقة أفضل حاجته المطلقة إلى مخلص للعالم الأوحد. فالمسيح (عليه السلام) بمجيئه أنهى الشريعة فهو نهاية الشريعة وغايتها (رومة: 1 - 4).

وفي الواقع فهذه العقيدة الجديدة هي من نتاج بولس، وإذا قلنا له: إذن نحن لا نحتاج إلى أي عمل سوى الإيمان بالمسيح (عليه السلام)، أو بمعنى آخر فالمسيحية يكفيها الإيمان بالمسيح (عليه السلام) عوضا عن الشريعة فلا تعود بحاجة إلى شريعة، أجابنا بولس قائلا: أن الشريعة كلها تلخصت في وصية واحدة وهي المحبة لا يكن لأحد دين إلا محبة بعضكم لبعض، فمن أحب غيره أتم العمل بالشريعة، فالوصايا التي تقول لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشته، وسواها من الوصايا تتلخص في هذه الوصية أحب قريبك مثلما تحب نفسك، فالمحبة تمام العمل بالشريعة (رومة: 13: 8 - 10)...

وأعتقد أن المسألة تبدو الآن أكثر وضوحا، فالمسيح (عليه السلام) جاء

الصفحة 123
متمما ومكملا للشريعة (متي: 5: 17) وأكد كثيرا على حفظ الشريعة والعمل بها مع الإيمان به، فهو لم ينقض الشريعة أطلاقا ولم يهملها، بل عمل بها وأمر بعدم تركها (متي: 23: 23).

وأنما أبطلت الشريعة وأهملت بعده وبالتحديد على يد بولس الذي لم ير المسيح (عليه السلام) أبدا وليس من تلاميذه ورسله، فلا أدري كيف يرفض المسيحيون وهم أتباع المسيح (عليه السلام) توصياته بحفظ الشريعة، ويقبلون بآراء وأفكار رجل كان من أشد أعداء المسيح (عليه السلام) وأتباعه ثم اعتنق المسيحية، ويدعون أنها تعاليم المسيح (عليه السلام).

فالمسيح (عليه السلام) اختتن وهو ابن ثمانية أيام حسب الشريعة والناموس (لو: 2: 12) ولكننا نجد الآن المسيحيين لا يختتنون أبدا عملا بوصية بولس فأنا بولس أقول لكم إذا اختتنتم، فلا يفيدكم المسيح شيئا (غل: 5: 2).

ولهذا قال بعض الباحثين أن المسيحية الحالية لجديرة بأن تسمى (البولسية) بدلا للمسيحية، لأنها من أتباع تعاليم بولس لا المسيح (عليه السلام).


الصفحة 124

الصفحة 125

الخلاصة

قد تبين خلال البحث بعض المسائل أوردها باختصار:

أولا: إن الكتاب المقدس (العهد القديم، العهد الجديد) يدور حوله العديد من الإشكالات والإبهامات، تقلل من احتمال كونه كتابا إلهيا وموحى به، حتى لو قبلنا الوحي الكتابي كما يعتقد به المسيحيون، أي أنه يشترك فيه الله والانسان معا...

فالعهد القديم، يختلف حوله علماء الكتاب المقدس أنفسهم اختلافا عظيما، في عدد أسفاره، ومؤلفيه وتاريخ التأليف، وأن النسخ القديمة كلها اندثرت، والتي بين أيدينا هي نسخ عن نسخ لا يعرف ناسخها، ولا نستطيع التأكد من أن يد التحريف لم تصل إليها. أضافة إلى ذلك فإن فيه توهينا للأنبياء (عليهم السلام)، من خلال نسبة الفواحش والأعمال القبيحة إليهم، فالعهد القديم مشحون بها، وكثرة التناقضات فيه، كلها تشير إلى أنه ليس وحيا إلهيا.


الصفحة 126
وأخيرا فإن مجمع الفاتيكان (1962 - 1965) أصدر مقولة حول العهد القديم تؤيد هذا المعنى، فهو يصرح بأن كتب العهد القديم تنطوي على مادة بالية لا تتصف بالكمال (1).

وأما العهد الجديد فهو ليس بأحسن حالا من العهد القديم، فهو الآخر نسخه الأصلية مفقودة، والموجود هو نسخ مأخوذة عن نسخ، والبعض الآخر مترجم من لغة الكتاب الأصلية إلى اللغة اليونانية، وقد أختلف علماء المسيحية أيضا في مؤلفيها حتى أن البعض منها بقي إلى يومنا هذا مجهول المؤلف (رسالة العبرانيين)، وكذلك فإن هذه الأسفار لم تكن حتى القرن الرابع يعترف بها كأسفار إلهية موحاة، ولكن الكنيسة ومن أجل وحدة الكلمة، اختارت هذه الأسفار على أنها أسفار إلهامية، وإلهية، ومنعت الكتب الأخرى واعتبرتها كتب أساطير، وسمتها بالكتب المنحولة.

فالحقيقة أن الكنيسة هي التي ألصقت صفة الالهام بها زورا، أضف إلى ذلك الاختلافات الكثيرة فيما بينها، والتي دفعت بالمسيحيين إلى اصطناع التبريرات لهذه التناقضات الكثيرة دون جدوى.

كما أن العهد الجديد يسئ إلى المسيح (عليه السلام) جدا، فإنه يصفه بأنه صانع للخمر الجيد (أنظر: يو: 2: 1 - 10) فإن المسيح (عليه السلام) في

____________

(1) نظرة عن قرب في المسيحية: 74.

الصفحة 127
هذه المعجزة، يسئ أولا إلى أمه العذراء فهو ينهرها ويقول مالي ولك يا امرأة وقد تكررت هذه الاساءة في الأناجيل لأمه، وأكثر من ذلك أيضا. وأما في هذه القصة يقول يوحنا حسب إنجيله " قال رئيس المتكأ للعريس - بعد تقديم الخمر الذي صنعه عيسى (عليه السلام) - كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا ومتى سكروا فحينئذ الدون ". فهل يقبل مؤمن نسبة هكذا فعل إلى المسيح (عليه السلام) هذا النبي الطاهر الذي بعثه الله لهداية الناس وإذا به - والعياذ بالله - يصنع الخمر للناس كي يسكروا؟!

والمسيح (عليه السلام) أيضا كما يعتقد بولس (ملعون) لأنه مصلوب على خشبة، وكل من يصلب على خشبة فهو ملعون، وعلى حد قوله فهو صار لعنة لأجلنا!! (حاشاه عن ذلك) لا أدري كيف يفسر هذه اللعنة علماء المسيحية، فهل اللعنة إلا الطرد من رحمة الله تعالى؟ فمن هو المطرود؟!

وأما المشكلة الأكثر تعقيدا فهي أن العهد الجديد يصف لنا المسيح (عليه السلام) بأنه إنسان وابن إنسان، وهو في نفس الوقت ابن الله، والله المتجسد والكلمة، وعلماء المسيحية حاولوا بشتى الوسائل والطرق تفسير هذه التناقضات والصفات وتوجيهها، ولكن هيهات، فالتناقض واضح وبين، فالإله لا يكون أنسانا، والإنسان لا يكون إلها.

وأخيرا اعترفوا بهذه التناقضات في عقيدة التثليث، ولكنهم

الصفحة 128
صرحوا بأن هذه العقيدة هي وحي ألهي وفوق الادراك البشري، فهي سر من أسرار الله لا يكشف إلا لمن امتلأ بالروح القدس، ولكننا رأينا من خلال البحث أن هذه العقيدة ليست وحيا إلهيا بل هي من اختراع الأب أثناسيوس أوائل القرن الرابع الميلادي، أضافة إلى كل هذا فإن العهد الجديد يصف المسيح الإله بأنه ضعيف ومهزوز، فهو يتوسل إلى (الأب) لتعبر عنه هذه الكأس (كأس الموت)، ولكن عندما لم يستجب له (الأب) عاتبه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لأنه تركه، فيصرخ بصوت عظيم بعد صلبه وقبل موته إلهي إلهي لماذا شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني (متي: 27 - 46)، وقد رأينا في حياتنا من هو مؤمن عادي يتقبل الموت والشهادة بكل أنس وشوق ويتلذذ بهذا الموت لأنه محب لله الذي سوف يلاقيه، فهل يعقل أن المسيح (عليه السلام) روح الله وكلمته ونبيه ورسوله يعاتب الله الرحيم لأنه أسلمه للموت والشهادة!!

فهذه المسائل وغيرها الكثير تدفع بالانسان المنصف إلى اليقين بأن هذه الأناجيل والأسفار هي قصص ونتاجات البشر، ذكر فيها قصة المسيح (عليه السلام) كما يؤكد لنا لوقا نفسه في بداية إنجيله حيث يقول: إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شئ من الأول أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس (لو: 1: 3)..


الصفحة 129
وأما موضوع الصلب والقيامة في العهد الجديد فهو أحداث متناقضة تنقلها لنا هذه الأسفار، فالمتيقن هو أن التلاميذ هربوا كلهم عندما جاء اليهود للامساك بعيسى (عليه السلام) ولم يبق أحد منهم، ليتأكد لنا هل أن الذي قبض عليه هو المسيح (عليه السلام) أو أنه استطاع أن يهرب من وسطهم كما فعل ذلك كثيرا سابقا، فيوحنا ينقل في إنجيله فرفعوا حجارة ليرجموه، أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم ومضى هكذا (يو: 8: 59)، والمسيح (عليه السلام) يؤكد أنهم لن ينالوا منه أبدا لأنه سيذهب إلى مكان لا يقدرون الوصول إليه، (أنظر:

يو: 8: 22) قال لهم يسوع أيضا أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم، حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، فقال اليهود ألعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، فقال لهم أنتم من أسفل، أما أنا من فوق، فهو يؤكد (عليه السلام) بأنهم لن يمسكوا به أبدا.

وما يؤكد لنا أن المسيح (عليه السلام) شبه لهم، هو قصة مقتل يهوذا الخائن، فالعهد الجديد لا يذكر شيئا عن مصيره إلا في موضعين، والمصير والخاتمة التي كانت عليها حياة يهوذا الخائن مختلفة تماما كما رأينا، والمختلف في نقلها وصي عيسى (عليه السلام) بطرس، وأحد التلاميذ الاثنى عشر وهو (متي)، وهذا بعد ثلاثين سنة على أبعد الحدود من رفع السيد المسيح (عليه السلام) وهذا يدل على أن مصير يهوذا

الصفحة 130
كان مجهولا وإلا تطرق له بقية الكتاب الملهمون في أناجيلهم، وما أختلف فيه التلامذة المقربون من عيسى (عليه السلام) في مصيره.

وموضوع القيامة أيضا تدور حوله الشكوك، فالمسيح (عليه السلام) الذي قال إنه سيبقى في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال كما تذكر ذلك الأناجيل أنظر (متي: 12: 40) لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. لم يبق في القبر كما تذكر الأناجيل سوى ليلتين ويوم واحد، فالدفن كان مساء يوم الجمعة بل قبل فجر السبت أنظر (لو: 23: 54) ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وضع قط، وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح والقيامة كانت فجر يوم الأحد أنظر (يو: 20: 1) (وفي أول الأسبوع الأحد جائت مريم المجدلية إلى القبر باكرا والظلام باق، فهذا الاختلاف يقودنا إلى القول بأن أمر القيامة مشكوك فيه في أحسن الأحوال.

واعتقد أن بولس هو الذي جاء بهذه العقيدة في رسائله والتي كتبت - كما ذكرنا - قبل الأناجيل فهو يقول: أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي (2 تيموثاوس: 2: 8).

وأخيرا رأينا موقف المسيح (عليه السلام) من الشريعة الموسوية التي التزم وعمل بها، وأكد عليها فهو جاء ليتمم الشريعة والناموس،

الصفحة 131
وأوصى تلاميذه بحفظها والعمل بها، في حين نجد أن بولس ومن خلال تعاليمه، نقض الناموس والشريعة، وتركها جانبا، واعتبر الإيمان بالمسيح (عليه السلام) وحده كافيا لنيل الخلاص والنجاة، ولهذا فإن لبولس الدور الرئيسي في تأسيس أغلب العقائد التي تؤمن بها الكنيسة حاليا، وكما ذكرنا فإن بعض المحققين يطلقون على المسيحية الحالية اسم (البولسية).


الصفحة 132

الصفحة 133

الفصل الثاني




نبذة عن الإسلام

حياة النبي محمد (ص)

    ولادته

    رضاعه

    طفولته

    شبابه

    بعثته

    هجرته

    فتح مكة

    دلائل نبوته

    معاجزه

    القرآن الكريم

قصة المسيح (ع) في القرآن.

الشريعة


الصفحة 134

الصفحة 135

نبذة عن الإسلام

وسوف نتحدث في هذا الفصل عن أبعاد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته، وكذلك عن معجزته الخالدة القرآن الكريم وما يقوله عن المسيح (عليه السلام) والمسيحية وعقائدها وموقفه منها، ومن ثم نتطرق عن الشريعة الإسلامية بشكل مختصر.

إن من الحقائق الثابتة والتي يؤمن بها كل فرد مسيحي، هي أن العهد الإلهي والنبوة قد ختما بيسوع المسيح (عليه السلام) ابن الله، فهو المخلص والفادي للبشرية، وهو الذي على يديه تمت المصالحة بين الناس وخالقه، وقد ختمت النبوة به لأن العهد قد تم به، فلا معنى لمجئ نبي بعده، بل أن المسيح (عليه السلام) سيعود في آخر الزمان كما تذكر ذلك أسفار العهد الجديد، وكذلك فإن المسيح (عليه السلام) كان يتنبأ بخروج من يدعون النبوة كذبا، ويحذر منهم.

ولذا فإن الاعتقاد الذي كنت أحمله هو أن كل يدعي النبوة

الصفحة 136
فهو كاذب، وهو ما تعلمته من الكنيسة منذ الطفولة، وأما ما يتعلق بشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكنت منذ الصغر أسمع ما يصفه به الكبار من أوصاف خلال جلساتهم وأحاديثهم، فكانوا يعتبرونه رجلا خشنا ظهر من شبه الجزيرة العربية، ونشر دعوته بالقوة وشن الحروب وسفك الدماء فقد كان يدعو إلى الحرب والقتال لا إلى السلام والمحبة كالمسيح (عليه السلام)، والكثير من الأوصاف التي لا أجرؤ على ذكرها، وكذلك القرآن الكريم، فإن والدي - كما ذكرت أول البحث - كان يقول أنه من كتابة وتأليف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه وليس كتابا مقدسا كالإنجيل.

وأما تعاليمه وشريعته، فهي كما يعتقد المسيحيون مجرد أعمال وأفعال بدنية متعبة ومرهقة لا معنى لها ولا نفع فيها، وأعتقد أن هذه الأفكار يحملها أكثر المسيحيين، أن لم نقل جميعهم، ولكن ومن خلال البحث والمطالعة، اكتشفت الخطأ الجسيم والصورة الزائفة التي كنت أرسمها في ذهني عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن والشريعة الإسلامية، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن خلال ما ينقله التاريخ والمؤرخون كان من أشرف الناس نسبا، وأحسنهم أدبا وخلقا، وأعظمهم شأنا، وأوسعهم رحمة ولطفا، وأصبرهم على المصائب والمحن، والقرآن الكريم أيضا اتضح أنه في الواقع الكتاب الإلهي الوحيد من الكتب السماوية التي لم تصل يد التحريف إليه، وفيه من التعاليم والإرشادات والمعارف الراقية ما يبهر العقول والقلوب، فالنفس الإلهي فهي واضح وجلي بل

الصفحة 137
وأوضح من الشمس في رابعة النهار، ففيه نور وهدى وشفاء للنفوس والقلوب من الظلمات والجهل...

وأما الشريعة الإسلامية وتعاليم الرسالة المحمدية، فهي تضمن للانسان سعادة الدارين الدنيا والآخرة، وهي تبتني على الرحمة والمحبة والأخلاق الكريمة والصدق والأمانة، ففيها دستور للحياة الفردية الاجتماعية. بل أن الهدف من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الرحمة كما يذكر القرآن ذلك: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * وشريعته هي لإيصال الإنسان إلى مكارم الأخلاق وكمالها كما ينقل عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فالاسلام دين المحبة والألفة والرأفة والتي تجسدت في شخصية النبي المقدسة كما سنبين ذلك أن شاء الله...

وكما أكدت سابقا فإن الجهل والتعصب والغفلة كل ذلك يكون حاجبا لرؤية الحق ومعرفته، وتأكد لي بأن كل إنسان منصف وعاقل وباحث عن الحقيقة، إذا ترفع قليلا عن تعصبه وجهله، ووضع النظارة السوداء هذه جانبا، سيرى الحق واضحا كالنهار، لا شك ولا ريب فيه..

أنها أمنية، ولكن تبقى الهداية إلى الحق بيد الله اللطيف الخبير كما يقول عز من قائل: * (أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء...) *.


الصفحة 138

الصفحة 139

حياة النبي محمد (ص)

أن نسبه (صلى الله عليه وآله وسلم) يعود إلى عدنان الذي ينتهي نسبه إلى النبي إسماعيل (عليه السلام) عبر عدد من الآباء والأجداد، ومن ثم يصل إلى إبراهيم (عليه السلام).

فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبيلة قريش ومن عشيرة بني هاشم ونسب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأجداده هو كالتالي: محمد بن عبد الله وبن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن حزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (1).. وقد أختلف المؤرخون في آباء وأجداد عدنان إلى إسماعيل (عليه السلام) فالبعض ذكر ثلاثة من آبائه حتى إسماعيل والبعض الآخر أكثر من ذلك.

وخلاصة قصة ذرية إسماعيل (عليه السلام) هي: أن إبراهيم

____________

(1) تاريخ الطبري 1 / 565.

الصفحة 140
الخليل (عليه السلام) أمر أن يسكن ولده الرضيع (إسماعيل) مع زوجته (هاجر) أم إسماعيل في أرض مكة، فخرج بهما إبراهيم (عليه السلام) من فلسطين، وهبط بهما في ذلك الوادي العميق الخالي من الماء والعشب (مكة) ثم أن يد العناية الإلهية امتدت إلى تلك العائلة المهاجرة، وجادت عليها بعين زمزم التي جلبت الرواء والحياة إلى تلك المنطقة القاحلة.

ثم تزوج إسماعيل (عليه السلام) من قبيلة جرهم التي سكنت بالقرب من مكة، وأصاب من هذا الزواج عددا كبيرا من الأبناء والأحفاد، وأحفاد الأحفاد، وكان من جملتهم (عدنان) ثم تشعبت ذرية إسماعيل عشائر وقبائل عديدة، كان من بينها قبيلة قريش التي حظيت بشهرة كبيرة، ومنها عشيرة بني هاشم التي انحدر منها الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).

ولادته

كانت ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجزيرة العربية بالحجاز في (مكة المكرمة)، وكما يذكر أكثر المؤرخين فإنها كانت في السابع عشر من ربيع الأول لعام الفيل (الواقعة المشهورة) أو ما يقارب سنة (570 م) (2).

____________

(1) سيد المرسلين 1 / 37.

(2) بحار الأنوار 15 / 248.