الصفحة 106
التحريم غير صحيح لما سمعت من افتاء مالك بالاباحة هذا مع ان عمر رضى الله عنه كما نهى عن متعة النساء فقد نهى عن متعة الحج وقد جمعهما في عبارة واحدة في الحديث المشهور المتقدم بغير تفاوت واشتهر ذلك في زمانه وبعده اشتهارا لا ريب فيه.

كيف قبلوا نهيه عن متعة النساء دون متعة الحج:

وكما ورد القران الشريف بمتعة الحج في قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) أي انتفع بسبب العمرة بمحظورات الاحرام إلى وقت الدخول في الحج. كذلك ورد في متعة النساء بقوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن) ووردت السنة المطهرة بالمتعتين ايضاً من طرق السنة والشيعة وفعلهما المسلمون في حياة النبي صلى الله عليه وآله. وكما اختلفت وتناقضت الأحاديث الورادة من طرق أهل السنة في النهي عن متعة النساء كما عرفت اختلفت وتناقضت الاحاديث الواردة من طرقهم في متعة الحج كما ستعرف فكيف قبلوا نهيه في الأولى ولم يقبلوه في الثانية.

الصفحة 107

أقسام الحج وصفة حج التمتع عند الشيعة:

ولابد لتوضيح المقام من تقديم مقدمة، «وهي» أن الحح على ثلاثة اقسام. قران وافراد، وتمتع، باتفاق جميع علماء الاسلام من السنة والشيعة وان اختلفوا في بعض الخصوصيات. وصفة حج التمتع عند الشيعة ان يجعل نسكه مركباً من حج وعمرة والحج مرتبط بالعمرة فيحرم من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام من الميقات بالعمرة ويعقد احرامه بالتلبية لا بسياق الهدي ثم يأتي مكة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل من احرامه ثم ينشيء أحراماً آخر للحج من مكة فيكون قد تمتع أي انتفع بما حرم عليه بالاحرام ولذلك سمي حج التمتع.

صفة حج التمتع عند أهل السنة:

وعند أهل السنة كما يستفاد من ارشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني ومن تنوير الابصار وشرحه المسمى بالدر المختار ومن مراقي الفلاح كلاهما في مذهب الامام ابي حنيفة وغيرها بمعنى استفادة المجموع من المجموع هو ان يحرم من هو على مسافة القصر من حرم مكة بعمرة اولا هو ان يحرم من هو على مسافة الحج وبعد الفراغ منها يحل من كل شيء ثم ينشئ حجاً من مكة من عامها ولم يعد لميقات من المواقيت ولا لمثل مسافته أهـ. وهما متقاربان ولكن العلامة في

الصفحة 108
التذكرة قال العمرة في حج التمتع عند أهل السنة هي عمرة مفردة أهـ. ولسنا بصدد تحقيق ذلك، ثم ان حج التمتع تارة يكون مقصوداً من أول الامر وتارة يكون بالعدول من الأفراد مثلاً اليه بان يحرم للحج ثم يعدل فيجعل الاحرام للعمرة وبعد الفراغ منها يأتي بالحج وهو المعبر عنه بفسخ الحج إلى العمرة وقد اجمع الفقهاء الاربعة وغيرهم على جواز حج التمتع المشهور وهو المقصود من اول الأمر في الجملة وان كرهه او منعه ابو حنيفة للمكي.

اجماع الفقهاء الاربعة وغيرهم على جواز حج التمتع المشهور:

«قال» الشعراني في ميزانه وصاحب رحمة الأمة في اختلاف الائمة ان الائمة الثلاثة اتفقوا على صحة الحج باحدى هذه الكيفيات الثلاث المشهورة على الاطلاق وهي الافراد والتمتع والقران، لكل مكلف من غير كراهة مع قول ابي حنيفة بكراهة القران والتمتع للمكي هكذا في الميزان. وفي رحمة الأمة لا يشرع في حقه التمتع والقران ويكره له فعلهما أهـ. وقال النووي في شرح صحيح مسلم وقد انعقد الاجماع على جواز الافراد والتمتع والقران وانما اختلفوا في الافضل. وقال ايضاً في موضع آخر اعلم ان احاديث الباب متظاهرة على جواز افراد الحج عن العمرة وجواز التمتع والقران وقد اجمع العلماء

الصفحة 109
على جوازالانواع الثلاثة ا هـ. وصرح بانقسام الحج إلى الاقسام الثلاثة القران الافراد والتمتع وجواز كل منها. الفخر الرازي في تفسيره. وصاحب مراقي الفلاح شرح نور الايضاح في مذهب الامام أبي حنيفة وصاحب الدر المختار شرح تنوير الابصار في مذهب أبي حنيفة ايضاً. وابن عبادين في حاشيته. والخطيب الشرييني في الاقناع في حل الفاظ ابي شجاع على مذهب الشافعي وغيرهم. وبالجملة جواز حج التمتع مسلم معلوم عند جميع أهل السنة لا يحتاج إلى اكثار الشواهد عليه. وقال المرتضى رضي الله عنه في الشافي. والفقهاء في أعصارنا هذه يعني فقهاء السنة لا يرونها أي متعة الحجة خطأ بل صواباً أهـ.

وقال الفضل بن الروزبهان من علماء السنة متعة الحج جوزها العلماء وذهبوا إليه أهـ.

الخلاف في جواز فسخ الحج إلى العمرة وحجة من خصه بالصحابة وردها:

(وأما) فسخ الحج إلى العمرة فجوزه احمد وطائفة من أهل الظاهر ومنعه الفقهاء الثلاثة وقالوا انه كان خاصاً بالصحابة وبتلك السنة يعني لا يجوز لغير الصحابة ولا لهم في غير تلك السنة كما حكاه القسطلاني في شرح صحيح البخاري والنووي

الصفحة 110
في شرح صحيح مسلم ومحمد بن عبدالهادي الحنفي في حاشية سنن النسائي الا انه قال احمد والظاهر به.

وروى جوازه عن أهل البيت عليهم السلام وجوزه فقهائهم وحكى النووي في شرح صحيح مسلم تجويزه عن القاضي عياض قال النووي في شرح قوله: إن عمر رضي الله عنه قال ان نأخذ بكتاب الله فان كتاب الله يأمر بالتمام وان نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله.

«ما لفظه» قال القاضي عياض رحمه الله تعالى ظاهر كلام عمر رضي الله عنه هذا انكار فسخ الحج إلى العمرة وان نهيه عن التمتع انما هو من باب ترك الاولى لا انه منع تحريم وابطال ويؤيدهذا قوله بعد هذا قد علمت ان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قد فعله واصحابه لكن كرهت ان يظلوا معرسين بهن في الأراك أهـ. وهو صريح في جواز فسخ الحج إلى العمرة واحتج النووي للمانعين بحديث ابي ذر رضي الله عنه كانت المتعة في الحج لاصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة يعني فسخ الحج إلى العمرة ا هـ. واحتج هو والقسطلاني لهم بحديث الحارث بن بلال الآتي وفيه ان فسخ الحج إلى العمرة لهم خاصة قال القسطلاني واجاب المجوزون بان حديث الحارث ابن بلال ضعيف فان الدارقطني قال انه تفرد به عبدالعزير بن محمد الدراوردي عنه وقال احمد انه لا يثبت ولا نرويه عن

الصفحة 111
الدراوردي ولا يصح حديث في الفسخ ان لهم خاصة وقال مرة حديث بلال لا اقول به لا نعرف هذا الرجل ولم يروه الا الدراوردي واما الفسخ فرواه احد وعشرون صحابياً واين يقع بلال بن الحارث منهم قال واجاب النووي بانه لا معارضة بين حديث بلال وغيره أهـ. ومن ذلك يظهر قوة حجة المجوزين وضعف حجة المانعين مع ضعف جواب النووي فانه مع تسليم عدم المعارضة فالضعيف ليس حجة في نفسه مع انه يعارضه صريحاً ما في حديثي مسلم والنسائي الآتيين وغيرهما انها لابد او لابد أبداً واي عبارة اصرح من قوله لابد ابد.

الذين جوزوا حج التمتع المشهور وفسخ الحج إلى العمرة:

وحمله على ارادة ان العمرة يجوز فعلها في اشهر الحج إلى يوم القيامة كما فعل النووي خلاف الظاهر بل الظاهر ان المراد في السؤال والجواب ما فعلوه من فسخ الحج إلى العمرة وقوله دخلت العمرة في الحج اشارة إلى حج التمتع سواء حصل بفسخ الحج أم لا مع ان روايات ابي موسى الآتية تدل على أن النهي عن فسخ الحج إلى العمرة قد حدث في زمانه ولم يكن قبل لقولهم انك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في النسك وتدل ايضاً على ان ابا موسى كان يفعل ذلك ويفتي به إلى خلافة عمر فاذا كان ذلك خاصاً بالصحابة وبتلك السنة فكيف خفي أمره إلى خلافة عمر وهو مما تشتد الحاجة إليه

الصفحة 112
وستعرف ان في تلك الروايات ما يدل على ان النهي عنه كان فسخ الحج إلى العمرة لقوله ان نأخذ بكتاب الله فانه يأمرنا بالتمام فان المراد به كما ستعرف ان الأمر بالأتمام ينافي جواز فسخ الحج والعدول إلى العمرة ثم ان الاختصاص بالصحابة وبتلك السنة ليس له نظير في الشرع فان احكام الله تعالى في الاولين والاخرين واحدة وظاهر الاختصاص انه لم يكن محتاجاً إلى نسخ وهو عديم النظير فان حلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك فهذا كما قيل في متعة النساء انها نسخت وابيحت مراراً عديدة فكيف اختصت هاتان المتعتان بشيء لم يوجد في سائر أحكام الدنيا(اذا عرفت هذا) كله ظهر لك ان الفقهاء الأربعة وغيرهم لم يقبلوا نهيه في التمتع الحاصل بغير فسخ واحمد واهل الظاهر لم يقبلوه في التمتع الحاصل بفسخ الحج إلى العمرة قال النووي في شرح صحيح مسلم قال المازري اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج فقيل هي فسخ الحج إلى العمرة وقيل هي العمرة في اشهر الحجر ثم الحج من عامه وعلى هذا انما نهى عنها ترغيبا في الأفراد الذي هو أفضل لا انه يعتقد بطلانها او تحريمها وقال القاضي عياض ظاهر حديث جابر وعمران وابي موسى ان المتعة التي اختلفوا فيها يعني الصحابة انما هي فسخ الحج إلى العمرة ثم قال النووي والمختار ان عمر وعثمان وغيرهما انما نهوا عن المتعة التي هي الأعتمار في اشهر الحج ثم الحج من عامه ومرادهم

الصفحة 113
نهي اولوية للترغيب في الأفراد لكونه افضل أهـ.

الذين حملوا متعة الحج المنهي عنها على فسخ الحج إلى العمرة:

وقال النووي في موضع آخر في شرح قول مسلم كان عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة وكان علي رضي الله عنه يأمر بها «ما لفظه» المختار أن المتعة التي نهى عنها عمثان هي التمتع المعروف في الحج وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم وانما نهيا عنها لان الافراد افضل وهو مأمور بصلاح رعيته وكان يرى الأمر بالافراد من جملة صلاحهم، وقال في موضع آخر بعد ذكر تظاهر الاخبار على جواز الافراد والتمتع والقران في الحج واجماع العلماء على ذلك واما النهي الوارد عن عمر وعثمان رضي الله عنهما فسنوضح معناه يعني انه نهي تنزيه للعدول إلى الأفضل لا نهي تحريم كما مر، وحمل غير واحد متعة الحج المنهى عنها في الحديث المذكور على فسخ الحج إلى العمرة تخلصاً من الاشكال المتقدم.

«منهم» الفخر الرازي في تفسيره فانه قال في تفسير فمن تمتع بالعمرة إلى الحج في سورة البقرة والتمتع بالعمرة إلى الحج هو ان يقدم مكة فيعتمر في اشهر الحج ثم يقيم بمكة حلالا ثم ينشيء منها الحج فيحج من عامة ذلك والتمتع على هذا الوجه صحيح لا كراهة فيه، وههنا نوع آخر من التمتع مكروه وهو

الصفحة 114
الذي حذر عنه عمر وقال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانا انهى عنهما واعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج. والمراد من هذه المتعة ان يجمع بين الاحرامين ثم يفسخ الحج إلى العمرة ويتمتع بها إلى الحج ثم ذكر الرواية عنه صلى الله عليه وآله انه اذن لاصحابه في ذلك ثم نسخ والوراية عن ابي ذر انه قال ما كانت متعة الحج إلا لنا(1) خاصة وقال ما حاصله فكأن السبب فيه شدة انكارهم للعمرة في اشهر الحج فبالغ صلى الله عليه وآله وسلم في ابطاله بنقلهم في اشهر الحج من الحج إلى العمرة وهذا السبب لا يشاركهم فيه غيرهم فلذا كان فسخ الحج خاصا بهم أهـ.

«ومنهم» القسطلاني في شرح صحيح البخاري لكنه لم يجزم بذلك بل تردد بينه وبين ارادة التمتع المشهور وكون النبي للتنزيه قال في شرح قوله وعثمان ينهى عن المتعة «ما لفظه» أي عن فسخ الحج إلى العمرة لانه كان مخصوصاً بتلك السنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم او عن التمتع المشهور والنهي للتنزيه ترغيباً في الافراد انتهى.

«ومنهم» قاضي القضاة في المغني فانه قال على ما حكاه عنه الشريف المرتضى في الشافي فاما متعة الحج فانما اراد ما كانوا يفعلون من فسخ الحج لانه كان يحصل لهم عنده التمتع ولم يرد بذلك التمتع الذي يجري مجرى تقديم العمرة واضافة

الصفحة 115
الحج إليها لان ذلك جائز لم يقع فيه فسخ ا هـ. فان الظاهر ان مراده من فسخ الحج فسخه إلى العمرة. ويحتمل ان يريد ابطال الحج بعد الشروع فيه. وكأن المرتضى رحمه الله في الشافي حمله على المعنى الثاني ولذلك اجاب عنه بان ذلك لا يسمى متعة. وبان ذلك ما فعل في ايام النبي صلى الله عليه وآله ولا فعله احد من المسلمين بعده وانما هو من سنن الجاهلية فلا يصح حمل كلامه عليه ا هـ.

(أقول) حمل التمتع المنهي عنه على فسخ الحج إلى العمرة خاصة فيه.

(أولاً) انه خلاف المتبادر المعروف بين الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً.

(وثانياً) ان متعة الحج كما تصدق على ما يحصل بفسخ الحج إلى العمرة تصدق على ما يحصل بحج التمتع المعروف لحصول الانتفاع بمحظورات الاحرام في كل منهما بل صدقها على الثاني اشهر واعرف فكلاهما متعة الحج وكلاهما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشملهما النهي الواقع عن متعة الحج بوجه العموم فما الذي خصصه بفسخ الحج. وحكى النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض عن ابن عبدالبر انه قال لا خلاف بين العلماء ان التمتع المراد بقوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)

الصفحة 116
هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج إلى ان قال ومن التمتع ايضاً فسخ الحج إلى العمرة ا هـ. مع ان فسخ الحج بما هو فسخ لا يسمى متعة وانما هو سبب لها. ومن ذلك يظهر انه ليس لهم التمسك بما ورد في عدة اخبار من أنهم كانوا محرمين بالحج أو بحج الافراد فأمرهم عليه السلام بفسخه إلى العمرة وجعل الحج حج تمتع كما في احاديث جابر وعائشة الآتية وغيرها فان تلك الاخبار لم تدل على انحصار متعة الحج بذلك غاية الأمر ان يكون ذلك من اقسامها فيعمه النهي كما يعم حج التمتع المشهور.

(وثالثاً) انه ينافيه التعليل المروي عنه في بعض الروايات الآتية من كراهة ان يظلوا معرسين بنسائهم في الأراك ثم يروحون إلى الحج تقطر رؤوسهم فان هذه العلة لا تختص بفسخ الحج إلى العمرة بل تعم حج التمتع المشهور فان المراد منها كراهة اتيانهم النساء بعد العمرة وقبل الحج مع قرب اوانه وهذا حاصل في حج التمتع كما لا يخفى.

(ورابعاً) انه معارض بما تقدم عن النووي من اعترافه في عدة مواضع من شرح صحيح مسلم بان المتعة التي كان ينهى عنها عمر رضي الله عنه في الحج هي حج التمتع المعروف. وبما تقدم عن المازري من الخلاف فيها انها فسخ الحج أو حج التمتع المعروف وكذلك ترديد القسطلاني فيما تقدم بين المعنيين

الصفحة 117
مما يدل على ان تفسيرها بفسخ الحج غير مسلم.

(وخامساً) ان فسخ الحج إلى العمرة جوزه أحمد والظاهرية والقاضي عياض كما عرفت بل ومن الصحابة عمران بن الحصين وسعد بن ابي وقاص فانهما انكرا تحريم متعة الحج التي نهى عنها عمر باي معنى فسرت وكذا انكره جابر وابن عباس كما ستعرف وانت قد فسرتها بفسخ الحج إلى العمرة فيكون الذي انكر تحريمه هؤلاء هو فسخ الحج إلى العمرة فليكن تجويز الشيعة لمتعة النساء كتجويز من ذكر المتعة، الحج مع وقوع النهي عنهما في الحديث المشهور.

وقد عرفت فيما تقدم قوة حجة المجوزين لفسخ الحج إلى العمرة وضعف حجة المانعين بما لا مزيد عليه، هذا الكلام على ما تشترك فيه هذه الكلمات واما ما يختص ببعضها فاما كلام الفخر الارزي ففيه نظر من وجوه:

وجوه النظر في كلام الفخر الرازي في متعة الحج:

(احدها) ان قوله في تفسير المتعة الجائز ان يقدم مكة فيعتمر ظاهره ان العمرة تكون من مكة مع الاتفاق على انها لا تكون الا من الميقات كما صرح به القسطلاني وصاحب مراقي الفلاح وغيرهما وكانه يريد أن يقدم مكة فيتم افعال العمرة أو معنى يقدم يريد القدوم وهو تعسف في التعبير بغير داعي.

الصفحة 118

(ثانيها) تعبيره عن المنسوخ المتوعد عليه بالعقاب بالمكروه.

(ثالثها) ان قوله تفسير المتعة المنهي عنها ان يجمع بين الاحرامين لم نجده في كلام غيره ولا في شيء من روايات البخاري ومسلم وغيرهما والذي صرح به القسطلاني فيما يأتي وفي عدة مواضع من كتابه ان الاحرام كان للحج وحده لا له وللعمرة معا، وكذلك الذي صرحت به عدة من الروايات ان الذين امرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يفسخوا الحج إلى العمرة حين لم يسوقوا الهدي كانوا احرموا بالحج وحده لا به وبالعمرة مثل روايات البخاري الآتية عن جابر وعائشة وروايتي مسلم والنسائي عن جابر الاتيتين ايضاً وقد اكد فيهما كون الاحرام للحج وحده بابلغ عبارة ولعل القصد بذلك التاكيد التعريض بمن ينكر فسخ الحج إلى العمرة وغيرها من الاحاديث مما لم نذكره وهي كثيرة في صحيحي مسلم والبخاري وغيرهما فكيف خصصه بمن جمع بينهما «نعم» في بعضها كون الاحرام لهما لكن مع عدم الفسخ.

«مثل» ما في البخاري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ومنا من اهل بحجة وعمرة إلى ان قالت فاما من اهل بالحج او جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم

الصفحة 119
النحر.

الرد على دعوى اختصاص فسخ الحج بالصحابة وبتلك السنة:

(رابعها) ان دعوى اختصاص فسخ الحج بالصحابة لا يكاد يتم لتضعيف الدارقطني لحديث اختصاصه بالصحابة وانكار احمد له غاية الانكار ومبالغته في ذلك وكونه لا نظير له في الشرع كما تقدم ذلك كله، ولأن اختصاصه بالصحابة وبتلك السنة ينافيه ما يأتي في روايات ابي موسى من فعله لها وافتائه الناس بها إلى خلافة عمر فكيف خفي عليه نسخها وعلى الناس طول هذه المدة مع ان قولهم انك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في النسك بعدك يدل على حدوث النهي في ذلك الوقت كما مر عند المناقشة مع الفخر الرازي في متعة النساء، ولأن قوله كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهر في ثبوتهما طول عهده لا تلك السنة فقط إلى غير ذلك، ثم ان ما ذكره القسطلاني من جعل النهي للتحريم ان اريد فسخ الحج إلى العمرة لكونه كان خاصاً بتلك السنة ينافي ما ذكره في شرح حديث جابر الآتي حيث قال (فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصحابه) ممن ليس معه هدي (ان يجعلوها) أي الحجة التي اهلوا بها (عمرة) وهو معني فسخ الحج إلى العمرة

الصفحة 120
هـ. ثم قال لا يقال الحديث يدل على ان التمتع افضل لأنه عليه الصلوة والسلام لا يتمنى الا الأفضل الخ فان هذا الكلام ظاهر في بقاء مشروعية فسخ الحج إلى العمرة والا فلا ثمرة في هذا السؤال ولا معنى للبحث عن المنسوخ انه افضل ام لا فينافي جعل النهي عن فسخ الحج نهي تحريم وانه خاص بتلك السنة إلا أن يريد أن الحديث يدل على جواز فسخ الحج إلى العمرة وان ما يحصل بالفسخ من التمتع افضل إذا نسخ جواز الفسخ بقيت الدلالة على افضلية التمتع بغير فسخ ثابتة وهو بعيد فمع هذا الاضطراب الذي سمعته في كلماتهم في تفسير التمتع المنهي عنه كيف يعول على شيء منها فظهر من مجموع ما تقدم أن متعة الحج التي نهى عنها عمر رضي الله عنه هي حج التمتع بعينه المعروف بين الفريقين قديماً وحديثاً إلى الان او هو داخل فيها وان حملها على فسخ الحج إلى العمرة انما هو من ضيق الخناق مع انه غير مجد كما عرفت.

اختلاف اخبار متعة الحج:

اما اختلاف الاحاديث الواردة في متعة الحج وتناقضها الذي اشرنا اليه، فهو ان: (في بعضها) ما يدل على امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها وفعل الصحابة لها في زمانه «مثل» ما رواه البخاري بسنده عن جابر بن عبدالله قال

الصفحة 121
أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو واصحابها بالحج وليس مع احد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطلحة وقدم علي من اليمن ومعه هدي فقال اهللت بما اهل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصحابه ان يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا الا من كان معه الهدي فقالوا ننطلق الى منى وذكر احدنا يقطر منيا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لو استقبلت من امري ما استدبرت ما اهديت ولولا ان معي الهدي لأحللت «الحديث». وما رواه البخاري بسنده عن جابر ايضاً انه حج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى ان قال وقد اهلوا بالحج مفردا فقال لهم احلوا من احرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم اقيموا حلالا حتى اذا كان يوم التروية فاهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال افعلوا ما امرتكم فلولا اني سقت الهدي لفعلت مثل الذي امرتكم «الحديث». وما رواه مسلم بسنده عن جابر ايضاً قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهلين بالحج فامرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان نجعلها عمرة ونحل وكان معه ونحل وكان معه الهدي فلم يستطع ان يجعلها عمرة. وما رواه مسلم ليضاً بسنده عن جابر قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نقول لبيك بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان نجعلها عمرة.

الصفحة 122

وقد سمعت ما رواه مسلم والنسائي عن جابر عند تفسير فسخ الحج الى العمرة. وما رواه البخاري ايضا عن عائشة رضي الله عنها. خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نرى الا انه الحج فلما تطوفنا بالبيت امر صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي ان يحل.

«وفي صحيح مسلم» بسنده عن عائشة قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاربع مضين من ذي الحجة او خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من اغضبك يا رسول الله ادخله الله النار قال او ما شعرت اني امرت الناس بامر فاذا هم يترددون لو اني استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه ثم احل كما حلوا، قال النووي في الشرح اما غضبه صلى الله عليه وآله وسلم فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فغضب صلى الله عليه وآله وسلم لما ذكرنا من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص ايمانهم وفي دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين وفيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع انتهى.

الصفحة 123

«وفي صحيح البخاري» بسنده عن ابن عباس انه سئل عن متعة الحج فقال اهل المهاجرين والأنصار وازواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع واهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجعلوا اهلا لكم بالحج عمرة الا من قلد الهدى طفنا بالبيت وبالصفا والمروة واتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فانه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم امرنا عشية التروية ان نهل بالحج فاذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا الى ان قال فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فان الله تعالى انزله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم واباحه للناس غير اهل مكة قال ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام «الحديث».

«وفي صحيح مسلم» بسنده ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم امر ازواجه ان يحللن عام حجة الوداع قالت حفصة ما يمنعك ان تحل قال اني لبدت وأسي وقلدت هديي فلا احل حتى انحر هديي.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن عبدالله بن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة الى الحج االى ان قال فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة قال للناس من كان منكم اهدى فانه لا

الصفحة 124
يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم اهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج «الحديث». وهو صريح في ان من لم يسق الهدي حج حج التمتع المعروف، الى غير ذلك من الاحاديث التي بهذا المضمون وهي كثيرة وكلها ما عدى الاخيرين ظاهرة في التمتع الذي هو بمعنى فسخ الحج الى العمرة والثلاثة الأخيرة لورودها في حجة الوداع تبعد فيها دعوى النسخ.

(وفي بعضها) ما يدل على نهي عمر رضى الله عنه عنها (مثل) ما في سنن النسائي الصغرى بسنده عن ابي موسى وذكر انه قدم من اليمن على رسول الله صلى الله عليه واله بمكة حاجا فامرة ان يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ويحل قال فجعلت افتي الناس بذلك حتى كان في خلافة عمر فقال له رجل يا ابا موسى رويدك بعض فتواك فانك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك بعدك قال ابو موسى يا ايها الناس من كنا افتيناه فليتئد فان امير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به وقال عمر ان نأخذ بكتاب الله فانه امرنا بالتمام وان نأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله.

الصفحة 125

«وفي سنن النسائي» الصغرى ايضا بسند اخر عن ابي موسى وذكر ان النبي صلى الله عليه واله امره حين لم يسق الهدي ان يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل قال فكنت افتي الناس بذلك في امارة ابي بكر وامارة عمر واني لقائم بالموسم اذ جاءني رجل فقال انك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في شأن النسك قلت ايها الناس من كنا افتيناه بشيء فليتئد فان امير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به فلما قدم قلت يا امير المؤمنين ما هذا الذي احدثت في شأن النسك قال ان نأخذ بكتاب الله عز وجل فان الله عز وجل قال واتموا الحج والعمرة لله وان نأخذ بسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى نحر الهدي، وروى مسلم في صحيحه عدة روايات في قصة ابي موسى بهذا المضمون.

«وفي صحيح البخاري» بسنده عن ابي موسى وذكر ان النبي صلى الله عليه واله امره حين لم يسق الهدي ان يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم امر بالاحلال الى ان قال فقدم عمر رضي الله عنه فقال أن نأخذ بكتاب الله فانه يأمونا بالتمام قال تعالى (واتموا الحج والعمرة لله) وان نأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانه لم يحل حتى نحر الهدي.

(اقول) المراد في هذه الاحاديث ان كلا من الكتاب

الصفحة 126
والسنة يبطل التمتع قال محمد بن عبدالهادي الحنفي في حاشية سنن النسائي في شرح الحديث الاول والحاصل ان الجمع بين القرآن السنة اداه الى النهي عن التمتع الخ، وقال القاضي عياض فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم ظاهر كلام عمر رضى الله عنه هذا انكار فسخ الحج الى العمرة الى اخر ما تقدم، والمراد بفسخ الحج الى العمرة قلب احرام الحج اليها ومنعه عن هذا مستفاد من استشهاده بقوله تعالى (واتموا الحج) فانه استفاد من الامر باتمام الحج عدم جواز الفسخ فان الفسخ ينافي الاتمام، ووجهه محمد بن عبدالهادي الحنفي في حاشية سنن النسائي بقوله أي واتمام كل باتيانه بسفر جديد او باحرام جديد لا يجعل احدهما تابعا للاخر أهـ. فقد حمل القاضي عياض النهي في هذه الاخبار على النهي عن فسخ الحج الى العمرة وحمله المحشي على النهي عن حج التمتع المشهور.

«وفي بعضها» ما يدل على فعل النبي صلى الله عليه واله لها والصحابة وعدم نسخها بكتاب ولا سنة وان نهي الناهي عنها كان برأيه «مثل» ما في سنن النسائي الصغرى بسنده عن مطرف عن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تمتع وتمتعنا معه قال فيها قائل

الصفحة 127
برأيه. قال محمد بن عبد الهادي الحنفي في الحاشية قوله قال فيها أي في النهي عن المتعة قائل برأيه فلا عبرة به في مقابلة صريح السنة انتهى.

«وفي صحيح البخاري» بسنده عن مطرف عن عمران قال تمتعناعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء قال القسطلاني في الشرح هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان لان عمر اول من نهى عنها فكان من بعده تابعا له في ذلك ففي مسلم ان ابن الزبير كان ينهي عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرا فأشار الى ان اول من نهى عنها عمر انتهى، وهاتان الروايتان وان اطلق فيهما لفظ التمتع الا ان النسائي والبخاري اورداهما في الحج لا في النكاح مع ان الاولى ظاهرة بنفسها في ارادة متعة الحج لقوله تمتع وتمتعنا معه «وفي صحيح مسلم» بسنده عن مطرف ان عمران بن حصين قال له اني لاحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم واعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اعمر طائفة من اهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ارتأى كل امرئ بعد ما شاء ان يرتئي «ورواه مسلم» ايضاً بسندين اخرين احدهما عن ابن حاتم قال وفي رواية ابن حاتم ارتأى رجي برايه ما شاء يعني عمر.

الصفحة 128

(اقول) اعمر طائفة من اهله أي امرهم بالعمرة في العشر أي عشر ذي الحجة، وفي النهاية الاثيرية ارتأى فكر وتأنى وهو افتعل من رؤية القلب او من الرأي أهـ.

«وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن مطرف عن عمران بن حصين تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل فيه القران قال رجل برأيه ما شاء «ورواه» مسلم بسند اخر وفيه تمتع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمتعنا معه.

(اقول) المراد في هذه وما قبلها متعة الحج كما عرفت وأوردهما مسلم في ذلك الباب.

«وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن ابي رجاء عن عمران بن الحصين نزلت اية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج وامرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم تنزل اية تنسخ اية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات قال رجل برأيه بعد ما شاء «ورواه» مسلم ايضاً بسند اخر مثله غير انه قال وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل وامرنا بها، وفي شرح النووي لصحيح مسلم قال رجل برأيه ما شاء يعني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وقال النووي ايضاً في الشرح المذكور بعد ايراد مضامين روايات عمران بن الحصين

الصفحة 129
المتقدمة ورواياته الاتية في الجمع بين الحج والعمرة «ما لفظه» هذه الروايات كلها متفقة على ان مراد عمران ان التمتع بالعمرة الى الحج جائز وكذلك القران وفيه التصريح بانكاره على عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع التمتع وقد سبق تأويل فعل عمر انه لم يرد ابطال التمتع بل ترجيح الافراد عليه أهـ.

«وفي سنن النسائي» وموطأ مالك بسندهما عمن سمع سعد بن ابي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن ابي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة الى الحج فقال الضحاك لا يصنع ذلك الا من جهل امر الله فقال سعد بئسم اقلت يا ابن اخي قال الضحاك فان عمر بن الخطاب نهى عن ذلك قال سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصنعناها معه.

«وفي بعضها» ما يدل على جمع النبي صلى الله عليه واله بين الحج والعمرة وعدم نسخ ذلك بكتاب ولا سنة وانه نهى عن ذلك برأيه «مثل» ما في سنن النسائي الصغرى بسنده عن مطرف عن عمران ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيهما رجل برأيه ما شاء. (قال) محمد بن عبدالهادي الحنفي المعروف

الصفحة 130
بالسندي في الحاشية قال فيهما رجل أي عمر فانه كان ينهي عن الجمع كعثمان «وفي» سنن النسائي الصغرى أيضاً بطريق آخر عن مطرف عن عمران ابن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين حج وعمرة ثم توفي قبل أن ينهى عنها وقبل ان ينزل القرآن بتحريمه وهو وان لم يكن فيه تصريح بنهي عمر عنها لكن المراد منه التعريض بذلك بقرينة غيره.

«وفي صحيح مسلم» بسنده عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن عمران بن حصين قال اعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيهما كتاب ولم ينهنا وعنهما قال فيها رجل برأيه ما شاء.

«وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن مطرف ان عمران ابن حصين قال له احدثك حديثاً عسى الله ان ينفعك به ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد «وفيه ايضاً» بسنده عن مطرف بعث الي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال اني محدثك باحاديث لعل الله ان ينفعك بها بعدي فان عشت فاكتم عني وان مت فحدث بها ان شئت انه قد سلم علي واعلم ان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رجل فيها برأيه ما شاء، والظاهر عدم

الصفحة 131
رضاه بالتحديث بها في حياته للخوف ممن قال فيها برأيه ما شاء وقال النووي في شرح صحيح مسلم اراد بقوله ان عشت فاكتم عني الاخبار بالسلام عليه لانه كان به بواسير فكان يصبر على المها وكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوى فانقطع سلامهم فترك فعادوا فكره ان يشاع ذلك عنه خوف الفتنة انتهى. ملخصا وفيه ان ظاهر الكلام كراهته التحديث بالجميع لا بخصوص السلام والا لنص عليه ولم يحرم الناس من فائدة التعلم في حياته ثم ان المراد بالجمع بين الحج والعمرة على الظاهر الجميع بينهما في عام واحد بان يكون حجه حج تمتع فان ذلك هو الذي اشتهر عن عمر النهي عنه ويدل عليه ما يأتي في الاخبار الدالة على اختصاصها بالصحابة ويحتمل ان يراد به جمع الحج والعمرة في احرام واحد وهو حج القران عندهم.

(وفي بعضها) ما يدل على ترخيصه في الجمع بين الحج والعمرة «ففي» سنن النسائي الصغرى بسنده ما معناه ان رجلا كان نصرانيا فاسلم ورأىالحج والعمرة واجبين عليه فسأل رجلا من عشيرته فقال اجمعهما ثم اذبح ما استيسر من الهدي فاهل بهما فلقي سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وهو يهل بهما فقال احدهما للاخر ما هذا بافقه من بعيره فاتى عمر فسئله فقال هديت لسنة نبيك «وروى» النسائي ايضاً هذا المضمون بطريقين اخرين قال محمد بن عبدالهادي الحنفي في الحاشية (ما هذا بافقه من بعيره) أي ان عمر منع عن الجمع

الصفحة 132
واشتهر ذلك المنع وهو لا يدري به فهو والبعير سواء في عدم الفهم ثم قال فان قلت كان عمر يمنع عن الجمع فكيف قرره على ذلك باحسن تقرير قلت كأنه يرى جواز ذلك لبعض المصالح ويرى انه جواز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك فكأنه كان يرى من عرض له مصلحة اقتضت الجمع في حقه فالجمع في حقه سنة انتهى. ثم انه يحتمل ان يراد من جمعهما جمعهما في احرام واحد وهو حج القران عندهم كما عرفت. فيكون خارجا عما نحن فيه وربما يرشد اليه قوله وهو يهل بهما، ويحتمل ان يراد جمعهما لعام واحد كما هو الشأن في حج التمتع فيكون دالا على الترخيص في متعة الحج ولا ينافيه قوله وهو يهل بهما فان حج التمتع لارتباط العمرة فيه بالحج وتركب النسك منهما يجوز الاهلال بهما في احرام العمرة الذي هو اول الافعال كما ورد عن اهل البيت عليهم السلام من طريق الشيعة في التلبيات المستحبة في احرام عمرة التمتع زيادة على الاربعة الواجبة لبيك بعمرة وحجة تمامها عليك لبيك مع ان الاحرام للعمرة وحدها.

(وفي بعضها) ما يدل على اعترافه بالمشروعية وانه انما نهى عنها كراهية ان يظلوا معرسين بنسائهم «مثل» ما في سنن النسائي الصغرى بسنده عن ابراهيم بن ابي موسى عن ابي موسى انه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل رويدك بعض فتياك فانك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك بعد حتى

الصفحة 133
لقيته فسألته فقال عمر قد علمت ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد فعله ولكن كرهت ان يظلوا معرسين بهن في الاراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم «ورواه» مسلم في صحيحه بسنده الى ابراهيم مثله الا انه زاد واصحابه بعد قد فعله.

(وفي بعضها) اعترافه بالنهي عنها مع انها في كتاب الله وفعلها رسول الله صلى الله عليه واله «مثل» ما في سنن النسائي الصغرى ايضا بسنده عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول والله اني لانهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني العمرة في الحج انتهى.

(قال) محمد بن عبدالهادي الحنفي المعروف بالسندي في الحاشية قوله وانها لفي كتاب الله أي فاعلم تأويل الكتاب والسنة وان النهي لا يخالف الكتاب والسنة اذ لا يظن به انه قصد به اظهار مخالفته للكتاب والسنة انتهى.

(وفي بعضها) انها كانت مخصوصة بالصحابة فقط «مثل» ما في صحيح مسلم بسنده عن ابي ذر قال كانت المتعة في الحج لاصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة.

«وفي صحيح مسلم» ايضاً بسنده عن ابي ذر لا تصلح المتعتان الا لنا خاصة يعني النساء ومتعة الحج انتهى.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده ان ابراهيم النخعي قال

الصفحة 134
لابن ابي الشعثاء لما قال اني اهم ان اجمع العمرة والحج العام لكن ابوك لم يكن ليهم بذلك وانه ذكر ذلك لابي ذر بالربذة فقال انما كانت لنا خاصة دونكم والمراد بجمع العمرة والحج هو حج التمتع بقرينة الخبرين قبله لا جمعهما في احرام واحد وفي سنن النسائي بسنده عن الحارث بن بلال عن ابيه قلت يا رسول الله افسخ الحج لنا خاصة ام للناس عامة قال لنا خاصة.

(وفي بعضها) انها كانت لابد الابد او ليوم القيامة روى مسلم في صحيحه بسنده عن عطا عن جابر اهللنا اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالحج خالصا وحده فقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فامرنا ان نحل الى ان قال فقدم علي فقال بما اهللت قال بما اهل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاهد وامكث حراما فقال سراقة بن مالك يا رسول الله العامنا هذا ام لابد قال لابد. قال النووي في الشرح وفي الرواية الاخرى فقام سراقة بن مالك فقال يارسول الله العامنا هذا ام لابد فشبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصابعه واحدة في الاخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لابد ابد.

وروى النسائي في سننه بسنده عن عطا عن جابر اهللنا اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحج خالصا ليس معه غيره خالصا وحده الى ان قال فامرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال احلوا واجعلوها

الصفحة 135
عمرة الى ان قال وقدم علي من اليمن ثم ذكر نحوا مما مر عن مسلم ثم قال وقال سراقة بن مالك يا رسول الله ارأيت عمرتنا هذه لعامنا أم لابد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي لابد.

وروى النسائي ايضا بسنده عن سراقة تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمتعنا معه فقلنا لنا خاصة ام لابد قال بل لابد.

وفي صحيح مسلم بسنده عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه عمرة استمتعنا بها فمن لمن يكن عنده الهدي فليحل الحل كله فان العمرة قد دخلت في الحج الى يوم القيامة.

الاخبار الدالة على احتلاف الصحابة في متعة الحج:

(وفي بعضها) ما يدل على اختلاف الصحابة في حكمها «ففي» صحيح مسلم بسنده عن مسلم القوي سألت ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال هذه ام ابن الزبير تحدث ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص فيها فدخلنا عليها فقالت قد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها ورواها ايضا بطريقين اخرين وفي احدهما المتعة ولم يقل متعة الحج وفي الاخر قال الراوي لا ادري متعة الحج او متعة النساء «وفي صحيح مسلم» بسنده عن ابي جمرة الضبعي تمتعت فنهاني ناس عن ذلك فاتيت ابن عباس فسألته

الصفحة 136
عن ذلك فامرني بها قال ثم انطلقت الى البيت فاتاني ات في منامي فقال عمرة متقبلة وحج مبرور قال فأتيت ابن عباس فأخبرته بالذي رأيت فقال الله اكبر الله اكبر سنة ابي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم

الاخبار الدالة على ان متعة الحج كانت رخصة:

(وفي بعضها) انها كانت رخصة كما جاء مثل ذلك في متعة النساء «ففي» صحيح مسلم بسنده عن ابي ذر كانت لنا رخصة يعني المتعة في الحج «فهذا» شأن هذه الاخبار على اختلافها وتناقضها وليست باكثر تناقضا مما ورد في النهي عن متعة النساء كما بيناه عند ذكرها.

في ان حال المتعتين في الاسلام واحد:

«فظهر» ان حال المتعتين في الاسلام واحد وان النهي عنهما كان بعد ثبوتهما بالكتاب والسنة، فكما تركنا نحن وانتم نهيه في متعة الحج بمعنى حج التمتع المشهور واخذنا بما ثبت من الكتاب والسنة وتركناه نحن واحمد وبعض اهل الظاهر وغيرهم في متعة الحج الحاصلة بفسخ الحج الى العمرة فلنتركه في متعة النساء ونأخذ بما ثبت من الكتاب والسنة، وكما امكن عندكم وعند احمد واهل الظاهر وغيرهم ان يكون له محمل صحيح في نهيه عن متعة الحج بمعنى حج التمتع المشهور او

الصفحة 137
بمعنى فسخ الحج الى العمرة يرفع عنه تعمد مخالفة الكتاب والسنة ولا يلزمنا الاخذ بقوله على كل حال فليكن له محمل صحيح في نهيه عن متعة النساء يرفع عنه تعمد مخالفة الكتاب والسنة ولا يلزمنا الاخذ بقوله على كل حال فكيف قلتم في متعة النساء انه لا بد ان يكون نهيه مستندا الى نهي النبي صلى الله عليه واله لانه لا يخالف الكتاب والسنة ولم تقولوا مثله في متعة الحج (فان قلتم) ان نهيه في متعة الحج نهي تنزيه بمعنى النهي عن ترك الاولى والارشاد الى افضل الافراد لا نهي تحريم كما جمع بذلكك بين الروايات القاضي عياض وايده بقوله قد علمت ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد فعله واصحابه لكن كرهت ان يظلوا معرسن بهن في الاراك والنووي في شرح صحيح مسلم والقسطلاني في شرح صحيح البخاري على وجه كما تقدم ذلك كله في تضاعيف ما مر.

(قلنا) فليكن نهيه عن متعة النساء ايضا نهي تنزيه ونهيا عن ترك الاولى (فان قلتم) لا يمكن ذلك في متعة النساء للتوعد عليها بالرجم في قوله لو تقدمت لرجمت وقوله لا اوتى برجل نكح الى اجل الا رجمته بالحجارة كما في بعض الروايات السابقة (قلنا) وكذلك متعة الحج توعد عليها بالعقاب في الحديث المشهور وقال القاضي عياض كما في شرح النووي لصحيح مسلم كان عمر رضي الله عنه يضرت الناس عليها يعني على متعة الحج (فان قالوا) التوعد بالعقاب على متعة

الصفحة 138
الحج كان للسياسة واستصلاح الرعية بحملهم على الافضل بالابعاد من دون ان يعاقبهم والامام مامور باصلاح رعيته (قلنا) فليكن التوعد بالرجم في متعة النساء سياسيا لقصد اصلاح الرعية وحملهم على ترك خلاف الاولى وما يلحقهم بسببه العار بالتوعد من دون ان يعاقبهم كما اجاب بذلك الفخر الرازي عن عدم جواز الرجم في نكاح الشبهة ونظره بقوله عليه السلام من منع منا الزكاة اخذناها منه ونصف ماله على ما تقدم مع انك قد سمعت انه كان يضرب الناس على متعة الحج ولا يكتفي بالتهديد، هذا مع ان حمل النهي على النهي عن ترك الاولى فيه.

(اولاً) انه خلاف ظاهر النهي لظهوره في التحريم بل خلاف صريحه بعد اقترانه بقوله واعاقب عليهما وخلاف ظاهر قوله ان نأخذ بكتاب الله الخ.

(وثانياً) ان المتعتين قد نهى عنهما في عبارة واحدة في الحديث المشهور وتوعد بالعقاب عليهما فالتفكيك يجعل النهي في احدهما للتنزيه وفي الاخرى للتحريم غير ممكن.

(وثالثاً) ان كثيراً من الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه واله في صحيح البخاري وغيره تدل على ان حج التمتع افضل كقوله عليه السلام لما امر اصحابه من لم يسق الهدي منهم ان يحلوا من احرامهم ويجعلوها عمرة لو استقبلت من

الصفحة 139
امري ما استدبرت ما اهديت او لفعلت مثل الذي امرتكم فانه عليه السلام لا يتمنى الا الافضل واعتذار ابن دقيق العيد عن ذلك فيما حكاه القسطلاني في شرح صحيح البخاري بان التمني ليس لكونه افضل بل لامر خارج غير صحيح لانه عليه السلام لا تأخذه في الله لومة لائم، ومراده بالامر الخارج ما رآه من كراهة اصحابه للاحلال كما يدل عليه قولهم ننطلق الى منى وذكر أحدنا يقطر منياً وغير ذلك كما مر.

(ورابعاً) ان هذا الحمل يبطله قول عمران بن الحصين في الروايات السابقة ان القران لم ينزل بالتحريم ولم ينزل فيه قران يحرمه فانه يدل على انه علم التحريم من نهي عمر رضى الله عنه وهو كان اقرب عهدا به واعرف بمذهبه من القاضي عياض، وكذلك قوله لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه واله الى غير ذلك مما يدل على شدة انكاره لنهي عمر عنها فانه صريح او كالصريح في ان عمر كان يحرمها والا فلو كان نهيه للعدول الى افضل الفردين فلا داعي لهذا الانكار الشديد ولا وجه للاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه واله وعدم نهيه فانه يجوز ان يفعل غير الافضل وان لا ينهى عن فعله مع فرض كونه احد فردي الواجب المخير، وكذلك قوله ان عشت فاكتم عني فانه لا داعي الى الكتمان عنه الا الخوف مع ما اشتهر من تحريم عمر للمتعتين وتهديده بالمعاقبة عليهما ولذلك

الصفحة 140
قال قال فيها قائل ولم يصرح باسمه، وكذلك قول الضحاك في رواية السنن والموطأ السابقةلا يصنع ذلك الا من جهل امر الله واستدلاله بنهي عمر ورد سعد عليه بفعل النبي صلى الله عليه واله فان ذلك كله انما يناسب التحريم دون الكراهة او خلاف الاولى كما لا يخفى، ويبطله ايضا اتفاق الفقهاء الاربعة على جواز التمتع لكل مكلف بدون كراهة الا المكي فكرهه له لب وحنيفة ونهي عمر لم يكن خاصا بالمكيين، واما الرواية التي ايد بها القاضي عياض هذا الجمع فلا يصح الاعتماد عليها في نفسها فكيف تفسر غيرها وذلك لانها تدل على ان النهي كان استحسانا منه من غير ان يرد نهي من النبي صلى الله عليه واله فنهي عما فعله النبي صلى الله عليه واله كراهة ان يظلوامعرسين بنسائهم في الاراك ثم يروحوا في الحج تقطر روسهم من اغتسالهم للجنابة واي محذور في فعلهم لما احل الله لهم فالوثوق به يوجب منع صدور مثل هذه الرواية عنه ولهذا لم يعمل الفقهاء الأربعة بمثل هذه الرواية تحريما ولا كراهة كما عرفت وكان الاجدر بهم ان لا يعملوا بما ماثلها من روايات تحريم متعة النساء. (فان قلتم) ان بعض الروايات الواردة في نهيه عن متعة النساء قد اسندت ذلك الى النبي صلى الله عليه واله واعتضدت بروايات اخرى اسندت النسخ والتحريم الى النبي صلى الله عليه واله فلذلك قبلنا تحريمه لمتعة النساء. (قلنا) وكذلك بعض الروايات الواردة في نهيه عن

الصفحة 141
متعة الحج قد اسندت ذلك الى الكتاب وفعل النبي صلى الله عليه واله كالروايات الثلاث المتقدمة عن ابي موسى واعتضدت بالروايات المتقدمة عن ابي ذر انها كانت للصحابة خاصة وبغيرها مع ان الروايات التي اشرتم اليها في تحريم متعة النساء متهافتة متناقضة لا تصلح ان تكون مستندا لنسخ مثل هذا الحكم الثابت بالكتاب والسنة القطعيين كما بيناه عند نقلها. (فان قالوا) ان نهيه عن متعة الحج قد رده عليه جماعة من الصحابة كما مر عن عمران بن حصين وسعد بن ابي وقاص بل وجابر وابن عباس وردوه ايضا على عثمان ومعاوية «ففي» سنن النسائي الصغرى بسنده ان عثمان سمع عليا يلبي بعمرة وحجة فقال الم تكن تنهى عن هذا قال بلى ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبي بهما جميعا فلم ادع قول رسول الله صلى الله عليه وله لقولك «وفي» سنن النسائي ايضا بسنده ان عثمان نهى عن المتعة وان يجمع الرجل بين الحج والعمرة فقال علي لبيك بحج وعمرة معا فقال عثمان اتفعلها وانا انهى عنها فقال علي لم اكن لادع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاحد من الناس. «ورواه» النسائي ايضا بسند اخر مثله «وفي» سنن النسائي ايضا عمن سمع سعيد ين المسيب يقول حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي اذا رايتموه قد ارتحل فارتحلوا فلبى علي واصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال

الصفحة 142
علي الم اخبر انك تنهى عن التمتع قال بلى قال له علي الم تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمتع قال بلى.

«وفي صحيح البخاري» بسنده عن مروان بن الحكم قال شهدت عليا وعثمان رضي الله عنهما وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما فلما رأى علي اهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال ما كنت لادع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقول احد.

«وفي صحيح البخاري» ايضا بسنده قال اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة فقال علي ما تريد الى ان ننهي عن امر فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما راى ذلك علي اهل بهما جميعا.

«وفي صحيح مسلم» بسنده عن سعيد بن المسيب قال اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهي عن المتعة او العمرة فقال علي ما تريد الى امر قد فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنهى عنه فقال له عثمان دعنا منك فقال اني لا استطيع ان ادعك فلما ان رأى علي ذلك اهل بهما جميعا.

«وفي سنن النسائي» الصغرى بسنده عن طاوس قال قال معاوية لابن عباس اعلمت اني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند المروة قال لا يقول ابن عباس هذا معاوية ينهي الناس عن المتعة وقد تمتع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الصفحة 143
«وفي صحيح مسلم» بسنده عن طاوس ان ابن عباس قال قال لي معاوية اعلمت اني قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند المروة بمشقص فقلت لا اعلم هذا الا حجة عليك.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عمن سأل سعد بن ابي وقاص عن المتعة فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني بيوت مكة (اقول) العرش بضمتين جمع عريش فكأن بيوت مكة كانت كذلك او كان فيها ما هو كذلك «ورواه» مسلم بسند اخر وفيه يعني معاوية، وبسند اخر وفيه المتعة في الحج الى غير ذلك. اما نهيه عن متعة النساء فلم يرده عليه احد فلذلك قبلنا نهيه في متعة النساء ولم نقبله في متعة الحج (قلنا) لهم ومتعة النساء ايضا قد انكر تحريمها جماعة من الصحابة وغيرهم كما مر وفيهم ممن انكر متعة الحج عمران بن الحصين كما حكاه عنه الفخر الرازي وقد تقدم عند الجواب عن احاديث التحريم وهو الذي قد بلغ من جلالة شأنه ان الملائكة سلمت عليه كما مر عن صحيح مسلم والنووي في شرحه.

اما قوله الملا الشيعي يكتفي من السياسة بافهامهم ان رئيس الشيعة المحقة شاه العجم ورئيس السنة السلطان عبدالحميد وتهويله بان الشيعة يكونون عونا لرئيسهم اذا وقع نزاع بينه وبين الرئيس الاخر وان كانوا في بلاد الاخر وتهويله ايضا

الصفحة 144
بقوله اخرا ان الامر مهم من الجهة السياسية، فلا نصيب لشيء منه في الصحة واحرى بان يكون تدليسا وتلبيسا وسعيا بالفساد لو صدر من غير صاحب المنار لكن صدوره منه مع اشتهاره بالانصاف يقضي بان يكون منشؤه الجهل بواقع الامر فان الشيعة يعتقدون وجوب اطاعة السلطان العثماني واعانته ووجوب اداء الخراج اليه لكونه حافظا لبيضة الاسلام وحاميا لحوزة الدين وسلطانا وخليفة للمسلمين والاسلام دين للشيعة والسنة وكل منهما محق عند الأخر في اعتقاد الأسلام وان اختلفوا في بعض الامور التي لاتخرج عن الأسلام «فالسلطان العثماني» باعتبار كونه سلطانا وخليفة للمسلمين رئيس للسنة والشيعة لا للسنة كما توهمه صاحب المنار اذ هو ليس سلطان السنة بل سلطان المسلمين (وشاه العجم) ليس رئيساً لمذهب الشيعة كما توهمه صاحب المنار ايضاً لانه ان عنى انه رئيس ديني فالرئيس الديني لمذهب الشيعة ومنهم شاه العجم هو جعفر بن محمد الصادق الذي اخذوا فروع دينهم عنه عن ابائه عن جده رسول الله صلى الله عليه واله، وان عنى ان رئيس دنيوي فلا رياسة له الا على رعيته وفيهم الشيعي والسني والنصراني واليهودي والمجوسي وغير ذلك ولا رياسة له على الشيعة الذين هم رعايا لغيره من الملوك، فما هول به من ان هؤلاء يكونون عوناً لرئيس مذهبهم عند الخلاف وان كانوا في بلاد خصمه لا حقيقة له وما كنا نؤثر ان يصدر من مثله وكان الأليق في هذا

الصفحة 145
المقام والأنفع هو حث الدولة علي العدل والأنصاف بين الرعايا فبذلك يتم نظام الملك وتجلب قلوب الرعية الي حب سلطانها وعدم ادخال المسائل الدينية في هذا الموضوع لكونها اجنبية عنه (واما قوله) ان اكثر من اجابوا دعوة علماء الشيعة لم يكونوا على شيء من مذهب اهل السنة فكغيره مما سبق لاحظ له في الصحة لما عرفت من ان اعراب العراق منهم شيعة من قديم الزمان الي الأن ومنهم سنة كذلك ومن دخل منهم في مذهب الشيعة لم يكن دخوله بدعوة علمائها فياليت شعري اين هذه القبائل التي يدعي تارة انها كانت على مذهب السنة وتارة انها لم تكن على مذهب الشيعة ولا السنة فادخلها علماء الشيعة في مذهبهم ما هي الا قبائل موهومة لم تدخل في ظهر ادم ولا خرجت من بطن حوا (اما قوله) ان السياسة هي التي كانت ولا تزال مثار الخلاف بين السنة والشيعة ففيه حق وباطل فانا ان نظرنا الى افتراق المسلمين اولا وجدنا سببه الملوك السالفين من بني امية وبني العباس الذين رأوا ميل الناس الي أهل البيت فخافوا منهم علي ملكهم فامالوا الناس عنهم باسم الدين وبغيره اما في هذه الأزمان فان الملوك لا يتعرضون لمسائل الدين ولا همة لهم الا نظم الملك فلذلك كان الرعايا تميل الى العادل منهم وان خالفها في المذهب وتنفر من الجائر وان وافقها فيه «ومن» هذا يعلم ان ما بناه دعاة الأصلاح في عشرات من السنين لا يهدم بما وقع من التعدي على الحدود بل يهدم بمثل ما

الصفحة 146
كتبه العالم الغيور على الدولة ومذهب اهل السنة وما ذيله به صاحب المنار وذلك ان التعدي على الحدود لم يكن طلبا للدين بل توسيعا للمملكة ولذلك فهو لا يؤثر شيئاً في الوحدة الاسلامية ان كانت اما تلك الرسالة وذيلها فمما يوقع التنافر ويؤثر البغضاء والشحناء بين الطائفتين وبين الدولة والرعية بما واقع له. فالعجب من صاحب المنار كيف يتظلم من السياسة السؤى التي خشي منها ان تهدم ما بناه دعاة الأصلاح ويدرج في مجلته مثل هذه الرسالة ويذيلها بهذا الذيل وهما من اعظم ما يهدم به ما بناه دعاة الأصلاح والله يعلم المفسد من المصلح وهو نعم الحكم. هذا ما جرى به القلم في هذا المضمار والحمد لله وحده وصلى الله على رسوله محمد واله وصحبه وسلم.

وفرغ من تسويد هذه الرسالة مؤلفها العبدالفقير الى عفو ربه الغني محسن الامين الحسيني العاملي غفر الله له ولوالديه عصر يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1327 حامدا مصليا مسلما. وكان الفراغ من طبعها في العشرين من شهر محرم الحرام سنة 1328هـ.

يقول المؤلف عفى الله عنه: عثرنا على زيادات نافعة بعد طبع المكان المناسب اثباتها فيه فاثبتناها هنا منبهين على الموضع الذي يجب وضعها فيه بذكر الصحيفة والسطر والكلمة

الصفحة 147
الواجب وضعها بعدها كما ستراه ليتمكن من اراد تصحيح نسخته او اعادة الطبع من وضعها في مواضعها.

ففي صحيفة 14 سطر 20 بعد الدؤلي، وواضع علم التصريف معاذ بن مسلم الهراء، وفي الطب الشيخ داود الأنطاكي البصير اعجوبة الزمان كما في دائرة المعارف، وفي ص15 س11 زدنا بعد، الخزاعي، ومسلم بن الوليد صريع الغواني كما يظهر من العقد الفريد لابن عبدربه والناشي والزاهي كما نص عليه ابن خلكان، وفي ص38 س11 زدنا بعد، صدقاتهن، وبما في تفسير الفخر الرازي من انه اوجب الاجور بمجرد الأستمتاع وهو التلذذ والأنتفاع والأجور في الدائم لا تجب على الأستمتاع بل على النكاح ولذا لزم نصف المهر بمجرد العقد وانا لو حملناها على الدائم لزم تكرار بيان حكم النكاح في السورة الواحدة لانه تعالى قال في اول هذه السورة (فانكحوا ما طلب لكم) الخ ثم قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) بخلاف ما لو حملناها على المتعة فانه يكون حكما جديدا، وفي ص40 س6 زدنا بعد، انتهى، وفي تفسير الفخر الرازي روي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة فشكا اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليه العزوبة فقال استمتعوا من هذه النساء، وفي ص40 س10 زدنا بعد، نسخها، قال الفخر الرازي في تفسير اتفقوا على انها كانت مباحة في ابتداء

الصفحة 148
الأسلام وفي ص15 س16 زدنا بعد، مسلم، نعم في كشف الحق نقل الحديث المذكور عن الصحيحين وساقه الي ان قال حتى نهى عمر لاجل عمر وابن حريث لما استمتع.

(تنبيه)

سئلنا بعد تمام الرسالة وطبعها التنبيه على مأخذ الحكم بتشيع بعض من ذكر في صحيفة 14 و15 مثل ابن دريد ومحمد بن هاني الأندلسي والطغرائي والأبيوردي وابن العميد وبديع الزمان وهؤلاء نص على تشيعهم في امل الأمل. اما ابو بكر الخوارزمي فلم نجد من نص على تشيعه لكن يستفاد ذلك من رسائل بديع الزمان الهمداني عند ذكر المناظرة بينهما وقول بديع الزمان لما رأى اهل المجلس تعصبوا للخوارزمي عليه ما معناه ان كان غيري شيعيا فانا في اعلى درجات التشيع وانشد القصيدة التي اولها:

يا لمة ضرب الزما * ن على معرسها خيامة

ويستفاد ذلك من عدة رسائل للخوارزمي لا سيما رسالته لاهل بعض بلدان العجم.