الصفحة 175
الرجوان (1).. أي ليس ممن يستهان به، والنصوص التي تدخل هذا المجال كثيرة، لا مجال لتتبعها فعلاً.

ولعل ما تقدم من نصرة الإمام الحسن (عليه السلام) لعثمان، بالإضافة إلى أنه لم يكن قد ساهم في قتل مشركي قريش وغيرها على عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، بسبب صغر سنه آنئذٍ. ثم ما سمعته الأمة ورأته من أقوال ومواقف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) تجاهه (عليه السلام).. ثم علم الجميع بنزول العديد من الآيات القرآنية، التي تعرب عن فضله، وتشيد بكريم خصاله، وتؤكد على ما يؤهله الله له من دورٍ قيادي في مستقبل الأمة..

ـ إن كل ذلك وسواه ـ قد جعل موقفه (عليه السلام) في قبال معاوية والأمويين، أكثر قوة، وأعظم أثراً، حيث لم يكن ثمة شبهات يستطيع خصومه التشبث بها لتضعيف مركزه، وزعزعة سلطانه، كما أنه لم يواجه ما يشبه قضية التحكيم، التي فُرِضَت على أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل..

نعم.. هو ابن لذلك الذي وَتَرَ قريشاً، وقتل صناديدها، الذين أرادوا أن يطفئوا نور الله سبحانه، بكل ما يملكون من حيلة ووسيلة.

ولعل مدى ضعف حجة معاوية في مقابل الإمام الحسن (عليه السلام)، يتجلى أكثر، بالمراجعة إلى أقوال معاوية نفسه، وذلك حينما لا يجد حجة يحتج بها لتصديه لهذا الأمر، سوى أنه أطول من الإمام الحسن (عليه السلام) ولاية، وأقدم تجربة، وأكثر سياسة، وأكبر سناً (2).

قال بعض الباحثين: «وهكذا.. صارت مقاييس الخلافة كمقاييس الأزياء، أو الكمال الجسماني: أطول، وأكبر، وأقدم، وأكثر» (3).

إلا أن جيش الإمام الحسن (عليه السلام)، وكذلك الظروف الخاصة التي

____________

(1) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 19 و 195.

(2) مقاتل الطالبيين ص 58 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36، وحياة الحسن بن علي، للقرشي ج 2 ص 33 و 35.

(3) حياة الإمام الحسن بن (عليه السلام)، لآل يس ص 85.


الصفحة 176
مرت بها الأمة، والعراق خاصة، والنواحي العقيدية والاجتماعية، وغير ذلك ـ كل ذلك وسواه ـ هو الذي أضعف من موقف الإمام الحسن (عليه السلام)، وقوى من شوكة معاوي، وإن كان العامل الزمني قد كان ـ على ما يبدو ـ لصالح الإمام الحسن (عليه السلام) على المدى الطويل. ولا سيما بعد وجود بعض التحول في المجتمع العراقي تجاه أهل البيت، بعد جهود أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المجال..

وقد شرحنا بعض ما يرتبط المجتمع العراقي في بحث لنا آخر حول الخوارج، وفيما تقدم بعض ما يمكن أن يفيد في ذلك. وليس هذا موضع بحثنا الآن، لأنه يرتبط بظروف صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية.. كما هو معلوم..

هل كان الإمام الحسن (عليه السلام) عثمانياً؟!

ويحاول البعض أن يدعي: أن الإمام الحسن (عليه السلام) «كان عثمانياً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة»، قال: «وربما غلا في عثمانيته، حتى قال لأبيه ذات يوم ما لا يحب، فقد روى الرواة: أن علياً مر بابنه الحسن ن وهو يتوضأ، فقال له: أسبغ الوضوء يا حسن، فأجابه الحسن بهذه الكلمة المرة: «لقد قتلتم بالأمس رجلاً كان يسبغ الوضوء»، فلم يزد على أن قال: لقد أطال الله حزنك على عثمان». وفي نص آخر للبلاذري: «لقد قتلت رجلاً كان يسبغ والوضوء» (1).

وفي قصة أخرى يقولون: «إن الحسن بن علي، قال لعلي: يا أمير المؤمنين، إني لا أستطيع أن أكلمك، وبكى، فقال علي: تكلم، ولا تحنَّ حنين

____________

(1) راجع: الفتنة الكبرى، قسم: علي وبنوه ص 176، وأنساب الأشراف ج 3 ص 12 بتحقيق المحمودي و ج 5 ص 81 وراجع: الإمام الحسن بن علي لآل يس ص 50 وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 543.


الصفحة 177
المرأة، فقال: إن لناس حصروا عثمان، فأمرتك أن تعتزلهم وتلحق بمكة، حتى تؤوب إلى العرب عوازب أحلامها، فأبيت. ثم قتله الناس، فأمرتك أن تعتزل الناس فلو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى يستخرجوك، فغلبتني. ثم أمرتك اليوم: أن لا تقدم العراق، فإني أخاف عليك أن تقتل بمضيعة.. فقال علي الخ» (1).

وثمة روايات أخرى تفيد هذا المعنى، لا مجال لإيرادها وهي تدل على أنه (عليه السلام) كان يكره أن يذهب أبوه إلى العراق لحرب طلحة والزبير، كما قاله البعض (2).

ونقول: إن كل ذلك لا يمكن أن يصح، فـ:

أولاً: كيف يمكن أن نجمع بين ما قيل هنا، وبين قولهم الآنف الذكر: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أرسل الإمام الحسن وأخاه (عليهم السلام) للدفاع عن عثمان.. وأنه لما علم بمصيره جاء كالواله الحزين، ولطم الحسن المخضب بالدماء، ودفع في صدر الحسين (عليهما السلام)، بتخيُّل: أنهما قد قصرا في أداء مهمتهما الخ؟!.

ثانياً: غن المتتبع لعامة مواقف الإمام الحسن (عليه السلام) يجده ـ باستمرار وبمزيد من الإصرار ـ يشدُّ أزر أبيه، ويدافع عن حقه، ويهتم في دفع حجج خصومه، بل.. ويخوض غمرات الحروب في الجمل، وفي صفين، ويعرِّض نفسه للأخطار الجسام، في سبيل الدفاع عنه (عليه السلام)، وعن قضيته، حتى لقد قال الإمام (عليه السلام): أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني ـ حسبما تقدم..

وبالنسبة لدفاعه عن قضية أهل البيت (عليهم السلام)، وحقهم بالخلافة، دون كل من عداهم، فإننا لا نستطيع استقصا جميع مواقفه وأقواله فعلاً، ولكننا

____________

(1) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 2 ص 216/217 وتاريخ الطبري ج 3 ص 474 وليراجع: شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 226/227 و ج 19 ص 117 وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 543 عن طه حسين وغيره.

(2) راجع: سيرة الأئمة الاثني عشر علي بن أبي طالب 1 ص 542 ـ 544 وغير ذلك.


الصفحة 178
نذكر نموذجاً منها:

1 ـ عن الحسن (عليه السلام): «إن أبا بكر وعمر عمدا إلى هذا الأمر، وهو لنا كله، فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهماً كَسَهم الجدة، أما والله، لتهمنهما أنفسهما، يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا» (1).

قال التستري: «والظاهر: أن المراد بقوله (عليه السلام): كسهم الجدة: أنهما جعلا لهم من الخلافة، وباقي حقوقهم، مجرد طعمة، كالجدة مع الوالدين» (2).

2 ـ وعنه (عليه السلام) في خطبة له: «ولولا محمد (صلى الله عليه وآله)، وأوصياؤه، كنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض الخ..» قال هذا بعد أن عدد الفرائض، وكان منها الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) (3).

3 ـ وتقدم قوله (عليه السلام) في خطبة له بعد بيعة الناس له: «فإن طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة، قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا، أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) الخ... (4).

4 ـ وقال الأربلي: عن معاوية: «وكان بينه وبين الحسن مكاتبات، واحتج عليه الحسن، في استحقاقه الأمر، وتوثب من تقدم على أبيه، وابتزازه سلطان ابن عمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)...» (5).

وقد كتب (عليه السلام) لمعاوية، بعد ذكره، مجاهدة قريش لهم، بعد وفاة

____________

(1) أمالي المفيد ص 49 وبهج الصباغة ج 4 ص 569.

(2) بهج الصباغة ج 4 ص 569.

(3) ينابيع المودة ص 480 وعن الأمالي للطوسي ص 56.

(4) ينابيع المودة ص 21 وأمالي المفيد ص 349 ومروج الذهب ج 2 ص 432 وحياة الحسن بن علي للقرشي ج 1 ص 153 وأمالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 121، وصلح الحسن لآل يس، ص 59 وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 17 عن المسعودي.

(5) كشف الغمة ج 2 ص 165.


الصفحة 179
النبي (صلى الله عليه وآله)، مايلي:

«وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا، في حقنا، وسلطان نبينا (صلى الله عليه وآله).. إلى أن قال: فأمسكنا عن منازعتهم، مخافة على الدين: أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به. إلى أن قال: وبعد، فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، لما نزل به الموت ولاَّني الأمر بعده» (1).

5 ـ وحسبنا أن نذكر هنا: أن أباه أرسله إلى الكوفة، فعزل أبا موسى الأشعري، الذي كان يثبط الناس عن أمير المؤمنين (عليه السلام). وجاء إلى أبيه بعشرة آلاف مقاتل. وجرت في هذه القضية حوادث مثيرة وهامة، عبر فيها الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام عن فنائه المطلق في قضية أبيه، التي هي قضية الإسلام والإيمان، والتي نذر نفسه للدفاع عنها، مهما كلفه ذلك من تضحيات (2).

6 ـ ثم هناك موقفه (عليه السلام) في تفنيد ما احتج به المعترضون على قضية التحكيم، حيث أورد بهذه المناسبة احتجاجات هامة، جديرة بالبحث والدراسة، وهي تدل على بعد نظره، وثاقب فكره، وعمق وعيه لكل الأمور والقضايا.. فلتراجع في مصادرها (3).

____________

(1) راجع: مروج الذهب ج 2 ص 432 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 34 ومقاتل الطالبيين ص 55/56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وحياة الحسن بن علي للقرشي ج 2 ص 29 والبحار ج 44 ص 54 وصلح الإمام الحسن لآل يس ص 82 والأحمدي عن ناسخ التواريخ ج 5 ص 84 وعن جمهرة رسائل العرب ج 2 ص 9 وعن مكاتيب الأئمة ص 3 و 4 و 7.

وفي بعض تلك المصادر: «ولاني المسلمون الأمر بعده» وراجع: الغدير ج 10 ص 159.

(2) راجع حياة الحسن بن علي للقرشي، وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 546/548.

(3) العقد الفريد ج 4 ص 350 والبحار ط قديم ج 8 ص 564 والإمامة والسياسة ج 1 ص 138 والمناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 193 وحياة الحسن بن علي للقرشي ج 1 ص 261 و 262 وعن جمهرة خطب العرب ج 1 ص 392.


الصفحة 180
7 ـ وعنه (عليه السلام): نحن أولى الناس بالناس، في كتاب الله، وعلى لسان نبيه (1).

8 ـ وقال (عليه السلام) في خطبة له: «إن علياً باب من دخله كان مؤمناً، ومن خرج عنه كان كافراً» (2).

9 ـ وفي موقف له من حبيب بن مسلمة، قال له: «رُب مسير لك في غير طاعة الله، فقال له حبيب: أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك، قال: بلى والله، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك، ولو كنت إذ فعلت شراً، قلت خيراً الخ..» (3).

10 ـ ولتراجع خطبة الإمام الحسن (عليه السلام)، التي يُكَّذِب فيها: أن يكون يرى معاوية أهلاً للخلافة. وقد تقدمت إشارة إلى ذلك مع مصادره، حين الكلام تحت عنوان: «الأئمة في مواجهة الخطة» فلا نعيد.

وحسبنا ما ذكرناه هنا، فإننا لم لم نقصد إلا إلى ذكر نماذج من ذلك، ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة كتب الحديث والتاريخ.

ثالثاً: إن تطهير الله سبحانه وتعالى للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه، وكلمات النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في حقه، ثم ما عرف عنه (عليه السلام) من أخلاق فاضلة، وسجايا كريمة.. ليكذب كل ما ينسب إليه صلوات الله وسلامه عليه من أمور وكلمات؛ مثل قوله: أمرتك، ونحو ذلك تتنافى مع أبسط قواعد الأدب الإسلامي الرفيع، والخلق الإنساني الفاضل، ولا سيما مع أبيه الذي يعرف هو قبل كل أحد قول النبي (صلى الله عليه وآله) فيه: أنه مع الحق، والحق معه، يدور معه حيث

____________

(1) نقل ذلك العلامة الأحمدي عن ناسخ التواريخ ج 1 ص 101 ط حجرية وعن البحار باب احتجاجاته (عليه السلام).

(2) كشف الغمة للأربلي ج 2 ص 198 والبحار ج 43 ص 350 و 351 عن تفسير فرات. ونقل عن ناسخ التواريخ ج 5.

(3) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 18.


الصفحة 181
دار (1).

فكيف إذا كان ذلك الذي ينسب إليه مما يأباه حتى الرعاع من الناس، فضلاً عن خامس أصحاب الكساء، وأشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخُلُقاً وهدياً، وسلوكاً، ومنطقاً.

رابعاً: وبعد.. فهل يعقل أن يكون الإمام الحسن (عليه السلام)، الذي عاش في كنفي جده النبي (صلى الله عليه وآله)، وأبيه علي.. الإمام الحسن، الذي كان بحراً من العلم لا ينزف، وقد أجاب منذ طفولته على الأسئلة التي أحالها إليه جده، ثم أبوه بعد ذلك، كما تقدم، هل يعقل: أنه لم يكن يحسن الوضوء (2)؟!

خامساً: إنه إذا كان (عليه السلام) عثمانياً بالمعنى الدقيق للكلمة ـ كما يزعمه طه حسين فإنَّ معنى ذلك: هو أنه يبارك جميع تصرفات عثمان، وأعماله التي تخالف كتاب الله وسنة نبيه (3).

وهذا مما لا يحتمل في حقه (عليه السلام).. وهو الذي يذكر في تعريفه للسياسة: أن من جملة مراعاة حقوق الأحياء: أن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه، إذا حاد عن الطريق السوي.. فإن من الواضح: إن عثمان وعماله، قد كانوا من أجلى مصاديق كلمته هذه، كما قرره طه حسين نفسه.

سادساً: وبالنسبة للرواية الأخرى نقول:

1 ـ إن ما ذكرته، من أنه أشار على أبيه بترك المدينة.. لم يكن بالرأي السديد إطلاقاً.. فإن طلحة والزبير، وغيرهما من الطامعين والمستأثرين، قد كانوا ينتظرون فرصة كهذه... قال المعتزلي ن وهو يفند الرأي القائل بأنه كان على أمير المؤمنين أن يعتزل الناس، وينفرد بنفسه، أو يخرج عن المدينة إلى

____________

(1) راجع إن شئت: كشف الغمة للأربلي ج 1 ص 143 ـ 148 فقد ذكر روايات كثيرة جداً.

(2) سيرة الأئمة الأثني عشر ج 1 ص 544.

(3) سيرة الأئمة الأثني عشر ج 1 ص 545.


الصفحة 182
بعض أمواله، ولا يدخل في الشورى، فإنهم سيطلبونه، وسيضربون إليه آباط الإبل ـ قال المعتزلي: «ليس هذا الرأي عندي بمستحسن، لأنه لو فعل ذلك لولّوا عثمان، أو واحداً منهم غيره. ولم يكن عندهم من الرغبة فيه (عليه السلام) ما يبعثهم على طلبه، بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم، وواقعاً بإيثارهم، فإن قريشاً كلها كانت تبغضه أشد البغض..».

إلى أن قال: «ولست ألوم العرب، ولا سيما قريشاً في بغضها له، وانحرافها عنه، فإنه وَتَرَها، وسَفَك دماءها».

ثم ذكر.. أن الأحقاد باقية، حتى ولو كان إسلامهم صحيحاً ثم قال: «لا كإسلام كثير من العرب، فبعضهم تقليداً، وبعضهم للطمع والكسب، وبعضهم خوفاً من السيف، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار، أو لعداوة قوم آخرين، من أضداد الإسلام وأعدائه» (1).

وبعد.. فإن الناس في تلك الظروف الحرجة، لم يكونوا ليتركوا علياً (عليه السلام) يترك المدينة، وهم الذين بقوا يلاحقونه أياماً من مكان لمكان حتى بايعو..

2 ـ وأمَّا بالنسبة لانتظاره (عليه السلام) حتى تضرب إليه العرب آباط الإبل فإن الإمام الحسن (عليه السلام) نفسه لم ينتظر ذلك، حينما بايعوه بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام)..

كما أنه هو نفسه يقول، وهو يتكلم عن قضية التحكيم، فيما يرتبط بابن عمر:

«... وثالثة: أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار، الذين يعقدون الإمارة، ويحكمون بها على الناس» (2).

وبعد.. فهل أن تغيُّب أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المدينة سيمنع

____________

(1) شرح النهج للمعتزلي ج 13 ص 399/300.

(2) قد تقدمت المصادر لهذه القضية عن قريب، وإن لم نذكر نصها كاملاً.


الصفحة 183
الأمويين، وغيرهم من الذين في قلوبهم مرض، من اتهامه بالتحريض على عثمان، وتأليب الناس عليه؟!.

وها هو تغيب إلى ينبع حسبما تقدم.. فلم يمنعهم ذلك من الافتراء عليه، (عليه السلام)..

3 ـ وأما بالنسبة إلى أنه (عليه السلام) لم يكن راضياً بقتال أبيه لطلحة والزبير كما يقول طه حسين؛ فلا يصح أيضاً، لأنه هو نفسه قد ذهب إلى الكوفة وعزل أبا موسى الأشعري، وحرض الناس واستنهضهم للالتحاق بأمير المؤمنين (عليه السلام)، ليحارب بهم عائشة وطلحة والزبير. كما أنه هو نفسه قد شارك في هذه الحرب شخصياً.

ولعل المقصود من الروايتين وأشباههما هو اتهام الإمام علي (عليه السلام) بالاعتداء على عثمان، والاشتراك في قتله، أو لا أقل من تحريضه على ذلك.. ثم الطعن في خلافته بعدم اجتماع كلمة المسلمين عليه، ثم تبرير موقف المتخاذلين عن نصرته (1).

هذا.. ويلاحظ هنا:

ألف: إن الظاهر هو: أن نهي أمير المؤمنين عن البقاء في المدينة، قد كان من قبل أسامة بن زيد، ثم نُسِبَ إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، مع بعض التحوير والتطوير، فقد روي: أن أسامة قال لعلي (عليه السلام): «يا أبا الحسن، والله إنك لأعز علي من سمعي، وبصري، وإني أعلمك: أن هذا الرجل ليقتل، فاخرج من المدينة، وصر إلى أرضك ينبع، فإنه إن قتل وأنت بالمدينة شاهد، رماك الناس بقتله، وإن قتل وأنت غائب لم يعذل بك أحد من الناس بعد..

فقال له علي: ويحك، والله إنك لتعلم: أني ما كنت في هذا الأمر إلا كالآخذ بذنب الأسد، وما كان لي فيه، من أمرٍ ولا

____________

(1) راجع بعض ما تقدم في كتاب صلح الإمام الحسن للعلامة السيد محمد جواد فضل الله رحمه الله ص 211 ـ 219.


الصفحة 184
نهي» (1).

باء: وأما رواية الوضوء، فإننا نجد: أنها تنسب إلى الحسن البصري، الذي ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر (2)، مع وجود بعض الاختلاف بين الروايتين، قال المعتزلي:

«.. ومما قيل عنه: أنه يبغض علياً (عليه السلام) ويذمه: الحسن بن أبي الحسن البصري، أبو سعيد.. إلى أن قال: وروي عنه. أن علياً (عليه السلام) رآه وهو يتوضأ للصلاة ـ وكان ذا وسوسة ـ فصب على أعضائه ماء كثيراً، فقال له: أرقت ماء كثيراً يا حسن! فقال: ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر. قال: أوَساءك ذلك؟ قال: نعم. قال: فلا زلت مسوءاً.

قالوا: فما زال الحسن عابساً قاطباً مهموماً إلى أن مات..» (3).

وفي نص آخر عنه نفسه، قال: «لما قدم علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) البصرة مرّ بي، وأنا أتوضأ، فقال: ياغلام، أحسن وضوءك يحسن الله إليك. ثم جازني، فأقبلت أقفو أثره، فحانت منه التفاتة، فنظر إلي، فقال: يا غلام، ألك حاجة؟ قلت: نعم، علمني كلاماً ينفعني الخ..» (4).

فيلاحظ: أنه يذكر كلام علي عليه الصلاة والسلام له، ولا يذكر جوابه هو اياه.. لكنه يحاول أن يذكر لنفسه فضيلة تبعد عنه شبهة انحرافه عن علي (عليه السلام).. مع ان رواية المعتزلي الشافعي تصرح بانحرافه عنه (عليه السلام).

ولعل مما يشير إلى ذلك: ما رواه البعض، من أن امير المؤمنين (عليه السلام) قد أخرجه من المسجد، ونهاه عن التكلم (5).

____________

(1) الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 227 وأنساب الأشراف ج 5 ص 77.

(2) وفيات الأعيان ط سنة 1310 هـ. ج 1 ص 129.

(3) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 95 وقاموس الرجال ج 3 ص 135.

(4) أمالي المفيد ص 119 والبحار ج 77 ص 424 و ج 80 ص 310 وتيسير المطالب ص 177/178.

(5) راجع: التراتيب الإدارية ج 2 ص 272.


الصفحة 185
كما أنه كان إذا جلس، فتمكن في مجلسه ذكر عثمان، فترحم عليه ثلاثاً، ولعن قتلته ثلاثاً، ويقول: لو لم نلعنهم لَلُعِنَّا. ثم يذكر علياً، فيقول: لم يَزَل أمير المؤمنين صلوات الله عليه مظفراً مؤيداً حتى حَكَّم، ثم يقول: ولم تحكم والحق معك؟ ألا تمضي قدماً لا أباً لك (1)؟.

بل لقد اشتهر بغضه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فحاول أن يبرئ نفسه من ذلك، فقد قالوا: إنه جاء رجل إليه فقال له: «أبا سعيد، إنهم يزعمون: أنك تبغض علياً» فبكى.. ثم تذكر الرواية تبرئته لنفسه من ذلك، ومدحه لأمير المؤمنين (عليه السلام) (2).

وفي نص آخر: أن ذلك الرجل قال له: «بلغنا أنك تقول: لو كان عليٌّ بالمدينة يأكل من حشفها لكان خيراً له مما صنع، فقال له الحسن الخ..» (3).

جيم: وتذكرنا هذه الرواية المفتعلة لأهداف سياسية مفضوحة، بروايات أخرى مفتعلة لأغراض مفضوحة أيضاً، وذلك من قبيل تلك الرواية التي تحكي لنا قصة زواج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) بعمر بن الخطاب، حيث جاء فيها: أن أمير المؤمنين قال لولديه (عليهما السلام): «زوِّجا عمكما. فقالا: هي امرأة من النساء، تختار لنفسها، فقال (فقام ظ) علي مغضباً، فأمسك الحسن بثوبه، وقال: لا صبر لي على هجرانك يا أبتاه. قال: فزوجاه» (4).

فإن الهدف من افتعال هذه الرواية هو إظهار: أن علياً (عليه السلام) كان مهتماً بتزويج ابنته لعمر بن الخطاب.. مع أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، كما تدل عليه النصوص التاريخة (5).

____________

(1) العقد الفريد ج 2 ص 235 والكامل للمبرد ج 3 ص 216.

(2) العقد الفريد ج 2 ص 229 وفي هامشه عن الأمالي ج 3 ص 194.

(3) البيان والتبيين ج 1 ص 108.

(4) حياة الصحابة ج 2 ص 527 عن كنز العمال ج 8 ص 296.

(5) راجع: مثلاً الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 455/456 عن غير واحد وغير ذلك.


الصفحة 186
وقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «إن ذلك فَرْجٌ غُصِبناه» (1).

أضف إلى ما تقدم: أن الشيخ المفيد رحمه الله قد ناقش في صحة حديث التزويج هذا، فراجع كلامه رحمه الله (2).

دال: كما أن ثمة رواية تقول: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اعتبر الإمام الحسن (عليه السلام) «صاحب جفنة وخوان، فتى من فتيان قريش، ولو قد التقت حلقتا البطان، لم يغن عنكم شيئاً في الحرب» (3).

مع أن الإمام الحسن (عليه السلام) هو الذي يقول: «لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني» (4).

كما أن حملاته في الجمل (5) وفي صفين معروفة ومشهورة، حتى لقد طلب أمير المؤمنين (عليه السلام) من الناس أن يملكوا عنه الإمام الحسن لا يهده، حسبما تقدمت الإشارة إليه.

هذا.. وستأتي في كلام العلامة الأحمدي الأبيات التي أرسلها معاوية إلى زياد، حينما بلغه جرأته على الإمام الحسن (عليه السلام).

هاء: وقد ذكر المدائني: أن الإمام الحسن (عليه السلام) خطب إلى رجل فزوجه، وقال: «إني مزوجك، واعلم: إنك ملق، طلق، غلق، ولكنك خير الناس نسباً، وأرفعهم جداً وأباً».

ولا شك في كونها مفتعلة أيضاً، فإنه لم يكن (عليه السلام) فقيراً، ليعبر عنه بأنه «مَلِق».. وسيرته، وهباته، وجوده وسخاؤه، مما لا مجال لإنكاره، فلتراجع

____________

(1) الكافي ج 5 ص 346 وراجع قاموس الرجال ج 10 ص 406.

(2) راجع عدة رسائل للشيخ المفيد، أجوبة المسائل السروية، المسألة العاشرة ص 227 فما بعدها.

(3) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 11 و ج 20 ص 284.

(4) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 15.

(5) راجع سيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 549 و 546.


الصفحة 187
كتب التاريخ والحديث في ذلك..

وأما بالنسبة لكثرة طلاقه للنساء، وزواجه، فقد تحدث العلماء والباحثون حول كذب هذه القضية بما لا مزيد عليه، ولذلك فلا نرى حاجة للتعرض لها (1).

وأما أنه غلق، فقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي: «.. أما قوله: غلق، فلا، فإن الغلق الكثير الضجر، وكان الحسن (عليه السلام) أوسع الناس صدراً، وأسجحهم خُلُقاً..» (2).

نعم، ولقد أقر له المؤالف والمخالف بأنه قد أشبه النبي في خلقه، وفي خُلقهِ وكريم خصاله، وجميل فعاله..

وهذه الرواية صريحة في أن المقصود منها هو إظهار: أن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) لا فضيلة له في نفسه، سوى أنه جده النبي، وأبوه علي.. بل هو لا يهتم إلا بالبحث عن الحسناوات والجميلات، ثم التمتع بهن فترة، ثم تركهن إلى غيرهن..

وإذن.. فلماذا يلام يزيد الخمور والفجور على أفاعيله.. ما دام أنه وإن كان يبحث عن ملذاته، إلا أنه ليس طلقاً، ولا ملقاً، ولا غلقاً، كما هو الحال بالنسبة لغيره..

«ما عشت أراك الدهر عجباً»!!.

وأخيراً.. فإن المحقق العلامة الإحمدي يقول: «ليس غريباً على هؤلاء أن يفتعلوا الأكاذيب على الحسنين عليهما الصلاة والسلام، فقد افتعلوا على الحسن (عليه السلام): أنه أشار على أبيه: بأن لا يكره طلحة والزبير على البيعة، ويدع الناس يتشاورون ولو عاماً كاملاً، فإن الخلافة لا تزوى عنه، ولا يجدون منه

____________

(1) راجع على سبيل المثال: صلح الحسن للعلامة السيد محمد جواد فضل الله رحمه الله وحياة الحسن بن علي للعلامة باقر شريف القرشي.

(2) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 21.


الصفحة 188
بداً، وأن يقيل طلحة والزبير بيعتهما، لأن الغدر ظهر منهما (1).. وثمة كلمات أخرى منسوبة إليه (عليه السلام) تفيد هذا المعنى أيضاً.

ورغم تناقض هذا النص نقول إن هذا الكلام مفتعل انتصاراً لطلحة والزبير، لإظهار أن بيعتهما كانت عن إكراه، وأن البيعة لعلي لم تكن عن حزم وتشاور.

ولكن ألم يكن الإمام الحسن يرى إباء أبيه للبيعة، وقوله لهم: دعوني والتمسوا غيري، ثم إصراره الشديد على ذلك؟!.

ألم يكن يرى انثيال الناس عليه للبيعة كعرف الضبع حتى لقد وطيء الحسنان، وشق عطفاه؟.

ألم يكن يرى سرور الناس ببيعته حتى الأطفال والشيوخ؟.

كما أن رجالات الإسلام يصرون عليه بالبيعة، وفي مقدمتهم طلحة والزبير بالذات ن وكلمات الناس آنئذٍ خير شاهد على ما نقول..

ألم يكن يرى: أن العدو الأموي الغاشم يترصد الفرصة لينقض على البقية الباقية ليلتهمها ويقضي عليها؟.

أما كان يعلم أن وجود الناصر يوجب على العالم القيام بالأمر؟.

بلى.. لقد كان يرى ذلك كله ويعلمه.. وإن كلماته الخالدة في المناسبات المختلفة، لتدل على كمال موافقته لسياسة أبيه في البيعة، والحرب، وفي كل مواقفه، وهو يؤكد ذلك قولاً وعملاً، فهو يستنفر أهل الكوفة إلى الجهاد، وهو يمعن في الحرب، حتى يقول أبوه: أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني.

هذا.. وقد كذبوا على الإمام كذبة أخرى، وهي أنه قال لأبيه في الربذة،

____________

(1) حياة الحسن (عليه السلام) للقرشي ج 1 ص 163/164 عن الإمامة والسياسة ج 1 ص 49.


الصفحة 189
وهو يبكي: أمرتك فعصيتني، فأنت اليوم تقتل بمضيعة، لا ناصر لك، فقال أمير المؤمنين: مالك تحن حنين الأمة، وما الذي أمرتني فعصيتك الخ (1).

كما أن ابن قتيبة ينقل ما يدل على أن الإمام المجتبى (عليه السلام) قد كان من بدء الأمر عازماً على تسليم الأمر لمعاوية..

وكل ذلك مما تكذبه جميع أقوال ومواقف الإمام الحسن (عليه السلام)، وقد افتعلوه طمعاً بالمال والمناصب، من أجل أن يشيعوا عنه (عليه السلام): أنه كان ضعيفاً، ولم يكن رجل سياسة، وحزم وعزم وشجاعة..

ولكنهم قد نسوا أو تناسوا سائر مواقفه واحتجاجاته على معاوية والامويين، وتجاهلوا كل خطبه، وكتبه، ومواقفه في الحروب، حتى ليطلب علي (عليه السلام) منهم منعه من الحرب بقوله: أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني (2).

وحتى ليكتب معاوية إلى زياد عنه:


أما حسن فابن الذي كان قبلهإذا سار سار الموت حيث يسير
وهل يلد الرئبال إلا نظيرهوذا حسن شبه له ونظير
ولكنه لو يوزن الحلم والحجىبأمرٍ لقالوا: يذبل، وثبير (3)

هذا كله.. عدا عن أن أمر الإمامة بمعناه الحقيقي قد كان من المسلمات عندهم (عليهم السلام)، ولكن قاتل الله العصبية العمياء، والتكالب على الدنيا.

وبعد كل ما تقدم، فإننا نعلم مدى صحة قولهم: أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان لا يحب إهراق الدماء، وذلك طعناً منهم في أبيه علي، وأخيه الحسين (عليهما السلام)..

مع احتمال إرادتهم الطعن في الإمام الحسن (عليه السلام) ن إذا كان لا يحب

____________

(1) تاريخ الطبري ط ليدن ج 6 ص 3107 و 3108.

(2) نهج البلاغة وتذكرة الخواص وعن الطبري ووقعة صفين وبهج الصباغة ج 3 ص 216 و 217 عنهم.

(3) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 195، وصلح الحسن لآل يس ص 202.


الصفحة 190
إهراق الدماء حتى ولو وجب ذلك عليه، وأدى تركه إلى ذل المؤمنين، وضياع الدين.

أما ما افتعلوه، من أن الإمام علياً (عليه السلام) قد قال عنه: إنه إذا كانت الحرب، فإن الحسن لا يغني عنهم شيئاً. وكذلك قول معاوية، حينما أعطى الحسنين وابن جعفر مالاً: إن الحسن سوف يشتري لبناته طيباً، فيكذبه جميع ما تقدم، وإنما افتعلت أمثال هذه الأساطير من أجل التشهير به زوراً وبهتاناً: بأنه مشغوف بالنساء، وذلك للتغطية على فسق يزيد وفجوره..

وقد افتعلوا كذلك قصة خلاف الحسين مع أخيه (عليهما السلام) في قضية الصلح، وجرأته عليه، ثم جواب الحسين له بما لا يليق. مع أن الحسين (عليه السلام) قد مدح أخاه على صلحه مع معاوية، حينما أبّنه عند وفاته (عليه السلام). وقد روى في الكافي: أن الحسين (عليه السلام) لم يكن يتكلم في مجلس أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) تأدباً. كما أنه كان يعطي أقل من أخيه تأدباً كذلك..

وأخيراً.. فإننا نجده يعيش بعد أخيه عدة سنين، ولا يحارب معاوية، وغم كتابة أهل الكوفة إليه بدعوته لذلك..

انتهى كلام العلامة الأحمدي، وليكن هو مسك الختام.

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين

الصفحة 191

كلمة ختامية

كانت تلك إلمامة موجزة عن الحياة السياسية للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه في عهد الرسول الأعظم، والخلفاء الثلاثة بعده...

وكنت أودّ أن أكمل هذه الدراسة لتصل إلى حين تولي الإمام الحسن (عليه السلام) للخلافة.. وبعد ذلك إلى حين استشهاده.

ولكن الظروف القاهرة قد حالت دون ذلك، إلا أن ما لا يدرك كله لا يترك كله.. فها أنا أقدم للقراء الكرام ما تم إنجازه.

على أمل أن يوفق الله سبحانه لإتمام هذا العمل في فرصة اخرى إن شاء الله تعالى.

وليلاحظ هنا: أنني قد تعمدت الحديث عن ذلك الجانب الذي قلّما تعرض له الباحثون في كتاباتهم عن الإمام الحسن (عليه السلام).. وقد اضطرني ذلك الى بعض التفصيل بالنسبة لبعض القضايا.. حيث كان ذلك أمراً لا مفر منه، لو أريد إيضاح الموقف السياسي الذي كان الإمام الحسن (عليه السلام) يتعامل معه، ويسجل موقفاً تجاه من خلال ما يكتنف ذلك من ظروف وعوامل مؤثرة فيه..

وعلى كل حال... فإنني استميح القارئ العذر، إذا كان يرى في هذا البحث بعض ما لا ينسجم مع وجهات نظره، أو مع ما هو الشائع المتسالم عليه بصورة عفوية، ومن دون بحث او تمحيص...


الصفحة 192
وفي الختام، فإنني آمل ان يتحفني القارئ الكريم بملاحظاته، وبوجهات نظره.. وله منِّي جزيل الشكر، ووافر التقدير.

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذي اصطفى محمد وآله الأطهار.


جعفر مرتضى العاملي 
19 \ 6 \ 1404 هـ. ق.
3 \ 1 \ 1363 هـ. ش.