وذكروا أنه قال لعلي: اي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: «يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته» فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير، فالزمه. وفي لفظ عن علي: إنه لما أسلم قال له أبو طالب: إلزم ابن عمك. سيرة ابن هشام (1 / 265)، تاريخ الطبري (2 / 214)، تفسير الثعلبي، عيون الأثر (1 / 94) الإصابة (4 / 116)، أسنى المطالب (ص 10) (1).
وفي شرح ابن أبي الحديد (2) (3 / 314): روي عن علي قال: قال أبي: يا بني إلزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل. ثم قال لي:
فقال: ومن شعره المناسب لهذا قوله:
وهذه الأبيات الثلاثة توجد في ديوان أبي طالب (3) أيضاً (ص 36) وذكرها العسكري كتاب الأوائل (4) قال: إن أبا طالب مر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جعفر فرأى
____________
(1) السيرة النبوية: 1 / 263، تاريخ الأمم والملوك: 2 / 313، عيون الأثر: 1 / 125، أسنى المطالب: ص 17.
(2) شرح نهج البلاغة: 14 / 75 كتاب 9.
(3) ديوان أبي طالب: ص 94 ـ 95.
(4) الأوائل: ص 75.
وذكر أبياتاً يذكرها ابن أبي الحديد ومنها:
وأخرج أبو بكر الشيرازي في تفسيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أنزل عليه الوحي أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه، فاجتاز به علي عليه السلام وكان ابن تسع سنين فناداه: يا علي إلي أقبل. فأقبل إليه ملبياً فقال له النبي: «إني رسول الله إليك خاصة وإلى الخلق عامة فقف عن يميني وصل معي». فقال: «يا رسول الله حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي»؛ فقل له: «اذهب فإنه سيأذن لك»، فانطلق إليه يستأذنه في اتباعه، فقال: يا ولدي تعلم ان محمداً أمين الله منذ كان، إمض إليه وأتبعه ترشد وتفلح. فأتى علي عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي في المسجد، فقام عن يمينه يصلي معه، فاجتاز أبو طالب بهما وهما يصليان فقال: يا محمد ما تصنع؟ قال: «أعبد إله السموات والأرض ومعي أخي علي يعبد ما أعبد وأنا ادعوك إلى عبادة الواحد القهار» فضحك أبو طالب حتى بدت نواجده وأنشأ يقول:
إلى آخر الأبيات التي أسلفناها (ص 334).
8 ـ قول أبي طالب: صل جناح ابن عمك:
أخرج ابن الأثير: أن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً يصليان وعلي على
أسد الغابة (1) (1 / 287)، شرح ابن أبي الحديد (2) (3 / 315)، الإصابة (4 / 116)، السيرة الحلبية (3) (1 / 286)، أسنى المطالب (4) (ص 6) وقال: قال البرزنجي: تواترت الأخبار أن أبا طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحوطه وينصره ويعينه على تبليغ دينه ويصدقه فيما يقوله؛ ويأمر أولاده كجعفر وعلى باتباعه ونصرته.
وقال في (ص10): قال البرزنجي: هذه الأخبار كلها صريحة في أن قلبه طافح وممتلئ بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
9 ـ أبو طالب وحنوه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
قال أبو جعفر محمد بن حبيب رحمه الله في أماليه: كان أبو طالب إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيناً يبكي وبقول: إذا رأيته ذكرت أخي، وكان عبد الله أخاه لابويه، وكان شديد الحب والحنو عليه، وكذلك كان عبد المطلب شديد الحب له، وكان أبو طالب كثيراً ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيات إذا عرف مضجعه، فكان يقيمه ليلاً من
____________
(1) أسد الغابة: 1 / 341 رقم 759.
(2) شرح نهج البلاغة: 14 / 76 كتاب 9.
(3) السيرة الحلبية: 1 / 269.
(4) أسنى المطالب: ص 10 و 17.
فأجاب علي بقوله:
وذكره ابن أبي الحديد (3) نقلاً عن الأمالي (3 / 310) وهناك تصحيف في البيت الثاني والثالث من أبيات أبي طالب صححناه من طبقات السيد على خان الناقل عن شرح ابن أبي الحديد المخطوط، وذكر القصة أبو علي الموضح العمري العلوي كما في كتابه الحجة (4) (ص 69).
قل الأميني: إن القرابة والرحم تبعثان إلى المحاماة إلى حد محدود، لكنه إذا بلغت حد التضحية بولد كأمير المؤمنين هو أحب العالمين إلى والده، فهناك يقف التفاني
____________
(1) في بعض المصادر: تترى (المؤلف).
(2) في المصادر مخطوطة عتيقة: كل حي وإن تطاول عمرا. (المؤلف)
(3) شرح نهج البلاغة: 14 / 64 كتاب 9.
(4) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص 275.
10 ـ أبو طالب وابن الزبعرى:
قال القرطبي في تفسيره (1) (ص 406): روى أهل السير قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج إلى الكعبة يوماً وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة قال أبو جهل لعنه الله: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلته؟ فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانفتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته، ثم أتى أبا طالب عمه فقال: «يا عم ألا ترى إلى ما فعل بي؟» فقال أبو طالب: من فعل هذا بك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عبد الله بن الزبعرى». فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقة ومشى معه حتى أتى القوم، فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون؛ فقال أبو طالب: والله لئن قام رجل لجللته بسيفي فقعدوا حتى دنا إليهم، فقال: يا بني من الفاعل بك هذا؟ فقال: «عبد الله بن الزبعرى»؛ فأخذ أبو أبو طالب فرثاً ودماً فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم، وأساء لهم القول.
حديث موقف أبي طالب هذا يوجد في غير واحد من كتب القوم وقد لعبت به أيدي الهوى، وسنوقفك إن شاء الله على حق القول فيه تحت عنوان: أبو طالب في الذكر الحكيم(2).
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن: 6 / 216.
(2) الغدير: 8 / 11 ـ 36.
11 ـ سيدنا أبو طالب وقريش:
قال أبن إسحاق: لما بادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه بالإسلام، وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه، فيما بلغني، حتى ذكر آلهتهم وعابها. فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون، وحدب (1) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمر الله مظهراً لأمره، لا يرده عنه شيء.
وقال: إن قريشاً حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يابن اخي إن قومك جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نه قد بدا لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته». قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا بن أخي. قال: فاقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إذهب يا بن أخي فقل ماأحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً.
ثم إن قريشاً حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له: يا با ابا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك، هذا الذي قد خالفك دينك ودين آبائك
____________
(1) حدب: عطف عليه ومنع له. (المؤلف)
وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنم هو رجل برجل، قال: والله لبئس ما تسومونني؛ أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدا. قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً، فقال أبو طالب لمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك أو كما قال.
قال: فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادى بعضهم بعضاً، فقال أبو طالب عند ذلك يعرض بالمطعم بن عدي ويعم من خذله من عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش؛ ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم:
____________
(1) البكر: الفتي من الإبل. (المؤلف)
(2) الخور جمع أخور: الضعيف. حبحاب بالمهملتين: القصير. ويروى بالجيمين المعجمتين: الكثير الكلام. ويروى بالخاء المعجمة ومعناه: الضعيف. (المؤلف)
(3) الفيفاء: الأرض القفر. وبر: دويبة على قدر الهرة. (المؤلف)
(4) تجرجما: سقطا وانحدرا، يقال: تجرجم الشيء إذا سقط. ذو علق: جبل في ديار بني أسد. (المؤلف)
(5) يرس له ذكر ذكراً خفيفاً. رس الحديث: حدث به في خفاء. (المؤلف)
قال ابن هشام: تركنا منها بيتين أقذع فيهما.
قال الأميني: حذف أبن هشام منها ثلاثة أبيات لا تخفى على أي أحد غايته الوحيدة فيه، وإن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، ألا وهي:
يريد به الوليد بن المغيرة وكان من المستهزئين بالنبي الأعظم ومن الذين مشوا إلى أبي طالب عليه السلام في أمر النبي صلى لله عليه وآله وسلم وقد نزل قوله تعالى: (ذرني ومن خلقت وحيدا) (3) وكان يسمى: الوحيد في قومه (4).
ثم قام أبو طالب ـ حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون ـ في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه، وأجابوه ما دعاهم، إليه، إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون.
فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه؛ جعل يمدحهم ويذكر قديمهم؛ ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، ومكانه منهم، ليشد لهم
____________
(1) في سيرة ابن هشام: 1 / 287: إذ بغي النصر.
(2) شفر. أحد. يقال: ما بالدار شفر، أي ما بها أحد. (المؤلف)
(3) المدثر: 11.
(4) الروض الأنف: 1 / 173 (3 / 62)، تفسير البيضاوي: 2 / 562 (2 / 542)، الكشاف: 3 / 230 (4 / 647)، تاريخ ابن كثير: 4 / 443 (3 / 78) تفسير الخازن: 4 / 345 (4 / 328). (المؤلف)
سيرة ابن هشام (1 / 275 ـ 283)، طبقات ابن سعد (1 / 186)، تاريخ الطبري (2 / 218)، ديوان أبي طالب (ص 24)، الروض الأنف (1 / 171، 172)، شرح ابن أبي الحديد (3 / 306)، تاريخ ابن كثير (2 / 126، 258، و 3 / 42، 48، 49)، عيون الأثر (1 / 99، 100)، تاريخ أي الفداء (1 / 117)، السيرة الحلبية (1 / 306، أسنى المطالب (ص 15) فقال: هذه الابيات من غرر مدائح أبي طالب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على تصديقه اياه، طلبة الطالب (ص 5 ـ 9) (5).
____________
(1) سرها وصميمها: خالصها وكريمها. قال: فلان من سر قومه. أي: من خيارهم ولبابهم وأشرافهم. (المؤلف)
(2) طاشت حلومها: ذهبت عقولها. (المؤلف)
(3) ثنوا: عطفوا. صعر جمع أصعر: المائل. يقال: صعر خده. أي أماله الى جهة كما يفعل المتكبر. (المؤلف)
(4) انتعش: ظهرت فيه الخضرة. الذواء: اليابس. الأكناف: النواحي. الأرومة: الأصل. (المؤلف)
(5) السيرة النبوية: 1 / 282 ـ 288، الطبقات الكبرى: 1 / 202، تاريخ الأمم والملوك: 2 / 322 ـ 328، ديوان أبي طالب: ص 72، الروض الأنف: 3 / 48ن 60، شرح نهج البلاغة: 14 / 53 ـ 55 كتاب 9، البداية والنهاية: 2 / 148، 317، ج 3 / 56، 64، 65، عيون الأثر: 1 / 131 ـ 133، السيرة الحلبية: 1 / 287، أسنى المطالب: ص 28.
12 ـ سيد الأباطح وصحيفة قريش:
اجتمع قريش وتشاوروا أن يكتبوا كتاباً تعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب أن لا ينكحوا إليهم ولا يبيعوا منهم شيئاً ولا يتبايعوا، ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداًَ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقتل، ويخلوا بينهم وبينه، وكتبوه في صحيفة بخط منصور بن عكرمة، أو بخط بغيض بن عامر، أو بخط النضر ابن الحرث، أو بخط هشام بن عمرو، أو بخط طلحة بن أبي طلحة، أو بخط منصور ابن عبد، وعلقوا منها صحيفة في الكعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوة، وكان اجتماعهم بخيف بني كنانة وهو المحصب، فانحاز بنو هشام وبنو المطلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في الشعب إلا أبا لهب فكان مع قريش، فأقاموا على ذلك سنتين وقيل ثلاث سنين، وإنهم جهدوا في الشعب حتى كانوا يأكلون الخبط (1) وورق الشجر.
قال ابن كثير: كان أبو طاب مدة إقامتهم بالشعب يأمره صلى الله عليه وآله وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شراً وغائلة، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه أن يضطجع على فراش المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويأمر هو أن يأتي بغض فرشهم فيرقد عليها.
ثم إن الله تعالى أوحى إلى النبي صلى الله علية وآله وسلم أن الأرضة أكلت جميع ما في الصحيفة من القطيعة والظلم فلم تدع سوى اسم الله فقط، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمه أبا طالب بذلك، فقال: يا بن أخي أربك أخبرك بهذا؟ قال: «نعم». قال: والثواقب ما كذبتني قط. فانطلق في عصابة من بني هاشم والمطلب حتى أتوا لمسجد، فأنكر قريش ذلك، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو طالب:
____________
(1) الخبط: الورق المتساقط من الشجر.
وإن أبا طالب قال لهم بعد أن وجدوا الأمر كما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم: علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أولى بالظلم والقطيعة؟ ودخل هو ومن معه بين أستار الكعبة وقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا، وقطع أرحامنا، وساتحل ما يحرم عليه منا.
وعند ذلك مشت طائفة من قريش في نقض تلك الصحيفة فقال ابو طالب:
____________
(1) يريد به من كان هاجر من المسلمين إلى الحبشة في البحر. (المؤلف)
(2) أرود: أرفق. (المؤلف)
(3) القرقر: اللين السهل. وقال السهيلي: من ليس فيها بقرقر: أي ليس بذليل وطائرها: أي حظها من الشؤم والشر، وفي التنزيل (ألزمناه طائره في عنقه)الإسراء: 13. (المؤلف)
____________
(1) الحراث: المكتسب. يتهم: يأتي تهامة. ينجد: يأتي نجداً. (المؤلف)
(2) الأخشبان: جبلان بمكة. المرهد: الرمح للين. (المؤلف)
(3) ينش: أي ينشأ بحذف الهمزة على غير قياس. أتلد: أقدم. (المؤلف)
(4) المفيضين: الضاربون بقداح الميسر. يريد سلام الله عليه: أنهم يطعمون إذا بجل الناس. (المؤلف)
(5) في سيرة ابن هشام: تبايعوا. والمقصود بهم الأشخاص الذين سعوا في نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم.
(6) المقاولة: الملوك. (المؤلف)
(7) رفرف الدرع: ما فضل منها. أحرد: بطيء المشي لثقل الدرع. (المؤلف)
(8) وفي رواية:
(المؤلف)
طبقات ابن سعد (1 / 173، 192)، سيرة ابن هشام 51 / 399 ـ 404)، عيون الاخبار لابن قتيبة (2 / 151)، تاريخ اليعقوبي (2 / 22)، الاستيعاب ترجمة سهل بن بيضاء (2 / 570)، صفة الصفوة (1 / 35)، الروض الانف (1 / 331) خزانة الأدب للبغدادي (1 / 252)، تاريخ ابن كثير (3 / 84، 95 / 97)، عيون الأثر (1 / 127)،
____________
(1) سيم ـ بالبناء للمجهول ـ: كلف. الخسف: الذل. يتربد: يتغير إلى السواد. (المؤلف)
(2) النجاد: حمائل السيف. (المؤلف)
(3) ألظ: ألح ولزم. (المؤلف)
(4) ذكر الشطر الثاني في الديوان هكذا: وسر إمام العالمين محمد. وسهل بن بيضاء صحابي أسلم بمكة وأخفى إسلامه، وهو الذي مشى الى النفر الذين قاموا في شأن الصحيفة، حتى اجتمع له منهم عدة تبرروا منها وأنكروها.
(5) أسود: جبل، قتل فيه قتيل فلم يعرف قاتله، فقال أولياء المقتول: لديك البيان لو تكلمت أسود. فذهب مثلاً. توجد في ديوان أبي طالب (ص 46 و 96) أبيات من هذه القصيدة غير ما ذكر لم نجدها في غيره. (المؤلف)
وذكر ابن الأثير قصة الصحيفة في الكامل (2) (2 / 36) فقال: قال أبو طالب في أمر الصحيفة وأكل الأرضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحمٍ أبياتاً، منها:
13 ـ وصية ابي طالب عند موته:
عن الكلبي قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدام الشجاع، الواسع الباع، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه، ولا شرفاً إلا أدركتموه، فلكم بذلك على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب وعلى حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ فإن فيها مرضاة للرب، وقواماً للمعاش، وثباتاً للوطأة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها فإن صلة الرحم منسأة في الأجل، وزيادة في العدد، واتركوا
____________
(1) الطبقات الكبرى: 1 / 188، 208، السيرة النبوية: 2 / 14 ـ 19، تاريخ اليعقوبي: 2 / 31، الاستيعاب: القسم الثاني / 660 رقم 1080، صفة لصفوة: 1 / 98 رقم 1، الروض الأنف: 3 / 341، خزانة الأدب: 2 / 57، البداية والنهاية: 3 / 106، 121، 122، عيون الأثر: 1 / 165،الخصائص الكبرى: 2491، ديوان أبي طالب: 45 ـ 46، السيرة الحلبية 1 / 337 ـ 345، السيرة النبوية: 1 / 137، أسنى المطالب: ص 19 ـ 22.
(2) الكامل في التاريخ: 1 / 504 ـ 507.
وإني أوصيكم بمحمد خيراً فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان، وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر الى صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، وعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له فؤادها، وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاةً ولخزبه حماةً، والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، وفي اجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز، ولدافعت عنه الدواهي.
الروض الأنف (1 / 259)، المواهب (1 / 72)، تاريخ الخميس (1 / 339)، ثمرات الأوراق هامش المستطرف (2 / 9)، بلوغ الإرب (1 / 327)، السيرة الحلبية (1 / 375) السيرة لزيني دحلان هامش الحلبية (1 / 93)، أسنى المطالب (ص 5) (1).
قل الأميني: في هذه الوصية الطافحة بالإيمان والرشاد دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أرجأ تصديقه باللسان إلى هذه الآونة التي يئس فيها من الحياة حذرا شنآن قومه المستتبع لانثياله عنه، المؤدي إلى ضعف المنة (2) وتفكك القوى، فلا يتسنى له حينئذ الذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن الإيمان به مستقراً في الجنان من
____________
(1) الروض الأنف: 4 / 30، المواهب اللدنية: 1 / 265، تاريخ الخميس: 1 / 300، ثمرات الأوراق: ص 294، السيرة الحلبية: 1 / 352، السيرة النبوية: 1 / 45، أسنى المطالب: ص 11.
(2) المنة: القوة.
14 ـ وصية أبي طالب لبني أبيه:
أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى (2): أن أبا طالب حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد، وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وعينوه ترشدوا.
وفي لفظ: يا معشر بني هاشم أطيعوا محمداً وصدقوه تفلحوا وترشدوا.
وتوجد هذه الوصية (3) في تذكرة السبط (ص 5)، الخصائص الكبرى (1 / 87)، السيرة الحلبية (1 / 372، 375)، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية (1 / 92، 293)، أسنى المطالب (ص 10). و رأى البرزنجي هذا الحديث دليلاً على إيمان أبي طالب ونعما هو، قال: قلت: جدا أن يعرف أن الرشاد في اتباعه ويأمر غيره بذلك ثم يتركه هو.
قال الأميني: ليس في العقل السليم مساغ للقول بأن هذه المواقف كلها لم تنبعث عن خضوع أبي طالب للدين الحنيف وتصديقه للصادع به صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فماذا الذي كان يجدوه إلى مخاشنة قريش ومقاساة الأذى منهم وتعكير الصفو من حياته لا سيما أيام كان هو والصفوة من فئته في الشعب، فلا حياة هنيئة، ولا عيش رغداً، ولا أمن يطمأن به، ولا خطر مدروءاً، يتحمل الجفاء والقطيعة والقسوة المؤلمة من قومه، فماذا
____________
(1) أجنه: أخفاء وستره.
(2) الطبقات الكبرى: 1 / 123.
(3) تذكرة الخواص: ص 8، الخصائص الكبرى: 1 / 147، السيرة الحلبية: 1 / 352، السيرة النبوية: 1 / 45 و 140، أسنى المطالب: ص 17.
15 ـ حديث عن أبي طالب:
ذكر ابن حجر في الإصابة (4 / 116) من طريق إسحاق بن عيسى الهاشمي عن أبي رافع قال: سمعت أبا طالب يقول: سمعت ابن أخي محمد بن عبد الله يقول: إن ربه بعثه بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره ومحمد الصدوق الأمين.
وذكره السيد زيني دحلان في أسنى المطالب (1) (ص 6) وقال: أخرجه الخطيب، وأخرجه السيد فخار بن معد في كتاب الحجة (2) (ص 26) من طريق الحافظ أبي نعيم الإصبهاني، وبإسناد آخر من طريق أبي الفرج الاصبهاني، وروى الشيخ إبراهيم الحنبلي في نهاية الطلب عن عروة الثقفي قال: سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول: حدثني بن أخي الصادق الأمين وكان والله صدوقاً: إن ربه أرسله بصلة الأرحام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وكان يقول: اشكر ترزق، ولا تكفر تعذب.
____________
(1) أسنى المطالب: ص 15.
(2) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص 135.
ـ 3 ـ
ما يروي عنه آله وذووه
من طرق العامة فحسب
أما رجال آل هاشم، وأبناء عبد المطلب، وولد أبي طالب، فلم يؤثر عنهم إلا الهتاف بايمانه الثابت، وأن ما كان يؤثره في نصرة النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم كان منبعثاً عن تدين بما صدع به صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت أدرى بما فيه.
قال ابن الأثير في جامع الأصول: وما أسلم من أعمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت عليهم السلام. انتهى.
نعم: هتفوا بذلك في أجيالهم وأدوارهم بملء الأفواه وبكل صراحة وجبهوا من خالفهم في ذلك.
1 ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه (1) (3 / 312): روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: إن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. والخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاماً خفياً، فأصغى إليه أخوه العباس (2)، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: «ما مات
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 14 / 71 كتاب 9.
(2) راجع سيرة بن هشام: 2 / 27 (2 / 59)، دلائل النبوة للبيهقي (2 / 346)، تاريخ ابن كثير: 3 / 123 (3 / 152)، عيون الأثر لأبن سيد الناس: 1 / 131 (1 / 173)، الإصابة: 4 / 116 (رقم 685)، المواهب اللدنية: 1 / 71 (1 / 262)، السيرة الحلبية: 1 / 372 (1 / 350)، السيرة الدحلانية هامش الحلبية: 1 / 89 (السيرة النبوية: 1 / 44)، أسنى المطالب: ص 20 (ص 35). (المؤلف)
وذكر أبو الفداء والشعراني عن ابن عباس: أن أبا طلب لما أشتد مرضه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عم قلها استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة يعني الشهادة، فقال له أبو طالب: يا بن أخي لولا مخافة السبة وأن تظن قريش إنما قلتها جزعاً من الموت لقلتها. فلما تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرك شفتيه فأصغى إلية العباس بإذنه وقال: والله يا بن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله الذي هداك يا عم (1).
وقال السيد أحمد زيني دحلان في السيرة الحلبية (2) (1 / 94): نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة التوحيد عن الإمام الشعراني والسبكي وجماعة أن ذلك الحديث ـ أعني حديث العباس ـ ثبت عند بعض أهل الكشف وصح عندهم سلامه.
قال الأميني: ذكرنا هذا الحديث مجاراة للقوم وإلا فما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عند الموت إلى التلفظ بتينك الكلمتين اللتين كرس حياته الثمينة للهتاف بمفادهما في شعره ونشره، والدعوة إليهما، والذب عمن صدع بهما، ومعاناة الأ هوال دونهما حتى يومه الأخير. ما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عندئذ إلى التفوه بها كأمر مستجد، فمتى كفر هو؟ ومتى ضل؟ حتى يؤمن ويهتدي بهما، أليس من الشهادة قوله الذي أسلفناه (ص 331).
____________
(1) تاريخ أبي الفداء: 1 / 120، كشف للشعراني: 2 / 144. (المؤلف)