قوله:
____________
(1) أخرج حديث هذه المكرمة شيخنا ثقة الاسلام الكليني في اصول الكافي: ص 344 (448 / 1). (المؤلف).
(2) راجع ما أسلفناه ص: 345. (المؤلف).
(3) يوجد حديثه في غير واحد من كتب الفريقين. (المؤلف).
(4) راجع ما مر في ص: 347، 398، (المؤلف).
إلى آخر.
____________
(1) راجع ما أسلفناه في ص 343. (المؤلف).
(2) أشار شاعرنا النقيدي إلى أربعة مكرمات للرسول صلى الله عليه وآله شاهدها الشيخ الأبطح أبو طالب، مر حديثها ص 336، 362، 375، 396. (المؤلف).
وله قصيدة (43) بيتا يمدح بها شيخ الأباطح أبو طالب سلام الله عليه توجد في الواهب (1) (ص 151) مستهلها:
ها هنا نجعجع بالقلم عن الافاضة في القول لأن نطاق الجزء ضاق عن التبسط فنرجى تكلمة البحث إلى أوليات الجزء الثامن إن شاء الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
____________
(1) مواهب الواهب: ص 296.
أبو طالب في الذكر الحكيم
لقد أغرق القوم نزعا في الوقيعة والتحامل علي بطل الاسلام والمسلم الاول بعد ولده البار، وناصر دين الله الوحيد، فلم يقنعهم ما اختلقوه من الاقاصيص حتى عمدوا الى كتاب الله فحرفوا الكلم عن مواضعه، فافتعلوا في آيات ثلاث أقاويل نأت عن الصدق، وبعدت عن الحقيقة بعد المشرقين، وهي عمدة ما استند اليه القوم في عدم تسليم ايمان أبي طالب، فاليك البيان:
الاية الاولي
قوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه وان يهلكون الا أنفسهم وما يشعرون) (1).
أخرج الطبري وغيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس أنه قال: انها نزلت في أبي طالب، ينهى عن أذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤذي، وينأى أن يدخل في الاسلام (2).
وقال القرطبي: هو عام في جميع الكفار، أي ينهون عن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وينأون عنه، عن ابن عباس والحسن. وقيل: هو خاص بأبي طالب ينهى الكفار عن أذاية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتباعد عن الايمان به، عن ابن عباس أيضا. روى أهل السير قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج الى الكعبة يوما وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة
____________
(1) الأنعام: 26.
(2) طبقات ابن مسعود 1 / 105 (1 / 123)، تفسير الطبري: 7 / 110 (مج 5 / ج 7 / 173)، تفسير ابن كثير: 2 / 127، الكشاف: 1 / 448 (2 / 14)، تفسير ابن جزي: 2 / 6، تفسير الخازن: 2 / 10. (المؤلف).
الي آخر الابيات التي أسلفناها (7 / 334، 352) فقالوا: يا رسول الله هل تنفع نصرة أبي طالب (1) ؟ قال: نعم دفع عنه بذاك الغل، ولم يقرن مع الشياطين، ولم يدخل في جب الحيات والعقارب، انما عذابه في نعلين من نار [في رجليه] (2)) يغلي منهما دماغه في رأسه، وذلك أهون أهل النار عذابا(3).
قال الاميني: نزول هذه الاية في أبي طالب باطل لا يصح من شتى النواحي:
1 ـ ارسال حديثه بمن بين حبيب بن أبي ثابت وابن عباس، وكم وكم غير ثقة في أناس رووا عن ابن عباس، ولعل هذا المجهول أحدهم.
2 ـ ان حبيب بن أبي ثابت انفرد به ولم يروه أحد غيره ولا يمكن المتابعة
____________
(1) في المصدر: هل تنفع أبا طالب نصرته ؟
(2) الزيادة من الصدر.
(3) تفسير القرطبي: 6 / 406 (6 / 261). (المؤلف).
ونحن لا نناقش في السند بمكان سفيان الثوري، ولا نؤاخذه بقول من قال: انه يدلس ويكتب عن الكذابين (4).
3 ـ ان الثابت عن ابن عباس بعدة طرق مسندة يضاد هذه المزعمة، ففيما رواه الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة وطريق العوفي عنه أنها في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به، وينأون عنه يتباعدون عنه (5).
وقد تأكد ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد من طريق وكيع عن سالم عن ابن الحنفية، ومن طريق الحسين بن الفرج عن أبي معاذ، ومن طريق بشر عن قتادة.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة والسدي والضحاك، ومن طريق أبي نجيح عن مجاهد، ومن طريق يونس عن ابن زيد قالوا: ينهون عن القرآن وعن النبي، وينأون عنه يتباعدون عنه (6).
____________
(1) الثقاة: 4 / 137.
(2) الضعفاء الكبير: 1 / 263 رقم 222.
(3) تهذيب التهذيب: 2 / 179 (2 / 156). (المؤلف).
(4) ميزان الاعتدال: 1 / 396 (2 / 169) رقم 3322. (المؤلف).
(5) تفسير الطبري: 7 / 109 (مج 5 / ج 7 / 172)، الدر المنثور: 3 / 8 (3 / 260 ـ 261). (المؤلف).
(6) الطبري: 7 / 109 (مج 5 / ج 7 / 172)، الدر المنثور: 3 / 8، 9 (3 / 260، 261)، تفسير الآلوسي: ج 7 / ص 126. (المؤلف).
وليس في هذه الروايات أي ذكر لابي طالب، وانما المراد فيها الكفار الذين كانوا ينهون عن اتباع رسول الله أو القرآن، وينأون عنه بالتباعد والمناكرة، وأنت جد عليم بأن ذلك كله خلاف ما ثبت من سيرة شيخ الابطح الذي آواه ونصره وذب عنه ودعا اليه الى آخر نفس لفظه.
4ـ ان المستفاد من سياق الاية الكريمة أنه تعالى يريد ذم أناس أحياء ينهون عن اتباع نبيه ويتباعدون عنه، وان ذلك سيرتهم السيئة التي كاشفوا بها رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم وهم متلبسون بها عند نزول الاية، كما هو صريح ما أسلفناه من رواية القرطبي وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أبا طالب بنزول الاية.
لكن نظرا الى ما يأتي عن الصحيحين فيما زعموه من أن قوله تعالى في سورة القصص: (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) نزلت في أبي طالب بعد وفاته. لا يتم نزول آية ينهون عنه وينأون النازلة في أناس أحياء في أبي طالب، فان سورة الانعام التي فيها الاية المبحوث عنها نزلت جملة واحدة (1) بعد سورة القصص بخمس سور كما في الاتقان (2) (1، 17) فكيف يمكن تطبيقها على أبي طالب وهو رهن أطباق الثرى، وقد توفي قبل نزول الاية ببرهة طويلة؟
5 ـ ان سياق الايات الكريمة هكذا: (ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى اذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا أساطير الاولين ں وهم ينهون عنه وينأون عنه
____________
(1) أخرجه أبو عبيده وابن المنذور والطبراني (في المعجم الكبير: 12 / 166 ح 12930) وابن مردويه والنحاس من طريق ابن عباس والطبراني وابن مردويه من طريق عبد الله بن عمر، راجع تفسير القرطبي: 6 / 382، 383 (6 / 246)، تفسير ابن كثير: 2 / 122، الدر المنثور: 3 / 2 (3 / 245)، تفسير الشوكاني: 3 / 91، 92 (2 / 96، 97). (المؤلف).
(2) الاتقان في علوم القرآن: 1 / 24، 27.
وهو كما ترى صريح بأن المراد بالايات كفار جاؤوا النبي فجادلوه وقذفوا كتابه المبين بأنه من أساطير الاولين، وهؤلاء الذين نهوا عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعن كتابه الكريم، ونأوا وباعدوا عنه، فأين هذه كلها عن أبي طالب، الذي لم يفعل كل ذلك طيلة حياته، وكان اذا جاءه فلكلاءته والذب عنه بمثل قوله:
وان لهج بذكره نوه برسالته عنه بمثل قوله:
وان قال عن كتابه هتف بقوله:
وقد عرف ذلك المفسرون فلم يقيموا للقول بنزولها في أبي طالب وزنا، فمنهم من عزاه الى القيل، وجعل آخرون خلافه أظهر، ورأى غير واحد خلافه أشبه، واليك جملة من نصوصهم:
قال الطبري في تفسيره (2) (7 / 109) المراد المشركون المكذبون بآيات الله ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم والقبول منه وينأون عنه ويتباعدون عنه. ثم رواه من الطرق التي أسلفناها عن ابن الحنفية وابن عباس والسدي وقتادة وأبي معاذ، ثم ذكر قولا آخر بأن المراد ينهون عن القرآن أن يسمع له ويعمل بما فيه، وعد ممن قال به قتادة ومجاهد وابن زيد، ومرجع هذا الى القول الاول، ثم ذكر القول بنزولها في
____________
(1) الانعام: آية 25، آية 26.
(2) جامع البيان: مج 5 / ج 7 / 171 ـ 174.
وأولى هذه الاقوال بتأويل الاية قول من قال: تأويل وهم ينهون عنه عن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم من سواهم من الناس وينأون عن اتباعه، وذلك أن الايات قبلها جرت بذكر جماعة المشركين العادين به والخبر عن تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاعراض عما جاءهم به من تنزيل الله ووحيه، فالواجب أن يكون قوله: (وهم ينهون عنه) خبرا عنهم، اذ لم يأتنا ما يدل على انصراف الخبر عنهم الى غيرهم، بل ما قبل هذه الاية وما بعدها يدل على صحة ما قلنا من أن ذلك خبر عن جماعة مشركي قوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون أن يكون خبرا عن خاص منهم، واذ كان ذلك كذلك فتأويل الاية: وان ير هؤلاء المشركون يا محمد كل آية لا يؤمنوا [بها] (1)) حتى اذا جاؤوك يجادلونك يقولون ان هذا الذي جئتنا به الا أحاديث الاولين وأخبارهم، وهم ينهون عن استماع التنزيل وينأون عنك، فيبعدون منك ومن اتباعك، وان يهلكون الا أنفسهم. انتهى.
وذكر الرازي في تفسيره (2) (4 / 28) قولين: نزولها في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن اتباع النبي والاقرار برسالته. ونزولها في أبي طالب خاصة، فقال: والقول الاول أشبه لوجهين:
الاول: أن جميع الايات المتقدمة على هذه الاية تقتضي ذم طريقتهم فكذلك قوله: (وهم ينهون عنه) ينبغي أن يكون محمولا على أمر مذموم، فلو حملناه على ان أبا طالب كان ينهى عن ايذائه لما حصل هذا النظم.
والثاني: إنه تعالى بعد ذلك: (وإن يهلكون إلا أنفسهم) يعني به ما تقدم
____________
(1) من المصدر.
(2) التفسير الكبير: 12 / 189.
فإن قيل: إن قوله: (وان يهلكون الا أنفسهم) يرجع الى قوله: (وينئون عنه) لا إلى قوله: (وينهون عنه). لأن المراد بذلك أنهم يبعدون عنه بمفارقة دينه وترك الموافقة له ذلك ذم فلا يصح ما رجحتم به هذا القول قلنا: إن ظاهر قوله: (وإن يهلكون إلا أنفسهم) يرجع الي كل ما تقدم ذكره لانه بمنزلة أن يقال: ان فلانا يبعد عن الشيء الفلاني وينفر عنه ولا يضر بذلك الا نفسه، فلا يكون هذا الضرر متعلقا بأحد الامرين دون الاخر. انتهى.
وذكر ابن كثير في تفسيره (2/127» القول الاول نقلا عن ابن الحنفية وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد، فقال: وهذا القول أظهر والله أعلم، وهو اختيار ابن جرير.
وذكر النسفي في تفسيره(1)) بهامش تفسير الخازن (2 / 10) القول الاول ثم قال: وقيل: عني به أبو طالب: والاول أشبه.
وذكر الزمخشري في الكشاف (2) (1/448) والشوكاني في تفسيره (3) (2/103) وغيرهما القول الاول وعزوا القول الثاني الى القيل، وجاء الالوسي(4)) وفصل في القول الاول ثم ذكر الثاني وأردفه بقوله: ورده الامام. ثم ذكر محصل قول الرازي.
وليت القرطبي لما جاءنا يخبط في عشواء وبين شفتيه رواية التقطها كحاطب ليل دلنا على مصدر هذا الذي نسجه، ممن أخذه؟ والى من ينتهي اسناده؟ ومن ذا
____________
(1) تفسير النسفي: 2 / 8.
(2) الكشاف: 2 / 14.
(3) سطح القدير: 2 / 108.
(4) رواح المعاني: 7 / 126 ـ 127.
الاية الثانية والثالثة
1 ـ قوله تعالي: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (1).
2 ـ قوله تعالي: (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) (2).
أخرج البخاري في الصحيح في كتاب التفسير في القصص (3) (7/ 184) قال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة فقال: أي عم قل: لا اله الا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل
____________
(1) البراءة: 113.
(2) القصص: 56.
(3) صحيح البخاري: 4 / 1788 ح 4494.
وفي مرسلة الطبري (2): فنزلت: (ما كان للنبي) الاية. ونزلت: (انك لا تهدي من أحببت).
وأخرجه مسلم في صحيحه (3)) من طريق سعيد بن المسيب، وتبع الشيخين جل المفسرين لحسن ننهم بهما وبالصحيحين.
مواقع النظر في هذه الرواية:
1 ـ ان سعيدا الذي انفرد بنقل هذه الرواية كان ممن ينصب العداء لامير المؤمنين علي عليه السلام فلا يحتج بما يقوله أو يتقوله فيه وفي أبيه وفي آله وذويه، فان الوقيعة فيهم أشهى مأكلة له، قال ابن أبي الحديد في الشرح (4) (1 / 370): وكان سعيد بن المسيب منحرفا عنه عليه السلام، وجبهه عمر بن علي عليه السلام في وجهه بكلام شديد، روى عبد الرحمن بن الاسود عن أبي داود الهمداني قال: شهدت سعيد بن المسيب وأقبل عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له سعيد: يابن أخي ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يفعل أخوتك وبنو أعمامك؟ فقال عمر: يابن المسيب أكلما دخلت المسجد أجيء، فأشهدك؟ فقال سعيد: ما أحب أن تغضب
____________
(1) في المصدر: آخر ما كلمهم.
(2) جامع البيان: مج 7 / ج 11 / 41.
(3) صحيح مسلم: 1 / 82 ح 39 كتاب الإيمان.
(4) شرح نهج البلاغة: 4: 101 الاصل 56.
وأخرج الواقدي من أن سعيد بن المسيب مر بجنازة السجاد علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يصل عليها، فقيل له: ألا تصلي على هذا الرجل الصالح من أهل البيت الصالحين؟ فقال: صلاة ركعتين أحب الي من الصلاة على الرجل الصالح !
ويعرفك سعيد بن المسيب ومبلغه من الحيطة في دين الله ما ذكره ابن حزم في المحلي (4 / 214) عن قتادة قال: قلت لسعيد: أنصلي خلف الحجاج؟ قال: انا لنصلي خلف من هو شر منه.
2 ـ أن ظاهر رواية البخاري كغيرها تعاقب نزول الايتين عند وفاة أبي طالب عليه السلام، كما أن صريح ما ورد في كل واحدة من الايتين نزولها عند ذاك، ولا يصح ذلك لان الاية الثانية منهما مكية والاولى مدنية نزلت بعد الفتح بالاتفاق وهي في سورة براءة المدنية التي هي آخر ما نزل من القرآن (1) فبين نزول الايتين ما يقرب من عشر سنين أو يربو عليها.
3 ـ ان آية الاستغفار نزلت بالمدينة بعد موت أبي طالب بعدة سنين تربو
____________
(1) صحيح البخاري: 7 / 67 في آخر سورة النساء (4 / 1681 ح 4329)، الكشاف: 2 / 49 (2 / 315)، تفسير القرطبي: 8 / 273 (8 / 173)، الإتقان: 1 / 17 (1 / 27)، تفسير الشوكاني: 3 / 316 (2 / 331)، نثلا عن ابن أبي شيبة (في مصنفه: 10 / 540 ح 1262) والبخاري والنسائي (في السنن الكبرى: 6 / 353 ح 11212) وابن الضريس وابن المنذر والنحاس وأبي الشيخ وابن مردويه عن طريق البراء بن عازب. (المؤلف).
هذه آية (22) من سورة المجادلة المدنية النازلة قبل سورة براءة التي فيها آية الاستغفار بسبع سور كما في الاتقان (1) (1 / 17) أخرج: (2) ابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن كثير كما في تفسيره (4/ 329)، وتفسير الشوكاني (5/ 189)، وتفسير الالوسي (28/ 37) أن هذه الاية نزلت يوم بدر وكانت في السنة الثانية من الهجرة الشريفة، أو نزلت على ما في بعض التفاسير في أحد وكانت في السنة الثالثة باتفاق الجمهور كما قاله الحلبي في السيرة(3) فعلى هذه كلها نزلت هذه الاية قبل آية الاستغفار بعدة سنين.
وبقوله تعالى: (يا أيها آلذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبين).
هذه الاية (114) من سورة النساء وهي مكية على قول النحاس وعلقمة وغيرهما ممن قالوا: ان قوله تعالى: (يا أيها الناس) حيث وقع انما هو مكي (4) وان
____________
(1) الإتقان في علوم القرآن: 1 / 27.
(2) المعجم الكبير: 1 / 154 ح 360، المستدرك على الصحيحن: 3 / 296 ح 5152، حلية الأولياء 1 / 101 رقم 10، السنن الكبرى للبيهقي 9 / 27، فتح الغدير: 5 / 194.
(3) السيرة الحلبية: 2 / 216.
(4) تفسير القرطبي: 5 / 1 (5 / 3).
وبقوله سبحانه: (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة).
هذه الاية (139) من سورة النساء وقد عرفت أنها نزلت قبل براءة.
وبقوله تعالي: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير).
هذه الاية (28) من آل عمران، نزل صدرها الى بضع وثمانين آية في أوائل الهجرة الشريفة يوم وفد نجران كما في سيرة ابن هشام (3) (2 / 207)، وأخذا بما رواه القرطبي وغيره (4) نزلت هذه الاية في عبادة بن الصامت يوم الاحزاب كانت في الخمس من الهجرة، وعلى أي من التقديرين وغيرهما نزلت آل عمران قبل براءة ـ سورة آية الاستغفار ـ بأربع وعشرين سورة كما في الاتقان (5) (1 / 17).
وبقوله تعالى: (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم)
____________
(1) صحيح البخاري: 7 / 300 (4 / 1910 ح 4747) في كتاب التفسير باب تأليف القرآن، وذكره القرطبي في تفسيره: 5 / 1. (المؤلف).
(2) الإتقان في علوم القرآن: 1 / 27.
(3) السيرة النبوية: 2 / 225.
(4) تفسير القرطبي: 4 / 58 (4 / 38)، تفسير الخازن: 1 / 235 (1 / 227). (المؤلف).
(5) الإتقان في علوم القرآن: 1 / 27.
وبقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم واخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) وبقوله تعالى: (اسستغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم).
وهذه وما قبلها الايتان (23 و 80) من سورة التوبة نزلتا قبل آية الاستغفار.
أترى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع هذه الايات النازلة قبل آية الاستغفار كان يستغفر لعمه طيلة سنين وقد مات كافرا ـ العياذ بالله ـ وهو ينظر اليه من كثب؟ لاها الله، حاشا نبي العظمة.
ولعل لهذه كلها استبعد الحسين بن الفضل نزولها في أبي طالب وقال: هذا بعيد لان السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الاسلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة، وذكره القرطبي وأقره في تفسيره (2) (8 / 273).
4 ـ إن هناك روايات تضاد هذه الرواية في مورد نزول آية الاستغفار من سورة براءة، منها:
صحيحة أخرجها (3) الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي،
____________
(1) تفسير القرطبي: 18 / 127 (18 / 83)، تفسير ابن كثير: 4 / 369، (المؤلف).
(2) الجامع لأحكام القرآن: 8 / 173.
(3) مسند أبي داود الطيالسي: ص 20 ح 131، المصنف في الأحاديث والآثار: 10 / 522 ح 10190، مسند أحمد 1: 210 ح 1099، سنن الترمذي: 5 / 262 ح 3101، السنن الكبرى: 1 / 655 ح 2163، مسند أبي يعلى: 1 / 280 ح 335، جامع البيان: مج 7 / ج 11 / 43، المستدرك على الصحيحين: 2 / 365 ح 3289، شعب الإيمان: 7 / 41 ح 9378.
يظهر من هذه الرواية أن عدم جواز الاستغفار للمشركين كان أمرا معهودا قبل نزول الاية ولذلك ردع عنه مولانا أمير المؤمنين الرجل، وقوله عليه السلام هذا لا يلائم استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمه على تقدير عدم اسلامه، وترى الرجل ما استند في تبرير عمله الى استغفار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمه علما بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستغفر لمشرك قط.
قال السيد زيني دحلان في أسنى المطالب (2) (ص 18) هذه الرواية صحيحة وقد وجدنا لها شاهدا برواية صحيحة من حديث ابن عباس رضى الله عنه قال: كانوا يستغفرون لابائهم حتى نزلت هذه الاية، فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لامواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للاحياء حتى يموتوا ثم أنزل الله تعالى: (وما كان استغفار ابراهيم) الاية يعني استغفر له ما دام حيا فلما مات أمسك عن الاستغفار له، قال: وهذا شاهد صحيح فحيث كانت هذه الرواية أصح كان العمل بها أرجح، فالارجح أنها نزلت في استغفار أناس لابائهم المشركين لا في أبي طالب. انتهى.
ومنها: ما أخرجه (3) ـ في سبب نزول آية الاستغفار ـ مسلم في صحيحه،
____________
(1) التوبة: 113، 114.
(2) أسنى المطالب: ص 45.
(3) صحيح مسلم: 2 / 365 ح 106 كتاب الجنائز، مسند أحمد: 3 / 186 ح 9395، سنن أبي داود: 3 / 218 ح 3234، السنن الكبرى: 1 / 654 ح 2161، سنن ابن ماجة: 1 / 501 ح 1572.
وأخرج: الطبري، والحاكم (2) وابن أبي حاتم، والبيهقي (3) عن ابن مسعود وبريدة، والطبراني (4) وابن مردويه، والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل من غزوة تبوك اعتمر فجاء قبر أمه فاستأذن ربه أن يستغفر لها، ودعا الله تعالى أن يأذن له في شفاعتها يوم القيامة فأبى أن يأذن فنزلت الاية (5).
وأخرج الطبري في تفسيره (6) (11 / 31) عن عطية: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها حتى نزلت: (ما كان للنبي) الى قوله: (تبرأ منه).
وروى الزمخشري في الكشاف (7) (2 / 49) حديث نزول الاية في أبي طالب، ثم ذكر هذا الحديث في سبب نزولها وأردفها بقوله: وهذا أصح لان موت أبي طالب كان قبل الهجرة وهذا آخر ما نزل بالمدينة.
____________
(1) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 7 / 151 (10 / 314 ح 4675)، (المؤلف).
(2) المستدرك على الصحيحن: 2 / 36 ح 3292.
(3) دلائل النبوة: 1 / 189.
(4) المعجم الكبير: 11 / 296 ح 12049.
(5) تفسير الطبري: 11 / 31 (مج 7 / ج 11 / 42)، إرشاد الساري: 7 / 270 (10 / 314 ح 4675)، الدر المنثور: 3 / 283 (4 / 302). (المؤلف).
(6) جامع البيان: مج 7 / ج 11 / 42.