الصفحة 126

د ـ السمّاعون:

تلك المجموعة كانت قلوبهم كالريشة في مهبّ الريح تميل إلى هؤلاء تارة وإلى أُولئك أُخرى، وذلك بسبب ضعف إيمانهم وقد حذّر البارى عزّ وجلّ المسلمين منهم حيث قال عزّ من قائل، واصفاً إيّاهم بالسمّاعين لاَهل الريب: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الّذِينَ لا يُوَْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ و ارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدّدَونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لاَََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انبعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فيكُمْ ما زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلاَََوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين) وذيل الآية دليل(1) على كون السمّاعين من الظالمين لا من العدول.

هـ ـ خالطو العمل الصالح بالسىّء:

وهؤلاء هم الذين يقومون بالصلاح والفلاح تارة، والفساد والعبث أُخرى، فلاَجل ذلك خلطوا عملاً صالحاً بعمل سىّء، قال سبحانه: (وَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً واخَرَ سَيّئاً)(2)

و ـ المشرفون على الارتداد:

إنّ بعض الآيات تدل على أن ّمجموعة من الصحابة كانت قد أشرفت على الارتداد يوم دارت عليهم الدوائر، وكانت الحرب بينهم وبين قريش طاحنة فأحسّوا بالضعف، وقد أشرفوا على الارتداد وقد عرّفهم الحق سبحانه بقوله: (وطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْـرَ الحَقّ ظَنَّ الجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا

____________

1. التوبة: 45 ـ 47.

2. التوبة: 102.


الصفحة 127
مِنَ الاََمْرِ مِنْ شَيءٍ قُلْ إِنَّ الاََمْرَ كُلُّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الاََمْرِ شَيءٌ مَا قُتِلْنَا هَهُنا)(1)

ز ـ الفاسق:

إنّ القرآن الكريم يحثُّ الموَمنين وفي مقدّمتهم الصحابة، على التحرّز من خبر الفاسق حتى يتحقّق التبيّن. فمَن هذا الفاسق الذي أمر القرآن بالتحرّز من خبره؟ إقرأ أنت ماورد حول الآية من شأن النزول واحكم بما هو الحق قال سبحانه: (يَا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )(2)

فإن ّمن المجمع عليه بين أهل العلم أنّه نزل في حق الوليد بن عقبة بن أبي معيط وذكره المفسّرون في تفسير الآية فلا نحتاج إلى ذكر المصادر.

كما نزل في حقه قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُوَْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتوُون)(3) .

نقل الطبري في تفسيره باسناده أنّه كان بين الوليد وعلىّ، كلام فقال الوليد: أنا أسلط منك لساناً، وأحدُّ منك سناناً وأردُّ منك للكتيبة. فقال علي: اسكت فانّك فاسق، فأنزل الله فيهما: (أَفَمَن كانَ مُوَْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُون ) .(4)

وقد نظم الحديث حسانُ بن ثابت (شاعر عصر الرسالة) وقال:

____________

1. آل عمران: 154.

2. الحجرات: 6.

3. السجدة: 18.

4. تفسير الطبري: 21/60، وتفسير ابن كثير: 3/462.


الصفحة 128
أنـزل الله والكتاب عزيز في على وفي الوليد قرآنا
فتبوّأ الوليد إذ ذاك فسقاً وعـلـيّ مـبـوأٌ إيمانا
سوف يدعى الوليدُ بعد قليلو عـليّ إلى الحساب عيانا
فـعلىّ يجزى بذاك جنانا وولـيدٌ يُجزى بذاك هوانا(1)
أفهل يمكن لباحث حرّ، التصديقُ بما ذكره ابن عبد البر وابن الاَثير وابن حجر، وفي مقدّمتهم أبو زرعة الرازي الذي هاجم المتفحّصين المحقّقين في أحوال الصحابة واتّـهمهم بالزندقة؟

ح ـ المسلمون غير الموَمنين:

إنّ القرآن يعدّ جماعة من الاَعراب الذين رأوا النبي وشاهدوه وتكلّموا معه، مسلمين غير موَمنين وأنّهم بعدُ لم يدخل الاِيمان في قلوبهم، قال سبحانه: (قَالَت الاَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَم تُوَْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلمّا يَدْخُلِ الاِِيَمانُ في قُلُوبِكُمْ وَإن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لايَلْتِكُم مِنْ أعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم)(2)

أفهل يصح عدُّ عصابة غير موَمنة من العدول الاَتقياء؟!

ط ـ الموَلّفة قلوبهم:

اتّفق الفقهاء على أنّ الموَلّفة قلوبهم ممّن تصرف عليهم الصدقات، قال سبحانه: (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَسَاكِينِ والعَامِلِينَ عَلَيْها وَالمُوََلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

____________

1. تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزى: 15، وكفاية الكنجى: 55 ومطالب السوَول لابن طليحة: 20، وشرح النهج، الطبعة القديمة: 2/103، وجمهرة الخطب لاَحمد زكى: 2/22، لاحظ الغدير: 2/43.

2. الحجرات: 14.


الصفحة 129
وَفِي الرِّقَابِ والغَارِمِينَ وفي سَبِيلِ اللهِ و ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيم)(1) .

والمراد من "الموَلّفة قلوبهم": الذين كانوا في صدر الاِسلام ممّن يظهرون الاِسلام، يتألَّفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم. وهناك أقوال أُخر فيهم متقاربة، والكلّ يهدف إلى الاِعطاء لمن لايتمكن إسلامُه حقيقةً إلاّ بالعطاء(2) .

ي ـ المولُّون أمام الكفّار:

إنّ التولّي عن الجهاد والفرار منه، من الكبائر الموبقة التي ندّد بها سبحانه بقوله:

(يَا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الاَدْبار * وَمَنْ يُوَلِّهمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرّفاً لِقِتَالٍ أو مُتَحَيّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِير)(3)

إنّ التحذير من التولّي والفرار من الزحف، والحث على الصمود أمام العدو، لم يصدر من القرآن إلاّ بعد فرار مجموعة كبيرة من صحابة النبي في غزوة "أُحد" و "حنين".

أمّا الاَوّل: فيكفيك قول ابن هشام في تفسير الآيات النازلة في أُحد، قال: "ثم أنّبهم بالفرار عن نبيهم وهم يُدعون، لا يعطفون عليه لدعائه إيّاهم فقال: (إذْ

____________

1. التوبة: 60.

2. تفسير القرطبي: 8/187، المغني لابن قدامة: 2/556.

3. الاَنفال: 15 ـ 16.


الصفحة 130
تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُم )(1)

وأمّا الثاني: فقد قال ابن هشام فيه أيضاً: فلمّا انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم " من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلّم رجالٌ منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب: لاتنتهي هزيمتهم دون البحر، وصرخ جبلة بن حنبل: ألا بَطَلَ السحرُ اليوم...(2)

أفبعد هذا يصح أن يعدّ جميع الصحابة، بحجة أنّهم رأوا نور النبوة، عدولاً أتقياء؟

قال القرطبي في تفسيره: قد فرّ الناس يوم "أُحد" وعفى الله عنهم وقال الله فيهم يوم حنين: (ثم وليتم مدبرين ) ثم ذكر فرار عدّة من أصحاب النبي من بعض السرايا(3) .

هذه هي الاَصناف العشرة من صحابة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم " ممّن لايمكن توصيفهم بالعدالة والتقوى، أتينا بها في هذه العجالة مضافاً إلى الاَصناف المضادة لها.

ولكن نلفت نظر القارىَ الكريم إلى الآيات الواردة في أوائل سورة البقرة وسورة النساء وغيرها من الآيات القرانية فيرى فيها أنّ الاِيمان بعدالة الصحابة بأجمعهم خطأ في القول، وزلّة في الرأي، يضاد نصوص الذكر الحكيم، ولم يكن الصحابة إلاّ كسائر الناس فيهم صالح تقي بلغ القمة في التقى والنزاهة، وفيهم طالح شقى سقط إلى هوّة الشقاء والدناءة. ولكن الذي يميّز الصحابة عن غيرهم أنّهم رأوا نور النبوّة وتشرّفوا بصحبة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم " وشاهدوا معجزاته في حلبة المباراة بأمّ أعينهم، ولاَجل ذلك تحمّلوا مسوَُولية كبيرة أمام الله وأمام رسوله وأمام الاَجيال المعاصرة لهم واللاحقة بهم، فإنّهم ليسوا كسائر الناس، فزيغهم وميلهم عن الحق أشد ولا يعادل زيغ أكثر الناس وانحرافهم. وقد قال

____________

1. آل عمران: 153.

2. سيرة ابن هشام: 3/11 و 4/444، ولاحظ التفاسير.

3. تفسير القرطبي: 7/383.


الصفحة 131
سبحانه في حق أزواج النبي "صلى الله عليه وآله وسلم ": (يَانِسَاءَ النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النّساء)(1) فإن انحرف هؤلاء فقد انحرفوا في حال شهدوا النور، ولمسوا الحقيقة، وشتّان بينهم وبين غيرهم.

الصحابة في السنّة النبوية:

ونذكر في المقام بعض ماورد في مصادر أهل السنّة أنفسهم حول بعض الصحابة وليس كلّهم والعياذ بالله.

ففى صحيح البخاري: في تفسير سورة المائدة بسنده عن ابن عباس قال: خطب رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم "... ـ إلى أن قال: ـ ويجاء برجال من أُمتى فيوَخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يارب أصحابى، فيقال إنّك لا تدري ما أحدَثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: (وَكُنْتُ عَلَيْهِم شَهيداً مَادُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم )(2) فيقال إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على(3) أعقابهم منذ فارقتهم.

ورواه الترمذي في تفسير سورة الاَنبياء أيضاً وجاء في موطأ مالك: عن أبي النضر أنّه بلغه أنّ رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم " قال لشهداء أُحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يارسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟

فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم ": بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي.

فبكى أبو بكر ثم قال: أئنّا لكائنون بعدك؟(4)

وهل أتى الشيعة الاِمامية بجديد إذا كانوا يفرّقون في الحب والمودة بين جماعة وأُخرى، وقد أمر القرآن بذلك في أكثر من آية؟

____________

1. الاَحزاب: 32.

2. المائدة: 117.

3. صحيح البخاري: 3/127.

4. الموطأ: 1/307، كتاب الجهاد ـ الشهداء في سبيل الله.


الصفحة 132
ثم إنّ "جبرين" وأمثاله لماذا يغمضون عيونهم عن حقائق القرآن ولا يصارحون الناس بها بدل اتّخاذ هذا الموقف الشريف الذي يمليه الحق والاِنصاف؟ لماذا يعمد إلى تكفير طائفة كبرى من طوائف المسلمين وهم الشيعة الاِمامية ويراهم مستحقّين للقتل والاِبادة، ولا يوجّه مثل هذه الفتوى ضد الصهاينة في فلسطين، والاَمريكان الذي يدنّسون بأحذيتهم الصليبية أرض وبلد المقدّسات؟

لماذا لا يحارب الفساد الاَخلاقي والسياسي في مشرق الاِسلام ومهجر الرسول، ولا يفكر في تسيّب الشباب هناك وتسرّب اللاّدينية، والانحراف العقيدي إلى أذهانهم البريئة؟!

لماذا تصدر هذه الفتوى في هذا الظرف الذي انهارت فيه الشيوعية، واعترف "غورباتشوف" بأن السبب الرئيسي وراء هذا المصير القائم في الاتحاد السوفيتي هو نسيان الله وتجاهل الفطرة التي فطر الناس عليها كما قال في خطاب الاستقالة موَخراً؟! وهو الاَمر الذي ذكَّرَه به الاِمامُ الراحلُ الخميني في رسالَتهِ التاريخية إليه.

لماذا في مثل هذا الظرف الهامّ الذي يتوجّه العالم إلى الاِسلام ويتطلَّع المستضعفون إلى المسلمين، وهو أمر يفرض العمل الجاد لتوحيد صفوف المسلمين وإظهارهم في مظهر الاَُمة الواحدة القوية على اختلاف مذاهبها ومسالكها التي تتمحور حول أُصول الاِيمان وتتّفق فيها وإن اختلفت في بعض الاجتهادات الفرعية العلمية؟!

أقول: لماذا ينبري مجلسُ الاِفتاء السعودي متمثّلاً بالمدعوّ "جبرين" وبعض زملائه إلى شق عصا المسلمين وإثارة النعرات الطائفية، وعزل أكبر قطعة من جسم الاَُمّة الاِسلامية التي هي الآن صخرة صمّاء أمام تلاطم أمواج الكفر والاستكبار رافعة راية لا إله إلاّ الله، كلمةً وعملاً وظهرها ومتكأها هو الباري

الصفحة 133
صاحب الكلمة، فأين يا تري موقفه أمام أعداء الاِسلام اليوم وكيف سيواجه خالقه وقد أفرح بفعلته هذه قلوب المستكبرين والظلمة والمنافقين؟!!

وهل أذنب الشيعةُ إذا هم اتّبعوا وأحبوا مَن أمرَ القرآن باتّباعهم ومحبّتهم من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهراً والذين فرض محبتهم ومودتهم بقوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى )(1) ؟

المطلوب موَتمر للحوار العلمي الديني:

نحن ندعو علماء الوهابية إلى حوار علمى صريح وبنّاءٍ يحضره علماء المسلمين لمناقشة ما يعتقدونه، أوّلاً، وما يرمون به المسلمين ويكفّرونهم بسببه ثانياً، إنهاءً لهذه المواقف المضرّة بالمسلمين وقطعاً لدابر الفتنة والاختلاف.

نحن نهيب بمفكري الاَُمّة الاِسلامية وبالشباب في البلاد الاِسلامية أن يضغطوا على مجلس الاِفتاء السعودي ليقبل بالدخول مع علماء الشيعة الاِمامية بصورة خاصة، وعلماء الطوائف الاِسلامية الاَُخرى بصورة عامة في حوار علمي جادّ... لوضع حدٍّ لمُسلَسل التكفيرات والمذابح الناشئة عنها، ونحن نحمّل المسلمين كلّ الجرائم التي ستنشأ من هذه التكفيرات التي تعكس أهداف الاستعمار الحاقد، لو سكتوا وتركوا الاَمر.

وإنّنا لنحذّر المسلمين بأنّ هذا الموقف الصادر من "الجبرين" ونظرائه الذين لايهمّهم إلاّ تكفير المسلمين ورميهم بالشرك تاركين الصهاينة والصليبيّين يسرحون ويمرحون في بلاد الاِسلام، لن يقتصر على الشيعة الاِمامية بل سيشمل الطوائف الاَُخرى، لاَنّ الوهابيين الذين يرفعون شعار التوحيد يكفرّون عامة المسلمين إلاّ أنفسهم، فهل من مدّكر؟!.

____________

1. الشورى: 23.


الصفحة 134

الجهة العاشرة:
في الوحدة الاِسلامية

إنّ الاِسلام يوَكد على وحدة المسلمين، والتمسّك بالعروة الوثقى ونبذ كل مايهدم هذه الوحدة من التهم والظنون أو التكفير والتفسيق، ويراها أمراً ضرورياً للمسلمين، وترى الترغيب في الاَُلفة والوحدة إذا تدبّرت معانى الآيات النازلة في هذا المجال حيث قال سبحانه:

(إنَّما المُوَْمِنُونَ إخْوَة ) (الحجرات ـ 10).

(وَالمُوَْمِنُونَ والمُوَمِناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْض) (التوبة ـ 71).

(مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم ) (الفتح ـ 29).

(وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ) (آل عمران ـ 103).

فهذه الآيات كلّها تدعو إلى الوحدة والاَُلفة، وهناك آيات تنبذ الفرقة وتردّها قال سبحانه:

1 ـ (وَلا تَكُونُوا كَالّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِمَا جَاءَهُمُ البيّناتُ وأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم ) (آل عمران ـ105).

2 ـ (إنَّ الّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيء إِنَّما أمْرُهُمْ إلى اللهِ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِما كَانُوا يَفْعَلُون ) (الاَنعام ـ 159).


الصفحة 135
3 ـ (أنْ أقِيمُوا الّدِينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه ) (الشورى ـ 13).

4 ـ (وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه ) (الاَنعام ـ 153).

وكما أنّ الكتاب يدعو إلى الوحدة ويحذّر عن التفرّق فهكذا السنّة تتلو تلو الكتاب.

قال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم ": "لا تدخلون الجنّة حتى توَمنوا، ولا توَمنون حتى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم"(1)

وقال "صلى الله عليه وآله وسلم ": "الدين النصيحة" قالوا: لمن يارسول الله ؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولاَئمة المسلمين ولعامّتهم والذي نفسي بيده لا يوَمن عبد حتى يحب لاَخيه ما يجب لنفسه"(2)

وقال "صلى الله عليه وآله وسلم ": "ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهم يد على من سواهم فمن أخْفَر(3) مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صدق ولا عدل"(4)

وقال: "إيّاكم والظّن فانّ الظّن أكذب الحديث، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولاتدابروا، ولاتباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثةأيام"(5)

وقال "صلى الله عليه وآله وسلم ": "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه يوم القيامة"(6) .

إلى غير ذلك من الاَحاديث الحاثّة للمسلمين على الوئام والتالف والتوادد

____________

1. المتقى الهندي: كنز العمال: 15/892 و 3/413.

2. المتقي الهندي: كنز العمال: 15/892 و 3/413.

3. أخفر: نقض عهده.

4. الحاكم: المستدرك: 2/141، ومسند أحمد: 1/126 و 151.

5. المتقي الهندي، كنز العمال: 16/86 و 1/150.

6. المتقي الهندي، كنز العمال: 16/86 و 1/150.


الصفحة 136
ونبذ الفرقة والاختلاف والتشاجر والتشاحن، والطرد والاِقصاء.

هذه هي الآيات الكريمة والسنّة النبوية المشرَّفة تدعو إلى الوئام، وبينما نحن على العكس ندعو بأفعالنا وأقلامنا إلى الفرقة والاختلاف، فيتّهم ويسب ويكفّر بعضنا بعضا، وكأنّ الجميع قد نسوا أنّ العدو الذي يتحيّن الفرص لسحقهم، هو غير الشيعي والسنّي، وإنّما هو معسكر الغرب وأذنابه ودعاته وموَيّدوه، وقد نصبوا شراكهم لعامّة الفرق الاِسلامية بدون استثناء ليصبحوا فريسة لاَهدافهم.

إنّ بعض أصحاب القلم من المسلمين قد انسحبوا من جبهة الصراع مع أعدائهم الحقيقيّين ولجأوا إلى جبهة معارضة ضد إخوانهم وكأنّه ليس لهم على وجه البسيطة عدو سواهم، وهذا موَسف جداً.

إنّ الوحدة الاِسلامية أُمنية كل مسلم عاقل عارف بما حِيْك للمسلمين من مصائد في هذه الاَيام لاستغفالهم، ولاتتحقّق الوحدة إلاّ بالتفاهم بين الفرق لوجود الاَُصول المشتركة بينهم ثم السماح لكلّ فرقة أن تجتهد في غيرها.

فمثلاً، انّ المتعة والزواج الموَقت مسألة فرعية دام الاختلاف فيها منذ عصر الخلفاء وحتى يومنا هذا، وهي مسألة فقهية قرانية حديثية، فمن قائل بكونها حلالاً في عصر الرسول باقية على حكمها إلى عصرنا هذا، إلى قائل بأنّها نسخت في عصر الرسول وكانت حلالاً سنين وشهوراً، إلى ثالث بأنّها نهى عنها الخليفة عمر بن الخطاب، والتحريم سنّة له.

ولكلٍّ حجّته ودليله، فللمصيب أجران وللمخطىَ أجر واحد، ومع ذلك نرى أنّ هذه المسألة أوجدت ضجة كبرى بين المعارضين للشيعة، وكأنّ القول بالحلّية إفتاء بالكفر، فما أكثر الخلاف في المسائل الفرعية بين أئمة المذاهب، فلماذا يتّخذ ذلك الخلاف كقميص عثمان ضد شيعة أهل البيت.


الصفحة 137
إنّ أعلام الشيعة منذ منتصف القرن الثالث ملاَوا رسائلهم بنفي التحريف عن الكتاب العزيز، وربما وجد فيهم من اغترّ ببعض المراسيل الموجودة في كتب الفريقين الروائية، ومع ذلك نجد أنّ المعارض يذكر الاَخير ويتناسى تصريح مئات علماء الشيعة على عدم التحريف.

نحن الشيعة كلّما تكلّمنا عن تغلّب معاوية على الاَُمّة وابتزازه الاِمرة عليها بغير رضا منها وقتله شيعة علي ـ عليه السلام ـ تحت كل حجر، وأخذه بالظنّة والتهمة، وقتله الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي الذي أنهكه الورع والعبادة، والصحابي العظيم الآخر: عمرو بن الحمق بالوحشية والقسوة، إلى غير ذلك من فظائع الاَعمال، وقبائح الاَفعال.

قام أصحاب القلم من السنّة بتبرير أعماله بالاجتهاد، وأنّه كان مجتهداً فيما رأى وعمل.

وكلّما تكلّمنا عن عمرو بن العاص وخيانته التي ارتكبها في مسألة التحكيم والخدعة التي قام بها بوجه أبي موسى الاَشعري، برّروا عمله بأنّه صدر منه عن اجتهاد.

وكلّما تحدّثنا عن جمل البصرة، وراكبته، وقائدة الجيش الجرّار ضد الاِمام المختار من قبل المهاجرين والاَنصار، بل الاِمام المنصوص عليه من قبل الله يوم الغدير في محتشد عظيم، قالوا: إنّها كانت مجتهدة عارفة بوظيفتها.

وإذا قلنا: إنّه سبحانه يأمرها بلزوم البيت النبوي بقوله عزّ من قائل: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ ) (الاَحزاب ـ 33) قالوا: إنّ أساس عملها الاجتهاد، وإن كانت خاطئة.

فإذا كان باب الاجتهاد واسعاً إلى هذا الحد الذي يُبرَّر به قتل النفوس الموَمنة، وتخضيب الاَرض بالدماء الطاهرة، واستئصال الصحابة العدول، فلماذا لا يبرَّر به اجتهاد الشيعة في الفروع والاَحكام العملية، في مجال تجويز المتعة

الصفحة 138
والتقية، ومسح الاَرجل، وترك التثويب وقبض اليد اليسرى باليمنى، إلى غير ذلك من الفروع التي اختلفت فيها كلمات فقهاء الشيعة عن أهل السنّة. فلماذا باؤكم تجرُّ وباؤنا لا تجر (تِلكَ إذاً قِسْمَةٌ ضِيزى ) .

ففي هذا الجو المفعم بالعداء والتباغض وسوء الظن لاتتحقّق الوحدة، بل تتقوّى الفرقة وتنثلم العروة الوثقى.

إنّ الشيعة في عصري الاَمويين والعباسيين كانوا فريسة للظالمين، ولم يكن لهم محيص إلاّ التقية فإنّها سلاح الضعيف وعليها جُبلت طبيعة البشر وشرّعها الاِسلام في الظروف الحرجة، وربما تحرم التقية التي جاء بها القرآن الكريم في سورتين مباركتين(1) وأطبق على جوازها كل المفسّرين، إذا توقف حفظ الكرامة وصيانة الحق على تركها، ومع ذلك نرى أنّه يشنّع بها على الشيعة ويُزدرى بها عليهم كأنّهم جاءوا بأمر فظيع.

وأنت إذا قرأت تاريخ الشيعة وما حاقت بهم من بلايا ومصائب من أخذهم بالظنّة والتهمة، وقتلهم تحت كل حجر ومدر، وصلبهم على مشانق البغي، تقف على أنّه لم يكن لهم محيص للحفاظ على حياتهم إلاّ التقية.

نعم كان هناك رجال رجّحوا التضرّج بالدماء على الحياة مع الظالمين.

فلو كان هناك ذنب في اعمال التقية فالبادىَ بها أظلم، أي من دفعهم إلى العمل بها.

فيا أيّها المسلمون كونوا أنصار الوحدة والاَُلفة، ولاتكونوا دعاة التفرقة (وَلاتَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمُ السّلاََم لَسْتَ مُوَمِناً)(2) . وارفضوا سوء الظن بإخوانكم، واسمحوا لهم ما سمحتم لاَنفسكم.

____________

1. آل عمران: 28، النحل: 106.

2. النساء: 94.


الصفحة 139
وفي الختام نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وكفى بالله رقيباً وحسيباً.

وأسأله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى: إنّه بذلك قدير، وبالاِجابة جدير.

قم ـ موَسسة الاِمام الصادق ـ عليه السلام ـ
3 ـ شوال المكرّم 1415 هـ. ق