الصفحة 63
فقوله (عليه السلام): «لم تكن مع أحد ممّن مضى إلاّ مع رسول الله وهي مع الأئمة منّا» يدلّ على أنّ علمهم وفضلهم وعصمتهم يختلف عمّا سبق وعمّا لحق، فإنّه يختصّ بهم، وإنّهم أفضل الخلق، ولمثل هذه العصمة الأخصّ نقول بأنّهم (عليهم السلام) لا يصدر منهم ترك الأولى، بخلاف بقيّة الأنبياء والأوصياء، فإنّه لهم عصمة الخاصّ، وعند زينب (عليها السلام) عصمة العامّ، وما عند غيرها عصمة الأعمّ.

ومعنى العصمة في الأنبياء والأوصياء: لطف إلهي خاصّ باعتبار القوّة النورية الملكوتية الراسخة، فتعصم الإنسان في حياته.

فالنبيّ والإمام (عليهما السلام) لهما العلم الخاصّ وبطريق خاصّ يمنح صاحبه ملكة العصمة الخاصّة والمطلقة بإذن الله تعالى. فيكون الاُسوة والقدوة المطلقة {لَـقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(1)، ثمّ الأمثل فالأمثل بمقدار ما عندهم من العلم والعصمة، ولمثل هذا نقول: إنّ زينب الكبرى (عليها السلام) هي من الاُسوة والقدوة أيضاً.

ثمّ بهذه العصمة الكلّية تجب الطاعة المطلقة، كما تجب المودّة والمحبّة.

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «إنّما الطاعة لله عزّ وجلّ ولرسوله ولولاة الأمر، وإنّما اُمر بطاعة اُولي الأمر لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته»(2).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «الأنبياء وأوصيائهم لا ذنوب لهم لأنّهم

____________

1- الأحزاب: 21.

2- بحار الأنوار 25: 200.


الصفحة 64
معصومون مطهّرون»(1).

وزبدة المخاض: يبدو لي من خلال المطالعة والمراجعة إلى مباحث العصمة في الكتاب والسنّة وعبائر الفلاسفة وعلماء الكلام، إنّما العصمة من الكلّي التشكيكي فلها مراتب طوليّة وعرضيّة، فبدايتها العدالة التي يشترط في كلّ مسلم وإمام جماعة: من إتيان الواجبات وترك المحرّمات وأن لا يأتي بما ينافي المروّة كما عند البعض، ونهايتها عصمة الله الكبرى التي بلا نهاية، ثمّ بينهما مراتب، فبعد عدالة إمام الجماعة كما في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، يشترط العدالة في مرجع التقليد، وعندي عدالته أعلى رتبة من عدالة إمام الجماعة، كما ذكرت تفصيل ذلك في كتاب (القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد ـ المجلّد الأوّل) ثمّ يأتي دور عصمة أمثال زينب الكبرى (عليها السلام) وهي التي نسمّيها بالعصمة الأفعالية العالية، ثمّ عصمة الأنبياء والأوصياء وهي العصمة الذاتية الكلّية المطلقة الواجبة، ثمّ عصمة الأربعة عشر معصوم محمّد والأئمة الاثني عشر وفاطمة الزهراء (عليهم السلام)، والكلّ يشترك بالطهارة وبعدم ارتكاب الذنوب والمعاصي، إلاّ أنّه كلّ واحد يمتاز عن الآخر بخصائص ومميّزات، كعصمة الأربعة عشر معصوم (عليهم السلام) ليس فيها ترك الأولى، بخلاف عصمة الأنبياء فإنّه لا يضرّها ترك الأولى، وتفصيل الكلام يطلب من محلّه.

سؤال:

لو سئل من أين لنا أن نعلم بعصمة زينب (عليها السلام) ونحكم بأنّها معصومة بالعصمة الأفعالية؟

____________

1- المصدر 25: 199.


الصفحة 65
الجواب:

نعرف ذلك من خلال سيرتها وما ورد في حقّها كما في غيرها، وأذكر لكم شاهداً على ذلك، ما ورد في حقّ فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليها السلام) أنّها كانت في سنّ أربع أو خمس سنين عندما جاء بعض الشيعة إلى دار الإمام (عليه السلام)ليسألوا عن بعض المسائل إلاّ أنّهم لم يجدوا الإمام (عليه السلام)، فبعد طرق الباب خرجت لهم زوجة الإمام (عليه السلام) وأخبرتهم بعدم وجود الإمام (عليه السلام)، فقالوا لها: إنّنا جئنا من مكان بعيد ولا بدّ لنا من أجوبة هذه المسائل، فكيف بنا ومن نسأل؟ فقالت لهم زوجة الإمام (عليه السلام): هنا في البيت فاطمة بنت الإمام (عليه السلام)، قالوا: إذن نسأل فاطمة، ولمّا دخلوا عليها وسألوها أجابتهم بكلّ الأجوبة وبتمامها، فأخذوا أجوبتهم وذهبوا، ولمّا جاء الإمام حدّثته زوجته بكلّ ما جرى وقالت: إنّ فاطمة أجابت بكذا وكذا، فقال عند ذلك: إنّ فاطمة حكمت بحكم الله سبحانه وتعالى، وهكذا زينب (عليها السلام)كان عمرها سنتين كما ورد في الرواية وهي جالسة في حجر أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها أبوها: بنيّة قولي واحد، فقالت: واحد، ثمّ قال لها: قولي اثنين، قالت: لا أقول يا أبتاه، قال: بنيّتي لِمَ لا تقولين اثنين؟ قالت: لساني جرى على الواحد ولا يجري على الاثنين. فمن تلك القصّة الاُولى وهذه القصّة الثانية نفهم أنّ السيّدتين الجليلتين عالمتان غير معلّمتين، كما أنّهما تربّيتا تربية نبوية علوية، ومثل هذه التربية لا تنتج إلاّ عصمة أفعالية، ثمّ عندما نطّلع على حالة زينب (عليها السلام) وهي تصلّي صلاة الليل في ليلة الحادي عشر من المحرّم في تلك الليلة التي تهدّ الجبال بمصيبتها نلمس من ذلك مدى علم زينب وعصمة زينب (عليها السلام)، وهذا ليس بعجيب فإنّ مثل هذه العصمة ثبتت لمن هو أقلّ من مقام زينب (عليها السلام) التي قال في حقّها الإمام زين العابدين (عليه السلام): «عمّة، أنتِ بحمد الله

الصفحة 66
عالِمة غير معلَّمة، وفهِمة غير مفهَّمة» أي أنّ معلّمكِ هو ربّ العالمين فأنتِ لست بحاجة إلى معلّم آخر، فإنّه تعالى أدّبكِ فأحسن تأديبك، فهي عالمة لأنّها في أعلى مراحل التقوى وكانت مصداقاً واضحاً للآية الكريمة:

{وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}(1).

وهي صابرة لم يسبقها في ذلك إلاّ اُمّها فاطمة (عليها السلام) فلكلّ هذا هي معصومة بالعصمة الأفعالية.

وكما قلت لكم إنّ هذه العصمة ثابتة لغيرها ممّن هو أدنى منها مرتبةً كسيّدنا الاُستاذ النجفي المرعشي (قدس سره)، فإنّه قال لي يوماً وقد أقسم بفاطمة الزهراء (عليها السلام)أنّه ما فعل شيئاً هوته نفسه قط، أي كان (مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه) منذ اليوم الأوّل، فلهذا (على العوام أن يقلّدوه) كما ورد في الحديث الشريف، وكذلك السيّد الخوانساري (قدس سره) الذي قضى صلاته طيلة حياته ثلاث مرّات، مع أنّه من مراجع الدين وما كان ذلك إلاّ لشدّة احتياطه، فمثل هذه الأفعال تدلّ على عصمتهما الأفعالية.

وهذا ما أكّده الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «عجبت لمن يحبّ الله كيف يعصيه»، فالمحبّ لله تعالى لا يعصي الله تعالى ولا يفعل ما يؤثّر على هذه العلاقة مع ربّه ومولاه ومحبوبه. كما أنّه ورد في الحديث الشريف: «ثمرة العلم العصمة»، فكلّما ازداد الإنسان علماً نافعاً وعملا صالحاً ازداد عصمة وورعاً عن المعاصي والذنوب والآثام والقبائح، وهناك شواهد كثيرة أذكر منها ذلك الرجل المتواضع الذي لا يقرأ ولا يكتب أخي الحاجّ محمّد علي مشهدي فإنّه كان له

____________

1- البقرة: 282.


الصفحة 67
شرف اللقاء بالإمام الحجّة (عليه السلام) تكراراً ولمّا سألته عن مؤهّلاته لذلك قال: إنّه ما كذب يوماً، ولا اتّهم أحداً، ولا استغاب شخصاً، بل بمقدار ما عرف من دينه لم يرتكب ذنباً منذ بلوغه، فالمعرفة والحبّ يستوجبان العمل والقرب، حتّى يصل المرء إلى العصمة في أفعاله، والتي نسمّيها بالعصمة الأفعالية، ولا بأس أن أذكر شاهداً آخر لتأثير حبّ الله في الحياة وفي أداء الواجبات، أذكر أنّي كنت راكباً في القطار مع بعض الشباب وكانوا من الجيش فلمّا وقف القطار ونزلنا لأداء الصلاة كان أحدهم لا يؤدّي الصلاة وبمجرّد أن سألته: هل تحبّ الله تعالى؟ قال: نعم، قلت له: اذهب وتكلّم مع من تحبّ، فقام فعلا وذهب للصلاة، وغير ذلك من الشواهد ويكفينا ما نراه من طاعة العاشق لمعشوقه في العشق المجازي، مع أنّ الحبّ بينهما شهواني، فكيف إذا كان الحبّ الإلهي؟

فلذا من عرف فإنّه لا يعصيه، ومن عرف زينب فإنّه يتأدّب في حضرتها بخشوع، فبالحبّ تكون الطاعة، وحبّ مجنون ليلى كان مجازياً، ومن طريف ما يحكى أنّه كتب على أرض الصحراء اسم ليلى، فلمّا سئل عن سبب ذلك؟ أجابهم: اُسلّي قلبي بذكرى ليلى، وهكذا يفعل الحبّ المجازي بأهله، فكيف بالعشق الحقيقي وهو عشق الله سبحانه، ومن أنس به استوحش من الناس، ولهج لسانه بذكره:

{ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ}(1).

فإذن إذا علمنا وزهدنا وصبرنا أطعنا حقّاً، وزادنا الله عصمةً، ومثل زينب الحوراء (عليها السلام) التي وصلت إلى مقام الفناء في الله كما يشهد لها قولها في جواب

____________

1- الرعد: 28.


الصفحة 68
ابن زياد اللعين: كيف رأيتِ صنع الله؟ فقالت (عليها السلام): «ما رأيت إلاّ جميلا». ولا يقول هذا إلاّ العارف الفاني في إرادة الله وحبّه، فترى شهادة إخوتها الكرام من الله صنعاً جميلا، وإن كان من بني اُميّة ويزيد الطاغية ظلماً وعدواناً، فمثلها كيف لا تكون معصومة؟

كيف لا تكون معصومة وقد صبرت حتّى عجز الصبر من صبرها، وهل يمكن لغيرها أن ترفع جسد أخيها الإمام الحسين في عصر يوم عاشوراء وهو مقطّع بالسيوف والرماح والسهام وتقول: اللهمّ تقبّل هذا القربان من آل محمّد؟

كيف لا تكون معصومة وإمام زمانها زين العابدين (عليه السلام) يقول في حقّها: أنتِ بحمد الله عالمة غير معلّمة؟ فلا ريب ولا شكّ في أنّها معصومة، إلاّ أنّ عصمتها عصمة أفعالية تختلف عن عصمة اُمّها فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تختلف عن عصمة الأنبياء والأئمة الأطهار (عليهم السلام).

اللهمّ نسألك بعصمة الأنبياء والأولياء وبعصمة زينب الحوراء اغفر لنا فيما مضى من حياتنا واعصمنا فيما بقي من عمرنا، آمين ربّ العالمين.


الصفحة 69

فصل في الأسئلة(1)


سؤال: إنّ حديث «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» صدر من سقراط قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، فما هو رأي سماحتكم؟

الجواب:

إنّ هذا الحديث ورد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ولا ضير أن يكون من قبل، لأنّ منبع العلم واحد وهو الله سبحانه وتعالى، فربما هذا الحديث وصل ممّن سبق سقراط من الأنبياء (عليهم السلام) باعتبار أنّ معرفة النفس هي بداية الفلسفة، فلذا يبحث الفيلسوف عن مثل هذه الروايات الواردة عن الأنبياء (عليهم السلام) وكلّ العلوم الصحيحة واردة عنهم (عليهم السلام) فلا مانع أن يكون سقراط أخذه عن الأنبياء (عليهم السلام)وهو يوافق ما موجود عند أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّهم أعرف بعلوم الأوّلين والآخرين.

____________

1- لقد كان المجال مفتوحاً للسؤال والجواب بعد كلّ محاضرة، وقد أجاب سيّدنا الاُستاذ دام ظلّه في رحلته الشاميّة هذه عن أكثر من خمسمائة سؤال، آثرنا أن نحرّر ما سجّله لنا الكاسيت وشريط الفيديو، ونقدّمه للقراء الكرام لما فيه من الفوائد والفرائد.


الصفحة 70
1 ـ سؤال: هل إنّ سقراط من الأنبياء (عليهم السلام)؟

الجواب:

لم يثبت ذلك، ولكن هناك من يذهب إلى هذا القول، واُريد أن أقول شيئاً عن الفلسفة، فأقول: إنّ هناك نزاع بين الفقهاء وبين المحدّثين، فمنهم من ينكر الفلسفة نهائياً سيّما الفلسفة اليونانية، ومنهم من يثبت ذلك، وورد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) مذمّة الفلسفة كما أنّ هناك أيضاً عدم إنكار لها، كما ذكر في كتاب حديقة الشيعة المنسوب إلى المقدّس الأردبيلي عن الإمام العسكري (عليه السلام) كما في ذاكرتي يقول: إنّه سيأتي في آخر الزمان أقوام... إلى أن يقول: فإنّ علمائهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف، وهنا الحديث في مقام الذمّ لهما، كما أنّه ورد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) تكلّم عن النفس وتقسيمها إلى رجل يهودي الذي تحدّث أمام أمير المؤمنين بكلمات فلسفية فلمّا سمع مقولة الإمام (عليه السلام) تعجّب من ذلك، وقال للإمام (عليه السلام): سيّدي، كأنّما جمعت كلّ الفلسفة في كلامك هذا، فمن هذا نستشفّ عدم الردع عن الفلسفة بل جواز التحدّث بها، إلاّ أنّني أرى إن كانت الفلسفة طريقاً إلى الله تعالى وأداة وسلاح في الردّ على الفلسفة الغربية ودحراً لأعداء الإسلام فلا بأس بذلك وربما لا بدّ منه، ولكن ليست الفلسفة هي الطريق الوحيد إلى الله تعالى.

2 ـ سؤال: ما معنى الرحمن، وما معنى الرحيم؟

الجواب: الرحمن من أسماء الله سبحانه وتعالى، وبمعنى ما فيه تكامل الشيء وكلّ ما فيه تكامل الشيء فهو من رحمانية الله، كما أنّ من مصاديق رحمانيّته تعالى الهداية العامّة، والرزق فإنّه عامّ يشمل الكافر والمؤمن وكلّ ما يشمل الخلق فهو الرحمة الرحمانية، وهناك الرحمة الخاصّة التي هي قريبة من

الصفحة 71
المحسنين ومختصّة بالمؤمنين في الدنيا والآخرة، وهذا معنى الرحيم.

3 ـ سؤال: هل هناك علاقة بين التشيّع والتصوّف، ويرون أنّ مصادر أعلام الصوفية هم أهل البيت (عليهم السلام) سيّما أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء، كما أنّ المتصوّفة يؤمنون بالولاية، ولكن لا يؤمنون بالبراءة، فما هو رأي سماحتكم؟

الجواب:

التصوّف علم من العلوم ومسلك من المسالك التي هي في قبال الفلسفة، فالتصوّف يعبّر عنه بالعرفان، والعرفاء هم المتصوّفة، وهم يقولون: إنّ للنبيّ (صلى الله عليه وآله)ثلاث حالات وهي: أقواله وأفعاله وحالاته، فأقواله عبارة عن الشريعة، وأفعاله عبارة عن الطريقة، وحالاته عبارة عن الحقيقة، فالشريعة نأخذها من الفقهاء، والطريقة نأخذها من الأقطاب ; لأنّ كلّ صوفي عنده قطب، وهذه الأقطاب تتّصل بقطب الأقطاب ألا وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالسلسلة تنحدر منه (عليه السلام) إلى الإمام الحسن إلى أن تصل إلى الإمام الرضا (عليه السلام) ثمّ إلى معروف الكرخي وهكذا إلى يومنا هذا.

فهم يأخذون أفعالهم وحالاتهم من أقطابهم، فمثلا عندما يريد أن يأخذ ذِكراً لمدّة أربعين يوماً يأخذه من قطبه، كما أنّ لديهم شكل هرمي في درجاتهم، أوّلهم القطب ثمّ المريد ثمّ الفقير، وهكذا. وهذه المعاني موجودة عند المتصوّفة، كما أنّ الصوفية تنقسم إلى أكثر من مئتي فرقة، كالصوفية الشاذلية في الجزائر والقادرية في العراق وغيرها من فرق التصوّف السنّي، وأمّا صوفية الشيعة كالصوفية الذهبية الموجودة في شيراز وغيرها في المدن الإيرانية الاُخرى، وسمّوا بالصوفية لأنّ أقطابهم يلبسون الصوف أو أنّها مأخوذة من صوفيا بمعنى الحكمة التي عند الفلاسفة أي ما يشابه الحكمة أو في قبال قول الفلاسفة، وأمّا

الصفحة 72
مرام الصوفيّة فإن كان التصوّف بمعنى تهذيب النفس وتربيتها فهذا حقّ، وإن كان غير ذلك فقد وردت أحاديث كثيرة في مذمّتهم، راجع كلمة (صوف) من سفينة البحار للمحقّق القمّي (قدس سره)، أمّا بالنسبة إلى البراءة والولاية فهذا أمر مهمّ جدّاً لا بدّ من التكلّم فيه، فنقول: إنّ أمير المؤمنين روحي فداه يقول: «عجبت لمن يدّعي حبّي كيف يحبّ عدوّي»، فهذا أمر مستحيل لأنّه ما جعل الله تعالى في جوف من قلبين يحبّني ويحبّ عدوّي الذي ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية، ولا بدّ أن نقول إنّ لكلّ ولاء من براءة سابقة عليه، الفلاّح الذي يريد زرع الأرض لا بدّ له من رفع الموانع لكي تعطي الأرض زرعاً جيّداً، فكذلك بالنسبة للقلب لا بدّ أن يخرج منه محبّة أعداء الله تعالى وأعداء رسوله وأوليائه لتحلّ مكانها محبّة الله تعالى ورسوله وأوليائه، وبكلمة اُخرى إنّ لنا شعوراً وشعاراً، فالشعور الولائي شعاره (الصلاة على محمّد وآل محمّد)، والشعور البرائتي شعاره اللعن لأعداء الله تعالى ولأعداء رسوله وأهل البيت (عليهم السلام)، فكما يتقرّب الإنسان بالصلاة يتقرّب باللعن، فإنّما لا يمكن التحليق في عالم المعرفة والقربة إلى الله إلاّ بجناحين وهما الصلاة واللعن.

4 ـ سؤال: ما هو رأي أهل البيت (عليهم السلام) في المقولة التي تقول إنّ البحث عن الله تعالى بحسب الطاقة البشرية؟

الجواب:

هذه المقولة لم تكن في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وإنّما هي مقولة فلسفية وليس قولهم البحث عن الله تعالى، بل البحث عن الموجود لأنّ الموجود هوموضوع الفلسفة كما ورد ذلك في بداية ونهاية الحكمة للسيّد الطباطبائي عند تعرّضه إلى تعريف الفلسفة. فيقول: موضوع الفلسفة هو الموجود بما هو موجود

الصفحة 73
حسب الطاقة البشرية. وهذه العبارة (حسب الطاقة البشرية) مذكورة في الأسفار لصدر المتأ لّهين عليه الرحمة ولغيره، فليس لهذا القول علاقة بأهل البيت (عليهم السلام).

5 ـ سؤال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): علماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل، فما المقصود بأنبياء بني إسرائيل، هل هم الأنبياء المرسلون أم ماذا؟

الجواب:

الأنبياء على طبقات كما في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، فمنهم من كان نبيّ نفسه فقط، ومنهم لاُسرته، ومنهم لعشيرته، ومنهم نبيّ عالمي أي ذو رسالة عالمية، وهذه الرتبة الأخيرة مختصّة بأنبياء اُولي العزم الخمسة الذين كانت رسالتهم عالمية في عصرهم كما في رسالة موسى وعيسى (عليهما السلام)، أي أنّ على جميع من في الكرة الأرضية أن يؤمنوا بصاحب الرسالة العالمية، فمثلا رسالة عيسى (عليه السلام) رسالة عالمية، فعندما جاء بها عيسى (عليه السلام) كان على جميع الناس أن يؤمنوا بها إلى أن جاءت رسالة سيّد الرسل محمّد (صلى الله عليه وآله) وهي الرسالة الإسلامية فنسخت الديانة المسيحية: فـ {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ}(1) و {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}(2).

وعليه لا بدّ ـ عقلا ونقلا ـ أن يدخل جميع الخلق في الديانة الإسلامية حيث إنّها خاتمة الأديان، فصارت من حيث الزمن إلى يوم القيامة وهذا ما يؤيّده الحديث الشريف: «حلال محمّد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمّد (صلى الله عليه وآله)حرام إلى يوم القيامة».

____________

1- آل عمران: 19.

2- آل عمران: 85.


الصفحة 74
6 ـ سؤال: قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}(1)، وينطلق البعض من هذه الآية على قيمومية الرجال على النساء مطلقاً، فلذلك إذا كانت المرأة معصومة كالزهراء (عليها السلام) فلا بدّ أن يكون زوجها معصوماً وكفواً لها حتّى تتمّ القيمومة، وعلى هذا إذا كانت السيّدة زينب (عليها السلام) لا تعرف بمعرفة كمالية فلماذا زوّجها أمير المؤمنين من عبد الله بن جعفر؟

الجواب:

إنّ ما جاء في الآية الشريفة من باب المناسبة بين الموضوع والحكم كما في الفقه، حيث يقول الفقهاء لا بدّ من مناسبة بين الموضوع والحكم كما عند الفلاسفة فإنّهم يقولون: لا بدّ من سنخية بين العلّة والمعلول، فالآية حكمت بأنّ الرجال قوّامون على النساء، فالموضوع هو الرجال والنساء والحكم هو القيمومية، ومفهوم القيمومية له مصاديق متعدّدة، منها الوصاية كوصاية وقيمومية الوصي على الطفل، أو قيمومية الإمام على الاُمّة أو قيمومية المعلم على التلميذ، فكلّ موضوع له حكم يناسبه. وفي مقامنا تكون القيمومية في دائرة الزوجية وليس على نحو عامّ أيّ ليس أنّ كلّ رجل قائم على كلّ امرأة، بل المراد أنّ كلّ زوج قائم على زوجته فالقيمومية بسبب الزوجية، وقيمومية الرجل في نطاق الاُسرة وإنّما شرّع ذلك لأنّ الله تعالى خلق الإنسان وهو عارف بمكنوناته وذاته.

وأنا تعرّضت لهذا البحث الاجتماعي في شهر رمضان في قم المقدّسة بالتفصيل(2)، فقلت:

____________

1- النساء: 34.

2- لقد ذكر الاُستاذ تفصيل ذلك في كتاب (تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة)، فراجع.


الصفحة 75
إنّ الرجل والمرأة كلاهما ناقصان، وكلّ واحد منهما له كمال يمتاز به عن الآخر، وحيث إنّ الله تعالى خلق الكون كلّه بزواج تكويني، والبّنة الشرعية تكون بشاهدين عدلين، فكانت البيّنة التكوينية كذلك، فخلق الله من كلّ شيء زوجين لتكون بيّنة على وحدانيّته، فهذه الخلقة فيها دلالة وبيّنة على أنّ الله تعالى واحد أحد، وهذه البيّنه بيّنة تكوّنية على مدّعى الله تعالى بأنّه واحد أحد، فالرجل والمرأة من الزوجية التكوّنية وهما يتّصفان بالنقص كما أسلفنا فأراد الله تعالى لهما أن يتكاملا ببعضهما في ميادين كثيرة، ومن هذه الميادين ميدان العقل والعاطفة، فإنّ العقل في الرجال أقوى ممّا عند النساء، والعاطفة أكثر ممّا عند الرجال على نحو الغالبية والجوهرية والأصالة، ولهذا جعل الرجل قائماً على المرأة عند الزوجية وليس معنى كلامنا هذا أنّ المرأة ناقصة العقل أي مجنونة أو قاصرة، وإنّما مرادنا أنّ الجانب العاطفي عندها أكثر من التعقّل ولذلك في الاُمور التي يحتاج المجتمع بها إلى التعقّل تسند الوظيفة إلى الرجل كما في (القضاء والمرجعية) فقولنا هذا لا دلالة فيه على الانتقاص من المرأة بل فيه بيان خلقة المرأة وبيان ما يناسبها من وظيفة، وإلاّ لو كان كلامنا نافياً لعقل المرأة فكيف يعتبرها الإسلام مكلّفة بالتكاليف الشرعية عند بلوغها تسع سنين، فتكون مكلّفة قبل الرجل ولوجود هذا الفارق في التعقّل صار الرجل قائماً على المرأة عندما يرتبطون برابطة الزوجية وتكوين الاُسرة، وكذلك المرأة لها من العاطفة ما ليس للرجل فلذلك تقوم بما لا يستطيع الرجل القيام به، إذن تكوين الاُسرة يحتاج إلى تعقّل وعاطفة وهذا لا يعني أنّ المرأة تنقص عن الرجل مطلقاً بل ربما تكون المرأة يضرب بها المثال للمؤمنين وهم رجال كما في قصّة آسيا امرأة فرعون حيث ضرب الله بها مثلا للمؤمنين.


الصفحة 76
وأمّا بالنسبة لزينب (عليها السلام) فإنّها معصومة ولكن عبد الله بن جعفر لم يكن أكفأ منه لزينب حيث بينهم نسب وحسب وهو ابن عمّها وهذا يكفي في نظر العرف آنذاك مع ما لعبد الله بن جعفر من العلم والتربية حيث إنّه تربّى في أحضان النبوّة والإمامة فلهذا لا تنافي بين كون عبد الله بن جعفر قائم على زينب بموجب الآية وبين عصمة زينب وعلوّ مقامها.

7 ـ سؤال: هل عصمة العلماء كعصمة زينب (عليها السلام)، وهل أنّ للعصمة الأفعالية مراتب؟

الجواب:

ليس عصمة العلماء كعصمة زينب (عليها السلام)، لأنّ العصمة الأفعالية التي لزينب ـ سلام الله عليها ـ في أعلى مراتبها، حيث إنّ لهذه العصمة مراتب متعدّدة. ولكن من حيث الإمكان العقلي يمكن لغير زينب الوصول إلى رتبتها، أمّامن حيث الإمكان الوقوعي لم يقع هذا، لاختلاف ظروف زينب الكبرى واختلاف مربّي زينب ومعلّميها فهي تالي المعصوم (عليه السلام)، كما ورد في الزيارة.

8 ـ سؤال: هل يلهم العالم أحياناً؟

الجواب:

نعم، وهذا ما تؤكّده الآية الكريمة:

{وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}(1).

فالعالم يمكن أن يعطيه الله تعالى من العلم الإلهامي إذا وصل إلى رتبة تؤهّله لذلك، فالعالم يرزق من هذا العلم وكذلك الأولياء والأنبياء، ولكن كلّ

____________

1- البقرة: 282.


الصفحة 77
بحسبه لأنّ لهذا العلم مراتب.

ولهذا يستحبّ قبل المطالعة أن يدعو الإنسان لكي يهبه الله علماً من عنده، وهذا ما يتّضح من الدعاء الذي يقول: «اللهمّ ارزقني فهم النبيّين وحفظ المرسلين وإلهام الملائكة المقرّبين، ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم، برحمتك يا أرحم الراحمين».

وكثيراً ما يلهم العالم علماً لم يكن يعلمه من قبل، سيّما عند المخاصمة بين الحقّ والباطل، وهذا من المجرّبات.

9 ـ سؤال: ما هو الترابط بين عصمة فاطمة الزهراء وبين عصمة زينب الكبرى؟

الجواب: الترابط اتّضح ممّا ذكرنا هو أنّ عصمة الزهراء (عليها السلام) عصمة ذاتية كلّية واجبة، وعصمة زينب الكبرى سلام الله عليها عصمة أفعالية جزئية ومكتسبة.

10 ـ سؤال: لو أذنب شخص ذنباً في أوّل حياته وتاب بعد ذلك ولم يقترف ذنباً إلى أن مات، هل يعتبر هذا معصوماً أو لا؟

الجواب:

هذه عصمة أفعالية وهي ميسّرة لكلّ واحد منّا، إلاّ أنّها تختلف من حيث رتبتها ومن حيث السعة والضيق، وهذه أدنى من غيرها حيث يمكن أن يكون من هو معصوم عن الذنوب الكبيرة وهناك من هو معصوم عن الكبائر والصغائر، إلاّ أنّ ذلك في آخر عمره وهناك من هو معصوم من أوّل بلوغه، وهناك معصوم من أوّل حياته حتّى مماته، وهكذا قصّة السيّدين المرتضى والرضي شاهد على ذلك.


الصفحة 78
11 ـ سؤال: هل يجوز السجود على النقشة الموجودة في التربة الشريفة؟

وهل يجوز السجود على تربتين إحداهما فوق الاُخرى؟

الجواب:

نعم، يجوز السجود على تربتين إذا لم يكن ارتفاعهما أكثر من أربعة أصابع، وهي مختلف ـ عند الفقهاء ـ في كونها مضمومة أو مفتوحة، أمّا بالنسبة للسجود على النقشة فينقل عن السيّد البروجردي (قدس سره) أنّه لا يصحّ ذلك، فإنّه يشكل من حيث النقش أي بالعنوان الثانوي، وتبادر إلى ذهني ربما يرد الإشكال من حيث العنوان الأوّلي وهو أنّ النقشة قد لا تفي بالسجود الصحيح الذي هو بمقدار الإبهام أو يزيد أي بمقدار الدرهم البغلي، وأيضاً تبادر الجواب في ذهني أنّه يمكن دفع هذا الإشكال وهو لو وضع الساجد جبهته فربما تملأ التجعيدات التي في جبهته تلك الفراغات التي في النقشة، فالأحوط الأولى أن لا يسجد على النقشة.

12 ـ سؤال: لقد عرّفتم العلم بأنّه صورة الشىء في الذهن، أليس هذا مخالفاً لتعريف أهل البيت (عليهم السلام) حيث عرّفوه بأنّه نور؟

الجواب:

للعلم تعاريف عديدة منها التعريف المنطقي والتعريف الفلسفي، وله تعريف في علم الكلام، وتعريف آخر في الأحاديث الشريفة، وتعريف العلم بأنّه انطباع صورة الشيء في الذهن هو تعريف منطقي، ويستفاد منه في كلّ العلوم، لأنّ المنطق أداة العلوم، فلهذا يمكن تعريفه هكذا، أمّا العلم الإلهي الذي هو نور فهو بمعنى الانكشاف كما أنّ العلم بالتعريف المنطقي أيضاً انكشاف لأنّ الجهل ظلام والعلم نور وعندما يعلم الإنسان علماً أي تنوّر قلبه، فانكشفت له المجاهيل فلا مخالفة بينهما.


الصفحة 79
13 ـ سؤال: إذا استمرّت رسالة الله تعالى إلى يوم القيامة فما معنى ختم النبوّة؟

الجواب:

النبوّة والرسالة بدايتها من آدم (عليه السلام) ونهايتها إلى محمّد الخاتم (صلى الله عليه وآله)، وحيث إنّ رسالة الخاتم (صلى الله عليه وآله) تسمّى بالإسلام الذي هو بالمعنى الخاصّ المقابل للإسلام بالمعنى العامّ والذي يعني الانقياد، جاءت الآية تقول:

{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}(1).

فأمرنا الله تعالى باعتناق هذا الإسلام الخاصّ الذي كمل بولاية أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، لقوله تعالى:

{اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً}(2).

فيبقى هذا الدين بعد أن أكمله الله تعالى وصار صالحاً للتديّن به في كلّ الأزمان والأعصار إلى يوم القيامة، فلكمال الرسالة السماوية السمحاء التي جاء بها الأنبياء قد ختمت النبوّة، وتبقى الرسالة الإسلامية إلى يوم القيامة، والحمد لله الذي جعلنا من المسلمين والمتمسّكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين، ورزقنا الله في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم وحشرنا في زمرتهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

____________

1- آل عمران: 85.

2- المائدة: 3.