واخرج الامام الطبري في تفسير قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن) من اوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير بالاسناد إلى كل من ابيِّ بن كعب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي، انهم كانوا يقرأونها فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن. وأرسل الزمخشري في كشافه هذه القراءة عن ابن عباس
قلت: هذا كلامه بعين لفظه فراجعه في ص201 من الجزء 3 من تفسيره الكبير، ونقل القاضي عياض عن المازري ـ كما في أول باب نكاح المتعة من شرح صحيح مسلم للعلامة النووي ـ: ان ابن مسعود قرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل، والسنن في ذلك كثيرة وهي صحيحة صريحة في النقصان، واخرج البخاري(1) من طريقين عن الأعمش عن ابراهيم قال: قدم أصحاب عبدالله ـ ابن مسعود ـ على ابي الدرداء ـ وهو في الشام ـ فطلبهم فوجدهم فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبدالله، قالوا: كلنا قال: فأيكم يحفظ، فأشاروا إلى علقمة، قال كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى؟ قال علقمة: فقرأت والليل إذا يغشى
____________
(1) في ص143 من الجزء الثالث من صحيحه في تفسير سورة الليل من كتاب تفسير القرآن فراجع.
وهذا حديث صحيح صريح في الزيادة لا في النقصان والسنن في ذلك من طريق أهل السنة اكثر من أن تحصى في هذه العجالة، أو تستقصى في هذا الاملاء، فما يقوله أهل السنة في الجواب عنها هو بعينه الجواب عما هو في كتبنا.
وما أدري والله ما يقولون فيما نقله عنهم في هذا الباب غير واحد من سلفهم الأعلام، كالامام ابي محمد بن حزم إذ نسب إلى الامام ابي الحسن الأشعري في ص207 من الجزء الرابع من الفِصَل انه كان يقول: إن القرآن المعجز انما هو الذي لم يفارق الله عز وجل قط، ولم يزل غير مخلوق ولا سمعناه قط، ولا سمعه جبرائيل ولا محمد عليهما السلام قط، وان الذي نقرأ في المصاحف ونسمعه ليس معجزاً بل مقدور على مثله، إلى آخر ما نقله عن الامام الأشعري واصحابه ـ وهم جميع أهل السنة ـ حتى قال في ص211 ما هذا لفظه: وقالوا كلهم إن القرآن لم ينزل به قط جبرائيل علي قلب محمد عليه الصلاة
ثم قل لي كيف تحتمل الامة منكم هذا المحال، وكيف تقوى لكم على حمل ما لا تقله الجبال، ثم يضعف
(المسألة الخامسة)
زعم ان الشيعة ترى حكومات الدول الاسلامية وقضاتها وكل علمائها طواغيت، إلى آخر كلامه.
(فأقول): خلط الحابل بالنابل، والجائر بالعادل، كأنه لا يدري أن الطواغيت من الحكومات وقضاتها عند الشيعة إنما هم الظالمون الغاشمون المستحلون من آل محمد ما حرم الله ورسوله، الباذلون كل مالديهم من سطوة وجبروت في ان يبيدوا العترة الطاهرة من جديد الارض، وقد وازرهم على هذا قضاة الرشوة، وعلماء التزلف المراؤون الدجالون فبلغوا في تسويد صحائف الشيعة كل مبلغ، وألصقوا بهم كل عائبة، إرجافاً بهم وافتراء عليهم، وجرأة على الله تعالى، واستخفافاً بحرماته عز وجل، وتهجينا لمذهب أهل البيت، وتشويهاً للوجه الحق، وتصحيحاً لما كان يرتكبه الغاشمون من النهب
أما غيرهم من حكومات الاسلام فإن من مذهب الشيعة وجوب موازرتهم في أمر يتوقف عليه عز الاسلام ومنعته، وحماية ثغوره وحفظ بيضته، ولا يجوز عندهم شق عصا المسلمين، وتفريق جماعتهم بمخالفته، بل يجب على الأمة ان تعامل سلطانها القائم بأمورها والحامي لثغورها معاملة الخلفاء بالحق، وان كان عبداً مجدع الاطراف، فتعطيه خراج الأرض ومقاسمتها وزكاة الانعام وغيرها، ولها ان تأخذ منه ذلك بالبيع والشراء وسائر أسباب الانتقال، كالصِلات والهبات ونحوها، ولا إشكال في براءة ذمة المتقبل منه بدفع القبالة اليه، كما لو دفعها إلى إمام الحق، هذا مذهبنا في الحكومات الاسلامية ـ كما فصلناه في المراجعة 82 من مراجعاتنا ـ لكن موسى جارالله واضرابه يريدون اغراء الحكومات الاسلامية بالشيعة ضرراً وبغياً (وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون) .
(المسألة السادسة)
قال: صرحت كتب الشيعة ان كل الفرق الاسامية كلها كافرة ملعونة خالدة في النار إلا الشيعة الخ.
(فأقول) نعوذ بالله من تكفير المسلمين، والله المستعان على كل معتد اثيم، هماز مشاء بنميم، كيف يجوز على الشيعة أن تكِفّر أهل الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج والايمان باليوم الآخر، وقد قال إمامهم أبو عبدالله جعفر الصادق عليه السلام ـ في حديث سفيان بن الصمت ـ: الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس، شهادة أن لا إَله إلا الله، وإن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان. ا هـ.
وقال عليه السلام ـ في حديث سماعة ـ: الإسلام شهادة ان لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث. ا هـ.
وقال الامام أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام ـ في صحيح حمران بن اعين ـ: والاسلام ماظهر من قول أو فعل، وهو
____________
(1) نقلناه بعين لفظه في الفصل 9 من فصولنا المهمة ثم زيفناه بما لارد عليه ولا ريب فيه وقد أشرنا في الفصل 10 والفصل 11 إلى يسير مما نسبه المرجفون إلى الشيعة مع اثبات برائتهم منه فلا تفوتنكم تلك الفوائد وجدير بكل بحاثة ان لا تفوته الفصول المهمة.
(فصل)
قال موسى جارالله في خاتمة هذه المسألة: يقول الامام ـ يعني الباقر او الصادق ـ في أئمة المذاهب الأربعة من هذه الامة: لا تأتهم! ولا تسمع منهم! لعنهم الله ولعن مللهم المشركة!.
(فأقول): لا طريق لموسى جارالله وغيره في اثبات هذا القول عن أئمتنا أبداً، ولو فرضنا ثبوته فما هو إلا دون ما قد ثبت عن حجج أهل السنة، واعلام سلفهم المعاصرين للأئمة الأربعة كما يعلمه المتتبعون، وقد أخرج الخطيب في ترجمة ابي حنيفة من الجزء 13 من تاريخ بغداد احاديث كثيرة في هذا الموضوع لعل موسى جارالله لم يقف عليها، فنحن الآن نلفته اليها، وحسبه منها ما اخرجه بالاسناد إلى سفيان بن سعيد الثوري، قال: شمعت حماد بن ابي سليمان يقول(1) : أبلغوا أبا حنيفة المشرك اني من دينه بريء إلى أن يتوب. ا هـ.
ثم اخرج بالاسناد إلى حماد أيضاً انه رأى أبا حنيفة مقبلا عليه، فقال: لا مرحباً ولا اهلا، ثم قال لأصحابه: ان سلم فلا تردوا عليه، وإن جلس فلا توسعوا له، فلما جاء أبو حنيفة اخذ حماد كفاً من حصى فرمى به في وجه أبي حنيفة.
وأخرج الخطيب أيضاً بالاسناد إلى أبي بكر محمد بن عبدالله ابن صالح الأسدي الفقيه المالكي، قال: سمعت أبا بكر بن
____________
(1) هذه الفاظه نجدها في السطر الأول من ص381 من الجزء 13 من تاريخ الخطيب.
____________
(1) كما في السطر الأول من ص384 من الجزء 13 من تاريخ الخطيب.
(2) في اواخر ص369 من الجزء 13.
____________
(1) في اول ص374 من الجزء المذكور.
(2) في ص 396 من الجزء المذكور.
(3) في ص396 ايضاً.
قال: كانت فتنة أبي حنيفة اضر على هذه الامة من فتنة ابليس. الخ. واخرج أيضاً(1) عن عبدالرحمان بن مهدي قال: ما أعلم في الاسلام فتنة بعد فتنة الدجال اعظم من رأي ابي حنيفة. ثم أخرج عن سفيان قال: ما وضع في الاسلام من الشر ما وضع أبو حنيفة إلا فلان لرجل صلب. ثم اخرج عن شريك قال: لأن يكون في كل حي من الأحياء خمار خير من أن يكون فيه رجل من اصحاب أبي حنيفة. ثم أخرج عنه أيضاً قال: لو أن في كل ربع من أرباع الكوفة خماراً يبيع الخمر كان خيراً من أن يكون فيه من يقول بقول ابي حنيفة. ثم اخرج عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب وقد ذكر أبو حنيفة فقال: يريدون أن يطفئوا نور الله بافواههم ويأبى الله إلا ان يتم نوره. ثم أخرج عن سلام بن ابي مطيع قال: كان أيوب قاعداً في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه، فلما رآه أيوب قد أقبل نحوه، قال لا صحابه: قوموا لا يعرنا بجربه، قوموا فقاموا فتفرقوا. ثم أخرج عن سليمان ابن حسان الحلبي قال: سمعت الاوزاعي ما لا احصيه
____________
(1) في ص396 ايضاً.
____________
(1) كما في السطر اللاول من ص398 من الجزء 13.
وقد اخرج بأسانيد متعددة، وطرق مختلفة عن كل من شريك وسليمان بن فليح المدني، وقيس بن الربيع، وسفيان الثوري، ويعقوب، ومؤمل بن اسماعيل، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن حمزة، وسعيد بن عبدالعزيز، ويزيد بن زريع، وعبدالله بن ادريس، واسد بن موسى، وأحمد بن حنبل، إنهم جميعاً قالوا(1) : ان أبا حنيفة قد استتيب من الكفر والزندقة مرتين أو ثلاثا. وأخرج أيضاً(2) عن أبي مسهر قال: كان أبو حنيفة رأس المرجئة، ثم أخرج هذا ونحوه عن كل من عبدالله بن يزيد، وابن المبارك، بل أخرج عن ابي يوسف تلميذ أبي حنيفة قال: إن أبا حنيفة كان مرجئاً جهمياً حتى
____________
(1) راجع قولهم بعين الفاظهم في ص381 وص372 وص373 من الجزء 13 تجد التفصيل.
(2) في آخر ص374 من الجزء 13.
وأخرج الخطيب عن أبي صالح الفراء(2) قال: سمعت يوسف بن اسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله اربع مئة حديث أو أكثر، قال: وقال أبو حنيفة: لو ادركني النبي وأدركته لأخذ بكثير من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن. وأخرج أيضاً عن وكيع، قال: وجدنا أبا حنيفة خالف مئتي حديث. وأخرج أيضاً عن حماد بن سلمة من طريقين، قال إن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن فردها برأيه.
ثم استرسل الخطيب في نقل هذا وأمثاله عن أبي حنيفة بالاساليب المعتبرة، عن كل من أبي عوانة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ووكيع، والحجاج بن ارطاة، وسفيان بن عيينة،
____________
(1) فيما اخرجه الخطيب بالاسناد اليه في ص38 من الجزء 13.
(2) في ص390.
وأخرج الخطيب عن أبي إسحاق الفزاري(1) قال: كنت آتي أبا حنيفة اسأله عن شيء من أمر الغزو، فسألته عن مسألة فأجاب فيها، فقلت له: انه يروى فيها عن النبي كذا وكذا، قال: دعنا من هذا، قال: وسألته يوماً آخر عن مسألة فأجاب فيها، فقلت له: انه يروى فيها عن النبي كذا وكذا؛ فقال: حك هذا بذنب خنزيرة! وعقد الخطيب فصلا لما حكي عن أبي حنيفة من مستشنعات الالفاظ والافعال فليراجعه موسى جارالله في ص386 وما بعدها إلى ص 394، واذا راجع ترجمة ابي حنيفة في ص323، إلى ص423 من المجلد 13 من تاريخ بغداد هانت عليه الكلمة التي نقلها عن الامام عليه السلام.
____________
(1) راجع صفحة 387.
فصل
وقد تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن انس بكلام فيه جفاء وخشونة، قال بن عبد البر(1) : كرهت ذكره وهو مشهور عنه. (قال): وكان ابراهيم بن سعد يتكلم في مالك ابن انس أيضاً (قال): وكان ابراهيم بن يحيى يدعو عليه (قال): وتكلم في مالك ايضاً ـ فيما ذكره الساجي في كتاب العلل ـ عبد العزيز بن ابي سلمة، وعبدالرحمان بن زيد بن اسلم وابن اسحاق وابن ابي يحيى وابن ابي الزناد، وعابوا أشياء من مذهبه (قال): وتكلم فيه غيرهم إلى أن قال: وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع امامته(2) قال: وعابه قوم في انكار المسح على الخفين في الحضر والسفر؛ وفي كلامه على علي وعثمان(3) وفي
____________
(1) في باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض من كتابه (جامع بيان العلم وفضله) فراجع آخر صفحة 201 من مختصره والتي بعدها تجد كل ما نقلناه من كللامهم في الامام مالك.
(2) اراد ان يعتذر عن مالك فطعن في الشافعي وفي بعض اصحاب ابي حنيفة وكيف تجتمع العدالة مع التحامل على الامام حسدا لموضع امامته.
(3) فان مالكا كان يرى راي الخوارج في الصهرين وهذا الرأي ثابت وهو من أشد الأمور التي نقموها عليه.
قلت: وقد طعن محمد بن اسحاق في نسب مالك(1) فكان بينهما من القدح والجرح مالا يجمل ذكره وهو مشهور عنهما.
وقد شك في الامام الشافعي بعض الأعلام من معاصريه وغيرهم، وصرح بعدم وثاقته، من لا يستطيع موسى جارالله إلا الخضوع لعدالته، كابن معين وحسبك به اماماً في الجرح والتعديل، وتصريحه بهذا ثابت عنه من طرق صحيحة(2) وما زال أهل المذاهب ينتقد بعضهم بعضاً، ويزري بعضهم
____________
(1) كما صرح به غير واحد من الاعلام كابن عبدالبر في باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض من كتابه ـ جامع بيان العلم وفضله ـ فراجع من مختصره ص192 ومن وقف علي ترجمة ابن اسحاق في ص223 وما بعدها من الجزء الآول من تاريخ بغداد وجد قدح كل من ابن اسحاق ومالك في الآخر و وجد القدح في مالك من ابن ابي ذئب وابن ابي حازم وعبدالعزيز الماجشون وغيرهم و وجد آن جماعة من اهل العلم عابوا مالكا باطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والصدق والأمانة.
(2) كما صرح به الام ابن عبدالبر في كتابه ـ جامع بيان العلم وفضله ـ فراجع من مختصره ص201.
وقد علم المتتبعون ما كان في مرو على عهد السلطان محمود بن سبكتكين، إذ جمع فقهاء الشافعية والحنفية، والتمس الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر.
واذا طرق موسى جارالله باب قول العلماء بعضهم في بعض من كتاب جامع بيان العلم وفضله للامام ابن عبدالبر
____________
(1) راجعها في ترجمة الزمخشري المطبوعة في الجزء الأخير من الكشاف.
(2) وإن سآلت عنه فراجعه في ترجمة محمود بن سبكتكين من الجزء الثاني من وفيات ابن خلكان تجده منقولا عن كتاب مغيث الخلق في اختيار الأحق لمؤلفه امام الحرمين ابي المعالي عبدالملك الجويني وقد راجعت انا بنفسي الصلاة المنقولة ثمة عن الامام ابي حنيفة فوجدتها في فقه اصحابه بتمامها.
يجد فيه أقوال الصحابة، وأئمة التابعين بعضهم في بعض، ما ينهنه به عن وجده، ويصغر له قول امامنا في أئمته، على أن ذلك القول غير ثابت عن امامنا عليه السلام، ولو ثبت فإنما هو دون ما تلوناه من الأقوال وأهون مما لم نتله، فإنا تركنا أكداساً كثيرة من مثل هذا الطويل العريض.
وقبل الفراغ من هذه المسألة لابد ان نعلن أنا لم نقصد إلى شيء من نشر هذه الصفحات، لولا ما اضطرنا هذا الرجل إلى ذلك، فان الافاضة بالبحث قد تملك زمام القلم فلا يستطيع الباحث له رداً، ولا سيما إذا كان البحث فقيراً للدفاع بمثل هذا البيان، وعلى كل فإنا نكبر الأئمة الأربعة، ونحترم مذاهبهم ونعرف قدرهم، ونستعظم أمرهم، ونقدر جهودهم وبلاءهم رضي الله عنهم.
(المسألة السابعة)
تتعلق بالجهاد
قال: تعتقد الشيعة أن جهاد الامم الاسلامية لم يكن مشروعاً وهو اليوم غير مشروع، إلى ان قال: الجهاد مع
(والجواب): أن هذا الرجل في كل ما ينقله عن الشيعة كراكب عمياء، في ليلة ظلماء، فان الجهاد ينقسم من جهة اختلاف متعلقاته خمسة اقسام.
احدها الجهاد لحفظ بيضة الدين إذا أراد أعداء الله مسّها بسوء، وهموا بأن يجعلوا كلمتهم أعلا من كلمة الايمان بالله، وان يكون الشرع باسمهم مناقضاً لدين الله عز وجل.
ثانيها الجهاد لدفع العدو عن التسلط على دماء المسلمين بالسفك واعراضهم بالهتك.
ثالثها الجهاد للدفاع عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفار فخيف من استيلائهم عليها.
رابعها الجهاد لدفعهم عن ثغور المسلمين وقراهم وأرضهم أو لا خراجهم منها بعد تسلطهم عليها بالجور، أو لجبر بيضة المسلمين بعد كسرها، واصلاحها بعد فسادها، والسعي في انقاذ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفرة بالله عز وجل.
ويجب الجهاد في هذه الأقسام الاربعة ـ باجماع الشيعة ـ
الخامس من أقسام الجهاد، ابتداء الكفار بجهادهم في سبيل دعوتهم إلى الإيمان بالله عز وجل، وغزوهم لأجل ذلك في عقر ديارهم، وبحبوحة قرارهم، وهذا المقام عندنا من خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الامام النائب عن رسول الله نيابة صحيحة، أو المنصوب الخاص من احدهما فلا يتولاه
____________
(1) من اراد التفصيل فعليه بمباحث الجهاد من كتاب كشف الغطاء لامام الطائفة وشيخها الأكبر الشيخ جعفر وغيرها من الكتب الفقية وهي اكثر من ان تحصى.
وشهدت يوم دارت رحاها العالمية، بآن علماء الامامية، كانوا في ساحتها من أرسخ المجاهدين قدماً، واعلاهم همما، وأمضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة؛ قد لبسوا يوم القرنة في العراق لحرب لا متها وادّرعوا لها بدرعها، وكان في مقدمتهم الامامان المجاهدان الشيخ فتح الله المدعو شيخ الشريعة الاصفهاني، والشريف الوحيد السيد محمد سعيد الحبوبي الحسيني، وهما يومئذ من أجل مجتهد الشيعة في العراق، ومن أكبر شيوخ الاسلام على الاطلاق، وكان الشيخ قد أربى على الثمانين، والسيد قد ذرف عليها، فلم يمنعهما ضعف الشيخوخة؛ ودقة عظمها، ورقة جلدها، عن قيادة ذلك الجيش اللهام، المحتشد من العلماء الاعلام، والفضلاء الكرام، والأبرار الأخيار
(المسألة الثامنة)
تتعلق بحديث أئمة العامة وحاله عند أئمتنا
قال: ادعت كتب الشيعة أن الأئمة كانت تنكر كل حديث يرويه إمام من أئمة العامة، وأن موسى بن جعفر قد أنكر كل حديث رواه مالك إمام المذهب، إلى أن قال: وكان الصادق يأمر بما خلاف أهل السنة والجماعة الخ.
(الجواب): أن الشيعة ترى أن الكذب على أئمة أهل البيت كالكذب على الله ورسوله، موبقة توجب دخول النار وهو عندهم من مفطرات الصائم في شهر رمضان، وحديثهم
والامام الكاظم أعرف الناس بمالك، كانا في بلد واحد، وعصر واحد، وقد انتهى اليه ميراث السنن عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصافق الناس على علمه و ورعه، وزهده وكظمه الغيظ، وتجاوزه عمن أساء اليه، وانقطاعه إلى الله مخلصاً له في العبادة، ناصحاً لعباده في الارشاد والافادة، فكان الواجب ان يستغرب الناس من الامام مالك عدم سماعه منه، فإن الموطأ خلو من حديثه عليه السلام(2) وأغرب من هذا ان مالكا
____________
(1) كما بيناه مفصلا في جواب المسألة السادسة فراجع من هذه الرسالة ص48 وما بعدها.
(2) والامام الشافعي كان أيضاً معاصراً للكاظم فلم يرو عنه، ومسنده كموطأ مالك خلو من حديثه عليه السلام.
____________
(1) راجع أحوال جعفر الصادق من ميزان الذهبي. اما البخاري فلم يرو في صحيحه عن الصادق شيئا.
(2) وكان معاصراً للبخاري وقد توفي عليه السلام بعد وفاة البخاري بأربع سنين.
نعم رووا أباطيل مختلقة افتراء على الامام زين العابدين وسيد الساجدين عن ابيه سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء وأنا أتلو عليك ما أخرجه البخاري من ذلك، فأقول: أخرج هذا الشيخ(1) عن الزهري من طريقين، قال: أخبرني علي ابن حسين، أن حسين بن علي؛ أخبره أن علي بن أبي طالب، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرقه وفاطمة، فقال لهم: الا تصلون؟ فقال علي: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له ذلك ولم يرجع اليه شيئا، ثم سمعه وهو مدبر يضرب فخذه، وهو يقول: وكان الانسان أكثر شيء جدلا، واخرج
____________
(1) في باب قوله تعالى: وكان الانسان اكثر شيء جدلا من أواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة قبل انتهائه بورقتين تقريباً فراجع ص176 من الجزء الرابع من الصحيح.
____________
(1) في كتاب المغازي ص8 من الجزء الثالث من صحيحه.
قلت: هذا هو العلم الذي يؤثره البخاري عن علي بن حسين عن حسين بن علي عن علي بن أبي طالب، وكأنه ماصح لديه عنهم سوى أن أخا الرسول وبضعته الزهراء البتول كانا ينامان عن الصلاة؛ وأن هارون هذه الامة وأبا شبرها وشبيرها ومشبرها كان مشبرها كان اكثر شيء جدلا، وان سيد الشهداء اسد الله واسد رسوله الذي خصه بسبعين تكبيرة عند الصلاة عليه كان يشرب الخمر، ويأكل الميتة من يد القينة، ويقول الهجر والكفر، نعوذ بالله من هذه الأضاليل؛ والله المستعان على هذه الأباطيل، وقد استوفينا الكلام عليها في كتابنا ـ تحفة المحدثين ـ بما لا مندوحة للباحثين المدققين عن الوقوف عليه، وإني والله لأعجب من الشيخ البخاري يروي عن الف ومئتين