هذا هو الذي تقول به الشيعة وتسميه بداء، وغير الشيعة يقولون به، لكنهم لا يسمونه بداء، فالنزاع في الحقيقة انما هو في تسميته بهذا الاسم وعدم تسميته به. ولو عرف غير الشيعة ان الشيعة إنما تُطلِق عليه هذا الاسم مجازاً لا حقيقة لتبين حينئذ لهم ان لا نزاع بيننا وبينهم حتى في اللفظ لأن باب المجاز واسع عند العرب الى الغاية، ومع هذا كله فإن أصر غيرنا على هذا النزاع اللفظي وأبى التجوز بإطلاق البداء على ما قلناه، فنحن نازلون على حكمه فليبدل لفظ البداء بما يشاء (وليتق الله ربه) في أخيه المؤمن (ولا يبخس منه شيئاً) (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) .
«المبحث الثاني» في المتعة أعني متعة النساء، والكلام هنا يقع في خمسة امور.
الامر الاول في تحرير محل النزاع فيها فنقول: محل النزاع
و ولد المتعة ذكراً كان او انثى يلحق ـ كغيره من الابناء ـ بأبيه، ولا يدعى إلاّ له، ادعوهم لآبائهم، وله من الإرث ما أوصانا به الله سبحانه حيث يقول (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولا فرق بين ولديك المولود احدهما منها والآخر من النكاح المألوف بين عامة المسلمين، وجميع العمومات الشرعية الواردة في الابناء والآباء والامهات شاملة
____________
(1) يعني سواء كانت مدخولا بها اولا، وسواء كانت يائساً أو لا، وسواء كانت حبلى او لا إذ على غير الحبلى ان تعتد بأربعة اشهر وعشر، حتى لو كانت يائسا وغير مدخول بها، وعلى الحبلى أن تعتد بأبعد الأجلين من مضي المدة المذكورة و وضع الحمل، فزوجة المتعة في عدة الوفاة كالزوجة في النكاح الدائم لا فرق بينهما.
هذه هي متعة النساء التي فهم الإمامية من الكتاب والسنة دوام اباحتها، واهل المذاهب الاربعة يعترفون بأن الله تعالى شرعها في دين الاسلام، لكنهم يعتقدون نسخها وتحريمها، وليس عندنا متعة نساء غيرها بحكم الضرورة من مذهبنا المدون في الألوف من مصنفات علمائنا المنتشرة في اكثر بلاد الاسلام.
(الأمر الثاني) في أصل مشروعية المتعة، يجب أن يعلم أن هذا القدر ثابت باجماع المسلمين، وبالكتاب الحكيم، وبالسنة المقدسة.
اما الاجماع فلأن أهل القبلة كافة، متفقون على أن الله تعالى شرع متعة النساء في دين الاسلام، بحيث لا ريب في
وأما الكتاب فقوله تعالى في ـ سورة النساء ـ (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) حتى أن كلاً من أبي بن كعب، وابن عباس، وسعيد بن جبير؛ والسدي، وغيرهم كانوا يقرأونها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) أخرج ذلك عنهم الامام الطبري في تفسير الآية من أوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير، ورواه عنهم وعن ابن مسعود جماعة كثيرون من أثبات الأمة وحفظتها(1) لا يسعنا
____________
(1) حتى أرسل الزمخشري في كشافه هذه القراءة عن ابن عباس ارسالل المسلمات، والرازي ذكر في تفسير الآية أنه روى عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) (قال): وهذا ايضاً هو قراءة ابن عباس (قال): والأمة ما انكروا عليهما في هذه القراءة (قال): فكان ذلك اجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة قلت: هذا كلامه بلفظه فراجعه في ص 201 من الجزء 3 من تفسيره الكبير. ونقل القاضي عياض عن المازري ـ كما في أول باب نكاح المتعة من شرح صحيح مسلم للنووي ـ أن ابن مسعود قرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل) والأخبار في ذلك كثيرة.
____________
(1) ستقف على كلام عمران في الأمر السادس من الأمور المتعلقة بالمتعة.
(2) راجع الصفحة 9 من جزئه الخامس.
وأما السنة فنصوصها في مشروعية المتعة متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، وقد اخرج الشيخان في أصل مشروعيتها أحاديث في صحيحيهما كثيرة، عن كل من سلمة ابن الاكوع، وجابر بن عبدالله، وعبدالله بن مسعود، وابن عباس، وسبرة بن معبد، وابي ذر الغفاري وعمران بن حصين، والاكوع بن عبدالله الاسلمي. واخرجها احمد بن حنبل في مسنده من حديث هؤلاء كلهم، ومن حديث عمر، وحديث ابنه عبدالله. واخرج مسلم في باب نكاح المتعة من
(الأمر الثالث) في دوام حلها، وهو مذهب أئمتنا الاثني عشر وأوليائهم عليهم السلام، وحسبك حجة لهم ما قد سمعته من اجماع اهل القبلة على ان الله شرعها في دينه القويم، وأذن في الاذن بها منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يثبت نسخها عن الله تعالى، ولا عن رسوله صلى الله عليه وآله حتى انقطع الوحي باختيار الله تعالى لنبيه دار كرامته، بل ثبت عدم نسخها بحكم صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، فراجعها في مظانها من حديث الشيعة، على ان في صحاح اهل السنة ما تتم به الحجة، واليك لمعة منها بعين الفاظهم.
اخرج مسلم في باب نكاح المتعة صحيحه(1) عن عطاء قال: قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله، فسأله
____________
(1) في ص535 من جزئه الأول.
____________
(1) أوردنا أحاديث جابر هذه في ص58 من فصولنا المهمة وتكلمنا فيها بما يجدر بالباحثين أن يقفوا عليه.
(الأمر الرابع) فيما زعموا في نسخها، وقد أمعنا النظر في الأحاديث التي تشبثوا بها، فإذا هي احاديث ملفقة وضعها المتأخرون عن زمن الصحابة تصحيحا لرأي من حرمها، وقد استقصيناها في رسالتنا الموسومة بالنجعة في أحكام المتعة، فأثبتنا من طريق خصومنا تضعيف تلك الأحاديث؛ وإن اخرجها البخاري ومسلم، ونقلنا كلمات البعض من أئمتهم في الجرح والتعديل الدالة على ذلك، على ان تلك الأحاديث الملفقة تناقض صحاحنا المتواترة من طريق العترة الطاهرة، بل تناقض ماسمعته وما ستسمعه من صحاحهم الدالة على عدم نسخها، بل تناقض نفسها بنفسها كما فصلناه في النجعة تفصيلا، وقد سمعت نص جابر على ان التحريم والنهي إنما كان من عمر في بادرة ابن حريث، وستسمع كلام عمران بن حصين، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، وأمير المؤمنين، فتراه صريحاً بأن التحريم لم يكن بناسخ شرعي، وإنما كان بنهي عمر، ومحال أن يكون هناك ناسخ يجهلونه، وهم من علمت منزلتهم من رسول الله، وملازمتهم اياه، وحرصهم على اخذ العلم منه، على انه لو كان ثمة ناسخ لنبههم اليه بعض
على أن عمر نفسه لم يدَّع النسخ كما ستسمعه من كلامه الصريح في اسناد التحريم والنهي إلى نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله او من رسوله لأسند التحريم إلى الله تعالى او إلى الرسول فإن ذلك أبلغ في الزجر، وأولى بالذكر.
(فصل)
ومن غريب الامور دعوى بعضهم النسخ بقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم) بزعم انها ليست بزوجة ولا ملك يمين، قالوا أما كونها ليست بملك يمين فمسلم، وأما كونها ليست بزوجة فلأنها لا نفقة لها ولا ارث ولا ليلة.
والجواب: انها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي، أما عدم النفقة والارث والليلة فإنما هو لأدلة خاصة تخصص العمومات الواردة في أحكام الزوجات كما بيناه في الأمر الاول، على
(الأمر الخامس) في يسير من السنن الدالة على ان التحريم إنما كان تأولا من الخليفة الثاني. اخرج مسلم في باب المتعة بالحج والعمرة من صحيحه(1) بالاسناد إلى أبي نضرة قال:
____________
(1) في ص467 من جزئه الأول.
واخرج الامام احمد في مسنده(1) من حديث عمر بالاسناد إلى ابي نضرة، قال: قلت لجابر بن عبدالله ان ابن الزبير ينهي عن المتعة، وان ابن عباس يأمربها، فقال لي: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال: ان القرآن هو القرآن، وإن رسول الله هو الرسول، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله احدهما متعة الحج والاخرى متعة النساء ا هـ. وهذا كما ترى صريح فصيح، ولا تنس ما أوردناه في الامر الثالث من حديث جابر فانه صريح فصيح أيضاً.
وقد استفاض قول الخليفة الثاني وهو على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا انهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحج،
____________
(1) ص52 من الجزء الأول.
قلت: والاخبار في هذا مما يضيق عنه وسع هذه الرسالة، وقد استمتع في أيام عمر، ربيعة بن امية ابن خلف القرشي أخو صفوان فيما اخرجه مالك ـ في باب نكاح المتعة من موطئه ـ عن عروة بن الزبير، قال: ان خولة بنت حكيم السلمية دخلت على عمر فقالت: ان ربيعة بن امية استمتع بامرأة فحملت منه؛ خرج عمر يجر رداءه فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت ا هـ، أي لو كنت تقدمت في تحريمها والانذار برجم فاعلها قبل هذا لرجمت، اذ كان هذا القول منه قبل نهيه عنها، نص على ذلك ابن عبدالبر كما في شرح الزرقاني لهذا الحديث من موطأ مالك، ولا يخفى ان هذا
(الامر السادس) في الاشارة الى من تسنى لهم ان يبيحوا ببعض مافي نفوسهم من استنكار تحريمها وهو كثيرون، فمنهم امير المؤمنين علي عليه السلام فيما اخرجه الامامان الثعلبي والطبري عند بلوغهما الى آية المتعة من تفسيريهما الكبيرين؛ حيث أخرجه بالاسناد الى علي قال: لولا ان عمر نهى عن المتعة مازنى الاشقي، وهذا متواتر عنه من طريق أبنائه الميامين(2) .
ومنهم عبدالله بن العباس اذ قال: ما كانت المتعة الا
____________
(1) وقد قال العسكري ـ فيما نقله السيوطي في احوال عمر من كتابه تاريخ الخلفاء ـ: هو أول من سمي امير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ من الهجرة، واول من اتخذ بيت المال، واول من سن قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ واول من عس بالليل، واول من عاقب على الهجاء، واول من ضرب في الخمر ثمانين، واول من حرم المتعة الخ والذين صرحوا بهذا من أثبات الامة لا تحط بهم هذه العجالة.
(2) وقد نقله الرازي في ص200 من الجزء 3 من تفسيره.
ومنهم جابر بن عبدالله الانصاري وقد سمعت حديثه في الامر الثالث وفي الامر الخامس فراجع.
ومنهم عبدالله بن عمر كما هو ثابت عنه، اخرج الامام احمد في ص95 من الجزء الثالث من مسنده من حديث عبدالله بن عمر قال: سأل رجل ابن عمر عن متعة النساء فقال: والله ماكنا على عهد رسول زانين ولا مسافحين
____________
(1) ألفتك إلى ما أورده منها علامة المعتزلة في ص489 من المجلد 4 من شرح نهج البلاغة حيث ترجم ابن الزبير أثناء شرحه لقول امير المؤمنين ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشوم.
ومنهم عبدالله بن مسعود كما هو معلوم عنه، وقد اخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ الأول(2) عن عبدالله ـ بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شيء، فقلنا: الا نستخصي فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا (يا ايها الذين آمنو لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولاتعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) ا هـ قلت: لا يخفى ان استشهاده بالآية دليل على اباحتها كما صرح به شراح الصحيحين.
____________
(1) كما نقله العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني في روضته البهية عن صحيح الترمذي.
(2) في الصفحة الثانية أو الثالثة من كتاب النكاح فراجع.
ومنهم عمران بن حصين فيما صح عنه، وقد نقل الرازي(1) عنه انه قال: انزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية اخرى، وامرنا رسول الله بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ماشاء (قال الرازي) يريد عمر ا هـ. واخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ماشاء. واخرج احمد(2) في مسنده من طريق عمران القصير عن ابي رجاء عن عمران ابن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمر المأمون ايام خلافته فنودي بتحليل المتعة، فدخل
____________
(1) أثناء بحثه عن حكم متعة النساء في تفسير آيتها من تفسيره الكبير.
(2) في ص436 من جزئه الرابع واخرج أيضاً مثله في ص438 من الجزء الرابع من طريق حميد عن الحسن عن عمران.
____________
(1) فيما نقله ابن خلكان في ترجمة يحيى بن اكثم من وفيات الأعيان ولكنه لم ينقل حديث يحيى مع المأمون على وجهه والثابت ما نقلناه.
(2) يدل على ذلك قول ابي حنيفة وقد قيل له مالك لا تروي عن عطاء؟ فقال لأني رأيته يفتي بالمتعة روى ذلك عنه ابن عبدالبر في باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض من كتابه ـ جامع بيان العلم ـ فراجع من مختصره ص196.
وممن اباح المتعة وعملها من اعلام الأمة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح ابو خالد المكي المولود سنة ثمانين، والمتوفى سنة تسع واربعين ومئة، وقد ترجمه ابن خلكان في وفياته، وابن سعد في طبقاته(1) وهو ممن احتجوا به في الصحاح(2) وترجمه الذهبي في ميزانه فذكر أنه تزوج نحواً من تسعين امرأة نكاح المتعة، وانه كان يرى الرخصة في ذلك (قال): وكان فقيه اهل مكة في زمانه.
ـ (المبحث الثالث) ـ في البراءة، وقد اجمع المسلمون كافة على البراءة من اعداء الله، وتصافقوا جميعاً على وجوبها، وحضّ الكتاب والسنة عليها بما لامزيد عليه، وحسبك من آيات الذكر الحكيم قوله عز وعلا ـ في سورة الممتحنة ـ (قد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برءآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم
____________
(1) راجع ص361 من جزئها الخامس. (2) وترجمه ابن القيسراني في ص 314 من كتابه الجمع بين رجال صحيحي البخاري ومسلم.
____________
(1) في سورة الأنعام.
وقد اجمعت الامة بقضها وقضيضها على وجوب البغض في الله، كما اجمعت على وجوب الحب في الله، والتفصيل في مظانه من كتب الفريقين(1) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وعن عيسى عليه السلام: تحببوا إلى الله أَهل المعاصي، وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم، والتمسوا رضا الله بسخطهم الحديث(2) .
ولعل موسى جارالله ينكر علينا البراءة من يزيد بن معاوية صاحب القرود والفهود والخمور والفجور، وقاتل العترة
____________
(1) حسبك من كتب الشيعة في هذا الموضوع كتاب جامع السعادات المنتشر، ومن كتب أهل السنة احياء العلوم فراجع منه بيان البغض في الله ص143 من جزئه الثاني والتي بعدها وإن شئت المزيد فعليك بصفحة 454 من المجلد الرابع من شرح نهج البلاغة الحديدي فتدبر الرد هناك على ابي المعالي الجويني.
(2) هذا الحديث والذي قبله أوردهما الغزالي في ص137 من الجزء الثاني من الاحياء، وأورد هناك احاديث من هذا القبيل جمة.
____________
(1) في الفصل الذي عقد لبيان الأئمة من قريش، والفصل الذي بعده في ص4 والتي بعدها من تاريخ الخلفاء.
(2) في الفصل 8 ص115 وما بعدها إلى ص118 من الفصول المهمة من الطبعة الثانية فليراجعها الباحثون ولا يغفلوا عما علقناه ثمة من الفوائد الجمة.
(المبحث الرابع) في المسح على الخفين في الوضوء عرضاً عن غسل الرجلين أو مسحهما فيه، وقد اختلف الأئمة في ذلك فأجازه قوم ومنعه آخرون، وتواتر القول بالمنع عن كل من أئمتنا الاثني عشر وتبعهم على ذلك شيعتهم الامامية بالاجماع قولا واحداً لعدم وجود ما يدل على الجواز من الأدلة المعتبرة شرعاً عندهم، والأخبار الظاهرة بكفاية المسح على الخفين غير ثابتة من طريقهم مطلقا، وما على المسلم من غضاضة إذا أخذ بالاصل العملي عند عدم قيام الدليل على ما يخالفه، لكن موسى جارالله وأمثاله من المنددين المفندين ينكرون على الشيعة عدم المسح على الخفين، ولا ينكرون على انفسهم عدم المسح على القدمين المنصوص عليه بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) الآية(1) .
____________
(1) في سورة المائدة.
قال بعض الأعلام من أثبات أهل السنة وفقهائهم على مذهب الحنفي(1) أثناء تفسيره لهذه الآية ماهذا لفظه: قُرىء في السبعة بالنصب والجر، والمشهور أن النصب بالعطف على وجوهكم والجر على الجوار (قال): والصحيح أن الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين ونصبها على المحل وجرها على اللفظ، (قال): وذلك لامتناع العطف على المنصوب للفصل بين العاطف والمعطوف عليه بجملة أجنبية، والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلا عن الجملة (قال): ولم يسمع في الفصيح نحو ضربت زيداً ومررت بعمر وبكراً بعطف بكراً على زيداً (قال): وأما الجر على الجوار فإنما يكون على قلة في النعت كقول بعضهم: هذا جحر ضبّ خرب بجر خرب أو في التأكيد كقول الشاعر:
بجر كلهم على ما حكاه الفراء (قال) وأما في عطف النسق
____________
(1) هو الامام الكبير الشيخ ابراهيم الحلبي الحنفي صاحب حلبي كبير وهو من الكتب المنشورة المشهورة.
وسبقه إلى ذلك حبر الأمة وابن عم نبيها عبدالله بن العباس إذ قال(3) : الوضوء غسلتان ومسحتان، وقال(4) في
____________
(1) فراجعه في آخر ص15 والتي بعدها من كتابه الشهير المعروف بحلبي كبير واسمه المتملي في شرح منية المصلي في الفقه الحنفي.
(2) إذ قال: والأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للاسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها !!! قلت ليت شعري من اخبره بذلك.
(3) كما في ص103 من الجزء الخامس من كنز العمال وهذا هو الحديث 2211.
(4) كما في ص103 من الجزء الخامس من الكنز وهو الحديث 2213.
____________
(1) اخرجه ابن ماجة في سننه وابو داود والترمذي والنسائي في صحاحهم وسعيد بن منصور في سننه ورواه ابن ابي شيبة وغيره من الأثبات وهو موجود في ص103 من الجزء الخامس من الكنز ايضا.
(2) اخرجه ابن ابي شيبة وعبدالرحمان بن حميد وابن جرير وهو الحديث 2222 في ص104 من الجزء 5 من الكنز.
(3) فيما اخرجه عبدالرحمان بن حميد والنحاس في تاريخه وهو الحديث 2223 في ص104 من الجزء ه من الكنز.
(4) كما في اواخر ص19 من كتاب المسح على الجوربين للشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي.
لكن هذا المسكين يرى ذلك منّا شيئاً نكرا، وله في الانكار علينا بهذه المسألة، وبكل من البداء والمتعة والبراءة تعصبٌ تجاوز فيه كل حد.
قال: كتب الشيعة إذا تعصبت على المسألة فهي تجازف في الكلام تتجاوز الحدود في التشدد(1) مثل مارويت في
____________
(1) كأن الكتب التي يرتضيها موسى جارالله لا تتجاوز الحدود ابداً حتى في قولها بأن الله تعالى خلق الكفر في نفوس الكافرين والفسق والظلم على ايدي الفاسقين والظالمين! وحتى في نفيهم الحسن والقبح العقليين فيما يستقل به العقل وفي بعض ما يجوزونه على الله عز وجل وعلى أنبيائه واوصيائهم وحتى في قولهم بثبوت الخلافة شرعا لمعاوية ويزيد وبني مروان واضرابهم وحتى في احتجاجهم بامثال ابن هند وابن النابغة واببن الزرقاء وابن شعبة ونجدة وعكرمة وابن حطان وحتى في مسحهم على الخفين دون الرجلين ونكاح البنت ـ بنت الزنى ـ وقولهم بأن حكم الله في الواقع دائر مدار حكم القضاة الشرعيين فاذا حكم القاضي لزيد المزور بزوجة عمرو الشرعية حلت للمحكوم له ظاهراً وواقعا وحرمت على زوجها الشرعي ظاهراً وواقعا إلى غير ذلك مما لو استقصيناه لأخرجنا منه كتابا ضخما.
____________
(1) فصلنا لك القول في هذه الأمور الأربعة تفصيلا فراجعها لتعرف ايينا المجازف.
(2) لما كانت المتعة من احكام الله التي صودرت بعد رسول الله كان اوصيائه ان يهتموا بحفظها كما فعلوا.
(3) هذا الرأي يخالف رأي الأمة جمعاء كما هو الظاهر من كلامه فاذاً يجب ان يعد من مكتشفاته ويجب على الأمة اعطاؤه الامتياز فيه.
(4) بل وقعت من الصحابة ابام النبي وابي بكر وشطرا من ايام عمر حتى نهى عنها في شأن ابن حريث كما سمعته في مبحث المتعة.
____________
(1) سمعت في مبحث المتعة ان منادي النبي أذّن بالاذن بها فلا يؤبه بهذا الكلام البارد.
(2) هكذا تكون الفلسفة وإلا فلا.
(3) تشيع شطره إذ قال: فلتكن، ومتى كانت فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
(4) ردها بغير ناسخ من كتاب أو سنة جزاف وكلام هذا الرجل جفاء.
(5) سمعت في مبحث المتعة ثبوتها بكل من القرآن والسنة والاجماع وهب انها لم تثبت بالقرآن فإن اكثر الأحكام ثبتت في السنة (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .