الصفحة 103
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقد قيل له: ما ذلك الشان؟ فقال: من شأنه سبحانه وتعالى ان يغفر ذنباً ويفرج كربا ويرفع قوماً ويضع آخرين.

هذا هو الذي تقول به الشيعة وتسميه بداء، وغير الشيعة يقولون به، لكنهم لا يسمونه بداء، فالنزاع في الحقيقة انما هو في تسميته بهذا الاسم وعدم تسميته به. ولو عرف غير الشيعة ان الشيعة إنما تُطلِق عليه هذا الاسم مجازاً لا حقيقة لتبين حينئذ لهم ان لا نزاع بيننا وبينهم حتى في اللفظ لأن باب المجاز واسع عند العرب الى الغاية، ومع هذا كله فإن أصر غيرنا على هذا النزاع اللفظي وأبى التجوز بإطلاق البداء على ما قلناه، فنحن نازلون على حكمه فليبدل لفظ البداء بما يشاء (وليتق الله ربه) في أخيه المؤمن (ولا يبخس منه شيئاً) (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) .

«المبحث الثاني» في المتعة أعني متعة النساء، والكلام هنا يقع في خمسة امور.

الامر الاول في تحرير محل النزاع فيها فنقول: محل النزاع

الصفحة 104
بين الشيعة والسنة هنا إنما هو في ان تزوجك المرأة الحرة الكاملة المسلمة او الكتابية نفسها، حيث لا يكون لك مانع في دين الاسلام عن نكاحها، من نسب أو سبب او رضاع او إحصان او عدّة او غير ذلك من الموانع الشرعية ككونها معقوداً عليها لأبيك، او كونها اختاً لزوجتك مثلا، او نحو ذلك، تزوجك هذه نفسها بمهر مسمى إلى أجل مسمى بعد نكاح جامع لشرائط الصحة الشرعية، فتقول لك ـ بعد تبادل الرضا والاتفاق بينكما ـ: زوجتُك أو انكحتُك أو متعتك نفسي بمهر قدره كذا يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين مثلا، أو تذكر مدة معينة على الضبط فتقول ـ انت لها على الفور ـ: قَبِلت. وتجوز الوكالة في هذا العقد كغيره من العقود، وبتمامه تكون زوجة لك، وانت تكون زوجاًلها إلى منتهى الأجل المسمى في العقد، وبمجرد انتهائه تبين من غير طلاق كالاجارة، وللزوج فراقها قبل انتهائه بهبة المدة المعينة لا بالطلاق، عملا بالنصوص الخاصة الحاكمة بذلك، ويجب عليها مع الدخول وعدم بلوغها سن اليأس أن تعتد بعد هبة المدة او انقضائها بقرأين، إذا كانت ممن تحيض، وإلا

الصفحة 105
فبخمس وأربعين يوماً كالأمة، عملا بالادلة الخاصة أيضاً، فإذا وهبها المدة أو انقضت قبل أن يمسها فما له عليها من عدة، كالمطلقة قبل المس، ولا عده على من بلغت سن الياس كالمطلقة أيضاً، وأولات الاحمال في المتعة أجلهن أن يضعن حملهن كالمطلقات، أما عدة المتوفى عنها زوجها في نكاح المتعة فهي عدة المتوفى عنها زوجها في النكاح الدائم مطلقاً(1) .

و ولد المتعة ذكراً كان او انثى يلحق ـ كغيره من الابناء ـ بأبيه، ولا يدعى إلاّ له، ادعوهم لآبائهم، وله من الإرث ما أوصانا به الله سبحانه حيث يقول (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولا فرق بين ولديك المولود احدهما منها والآخر من النكاح المألوف بين عامة المسلمين، وجميع العمومات الشرعية الواردة في الابناء والآباء والامهات شاملة

____________

(1) يعني سواء كانت مدخولا بها اولا، وسواء كانت يائساً أو لا، وسواء كانت حبلى او لا إذ على غير الحبلى ان تعتد بأربعة اشهر وعشر، حتى لو كانت يائسا وغير مدخول بها، وعلى الحبلى أن تعتد بأبعد الأجلين من مضي المدة المذكورة و وضع الحمل، فزوجة المتعة في عدة الوفاة كالزوجة في النكاح الدائم لا فرق بينهما.

الصفحة 106
لأبناء المتعة وآبائهم وأمهاتهم، وكذا القول في العمومات الواردة في الاخوة والاخوات وابنائهما والاعمام والعمات، والاخوال والخالات وابنائهم (وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) مطلقا. نعم نكاح المتعة لا يوجب توارثا بين الزوجين نفسهما، ولا ليلة ولا نفقة للمتمتع بها، وللزوج ان يعزل عنها عملا بالادلة الخاصة المخصصة للعمومات الواردة في احكام الزوجات.

هذه هي متعة النساء التي فهم الإمامية من الكتاب والسنة دوام اباحتها، واهل المذاهب الاربعة يعترفون بأن الله تعالى شرعها في دين الاسلام، لكنهم يعتقدون نسخها وتحريمها، وليس عندنا متعة نساء غيرها بحكم الضرورة من مذهبنا المدون في الألوف من مصنفات علمائنا المنتشرة في اكثر بلاد الاسلام.

(الأمر الثاني) في أصل مشروعية المتعة، يجب أن يعلم أن هذا القدر ثابت باجماع المسلمين، وبالكتاب الحكيم، وبالسنة المقدسة.

اما الاجماع فلأن أهل القبلة كافة، متفقون على أن الله تعالى شرع متعة النساء في دين الاسلام، بحيث لا ريب في

الصفحة 107
ذلك لأحد من أهل المذاهب الاسلامية على اختلافهم في المشارب والآراء، بل لعل هذا ملحق ـ عند أهل العلم ـ بالضروريات الثابتة عن سيد النبيين صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكره أحد من المسلمين مطلقاً.

وأما الكتاب فقوله تعالى في ـ سورة النساء ـ (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) حتى أن كلاً من أبي بن كعب، وابن عباس، وسعيد بن جبير؛ والسدي، وغيرهم كانوا يقرأونها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) أخرج ذلك عنهم الامام الطبري في تفسير الآية من أوائل الجزء الخامس من تفسيره الكبير، ورواه عنهم وعن ابن مسعود جماعة كثيرون من أثبات الأمة وحفظتها(1) لا يسعنا

____________

(1) حتى أرسل الزمخشري في كشافه هذه القراءة عن ابن عباس ارسالل المسلمات، والرازي ذكر في تفسير الآية أنه روى عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) (قال): وهذا ايضاً هو قراءة ابن عباس (قال): والأمة ما انكروا عليهما في هذه القراءة (قال): فكان ذلك اجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة قلت: هذا كلامه بلفظه فراجعه في ص 201 من الجزء 3 من تفسيره الكبير. ونقل القاضي عياض عن المازري ـ كما في أول باب نكاح المتعة من شرح صحيح مسلم للنووي ـ أن ابن مسعود قرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل) والأخبار في ذلك كثيرة.

الصفحة 108
استقصاؤهم، وصرح عمران بن حصين الصحابي بنزول هذه الآية في المتعة، وأنها لم تنسخ حتى قال رجل برأيه ما شاء(1) ونص على نزول الآية في المتعة مجاهد أيضاً فيما أخرجه عنه الطبري في تفسيره الكبير(2) ويشهد لنزول الآية في متعة النساء أن الله سبحانه قد أبان في أوائل السورة حكم النكاح الدائم بقوله عز من قائل (فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) إلى أن قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فلو كانت هذه الآية في بيان الدائم ايضا للزم التكرار في سورة واحدة، أما إذا كانت لبيان المتعة فانها تكون لبيان معنى جديد، وأولو الألباب ممن تدبروا القرآن الحكيم

____________

(1) ستقف على كلام عمران في الأمر السادس من الأمور المتعلقة بالمتعة.

(2) راجع الصفحة 9 من جزئه الخامس.

الصفحة 109
يعلمون ان سورة النساء قد اشتملت على بيان الانكحة الاسلامية كلها، فالدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم الاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) ونكاح الإماء مبين بقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله اعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن اهلهن وآتوهن اجورهن بالمعروف) إلى آخر ماشرع من احكامهن، والمتعة مبينة بآيتها (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة) .

وأما السنة فنصوصها في مشروعية المتعة متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، وقد اخرج الشيخان في أصل مشروعيتها أحاديث في صحيحيهما كثيرة، عن كل من سلمة ابن الاكوع، وجابر بن عبدالله، وعبدالله بن مسعود، وابن عباس، وسبرة بن معبد، وابي ذر الغفاري وعمران بن حصين، والاكوع بن عبدالله الاسلمي. واخرجها احمد بن حنبل في مسنده من حديث هؤلاء كلهم، ومن حديث عمر، وحديث ابنه عبدالله. واخرج مسلم في باب نكاح المتعة من

الصفحة 110
كتاب النكاح من الجزء الأول من صحيحه عن جابر بن عبدالله، وسلمة بن الاكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن رسول الله أذِن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء انتهى بلفظه، والصحاح في هذا المعنى أكثر من أن تستقصى في هذا الاملاء.

(الأمر الثالث) في دوام حلها، وهو مذهب أئمتنا الاثني عشر وأوليائهم عليهم السلام، وحسبك حجة لهم ما قد سمعته من اجماع اهل القبلة على ان الله شرعها في دينه القويم، وأذن في الاذن بها منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يثبت نسخها عن الله تعالى، ولا عن رسوله صلى الله عليه وآله حتى انقطع الوحي باختيار الله تعالى لنبيه دار كرامته، بل ثبت عدم نسخها بحكم صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، فراجعها في مظانها من حديث الشيعة، على ان في صحاح اهل السنة ما تتم به الحجة، واليك لمعة منها بعين الفاظهم.

اخرج مسلم في باب نكاح المتعة صحيحه(1) عن عطاء قال: قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله، فسأله

____________

(1) في ص535 من جزئه الأول.

الصفحة 111
القوم عن اشياء، ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابي بكر وعمر ا هـ. واخرج مسلم في الباب المذكور ايضاً عن ابي الزبير، قال: سمعت جابر ابن عبدالله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ا هـ. واخرج في الباب المذكور ايضا عن ابي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت، فقال: إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ـ متعة الحج ومتعة النساء ـ فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما(1) والاخبار في هذا لا تستقصى، ويعجبني قول بعضهم:

إن التمتع سنة مشروعة * صدع الكتاب بها وسنة احمد
وروى المخالف ان ذلك قد جرى * زمن النبي وبعد فقد محمد
ثم استمر الأمر في تحليلها * إذ صح ذلك بالحديث المسند
عن جابر وعن ابن مسعود وفي * نص ابن عباس كريم المولد
حتى نهى رجل بغير دلالة * عنها فكدر صفو ذاك المورد

____________

(1) أوردنا أحاديث جابر هذه في ص58 من فصولنا المهمة وتكلمنا فيها بما يجدر بالباحثين أن يقفوا عليه.

الصفحة 112

(الأمر الرابع) فيما زعموا في نسخها، وقد أمعنا النظر في الأحاديث التي تشبثوا بها، فإذا هي احاديث ملفقة وضعها المتأخرون عن زمن الصحابة تصحيحا لرأي من حرمها، وقد استقصيناها في رسالتنا الموسومة بالنجعة في أحكام المتعة، فأثبتنا من طريق خصومنا تضعيف تلك الأحاديث؛ وإن اخرجها البخاري ومسلم، ونقلنا كلمات البعض من أئمتهم في الجرح والتعديل الدالة على ذلك، على ان تلك الأحاديث الملفقة تناقض صحاحنا المتواترة من طريق العترة الطاهرة، بل تناقض ماسمعته وما ستسمعه من صحاحهم الدالة على عدم نسخها، بل تناقض نفسها بنفسها كما فصلناه في النجعة تفصيلا، وقد سمعت نص جابر على ان التحريم والنهي إنما كان من عمر في بادرة ابن حريث، وستسمع كلام عمران بن حصين، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، وأمير المؤمنين، فتراه صريحاً بأن التحريم لم يكن بناسخ شرعي، وإنما كان بنهي عمر، ومحال أن يكون هناك ناسخ يجهلونه، وهم من علمت منزلتهم من رسول الله، وملازمتهم اياه، وحرصهم على اخذ العلم منه، على انه لو كان ثمة ناسخ لنبههم اليه بعض

الصفحة 113
المطلعين عليه، وحيث لم يعارضهم أحد فيما كانوا ينسبونه من التحريم إلى عمر علمنا انهم اجمع معترفون بذلك مقرون بأن لا ناسخ من الله تعالى، ولا من رسوله.

على أن عمر نفسه لم يدَّع النسخ كما ستسمعه من كلامه الصريح في اسناد التحريم والنهي إلى نفسه، ولو كان هناك ناسخ من الله او من رسوله لأسند التحريم إلى الله تعالى او إلى الرسول فإن ذلك أبلغ في الزجر، وأولى بالذكر.

(فصل)

ومن غريب الامور دعوى بعضهم النسخ بقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم) بزعم انها ليست بزوجة ولا ملك يمين، قالوا أما كونها ليست بملك يمين فمسلم، وأما كونها ليست بزوجة فلأنها لا نفقة لها ولا ارث ولا ليلة.

والجواب: انها زوجة شرعية بعقد نكاح شرعي، أما عدم النفقة والارث والليلة فإنما هو لأدلة خاصة تخصص العمومات الواردة في أحكام الزوجات كما بيناه في الأمر الاول، على

الصفحة 114
ان هذه الآية مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق، فلا يمكن ان تكون ناسخة لاباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالاجماع. ومن عجيب امر هؤلاء المتكلفين أن يقولوا بأن آية المؤمنون ناسخة لمتعة النساء إذ ليست بزوجة ولا ملك يمين، فإذا قلنا لهم ولم لاتكون ناسخة لنكاح الاماء المملوكات لغير الناكح، وهن لسن بزوجات للنكاح ولا بملك له، قالوا حينئذ ان آية المؤمنون مكية، ونكاح الاماء المذكورات إنما شرع بقوله تعالى ـ في سورة النساء وهي مدينة ـ (فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات فمن ما ملكت ايمانكم) الآية، والمكي لا يكون ناسخاً للمدني لوجوب تقدم المنسوخ على الناسخ، يقولون هذا القول وينسون أن المتعة إنما شرعت في المدينة، وان آيتها في سورة النساء ايضاً، وهي قوله عز من قائل: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وقد منينا بقوم لا يتدبرون، فإنالله وإنا اليه راجعون.

(الأمر الخامس) في يسير من السنن الدالة على ان التحريم إنما كان تأولا من الخليفة الثاني. اخرج مسلم في باب المتعة بالحج والعمرة من صحيحه(1) بالاسناد إلى أبي نضرة قال:

____________

(1) في ص467 من جزئه الأول.

الصفحة 115
كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكرت ذلك لجابر، فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة وأبتّوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل الا رجمته بالحجارة.

واخرج الامام احمد في مسنده(1) من حديث عمر بالاسناد إلى ابي نضرة، قال: قلت لجابر بن عبدالله ان ابن الزبير ينهي عن المتعة، وان ابن عباس يأمربها، فقال لي: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال: ان القرآن هو القرآن، وإن رسول الله هو الرسول، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله احدهما متعة الحج والاخرى متعة النساء ا هـ. وهذا كما ترى صريح فصيح، ولا تنس ما أوردناه في الامر الثالث من حديث جابر فانه صريح فصيح أيضاً.

وقد استفاض قول الخليفة الثاني وهو على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا انهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحج،

____________

(1) ص52 من الجزء الأول.

الصفحة 116
ومتعة النساء حتى نقل الرازي هذا القول عنه محتجا به على تحريم متعة النساء، فراجع تفسير آيتها من تفسيره الكبير. والذي نقله متكلم الاشاعرة، وحكيم أهل السنة الإمام القوشجي في اواخر مبحث الامامة من شرح التجريد: أن الخليفة الثاني قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله انا انهى عنهن واحرمهن وأعاقب عليهن، متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل، ثم اعتذر بأن هذا إنما كان منه عن تأول واجتهاد.

قلت: والاخبار في هذا مما يضيق عنه وسع هذه الرسالة، وقد استمتع في أيام عمر، ربيعة بن امية ابن خلف القرشي أخو صفوان فيما اخرجه مالك ـ في باب نكاح المتعة من موطئه ـ عن عروة بن الزبير، قال: ان خولة بنت حكيم السلمية دخلت على عمر فقالت: ان ربيعة بن امية استمتع بامرأة فحملت منه؛ خرج عمر يجر رداءه فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت ا هـ، أي لو كنت تقدمت في تحريمها والانذار برجم فاعلها قبل هذا لرجمت، اذ كان هذا القول منه قبل نهيه عنها، نص على ذلك ابن عبدالبر كما في شرح الزرقاني لهذا الحديث من موطأ مالك، ولا يخفى ان هذا

الصفحة 117
الكلام منه ظاهر في ان التصرف في حكمها انما هو منه لا من سواه، وخطبته تلك على المنبر نص صريح بذلك(1) .

(الامر السادس) في الاشارة الى من تسنى لهم ان يبيحوا ببعض مافي نفوسهم من استنكار تحريمها وهو كثيرون، فمنهم امير المؤمنين علي عليه السلام فيما اخرجه الامامان الثعلبي والطبري عند بلوغهما الى آية المتعة من تفسيريهما الكبيرين؛ حيث أخرجه بالاسناد الى علي قال: لولا ان عمر نهى عن المتعة مازنى الاشقي، وهذا متواتر عنه من طريق أبنائه الميامين(2) .

ومنهم عبدالله بن العباس اذ قال: ما كانت المتعة الا

____________

(1) وقد قال العسكري ـ فيما نقله السيوطي في احوال عمر من كتابه تاريخ الخلفاء ـ: هو أول من سمي امير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ من الهجرة، واول من اتخذ بيت المال، واول من سن قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ واول من عس بالليل، واول من عاقب على الهجاء، واول من ضرب في الخمر ثمانين، واول من حرم المتعة الخ والذين صرحوا بهذا من أثبات الامة لا تحط بهم هذه العجالة.

(2) وقد نقله الرازي في ص200 من الجزء 3 من تفسيره.

الصفحة 118
رحمة رحم الله بها امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لولا نهيه ـ يعني عمر ـ عنها ما احتاج الى الزنى إلا شقي ا هـ. أي الا قليل من الناس كما فسرها ابن الاثير في مادة شفى من النهاية، وكان ابن عباس يجاهر بإباحتها، وله في ذلك مع ابن الزبير ـ حتى في ايام امارته ـ نوادر يطول المقام بذكرها(1) وحسبك منها ما أخرجه مسلم عن ابي نضرة وقد سمعته في الأمر الثالث وفي الأمر الخامس فراجع.

ومنهم جابر بن عبدالله الانصاري وقد سمعت حديثه في الامر الثالث وفي الامر الخامس فراجع.

ومنهم عبدالله بن عمر كما هو ثابت عنه، اخرج الامام احمد في ص95 من الجزء الثالث من مسنده من حديث عبدالله بن عمر قال: سأل رجل ابن عمر عن متعة النساء فقال: والله ماكنا على عهد رسول زانين ولا مسافحين

____________

(1) ألفتك إلى ما أورده منها علامة المعتزلة في ص489 من المجلد 4 من شرح نهج البلاغة حيث ترجم ابن الزبير أثناء شرحه لقول امير المؤمنين ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشوم.

الصفحة 119
ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله يقول: ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال، وكذابون ثلاثون أو أكثر، وسُئل مرة أخرى(1) عن متعة النساء فقال: هي حلال، فقيل له: ان أباك نهى عنها، فقال: أرأيت ان كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أنترك السنة ونتبع قول أبي؟ ا هـ.

ومنهم عبدالله بن مسعود كما هو معلوم عنه، وقد اخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ الأول(2) عن عبدالله ـ بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شيء، فقلنا: الا نستخصي فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا (يا ايها الذين آمنو لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولاتعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) ا هـ قلت: لا يخفى ان استشهاده بالآية دليل على اباحتها كما صرح به شراح الصحيحين.

____________

(1) كما نقله العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني في روضته البهية عن صحيح الترمذي.

(2) في الصفحة الثانية أو الثالثة من كتاب النكاح فراجع.

الصفحة 120

ومنهم عمران بن حصين فيما صح عنه، وقد نقل الرازي(1) عنه انه قال: انزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية اخرى، وامرنا رسول الله بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ماشاء (قال الرازي) يريد عمر ا هـ. واخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ماشاء. واخرج احمد(2) في مسنده من طريق عمران القصير عن ابي رجاء عن عمران ابن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات صلى الله عليه وآله وسلم.

وأمر المأمون ايام خلافته فنودي بتحليل المتعة، فدخل

____________

(1) أثناء بحثه عن حكم متعة النساء في تفسير آيتها من تفسيره الكبير.

(2) في ص436 من جزئه الرابع واخرج أيضاً مثله في ص438 من الجزء الرابع من طريق حميد عن الحسن عن عمران.

الصفحة 121
عليه محمد بن منصور وابو العيناء، فوجداه يستاك ويقول(1) وهو متغيظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله وعلى عهد ابي بكر وانا أنهى عنهما (قال): ومن انت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله وابو بكر فأراد محمد بن منصور أن يكلمه فأومأ اليه ابو العيناء، وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟ فلم يكلماه، ودخل عليه يحيى بن اكثم فخلا به وخوفه من الفتنة، وذكر له: ان الناس يرونه قد احدث في الاسلام ـ بهذا النداء ـ حدثا عظيما يسيء الخاصة(2) ويثير العامة إذ لا فرق عندهم بين النداء بإباحة المتعة، والنداء بإباحة الزنا، ولم يزل به حتى صرف عزيمته،

____________

(1) فيما نقله ابن خلكان في ترجمة يحيى بن اكثم من وفيات الأعيان ولكنه لم ينقل حديث يحيى مع المأمون على وجهه والثابت ما نقلناه.

(2) يدل على ذلك قول ابي حنيفة وقد قيل له مالك لا تروي عن عطاء؟ فقال لأني رأيته يفتي بالمتعة روى ذلك عنه ابن عبدالبر في باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض من كتابه ـ جامع بيان العلم ـ فراجع من مختصره ص196.

الصفحة 122
إشفاقا على ملكه ونفسه.

وممن اباح المتعة وعملها من اعلام الأمة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح ابو خالد المكي المولود سنة ثمانين، والمتوفى سنة تسع واربعين ومئة، وقد ترجمه ابن خلكان في وفياته، وابن سعد في طبقاته(1) وهو ممن احتجوا به في الصحاح(2) وترجمه الذهبي في ميزانه فذكر أنه تزوج نحواً من تسعين امرأة نكاح المتعة، وانه كان يرى الرخصة في ذلك (قال): وكان فقيه اهل مكة في زمانه.

ـ (المبحث الثالث) ـ في البراءة، وقد اجمع المسلمون كافة على البراءة من اعداء الله، وتصافقوا جميعاً على وجوبها، وحضّ الكتاب والسنة عليها بما لامزيد عليه، وحسبك من آيات الذكر الحكيم قوله عز وعلا ـ في سورة الممتحنة ـ (قد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برءآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم

____________

(1) راجع ص361 من جزئها الخامس. (2) وترجمه ابن القيسراني في ص 314 من كتابه الجمع بين رجال صحيحي البخاري ومسلم.

الصفحة 123
وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول ابراهيم لأبيه لأستغفرن لك) إلى آن قال عز اسمه عوداً على بدء لتأكيد وجوب البراءة البراءة (لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) وقال سبحانه وتعالى ـ في سورة براءة ـ (وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه) ثم مدحه الله عز وجل بسبب براءته من ابيه فقال (إن ابراهيم لأواه حليم) هذه هي البراءة، وهذا هو التكليف بها، وهذه هي ملة ابراهيم التي هدى الله عز وجل اليها نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بأن يدعو أهل الأرض اليها فقال تبارك اسمه(1) (قل انني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيما ملة ابراهيم حنيفا) فهل يريد موسى جارالله مع هذا كله أن نتولى اعداء الله، والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنو لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) إلى آخر سورة الممتحنة، أم يريد أن نودهم والله تعالى يقول (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يرادون من

____________

(1) في سورة الأنعام.

الصفحة 124
حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم) إلى آخر سورة المجادلة.

وقد اجمعت الامة بقضها وقضيضها على وجوب البغض في الله، كما اجمعت على وجوب الحب في الله، والتفصيل في مظانه من كتب الفريقين(1) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وعن عيسى عليه السلام: تحببوا إلى الله أَهل المعاصي، وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم، والتمسوا رضا الله بسخطهم الحديث(2) .

ولعل موسى جارالله ينكر علينا البراءة من يزيد بن معاوية صاحب القرود والفهود والخمور والفجور، وقاتل العترة

____________

(1) حسبك من كتب الشيعة في هذا الموضوع كتاب جامع السعادات المنتشر، ومن كتب أهل السنة احياء العلوم فراجع منه بيان البغض في الله ص143 من جزئه الثاني والتي بعدها وإن شئت المزيد فعليك بصفحة 454 من المجلد الرابع من شرح نهج البلاغة الحديدي فتدبر الرد هناك على ابي المعالي الجويني.

(2) هذا الحديث والذي قبله أوردهما الغزالي في ص137 من الجزء الثاني من الاحياء، وأورد هناك احاديث من هذا القبيل جمة.

الصفحة 125
الطاهرة، ومبيح المدينة المنورة، وينقم منا البغض لكل من كان على شاكلة يزيد، ويريد منا أن نعد يزيد وأباه من خلفاء رسول الله الذين بشربهم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، كما احتمله القاضي عياض وتبعه في ذلك من تأخر عنه من علماء الجمهور، بل استحسنه شيخ الاسلام ابن حجر في شرح صحيح البخاري، واطال الكلام في استحسانه، وجعل الخامس من الإثني عشر معاوية، والسادس يزيد، والثاني عشر جعله الوليد بن يزيد بن عبدالملك ذلك المتهتك بعهره وخمره وفجوره وسائر أموره، وقد أورد السيوطي في أوائل كتابه ـ تاريخ الخلفاء ـ كلام ابن حجر في هذا الموضوع فليراجعه(1) من أراد أن يعرف سرائر موسى جارالله تجاه آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتجاه اعدائهم وليعجب، وقد ذكرنا في فصولنا المهمة يزيد بن معاوية فأشرنا إلى شيء من بوائقه(2) وبوائق أبيه، فليراجعها

____________

(1) في الفصل الذي عقد لبيان الأئمة من قريش، والفصل الذي بعده في ص4 والتي بعدها من تاريخ الخلفاء.

(2) في الفصل 8 ص115 وما بعدها إلى ص118 من الفصول المهمة من الطبعة الثانية فليراجعها الباحثون ولا يغفلوا عما علقناه ثمة من الفوائد الجمة.

الصفحة 126
موسى جارالله ليعلم انا لا يسعنا إلا البراءة منهما ومن امثالهما إلا أن نخالف الله عز وجل فيما افترضه تعالى في محكم فرقانه، وصدع به النبي في قدسي سنته صلى الله عليه وآله وسلم نعوذ بالله، وبه نستجير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(المبحث الرابع) في المسح على الخفين في الوضوء عرضاً عن غسل الرجلين أو مسحهما فيه، وقد اختلف الأئمة في ذلك فأجازه قوم ومنعه آخرون، وتواتر القول بالمنع عن كل من أئمتنا الاثني عشر وتبعهم على ذلك شيعتهم الامامية بالاجماع قولا واحداً لعدم وجود ما يدل على الجواز من الأدلة المعتبرة شرعاً عندهم، والأخبار الظاهرة بكفاية المسح على الخفين غير ثابتة من طريقهم مطلقا، وما على المسلم من غضاضة إذا أخذ بالاصل العملي عند عدم قيام الدليل على ما يخالفه، لكن موسى جارالله وأمثاله من المنددين المفندين ينكرون على الشيعة عدم المسح على الخفين، ولا ينكرون على انفسهم عدم المسح على القدمين المنصوص عليه بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) الآية(1) .

____________

(1) في سورة المائدة.

الصفحة 127

قال بعض الأعلام من أثبات أهل السنة وفقهائهم على مذهب الحنفي(1) أثناء تفسيره لهذه الآية ماهذا لفظه: قُرىء في السبعة بالنصب والجر، والمشهور أن النصب بالعطف على وجوهكم والجر على الجوار (قال): والصحيح أن الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين ونصبها على المحل وجرها على اللفظ، (قال): وذلك لامتناع العطف على المنصوب للفصل بين العاطف والمعطوف عليه بجملة أجنبية، والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلا عن الجملة (قال): ولم يسمع في الفصيح نحو ضربت زيداً ومررت بعمر وبكراً بعطف بكراً على زيداً (قال): وأما الجر على الجوار فإنما يكون على قلة في النعت كقول بعضهم: هذا جحر ضبّ خرب بجر خرب أو في التأكيد كقول الشاعر:

ياصاح بلغ ذوي الحاجات كلهم * أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب

بجر كلهم على ما حكاه الفراء (قال) وأما في عطف النسق

____________

(1) هو الامام الكبير الشيخ ابراهيم الحلبي الحنفي صاحب حلبي كبير وهو من الكتب المنشورة المشهورة.

الصفحة 128
فلا يكون، لأن العاطف يمنع المجاورة، هذا نص كالمه(1) وكفى به حجة على وجوب مسح الأرجل دون غسلها في الوضوء، وقد اعترف في في الكشاف بعطف الأرجل على الرؤوس الممسوحة، ومع ذلك فقد تفلسف في عطفها فلسفة لا تليق بإمام مثله(2) وما أظن أحداً من المفسرين يعطف الأرجل على المغسول، ورحم الله السيد الطباطبائي بحر العلوم إذ يقول:

ان الوضوء غسلتان عندنا * ومسحتان والكتاب معنا
فالغسل للوجه واليدين * والمسح للرأس والرجلين

وسبقه إلى ذلك حبر الأمة وابن عم نبيها عبدالله بن العباس إذ قال(3) : الوضوء غسلتان ومسحتان، وقال(4) في

____________

(1) فراجعه في آخر ص15 والتي بعدها من كتابه الشهير المعروف بحلبي كبير واسمه المتملي في شرح منية المصلي في الفقه الحنفي.

(2) إذ قال: والأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للاسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها !!! قلت ليت شعري من اخبره بذلك.

(3) كما في ص103 من الجزء الخامس من كنز العمال وهذا هو الحديث 2211.

(4) كما في ص103 من الجزء الخامس من الكنز وهو الحديث 2213.

الصفحة 129
مقام آخر: افترض الله غسلتين ومسحتين، ألا ترى أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين، وقال(1) في مقام ثالث: يأبى الناس إلا الغسل ونجد في كتاب الله المسح وعن الشعبي قال(2) : أما جبريل فقد نزل بالمسح على القدمين وعنه أيضاً قال(3) نزل القرآن بالمسح الحديث، وعن ابن عباس أنه حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح على رجليه، وأخرج الطبراني(4) عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ ويسمح على رجليه، أما ما روي عن سادة اهل البيت في ذلك فأكثر من أن يحصى، فمن ذلك ما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي، عن فضالة، عن حماد

____________

(1) اخرجه ابن ماجة في سننه وابو داود والترمذي والنسائي في صحاحهم وسعيد بن منصور في سننه ورواه ابن ابي شيبة وغيره من الأثبات وهو موجود في ص103 من الجزء الخامس من الكنز ايضا.

(2) اخرجه ابن ابي شيبة وعبدالرحمان بن حميد وابن جرير وهو الحديث 2222 في ص104 من الجزء 5 من الكنز.

(3) فيما اخرجه عبدالرحمان بن حميد والنحاس في تاريخه وهو الحديث 2223 في ص104 من الجزء ه من الكنز.

(4) كما في اواخر ص19 من كتاب المسح على الجوربين للشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي.

الصفحة 130
ابن عثمان، عن غالب ابن هذيل، قال: سألت أبا جعفر (الباقر) عليه السلام عن المسح على الرجلين، فقال: هو الذي نزل به جبرائل، وعن أحمد بن محمد قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع بكفه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين، والأخبار في هذا متواترة عن سائر الأئمة من العترة الطاهرة فنصوص الثقلين صريحة بوجوب المسح على القدمين وبها أخذ الامامية، أمّا المسح على النعلين ونحوهما، فلا دليل عليه من طريقهم. والأخبارُ التي يعتمد عليها غيرهم ليست بثابتة عندهم، ولذا تراهم لا يمسحون على الخفين عوضا عن الرجلين، ولا على العمامة عوضا عن رأس لا صالة عدم الجواز.

لكن هذا المسكين يرى ذلك منّا شيئاً نكرا، وله في الانكار علينا بهذه المسألة، وبكل من البداء والمتعة والبراءة تعصبٌ تجاوز فيه كل حد.

قال: كتب الشيعة إذا تعصبت على المسألة فهي تجازف في الكلام تتجاوز الحدود في التشدد(1) مثل مارويت في

____________

(1) كأن الكتب التي يرتضيها موسى جارالله لا تتجاوز الحدود ابداً حتى في قولها بأن الله تعالى خلق الكفر في نفوس الكافرين والفسق والظلم على ايدي الفاسقين والظالمين! وحتى في نفيهم الحسن والقبح العقليين فيما يستقل به العقل وفي بعض ما يجوزونه على الله عز وجل وعلى أنبيائه واوصيائهم وحتى في قولهم بثبوت الخلافة شرعا لمعاوية ويزيد وبني مروان واضرابهم وحتى في احتجاجهم بامثال ابن هند وابن النابغة واببن الزرقاء وابن شعبة ونجدة وعكرمة وابن حطان وحتى في مسحهم على الخفين دون الرجلين ونكاح البنت ـ بنت الزنى ـ وقولهم بأن حكم الله في الواقع دائر مدار حكم القضاة الشرعيين فاذا حكم القاضي لزيد المزور بزوجة عمرو الشرعية حلت للمحكوم له ظاهراً وواقعا وحرمت على زوجها الشرعي ظاهراً وواقعا إلى غير ذلك مما لو استقصيناه لأخرجنا منه كتابا ضخما.

الصفحة 131
البداء والمتعة والبراءة، وتحريم المسح على الخفين(1) وكان الباقر والصادق يبالغان في المتعة ويقولان: من لم يستحل متعتنا فليس منا(2) ويجعلها علماء الشيعة شارة أهل البيت وشعار الأئمة (قال) وللأمة في المتعة كلام، وانا أرى أن المتعة كانت من بقايا الأنكحة الجاهلية(3) ويمكن انها قد وقعت من بعض الناس في صدر الاسلام(4) ويمكن ان

____________

(1) فصلنا لك القول في هذه الأمور الأربعة تفصيلا فراجعها لتعرف ايينا المجازف.

(2) لما كانت المتعة من احكام الله التي صودرت بعد رسول الله كان اوصيائه ان يهتموا بحفظها كما فعلوا.

(3) هذا الرأي يخالف رأي الأمة جمعاء كما هو الظاهر من كلامه فاذاً يجب ان يعد من مكتشفاته ويجب على الأمة اعطاؤه الامتياز فيه.

(4) بل وقعت من الصحابة ابام النبي وابي بكر وشطرا من ايام عمر حتى نهى عنها في شأن ابن حريث كما سمعته في مبحث المتعة.

الصفحة 132
الشارع قد أقرها في بعض الأحوال من باب مانزل فيها إلا ما قد سلف(1) كانت امراً تاريخيا لا حكما شرعياً بإذن من الشارع(2) وإن ادعى مدعي أن المتعة كانت حلالا بإذن الشارع فلتكن(3) نقولل لا بأس فيها ولا كلام لنا اليوم في ردها(4) وإنما كلامي الآن في ان المتعة هل ثبتت في القرآن اولا(5) كتب الشيعة تدعي ان المتعة نزل فيها قول الله جل جلاله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن

____________

(1) سمعت في مبحث المتعة ان منادي النبي أذّن بالاذن بها فلا يؤبه بهذا الكلام البارد.

(2) هكذا تكون الفلسفة وإلا فلا.

(3) تشيع شطره إذ قال: فلتكن، ومتى كانت فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

(4) ردها بغير ناسخ من كتاب أو سنة جزاف وكلام هذا الرجل جفاء.

(5) سمعت في مبحث المتعة ثبوتها بكل من القرآن والسنة والاجماع وهب انها لم تثبت بالقرآن فإن اكثر الأحكام ثبتت في السنة (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .