العنوان الرابع
في خصائصه من حيث الالطاف الالهية به
والاحترامات الربانية له


وهي على اقسام:




القسم الاول
خصوصيته عليه السلام في التعبير عن اللطف الالهي بالنسبة اليه
من وجوه:


الاول: خصوصيات ما في الروايات المعتبرة المروية في كامل الزيارة عن ابي عبدالله عليها لسلام قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منزل فاطمةالزهراء عليها السلام والحسين عليه السلام في حجره اذ بكى وخرّ ساجدا ثم قال (ص) " يا فاطمة ان العلي الاعلى تراءى لي في بيتك هذا، ساعتي هذه، في احسن صورة واهيء هيأة، وقال لي: يا محمد اتحب الحسين؟ قلت: نعم قرة عيني، وريحانتي وثمرة فؤادي، وجلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمد ووضع يده على رأس الحسين (ع) بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناوءه ونازعه ".

أما انه سيد الشهداء من الاولين والاخرين في الدنيا والاخرة وسيد شباب اهل الجنة من الخلق اجمعين، وابوه افضل منه، فأقرأه مني السلام، وبشّره بأنه راية الهدى، ومنار اوليائي، وحفيظي وشهيدي على خلقي وخازن علمي وحجتي على اهل السموات واهل الارضين والثقلين والجن والانس.

والمراد من الترائي: غاية الظهور العلمي، وبحسن الصورة: ظهور صفات الكمال. ووضع اليد: كناية عن افاضة الرحمة الخاصة على الامام الحسين صلوات الله تعالى عليه.

ففي هذه الرواية ست عشرة خصوصية للحسين (ع) معبرة عن اللطف الالهي، واخصها وافخرها قوله: وضع الله تعالى يده على رأس الحسين (ع) فانه كناية عن نهاية اللطف بالنسبة اليه بحيث لا يتصور فوقه لطف.

وقد عبّر الله تعالى عن نهاية افاضة اللطف الكامل على النبي (ص) بأنه وضع الله تعالى يده على ظهره ليلة المعراج، فوضع اليد تعبير عن غاية الافاضة.

لكن في التفرقة بين كونه على الرأس او على الظهر حكمة خاصة، لا ترتبط بالافضلية، وفي الحقيقة الوضع على ظهر النبي (ص) هو الوضع على رأس الحسين (ع).

الثاني والثالث: ان الله تعالى قد تولى قبض روحه عند موته وصلى عليه فهذه التعبيرات كلها، كنايات عن الالطاف لا يُتصور ازيد منها، وحاصل معناها انه قد اعطى الله تعالى الحسين من الالطاف كل ما يمكن ان يُعطى.

ونحن بتوسلنـا به (ع) نرجو ان يكون من الطاف الله تعالى عليه صلاح امورنا في الدنيا والاخرة




القسم الثانـي


وهو اعطاؤه ما يناسب صفاته ولا اقول شبه او مثل صفاته، بل اوقول اعطاه انموذجا من صفاته، وخصّها به

وهي من وجوه:

الاول: ان من صفات الله تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) ولها خمسة معان، وقد اعطى الحسين (ع) ما يناسب ذلك، فإن من شيء إلا وقد بكى لمصيبته، ولكن لا نفقه بكاءهم، كل شيء بحسب حاله، ولا ينحصر في تقاطر الدمع من العين.

فبكاء السماء: تقاطر الدم، وبكاء الارض: ان كل حجر يرفع يُرى تحته دما، وبكاء السمك: خروجه من الماء، وبكاء الهواء: اظلامه، وبكاء الشمس: كسوفها، وبكاء القمر: خسوفه، كما ورد كل ذلك في الروايات.

الثاني: ان الاقرار بوجود الصانع الحكيم فطري) فطرة الله التي فطر الناس عليها) فأهل كل دين حتى عبدة الاصنام يقرّون به والملاحدة والزنادقة عند انكارهم باللسان يثبتونه

وفي الحسين (ع) بالنسبة الى احتراق القلب على مصيبته كذلك حتى من لم يعرفه يبكي عليه ويقيم عزاءه كبعض الهنود المخالفين للاسلام، بل من عاداه حين اظهار عداوته كان يبكي عليه فكان ابن سعد يبكي عليه حين امر بقتله وكلّمته زينب سلام الله تعالى عليها.

والسالب لفاطمة عليها السلام كان يبكي، ويزيد قد رقّ لهم حين اُدخلت السبايا والرؤوس الى مجلسه كما عن فاطمة بنت الحسين عليهما السلام، وسائر قتلته كانوا يبكون في بعض الحالات ويزيد كان يبكي في بعض الليالي.

نعم لم اعثر على رقة وبكاء على حالة من الحالات بالنسبة الى اللعين ابن زياد، لكن عثرت على تغير حالة له في وقت واحد.

وذلك حين امر بقتل السجاد صلوات الله تعالى عليه، فاعتنقته عمته زينب عليها السلام وقالت: ان قتلته فاقتلني معه، فنظر الى ذلك وقال: عجبا للرحم، والله اني لأظنها ودت اني قتلتها معه، دعوه فاني اراه لما به.

الثالث: ان صفات الله تعالى لا يجري افعل التفضيل فيها حقيقة، وان جرى ظاهرا كما يشهد به جميع فقرات دعاء البهاء تقول: (اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه، وكل بهائك بهي) وكذلك الاسماء فيقال الاسم الاعظم وفي الحقيقة ان كل اسمائه اعاظم على نهج سواء.

وفي الحسين (ع) ايضا، ما يناسب ذلك، فقد يقال نريد ان نذكر اعظم مصائبه، وكل مصائبه عظيمة، فإذا تأملت اصغر مصائبه، وجدته اكبرها، واذا نظرت الى اسهل مصائبه وجدته اصعبها.

الرابع: انه تعالى جعل وسائل القرب اليه، والرضا عن العباد والغفران لهم كثيرة، وجعل لهم طرقا في كل فعل وصفة ونية، وجعل في ايصاله الفسض الى العباد عموما، وله تسبيبات لا يُدرك ضبطها.

وقد اعطى الحسين (ع) ما يناسب ذلك، فجعل له تسبيبات كثيرة، وعمم فيها وجعل لها اعواضا كعباداته، حيث لم يحرم منها احدا، وحعل لكل عمل عوضا، وبدلا حتى انه جعل لنية العمل في بعض الاوقات ثواب العمل.

وكذلك الحال بالنسبة الى الحسين (ع) فجعل لزيارت فضلا، وجعل بدلها التجهيز اليها، وجعل بدلها الزيارة من بُعد، وكذلك لما جعل لبكائه فضلا وافرأً اراد ان لا يحرم احد من هذا الخير فجعل مصائبه مختلفة وما يُبكى عليه انواعا واقساما باختلاف القلوب واختلاف اسباب رقتها.

فان كل قلب لا يرق على كل مصيبة، فقلب لا يرق على الغريب، ولكن يرق على العطشان الغريب، وقلب لا يرق على الجرح، ولكن يرق على جرح الجرح، وقلب لا يرق على جرح الجرح، ولكن يرق على الرض بعد جرح الجرح، وهذا لا ينتهي الكلام فيه، فلاحظ كل مصيبة، ولاحظ اعلاها ثم لاحظ اشد انواع ذلك الاعلى، ثم اشد ذلك الاشد، تجده مجتمعا في الامام المظلـوم، وجعل اسباب الحصول كثيرة، ولها فصل مستقل والله تعالى المستعان.

الخامس: ان صفاته لا شريك له فيها، فكل ما ينسب اليه، ويتعلق به من جميع ما يلاحظ خاصة به، فهو ممتاز فيها لا شريك له في خصوصياتها.

السادس: من الصفات المنسوبة اليه ان محبته لا تشبه محبة المحبين.

وكذلك محبة الحسين (ع) حتى انها لا تشبه محبة من هو مساوٍ معه، او افضل منه، فهي كما قال النبي (ص) " محبته مكنونة في بواطـن المؤمنين.

وقد سئل النبي (ص) عن هذا، ايضا، حين ظهرت منه (ص) كيفية خاصة في الملاطفة مع الحسين (ع) على ما روى المقداد رضى الله تعالى عليه.

حيث قال: خرج رسول الله (ص) يوما في طلب الحسن والحسين (ع) فوجدهما نائمين في حديقة على الارض، فبدأ برأس الحسين يعطفه، وجعل يرخي لسانه في فمه مرارا حتى ايقظه، فقال المقداد: كأن الحسين اكبر؟ فأجابه (ص) بما ذكر.

فقد ظهرت خصوصية للحسين (ع)، وانكتامها في باطنه زيادة على اخيه، مع انه في الشرف والمرتبة افضل او مساو له، لانه بدأ برأسه فرفعه، وايقظه بارخاء لسانه في فمه مرارا.

وهذا هو حال انكتام محبته في قلوب المؤمنين الخالصين في الايمان، ففي قلوبهم علامات، وخصوصيات، وان كان اللازم ان تكون محبة جده وابيه اكثر منه، لانهما افضل منه.

لكن لمحبته خصوصيات لا دخل لها بالكثرة.

من تلك الخصوصيات: ان افئدتهم تهوي الى زيارته وترق وتحن اليها اذا سمعوا بها، او بزواره حين الذهاب، اوالقدوم، ازيد مما تهوي الى الحج وغيره من الزيارات.

ومنها: ان من توجه الى زيارة الائمة انما يسميه فقط، اي ان الزائر الايراني مثلا الذي يروم زيارة العتبات المقدسة في العراق اذا سئل عن مقصده يجيب باني اروم زيارة الامام الحسين عليه السلام مع انه قاصد لزيارة باقي الائمة عليهم السلام ايضا.

ومنها: ان لإسمه الشريف تاثيرا في قلوبهم كما ناداه ابوه: يا عبرة كل مؤمن، وكما قال هو (ع) " انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن الا بكى.

ومنها: ان دخول شهره يعني المحرم يملأ القلوب هماً وكمدا وحزنا عميقا في النفوس.

ومنها ان الرقة عليه لا يمل منها بكثرة التكرار على التكرار، فاذا سمعوا عزائه كل يوم ألف وألف مرة فبمجرد سماعهم انه قتل عطشان مقروحا وقد حُزّ رأسه، او واقفا على الارض مستغيثا، او سمعوا حكاية استغاثته، ارتفعت اصواتهم.




القسم الثـالث
من الالطاف الخاصة به ما اعطاه تبارك وتعالى من كلامه المجيد وتكليماته


اما كلامه المجيد وهوالقران فلما اعطاه منه عنوان مستقل نذكره ان شاء الله تعالى.

واما تكليمه تعالى فقد ذكر مصيبته في تكليم ادم (ع) ومن بعده وفي تكليم الكليم (ع) مكررا، وغيره من الانبياء (ع)، الى الخاتم كما ذكرنا تفصيله في عنوان مجالس الرثاء.

وسنذكره بعد ذلك ان شاء الله تعالى

واما التكليم الخاص معه فهو كثير، منه ما قبل شهادته على ما رواه انس بن مالك حيث انه ساير الحسين (ع) فأتى قبر خديجة الكبرى عليها السلام فبكى ثم قال (ع) اذهب عني، قال انس: فاستخفيت عنه، فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته يقول:


يا رب يا رب انت مولاهفارحم عبيدا اليك ملجاه
يا ذا المعال عليك معتمديطوبى لمن كنت انت مولاه
طوبى لمن كان نادما ارقايشكو الى ذي الجلالة بلواه
وما به علة ولا سقماكثر من حبه لمولاه
اذا اشتكى بثه وغصتهاجابه الله ثم لبّاه
اذا ابتلى بالظلام مبتهلااكرمه الله ثم ادناه

فنودي عليه السلام:
لبيك عبدي وانت في كنفي،وكل ما قلت قد علمناه
صوتك تشتاقه ملائكتيفحسبك الصوت قد سمعناه
دُعاك عندي يجول في حجبفحسبك الستر قد سفرناه

اي: إنا كشفنا الستر عنك


لو هبّت الريح من جوانبهخرّ صريعا لما تغشاه
سلني بلا رغبة ولا رهبولا تخف انني انا الله

ملاحظة: قوله: لو هبت الريح من جوانبه، الضمير اما راجع الى الدعاء فيكون كناية عن انه يجول في مقام لو كان مكانه رجل لغشي عليه مما يغشاه من انوار الجلال، ويحتمل ارجاعه اليه (ع) على سبيل الالتفات لبيان غاية خضوعه وولهه في العبادة بحيث لو تحركت الريح لاسقطته.

ومنها نداءات خاصة له يوم شهادته، اشرفها نداؤه بقوله: " يا أيتها النفس المطمئنة "




القسم الرابـع
فيما اعطاه تبارك وتعالى من افضل مخلوقاته محمدا المصطفى صلى الله عليه واله وسلم


ولبيان ذلك امور:

الاول: بيان ما اعطاه منه بطريق التعداد والتحديد والتعيين مجملا

الثاني: بيان كيفية هذا الاعطاء المحدود

الثالث: بيان ما فوق ذلك

اما الامر الاول: فنقول:

قد اعطاه قلبه الباطني فجعله محل علاقة خاصة له، وقد اعطاه قلبه الظاهري

فقال:" انه مهجة قلبي "، وقد اعطاه روحه فقا انه روحي التي بين جنبي، وقد اعطاه فؤاده فجعله له ثمرة.

وقد اعطاه عقله فجعله له طمأنينة.

وقد اعطاه باصرته فقال: اذا نظرت اليه ذهب ما بي من الجوع.

وقد اعطاه شامّـته فقال: هو ريحانتي.

وقد اعطاه عينيه فقال (ص) " هو نورهما ".

وقد اعطاه من بين عينيه فقال (ص) هو جلدة ما بين عيني.

وقد اعطاه قوته فقال (ص) هو قوتي اذا نظرت اليه ذهب ما بي من الجوع.

وقد اعطاه كتفه فجعله له مركبا.

وقد اعطاه ظهره فجعله له مرتحلا.

وقد اعطاه حجره فجعله له حاضنا.

وقد اعطاه لسانه فجعله له راضعا.

وقد اعطاه يده فجعل ابهامه ومسبحته له غاذيا.

وقد اعطاه صدره فجعله له مجلسا ومأمنا.

وقد اعطاه شفتيه فجعلهما مقبّلا ولاثما.

وقد اعطاه كلامه فجعله له مادحا وراثيا وذاكرا له في كل حين.

وقد اعطاه ابنه فجعله له فاديا فكان يقول (ص) مكررا: فديت من فديته بإبني إبراهيما، كما ورد في المنتخب للطريحي 51

الامر الثاني: في بيان بعض تفاصيل هذه

فنقول:

اما امتياز علاقته معه فيظهر معه من كيفية لقائه له، وحضوره عنده ومجيئه له، وذهابه اليه، فإن العلاقة مع الاولاد خصوصا في حال طفولتهم والاستئناس معهم، واللعب معهم، امر معتاد لكن تحقق هذه الكيفية بالنسبة اليه (ص) مع الحسين (ع) خارق للعادة، فترى النبي (ص).


كأنه وهو فرد في جلالتهفي عسكر حين تلقاه وفي حشم

فكيف بجلالته ووقاره حين هو جالس في اصحابه، فمع ذلك الوقار الذي علا كل وقار، ومع تلك السكينة التي انزلها الله تعالى عليه، ولُقّب بصاحب الوقار والسكينة.

كان اذا رأى الحسين (ع) مقبلا عليه وهو) ص) يحدّث اصحابه يقطع حديثه، ويقوم من مجلسه ويستقبله، ويحمله على كتفه المبارك، ويأتي به فيقعده عنده او في حجره.

واعجب من ذلك انه وهو على المنبر يخطب يقطع خطبته وينزل ويستقبل ويقول كلاما يقضى منه العجب، وذلك في رواية ابن عمر: انه قال (ص): " والذي نفسي بيده ما دريت اني نزلت من منبري ".

وكيف يكون هذا الكلام على حقيقته بل هو كناية عن شدة الحب والعلاقة بحيث كان كذلك.

واعجب من كل ذلك ما رواه ابن ماحة في السنن والزمخشري في الفائق قالا: رأى النبي محمد (ص) الحسين بن علي (ع) وهو يلعب مع الصبيان في السكة.

فاستقبل النبي (ص) امام القوم، فبسط احدى يديه فطفق الصبي يفر مرة من هنا ومرة من هاهنا، ورسول الله (ص) يضاحكه، ثم اخذه فجعل احدى يديه على ذقنه والاخرى على فأس رأسه، وأقنعه وجعل فاه على فيه فقبّله، وقال (ص) " انا من حسين وحسين مني، احبّ الله تعالى من احبّ حسينا، حسين سبط من الاسباط "،، ورواه غيرهما ايضا.

توضيح: ان فأس الرأس يعني: طرف مؤخرة المشرف على القفا.

تنبيه: هذه المحبة لم تكن للحسين وحده، بل كانت لمن احبه ايضا، ويُشهد الله تعالى على ذلك ويقول (ص) " اللهم اني احبه واحب من يحبه، " وكان يدعو لمحبه بأن يحبه الله تعالى فيقول (ص) " احبّ الله من احبّ حسينا "

وقد رأى (ص) يوما صبيا في الطريق فجلس واخذه وتلاطف معه، فسئل عن ذلك فقال (ص) " اني احبه لانه يحب ولدي الحسين (ع)، لاني رأيت انه يرفع التراب من تحت قدميه ويمسح به وجهه وعينيه، واخبرني جبرئيل عليه السلام انه يكون من انصاره في وقعة كربلاء.

فالآن نحن نرجو ان كنا محبين لامامنا الحسين عليه السلام، ان يحبنا النبي (ص) ويحبنا الله تعالى، بدعائه (ص) لنا واذا احبنا ان يغفر لنا ويعفو عنا.

واما كون ظهره له مركبا فقد اتفق كثيرا، وليس هو من العادات كما يتفق لكثير من الناس في حق اولادهم، بل خارق للعادات، وذلك انه قد كان يتفق انه يركب ظهر جده وهو في السجود في صلاة الجماعة فيطيل السجود ولا يرفع رأسه المبارك حتى يقوم هو أي: الحسين باختياره.

وقد تعجب الذين كانوا يصلون معه، فسألوه: انه هل نزل وحي؟ قال صلى الله عليه وآله: لا ولكن ابني ارتحلني.

واما كون كتفه محملا فلقد كان يفعل من ذلك مالا يفعله الرجل الجليل، يحمل صبيا على كتفه، ويمشي في الاسواق والطرق وكلما يريد اصحابه ان يحملوه او يحملوا اخاه، يقول (ص) " نعم الراكبان انتما، نعم قد كان يحمله عنه جبرئيل (ع) وقد كان يحمله وهو في الصلاة.

واما كون حجره له حضنا، فانه (ص) قد تولى من ذلك مالا يتولاه الا النساء، وقد حضنه بمجرد ولادته المباركة.

فنادى يا اسماء هلمي اليّ بابني، فقالت: لم ننظفه بعد، فقال (ص)" انت تنظفيه ان الله تعالى قد نظفه وطهّره".

فأخذه وتولى حضانته ورضعه من ابهامه، وكان يلاعبه كالنساء ويقرأ له نغوتهن، ويكلمه بلسان الاطفال، ونو ذلك مما يُستغرب.

حتى انكر عليه بعض ازواجه كعائشة بل بعض اصحابه، فقال (ص) " ما خفي عليك اكثر، فعلم ان ذلك من امر الهي وحكم رباني، وقد صرح (ص) معتذرا بذلك فقال: إن الله تعالى قد أمرني بحبهمـا.

فعدم قيامه من السجود حين ارتحله بامر الهي، وحمله على كتفه بأمر الهي، والركض معه في الطريق بأمر الهي، وقيامه واستقباله بأمر الهي.

والوجه في هذا أمران سنذكرهما ان شاء الله تعالى في محلهما.

واما كون شفتيه(ص) لاثمتين ومقبلتين فلا عجب من ذلك ولا من كيفية تقبيلهما فكان يضمهما اليه ويشمهما ويقبّل كلاً منهما لنصف ساعة، ويقول " هما ريحانتاي "، وقد يقبل احدهما وهو في الصلاة ويده في يده.

وقد اشتهر انه قبّل فم الحسين ونحر الحسيـن، فتألم الحسين من ذلك، واظهره لأمه الزهراء (ع)،حيث انه (ص) قبّله في نحره وقبّل اخيه الحسن (ع) في فمه في يوم ما، لكن لم اعثر لذلك على رواية، انما الذي عثرت عليه في الروايات المتواترة: انه (ص) كان يقبّل الحسين (ع) تارة من نحره وتارة م جبينه، وتارة من جميع بدنه، وتارة يكشف عن بطنه فيقبّل فوق سرته على قلبه، وتارة يقبّل اسنانه وتارة يقبّل شفتيه، وكان يكثر من جميع ذلك، ولقد كان في تخصيصه لهذه معجزة له.

وكان يذكر سبب البعض، فيقول عند تقبيل جميع البدن: اقبّل وضع السيوف وابكي، ولكن لم يذكر السبب في تقبيل الثغر والاسنان وتقبيل فوق السرة حتى عُلم السبب بعد وقوع ما وقع.

واعلم ان تخصيصه للاحترامات الخاصة لوجوه ثلاثة:

الاول: بيان مرتبته وعظم درجته وكرامته.

الثاني: مقابلة كل خصوصية احترام بما يقع عليه من هتكها ليعلم عظم المصيبة فيما يقع عليه فاذا لاحظت من يستقبله الرسول (ص) وهو طفل تعلم عظم المصيبة.

وانه يبلغ به الحال في خذلان الناس له: انه كان لا ينازله احد فيمن يصادفه في الطريق لئلا يستنصره، كما في رواية زهير واذا استقبل واحدا في الطريق ليسأل منه يعدل عن الطريق معرضا عنه وكما في قضية الاسديين.

الوجه الثالث: ادخال السرور عليه جبرا لحزنه وكربه وظلمه، فاذا اراد الجبر لهذا الفرد من الحزن والكرب فلا بد ان يكون بهذا المقدار حتى يقع التلافي، فهل لكم فيه اسوة؟ تجبرون القلب المكسور، وتفرجون عن المكروب: ببكاء عليه وسلام عليه وتحية له وزيارة له بل وبشكل عام وتلبية له.

الامر الثالث: في بيان اعلى من ذلك وابلغ بأن تقول انه تعالى قد اعطاه نبيه المصطفى (ص) فكان النبي (ص) منه، ولا اقول ذلك مبالغة ولا شططاً، بل قال هو صلى الله عليه وآله وسلم " حسين مني وأنا من حسين ".