التصدي لإحراق باب بيت فاطمة (ع)
إن ما تقدم قد أعطانا صورة عن الأبواب لبيوت مدينة الرسول (ص) في عهده صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته الطاهرين.
ولكن، بما أن البعض قد حاول - بدعوى عدم وجود أبواب في المدينة - تأييد إنكاره لما جرى على الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، من الهجوم على بابها، ومحاولة إحراقه، وما تبع ذلك من الاعتداء عليها بالضرب، من أكثر من شخص، حتى أسقطت جنينها، بل وكسر ضلعها أيضا، فماتت صديقة، شهيدة، صابرة محتسبة. وهو إنما يريد بذلك إزالة أداة الجرم لينتفي الجرم نفسه.
ومن أجل ذلك أحببنا أن نورد هنا طائفة من النصوص التي تحدثت عن وجود باب لبيت فاطمة (ع) بالذات ; فنقول، وعلى الله نتوكل، ومنه نستمد القوة والحول. وعليه التكلان.
لا نريد في هذا الفصل أن نذكر ما تعرضت له الزهراء صلوات الله وسلامه عليها من إهانات ومصائب على أيدي الذين اغتصبوا الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد تقدم ذلك.
ولكننا نريد - فقط - أن نذكر بعض النصوص التي رويت من طرق السنة والشيعة على حد سواء، وذكرت جمعهم للحطب على باب بيت فاطمة الزهراء (ع)، لإحراقه، وإضرام النار فيه بالفعل، أو هددوا بذلك..
وسوف نذكر أولا النصوص التي وردت فيها كلمة باب، ثم نعقبها ببعض النصوص التي لم تذكر هذه الكلمة واكتفت بذكر الإحراق، أو التهديد به.
ثم نذكر أيضا نموذجا من النصوص التي تحدثت عن إسقاط المحسن بسبب عصر الزهراء (ع)، بين الباب والحائط، رغم أننا قد ذكرنا ذلك كله وسواه في فصول سابقة.
فنقول:
1 - روى البلاذري وغيره ; وروته الشيعة من طرق كثيرة: أن أبا بكر أرسل إلى علي يريده للبيعة، فلم يبايع، فجاء عمر، ومعه قبس، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت: يا ابن الخطاب، أتراك محرقا علي بابي ؟ !.
قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء علي فبايع (1).
____________
1- البحار: ج 28 ص 389 و
411، وهامش ص 268، عن البلاذري، وأنساب الأشراف: ج 1 ص 586، وراجع المصادر
التالية: وبعضها أبدل كلمة بابي بكلمة بيتي: الشافي للسيد المرتضى: ج 3 ص 241،
والعقد الفريد: ج 4 ص 259 و 260 و ج 2 ص 250 و ج 3 ص 63، وكنز العمال: ج 3 ص 149،
والرياض النضرة: ج 1 ص 167، والمختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء: ج 1 ص 156،
والطرائف: ص 239، وتاريخ الخميس: ج 1 ص 178، ونهج الحق: ص 271، ونفحات اللاهوت: ص 79، وراجع: مسند فاطمة في العوالم: ج 11 ص 602 و 408، والشافي لابن حمزة: ج 4 ص 174، وتلخيص الشافي: ج 3 ص 76، وراجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 147.
2 - وفي نص آخر، قال المفضل للصادق عليه السلام: يا مولاي، ما في الدموع من ثواب ؟ قال: ما لا يحصى.. إلى أن تقول الرواية: فقال له الصادق (ع): ولا كيوم محنتنا في كربلاء، وإن كان يوم السقيفة، وإحراق النار على باب أمير المؤمنين، والحسن والحسين، وفاطمة، وزينب، وأم كلثوم عليهم السلام، وفضة، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر، لأنه أصل يوم العذاب (1).
وقال عليه السلام: ويأتي محسن مخضبا محمولا تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين الخ..:(2) .
3 - روى المفضل حديثا: عن الإمام الصادق: يتحدث فيه عن الإمام الحجة، ورجعة بعض الأموات فكان ما قاله:
ضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام لإحراقهم بها، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط، ورفس بطنها وإسقاطها محسنا..
إلى أن تقول الرواية: وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، وزينب، وأم
____________
1- فاطمة الزهراء بهجة قلب
المصطفى: ص 532، عن نوائب الدهور للعلامة السيد الميرجهاني: ص 194. 2- فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى: ص 532، عن نوائب الدهور للعلامة
السيد الميرجهاني: ص 194.
كلثوم عليهم السلام، وفضة، وإضرامهم النار على الباب، وخروج فاطمة، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها: ويحك يا عمر، ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه، وتطفئ نور الله والله متم نوره .
ثم تذكر الرواية جواب عمر لها وفيه: فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا .
وتقول هذه الرواية أيضا: وإدخال قنفذ يده (لعنه الله) يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها، وهي حامل بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه.
وهجوم عمر، وقنفذ وخالد بن الوليد، وصفقة خدها حتى بان قرطها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: وا أبتاه وا رسول الله، ابنتك فاطمة تكذب، وتضرب، ويقتل جنينها في بطنها وخروج أمير المؤمنين (ع) من داخل الدار محمر العين حاسرا.. إلى أن قال: فقد جاءها المخاض من الرفسة، ورد الباب، فأسقطت محسنا(1).
4 - ويروي سليم بن قيس هذه القضية، عن سلمان وعبد الله بن عباس، فذكرا: إنه بعد أن بويع أبو بكر، بعثا - أبو بكر وعمر - مرارا، وأبى علي (ع) أن يأتيهم، فوثب عمر غضبان، ونادى خالد بن الوليد، وقنفذا، فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي، وفاطمة عليهما السلام قاعدة خلف الباب، وقد عصبت رأسها، ونحل جسمها بعد وفاة رسول الله (ص)، فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: يا ابن أبي طالب ; افتح الباب، فقالت فاطمة
____________
1- البحار: ج 53، ص 14 و
17 و 18 و 19.
(ع): يا عمر، ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه؟!.
قال: افتحي الباب، وإلا أحرقنا عليكم.
فقالت: يا عمر، أما تتقي الله عز وجل، تدخل علي بيتي، وتهجم علي داري، فأبى أن ينصرف، ثم دعا بالنار، فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة، وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله الخ.. (1) وثمة تفصيلات أخرى لما جرى فراجع(2) .
5 - وفي رواية المفيد: انفذ عمر بن الخطاب قنفذا، وقال له: أخرجهم من البيت، فإن خرجوا، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه، واعلمهم أنهم إن لم يخرجوا أضرمت عليهم البيت نارا .
ثم قام بنفسه في جماعة، منهم المغيرة بن شعبة الثقفي، وسالم مولى أبي حذيفة، حتى صاروا إلى باب علي عليه السلام، فنادى: يا فاطمة بنت رسول الله، أخرجي، من اعتصم ببيتك ليبايع، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا - والله - أضرمت عليهم نارا.. وفي حديث مشهور (3).
وفي نص آخر: أنه حين بويع لأبي بكر كان علي (ع) والزبير يدخلون على فاطمة (ع) ويشاورونها، ويرتجعون في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فجاء إلى فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله، ما من الخلق أحب إلي من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله، ما ذلك بمانعي إن اجتمع النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم
____________
1- البحار: ج 43 ص 197 و
198 و ج 28 ص 299 وكتاب سليم بن قيس: ج 2 ص 250 (ط الأعلمي). 2- البحار: ج 28 ص 268 -
270 و 261. 3- الجمل: ص 117 و 118 (ط جديد).
الباب، فلما خرج عمر جاءوها، قالت: تعلمون: أن عمر قد جاءني، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب، وأيم الله، ليمضين ما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم الخ.. فانصرفوا عنها، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا (1).
وليلاحظ: أنه يذكر تحريق الباب لا البيت، وهو ما قد حصل بالفعل.
6 - يقول عمر: فلما انتهينا إلى الباب، فرأتهم فاطمة (ع) أغلقت الباب في وجوههم، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره، وكان من سعف، ثم دخلوا فأخرجوا عليا (ع) ملببا :(2) .
7 - وروي أن النبي (ص) قال في وصيته لعلي (ع) عن فاطمة ... وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها(3).
____________
1- منتخب كنز العمال:
(مطبوع بهامش مسند أحمد) ج 2 ص 174 و ج 5 ص 651، والاستيعاب (بهامش الإصابة): ج 2
ص 254 و 255، والوافي بالوفيات: ج 17 ص 311، وكنز العمال: ج 5 ص 651، وإفحام
الأعداء والخصوم: ص 72، وعن المصنف لابن أبي شيبة: ج 14 ص 567، والحديث موجود في
شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 45 عن الجوهري وفي الشافي: ج 4 ص 110، والمغني
للقاضي عبد الجبار: ج 20 قسم 1 ص 335، وقرة العين، لولي الله الدهلوي: (ط بيشاور)
ص 78، والشافي لابن حمزة: ج 4 ص 174، ونهاية الإرب: ج 19 ص 40. 2- البحار: ج 28 ص 227،
وتفسير العياشي: ج 2 ص 67، وراجع: الاختصاص: ص 185 و 186، وتفسير البرهان: ج 2 ص 93. 3- البحار: ج 22 ص 485، وخصائص الأئمة: ص 72.
8 - وفي حديث مروي عن الزهراء نفسها تقول: فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب، وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله، فرده علي، وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تسعر، وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض، فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم (1).
9 - ومما قاله بعض الزيدية مما استحسنه النقيب في الرد على الجويني: .. فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب فيها التخليد في النار، والبراءة من فاعله، ومن أوكد عرى الإيمان ؟ ! وصار كشف بيت فاطمة، والدخول عليها منزلها، وجمع حطب ببابها وتهديدها بالتحريق من أوكد عرى الإيمان .
وقد نقل هذا القول عن كراس لبعض الزيدية ورأى فيه أبو جعفر جوابا كافيا للجويني(2) .
10 - ويقول المسعودي: فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها (3).
11 - وقد اعتبر المعتزلي الشافعي الروايات التي تقول: إن عمر ضغطها بين الباب والجدار حتى أسقطت جنينها هي مما تنفرد به
____________
1- البحار: (ط قديم) ج 2 ص 231، و (ط جديد) ج 30 ص 348، عن إرشاد القلوب للديلمي. 2- راجع شرح المنهج
للمعتزلي: ج 20 ص 16 و 17. 3- إثبات الوصية: ص 143، والبحار: ج 28 ص 308.
الشيعة (1).
ولكن كلامه هذا غير دقيق، فقد روى ذلك كثيرون من غير الشيعة، كما ذكرناه في قسم النصوص فراجع.
12 - وذكر المجلسي رحمه الله تعالى عهدا كان كتبه الخليفة الثاني إلى معاوية يحكي فيه له ما جرى لهم مع الزهراء (ع)، وقد جاء فيه قوله: فأتيت داره مستيشرا (2) لإخراجه منها، فقالت الأمة فضة - وقد قلت لها قولي لعلي: يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت: إن أمير المؤمنين (ع) مشغول.
فقلت: خلي عنك هذا وقولي له: يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرها.
فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب، فقالت: أيها الضالون المكذبون !
ماذا تقولون ؟
وأي شئ تريدون ؟.
فقلت: يا فاطمة !.
فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر ؟ !.
فقلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب ؟.
فقالت لي: طغيانك - يا شقي - أخرجني وألزمك الحجة، وكل ضال غوي.
فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج.
____________
1- شرح النهج للمعتزلي: ج 2 ص 60. 2- ما في مطبوع البحار يقرأ: مستأشرا، والمستأشر: هو الذي يدعو إلى تحزيز
الأسنان، كما في القاموس 1 / 364. قال في مجمع البحرين 3 / 511: وشرت المرأة
أنيابها وشرا - من باب وعد - إذا حددتها ورققتها فهي واشرة، واستوشرت: سألت أن
يفعل بها ذلك. أقول: ولعل الواو قلبت ياء ولعله كناية.
فقالت: لا حبا ولا كرامة (1) أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر ؟ ! وكان حزب الشيطان ضعيفا.
فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها نارا على أهل هذا البيت وأحرق من فيه، أو يقاد علي إلى البيعة.
وأخذت سوط قنفذ فضربت:(2) وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب، فقلت: إني مضرمها.
فقالت: يا عدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين، فضربت فاطمة يديها (3) من الباب تمنعني من فتحه فرمته فتصعب علي فضربت كفيها بالسوط فآلمها، فسمعت لها زفيرا وبكاء، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب، إلى أن قال: فركلت(4) الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها، وقالت: يا أبتاه ! يا رسول الله ! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك، آه يا فضة ! إليك فخذيني، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل.
وسمعتها تمخض (5) وهي مستندة إلى الجدار، فدفعت الباب
____________
1- كذا وردت في (ك)، إلا
أنه وضع على: فقالت: رمز مؤخر (م)، وعلى: لا حب ولا كرامة، رمز مقدم، فتصير هكذا:
لا حب ولا كرامة فقالت: أبحزب.. إلى آخره، والظاهر: لا حبا. 2- في (س): وضربت وأخذت
سوط قنفذ. 3- جاء في (س): يدها. 4- قال في القاموس 3 /
386: الركل: الضرب برجل واحدة. 5- قال في القاموس 2 / 344: مخضت تمخيضا: أخذها الطلق.
ودخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة (1) على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض، وخرج علي، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم.
وفي رواية أخرى: قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي.
وهذا علي قد برز من البيت وما لي ولكم جميعا به طاقة.
فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها، فأسبل علي عليها ملاءتها:(2) وقال لها: يا بنت رسول الله ! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين، إلى أن قال: فكوني - يا سيدة النساء - رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذابا.
واشتد بها المخاض ودخلت البيت فأسقطت سقطا سماه علي: محسنا.
وجمعت جمعا كثيرا، لا مكاثرة لعلي ولكن ليشد بهم قلبي، وجئت - وهو محاصر - فاستخرجته من داره.. إلى أن قال: وأبو بكر يقول: ويلك يا عمر، ما الذي صنعت بفاطمة (3).
13 - وقال عبد الجليل القزويني الرازي عن عمر: إنه ضرب الباب على بطن فاطمة، ومنعها من البكاء على أبيها (4) .
14 - وقال الفيض الكاشاني: .. ثم إن عمر جمع جماعة من
____________
1- في (س): صفقته. 2- قال في مجمع البحرين 1 / 398: ملاءة: كل ثوب لين رقيق. 3- البحار: ج 30 ص 293 -
295، والهداية الكبرى للخصيبي، ص 417. 4- النقض: ص 302.
الطلقاء المنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام، فوافوا بابه مغلقا. فصاحوا به: أخرج يا علي، فإن خليفة رسول الله يدعوك، فلم يفتح لهم الباب.
فأتوا بحطب، فوضعوه على الباب، وجاؤا بالنار ليضرموه، فصاح عمر، وقال: والله لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار.
فلما عرفت فاطمة عليها السلام أنهم يحرقون منزلها، قامت، وفتحت الباب. فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم. فاختبأت فاطمة عليها السلام وراء الباب والحائط.
ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام، وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره، ملببا بثوبه، يجرونه إلى المسجد.
فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها، وقالت: والله، لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما.. إلى أن تقول الرواية: فتركه أكثر القوم لأجلها. فأمر عمر قنفذ بن عمران، أن يضربها بسوطه. فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها، وأثر في جسمها الشريف.
وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله سماه محسنا.
وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد، حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمة لتخلصه فلم تتمكن من ذلك، فعدلت إلى قبر أبيها، فأشارت إليه الخ.. (1).
____________
1- علم اليقين، للفيض الكاشاني: ص 686 - 688، الفصل العشرون.
ويؤيد ما تقدم:
1 - قولهم: فحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط... إلى أن قال: فأرسل أبو بكر إلى قنفذ لضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها، فكسر ضلعا من جنبها، وألقت جنينا من بطنها (1).
2 - وروي عن النبي (ص) أنه قال: ألا إن فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه، فقد هتك حجاب الله (2) .
3 - وقال المحقق الكركي: والطلب إلى البيعة بالإهانة والتهديد بتحريق البيت، وجمع الحطب عند الباب، وإسقاط فاطمة محسنا، ولقد ذكروا - كما رواه أصحابنا - إغراء للباقين بالظلم لهم، والانتقام منهم (3).
وقال: فضلا عن الزامهم له (ع) بها، والتشديد عليه، والتهديد بتحريق البيت، وجمع الحطب عند الباب، كما رواه المحدثون والمؤرخون، مثل الواقدي وغيرهم(4) .
4 - ونقل ابن خيزرانة في غرره: قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة، حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه. قال: وفي البيت علي وفاطمة، والحسن والحسين، وجماعة
____________
1- الاحتجاج: ج 1 ص 212. 2- البحار: ج 22 ص 477، وفي الهامش عن الطرائف 3- نفحات اللاهوت: ص 130. 4- المصدر السابق: ص 65.
من أصحاب النبي (ص). فقالت فاطمة: تحرق على ولدي ؟ ! فقال: أي والله، أو ليخرجن وليبايعن (1).
وبعد ما تقدم يتضح: أن سبب إنكار وجود الأبواب لبيوت أزواج النبي (ص) بالمدينة، ثم إنكار الأبواب لبيوت المدينة بأسرها هو التشكيك في الروايات الكثيرة التي رواها أهل السنة والشيعة، التي تثبت محاولة بعض صحابة الرسول إحراق باب الزهراء وبيتها بمن فيه، وفيه الزهراء، وعلي، والحسنان وآخرون.
وإذا لم يكن ثمة مصاريع وأبواب، فلا أثر بعد هذا لكل ما رواه المحدثون والمؤرخون أن إسقاط المحسن بن علي قد كان بسبب ضربها (ع)، ثم حصرها بين الباب والحائط ؟ !
إن من يطلع على الكيد العلمي، والثقافي والتاريخي والمذهبي الذي أظهره خصوم أهل البيت (ع) في مواجهتهم لهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يستطيع أن يتردد كثيرا في البخوع لهذا الأمر، ولا أقل من جعله في الحسبان، متلمسا الشواهد والمؤيدات له.
ويتضح ما جرى للزهراء في هذا المجال، إذا اطلعنا على ما تقدم من نصوص لا نجد مبررا للتشكيك فيها، بعد أن رواها الكثيرون من
____________
1- نهج الحق: ص 271، وقال
في هامشه: هذا قريب مما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ص 12 وابن الشحنة في
تاريخه: (بهامش الكامل) ج 7 ص 164 وأبو الفداء في تاريخه: ج 1 ص 156، وابن عبد ربه
في العقد الفريد: ج 2 ص 254، واليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 105.
أولئك الذين يهمهم تبرئة ساحة هذا الفريق الذي ما زالوا يحبونه، ويعظمونه على مر الدهور والعصور.
وقد رأينا: أن هذا الفصل قد تضمن مجموعة من التعابير، المفيدة في تأكيد وجود باب لبيت فاطمة يفتح ويغلق، ويكسر، ويحرق.
فلاحظ الخلاصة التالية:
- أتراك محرقا علي بابي ؟
- وخطابها لهم من وراء الباب.
- وأخذت النار في خشب الباب.
- وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب.
- وركل الباب برجله، زاد في نص آخر: فرده علي وأنا حامل.
- ورد الباب.
- انتهى إلى باب علي، وفاطمة قاعدة خلف الباب.
- ضرب الباب.
- افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم.
- ثم دعا بالنار فأضرمها بالباب، فأحرق الباب.
- أغلقت الباب في وجوههم.
- فضرب.. الباب برجله فكسره، وكان من سعف.
- ويل لمن أحرق بابها.
- فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوا بالنار ليحرقوه، ويحرقونا.
- كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها، وجمع الحطب ببابها.
- فركلت الباب. وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه.
- فدفعت الباب فدخلت.
- فإن خرجوا، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه.
- وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها.
- ضغطها بين الباب والجدار.
- بابها بابي، وبيتها بيتي.
أما بالنسبة لأحاديث تحريق بيت علي (ع)، فقد أوردناها لارتباطها بتحريق الباب نفسه، ولذا فلا نرى حاجة لإيراد خلاصته، لها.
وكذلك الحال بالنسبة لما أوردناه من شعر بهذا الخصوص.
الأبواب في المدينة بعد وفاة النبي (ص):
قد ذكرت النصوص الكثيرة ما يدل على وجود الأبواب للبيوت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحن نذكر بعضا من ذلك للاستئناس به لا للاستدلال، وإن كنا نرى: أن الأمور لم تكن قد تبدلت كثيرا، وذلك مثل:
1 - ما روي عن حياء عثمان، وفيه قوله: إن كان ليكون في البيت، والباب مغلق عليه، فما يضع عنه الثوب الخ (1).
2 - عن حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر، وهو مستند إلى قصر عروة، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع ؟ ! إنما هي من سدر عروة. كان عروة يقطعه من أرضه. وقال: لا بأس به الخ(2) .
3 - في حديث الشورى التي ابتكرها عمر بن الخطاب لتعيين الخليفة بعده، نجده قد أمرهم بأن يدخلوا بيتا، ويغلقوا عليهم بابه، ويتشاوروا في أمرهم (3).
____________
1- مسند أحمد: ج 1 ص 73 و
74. 2- سنن أبي داود: ج 4 ص 363، كتاب الأدب: ح 5241. 3- راجع: آية التطهير: ج 1 ص 223 و 224، والبحار: ج 31 ص 372، وإرشاد
القلوب: ص 259، عن غاية المرام: ص 296، والأمالي للصدوق: ص 260.
4 - وفي حديث دفن عثمان يقولون: إنهم حملوه على باب، أسمع قرع رأسه على الباب، كأنه دباءة، ويقول: دب، دب أو (طق طق) حتى جاؤوا به حش كوكب (1).
5 - عن محمد بن سعد، قال: جاء سعد فقرع الباب، وأرسل إلى عثمان (رض): إن الجهاد معك حق الخ..:(2) .
6 - عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال له: إن عثمان (رض) فتح الباب، وأخذ المصحف فوضعه بين يديه (3).
7 - وفي حديث ما جرى لعثمان أيضا: أنه لما استغاث أهل الشام، فعرف الناس ذلك فعاجلوه، فأحرقوا الباب، باب عثمان، فلما وقع الباب ألقوا عليه التراب والحجارة... فلما رأى الباب قد أحرق خرج إليهم، فقال: الخ..(4) .
8 - وفي حديث قتل عثمان أيضا: فإذا هم مضطرون إلى جر الباب، هل سكن بعد أم لا، قال: فجاؤا فدفعوا الباب الخ (5).
9 - وحين أحرق الباب أي باب عثمان خرج المغيرة بسيفه، وقال:
____________
1- تاريخ المدينة لابن
شبة: ج 1 ص 113، وراجع: وفاء الوفاء: ج 3 ص 913، ومجمع الزوائد: ج 9 ص 95، وتاريخ
الخميس: ج 2 ص 265، والمعجم الكبير للطبراني: ج 1 ص 79. 2- تاريخ المدينة لابن
شبة: ج 4 ص 1274 و 1275. 3- تاريخ المدينة لابن شبة: ج 4 ص 1285، وتاريخ الأمم والملوك: ج 4 ص 383. 4- تاريخ المدينة لابن
شبة: ج 4 ص 1386 و 1387، وراجع: العقد الفريد: ج 4 ص 301، وراجع: تاريخ الأمم
والملوك: ج 4 ص 388، وراجع: الكامل في التاريخ: ج 3 ص 175، وراجع: البداية
والنهاية: ج 7 ص 188. 5- تاريخ المدينة لابن شبة: ج 4 ص 1284.
لما تهدمت الأبواب واحترقت | يممت منهن بابا غير محترق (1). |
10 - وفي قصة قتل عثمان أيضا يقول النص التاريخي: .. دعا عثمان بمصحف، فهو يتلوه إذ دخل عليه داخل، وقد أحرق الباب(2) .
11 - استأذن المصريون عثمان، فلم يأذن لهم، فهموا بإحراق بابه، ودعوا بالنار، فخرج إليهم وحذيفة بين يديه، فولوا عنه.. إلى أن يقول حسان بن ثابت:
إن تمس دار بني عفان خاوية | باب صديع، وباب محرق خرب |
فقد يصادف باغي الخير حاجته | منها ويأوي اليها الجود والنسب(3). |
12 - وقد أوصى رافع بن خديج: أن لا تكشف امرأته الفزارية عما أغلق عليه بابها (4) .
____________
1- تاريخ المدينة لابن
شبة: ج 4 ص 1293، وكلمة اليوم زيادة لا محل لها، ونهاية الإرب: ج 19 ص 494،
والاستيعاب (بهامش الإصابة): ج 3 ص 387، وعن التمهيد والبيان (كما في هامش تاريخ
المدينة): لوحة 185 و 186. 2- تاريخ المدينة لابن شبة: ج 4 ص 1302، وراجع: تاريخ الأمم والملوك: ج 4
ص 384، والكامل في التاريخ: ج 3 ص 175. 3- تاريخ المدينة لابن
شبة: ج 4 ص 1315، والشعر موجود في العقد الفريد: ج 4 ص 115، (ط مكتبة الهلال سنة
1990 م) وتاريخ الأمم والملوك: ج 4 ص 424. 4- صحيح البخاري: ج 2 ص 82، كتاب الوصايا: باب 8 (ط سنة 1309 ه. ق).
13 - ويذكر حديث آخر: أن عليا خاطب بعض أصحابه بكلام استعظموه حيث لم يفهموا المراد منه. فقاموا ليخرجوا من عنده، فقال علي (ع) للباب: يا باب استمسك عليهم ، فاستمسك عليهم الباب، ثم أوضح لهم ما يريد (1).
وكان ذلك بعد وفاة رسول الله (ص).
14 - عن الحسن: أن رجلا وجد مع امرأته رجلا قد أغلق عليهما، وأرخى عليهما الأستار، فجلدهما عمر بن الخطاب مائة مائة(2) .
15 - وعن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (ع): إن أمير المؤمنين (ع) رفع إليه رجل استأجر رجلا يصلح بابه، فضرب المسمار، فانصدع الباب.. فضمنه أمير المؤمنين (ع) (3).
16 - وقد أرسل عمر رجلين إلى عامل له بمصر، فاستأذنا عليه، فقال: إنه ليس عليه إذن، فقالا: ليخرجن علينا أو لنحرقن بابه، وجاء أحدهما بشعلة من نار، فلما رأى ذلك الخ..(4) .
17 - وفي النصوص ما يدل على أنه قد كان للأبواب رتاج أيضا، ولا يكون ذلك إلا لباب خشبي، أو حديدي. فقد روي عن علي (ع) قوله:
____________
1- البحار: ج 42 ص 189،
والاختصاص: ص 163. 2- كنز العمال: ج 5 ص 415، عن عبد الرزاق. 3- الكافي: ج 5 ص 243،
وراجع: تهذيب الأحكام: ج 7 ص 219 / 220، والاستبصار: ج 3 ص 132، ووسائل الشيعة: ج 19 ص 144. 4- تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي: ص 140.
اعلموا عباد الله، أن عليكم رصدا من أنفسكم، لا تستركم منه ظلمة ليل داج، ولا يكنكم منه باب ذو رتاج (1).
وإنما يتحدث علي (ع) مع الناس بما عرفوه وألفوه.
ملاحظة: يقال: للخشبة التي تدور فيها رجل الباب: النجران ويقال لأنف الباب: الرتاج (2) .
18 - ويحدثنا التاريخ: إن أبا سيارة أولع بامرأة أبي جندب، فاتفقت مع زوجها، فاستدرجته إلى بيتها، فلما دخل البيت أغلق أبو جندب الباب، ثم أخذه فضربه ضربا أليما، فشكاه إلى عمر، فلما استخبر الأمر من أبي جندب جلد أبا سيارة مئة جلدة (3).
19 - وفي حديث عمر مع المغيرة وأبي موسى الأشعري: فقام إلى الباب ليغلقه، فإذا آذنه الذي أذن عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك. فخرج، وأغلق الباب خلفه، ثم جلس(4) .
20 - وقد تقدم حديث زيارة عمر ويرفأ لأبي الدرداء، فدفع الباب، فإذا ليس له غلق.
21 - وقد أرسل عمر محمد بن مسلمة ليحرق بابا من خشب
____________
1- نهج البلاغة: الخطبة رقم 157، والبحار: ج 74 ص 431. 2- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: ج 7 ص 551. 3- كنز العمال: ج 5 ص 453، عن الخرائطي في اعتلال القلوب. 4- بحار الأنوار: ج 30 ص 452، والشافي: ج 4 ص 132، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 32.
كان صنعه سعد بن أبي وقاص لقصره في الكوفة، فأحرقه (1).
22 - حديث المرأة التي كانت في بيتها، تنشد شعرا في مدح النبي (ص) وعمر يسمع في الخارج. فما زال يبكي حتى قرع الباب..(2) .
قال افتحي رحمك الله، فلا بأس عليك ففتحت له .
وفي نص آخر: فدق عليها الباب، فخرجت إليه فقال: الخ..
وخلاصة ما تقدم: أن تعبيراتهم تشير إلى وجود أبواب ذات مصاريع في تلك الفترة، وذلك مثل:
- والباب عليه مغلق
- أترى هذه الأبواب والمصاريع، إنما هي من سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه.
- أن يدخلوا بيتا، ويغلقوا عليهم بابه.
- اسمع قرع رأسه على الباب، كأنه دباءة، ويقول: دب، دب.
- قرع الباب.
- فتح الباب.
- فأحرقوا الباب، باب عثمان، فلما وقع الباب ألقوا عليه التراب والحجارة.
____________
1- كنز العمال: ج 12 ص 661، عن ابن سعد و ج 5 ص 768. 2- كنز العمال: ج 2 ص 778، و ج 12 ص 562.
- فلما رأى الباب قد أحرق.
- مضطرون إلى جر الباب.
- فدفعوا الباب.
- هموا بإحراق بابه.
- باب صديع، وباب محرق.
- مما أغلق عليه بابها.
- يا باب استمسك عليهم.
- يصلح بابه، فضرب المسمار، فانصدع الباب فضمنه أمير المؤمنين (ع).
وغير ذلك..
الأبواب لبيوت مكة والكعبة أعزها الله
لقد كانت مكة حرما آمنا: ويبدو أنه لما دخلها النبي (ص) في عام الفتح سنة ثمان للهجرة نهى الناس عن اتخاذ الأبواب لبيوتها، وعمل الناس بمقتضى هذا النهي، حتى نقضه معاوية.
يقول النص:
1 - عن أبي عبد الله (ع): أن معاوية أول من علق على بابه مصراعين بمكة، وأول من جعل لدور مكة أبوابا (1). والنصوص الدالة على ذلك عديدة (2) .
2 - وعنه (ع)، عن أبيه، عن علي (ع): إن رسول الله (ص) نهى أهل مكة أن يؤاجروا دورهم، وأن يغلقوا عليها بابا. وقال: سواء العاكف فيه والباد.
قال: وفعل ذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي (ع) حتى كان في زمن معاوية (3).
____________
1- الكافي: ج 4 ص 243 و
244، والوسائل ج 13 ص 267 / 268، وتهذيب الأحكام: ج 5 ص 420. 2- راجع هذه النصوص في
المصادر التالية: وسائل الشيعة: ج 13 ص 268، و 269، والكافي ج 4 ص 244، ومن لا
يحضره الفقيه: ج 2 ص 126، وعلل الشرائع: ج 396. 3- البحار: ج 96 ص 81، وقرب الإسناد: ص 108.
وتدل النصوص أيضا على أنه قد كان للبيوت أبواب في مكة قبل فتحها في السنة الثامنة للهجرة. ونختار للتدليل على ذلك النصوص التالية:
1 - عن أم هاني بنت أبي طالب، قالت: لما كان يوم فتح مكة أجرت رجلين من أحمائي، فأدخلتهما بيتا، وأغلقت عليهما بابا (1).
2 - وعن النبي (ص)، أنه قال في فتح مكة: من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن، ومن أغلق [عليه] بابه فهو آمن (2) .
زاد في حديث آخر قوله: فغلق الناس أبوابهم (3).
3 - وحين أرادت قريش قتل النبي: قال أبو طالب لعلي: يا بني، اذهب إلى عمك أبي لهب فاستفتح عليه، فإن فتح لك، فادخل، وإن لم يفتح لك فتحامل على الباب فاكسره، وادخل عليه، وقل له، يقول لك أبي: إن امرءا عمه في القوم ليس بذليل.
____________
1- مسند أحمد: ج 6 ص 343
وكنز العمال: ج 8 ص 403 عن ابن أبي شيبة، وابن جرير. 2- وحيث أن مصادر ذلك تكاد
لا تحصى، فنحن نقتصر على نموذج منها، وهي التالية: سنن أبي داود: ج 2 ص 162، وتفسير
القمي: ج 2 ص 321، ومسند أحمد: ج 2 ص 292، والوسائل: ج 15 ص 27، وتهذيب الأحكام
للشيخ الطوسي: ج 4 ص 116، و ج 6 ص 137، والكافي: ج 5 ص 12، الخصال: ج 1 ص 276،
وصحيح مسلم (نشر دار إحياء التراث العربي): ج 3 ص 1408، والبحار: ج 75 ص 169، و ج 21 ص 104 و 139 و 117 و 129 و 136، ومناقب آل أبي طالب: ج 1 ص 207. 3- مسند أحمد: ج 2 ص 538، (ط 1401 ه دار التعارف - بيروت)، وصحيح مسلم:
ج 3 ص 1406، (نشر دار إحياء التراث العربي).
قال: فذهب أمير المؤمنين (ع) فوجد الباب مغلقا، فاستفتح، فلم يفتح له، فتحامل على الباب فكسره، ودخل الخ (1) .
4 - وسأل ابن الكواء عليا (ع): أين كنت حيث ذكر الله نبيه وأبا بكر، {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا}؟
فقال أمير المؤمنين (ع): ويلك يا ابن الكواء، كنت على فراش رسول الله (ص) وقد طرح علي برده... إلى أن يقول: وجعلوني في بيت، واستوثقوا مني ومن الباب بقفل.. إلى أن قال: ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي، فإذا بالباب قد تساقط ما عليه، وفتح، فقمت وخرجت (2).
5 - وفي احتجاج أمير المؤمنين (ع) على اليهود، ذكر (ع) لهم أن مشركي مكة قالوا للنبي (ص): يا محمد، ننتظر بك إلى الظهر، فإن رجعت عن قولك، وإلا قتلناك، فدخل النبي (ص) في منزله، فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم الخ (3).
6 - وفي حديث الهجرة: فتح رسول الله الباب وخرج (4) .
____________
1- الكافي: ج 8 ص 276، و
277، والبحار: ج 22 ص 265 و 266. 2- خصائص الأئمة للسيد الرضي: ص 58 (ط سنة 1406 ه. نشر مجمع البحوث
الإسلامية - مشهد - ايران)، والخرايج والجرايح: ج 1 ص 215 (ط سنة 1409 ه، قم) وفي
هامشه عن حلية الأبرار: ج 1 ص 278، وعن مدينة المعاجز: ص 76، وراجع: البحار: ج 36
ص 43 و 44 و ج 19 ص 76. 3- البحار: ج 10 ص 36، و ج 18 ص 56، والاحتجاج: ج 1 ص 513، وعن الخصال. 4- البحار: ج 19 ص 73، والخرايج والجرايح: ج 1 ص 144.
7 - قصة سواد بن قارب حينما توجه إلى مكة، وقصد بيت خديجة، قال: ثم انتهيت إلى بابها، فعقلت ناقتي، ثم ضربت الباب، فأجابتني.. إلى أن قال: فسمعته يقول: يا خديجة، افتحي الباب.
ففتحت فدخلت. فرأيت النور في وجهه ساطعا الخ (1) .
8 - وحين عاد النبي (ص) من الشام، حينما ذهب في تجارة لخديجة قرع الباب، قالت الجارية: من بالباب ؟ ! قال: أنا محمد(2) .
9 - وفي حديث الحمل بفاطمة (ع) حين أمر الله تعالى نبيه باعتزال خديجة أربعين صباحا، ويكون في بيت فاطمة بنت أسد، وانتهت المدة، بعث إليها عمار بن ياسر يقول لها:
لا تظني يا خديجة، أن انقطاعي عنك.. إلى أن قال: فإذا جنك الليل فأجيفي الباب.. إلى أن يقول: قالت خديجة: وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنني الليل غطيت رأسي، وأسجفت ستري، وغلقت بابي..
إلى أن تقول خديجة: إذ جاء النبي (ص) فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد (ص).
فنادى النبي (ص) بعذوبة كلامه، وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد.
قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي (ص)، وفتحت الباب (3) الخ...
____________
1- البحار: ج 18 ص 98 -
100 و ج 60 ص 106، والاختصاص: ص 182. 2- البحار: ج 16 ص 49. 3- البحار: ج 16 ص 78 و 79 وعوالم العلوم: ج 11 ص 41.
10 - وفي حديث إسلام عمر، وذهابه إلى بيت أخته يقول: ذهبت مغضبا حتى قرعت الباب.. فلما قرعت الباب قيل: من هذا ؟
إلى أن قال: فلما فتحت لي أختي الباب قلت: يا عدوة نفسها...
ثم يستمر في كلامه، الذي يحوي تعابير كثيرة من هذا القبيل (1).
ولا ريب في أنه قد كان للكعبة أعزها الله باب يفتح ويغلق، ويدل على ذلك:
1 - ما ذكر عن ولادة علي (ع) في الكعبة، إذ بعد أن دخلت أمه إليها من شق الحائط الذي ظهر لها، قالوا: فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب الخ (2) .
2 - وفي فتح مكة أرسل إلى عثمان بن طلحة، فجاء بالمفتاح، ففتح الباب. قال: ثم دخل النبي (ص)، وبلال (وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وأمر بالباب فأغلق، فلبثوا فيه مليا، ثم فتح الباب) (3).
وفي نص آخر يذكر دخول النبي (ص) وجماعة إلى الكعبة،
____________
1- راجع كنز العمال: ج 12
ص 547 / 553 و 558. 2- البحار: ج 35 ص 36،
والأمالي للشيخ الطوسي: ج 2 ص 318. 3- صحيح مسلم (ط دار إحياء التراث العربي سنة 1414 هـ)، ج 2 ص 966 و 997،
وصحيح البخاري: (ط دار إحياء التراث العربي) ج 1 ص 126، ومسند أحمد: ج 2 ص 33.
ثم يقول: فأغلقوا عليهم، فلما فتحها (1).
3 - ويفصل نص آخر ذلك فيقول: لما دخل النبي (ص) مكة يوم الفتح غلق عثمان بن أبي طلحة باب البيت، وصعد إلى السطح، فطلب النبي (ص) المفتاح منه فقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه .
فصعد علي بن أبي طالب السطح، ولوى يده، وأخذ المفتاح منه، وفتح الباب، فدخل النبي (ص) البيت، فصلى فيه ركعتين، فلما خرج طلب العباس أن يعطيه المفتاح فنزل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}(2) .
فأمر النبي (ص) أن يرد المفتاح إلى عثمان (3).
وفي حديث آخر: أنه (ص) قال: عند من المفتاح ؟
قالوا عند أم شيبة، فقال اذهب إلى أمك فقل لها: ترسل بالمفتاح..
إلى أن قال: فوضعته في يد الغلام، فأخذه ودعا عمر، فقال: هذا تأويل رؤياي، ثم قال: ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر.
ثم دعا الغلام فبسط رداءه، وجعل فيه المفتاح، وقال: رده إلى
____________
1- سنن النسائي: ج 2 ص 33
و 34، ومسند أحمد: ج 6 ص 15 و ج 2 ص 33 و 120، وصحيح مسلم: ج 2 ص 967 (ط دار إحياء
التراث العربي سنة 1412 هـ). 2- البحار: ج 21 ص 116 و
117، ومناقب آل أبي طالب: ج 2 ص 143. 3- أسباب النزول: ص 130 (ط دار الكتاب العربي سنة 1410 هـ)، والبحار: ج 21 ص 116 و 117، عنه وعن المناقب: تفسير الثعلبي، والقشيري، والقزويني، ومعاني الزجاج،
ومسند الموصلي.
أمك الخ.. (1).
4 - وقد كان لباب الكعبة حلقة أيضا، فروي أن النبي (ص) لما خرج من الكعبة أخذ بحلقة الباب، ثم قال الخ(2) .
5 - وعن أسامة بن زيد أنه دخل هو ورسول الله (ص) بالبيت، فأمر بلالا فأجاف الباب، والبيت إذ ذاك على ستة أعمدة الخ (3).
إذن، فقد نهى النبي (ص) أهل مكة عن اتخاذ الأبواب لبيوتهم، وعلم الناس بما طلبه منهم النبي، حتى جاء زمن معاوية، فكان أول من خالف النهي.
والظاهر: أنه (ص) قد نهى عن ذلك بعد فتح مكة، في أواخر حياته أما قبل ذلك، فقد كان لبيوت مكة أبواب.
ويدل على ذلك تعبيراتهم التالية:
- فأدخلتهما بيتا، وأغلقت عليهما بابا.
- استوثقوا مني ومن الباب بقفل.
- فإذا الباب قد تساقط ما عليه (أي سقط القفل).
____________
1- مناقب آل أبي طالب: ج 1
ص 209. 2- البحار: ج 67، ص 287
ومشكاة الأنوار: ص 59. 3- كنز العمال: ج 5 ص 299، عن أحمد، والنسائي والروياني.
- وفتح.
- فأغلق عليه الباب.
- وفتح رسول الله الباب وخرج.
- ثم ضربت الباب.
- افتحي الباب ففتحت.
- قرع الباب.
- استفتح عليه، فإن فتح لك فادخل.
- إذا لم يفتح فتحامل على الباب فاكسره وادخل.
- وجد الباب مغلقا فاستفتح فلم يفتح له، فتحامل على الباب فكسره.
- أجيفي الباب.
- من أغلق عليه بابه فهو آمن.
- وغلقت بابي.
- قرع الباب.
- يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد.
- افتحي يا خديجة.
- فتحت الباب.
هذا وقد كان للكعبة باب له مفتاح، ويدل على ذلك التعابيرالتالية:
- فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب.
- فأغلقوا عليهم، فلما فتحها.
- فجاء بالمفتاح ففتح الباب.
- وأمر بالباب، فأغلق.
- ثم فتح الباب.
- غلق عثمان بن أبي طلحة باب البيت.
- فطلب النبي (ص) المفتاح منه، وفتح الباب.
- لوى يده وأخذ المفتاح منه وفتح الباب.
- طلب العباس أن يعطيه المفتاح.
- أمر النبي (ص) أن يرد المفتاح إلى عثمان.
- فأخذ بحلقة الباب.