عشرون نفساً ، عليهم الشعور والذوائب ، شيوخ وكهول وشبّان مُقيَّدون ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، وكانوا كلّهم علويّة من ولد علي وفاطمة(عليهما السلام)فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم ، ثمَّ رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر .
ثمَّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلويّة ، من ولد علي وفاطمة(عليهما السلام) ، مُقيَّدون ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على آخرهم ، ثمَّ فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً ، من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) ، مُقيَّدون ، عليهم الشعور والذوائب ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً ، فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على تسعة عشر نفساً منهم ، وبقي شيخ منهم عليه شعر ، فقال لي : تبّاً لك يا مشوم ، أيُّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقد قتلت من أولاده ستين نفساً ، قد ولدهم علي وفاطمة(عليهما السلام)؟ فارتعشت يدي ، وارتعدت فرائصي ، فنظر إليَّ الخادم مغضباً وزبرني ، فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته ، ورمى به في تلك البئر ، فإذا كان فعلي هذا ، وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فما ينفعني صومي وصلاتي؟ وأنا لا أشكّ أنّي مخلَّد في النار(1) .
وهكذا كان أيضاً حال العلويين في زمن المتوكل العباسي ، فقد عُرف هو الآخر بنصبه وعداوته لأهل البيت(عليهم السلام) ، قال أبو الفرج : واستعمل (المتوكل) على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي ، فمنع الناس من البرِّ بآل أبي طالب ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشيء وإن قلَّ إلاَّ أنهكه عقوبة ، وأثقله غرماً ، حتى
____________
1- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ، الصدوق : 2/100 ـ 102 ح 2 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 48/176 ح 20 .
كان القميص يكون بين جماعة من العلويَّات يُصلّين فيه واحدة بعد واحدة ، ثمَّ يرقّعنه ، ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر ، إلى أن قُتل المتوكل ، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم ، ووجَّه بمال فرَّقه فيهم ، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ، ومضادّة مذهبه ، طعناً عليه ونصرة لفعله(1) .
ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
اللهُ يَا حامي الشريعه | أتقرُّ وهي كذا مَرُوعَه |
بك تَسْتغيثُ وَقَلْبُهَا | لَكَ عن جَوَىً يشكو صُدُوعَه |
مات التصبُّرُ في انتظارِكَ | أيُّها الُمحْيي الشريعه |
فَانْهَضْ فَمَا أبقى التَّحَمُّلُ | غيرَ أَحْشَاء جَزُوعَه |
قد مَزَّقَتْ ثَوْبَ الأَسَى | وَشَكَتْ لِوَاصِلِها القطيعه |
فالسيفَ إنَّ به شِفَاءَ | قُلُوبِ شيعتِكَ الوجيعه |
فَسِوَاهُ مِنْهُمْ لَيْسَ يُنْعِشُ | هذه النَّفْسِ الصريعه |
كم ذَا القُعُودُ وَدِينُكُمْ | هُدِمَتْ قَوَاعِدُه الرفيعه |
تنعى الفُرُوعُ أُصُولَهُ | وأصولُهُ تنعى فُرُوعَه |
فيه تَحَكَّمَ مَنْ أَبَاحَ | اليومَ حُرْمَتَهُ المنيعه |
ماذا يُهِيْجُكَ إِنْ صَبَرْتَ | لِوَقْعَةِ الطفِّ الفظيعَه |
أَتَرى تَجيءُ فجيعةٌ | بأَمَضَّ مِنْ تلك الفَجِيعه |
حيثُ الحسينُ على الثَّرَى | خَيْلُ العِدَى طَحَنَتْ ضُلُوعه |
قَتَلَتْهُ آلُ أُميَّة | ظَام إلى جَنْبِ الشَّرِيعه |
وَرَضِيعُهُ بِدَمِ الْوَرِيدِ | مُخَضَّبٌ فَاطْلُبْ رَضِيعَه |
____________
1- مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصفهاني : 395 ـ 396 .
المجلس الرابع والعشرون
زواج خديجة (عليها السلام) من رسول الله(صلى الله عليه وآله)
ونبذة من فضلها وحياتها الشريفة
روى الشيخ الكليني عليه الرحمة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لمَّا أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يتزوَّج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ، ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عمِّ خديجة ، فابتدأ أبو طالب بالكلام ، فقال : الحمد لربِّ هذا البيت ، الذي جعلنا من زرع إبراهيم ، وذرية إسماعيل ، وأنزلنا حرماً آمناً ، وجعلنا الحكَّام على الناس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ، ثمَّ إن ابن أخي هذا ـ يعني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ ممن لا يوزن برجل من قريش إلاَّ رجح به ، ولا يقاس به رجل إلاَّ عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلاًّ في المال ، فإن المال رفدٌ جار وظلٌّ زائل ، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها ، والمهر عليَّ في مالي الذي سألتموه ، عاجله وآجله ، وله ـ وربِّ هذا البيت ـ حظٌّ عظيم ، ودين شائع ، ورأي كامل .
ثمَّ سكت أبو طالب ، وتكلَّم عمُّها ، وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب (عليه السلام) ، وأدركه القطع والبهر ، وكان رجلا من القسيسين ، فقالت خديجة مبتدئة : يا عمَّاه! إنك وإن كنت أولى بنفسي منّي في الشهود ، فلست أولى بي من نفسي ، قد زوَّجتك ـ يا محمد ـ نفسي ، والمهر عليَّ في مالي ، فأمر عمَّك فلينحر ناقة فليولم بها ، وادخل على أهلك ، قال أبو طالب : اشهدوا عليها بقبولها محمداً ، وضمانها المهر في مالها ، فقال بعض قريش : يا عجباه! المهر على النساء للرجال ، فغضب أبو طالب غضباً شديداً ، وقام على قدميه ـ وكان ممن يهابه الرجال ويُكره
غضبُه ـ فقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طُلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر ، وإذا كانوا أمثالكم لم يُزوَّجوا إلاَّ بالمهر الغالي ، ونحر أبو طالب ناقة ، ودخل رسول الله(صلى الله عليه وآله)بأهله ، وقال رجل من قريش يقال له : عبدالله بن غنم :
هنيئاً مريئاً يا خديجةُ قد جَرَتْ | لك الطيرُ فيما كان مِنْكِ بأَسْعَدِ |
تَزَوَّجْتِهِ خَيْرَ البريَّةِ كلِّها | وَمَنْ ذا الذي في الناس مِثْلُ محمَّدِ |
وبشر به البرّانِ عيسى بنُ مريم | وموسى بنُ عمران فَيَا قُرْبَ مَوْعِدِ |
أَقَرَّتْ به الكُتَّابُ قِدْماً بأنَّهُ | رَسُولٌ من البطحاءِ هاد ومُهْتَدِ(1) |
وجاء في كتاب شجرة طوبى : أن خديجة(عليها السلام) كانت من أحسن النساء جمالا ، وأكملهن عقلا ، وأتمهِّن رأياً ، وأكثرهن عفّةً وديناً وحياءً ومروّةً ومالا ، وروي أنه(صلى الله عليه وآله) قال : إن الله اختار من النساء أربعاً : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة . وروي أيضاً أنه(صلى الله عليه وآله) قال : اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله) .
وروي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال : كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله) .
وخديجة هي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب فصلوات الله وسلامه على هذه المرأة الجليلة ، النبيلة الأصيلة ، العقيلة الكاملة ، العاقلة الباذلة ، العالمة الفاضلة ، العابدة الزاهدة ، المجاهدة الحازمة ، والحبيبة لله ولرسوله ولوليِّه ، المختارة من النساء ، والصفيَّة البيضاء ، حليلة الرسول ، وأمّ البتول ، صفوة النسوة الطاهرات ، وسيِّدة العفائف المطهَّرات ، أفضل أمَّهات المؤمنين ، وأشرف زوجات رسول الله الأمين ، وأول من آمنت من النساء ،
____________
1- الكافي ، الشيخ الكليني : 5/374 ح 9 .
وأسبقهنَّ بعبادة ربِّ الأرض والسماء ، سيِّدة النسوان ، وخاصَّة الرسول (صلى الله عليه وآله)وخلاصة الإيمان ، أصل العزَّ والمجد ، وشجرة الفخر والنجد ، السابقة إلى الإسلام والدين في العاجلة والأخرى ، مولاتنا وسيِّدتنا أم المؤمنين ، خديجة الكبرى ، وهي أميرة عشيرتها ، وسيِّدة قومها ، ووزيرة صدق لرسول الله(صلى الله عليه وآله) .
ولدت(عليها السلام) قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة ، وتوفِّيت في شهر رمضان سنة عشر من البعثة ، في اليوم العاشر ، بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام .
ومن جملة شؤونها أنها (عليها السلام) كانت أوَّل امرأة آمنت برسول الله ، وقد شيَّد الله دينه بمال خديجة كما قال(صلى الله عليه وآله) ، فيما روي عنه : ما قام ولا استقام ديني إلاَّ بشيئين : مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب .
وروي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية : {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى}(1)يعني وجدك فقيراً فأغناك بمال خديجة .
وكان لخديجة (عليها السلام) مال كثير ، وحسنٌ وجمال ، ومن جملة مالها : من أواني الذهب مئة طشت ، ومن الفضة مثلها ، ومئة إبريق من ذهب ، ومن العبيد والجواري مئة وستون ، ومن البقر والغنم والإبل والحلي والحلل وغيرها ما شاء الله ، قيل : كان لها ثمانون ألف من الإبل ، بل كانت تؤجر وتكري من بلد إلى بلد ، فبذلت تلك الأموال والجواري والعبيد لرسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى بقيت تنام هي ورسول الله(صلى الله عليه وآله) في كساء واحد لم يكن لها غيره .
ومن جملة شؤونها أن الله وجبرئيل بلَّغاها السلام ، كما قال(صلى الله عليه وآله) فيما روي عنه : لمَّا رجعت من السماء قلت : يا جبرئيل ، هل لك من حاجة؟ قال : حاجتي أن تقرأ من الله ومنّي على خديجة السلام ، وبلَّغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقالت : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه يعود السلام ، وعلى جبرئيل السلام .
____________
1- سورة الضحى، الآية: 8.
ومن جملة شؤونها أن الله جعل بطنها وعاء للإمامة ، عن ابن شهر آشوب دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله)على فاطمة(عليها السلام) فرآها منزعجة فقال لها : مالك؟ أراك منزعجة ، فقالت : أبتاه! إن الحميراء افتخرت على أمي بأنها لم تعرف رجلا قبلك ، وأمي عرفتك وهي مسنّة ، فقال(صلى الله عليه وآله) : لا تنزعجي ، فإن بطن أمِّك كانت وعاء للإمامة(1) .
وروي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) دخل يوماً منزل عائشة ، فإذا هي مقبلة على فاطمة(عليها السلام)تصايحها وتقول : يا بنت خديجة! ما ترين إلاَّ أن لأمِّك فضلا علينا ، وأيُّ فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاَّ كبعضنا .
فسمع النبي(صلى الله عليه وآله) مقالتها لفاطمة ، فلمَّا رأت فاطمة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بكت ، فقال(صلى الله عليه وآله) : ما يبكيك يا بنتاه؟ قالت : إن الحميراء ذكرت أمي فتنقَّصتها فبكيت ، فغضب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال : يا حميراء! إن الله تبارك وتعالى بارك في الودود الولود ، وإن خديجة ولدت منّي طاهراً وقاسماً وفاطمة ورقية وأم كلثوم وزينب ، وأنت ممن أعقم الله رحمها فلم تلدي شيئاً(2) .
وروي أنه دخلت أخت خديجة على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولمَّا استأذنت وسمع النبيُّ باسم خديجة سُرَّ سروراً عظيماً ، فقالت عائشة : مالك تُكثر ذكر خديجة وتسرُّ باسمها ، وهي عجوز حمراء الشدقين قد هلكت ، وإن الله قد أعطاك ورزقك أحسن منها؟ وكأنّها أرادت بذلك نفسها ، فقال(صلى الله عليه وآله) : لا والله ، ما رُزقت أحسن منها ، ولقد آمنت حين كذَّبوني ، وأنفقت مالها حين بخلوا عني .
وكان(صلى الله عليه وآله) في زمان حياتها إذا غلب عليه الحزن نظر إلى وجه خديجة ، ويُسرُّ بذلك كما أنه يُسرُّ إذا سع اسمها ، وكان أيضاً إذا اشتدَّ حزنه نظر إلى
____________
1- مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/114 . 2- الخصال ، الصدوق : 405 ح 116 .
فاطمة(عليها السلام) ويُسرُّ سروراً عظيماً ، ولمَّا توفِّيت خديجة اغتمَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وجلس في البيت ، ثمَّ هاجر إلى الطائف .
ولمَّا مرضت خديجة المرضة التي توفِّيت فيها حضرتها أسماء بنت عميس ، قالت أسماء : حضرت وفاة خديجة فبكت ، فقلت : أتبكين وأنت سيِّدة نساء العالمين ، وأنت زوجة النبي(صلى الله عليه وآله) ، مبشَّرة على لسانه بالجنَّة؟ فقالت : ما لهذا بكيت ، ولكنَّ المرأة ليلة زفافها لابدَّ لها من امرأة تفضي إليها بسرِّها ، وتستعين بها على حوائجها ، وفاطمة حديثة عهد بصبا ، وأخاف أن لا يكون لها من يتولَّى أمرها ، فقلت : يا سيدتي! لك عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر ، فلمَّا كانت ليلة زفاف فاطمة (عليها السلام) جاء النبي(صلى الله عليه وآله) وأمر النساء فخرجن ، فقالت أسماء : فبقيت أنا ، فلمَّا رأى رسول الله سوادي قال : من أنت؟ فقلت : أسماء بنت عميس ، فقال : ألم آمرك أن تخرجي؟ فقلت : بلى يا رسول الله ، فداك أبي وأمي ، وما قصدت خلافك ، ولكنّي أعطيت خديجة عهداً هكذا ، فبكى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وقال : بالله لهذا وقفت؟ فقلت : نعم والله ، فدعا لي .
أيها المؤمنون ، يعزّ على خديجة لو كانت حاضرة وتسمع أنين قرَّة عينها فاطمة بين الحائط والباب ، حين عصروها ، وكسروا ضلعها ، وأسقطوا جنينها ، وسوَّدوا متنها ، ولطموا خدَّها ، فإنا الله وإنا إليه راجعون .
قال الراوي : ولما اشتدَّ مرضها قالت : يا رسول الله! اسمع وصاياي أولا; فإني قاصرة في حقِّك ، فأعفني يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال رسول الله : حاشا وكلا ، ما رأيت منك تقصيراً ، فقد بلغت جهدك ، وتعبت في داري غاية التعب ، ولقد بذلت أموالك وصرفت في سبيل الله جميع مالك ، قالت : يا رسول الله! الوصية الثانية : أوصيك بهذه ـ وأشارت إلى فاطمة ـ فإنها غريبة من بعدي ، فلا يؤذيها أحد من نساء قريش ، ولا يلطمن خدَّها ، ولا يصحن في وجهها ، ولا يرينها مكروهاً .
أقول : يعزّ على خديجة لو كانت حاضرة حين لطمها فلان حتى أثَّرت اللطمة في خدِّها ، وتناثر قرطاها . ولله درّ الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة إذ يقول :
الواثبينَ لِظُلْمِ آلِ محمَّد | ومحمَّدٌ مُلْقَىً بلا تكفينِ |
والقائلينَ لِفَاطِم آذَيْتِنَا | في طُولِ نَوْح دَائم وَحنينِ |
والقاطعين أَرَاكَةً كيما تُقِيْلُ | بِظِلِّ أوراق لها وَغُصُونِ |
ومُجَمِّعي حَطَب على البيتِ الذي | لم يَجْتَمِعْ لولاه شَمْلُ الدينِ |
والداخلينَ على البتولةِ بَيْتَها | والمُسْقِطِينَ لها أَعَزَّ جَنِينِ |
والقائدينَ إمَامَهُمْ بِنِجَادِهِ | والطُّهْرُ تدعو خَلْفَهُمْ برنينِ |
خَلُّوا ابنَ عَمِّي أَوْ لأَكْشُفُ للدُّعَا | رأسي وأشكوا للإلَهِ شُجُوني |
ما كان نَاقَةُ صَالح وَفَصِيلُهَا | بالفَضْلِ عندَ اللهِ إلاَّ دُونِي |
وَرَنَتْ إِلَى القبرِ الشريفِ بمُقْلَة | عَبْرَى وقَلْب مُكْمَد محزونِ |
أَبَتَاهُ هذا السامريُّ وَعِجْلُهُ | تُبِعَا وَمَالَ النَّاسُ عن هَارونِ(1) |
قالت خديجة(عليها السلام) : وأمَّا الوصية الثالثة فإني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك ، فإني مستحية منك يا رسول الله ، فقام النبي(صلى الله عليه وآله) وخرج من الحجرة ، فدعت بفاطمة وقالت : يا حبيبتي وقرَّة عيني! قولي لأبيك : إن أمّي تقول : أنا خائفة من القبر ، أريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفّنني فيه ، فخرجت فاطمة (عليها السلام) وقالت لأبيها ما قالت أمُّها خديجة ، فقام النبي(صلى الله عليه وآله) وأعطى الرداء إلى فاطمة(عليها السلام) ، وجاءت به إلى أمِّها ، فسُرَّت به سروراً عظيماً .
وروي أنَّه لما توفِّيت خديجة(عليها السلام) أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في تجهيزها ، وغسَّلها وحنَّطها ، فلمَّا أراد أن يكفِّنها هبط الأمين جبرئيل وقال : يا رسول الله! إن الله
____________
1- رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 154 ـ 155 .
يقرؤك السلام ، ويخصُّك بالتحية والإكرام ، ويقول لك : يا محمد! إن كفن خديجة وهو من أكفان الجنة أهدى الله إليها ، فكفَّنها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بردائه الشريف أولا ، وبما جاء به جبرئيل ثانياً ، فكان لها كفنان ، كفن من الله ، وكفن من رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1) .
وليت جبرئيل (عليه السلام) نزل يوم الطفِّ بكفن من الجنّة لسيِّد الشهداء(عليه السلام) الذي بقي على بوغاء كربلاء ثلاثة أيام بلا كفن ولا مواراة . ولله درّ الشيخ عبد الحسين الحياوي إذ يقول :
يَعُزُّ على الطُّهْرِ الْبَتُولِ بأَنْ تَرَى | عزيزاً لها مُلْقىً وأكفانُهُ الْعَفْرُ |
يَعُزُّ عليها أَنْ تَرَاه مَحَرَّماً | عليه فُرَاتُ الْمَاءِ وهو لها مَهْرُ |
يَعُزُّ على المختارِ أنَّ سليلَهُ | يُرَضُّ بعَتْبِ العادياتِ له صَدْرُ |
فَلاَ صَبْرَ محمودٌ بِقَتْلِ ابنِ فَاطِم | وليس لِمَنْ لَمْ يَجْرِ مَدْمَعُهُ عُذْرُ(2) |
وقال الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة :
فَلْتَلْطِمِ الخيلُ خَدَّ الأرضِ عاديةً | فَخَدُّ عَلْيَا نزَار للثَّرَى ضَرَعَا |
وَلُْتمْلأ الأرضُ نَعْياً من صَوَارِمِكُمْ | فإنَّ ناعي حُسَين في السَّمَاءِ نَعَى |
وَلْتَذْهَلِ اليومَ فيكم كُلُّ مُرْضِعَة | فَطِفْلُهُ من دِمَا أَوْدَاجِهِ رَضَعَا |
نَسِيتُمُ أم تَنَاسَيْتُمْ كَرَائِمَكُمْ | بَعْدَ الكِرَامِ عليها الذُّلُّ قد وَقَعَا(3) |
____________
1- شجرة طوبى ، الشيخ محمد مهدي الحائري : 2/232 ـ 235 . 2- مثير الأحزان ، الجواهري : 146 . 3- مثير الأحزان ، الجواهري : 158 .
المجلس الخامس والعشرون
النجاة بأهل البيت (عليهم السلام)
روي عن رافع مولى أبي ذر قال : صعد أبو ذر رضي الله عنه على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب ، ثمَّ أسند ظهره إليه ، ثمَّ قال : أيها الناس! من عرفني قد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمّة كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تركها هلك ، وسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، فإن الجسد لا يهتدي إلاَّ بالرأس ، ولا يهتدي الرأس إلاَّ بالعينين(1) .
وروي عن جعفر بن محمد(عليه السلام) قال : مكث جبرئيل أربعين يوماً لم ينزل عل النبي(صلى الله عليه وآله) فقال : يا ربّ قد اشتدَّ شوقي إلى نبيِّك(صلى الله عليه وآله) فائذن لي ، فأوحى الله تعالى إليه وقال : يا جبرئيل! اهبط إلى حبيبي ونبيّي فأقرأه منّي السلام ، وأخبره أني خصصته بالنبوّة ، وفضَّلته على جميع الأوصياء وأقرأ وصيَّة منّي السلام ، وأخبره أني خصصته بالوصيَّة ، وفضَّلته على جميع الأوصياء ، قال : فهبط جبرئيل على النبي(صلى الله عليه وآله) فكان إذا هبط وضعت له وسادة من أدم حشوها ليف ، فجلس بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله) فقال : يا محمد! إن الله تعالى يقرؤك السلام ، ويخبرك أنه خصَّك بالنبوة ، وفضَّلك على جميع الأنبياء ، ويقرأ وصيَّك السلام ، ويخبرك أنه خصَّه بالوصيَّة ، وفضَّله على جميع الأوصياء ، قال : فبعث النبي(صلى الله عليه وآله) فدعاه فأخبره بما قال جبرئيل ، قال : فبكى علي(عليه السلام) بكاء شديداً ، ثمَّ قال : أسأل الله أن لا يسلبني ديني ولا ينزع منّي كرامته ، وأن يعطيني ما وعدني .
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 23/119 عن أمالي المفيد عليه الرحمة .
فقال جبرئيل : يا محمّد! حقيق على الله أن لا يعذِّب علياً ولا أحداً تولاَّه ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : يا جبرئيل! على ما كان منهم ، أو كلُّهم ناج؟ فقال جبرئيل : يا محمد! نجا من تولَّى شيثاً بشيث ، ونجا شيث بآدم ، ونجا آدم بالله ، ونجا من تولَّى ساماً بسام ، ونجا سام بنوح ، ونجا نوح بالله ، ونجا من تولّى آصف بآصف ، ونجا آصف بسليمان ، ونجا سليمان بالله ، ونجا من تولَّى يوشع بيوشع ، ونجا يوشع بموسى ، ونجا موسى بالله ، ونجا من تولَّى شمعون بشمعون ، ونجا شمعون بعيسى ، ونجا عيسى بالله ، ونجا من تولَّى علياً بعليٍّ ، ونجا عليٌّ بك ، ونجوت أنت بالله ، وإنما كل شيء بالله ، وإن الملائكة والحفظة ليفخرون على جميع الملائكة لصحبتها إيَّاه ، قال : فجلس عليٌّ(عليه السلام) ويسمع كلام جبرئيل ولا يرى شخصه ، قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : جُعلت فداك ، ما الذي كان من حديثهم إذا اجتمعوا؟ قال : ذكر الله تعالى فلم تبلغ عظمته ، ثمَّ ذكروا فضل محمد(صلى الله عليه وآله) وما أعطاه الله من علمه وقلَّده من رسالته ، ثمَّ ذكروا أمر شيعتنا والدعاء لهم ، وختمهم بالحمد والثناء على الله ، قال : قلت : جُعلت فداك يا أبا عبدالله ، وإن الملائكة لتعرفنا؟ قال : سبحان الله! وكيف لا يعرفونكم وقد وكِّلوا بالدعاء لكم ، و{الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} ما استغفارهم إلاَّ لكم دون هذا العالم(1) .
وروي عن أبي جعفر الثاني ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي(عليهم السلام) قال : دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعنده أبيُّ بن كعب ، فقال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) : مرحباً بك يا أبا عبدالله ، يا زين السماوات والأرضين ، قال له أبيٌّ : وكيف يكون ـ يا رسول الله ـ زين السماوات والأرض أحد غيرك؟ فقال : يا أبيُّ! والذي بعثني بالحق نبياً ، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله : مصباح هدى ، وسفينة نجاة ، وإمام خير ويمن وعزّ وفخر وعلم وذخر . وإن الله عزَّ
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 38/141 عن تفسير فرات الكوفي عليه الرحمة : 377 ـ 378 .
وجلَّ ركَّب في صلبه نطفة طيِّبة مباركة زكيَّة(1) ولله درّ دعبل الخزاعي إذ يقول في أهل بيت العصمة(عليهم السلام) :
فَأَيْنَ الأُولى شَطَّتْ بِهِمْ غُرْبَةُ النَّوَى | أَفَانينَ في الأَقْطَارِ مُفْتَرِقَاتِ |
هُمُ آلُ مِيرَاثِ النبيِّ إذَا انْتَمُوا | وَهُمْ خَيْرُ سَادَات وَخَيْرُ حُمَاتِ |
مَطَاعِيمُ في الإِعْسَارِ في كُلِّ مَشْهَد | لقد شُرِّفوا بالفَضْلِ والبَرَكاتِ |
إذَا لَمْ نُنَاجِ اللهَ في صَلَوَاتِنا | بِذِكْرِهِمُ لَمْ يَقْبَلِ الصَّلَوَاتِ |
أَئِمَّةُ عَدْل يُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ | وَتُؤْمَنُ منهم زَلَّةُ الْعَثَرَاتِ |
فَيَا رَبِّ زِدْ قلبي هُدَىً وبصيرةً | وَزِدْ حُبَّهُمْ يَا رَبِّ في حَسَنَاتي |
دَيَارُ رَسُولِ اللهِ أصبحنَ بَلْقَعاً | وَدُورُ زياد أصبحت عَمِرَاتِ |
وآلُ رسولِ اللهِ غُلَّت رِقَابُهُمْ | وآلُ زياد غُلِّظُ القصراتِ |
وآلُ رسولِ اللهِ تُدمى نُحُورُهم | وآلُ زياد زَيَّنُوا الحجلاتِ |
والُ رسولِ اللهِ تُسبى حريمُهُمْ | وآلُ زياد آمِنُوا السَّرَباتِ |
وآلُ زياد في القصورِ مصونةٌ | وآلُ رسولِ اللهِ في الفَلَوَاتِ |
فَيَا وَارِثِي عِلْمِ النبيِّ وآلَهُ | عليكم سَلاَمٌ دائمُ النَّفَحَاتِ |
لقد آمنت نفسي بكم في حَيَاتِها | وإني لأرجو الأَمْنَ بَعْدَ مَمَاتي(2) |
المجلس السادس والعشرون
في محبّة أهل البيت (عليهم السلام)
جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات الشريفة :
____________
1- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ، الصدوق : 2/62 ح 29 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 91/184 . 2- الغدير ، الأميني : 2/357 .
فأنا أشهد الله خالقي ، وأشهد ملائكته وأنبياءه ، وأشهدكم يا موالي بأني مؤمن بولايتكم ، معتقد لإمامتكم ، مقرٌّ بخلافتكم ، عارف بمنزلتكم ، مؤمن بعصمتكم ، خاضع لولايتكم ، متقرِّبٌ إلى الله بحبِّكم ، وبالبراءة من أعدائكم ، عالم بأن الله قد طهَّركم من الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن ، ومن كل ريبة ونجاسة ، ودنيَّة ورجاسة ، ومنحكم راية الحقِّ الذي من تقدَّمها ذلَّ ، ومن تأخَّر عنها زلَّ ، وفرض طاعتكم على كل أسود وأبيض(1) .
ومما يروى عن زين العابدين(عليه السلام) قوله :
لَنَحْنُ على الْحَوْضِ ذوَّادُهُ | نَذودُ وَتَسْعَدُ وُرَّادُه |
وَمَا فَازَ مَنْ فاز إلاَّ بنا | ومَا خَابَ مَنْ حُبُّنا زَادُه |
وَمَنْ سَرَّنا نال منا السُّرُورَ | وَمَنْ سَاءَنا سَاءَ مِيْلاَدُهُ |
روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) : يا علي! لا يحبُّك إلاَّ من طابت ولادته ، ولا يبغضك إلاَّ من خبث ولادته ، ولا يواليك إلاَّ مؤمن ، ولا يعاديك إلاَّ كافر ، وروي فيما وعظ به أمير المؤمنين(عليه السلام) نوفاً البكالي أنه قال : يا نوف! كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يبغضني ويبغض الأئمة من ولدي ، وروي عن ابن عباس وغيره أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : لا يحبُّك إلاَّ طاهر الولادة ، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة ، وعن إبراهيم بن زياد الكرخي ، عن الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام) قال : علامات ولد الزنا ثلاث : سوء المحضر ، والحنين إلى الزنا ، ومبغضنا أهل البيت .
وعن الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من أحبَّنا أهل البيت فليحمد الله على أوَّل النعم ، قيل : وما أول النعم؟ قال : طبيب الولادة ، ولا يحبُّنا إلاَّ من طابت ولادته .
____________
1- المزار ، محمد بن المشهدي : 294 .
وعن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جدِّه ، عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : يا عليُّ! من أحبَّني وأحبَّك وأحبَّ الأئمة من ولدك فليحمد الله على طيب مولده ، فإنَّه لا يحبُّنا إلاَّ من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلاَّ من خبثت ولادته .
وعن المفضل قال : سمعت الصادق(عليه السلام) يقول لأصحابه : من وجد برد حبِّنا على قلبه فليكثر الدعاء لأمِّه ، فإنها لم تخن أباه . وعن أبي رافع ، عن علي(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من لم يحبَّ عترتي فهو لإحدى ثلاث : إمّا منافق ، وإمَّا لزنية ، وإمَّا امرؤ حملت به أمه في غير طهر(1) .
وعن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) : ألا أبشِّرك؟ ألا أمنحك؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة ، ففضلت منها فضلة ، فخلق منها شيعتنا ، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلاَّ شيعتك ، فإنهم يُدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم .
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : كنّا بمنى مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ بَصُرنا برجل ساجد وراكع ومتضرِّع ، فقلنا : يا رسول الله ، ما أحسن صلاته! فقال(صلى الله عليه وآله) : هو الذي أخرج أباكم من الجنة ، فمضى إليه علي(عليه السلام) غير مكترث ، فهزّه هزَّة أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى ، واليسرى في اليمنى ، ثمَّ قال : لأقتلنَّك إن شاء الله ، فقال : لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربّي ، مالك تريد قتلي؟ فوالله ما أبغضك أحد إلاَّ سبقت نطفتي إلى رحم أمِّه قبل نطفة أبيه ، ولقد شاركت مبغضيك في الأموال والأولاد ، وهو قول الله عزَّ وجلَّ في محكم كتابه : {وَشَارِكْهُمْ فِي الاَْمْوَالِ وَالاَْولاَدِ}(2) .
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 27/145 ـ 147 . 2- سورة الإسراء ، الآية : 64 .
قال النبي(صلى الله عليه وآله) : صدق يا علي ، لا يبغضك من قريش إلاَّ سفاحيٌّ ، ولا من الأنصار إلاَّ يهوديٌّ ، ولا من العرب إلاّ دعيٌّ ، ولا من سائر الناس إلاّ شقيٌّ ، ولا من النساء إلاَّ سلقلقيَّة ، وهي التي تحيض من دبرها ، ثمَّ أطرق مليّاً ، ثمَّ رفع رأسه فقال : معاشر الأنصار ، اعرضوا أولادكم على محبَّة عليٍّ ، قال جابر بن عبدالله : فكنّا نعرض حبَّ عليٍّ(عليه السلام) على أولادنا ، فمن أحبَّ علياً علمنا أنه من أولادنا ، ومن أبغض علياً انتفينا منه(1) .
وعن عبدالله بن جبلة ، عن أبيه قال : سمعت جابر بن عبدالله بن حزام الأنصاري يقول : كنّا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذات يوم جماعة من الأنصار ، فقال لنا : يا معشر الأنصار! بوروا أولادكم بحبِّ علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، فمن أحبَّه فاعلموا أنه لرشدة ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغية .
وعن الحارث الهمداني قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، فقال : ما جاء بك؟ فقلت : حبّي لك يا أمير المؤمنين ، فقال : يا حارث! أتحبُّني! فقلت : نعم والله يا أمير المؤمنين ، قال : أما لو بلغت نفسُك الحلقوم رأيتني حيث تحبُّ ، ولو رأيتني وأنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحبُّ ، ولو رأيتني وأنا مارٌّ على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)لرأيتني حيث تحبُّ .
وروي عن علي بن الحسين ، عن أبيه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) حبّي وحبُّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط .
وروى السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) :
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 27/150 ـ 151 ، وقريب منه ما رواه ابن عباس في تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/289 .
أثبتكم قَدماً على الصراط أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي .
وعن الثمالي ، عن أبي جعفر ، عن آبائه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله)لعلي(عليه السلام) : ما ثبَّت الله حبَّك في قلب امرىء مسلم ، فزلَّت به قدم على الصراط إلاَّ ثبت له قدم حتى أدخله الله بحبِّك الجنّة .
وروي عن ابن نباتة ، قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين(عليه السلام)في نفر من الشيعة ، وكنت معه فيمن دخل ، فجعل الحارث يتأوَّد في مشيته ، ويخبط الأرض بمحجنه ، وكان مريضاً ، فأقبل عليه أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وكانت له منه منزلة ، وقال : كيف تجدك يا حارث؟ قال : نال الدهر منّي ، وزادني أوداً وغليلا اختصام أصحابك ببابك ، قال : فيم؟ قال : في شأنك والبليَّة من قبلك ، فمن مفرط غال ، ومبغض قال ، ومن متردِّد مرتاب فلا يدري أيقدم أم يحجم ، قال : فحسبك يا أخا همدان ، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي ، قال : لو كشفت فداك أبي وأمي الريب عن قلوبنا ، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا .
قال : قدك ، فإنك امرؤ ملبوس عليك ، إن دين الله لا يُعرف بالرجال ، بل بآية الحقّ ، والآية العلامة ، فاعرف الحقَّ تعرف أهله . يا حارث! إن الحقّ أحسن الحديث ، والصادع به مجاهد ، وبالحقِّ أخبرك ، فأرعني سمعك ، ثم خبِّر به من كانت له خصاصة من أصحابك ، ألا إني عبدالله ، وأخو رسوله ، وصدّيقه الأول ، صدَّقته وآدم بين الروح والجسد ، ثم إني صدّيقه الأول في أمَّتكم حقّاً ، فنحن الأولون ، ونحن الآخرون ، ألا وأنا خاصّته ـ يا حار ـ وخالصته ، وصفوته ووصيُّه ووليُّه ، وصاحب نجواه وسرِّه ، أوتيت فهم الكتاب ، وفصل الخطاب ، وعلم القرآن والأسباب ، واستودعت ألف مفتاح ، يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد ، وأُيِّدت ـ أو قال : أمددت ـ بليلة القدر نفلا ، وإن ذلك ليجري لي
ولمن استحفظ من ذرّيّتي ما جرى الليل والنهار ، حتى يرث الله الأض ومن عليها ، أبشِّرك ـ يا حار ـ ليعرفني ـ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ـ وليّي وعدوّي في مواطن شتى : عند الممات ، وعند الصراط ، وعند المقاسمة ، قال : وما المقاسمة؟ قال : مقاسمة النار ، أقاسمها قسمة صحاحا ، أقول : هذا وليّي ، وهذا عدوّي .
ثمَّ أخذ أمير المؤمنين(عليه السلام) بيد الحارث وقال : يا حارث! أخذت بيدك كما أخذ بيدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقال لي ـ وقد اشتكيت إليه حسدة قريش والمنافقين ـ : إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة من ذي العرش تعالى ، وأخذت ـ يا عليُّ ـ بحجزتي ، وأخذت ذرّيّتك بحجزتك ، وأخذ شيعتكم بحجزتكم ، فماذا يصنع الله بنبيِّه؟ وماذا يصنع نبيُّه بوصيِّه؟ وماذا يصنع وصيُّه بأهل بيته وشيعتهم؟ خذها إليك ـ يا حار ـ قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت ، ولك ما اكتسبت ، قالها ثلاثاً ، فقال الحارث ـ وقام يجرُّ رداءه جذلا ـ : ما أبالي وربي بعد هذا ، ألقيت الموت أو لقيني(1) .
ومن كتاب مشارق الأنوار : عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : حبُّ أهل بيتي ينفع من أحبَّهم في سبعة مواطن مهولة : عند الموت ، وفي القبر ، وعند القيام من الأجداث ، وعند تطاير الصحف ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط ، فمن أحبَّ أن يكون آمناً في هذه المواطن فليتوال علياً بعدي ، وليتمسَّك بالحبل المتين ، وهو عليُّ ابن أبي طالب وعترته من بعده ، فإنهم خلفائي وأوليائي ، علمهم علمي ، وحلمهم حلمي ، وأدبهم أدبي ، وحسبهم حسبي ، سادة الأولياء ، وقادة الأتقياء ، وبقيَّة الأنبياء ، حربهم حربي ، وعدوُّهم عدوّي .
ومن كتاب أعلام الدين للديلمي ، من كتاب الحسين بن سعيد ، بإسناده عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا بلغت نفس أحدكم هذه ـ وأومأ إلى حلقه ـ قيل له : أمَّا ما
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 27/156 ـ 161 .
كنت تحذر من همِّ الدنيا فقد أمنته ، ثمَّ يعطى بشارته .
وعنه ، عن آبائه(عليهم السلام) ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين(عليه السلام) : بشِّر شيعتك ومحبّيك بخصال عشر : أوَّلها : طيب مولدهم ، وثانيها : حسن إيمانهم ، وثالثها : حبُّ الله لهم ، والرابعة : الفسحة في قبورهم ، والخامسة : نورهم يسعى بين أيديهم ، والسادسة : نزع الفقر من بين أعينهم وغنى قلوبهم ، والسابعة : المقت من الله لأعدائهم ، والثامنة : الأمن من البرص والجذام ، والتاسعة : انحطاط الذنوب والسيئات عنهم ، والعاشرة : هم معي في الجنة وأنا معهم ، فطوبى لهم وحسن مآب .
وروى جابر بن عبدالله ، قال : بينا نحن عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ التفت إلى علي(عليه السلام) فقال : يا أبا الحسن! هذا جبرئيل(عليه السلام) يقول : إن الله تعالى أعطى شيعتك ومحبّيك سبع خصال : الرفق عند الموت ، والأنس عند الوحشة ، والنور عند الظلمة ، والأمن عند الفزع ، والقسط عند الميزان ، والجواز على الصراط ، ودخول الجنّة قبل الناس ، يسعى نورهم بين أيديهم .
وروى جابر أيضاً عنه(صلى الله عليه وآله) قال : من أحبَّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة ، فلا يشكَّن أحد أنه في الجنة ، فإن في حبِّ أهل بيتي عشرين خصلة : عشر في الدنيا ، وعشر في الآخرة ، أمَّا في الدنيا فالزهد ، والحرص على العمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشاط في قيام الليل ، واليأس مما في أيدي الناس ، والحفظ لأمر الله عزَّ وجلَّ ونهيه ، والتاسعة بغض الدنيا ، والعاشرة السخاء .
وأمَّا في الآخرة فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ويكتب له براءة من النار ، ويبيضُّ وجهه ، ويكسى من حلل الجنة ، ويشفَّع في مائة من أهل بيته ، وينظر الله إليه بالرحمة ، ويتوَّج من تيجان الجنة ، والعاشرة
دخول الجنة بغير حساب ، فطوبى لمحبِّ أهل بيتي .
وعن أبن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : قد استحييت مما أكرِّر هذا الكلام عليكم : إنّما بين أحدكم وبين أن يغتبط أن تبلغ نفسه ههنا ـ وأهوى بيده إلى حنجرته ـ يأتيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعليٌّ(عليه السلام) فيقولان له : أمَّا ما كنت تخاف فقد آمنك الله منه ، وأمَّا ما كنت ترجو فأمامك ، فأبشروا ، أنتم الطيِّبون ، ونساؤكم الطيِّبات ، كلُّ مؤمنة حوراء عيناء ، كلُّ مؤمن صدّيق شهيد .
قال : وقال أبو عبدالله(عليه السلام) لأصحابه ابتداء منه : أحببتمونا وأبغضنا الناس ، وصدَّقتمونا وكذَّبنا الناس ، ووصلتمونا وجفانا الناس ، فجعل الله محياكم محيانا ، ومماتكم مماتنا ، أما والله ما بين الرجل منكم وبين أن يقرَّ الله عينه إلاَّ أن تبلغ نفسه هذا المكان ـ وأومأ إلى حلقه فمدَّ الجلدة ـ ثمَّ أعاد ذلك ، فوالله ما رضي حتى حلف ، فقال : والله الذي لا إليه إلاَّ هو ، لحدَّثني أبي محمد بن علي بذلك ، إن الناس أخذوا ههنا وههنا ، وإنكم أخذتم حيث أخذ الله ، إن الله اختار من عباده محمّداً(صلى الله عليه وآله) ، واخترتم خيرة الله ، فاتقوا الله ، وأدُّوا الأمانات إلى الأسود والأبيض وإن كان حرورياً ، وإن كان شامياً .
وعن عبد الرحيم قال : قال لي أبو جعفر(عليه السلام) : إنما يغتبط أحدكم حين تبلغ نفسه ههنا ، فينزل عليه الملك فيقول : أمَّا ما كنت ترجو فقد أعطيته ، وأمّا ما كنت تخافه فقد أمنت منه ، فيفتح له باب إلى منزله من الجنة ، فيقال له : انظر إلى مسكنك من الجنة ، وانظر : هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفلان وفلان وفلان ، هم رفقاؤك وهو قوله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاْخِرَةِ}(1) .
وعن صفوان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : والله إنّكم لعلى دين الله ودين
____________
1- سورة يونس ، الآية : 64 .
ملائكته ، وإنكم ـ والله ـ لعلى الحقّ ، فاتقوا الله ، وكفُّوا ألسنتكم ، وصلُّوا في مساجدكم ، وعودوا مرضاكم ، فإذا تميَّز الناس فتميَّزوا ، فإن ثوابكم لعلى الله ، وإن أغبط ما تكونون إذا بلغت نفس أحدكم إلى هذه ـ وأومأ إلى حلقه ـ قرَّت عينه .
وعن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام) للحارث الأعور : لينفعنَّك حبُّنا عند ثلاث : عند نزول ملك الموت ، وعند مسائلتك في قبرك ، وعند موقفك بين يدي الله .
وعن أبي عمرو الكشي ، عن محمد بن مسعود ، رفعه إلى سعيد بن يسار أنه حضر أحد ابني سابور ، وكان لهما ورع وإخبات ، فمرض أحدهما ، ولا أحسبه إلاَّ زكريا بن سابور ، قال : فحضرته عند موته ، قال : فبسط يده ثمَّ قال : بسطت يدي يا علي ، قال : قصصت ذلك على أبي عبدالله(عليه السلام) ثمَّ قمت عنه ، فاتّبعني رسوله فرجعت إليه ، فقال : أخبرني خبر الرجل الذي حضرته عند موته أيَّ شيء سمعته يقول؟ قلت : بسط يده ثمَّ قال : بسطت يدي يا علي ، فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : رآه والله ، راه والله .
ومن وصايا جابر الأنصاري رضوان الله تعالى عليه لعطيَّة العوفي ما قاله له بعد منصرفه معه من زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) قال عطيَّة : فلمَّا صرنا في بعض الطريق قال لي : يا عطية! هل أوصيك؟ وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك ، أَحِبَّ محبَّ آل محمد ما أحبَّهم ، وابغض مبغض آل محمد ما أبغضهم ، وإن كان صوّاماً قوّاماً ، وارفق بمحبِّ آل محمد ، فإنه إن تزلَّ لهم قدم بكثرة ذنوبهم ، ثبتت لهم أخرى بمحبَّتهم ، فإن محبَّهم يعود إلى الجنَّة ، ومبغضهم يعود إلى النار(1) .
ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
____________