ولو أن زوطياً أو كردياً ألّف في مناقب آل أبي العاص أو آل أبي معيط لعده الستاذ في الرعيل ممن عندهم مقطع الحق ومشعب السداد، ولجعل مؤلفه الحد الفاصل، بين الحق والباطل، ومن عشق شيئاً اعشى بصره، وأمرض قلبه.
ولو فرض ان في كتاب ابن شهراشوب أحاديث لايعرفها الأستاذ ولايتعرف عليها امثاله، بل لو فرض ضعفها عندنا فأي وزر يلحق الرجل بايرادها في كتابه وكتابه غير خاص بصحاح السنن، ولا هو ممن أخذ على نفسه شرطاً في جمعه وقد استمرت سيرة السلف والخلف من اثبات الأمة كافة على جمع كل ما هو مأثور من السنن من غير انتفاء ولا تمحيص ولا سيما السنن المأثورة في المناقب، وعلى جواز ذلك انعقد الإجماع العملي من جميع فرق المسلمين من صدر الأسلام الى هذه الأيام(1)
وهل هو الا واحد من مئات الأثبات سلكوا
____________
(1) لا كلام في أكثر اصحاب المسانيد من اثبات اهل السنة لم يمحصوا ما اثبتوه في مسانيدهم بل اثبتوا المأثورمن ذلك سواء أكان صحيحاً ام غيرصحيح إذ لم يكونوا إلا في صدد الجمع فقط احتفاظاً بالمأثور واحتياطاً على ان لا يضيع منه شيء وتركوا التمحيص لغيرهم.
تنبيهان الى سخافات
5
التنبيه الاول
وبهذه المناسبة ننبه الأستاذ إلى أن صحيحي البخاري ومسلم لم يسلما من المآخذ التي أخذها على مناقب ابن شهراشوب، مع ما أخذه الشيخان وسائر الستة من الشروط على أنفسهم التي لم يأخذ ابن شهراشوب على نفسه شيئاً منها، وحسب الأستاذ ما أوردناه في كتابنا «ابو هريره» المنتشر، وقد قدمنا للمجمع لنقده، وبيان رأي المجمع فيه، وأظن الأستاذ وقف منه على الفصل 11 المنعقد لبيان
الاول، ما أخرجه الشيخان وغيرهما(1) في فضل أبي بكر وعمر، بالاسناد إلى أبي هريرة قال:صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: بينا رجل يسوق بقرة إذ
____________
(1) تجد الحديث في باب فضل ابي بكر من الجزءالثاني من صحيح البخاري، وتجده في فضائل ابي بكر من الجزء الثاني من صحيح مسلم، وقد أخرجناه في مواضع أُخر من صحيحيهما وأخرجه أحمد في اول ص 246 من الجزء الثاني من مسنده عن أبي هريرة بطرق كثيرة.
____________
(1) أي وما هما بحاضرين هناك.
قلت: وفي الصحيحين ـ عن أبي هريرة ـ إن هذه الواقعة هي التي أشار الله اليها بقوله تبارك اسمه
____________
(1) الفت أولي الالباب إلى تردد ابي هريرة في عدة الندب.
(2) راجعه في باب فضائل موسى من الجزء الثاني من صحيح مسلم، وأخرجه البخاري في باب من اغتسل عرياناً من كتاب الغسل وفي مواضع أخر عديد، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة من طرق كثيرة فراجع ص 315 من الجزء الثاني من مسنده.
وانت ترى ما في هذا الحديث من المحال الممتنع عقلاً فإنه لا يجوز تشهير كليم الله بإبداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه لأن ذلك ينقصه ويسقط من مقامه ولا سيما إذا رأوه يشتد عارياً ينادي الحجر ! ـ والحجر لا يسمع ولا يبصر ـ: ثوبي حجر! ثوبي حجر! ثم يقف عليه وهو عاري أمام الناس يضر ولسان حال الحجر يقول له:
والناس تنظراليه مكشوف العورة مرهقاً، على أن فرار الحجر ككلام البقرة و الذئب يخاف سنة الله في خلقه فلا يمكن صدوره إلا في مقام التحدي والاعجاز
أما براءته من الأدرة فليس من الاُمور التي يباح في سبيلها هتكه وتشهيره، ولا هي من الأمور التي يمكن ان يصدر بسببها الآيات والمعجزات إذ يمكن العلم ببراته منها يخبر نسائه، ولو فرض عدم امكان براءته من الأدرة فأي ضرر يلحقه بذلك والأنبياء كلهم معرض لأمثالها. وقد أصيب شعيب عليه السلام ببصره وأيوب عليه السلام بجسمه، وأنبياء الله كافة تمرضوا وماتوا صلوات الله وسلامه عليهم، ولايجب
إما الواقعة التي اشار الله اليها بقوله عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى) فالمروي عن علي عليه السلام وابن عباس انها قضية اتهامهم إياه، بقتل هرون، وهو الذي اختاره الحبائي وقيل هي قضية المومسة التي أغراها قارون بقذف، موسى بنفسها فبرأه الله تعالى إذ أنطقها بالحق، وقيل آذوه إذ نسبوا اليه السحر والكذب والجنون.
وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في ص 315 من الجزء الثاني من مسنده ولفظه عنده: إن ملك
____________
(1) أوردناه بلفظ مسلم في باب فضائل موسى من الجز الثاني من صحيحه، وأخرجه البخاري في باب وفاة موسى من الجزء الثاني من صحيحه وفي باب من أحب الدفن في الارض المقدسة من الجزء الأول.
وأخرجه ابن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه عن أبي هريرة وذلك حيث ذكر وفاة موسى ولفظه عنده: إن ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه إلى أن قال: إن ملك الموت إنما جاء إلى الناس خفياً بعد موت موسى(1) .
وانت ترى ما فيه مما لايجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته، أيليق بالحق تبارك وتعالى أن يصطفي من عباده من يبطش على الغضب بطش الجبارين؟ ويوقع شره وأذاه حتى في ملائكة الله.
____________
(1) لو كان الأمر كذالك لتواترت به الأخبار فما بال المحدثين والمؤرخين وأهل الأخبار من جميع الأمم أغفلوا هذا الخبر لو كان له أثر وما بال القصاصين والمخرفين ما حام خيالهم حوله ولعلهم تركوا الامتياز بهذه السخافة لابي هريرة.
ثم أن قوة البشر بأسرهم بل قوة جميع الحيوانات لاتثبت أمام ملك الموت فكيف والحال هذه تمكن موسى من الوقيعة فيه؟ وهلاّ دفعه الملك عن نفسه مع قدرته على إزهاق روحه وكونه مأموراً من الله تعالى بذلك. ؟
وهل للملك عين يجوز أن تفقأ؟ ! كلا ثم كلا.. ولا تنس حق الملك، وذهاب لطمته وعينه هدراً، إذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتص من موسى صاحب التوراة التي كتب الله فيها: (أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجراح قصاص) بل لم يعاقب الله موسى على فعله هذا بل أكرمه أذا خيره بسببه بين
وأني لأعجب من الشيخين يخرجان هذه السخافة والتي قبلها في فضائل موسى، وما أدري أي فضيلة بالتمرد على الله وملائكته وأي منقبة بإبداء العورة للناظرين وأي وزن لهذه السخافات التي راقت حضرة الأستاذ محمد كرد علي وأرمض نفسه ابن شهراشوب بمناقب آل آبي طالب.
الرابع ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال: خفف على داود القرآن فكان يأمره بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، الحديث(1)
قلت: هذا محال من وجهين.
آحدهما أن القرآن إنما أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين
____________
(1) راجعه في باب قوله تعالى: وآتينا داود زبورا ص 101 من الجزء الثالث من صحيحه في كتاب تفسير القرآن.
أجابوا بأن المراد بالقرآن هنا إنما هو إنما هو الزبور والتوراة وأنه إنما سماه قرآنا لوقوع المعجزة بهما كوقوعها بالقرآن فيكون المراد به مصدر القراءة لا القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قلت: في هذا الجواب نظر إذ حملوا فيه كلام أبي هريرة على مالم يقصده والله أعلم.
ثانيهما: أن مدة اسراج الدابة لتضيق عن قراءة القرآن، سواء أريد به المنزل على رسول صلى الله عليه وآله وسلم أم أريد به الزبور والتوراة، ومن المقرر بحكم الضرورة العقلية امتناع وقوع الفعل في وقت لا يسعه، وهذا مما لا سبيل إلى التشكيك فيه فيه أبداً وإذاً لا يؤبه بما ذكره العلامة القسطلاني في شرح
وأولو الألباب يعملون أن طي الزمان و طي المكان
ولا نعم لو قال بطي الكلام أو قال بتوسيع الوقت في هذا المقام لكان أنسب لهذه السخافة وإن كان كل منهما محالا.
يمكن أن يكون ما نقله في هذا الحديث عن داود معجزة له عليه السلام لأن معجزات الأنبياء خوارق للعادة، وهذا خارق للعقل كما هو واضح لمن كان ذا عقل.
الخامس أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً(1) قال: فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت واني لا أراها إلا الفأر، إذا وضع لها ألبان الابل
____________
(1) في ص 145 من الجزء الثاني من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وفي باب الفأر وانه مسخ ص 536 من الجزءالثاني من صحيح مسلم.
ولو ان هذه الخرافات لا تعود على الإسلام بوصمة لقلدنا الشيخين حبلهما، لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة عقلية وعلمية وعملية، فأن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الإسلام من الآفات، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
السادس ما أسندوه إلى عاءشة أمّ المؤمنين. قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم جبّب اليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فجاءه الملك.
فقال: اقرأ. قال: ماأنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني
فقال لخديجة وقد اخبرها الخبر: لقد خشييت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكّل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. قالت عائشة: فانطلقت به خديجة حتى أتت به ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى ياليتني فيها جذعاً ـ شاباً ـ ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.فقال: أو مُخرجيّ هم؟ الحديث(1) .
تراه نصاً في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ـ والعياذ بالله ـ مرتاباً في نبوته بعد نزوله عليه، وأنه كان من الخوف على نفسه في حاجة إلى زوجته تشجعه، وإلى ورقة الهمّ الاعمى الجاهلي
____________
(1) تجده في باب بدء الوحي من الجزء الاول من صحيح البخاري، وفي تفسير سورة أقرأ من جزئه الثالث، وأخرجه ايضاً في التعبير والايمان وتجده في الايمان من صحيح مسلم، وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير.
وقد أمعنا في أخذ الملك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغطّه إياه مرتين يبلغ منه الجهد فيأخذ نفسه، ويرجف فؤاده، ويخيفه على مشاعره، فلم نجد له وجهاً يليق بالله تعالى، ولا بملائكته، ولا برسله ولا سيما مع اختصاص خاتم النبيسن بهذا، إذ لم ينقل عن أحد منهم عليهم السلام أنه جرى له مثل ذلك عند ابتداء الوحي اليه، كما صرح به بعض شارحي هذا الحديث من صحيح البخاري(1) .
وقد وقفنا على المحاورة التي جرت ـ بمقتضى هذا الحديث السخيف ـ بين الملك والتي فرأينا النبي صلى
____________
(1) راجع من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ص 171 من جزئه الاول.
فالحديث باطل من حيث متنه، وباطل من حيث سنده، وحسبك في بطلانه من هذه الحيثية كونه من المراسيل، بدليل انه حديث عما قبل ولادة عائشة بسنين
فان قلت: أي مانع لها أن تسند هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمعته ممن حضر مبدأ الوحي.
قلنا: لا مانع لها من ذلك، غير أن الحديث في هذه الصورة لا يكون حجة، ولا يوصف بالصحة، وإنما يكون مرسلاً حتى نعرف الذي سمعته منه، ونحرز عدالته، فإن المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم كانوا كثراً، وكان فيهم من يخفى نفاقه على عائشة، بل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم)
السابع ما اسندوه إلى عائشة، واللفظ لمسلم(1) قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
____________
(1) في باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد من الجزء الأول من صحيحه، وأخرجه البخاري أيضاً في الصحيح وغير واحد من أهل الصحاح والمسانيد.
(قالت): وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ـ في المسجد ـ فامّا سألت رسول الله واما قال تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني ارفدة حتى إذا ملن. قال: حسبك؟! قلت: نعم. قال: فاذهبي.
إنا لله وإنا اليه راجعون. من عذيرنا من هؤلاء، يريدون ليثبتوا فضيلة لمن يوالون فيأتون بمثل هذه لعائسة غافلين عما يلزمها من اللوازم الباطلة المستحيلة على سيد رسل الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكمل مخلوقاته.
كما رووا في خصائص عمر: أنه ما انقطع الوحي عني مرة إلا خلته نزل في آل الخطاب. ورووا أيضاً: لونزل العذاب ما نجا منه إلا آل الخطاب.
ذهولاً عما وراء هذا الإفتراء، من الداهية الدهياء والطامة العمياء، نعوذ بالله من سبات العقل.
ودافعوا عن عتاة بني أمية ومنافقي آل أبي العاص كالحكم وابنه مروان وأمثالهما كانوا يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحذر على الأمة من عيثهم ونفاقهم فاقتضت حكمته ونصحه لله ولعباده أن يعلن أمرهم لئلا يغتر بهم فيما بعد أحد من الناس فلعنهم في مقامات له مشهودة، وأقصاهم إقصاء المفسدين في الأرض سجل عليهم بذلك خزياً من الله مؤيداً، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
لكن أولياءهم حاولوا تدارك ذلك كله فاختلقوا الحديث المشهور: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، واني قد اتخذت عندك عهداً لم تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربى تقربه بها اليك الحديث(1) .
آثر مختلق هذا الحديث سادته وكبراءه على الله تعالى ورسوله فلم يأبه بلوازم افترائه التي لا تليق بخاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم كما أوضحناه في ما علقناه على الحديث في كتابنا ـ أبوهريرة ـ. وما كان لهؤلاء أن يحتفظوا بكرامة من لعنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفاقهم، ونفاهم لفسادهم، فيضيعوا على أنفسهم المصلحة التي توخاها
____________
(1) أخرجه الشيخان عن أبي هريرة وأوردناه في كتابه، وهناك مباحث يجدر بأهل العم أن يلموا بها.
والآن يحدثنا عروة بن الزبير عن خالته ـ أمّ المؤمنين ـ بهذا الخبر، وإنه لعرّة من العرر، فليعطف على قولها: مات رسول الله بين سحري وتحري، وربما قالت: بين حاقنتي وذاقنتي، وربما قالت: مات ورأسه على فخذي(1) .
وإن شئت فاعطفه على قولها: سابقني النبي فسبقته فلبثنا حتى رهقني اللحم، سابقني فسبقني.فقالت:هذه بتيك(2) .
أو على قولها: كنت العب بالبنات فيجيء صواحبي فيلعبن معي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
____________
(1) فيما روي عنها بطرق مختلفة، والحق ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحق بالرفيق الأعلى ورأسه في صدر أم المؤمنين عليه السلام كما أثبتناه بالحجج القاطعة في المراجعة 86 من كتاب المراجعات.
(2) أخرجه الامام احمد من حديثها ص 39 من الجزء 6 من مسنده.
أو على قولها: خلال فيّ سع لم تكن في أحد من الناس إلا ما آتى الله مريم بنت عمران، نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله بكراً لم يشركه فيّ أحد، وكنت من أحب النساء اليه، ونزل فيّ آيات من القرآن كادت الاُمة أن تهلك فيهن، ورأيت جبرائيل ولم يره أحد من سائه غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد غيري(2)
____________
(1) أخرجه احمد من حديثها في مسنده فراجع ص75 من الجزء 6.
(2) وقع الاتفاق على انه صلى الله عليه وآله وسلم مات وعلي حاضر وهو الذي كان يمرضه وقلبه، وكيف يصح انه لم يله احد غيرها، فأين كان علي وفاطمة والعباس وصفية والهاشميون والهاشميات؟ وأين كان أزواج البي؟ واين كانت الاُمة وابرارها؟ وكيف يتركونه كلهم تستقل به عائشة وحدها؟ ثم لا يخفى على احد ان مريم لم يكن فيها شيء من الخلال السبع التي ذكرتها عائشة، فما الوجه في استثنائها إياها؟
الثامن ما أخرجه البخاري(2) من حديث عكرمة عن ابن عباس. قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه(3) عاصباً رأسه بخرقة فثعد على المنبر فحمد الله واثنى عليه. ثم قال: انه ليس من الناس أحد أمنّ عليّ من ابي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت
____________
(1) اخرجه ابن ابي شيبة وهو الحديث 1017 من احاديث الجزء السابع من كنز العمال.
(2) في باب الخوخة والممر في المسجد من كتاب الصلاة في الجزء الاول من صحيحه.
(3) قبل موته بثلاث ليال كما نص عليه القسطلاني في شرح هذا الحديث في باب سدوا الابواب إلا باب ابي بكرمن ابواب مناقب المهاجرين ص 326 من الجزء 7 من إرشاد الساري.
وأخرج البخاري ايضاً نحوه(1) من حديث فليح بن سليمان عن ابي سعيد الخدري، غيرأن آخره: لايبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر.
قلت: لاوزن لهذين الحديثين ولا قيمة لهما متناً وسنداً. اما السند فلأن عكرمة كان من الخوارج. واكانداعية إلى الخروج، فعن الإمام أحمد بن حنبل: كان عكرمة من أعلام الناس، ولكنه كان يرى رأي الصفرية من الخوارج، ولم يدع موضعاً إلا اتاه، وعن عطاء أن عكرمة كان أباضياً، وعن يعقوب الحضرمي: كان عكرمة يرى رأي الأباضية؛ وعن يحيى بن بكير قال: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب، فخوارج
____________
(1) في باب الخوخة من كتاب الصلاة.
قلت: ما اخبثها كلمة، بل انزل ليهدي به،
وكان مع هذا كله كذابا شهد عليه بالكذب جماعة من أعلام معاصريه، كعبد الله بنعمر إذ قال لمولاه نامع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس، وكسعيد بن المسيب إذ قال لمولاه برد: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس، وأوثقه سيده علي بن عبد الله بن العباس فعوتب. فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي، فشهد عليه بالكذب والخبث كليهما وهوأعرف الناس به، وشهد عليه بالكذب يحيى بن سعيد ومحمد بن سيرين وقال: ما يستوي أن يكون من أهل الجنة ولكنه كذاب. إلى آخر ما هومذكور منجرحه في ترجمته من ميزان الاعتدال الذهبي وغيره، على أن كل من ترجمه كالقسطني في مقدمة فتح الباري وابن خلكان في
وكذلك فليح بن سليمان، إذ ضعفه يحيى بن معين وأبو حاتم والنسائي. قال ابن معين: فليح بن سليمان ليس بثقة، ولا ابنه محمد. وروى عباس عن يحيى: ان فليحاً لا يحتج به. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت ابن معين يقول: ثلاثة يتّقى حديثهم محمد بن طلحة بن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان. وقال أبو داود: لا يحتج بفليح. قلت: وكانوا يتهمونه في علي وعثمان وعائشة ومعاوية ومن كان مع هؤلاء من الصحابة، فهو إذاً من الخوارج كعكرمة، وهذا بمجرده يضطرنا إلى الريب فيهما، ولا سيما في حيثهما هذا المصوغ لمعارضة الصحاح
وحسبنا من حزازات المتن: أنه لم يكن لأبي بكر منزل جنب المسجد لينفذ اليه من خوخته، وإنما كان منزله في السنح من عوالي المدينة، ولبعد منزله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحضر احتضاره ولا وفاته، وإنما جاء كما صح عن عائشة بعد أن قضى نحبه فوجده مسجى ـ بأبي هو وامي ـ وعمر يحلف بالله إنه ما مات، الحديث(1) .
ولما لم يكن لأبي بكر منزل قرب المسجد أشكل الأمر على المتعبدين بحديث البخاري ومسلم، فاضطروا
____________
(1) اخرج البخاري وغيره عن عائشة قالت: ما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر بالسنح فقام عمر يقول: انه والله ما مات وليبعثنه الله فليقطعن ايدي رجال وارجلهم فجاء ابو بكر وكشف عن رسول الله الحديث، وكل من تعرض لذكر منزل ابي بكر قال: انه في السنح، وذكره ابن الأثير في مادة سنح من نهايته في غريب الحديث.
قلت: لا لوم على القوم فإنهم أسراء العاطفة تسخر مشاعرهم وحواسهم، فإذا هم مسيرون بأفهامهم وأحلامهم
____________
(1) هذا كلام التوريشتي والطيبي عيناً وهما من اعلام علمائهم نقله عنهما القسطلاني في إرشاد الساري فراجع كلمة التوريشتي في ص 327 من الجزء 7 في باب سد الأبواب إلا باب ابي بكر ونقله عن الطيبي في ص 474 من الجزء السابع ايضاً في باب هجرة النبي واصحابه إلى المدينة.
قلت: ان هذا المقدار لأقل ما يقال في الصحاح المأثورة في سد الأبواب غير باب علي وكفى به حجة على ثبوت ذلك.
واليك تفصيل حديث واحد من السنن التي أشار اليها القسطلاني بإجمال أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في الجزء الأول من مسنده(1) والحاكم في الجزء الثالث من المستدرك(2) والنسائي في خصائصه العلوية(3) كلهم عن عمرو بن ميمون. قال: إني لجالس عند ابن عباس إذ اتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء.
____________
(1) آخر ص 330.
(2) ص 133.
(3) ص 6.
____________
(1) لايخفى دلالة ما أشار اليه ابن عباس بكلامه هذا من سرعة الفتح وعظمته بسبي بنت الملك حي.
بها إلا رجل هو مني وانا منه. قال ابن عباس: وقال النبي لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرةٍ. قال: وعلي جالس معه، فأبوا. فقال علي: انا أواليك في الدنيا والآخرة. قال: أنت وليي في الدنيا والآخرة. قال: فتركه ثم قال أيكم يواليني في الدنيا والآخره، فأبوا. وقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال لعلي: انت وليي في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس: وكان عليّ اول من آمن من الناس بعد خديجة. قال ابن عباس: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين. وقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. قال ابن عباس: وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم نام مكانه، وكان المشركون يرمون رسول الله، إلى أن قال: وخرج
قال الحاكم بعد إخراجه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. قلت: وأورده
ولا يخفى ما فيه من الأدلة القاطعة على ان علياً ولي عهد والقائم مقامه من بعده جعله وليه في الدنيا والآخرة، وأنزله منه منزلة هاون من موسى، ولم يستثن إلا النبوة، واستثناؤها دليل على العموم، والمسلمون والكتابيون يعلمون أن أظهر المنازل التي كانت لهارون من موسى وزارته له وشدّ أزره به ومشاركته في أمره، وخلافته عنه، وفرض طاعته على أمته بدليل قوله تعالى: (واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري) .
وقوله سبحانه لهارون: (أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) .
وقوله عز وجل: (قد أوتيت سؤلك ياموسى) .
فعليّ بحكم هذه النصوص خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قومه، ووزيره من أهله وشريكه في أمره على سبيل الخلافة، عنه لاعلى سبيل النبوة، وأفضل أمته وأولاهم به حياً وميتاً، وله عليهم من فرض الطاعة حتى في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل الذي كان لهارون على أمة موسى زمن موسى، ومن سمع حديث المنزلة تبادرإلى ذهنه كل هذه المنازل، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر جلياً بقوله: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وهذا نص صريح في كونه خليفته، بل نص جلي في أنه لو ذهب ولم يستخلفه كان قد فعل ما لا ينبغي أن يفعل، وهذا
ومن تدبر في قوله تعالى في هذه الآية (فما بلغت رسالته) ثم أمعن النظر في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وجدهما يرميان إلى غرض واحد كما ذكرناه في المراجعة 26 من مراجعاتنا الأزهرية البشرية. ولا تنس قوله: أنت ولي كل مؤمن بعدي، ولاقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فأن مولاه علي، فأنه نص في أنه ولي الأمر وواليه، والقائم مقامه فيه. كما قال الكميت عليه الرحمة:
وقد جاء النص في سدّ الأبواب غير باب علي بطرق كثيرة عن كل من ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وصحابي من خثعم، وأسماء بنت عميس، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحذيفة بن أسيد، وسعيد بن أبي وقاص، والبراء بن عازب، وعلي بن ابي طالب، وعمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابي ذر، وأبي الطفيل، وبريدة الاسلمي، وأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجابر بن عبد الله(1) وغيرهم.
____________
(1) من أراد الوقوف على المأثور من حديث هؤلاء كلهم بسد الأبواب غير باب علي، فليستقص موارده من مسند احمد ومستدرك الحاكم وصيح الترمذي وخصائص النسائي والاكبر والأوسط والصغير للطبراني ومسند أبي يعلى ومختارة الضياء وكنز العمال للمتقي الهندي ومناقب الامام احمد والمناقب لابن المغازلي الشافعي وغاية المراد للشريف الكتكاني.
وإذاً، فليسقط عكرمة وفليح، وليسقط روايتهما بسلطان البرهان الساطع، ولتعطف على سائر المختلفات من الأحاديث الموضوعة، لمعارضة عليّ وغيره من أهل البيت فيما اختصهم الله به من فضله، وهي على أنواع وإنما نورد الآن منها ما تسعه هذه العجالة.
رواه غير واحد عن قزعة بن سويد الباهلي، وأخرجوه في كتب المناقب، وقد جاء في بعض طرقه: ما نفعني مال كما نفعني مال أبي بكر، أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.
لكن الذهبي وأورده بطريقيه، تارة في ترجمة قزعة بن سويد، فقال: منكر، وتارة في ترجمة عمار بن هارون، فقال: هذا كذب، وقال ابن عدي: وقرعة ليس بشيء.
ومنها، ما كان لمعارضة نصوص الخلافة، كحديث عمر بن ابرهيم بن خالد، عن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس، عن ابيه عن جده. أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال العباس: يا عم إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله فاسمعوا له واطيعوا تفلحوا، أوردوه في المناقب، وجهابذة الحديث مجمعون على بطلانه، وممن صرح بذلك علامة عصره الذهبي في ترجمة ابرهيم من ميزان الاعتدال، ونص الخطيب في ترجمة عمر بن ابراهيم بن خالد من تاريخ بغداد على انه كذاب، ويروي المناكير عن الاثبات، وأورد من حديثه عن زيد بن ثابت مرفوعاً: أول من يعطى كتابه بيمينه عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: عن ابي بكر؟ تزفه الملائكة إلى الجنة.
منها، ما كان لمعارضة عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي، أنه لا يحبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق ـ الموجود في صحيح مسلم وغيره ـ كحديث عبد الرحمن بن مالك بن مغول، بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يبغضنّ أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق، أوردوه في المناقب، لكن عبد الرحمن بن مالك بن مغول هذا ترجمه الخطيب في صفحة 236 والتي بعدها من الجزء العاشر من تاريخ بغداد، فنقل ثمة عن أئمة الجرح والتعديل: أنه كذاب أفاك وضاع، لا يشك فيه أحد، وذكره الذهبي في ميزانه فنقل عنهم: أنه متروك وانه كذاب وانه يضع الحديث.
ومنها ما كان لمعارضة سيدي شباب أهل الجنة، كحديث عبد الرحمن بن مالك بن مغول الآنف
ومنا ما كان معارضاُ للعترة في حديث الثقلين المجمع على صحته، كحديث صالح بن موسى بن عبد الله بن اسحاق بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الطلحي بسنده ألى ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إني قد خلفت فيكم ثنتين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا عليً الحوض: قلت مضمون الحديث حق، لكن صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ: وسنتي باطل، ومرمى راويه تضليل، والصحيح ـ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا
كلام وقد اخرجه مسلم وغيره ـ إنما هو بلفظ: كتاب الله وعترتي أهل بيتي باعتبار أنهم عليهم السلام عيبة سنته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها كالفرقان العظيم والذكر الحكيم.
والآفة في تحريف هذا الحديث، وإنما هي ـ على رأي إخواننا الجماعيين ـ من صالح الطلحي ـ لأنه طالح بلا كلام ـ. قال يحيى: إنه ليس بشيء ولا يكتب حديثه. وقال البخاري: مكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه احد. وقال ابن اسحاق الجوزجاني: ضعيف الحديث. وقال ابو حاتم: منكر الحديث جداً عن الثقات. وأرسل الذهبي ضعفه إذ اورده في الميزان إرسال المسلمات. ونقل عن أئمة الجرح والتعديل: كل ما نقلناه عنهم من جرحه.
ولو أردنا استقصاء ما كان من الأحاديث مختلفاً لمعارضة عليّ وسائر أهل البيت لطال بنا المقام وخرجنا عن موضوع البحث، وهذا القدر كافي لما أوردناه والحمد لله.
التاسع، ما أخرجه مسلم في باب من فضائل أبي سفيان عن عكرمة بن عمار العجلي اليمامي عن سماك الحنفي عن ابن عباس: ان المسلمين كانوا لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه. فقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يانبي الله ثلاث أعطنيهن. قال: نعم.قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال: نعم. وتأمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم الحديث(1)
____________
(1) وضعه عكرمة بن عمار وجزم بذلك ابن حزم فيما نقله النوري عنه فراجع ما علقه النوري على هذا الحديث في شرحه.
ولكن بنته أم حبيبة واسمها رملة اسلمت وحسن إسلامها قبل الهجرة، وهاجرت مع المهاجرين إلى الحبشة هرباً من أبيها وقومها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض اصحابه إلى النجاشي فخطب عليه أم حبيبة فزوجه إياها واصدقها النجاشي من ماله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واربعمائة دينار، وابوها إذ ذاك ممعن في عداوة الله ورسوله، وقدم بعد ذلك على المدينة ليزيد في هدنة الحديبية، فدخل على بنته أم حبيبة، وحين أراد أن يجلس طوت الفراش دونه.
العاشر، ما اسندوه إلى ابي هريرة من طريق صحيح. قال: دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة عثمان وبيدها مشط. فقالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندي آنفاً رجّلت شعره. فقال لي: كيف تجدين ابا عبد الله ـ عثمان ـ؟. قلت: بخير. قال: اكرميه فإنه من أشبه أصحابي، بي خلقاً.
أخرجه الحاكم في أحوال رقية من الجزء الرابع من
____________
(1) وهو مما قاله الأستاذ محمد كرد علي في محاضرة القاها في مدرج الجامعة السورية واثبته في ص 416 من المجلد 16 من مجلة المجمع.
وفي صحيح البخاري ومسلم من الأسقاط أمثال هذه الأحاديث الشرة شيء كثير، ولعل هؤلاء المرجفين إذا تمادوا في ارجافهم يضطروننا إلى أن نفرد لأسقاطهم وسخافاتهم كتابا على حدة يكون فذاً في بابه.
أما الآن فانا إنما نريد تنبيه الاستاذ إلى أن المآخذ التي أخذها على كتاب ابن شهراشوب لا يسلم الصحيحان مما هوأفظع منها.
التنبه الثاني
وإذ جاء الحق وزهق الباطل والحمد لله رب العالمين فلننبّه حضرة الاستاذ إلى ما قاله عنهم جماعة من أعلام الجماعيين، والعهدة في ذلك عليهم، فمنهم الفقيه الأصولي المتكلم الفيلسوف محمد بن احمد بن رشد الاندلسي في كتابه «الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة» إذ ذكرالاشعرية وهم اصحاب الإمام أبي الحسن على بن اسماعيل بن ابي اليسر الأشعري
أنتهى بتلخيص فليراجع(1) .
____________
(1) في ص 58 من كتاب الكشف المطبوع سنة 133 هـ في المطبعة الجمالية بمصر.
وللإمام علي بن أحمد بن حزم الظاهري كلام في شنع الأشعرية أورده في عشرين صفحة أواخر الجزء الرابع من فصله تناول فيها أبا الحسن الأسعري والعلية من أصحابه كأبي بكر محمد بن الخطيب الباقلاني وسليمان بنخلف الباجي ومحمّد بن الحسن بن فورك وأبي جعفر السمناني قاضي الموصل المعاصر لابن حزم وهو أكبر أصحاب الباقللاني ومقدّم الأشاعرة في عصره فنسب اليهم من الأقوال ما هوعين الضلال، واليك بعض ما قال عن كبيرهم ابي بكر الباقلاني إذ نقل عنه القول: بأن لله خمس عشرة صفة كلها قديمة لم تزل مع الله تعالى وكلها غير الله وخلاف الله وكل واحد منهن غير الأخرى منهن وخلاف لسائرها، وإن الله تعالى غيرهن وخلافهن إلى أن قال: وقد صرح الأشعري في كتابه المعروف بالمجالس بأن مع
حتى قال ابن حزم، ولقد قلت لبعضهم: إذا قلتم إن مع الله خمس عشرة صفة كلها غير الله وكلها لم تزل مع الله فما الذي أنكرتم على النصارى إذ قالوا إن الله ثالث ثلاثة فقال لي: إنما أنكرنا عليهم إذ جعلوا معه شيئين فقط ولم يجعلوا معه أكثر(1)
وقال ابن حزم: قالوا كلهم إنه حامل لصفاته في ذاته. قلت: هذا ما نقله ابن رشد عنهم وذكر أن هذا يستلزم أن يكون جوهراً وعرضاً لأن الجوهرى هو القائم بذاته والعرض وهو القائم بغيره.
والمؤلّف من جوهر وعرض جسم بحكم الضرورة.
قال ابن حزم: وقالوا كلهم إن القرآن لم ينزل به جبرائيل على قلب محمد وإنما نزل عليه شيء آخر
____________
(1) هذا كله موجد في ص 207 من الجزء 4 من الفصل.
قال ابن حزم: ولقد اخبرني علي بن حمزة المراوي الصقلي الصوفي أنه رأى بعض الأشعرية يبطح المصحف برجله!. قال: فأكبرت ذلك فقلت له: ويحك هكذا تصنع بالمصحف وفيه كلام الله تعالى؟ فقال لي: ويلك والله ما فيه إلا السخام والسواد وأما كلام الله فلا! (قال) وكتب إليّ أبو المرحي ابن رزوار المصري أن بعض ثقات اهل مصر من
____________
(1) تجد هذا في ص 211 من الجزء 4
قال ابن حزم: غلاة المرجئة طائفتان إحداهما قائلة بأن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله وليّ الله في الجنة!! (قال): وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه (قال): والطائفة الثانية القائلة إن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أولزم اليهودية أو النصرانية في دار الاسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان!! عند الله، ولي لله من أهل الجنة؟ (قال): وهذا قول ابي محرزجهم
____________
(1) تجد كل ذلك في ص 212 من الجزء 4.
الاعذار في الأنذار
6
إن الأستاذ محمد كرد علي ـ رئيس المجمع العلمي العربي بدشق ـ اغتر بأناة الشيعة الامامية، إذ لم تأبه بهفواته في حقها، ولم تحاسبه على شيء من افتئآتاته عليها، شأن (الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالو سلاما) من كل كبير في نفسه، رفيع في مصعده، ذي خلق وادع، وبال واسع، ولب رخيّ، وذرع فسيح، فظن أنهم مبتذلو
لكنهم كرهوا إيقاظ الفتنة الراقدة، وإيقاد الحرب الخامدة، وقد أيقظ هذه الفتنة، وأوقد هذه الحرب العوان الفكرية خصمهم ببهتانه وعدوانه:
(ضراراً وكفراً بين وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون)
وقد كان للأستاذ سلف تزلف لبني أمية بمثل هذه الأراجيف، فسخر له بنو أمية كل ما لديهم من حول وطول
والشيعة كانوا إزاء ذلك كله كالجبل الأشم لا يحفل بالعواصف، والبحر الخضم لا يابه بلفحات الهجير، هذا والعصر ظلم وظلمات، والحياة مهددة بالممات. أما اليوم فنور وحرية يأبيان ذلك كل الإباء، وما على الأمامية لو جابهت النواصب بحقيقتها الناصعة، فأثبتتها بحججها القاطعة، ولعل النواصب يضطروننا إلى هذا فيثيروا بذلك عواناً من المعارك الفكرية، التي لا تحمد عقباها لكن:
وقد أعذر من أنذر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
صور جبل عامل
عبد الحسين شرف الدّين الموسوي