الصفحة 263

(تذييل)
من العلامة الزنجاني


وجدنا في كتاب (فرج المهموم في معرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم) (1) للسيد الجليل العالم الزاهد الورع رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد المشهور بابن الطاوس (2) الحلي رضي الله عنه المتوفى سنة 664 هـ فصلا منقولا عن كتاب (أوائل المقالات) لا يوجد في النسخ التي عندنا من الكتاب يتعلق بالقول في أحكام النجوم فنورده هيهنا وهذا هو عين لفظه:

فصل فيما نذكره من كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه وهو الذي انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه، وذلك فيما رويناه عنه في كتاب المقالات من أن يكون الله أعلم بالنجوم بعض أنبيائه وجعله علما على صدقه من بعض المعجزات فقال ما هذا لفظه:

____________

(1) طبع هذا الكتاب بالنجف الأشرف في المطبعة الحيدرية سنة 1368 هـ چرندابي.

(2) وقال السيد العلامة الأجل ميرزا محمد باقر الخوانساري (المتوفى سنة 1313 هـ في كتابه المعروف (روضات الجنات - ص 392 ط 1 إيران) عند كلامه على ترجمة السيد علي بن طاوس: (ينتهي نسبه من جهة الأب إلى السيد الأجل أبي عبد الله محمد بن إسحاق... وكان ذلك السيد الأجل يلقب بالطاوس من جهة حسن وجهه وخشونة رجليه). ونعم ما قال الشاعر الفارسي الكبير الطائر الصيت سعدي الشيرازي (المتوفى سنة 691 هـ) بالفارسية:

طاوس را بنقش ونگارى كه هست خلق
تحسين كنند أو خجل از پاى زشت خويش

چرندابي.


الصفحة 264
وأقول: إن الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها ولا موت خلقها الله لينتفع بها عباده وجعلها زينة لسماواته وآية من آياته كما قال سبحانه: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) (سورة يونس: 5) وكما قال تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمت البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون) (سورة الأنعام: 97) وكما قال عز وجل: (وعلمت وبالنجم هم يهتدون) (سورة النحل: 16) وكما قال تبارك اسمه: (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) (سورة فصلت: 12). فأما الأحكام على الكائنات بدلالتها والكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه غير أنا لا نقطع عليه ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية، فأما مما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة، وقد يختلف أحيانا ويخطي المعتمد عليه كثيرا، ولا تصح إصابته فيه أبدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا أخبار الرسول (ص)، وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نوبخت - رحمهم الله - من الإمامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة، انتهى (1).

وقد أشار إلى ذلك في موضع آخر فقال: وقد قدمنا نحن فصلا منفردا حكينا فيه كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله جل جلاله عليه في كتابه المسمى كتاب (أوائل المقالات) إلى آخر ما ذكره (2).

____________

(1) فرج المهموم - ص 37 - 38 ط النجف.

(2) فرج المهموم - ص 74 ط النجف. چ


الصفحة 265

(استدراكات)
(من الواعظ الچرندابي)


ص 37: وما أحدثه واصل بن عطاء...

راجع ترجمة واصل بن عطاء الغزال، وعمرو بن عبيد بن باب وشيئا من أخبارهما في (أمالي السيد المرتضى - ص 113 - 118 ج 1 ط مصر). واقرأ شيئا من ترجمة وأخبار الحسن البصري في (الأمالي - ص 106 - 113 ج 1 ط مصر). وانظر أيضا (فوات الوفيات - ص 317 ج 2 ط 2 مصر) لابن شاكر الكتبي المتوفى سنة 764 هـ.

ص 49: اتفقت الإمامية على أن أنبياء الله عز وجل ورسله

أفضل من الملائكة.

قال الشيخ الطبرسي - ره - في (المجمع - ص 81 ج 1 ط صيدا): جعل أصحابنا رضي الله عنهم هذه الآية: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس) الآية، دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة من حيث إنه أمرهم بالسجود لآدم وذلك يقتضي تعظيمه وتفضيله عليهم وإذا كان المفضول لا يجوز تقديمه على الفاضل علمنا أنه أفضل من الملائكة.

ص 63: وهو مذهب النظام.

قال المحدث الجليل القمي في كتابه (الكنى والألقاب - ص 211 ج 3 ط صيدا): النظام أبو إسحق إبراهيم بن سيار بن هاني البصري ابن أخت أبي الهذيل

الصفحة 266
العلاف شيخ المعتزلة، وكان النظام صاحب المعرفة بالكلام أحد رؤساء المعتزلة أستاذ الجاحظ وأحمد بن الخالط، كان في أيام هارون الرشيد وقد ذكر جملة من كلماته وعقائده في كتاب الحسنية المعروف وإياه عني أبو نواس بقوله:


فقل لمن يدعي في العلم فلسفةحفظت شيئا وغابت عنك أشياء

وراجع (تكملة الفهرست لابن النديم - ص 2 من طبعة مصر 1348 هـ)، و (أمالي السيد المرتضى - ص 132 و... ج 1 ط مصر) أيضا.

هذا وقد ألف العلامة الجليل محمد عبد الهادي أبو ريدة الأستاذ بكلية جامعة فؤاد الأول، رسالة في آراء النظام الكلامية الفلسفية للحصول على درجة الماجستير في الآداب من الجامعة المصرية وسماها ب (إبراهيم بن سيار النظام) وقدمها في آخر عام 1938 م، وقال في ديباجتها: وقد اعتمدت فيه على كل ما استطعت الوصول إليه من مراجع مطبوعة أو مخطوطة في مصر وفي بعض بلدان أوروبا، كما أني جعلته مستوفيا لأبحاث المستشرقين الأوروبيين في الموضوع. وطبعت الرسالة سنة 1365 هـ - 1946 م بالقاهرة.

ومما هو جدير بالذكر أن الأستاذ الأنف الذكر قال في رسالته النفيسة (إبراهيم ابن سيار النظام - ص 33): (وذهبت طائفة إلى إعجازه (أي القرآن) بالصرفة بمعنى أن الله صرفهم عن معارضته والاتيان بمثله، قبل التحدي مع قدرتهم على ذلك، واختلف هؤلاء في وجه الصرفة، فذهب الأستاذ أبو إسحق من الأشاعرة والنظام من المعتزلة إلى أن الله صرفهم بأن صرف دواعيهم إلى المعارضة مع توفر الأسباب الداعية إلى المعارضة، خصوصا بعد التحدي والتبكيت بالعجز وقال الشريف المرتضى من الشيعة: إن الله صرفهم بأن سلبهم العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة).

وقال العلامة الإمام السيد هبة الدين الشهرستاني الشهير في رسالته القيمة (المعجزة الخالدة - ص 92 - 93 ط 1 بغداد): ولولا نسبة هذا الرأي (يعني الصرفة) إلى علامتنا الشريف المرتضى علي بن أحمد المتوفى سنة 436 هـ لما صرفنا الوقت الثمين في نقله واجتثاث أصله غير أن الشريف طاب ثراه معروف بقوة الجدل والتحول في حوار

الصفحة 267
المناظرين إلى هنا وهناك فلا نعلم أنه هل بقي ثابتا على هذه النظرية كعقيدة راسخة أو تحول؟ نعم جنح أناس إلى القول للاعجاز لسبب منعة إلهية ولصرف الصرفة، وأرادوا من الصرفة أن الله سبحانه كما قد يلهم العباد أحيانا كذلك يصرف الهمم والأفكار عن أن يباري القرآن أحد وهذا مذهب أعوج وأعرج، أو كما قيل حرفة عاجز وحجة كسول، لا يليق إسناده إلى علمائنا الفحول لأن الله عز شأنه فياض عدل ذو رأفة وفضل، وهو أرفع شأنا من أن يأمر الإنس والجن أن يباروا القرآن ويرضى منهم بمباراة بعضه لو تعذر عليهم كله ثم يعترض سبيلهم ويصرف منهم القوة والهمة ويمنعهم من أن يأتوا بما أراد منهم، الظاهر من ظواهر الآيات أن القرآن في ذاته متعال بميزاته حائز أرقي الميزات وأبلغ المعجزات وينبغي أن يكون كذلك إن أريد مدحه وفضله، أما لو حصرنا وجه الاعجاز في نقطة الصرفة فيتم حتى مع كونه كلاما مبذولا مرذولا للغاية.

ولما أنجز الكلام إلى هذا المقام لا بأس بأن ننقل هيهنا المسألة 34 من المسائل العكبرية مع جواب الشيخ المفيد - ره - عنها بنصهما الحرفي، فنقول: قال السائل: قد ثبت أن الله عدل لا يجور وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها وهو عالم بأن العرب لا تأتي بمثل القرآن ولا تقدر عليه فلم كلفهم أن يأتوا بعشر سور مثله؟ (في سورة هود: 13) أو بسورة من مثله؟ (في سورة البقرة: 23 - وسورة يونس: 38) وكذلك إن كانوا عليه قادرين لكنهم كانوا منه ممنوعين فالسؤال واحد.

والجواب: إن قوله تعالى: فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) ليس بأمر لهم وإلزام وندبة وترغيب لكنه تحد وتعجيز ألا ترى إلى قوله عز وجل: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) (سورة هود: 13) يريد به تعالى أنه لو كان القرآن من كلام بشر قد افتراه لكان مقدورا لغيره من البشر فامتحنوا أنفسكم فإذا عجزتم عن افتراء مثله فقد علمتم بطلان دعواكم على محمد (ص) الافتراء للقرآن، ومن لم يفهم فرق ما بين التحدي والتقريع والتعجيز والأمر والتكليف والالزام كان في عداد البهائم وذوي الآفات الغامرة للعقول من الناس وكذلك قوله تعالى: (فأتوا بسورة من مثله) ليس بأمر وإلزام لكنه تهديد (تحد خ) وتعجيز ألا ترى قوله تعالى: (وإن

الصفحة 268
كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) الآية (سورة البقرة: 23 - 24) فتحداهم وبين أنهم يعجزون عن ذلك ولا يتيسر (يتهيأ خ) لهم أبدا ومثل (ومثال خ) ما ذكرناه في هذا الباب أن يقول أمي لكاتب محسن: إنني قادر على كل ما تقدر عليه فيقول الكاتب: لست قادرا على ذلك ولا يتيسر ما (مما خ) يتأتى مني والدليل على ذلك أنني أكتب كتابا حسنا فإن كنت تحسن منه ما أحسن فاكتب مثله أو بعضه.

وكقول المنجم للشاعر: ليس يمكنك من النظم إلا ما يمكنني مثله، فينظم قصيدة فيتحداه بنظم مثلها فإذا عجز عن ذلك أعلمه بعجزه بطلان دعواه مماثلته في الشعر.

ولم تزل العرب يتحدى بعضها بعضا بالشعر ويعجز بعضها بعضا، وكذلك كل ذي صناعة يتحدى بعضهم بعضا على وجه التقريع والتعجيز ولا يكون تحديهم أمرا ولا الزاما، ومن خفي عنه القول في هذا الباب وعرضت له من الشبهة فيه ما عرضت لصاحب السؤال ولا سيما بعد التنبيه عليه كان بعيدا من العلم وناقصا عن رتبة الفهم والله المستعان.

انظر مقال (مذهب الصرفة بين القائلين به والمنكرين له) أيضا في العدد الأول من السنة الرابعة من مجلة (رسالة الاسلام - ص 59 - 72) الجليلة التي تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة.

ص 208: على تفصيل معروف في محله من الكتب.

انظر (أصول علم الهيئة ط بيروت 1874 م) و (النقش في الحجر ج 6 ط بيروت 1888 م) لمؤلفهما الدكتور كرنيليوس فانديك الأمركاني (1818 - 1895 م) و (مبادئ علم الهيئة ط بيروت 1875 م) لمؤلفته اليزا أفرت. و (بسائط علم الفلك ط مصر 1923 م) للدكتور يعقوب صروف (1852 - 1927 م) و (فتوحات العلم الحديث - ص 51 بلوطي السيار التاسع ط مصر 1934 م) لمؤلفه الأستاذ فؤاد صروف، رئيس تحرير مجلة (المقتطف) تلك المجلة الراقية التي تعد بحق شيخ المجلات العربية. وكان قد أنشا المأسوف عليه الدكتور يعقوب صروف مجلة (المقتطف) الغراء سنة 1876 م في

الصفحة 269
بيروت. مع زميله وشريكه مدى حياته الدكتور فارس نمر - رجل الفضل الذي اخترمته المنية هذا العام (1371 هـ) عن عمر ذرف على التسعين - وفي سنة 1885 م كانا قد انتقلا بها إلى مصر معقل الأحرار وملجئهم ولا تزال تصدر المجلة هناك بانتظام وقد صدر منها لهذا العام 118 مجلدا.

وراجع أيضا كتاب (علم الفلك - تاريخه عند العرب في القرون الوسطى - ص 249 و... ط روما 1911 م) لمؤلفه المحقق المستشرق السنيور كرلو نلينو الإيطالي (1) (1872 - 1938 م).

ص 133: إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه.

ومن قال إنه كان من الملائكة قال إن المعنى: كان من الذين يستترون عن الأبصار، مأخوذ من الجن وهو الستر. انظر (المجمع - ص 475 ج 3 ط صيدا).

____________

(1) اقرأ أيها القارئ الكريم ترجمة ذلك المستشرق الكبير الضافية في كتاب (التراث اليوناني - 320 - 330 ط مصر) لمؤلفه الأستاذ عبد الرحمن بدوي.


الصفحة 270

الصفحة 271

تعليقات على
أوائل المقالات


للشيخ إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني




الصفحة 272

الصفحة 273

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فهذه تعاليق مختصرة علقتها على كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد رضوان الله عليه توضيحا لبعض عباراته ومقاصده.

(1) قوله في المقدمة: (والفرق ما بينهم من بعد وما بين الإمامية فيما اتفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول).

أقول: الضمير في قوله (بينهم) راجع إلى المعتزلة، وفي (فيما اتفقوا) راجع إلى الإمامية، وفي (خلافهم) راجع إلى المعتزلة.

وحاصل المعنى إني مثبت في هذا الكتاب... الفرق ما بين المعتزلة - من بعد ما أشرنا إليه من اتفاقهم مع الشيعة في أصول العدل - وبين الإمامية فيما اتفقوا عليه أعني المسائل المتفرعة عن العدل وما بينهما من الخلاف في نفس ما اتفقوا عليه من المسائل التي هي من أصول المسائل الاعتقادية لا من فروعها.

وبعبارة أوضح: ربما يتوهم من اشتراك الشيعة والمعتزلة في مسألة العدل

الصفحة 274
أو غيرها أنه ليس بينهما خلاف أصلا، أو أنه على فرض وجود الخلاف فهو في المسائل الفرعية.

ولكني أبين أولا أن نفس هذه المسائل التي يتوهم اشتراكهما فيه، محل للنزاع بينهما وأن العدل الذي تقول به الشيعة غير ما تقول به المعتزلة، وكذلك ساير المشتركات. وثانيا هناك مسائل خلافية كثيرة بين الشيعة والمعتزلة كلها من المسائل الأصولية الاعتقادية، لا من المسائل الفرعية.

(2) قوله: (والقول في اللطيف من الكلام)

خلاصة ما ذكره العلامة الزنجاني هنا: إن الليف من الكلام في علم الكلام بمنزلة الأمور العامة والإلهيات بالمعنى الأعم في الفلسفة، وهي وإن لم تكن من المسائل الكلامية ابتداء ولكنها منها مقدمة، لتوقف المسائل الكلامية عليها، ثم إن اللطيف من الكلام في مقابل الجليل من الكلام الذي هو بمنزلة الإلهيات بالمعنى الأخص في الفلسفة، ويطلق على المسائل الاعتقادية الأصلية، وقد أشار إليه في آخر الكتاب بعد البحث عن معنى العصمة عقيب البحث عن لطيف الكلام بقوله (وهذا الباب ينبغي أن يضاف إلى الكلام في الجليل إن شاء الله).

أقول: عدد اللطيف من الكلام سبعة وثلاثون مسألة كما مر في المقدمة.

(3) قوله (وما كان وفاقا لبني نوبخت رحمهم الله الخ).

لو قسمنا متكلمي الشيعة إلى ثلث طبقات بأن تكون الطبقة الأولى المتكلمون من أصحاب الأئمة (ع) مثل هشام بن الحكم وزرارة ويونس بن

الصفحة 275
عبد الرحمن وغيرهم.

فالطبقة الذين برزوا في أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى هم المتكلمون من بني نوبخت الذين كانوا حملة علم أصول الذين، والمدافعين عن مذهب الشيعة، ما يقرب من قرن من أسوء القرون، وأكثرها اضطرابا وشبها و اصعبها من جهة الدفاع عن الحقيقة، خصوصا مع مقارنة تصديهم لهذا المنصب مع غيبة إمامهم، وانقطاع صلتهم بمنبع الفيض الإلهي ظاهرا، وإن كانوا مؤيدين من عنده باطنا.

هذا هو الذي سبب إفراطهم في الاحتجاجات العقلية، وبعدهم أحيانا عن الأدلة النقلية، إما لعدم اطلاعهم عليها أو لعلم اعتنائهم بها لعدم حجيته عندهم أو عند خصومهم أو كونها مؤولة على خلاف ظاهرها في نظرهم.

وهذه الخصوصية في علم الكلام عند النوبختيين وإن كانت لازمة أو مضطرا إليها في زمنهم، ولكنها حيث أنها خارجة عن حد الاعتدال الذي هو من خصوصيات علم الكلام الشيعي الذي هو بين طريقة القشريين وأهل التقليد وريقة المعتزلة والفلاسفة، ولهذا كان من الواجب كفاية بل عينا على مثل الشيخ المفيد قدس سره أن يقوم بعدهم ويرجع الكلام الشيعي عن الافراط في العقليات إلى الوسط، ولازمه وقوع بعض المناقشات بينه وبين بني نوبخت برد بعض آرائهم أحيانا، وقبول أصل آرائهم مع تبديل استدلالاتهم العقلية إلى الأدلة النقلية أحيانا أخرى، ورد بعض توجيهاتهم للأدلة النقلية وتأويلاتهم لها إلى ما يخالف ظاهرها ثالثه، ولكن كل ذلك مع كمال الاحترام لآرائهم و التجليل لمقامهم.

ولهذا قلما يذكر مسألة لا يتعرض لآرائهم.


الصفحة 276

(4) قوله في القول 1: (فيما نسبت به إلى التشيع والمعتزلة فيما استحقت به اسم الاعتزال).

أقول: يمكن أن يذكر الفرق بين الشيعة والمعتزلة من جهة العادات و الرسوم الاجتماعية والقوانين العرفية التي تلتزم بها لكونها أهل بلد كذا وزمان كذا وقبيلة كذا أو سائر الجهات التي لا ترتبط بعقيدة الفريقين مستقيما وإن أمكن ارتباطها بها بالواسطة وهذا النوع من البحث هو الذي أخرجه المصنف بقوله (فيما نسبت به الخ،) وأراد تخصيص البحث بما يرجع إلى نفس المسائل التي تعتقده الشيعي لكونه شيعيا، والمعتزلي لكونه معتزليا.

(5) قوله في القول 1 (على وجه التدين الخ)

لا كاتباع الرعية للملوك ورؤساء الجمهورية ورئيس القبيلة أو غيرهم من أرباب السلطات السياسية والاجتماعية، وإن كانت الجهات المذكورة أيضا ثابتة له وكانت من حقوقه، وهذا هو الفارق الأصلي بين الإمامة عند الشيعة وبينها عند غيرهم فإن الإمام عند الشيعة كما قال إمامنا أمير المؤمنين (ع): الإمام كالكعبة يؤتى ولا يأتي وقد عمل بما قال وجلس في بيته وأسرع الآخرون إلى السقيفة، لأن الإمامة التي تدرك بالسقيفة لم يكن (ع) من أهلها لأنها سلطنة وملك، والإمامة التي كان من أهلها لم تكن لتفوته لأنها من عند الله (تعالى).

(6) قوله في القول 1 (وإن كانوا أتباعا لأئمة هدى عند أهل الخلاف الخ)

الظرف في قوله عند أهل الخلاف متعلق بكلمة أئمة أو بكلمة هدى و

الصفحة 277
هو الأصح، يعني إن كونهم أئمة أو كونهم أئمة هدى يختص بالمخالفين فقط لا عندنا فإنهم أئمة ضلال على عقيدة الشيعة.

(7) قوله (وقد أفردنا له مسألة الخ).

حمل العلامة الزنجاني هذه العبارة على إن الرسالة في معنى الاسلام و اختصاص هذه اللفظة بأمة محمد (ص) وذكره في عداد كتب الشيخ في المقدمة.

والأظهر عندي أن الرسالة المشار إليها في بيان معنى التشيع واختصاصه بالامامية والزيدية الجارودية وذلك لأن غرضه الأصلي في هذا المقام بيان معنى الشيعة عرفا واصطلاحا لا معنى الاسلام أو غيره مما ذكره هنا فإنها جميعا ذكرت بعنوان الشاهد والدليل على أصل المدعى وهو اختصاص معنى التشيع بمن ذكره، ويؤيد ما ذكرناه، فصله بين ما ذكر في الاسلام وبين ذكر هذه الرسالة بقوله وهذه الجملة الخ ما ذكره فإنه بمنزلة الرجوع إلى أصل المطلب و المدعى وهو اختصاص التشيع بمن ذكرناه.

(8) قوله (والزيدية الجارودية الخ).

الزيدية فرقتان فتارة يقال بترية وغير بترية وقد يقال جارودية وغير جارودية أما الجارودية أو غير البترية من فرق الزيدية فتشترك مع الإمامية فيما نقله الشيخ ميزانا للتشيع وهو قوله (... والاعتقاد لإمامته (ع) بعد الرسول (ص) بلا فصل، ونفى الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة...) ثم أوضحه في القول الرابع بقوله (... واتفقت الإمامية وكثير من الزيدية على إن المتقدمين على

الصفحة 278
أمير المؤمنين ضلال فاسقون، فإنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين (ع) عن مقام رسول الله (ص) عصاة ظالمون وفي النار بظلمهم مخلدون...) ومراده بكثير من الزيدية، الجارودية أو غير البترية منهم مطلقا فإنهم كما قال القاضي في المغني في طائفة منهم: (ولكنهم يكفرون أبا بكر وعمر والجارودية يفسقونهما...) المغني 2 / ج 20 ص 185 ويذكر القاضي أيضا... (إن الزيدية لا يخالفون في النص على علي (ع) بدلالة الأخبار المنقولة...) وقال الأشعري في مقالات الاسلاميين ج 1 ص 133: (والزيدية ست فرق: فمنهم الجارودية... يزعمون أن النبي (ص) نص على علي بن أبي طالب ... وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول (ص)...) ثم يذكر السليمانية والبترية فيقول: (والفرقة الخامسة من الزيدية يتبرؤن من أبي بكر و عمر ولا ينكرون رجعة الأموات...) وقال العلامة الحميري في الحور العين ص 187 عن زيد بن علي (ع) (... فلما قبض رسول الله (ص) كان على من بعده إماما للمسلمين في حلالهم وحرامهم... الخ).

وقال أيضا في ص 154 إن الشيعة كلهم من زيدية وغيرهم اتفقوا على (إن عليا كان أولى الناس بمقام رسول الله وأحقهم بالإمامة والقيام بأمر أمته) ثم صرح بهذا في ذكر كل فرقة من فرق الزيدية الثلث وهم البترية والجريرية و الجارودية وذكر في ضمن عقائد الجارودية: (وإن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره). ثم يقول: (وليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية...).

والظاهر أن بقية فرق الزيدية انقرضت ولم يبق منهم إلا الجارودية، نعم الزيدية موجودون إلى زماننا في اليمن وبعد هجوم الرئيس المصري عبد الناصر

الصفحة 279
عليها وتغيير حكومتها استولى على اليمن الجنوبي السلطة المصرية وعلى اليمن الشمالي السلطة الوهابية، ولهذا لا يتظاهرون بالبراءة من الخلفاء علنا مع كونهم جميعا من الزيدية الجارودية.

كما إن جميع الزيدية حتى البترية منهم يرون عليا أفضل الناس بعد رسول الله (ص) وأولاهم بالإمامة لكن البترية ترى أن عليا حيث غض النظر عن حقه صارت بيعة أبي بكر صحيحة راجع الحور العين ص 155.

(9) قوله في القول 1 (وكان هشام بن الحكم شيعيا وإن خالف الشيعة كافة في أسماء الله (تعالى) وما ذهب إليه في معاني الصفات).

أقول: كلمة (إن) الشرطية في قوله (وإن خالف) بمعنى لو الامتناعية، يعني ولو فرضنا فرضا باطلا إنه خالف الشيعة. وتأتي (إن) في مورد الامتناع كثيرا، ومنها قوله (تعالى) لئن أشركت ليحبطن عملك وقوله (تعالى) ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جائك من العلم.

ويدل عليه ما ذكره المفيد ره في موارد متعددة من كتبه، من جملتها ما ذكره في هذا الكتاب في القول 20 في بحث علمه (تعالى) هكذا: (... ولسنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم في خلافه وعندنا أنه تخرص منهم عليه وغلط ممن قلدهم فيه فحكاه من الشيعة عنه... وكلامه في أصول الإمامة ومسائل الامتحان يدل على ضد ما حكاه الخصوم عنه...) وقال سيدنا الخوئي في ترجمته في معجم رجال الحديث ج 19 ص 273:

(وعده المفيد في رسالته العددية من الأعلام الرؤساء المأخوذين عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم

الصفحة 280
واحد منهم).

والظاهر إن حاله أوضح من أن يشك فيه بسبب منقولات أو أخبار لا أصل لها مثل الشك في سلمان وأبي ذر وكميل ومالك الأشتر أو أمثال هؤلاء من أصحاب المعصومين فراجع لتفصيل ذلك رجال المامقاني وما كتبه السيد المحقق الجلالي في مجلة تراثنا العدد 19، السنة الثانية.

(10) قوله في القول 2: (وساقها إلى الرضا علي بن موسى (ع)).

أقول: لا خلاف بين المتكلمين في أن اصطلاح (الإمامية) لا يطلق إلا على القائلين بإمامة الأئمة الاثنا عشر فيتحد معناها مع (الاثنا عشرية)، ويدل عليه من كلام الشيخ المفيد قده ما يأتي في القول الثالث من قوله: (واتفقت الإمامية على إن الأئمة بعد الرسول اثنا عشر إماما...). وحينئذ فلماذا لم يقل (وساقها إلى الإمام الثاني عشر) بل قال (وساقها إلى الرضا علي ابن موسى (ع))؟

الظاهر أنه قده كان في مقام تمييز الإمامية عن بقية فرق الشيعة بالتركيز على نفس مورد الاختلاف، وحيث أن آخر الفرق التي افترقت عن الإمامية هي الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر (ع)، وأنكروا إمامة علي بن موسى (ع)، كان ذكره (ع) - مضافا إلى إفادته ما يفيده ذكر الإمام الثاني عشر في المقام - تحديدا على آخر من ينتهى إليه افتراق الفرق المنحرفة للشيعة، وإشارة إلى عدم حدوث فرقة أخرى يعتد بها بعد الواقفة.

وأما ما ذكر المتكلمون ومنهم النوبختي من الفرق الحادثة في زمن العسكريين (ع) فمضافا إلى ما ذكرنا في محله - من عدم ثبوت أصل وجود أكثرها، وعدم كون بعضها مذهبا وفرقة بل كلاما صدر من أحد فعدها بعضهم

الصفحة 281
فرقة وتبعه غيره - لم تتكون هذه الفرق بحيث تبقى، بل انقرضت وماتت حين الولادة.

(11) قوله في القول 2: (لأنه وإن كان في الأصل علما على من دان من الأصول بما ذكرناه دون التخصيص لمن قال في الأعيان بما وصفنا...).

أقول: الضمير في (لأنه) راجع إلى الوصف بالإمامية والمراد (بما ذكرناه) وجوب الإمامة ووجودها في كل زمان والعصمة والكمال والمراد بقوله (في الأعيان) أشخاص الأئمة الاثنا عشر على التعيين.

وحاصل المعنى: إن الوصف بالإمامية بمقتضى التفسير اللفظي مع قطع النظر عن الظهور العرفي والاصطلاحي كان مقتضاه إطلاقه على كل من اعتقد في الإمام الشرائط والأوصاف المذكورة، ولكنه صار من جهة العرف و الاصطلاح علما على من اعتقد بالأوصاف المذكورة في خصوص الأئمة الاثنا عشر دون غيرهم.

(12) قوله في القول 2 (لاستحقاق فرق من معتقديه ألقابا بأحاديث لهم بأقاويل أحدثواها...).

الظاهر أن كلمة (بأحاديث) تصحيف (بأحداث) وعلى التقديرين فالمعنى المراد بها البدع والآراء الشاذة التي تحدث فيما بين الشيعة ولا تصل إلى حد الخروج عن التشيع ولكنها تخرجهم عن التسمية بالامامية.

فالمعنى: إنما خصصنا الإمامية بمن ذكرناه، لأن بعض معتقديه أحدثوا بدعا وأقوالا خرجوا بسببها عن استحقاق لقب الإمامية، إلى استحقاق ألقاب

الصفحة 282
أخرى مثل الواقفية والفطحية ونحوهما، فغلبت عليهم هذه الألقاب دون لقب الإمامية.

(13) قوله في القول 3 (وجوزوا أن يكون الأئمة عصاة في الباطن)

راجع شرح المواقف ج 8 ص 301 ومقالات الاسلاميين ج 2 ص 125.

(14) قوله (البترية)

الظاهر كما مر في القول الأول أنه لا توجد فرقة من الزيدية تنكر النص الخفي على أمير المؤمنين وكونه أولى بالخلافة من غيره، غاية الأمر البترية تدعي أن تسليمه (ع) حقه لأبي بكر تصحح خلافته والباقون لا يقولون به. راجع الحور العين ص 155 فإن مؤلفه من البترية.

(15) قوله في القول 3 (وجوزوا خلو الأزمان)

راجع مقالات الاسلاميين للأشعري ج 2 ص 134 - والمغني للقاضي ج 20 الجزء الأول ص 17 إلى ص 45 وشرح المواقف ص 345.

(16) قوله في القول 3 (من جهة البرهان الجلي والسمع المرضي والقياس العقلي...)

راجع من جهة القياس العقلي والبرهان الجلي إلى كتبه قده في الإمامة منها الافصاح في الإمامة والشافي للسيد المرتضى وتلخيصه للشيخ الطوسي و كتب العلامة وغيرها.


الصفحة 283
ومن جملة الأدلة العقلية: إن الأوصاف التي يستحق بها الإمامة مجمع عليه في أمير المؤمنين (ع) ومختلف فيه في غيره فإن أحدا من الفرق الإسلامية لا يختلف في علمه بخلاف غيره فإنه لا يوجد أحد منهم يكون علمه متفقا عليه بين جميع الفرق من الشيعة والسنة والخوارج وأهل الحديث والمعتزلة.

وكذلك الزهد والشجاعة والعقل والسبق إلى الاسلام وغيرها فإنك لا تجد أحدا يكون موردا للاتفاق من قبل جميع الفرق الإسلامية من دون شك و ريب في جميع هذه الصفات غيره.

وكذلك النصوص من القرآن والحديث لم يرد في حق أحد ما يكون متفقا عليه بين الشيعة والسنة وجميع الفرق مثل ما ورد فيه عليه السلام.

وكذلك الإجماع على الإمامة، نعم إن أريد به إجماع فرقة خاصة واتباع شخص خاص فكل حزب بما لديهم فرحون وكلهم يدعون الإجماع على معتقداتهم، وأما إجماع جميع المسلمين من سني أشعري أو معتزلي أو ظاهري أو خارجي أو شيعي إمامي أو زيدي أو غير ذلك فلم يحصل في حق أحد إلا في حقه عليه السلام أما بقية المسلمين غير الخوارج فواضح، وأما الخوارج فهم يعتقدون صحة إمامته إلى زمان تحكيم الحكمين وينكرونها بعده، فيدخلون في الإجماع أيضا.

وكل ما ذكرناه في أمير المؤمنين (ع) موجود في بقية الأئمة الاثنا عشر، و ذلك فإن كون الأئمة (ع) وأوصياء النبي (ص) اثنا عشر من الأمور الثابتة عن النبي (ص) بالتواتر وقد أورد أكثرها سيدنا الأستاذ النجفي المرعشي في ذيل المجلد الثالث عشر من إحقاق الحق، وغيره في غيره.

وإذا ثبت أن أوصياء النبي أو الأئمة اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل

الصفحة 284
فهذا العدد يستقيم على عقيدة الشيعة، وأما أهل السنة فقد تكلفوا كثيرا في تطبيق هذه الروايات على الخلفاء فما تمكنوا من تطبيقها تطبيقا صحيحا، مضافا إلى أن كثيرا من هذه الروايات يصرح بأسماء الأوصياء. منها ما رواه الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله (ص)... إلى أن قال (ص) إن وصيي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين، قال يا محمد فسمهم، قال إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه علي فإذا مضى علي فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر.

(17)

في القول 5 نقل العلامة الچرندابي عبارة عن المفيد في كتاب الجمل تحتاج إلى توضيح فنقول قال الشيخ المفيد في الافصاح ص 68 طبعة مكتبة المفيد: قد كان بعض متكلمي المعتزلة رام الطعن في هذا الكلام بأن قال: قد ثبت أن القوم الذين فرض الله (تعالى) قتالهم بدعوة من أخبر عنه، كفار خارجون عن ملة الاسلام، بدلالة فوله (تعالى) (تقاتلونهم أو يسلمون) فأهل البصرة والشام و النهروان فيما زعم لم يكونوا كفارا بل كانوا من أهل ملة الاسلام... على أنه يقال للمعتزلة والمرجئة والحشوية جميعا: لم أنكرتم إكفار محاربي أمير المؤمنين؟ وقد فارقوا إطاعة الإمام العادل وأنكرواها وردوا فرائض الله (تعالى) عليه وجحدوها واستحلوا دماء المؤمنين وسفكوها، وعادوا أولياء الله المتقين في طاعته، ووالوا أعدائه الفجرة الفاسقين في معصيته، وأنتم قد أكفرتم مانعي أبي بكر الزكاة، و

الصفحة 285
قطعتم بخروجهم عن ملة الاسلام، ومن سميناهم قد شاركهم في منع أمير المؤمنين الزكاة وأضافوا إليه من كبائر الذنوب ما عددناه.

... ومما يدل على كفر محاربي أمير المؤمنين (ع) علمنا بإظهارهم التدين بحربه والاستحلال لدمه ودماء المؤمنين من ولده وعترته وأصحابه، وقد ثبت أن استحلال دماء المؤمنين أعظم عند الله من استحلال جرعة خمر لتعاظم المستحق عليه من العقاب بالاتفاق، وإذا كانت الأمة مجمعة على إكفار مستحل الخمر وإن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فوجب القطع على كفر مستحلي دماء المؤمنين لأنه أكبر من ذلك وأعظم... ويدل أيضا على ذلك ما تواترت به الأخبار من قول النبي (ص) لعلي (ع) حربك يا علي حربي وسلمك سلمي... وإذا كان حكم حربه كحكم حرب الرسول (ص) وجب إكفار محاربيه كما يجب إكفار محاربي رسول الله (ص).

أقول: إن كفر الناصب من ضروريات مذهب الشيعة وقد صرح به المفيد قده في المقنعة وغيره، ولم يخالف فيه فقيه واحد أصلا، وأي نصب أعظم من المحاربة والمقاتلة واستحلال دمه ولعنه وسبه.

والتحقيق أن المفيد قده أعظم شأنا من أن يغفل عن مثل هذا الأمر الواضح إذ لا خلاف في كفر الناصبي ونجاسته، كما أنه لا إشكال في كون من يحاربه ويقاتله من مصاديق الناصبي بل من انصب النواصب.

فما الذي أراد بقوله في كتاب الجمل (ولم يخرجواهم بذلك عن حكم ملة الاسلام...) لما نقرء كتاب الجمل وكذا كتاب الإفصاح وغيره، نرى هناك شبهة اعترضت في مسألة أهل الجمل وهو إنه (ع) عمل معهم معاملة أهل البغي لا الكفار من جهة أنه (ع) ما سبى ذريتهم ولا أخذ أموالهم، ولا أجهز على