الصفحة 36
من الأحوال، لما يعرف من مذاهب شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، في العباس وأبي بكر، وتقدمه في ذلك المقام، ونفي الإمامة عنه على كل حال، ومذهب شيعة أمير المؤمنين عليه السلام في ما تدعيه الراوندية(1) من إمامة العباس وأنها لم تصح له في حال، ولم يكن دليل من كتاب ولا سنة، ولا اعتبار على إمامة المتقدم فينوب ذلك مناب الاجماع، ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان إماما في تلك الحال ومستقبلها إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته على ما وصفناه، وإلا خرج الحق عن الاجماع(2)، وبطل قول كافة الأمة فيما شهدوا به من وجود الإمام(3) وثبوت الإمامة له على القطع والثبات، وذلك فاسد بالنظر الصحيح والاجماع.

والجواب عن السؤال الثاني: أن الدلائل قد قامت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينطق عن الهوى، ولا فعل في شرعة شيئا ولا قال إلا بوحي(4) يوحى، وقد علمنا أن الوحي من الله جل اسمه العالم بالسر وأخفى، وأنه جل اسمه لا يحابي خلقه، ولا يبخس أحدا منهم حقه.

فلولا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان الأفضل عنده جل اسمه لما فرض على نبيه صلى الله عليه وآله التفضيل له على الكافة، والتنويه بفضله من بين

____________

(1) الراوندية: هم شيعة ولد العباس بن عبد المطلب، قالوا: إن أحق الناس بالإمامة بعد الرسول صلى الله عليه وآله العباس بن عبد المطلب لأنه عمه ووارثه وعصبته. " المقالات والفرق:

180، فرق الشيعة: 46 ".

(2) (عن الاجماع) ليس في أ.

(3) في أ: الإمامة.

(4) في أ: شيئا وقال إن هو إلا وحي، وفي ب، م: شيئا إلا بوحي.


الصفحة 37
الجماعة، والاقرار له من التعظيم بما لم يشركه فيه غيره، لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان محابيا له وباخسا لغيره حقه، أو غير عالم بحقيقة الأمر في مستحقه، وذلك كله محال، فثبت أن الفضل الذي بان به أمير المؤمنين عليه السلام في الظاهر من الجماعة بأفعال الرسول صلى الله عليه وآله وأقواله، أدل دليل على فضله في الحقيقة، وعند الله سبحانه على ما ذكرناه.

والجواب عن السؤال الثالث: ما قدمناه في فساد نبوة المفضول على الفاضل، ومشاركة الإمامة للنبوة في معنى التقدم والرفعة والرئاسة وفرض الطاعة، وبما يفسد به علو المفضول على الفاضل في الثواب، ودلالة التعظيم الديني على منزلة المعظم في استحقاق الجزاء بالأعمال، وثبوت علو تعظيم الإمام على الرعية في شرعية الإسلام، وفي كل ملة، وعند أهل كل نحلة وكتاب.

والجواب عن السؤال الرابع: أنا لا نعلم بكريا ولا عثمانيا ولا خارجيا دفع إجماع المختلفين على تسليم ما رويناه من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وعددناه، وكيف ينكرون رواية ذلك وهم أنفسهم قد رووه، ونقوله عن أسلافهم وتقبلوه، وأعملوا أفكارهم في الاستخراج بوجوهه وتأولوه؟! وليس خلافهم للشيعة فيما تعلقوا به من معانيه خلافا في صحة سنده والتسليم لرواته، كما أن اختلاف المسلمين في تأويل القرآن لا يوجب إنكارهم للتنزيل.

ومن دفع ما وصفناه من هذه الحال وجب رده إلى أصحاب

الصفحة 38
الحديث ممن سميناه، وإن كان الموجود في أصولهم - من نقلهم(1) - شاهدا عليهم بما ذكرناه، على أننا لا ننكر أن يدفع المتفق عليه واحد من أهل النظر أو اثنان، أو ألف من العامة أو ألفان، لكنه لا يكون ذلك باتفاق الحجة قادحا فيما انعقد به الاجماع، لوجود أمثاله فيما نعتناه.

وإنما مدار الأمر على اصطلاح(2) معظم العلماء، واجتماع المختلفين على التسليم عند السلامة من العصبية، وحال السكون عن المماراة(3) والمجادلة، ونقل المتضادين في الآراء والاعتقادات مع العداوة في أصل الديانات والمناصبة، ولولا أن الأمر كذلك لما ثبت إجماع(4) على شئ من شريعة الإسلام، لوجود المختلفين فيها على كل حال.

وها هنا منصفة بيننا وبين أهل الخلاف، وهي أن يذكروا شيئا من فرائض الشريعة وواجبات الأحكام، أو مدائح قوم من الصحابة، أو تفضيلا لهم على غيرهم من الأنام، ممن يلجؤون في صحته إلى الاجماع، فإن لم نوجدهم خلاف فيه، من أمثال المنكرين لما عددناه من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وإلا فقد ظهرت الحجة لهم فيما ادعوه، وهيهات.

فإن قال قائل(5): فإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام هو الإمام بعد

____________

(1) في أ، ح: نقله. والمراد ظاهرا الحديث.

(2) يقال اصطلح القوم: زال ما بينهم من خلاف واتفقوا. " المعجم الوسيط 1: 520 ".

(3) المماراة: الجدال والنزاع. " الصحاح - مرا 6: 2491 ".

(4) في ب، م: إجماع في.

(5) (قائل) ليس في ب، ح، م.


الصفحة 39
النبي صلى الله عليه وآله دون سائر الناس، فعلى أي وجه تقدم عليه أبو بكر وعمر وعثمان، وادعوا الإمامة دونه، وأظهروا أنهم أحق بها على كل حال؟

قيل له: لقد كان ذلك على وجه الدفع له عليه السلام عن حقه، والخلاف عليه في مستحقه، وليس ذلك بمستحيل ممن ارتفعت عنه العصمة، وإن كان في ظاهر الأمر على أحسن الصفات.

فإن قال: فكيف يجوز ذلك ممن سميناه، وهم وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والمهاجرين والسابقين إلى الإسلام؟

قيل له: أما وجوه الصحابة ورؤساء المهاجرين وأعيان السابقين إلى الإيمان بواضح الدليل وبين البرهان فهو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أخو رسول الله صلى الله عليه وآله ووزيره وناصره ووصيه وسيد الأوصياء، وعم رسول الله صلى الله عليه وآله حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء رضوان الله عليهم، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب الطيار مع الملائكة في الجنان رضي الله عنه، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه، الذين سبقوا من سميت إلى الإيمان، وخرجوا في مواساة النبي صلى الله عليه وآله عن الديار والأوطان، وأثنى الله عليهم في محكم القرآن، وأبلوا دون أصحابه(1) في الجهاد وبارزوا الأقران، وكافحوا الشجعان، وقتلوا الأبطال، وأقاموا عمود الدين وشيدوا الإسلام.

____________

(1) في أ: أصحابك.


الصفحة 40
ثم الطبقة التي تليهم، كخباب(1) وعمار وأبي ذر والمقداد وزيد بن حارثة، ونظرائهم في الاجتهاد وحسن الأثر والبلاء والاخلاص لله ولرسوله صلى الله عليه وآله في السر والاعلان.

وبعد: فلو سلمنا لك دعواك لمن ادعيت الفضل لهم على ما تمنيت، لم يمنع مما ذكرناه، لأنه لا يوجب لهم العصمة من الضلال، ولا يرفع عنهم جواز الغلط والسهو والنسيان، ولا يحيل منهم تعمد العناد.

وقد رأيت ما صنع شركاؤهم في الصحبة والهجرة والسبق إلى الإسلام حين رجع الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام باختيار الجمهور منهم والاجتماع(2)، فنكث بيعته طلحة والزبير، وقد كانا بايعاه على الطوع والإيثار، وطلحة نظير أبي بكر، والزبير أجل منهما على كل حال، وفارقه سعد بن أبي وقاص وهو أقدم إسلاما من أبي بكر، وأشرف منه في النسب، وأكرم منه في الحسب، وأحسن آثارا من الثلاثة في الجهاد.

وتبعه على فراقه وخذلانه محمد بن مسلمة وهو من رؤساء الأنصار، واقتفى آثارهم في ذلك وزاد عليها بإظهار سبه(3) والبراءة منه حسان، فلو كانت الصحبة مانعة من الضلال لمنعت من ذكرناه ومعاوية

____________

(1) خباب بن الأرت التميمي، صحابي، من نجباء السابقين، شهد المشاهد كلها، ونزل الكوفة فمات سنة (37) هـ. " سير أعلام النبلاء 2: 323 / 62. حلية الأولياء 1: 359، الإصابة 2: 101 / 2206، رجال الشيخ الطوسي: 19 / 3.

(2) (والاجتماع) ليس في ب، م.

(3) في ب، ح، م: وزاد عليهم في سبه.


الصفحة 41
ابن أبي سفيان وأبا(1) موسى الأشعري، وله من الصحبة والسبق ما لا يجهل، وقد علمتم عداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام، وإظهارهم البراءة منه، والقنوت عليه(2)، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأميره على أبي بكر وعمر وعثمان.

ولو كانت الصحبة أيضا مانعة من الخطأ في الدين والآثام لكانت مانعة لمالك بن نويرة، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله على الصدقات، ومن تبعه من وجوه المسلمين(3) من الردة عن الإسلام.

ولكانت صحبة السامري لموسى بن عمران عليهما السلام وعظم محله منه ومنزلته، تمنعه من الضلال باتخاذ العجل والشرك بالله عز وجل، ولاستحال أيضا على أصحاب موسى نبي الله عليه السلام، وهم ستمائة ألف إنسان، وقد شاهدوا الآيات والمعجزات، وعرفوا الحجج والبينات، أن يجتمعوا على خلاف نبيهم وهو حي بين أظهرهم، وباينوا خليفته وهو يدعوهم ويعظهم ويحذرهم من الخلاف، وينذرهم فلا يصغون إلى شئ من قوله، ويعكفون على عبادة العجل من دون الله عز وجل.

ولكان أيضا أصحاب عيسى عليه السلام معصومين من الردة، ولم يكونوا كذلك، بل فارقوا أمره، وغيروا شرعه، وادعوا عليه أنه كان يأمرهم بعبادته، واتخاذه إلها مع الله تعالى تعمدا للكفر والضلال، وإقداما على العناد من غير شبهة ولا سهو ولا نسيان.

____________

(1) نصبت عطفا على الاسم الموصول (من).

(2) في ب، م: حتى دعوا عليه في قنوت الصلاة.

(3) في أ: المؤمنين.


الصفحة 42
فإن قال: فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه، وكان القوم قد دفعوا حقا لأمير المؤمنين عليه السلام كما وصفتموه، فلم أقرهم(1) على ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، واتبعهم عليه الأنصار والمهاجرون، وما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يجاهدهم كما جاهد الناكثين والقاسطين والمارقين؟

قيل له: لم يقرهم على ذلك جميع المسلمين، ولا تبعهم عليه سائر الأنصار والمهاجرين، وإن كان الراضي بذلك منهم الجمهور، والمؤثر في العدد هم الأكثرون، وليس ذلك علامة على الصواب، بل هو في إلا غلب دليل على الضلال، وقد نطق بذلك القرآن، قال الله تعالى: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين }(2).

وقال تعالى { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون }(3).

وقال تعالى: { وأن أكثركم فاسقون }(4).

وقال تعالى: { وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات }(5).

وقال تعالى: { وما آمن معه إلا قليل }(6) في آيات يطول بإثباتها الكتاب.

____________

(1) في ب: أمرهم (2) سورة يوسف 12: 103.

(3) سورة يوسف 12: 106.

(4) سورة المائدة 5: 59.

(5) سورة ص 38: 24.

(6) سورة هود 11: 40.


الصفحة 43
على أن هذا القول، وإن كان حجة فيما ذكرناه، فالوجود شاهد به لصحته على ما وصفناه، ألا ترى أن أكثر الخلق على مرور الأيام والأوقات(1) عصاة لله تعالى، والقليل منهم مطيعون له على الاخلاص، والجمهور الأكثر منهم جهال على كل حال، والعلماء قليل يحصرهم العدد بلا ارتياب، وأهل التصون(2) والمروءة من بين الخلق أفراد، وأهل المناقب في الدين والدنيا آحاد، فيعلم بذلك أن الأكثر لا معتبر بهم في صحيح الأحكام.

وبعد: فإنه لم يتمكن قط متملك(3) إلا وكان حال الخلق معه حالهم مع أبي بكر وعمر وعثمان، وهذه عادة جارية إلى وقتنا هذا وإلى آخر الزمان، ألا ترى إلى اجتماع الأمة(4) على متاركة(5) معاوية بن أبي سفيان حين ظهر أمره عند مهادنة الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.

وسكوت الكافة عنه وهو يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر، ويقنت عليه في الصلوات، ويضرب رقاب المسلمين على الولاية له، ويجيز على البراءة منه بالأموال.

وكذلك كانت حالهم مع يزيد لعنه الله، وقد قتل الحسين بن

____________

(1) في أ: على مرور الأزمات، وفي ح، م: على مرور الأوقات.

(2) التصون: حفظ النفس من المعائب " أقرب الموارد - صون - 1: 671 ".

(3) في ب، م: ملك.

(4) (الأمة) ليس في ب.

(5) المتاركة: المسالمة، والمصالحة. " أقرب الموارد - ترك - 1: 76 "، وفي ب، ح، م: مشاركة.


الصفحة 44
علي عليه السلام ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وحبيبه وقرة عينه ظلما وعدوانا، وسبي أهله ونساءه وذراريه(1)، وهتكهم بين الملأ، وسيرهم على الأقتاب في الفلوات، واستباح حرم رسول الله صلى الله عليه وآله في وقعة الحرة(2)، وسفك دماء أهل الإيمان، وأظهر الردة عن الإسلام، فلم يجاهره أحد من الأمة بنكيرة، وأطبقوا على إظهار التسليم له والائتمام به، والاتباع له والانقياد.

ولم يزل الأمر يجري في الأمة(3) بعد يزيد لعنه الله مع الجبارين من بني أمية ومروان على ما وصفناه، وكذلك كانت صورتهم على عهد آدم عليه السلام وإلى وقت من سميناه، ومن بعدهم إلى الآن، وإنما ينظر الناس إلى من حصل له الاتفاق في الرئاسة والسلطان، وينقادون له كما ذكرناه، ويجتنبون خلافه على ما بيناه، سواء كان من الله أو من الشيطان، أو كان عادلا في الرعية أو كان ظالما من الفجار.

بل قد وجدنا الجمهور في كثير الأحوال يتحيزون(4) عن أولياء

____________

(1) في أ: وذريته.

(2) وقعة الحرة: حدثت في أيام يزيد بن معاوية في سنة (63 ه)، وكان أمير الجيش فيها مسلم بن عقبة، وسموه لقبيح صنيعه مسرفا، حيث قدم المدينة ونزل (حرة وأقم) - شرق المدينة - فخرج أهل المدينة لمحاربته فكسرهم، وقتل من الموالي ثلاثة آلاف وخمسمائة رجل، ومن الأنصار ألفا وأربعمائة، وقيل ألفا وسبعمائة، ومن قريش ألفا وثلاثمائة، ودخل جنده المدينة فنهبوا الأموال وسبوا الذرية واستباحوا الفروج، وأحضروا أعيان المدينة لمبايعة يزيد بن معاوية، " مروج الذهب 3: 69 والكامل في التاريخ 3: 63 ".

(3) (يجري في الأمة) ليس في ب.

(4) في ب، م: يحترزون، وتحيز عنه: تنحى.


الصفحة 45
الله تعالى، ويخالفون أنبياءه، ويسفكون في العناد لهم الدماء، ويطبقون على طاعة أعداء الله عز وجل، ويسلمون لهم على الطوع والإيثار، وربما اتفق للظالم المتغلب والناقص الغبي الجاهل من الجماعة الرضا به والاتباع، فانقادت الأمور له على منيته فيها والمحاب، واختلفت(1) على العادل المستحق الكامل الحكيم العالم(2)، واضطربت عليه الأمور، وكثرت له المعارضات، وحصلت في ولايته الفتن والمنازعات، والخصومات والمدافعات(3).

وقد عرف أهل العلم ما جرى على كثير من أنبياء الله صلى الله عليه وآله من الأذى والتكذيب، والرد لدعواهم، والاستخفاف بحقوقهم، والانصراف عن إجابتهم، والاجتماع على خلافهم، والاستحلال لدمائهم.

فأخبر الله تعالى بذلك فيما قص به(4) من نبأهم في القرآن، فكان من الأتباع للفراعنة والنماردة وملوك الفرس والروم على الضلال، ما لا يحيل(5) على ذي عقل ممن سمع الكتاب، ليعلم بما شرحناه أنه لا معتبر في الحق بالاجتماع، ولا معتمد في الباطل على الاختلاف، وإنما مدار

____________

(1) في أ، ب، ح: واختلف.

(2) (العالم) ليس في ب، ح، م.

(3) في م: المرافعات.

(4) في أ: بهم.

(5) في أ: لا يحل.


الصفحة 46
الأمر في هذين البابين على الحجج والبينات، لما وصفناه من وجود الاجتماع على الظلال، والاختلاف والتباين في الهدى، والصواب بما بيناه، ولا سبيل إلى دفعه إلا بالعناد.

فصل


فأما قوله: فلم لا يجاهدهم أمير المؤمنين عليه السلام كما جاهد الناكثين والقاسطين والمارقين؟ فقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام فيما تظاهر عنه من الأخبار، فكان من(1) الجواب حيث يقول: " أما والله، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر(2)، وما أخذ الله على العلماء(3) أن لا يقاروا على كظة(4) ظالم، ولا سغب(5) مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها "(6).

فدل على أنه عليه السلام إنما ترك جهاد الأولين لعدم الأنصار، وجاهد الآخرين لوجود الأعوان، وكان ذلك هو الصلاح الشامل على معلوم الله تعالى وشرائط حكمته في التدبيرات.

____________

(1) في ب، ح، م: هو.

(2) في أ، ح: لولا حضور الناصر، ولزوم الحجة.

(3) في أ، ح: على أولياء الأمر.

(4) الكظة: شئ يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام، والمراد استئثار الظالم بالحقوق.

" الصحاح - كظظ - 3: 1178 ".

(5) السغب: الجوع، والمراد منه هضم حقوق المظلوم. " الصحاح - سغب 1: 147 ".

(6) نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية: 31.


الصفحة 47
فإن قال: أفليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " ما كان الله ليجمع أمتي على ضلال "(1) فكيف يصح اجتماع الأمة على دفع المستحق عن حقه والرضا بخلاف الصواب، وذلك ضلال بلا اختلاف؟

قيل له: أول ما في هذا الباب أن الرواية لما ذكرت غير معلومة عن النبي صلى الله عليه وآله، وإنما جاءت بها الأخبار على اختلاف من المعاني والألفاظ، وقد دفع صحتها جماعة من رؤساء أهل النظر والاعتبار، وأنكرها إمام المعتزلة وشيخها إبراهيم بن سيار النظام(2) وبعد: فلو ثبت ما ضرنا فيما وصفناه، لأنا لا نحكم بإجماع أمة الإسلام على الرضا بما صنعه المتقدمون على أمير المؤمنين عليه السلام فكيف نحكم بذلك ونحن نعلم يقينا - كالاضطرار - خلاف الأنصار في عقد الإمامة على المهاجرين، وإنكار بني هاشم وأتباعهم على الجميع في تفردهم بالأمر دون أمير المؤمنين عليه السلام، وقد جاءت الأخبار مستفيضة بأقاويل جماعة من وجوه(3) الصحابة في إنكار ما جرى، وتظلم أمير المؤمنين عليه السلام من ذلك(4) برفع الصوت والإجهار؟!

____________

(1) أنظر الرد على هذا الحديث في الاحتجاج: 115، الخصال 2: 549 / 30.

ومن مصادره سنن الترمذي 4: 466 / 2167، مسند أحمد 5: 145، سنن الدارمي 1:

29.

(2) أنظر ترجمته في: " تاريخ بغداد 6: 97 / 3131، سير أعلام النبلاء 10: 541 / 172، لسان الميزان 1: 67 / 173، الكنى والألقاب 3: 253 ".

(3) (وجوه) ليس في ب، م.

(4) (من ذلك) ليس في ب.


الصفحة 48
وكان من قول العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله ما قد عرفه الناس، ومن أبي سفيان بن حرب والزبير بن العوام أيضا ما لا يخفى على من سمع الأخبار، وكذلك من عمار بن ياسر وسلمان وأبي ذر والمقداد وبريدة الأسلمي وخالد بن سعيد بن العاص في جماعات يطول بذكرها الكلام.

وهذا يبطل ما ظنه الخصم من اعتقاد(1) الاجماع على إمامة المتقدم(2) على أمير المؤمنين عليه السلام على أنه لا شبهة تعرض في إجماع(3) الأمة على أبي بكر وعمر وعثمان إلا وهي عارضة في قتل عثمان بن عفان، وإمامة معاوية من بعد صلح الحسن عليه السلام، وطاعة يزيد بعد الحرة، وإمامة بني أمية وبني مروان.

فإن وجب(4) لذلك القطع بالإجماع على الثلاثة المذكورين حتى تثبت إمامتهم ويقضى لهم بالصواب ليكون جميع من ذكرناه شركاءهم في الإمامة، وثبوت الرئاسة الدينية والسلطان، إذ العلة واحدة فيما أوجب لهم ذلك، فهو ظاهر التسليم والانقياد على الاجتماع، وترك النكير والخلاف، وهذا ما يأباه أهل العلم كافة، ولا يذهب إليه أحد من أهل التمييز لتناقضه في الاعتقاد.

____________

(1) في أ: اعتقادنا.

(2) في ب: من تقدم.

(3) في ب، م: في التعرض على إجماع.

(4) (وجب) ليس في ب.


الصفحة 49
فإن قال: أليس قد روى أصحاب الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " خير القرون القرن الذي أنا فيه، ثم الذين يلونه(1) "(2).

وقال عليه السلام: " إن الله تعالى اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "(3).

وقال عليه السلام: " أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم "(4) فكيف يصح مع هذه الأحاديث أن يقترف(5) أصحابه السيئات، أو يقيموا على الذنوب والكبائر الموبقات؟!

قيل له: هذه أحاديث آحاد، وهي مضطربة الطرق والإسناد، والخلل ظاهر في معانيها والفساد، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الاجماع ولا يقابل(6) حجج الله تعالى وبيناته الواضحات(7)، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الإسناد، ورواها الثقات

____________

(1) في ب: ثم الذي يليه.

(2) مسند أحمد 2: 228، سنن أبي داود 4: 214 / 4657، صحيح مسلم 4: 1962 / 210، وفيها: خير أمتي القرن..

(3) مسند أحمد 1: 80 و 2: 295، صحيح مسلم 4: 1941 / 161، صحيح البخاري 6:

363 / 383، سنن الدارمي 2: 313.

(4) لسان الميزان 2: 137، تفسير البحر المحيط 5: 528، أعلام الموقعين 2: 223، كنز العمال 1: 199 / 1002، كشف الخفاء ومزيل الالباس 1 / 132.

وانظر تلخيص الشافي 2: 246.

(5) في م: يعترف.

(6) في أ: يعترض الإجماعات ولا قايل، في ب: تعترض الإجماعات ولا تقابل.

(7) في أ: وموضحاته.


الصفحة 50
عند أصحاب الآثار، وأطبق على نقلها الفريقان من الشيعة والناصبة على الاتفاق، ما ضمن خلاف ما انطوت(1) عليه فأبطلها على البيان:

فمنها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في حجر ضب لاتبعتموهم ". فقالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: " فمن إذن؟! "(2).

وقال صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه: " أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة(3) شر من الأولى "(4).

وقال صلى الله عليه وآله في حجة الوداع لأصحابه: " ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إني قد شهدت وغبتم "(5).

وقال عليه السلام لأصحابه أيضا: " إنكم محشورون إلى الله تعالى يوم

____________

(1) في أ: انطق.

(2) مسند أحمد 2: 511، سنن ابن ماجة 2: 1322 / 3994، صحيح البخاري 4:

326 / 249.

(3) في ب: آخره.

(4) مسند أحمد 3: 489، مجمع الزوائد 9: 24، سنن ابن ماجة 2: 1310 / 3961.

(5) الجامع الصحيح للترمذي 4: 461 / 2159 و 486 / 2193، صحيح البخاري 7: 182 و 8: 285 / 14 و 9: 90 / 27، صحيح مسلم 3: 1305 / 29 - 31، سنن أبي داود 4:

221 / 4686 قطعة منه، مسند أحمد 1: 230، سنن النسائي 7: 127 قطعة منه، سنن الدارمي 2: 69 قطعة منه.


الصفحة 51
القيامة حفاة عراة، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم "(1).

وقال عليه السلام " أيها الناس، بينا أنا على الحوض إذ مر بكم زمرا، فتفرق بكم الطرق، فأناديكم: ألا هلموا إلى الطريق، فيناديني مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك، فأقول: ألا سحقا، ألا سحقا "(2).

وقال عليه السلام: " ما بال أقوام يقولون: إن رحم(3) رسول الله صلى الله عليه وآله لا تنفع يوم القيامة، بلى - والله - إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإني - أيها الناس - فرطكم على الحوض، فإذا جئتم، قال الرجل منكم:

يا رسول الله أنا فلان بن فلان، وقال الآخر: أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقري "(4).

وقال عليه السلام وقد ذكر عنده الدجال: " أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال "(5).

____________

(1) صحيح البخاري 6: 108، صحيح مسلم 4: 2194 / 58، الجامع الصحيح للترمذي 4:

615 / 2423، سنن النسائي 4: 117.

(2) مسند أحمد 6: 297.

(3) (إن رحم) ليس في ب، ح، م.

(4) مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه.

(5) كنز العمال 14: 322 / 28812.


الصفحة 52
وقال عليه السلام " إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني "(1).

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلى برهان، على أن كتاب الله عز وجل شاهد بما ذكرناه، ولو لم يأت حديث فيه لكفى في بيان ما وصفناه:

قال الله سبحانه وتعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين }(2)، فأخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيه صلى الله عليه وآله على القطع والثبات.

وقال جل اسمه: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب }(3) فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين، وأعلمهم أنها تشملهم على العموم، إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب.

وقال سبحانه وتعالى: { ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين * أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون }(4) وهذا صريح في الخبر عن

____________

(1) مسند أحمد 6: 307.

(2) سورة آل عمران 3: 144.

(3) سورة الأنفال 8: 25.

(4) سورة العنكبوت 29: 1 - 4.


الصفحة 53
فتنتهم بعد النبي صلى الله عليه وآله بالاختبار، وتمييزهم بالأعمال.

وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }(1) إلى آخر الآية، دليل على ما ذكرناه.

وقوله تعالى: { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم }(2) يزيد ما شرحناه.

ولو ذهبنا إلى استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن، والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله، لانتشر القول فيه، وطال به الكتاب.

وفي قول أنس بن مالك -: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة، فأضاء منها كل شئ، فلما مات عليه السلام أظلم منها كل شئ، وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وآله الأيدي ونحن في دفنه حتى أنكرنا قلوبنا(3) - شاهد عدل على القوم بما بيناه.

مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حكايته، وأثبتنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب، ولا يكتسبون السيئات، هم الذين حصروا عثمان ابن عفان، وشهدوا عليه بالردة عن الإسلام، وخلعوه عن إمامة الأنام،

____________

(1) سورة المائدة 5: 54.

(2) سورة محمد صلى الله عليه وآله 47: 29.

(3) الجامع الصحيح للترمذي 5: 588 / 3618، مسند أحمد بن حنبل 3: 221 / 268، سنن ابن ماجة 1: 522 / 1631.


الصفحة 54
وسفكوا دمه على استحلال، وهم الذين نكثوا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد العهود والإيمان، وحاربوه بالبصرة، وسفكوا دماء أهل الإسلام، وهم القاسطون بالشام، ومنهم رؤساء المارقة عن الدين والإيمان، ومن قبل منع جمهورهم الزكاة حتى غزاهم إمام عدل عندكم(1)، وسبي ذراريهم، وحكم عليهم بالردة والكفر والضلال.

فإن زعمت أنهم(2) فيما قصصناه من أمرهم(3) على الصواب، فكفاك خزيا بهذا المقال، وإن حكمت عليهم أو على بعضهم(4) بالخطأ وارتكاب الآثام بطلت أحاديثك، ونقضت ما بينته(5) من الاعتلال(6).

ويقال له أيضا: وهؤلاء الصحابة الذين رويت ما رويت فيهم من الأخبار، وغرك منهم التسمية لهم بصحبة النبي صلى الله عليه وآله، وكان أكابرهم وأفاضلهم أهل بدر، الذين زعمت أن الله قطع لهم المغفرة والرضوان، هم الذي نطق القرآن بكراهتهم للجهاد، ومجادلتهم للنبي صلى الله عليه وآله في تركه، وضنهم بأنفسهم من نصره، ورغبتهم في الدنيا، وزهدهم في الثواب، فقال جل اسمه: { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى

____________

(1) (عندكم) ليس في ب، م.

(2) في أ، ح: أن جميعهم.

(3) في أ: أمورهم.

(4) (أو على بعضهم) ليس في ب، م.

(5) في أ: بنيته.

(6) في أ: الاعتدال.


الصفحة 55
الموت وهم ينظرون * وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون }(1).

ثم زجرهم الله تعالى عن شقاق نبيهم صلى الله عليه وآله، لما علم من خبث نياتهم وأمرهم بالطاعة والاخلاص، وضرب لهم فيما أنبأ به من بواطن(2) أخبارهم وسرائرهم الأمثال، وحذرهم من الفتنة بارتكابهم قبائح الأعمال، وعدد عليهم نعمه ليشكروه ويطيعوه فيما دعاهم إليه من الأعمال، وأنذرهم العقاب من الخيانة لله جلت عظمته، ولرسوله صلى الله عليه وآله، فقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون * يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون * واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب * واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم

____________

(1) سورة الأنفال 8: 5 - 8، وفي م زيادة: نفاقهم.

(2) في أ: مواطن.


الصفحة 56
تشكرون * يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم }(1).

ومن قبيل هذا ما أكده عليهم من فرض الصبر في الجهاد، وتوعدهم بالغضب على الهزيمة، لما علم من ضعف بصائرهم، فلم يلتفتوا إلى وعيده، وأسلموا نبيه صلى الله عليه وآله إلى عدوه في مقام بعد مقام.

فقال سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون }(2).

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير }(3).

هذا وقد أخبر جل اسمه عن عامة من حضر بدرا من القوم، ومحبتهم للحياة، وخوفهم من الممات، وحضورهم ذلك المكان طمعا في الغنائم والأموال، وأنهم لم يكن لهم نية في نصرة الإسلام. فقال تعالى:

{ إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وإن الله

____________

(1) سورة الأنفال 8: 20 - 28.

(2) سورة الأنفال 8: 45.

(3) سورة الأنفال 8: 15، 16.