الصفحة 4

قال تعالى : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} .

سورة الصافات ، الآية : 26 .

قال ابن حجر الشافعي : أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : " وقفوهم إنهم مسؤولون " عن ولاية علي (عليه السلام) .

( الصواعق : 229 الآية الرابعة من الفصل الأول ) .

وفي الأمالي للشيخ المفيد عليه الرحمة ، قال أبو هارون العبدي : سمعت أبي سعيد الخدري يقول : أُمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة ، فقال له رجل : يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها ؟ قال : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، وصوم شهر رمضان ، قال : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال الرجل : وإنها المفترضة معهن ؟ قال أبو سعيد : نعم ورب الكعبة !

( الأمالي ، الشيخ المفيد : 139 ح3 ، خطط الشام ، محمد كرد علي : 6/245 ) .


الصفحة 5

الإهداء


إليك يا أبا الفضل ، يا من أسس الفضل والإبا

إليك يامن قلت مدافعا عن العقيدة وأنت في الرمق الأخير :


إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين

إليك يا معلم الأجيال الدفاع عن المعتقد بكل غال ونفيس

أهدي هذا الكتاب المتواضع راجيا القبول والشفاعة .

{يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَة مُّزْجَاة فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} .


سورة يوسف ، الآية : 88 .                                          


الصفحة 6


الصفحة 7

مقدمّة الكتاب

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ، وبعد :

فإن من نعم الله تعالى عليَّ ـ وله الحمد والشكر ـ أن قمت بإعداد وجمع وتحقيق جملة كثيرة من المناظرات التي دارت بين الشيعة الإمامية والسنة في باب الإمامة وغيرها من المسائل الخلافية التي بيننا وبينهم ، فتشكَّل من ذلك إلى الآن أربعة أجزاء وسمَّيتها بالمناظرات ، وكان أول أجزائها ( مناظرات في الإمامة )(1) وقد طبع في عام 1415 هـ ، وفي هذا العام 1427 هـ ـ ولله الحمد ـ قمت بإعداد الجزء الرابع وهو في الإمامة أيضاً ، فأصبحت هذه الموسوعة تضمُّ أفخر المناظرات وأجودها .

ثم رأيت من الفائدة أن أفرز من هذه الموسوعة كتاباً مستقلا في مناظرات بعض المستبصرين الذين شاء الله لهم الهداية ، فأخذوا بمنهج أهل البيت(عليهم السلام) ، لا يهمُّهم عذل العذَّال وغمزهم ولمزهم ماداموا على الحقّ ، ولا يبالون وإن قلاهم بعض أصدقائهم وأهاليهم ، بعد أن أنار الله قلوبهم بالهداية ، فنشطت جوارحهم وأعضاؤهم ، فنذروا أنفسهم للدفاع عن المذهب الحق بقلوبهم وأيديهم

____________

1- وقد كان الابتداء في تأليفه في عام 1412 هـ .


الصفحة 8

وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء .


وإذا حلَّت الهداية قلباً نشطت للعبادة الأعضاء

ومما لا شك فيه أن الدفاع عن أهل البيت(عليهم السلام) وظلاماتهم طاعة مقربة لله تعالى ، ومحاورات المستبصرين ومناظراتهم هذه التي ضمها هذا الكتاب تنبئ عن تلكم العقيدة الراسخة في قلوبهم ، وولائهم الصادق للعترة صلوات الله وسلامه عليهم ، وشغفهم في الدفاع عن إمامة أهل البيت(عليهم السلام)بقلوبهم وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء ومن حذى حذوهم في نشر علوم أهل البيت(عليهم السلام)وتعريف الناس بظلاماتهم .

روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن الإمام جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السلام)قال : من أعاننا بلسانه على عدونا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عزّوجلّ .

وعن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) إنه قال : من أحبنا بقلبه ونصرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة التي نحن فيها ، ومن أحبنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجة ، ومن أحبنا بقلبه وكف بيده ولسانه فهو في الجنة(1) .

وإليك في هذا الكتاب جملة من مناظرات هؤلاء المستبصرين ، والتي تنم عن قناعة واستبصار ، وذلك من خلال ما رأوه من الأدلة المقنعة من الكتاب والسنة ، والتي تأخذ بالأعناق في لزوم الإعتقاد بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبنائه المعصومين(عليهم السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد أوضحوا في بعض هذه المناظرات كيفية استبصارهم ، والأسباب التي دعتهم للأخذ بمنهج أهل البيت(عليهم السلام) وما عانوه من المتاعب والصعاب في سبيل ذلك .

____________

1- الأمالي ، الشيخ المفيد : 33 ح7 .


الصفحة 9

وبحق إنها مناظرات قيمة تستحق القراءة والوقوف على كثير من مضامينها فقد حوت الكثير من الأدلة الساطعة ، والبراهين القوية ، والحقائق التأريخية ، ببيان قوي ، وأسلوب علمي رصين في إثبات إمامة أهل البيت(عليهم السلام) مما يجعلك تشعر أن من وراء ذلك التآييد الإلهي لهؤلاء الذين عرفوا الحقّ فاتبعوه ، فسددهم الله تعالى وأيدهم ، فأسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيديهم لما فيه الخير والصلاح ، وأن يوفقنا وإياهم لنصرة الدين الحنيف ، وترويج علوم آل محمّد (عليهم السلام)وفضائلهم الشريفة إنَّه سميع الدعاء ، إنه نعم المولى ونعم النصير ، والحمد لله رب العالمين .

عبد الله الحسن

قم المقدسة في يوم الخميس 15 / شوال 1427 هـ


الصفحة 10


الصفحة 11

كلمة لابدَّ منها

قال تعالى : {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}(1) وقال تعالى : {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ}(2)فلقد ندب القرآن إلى التزود بالعلم والمعرفة ، وإلى استماع القول والأخذ بأحسنه ، وأن لا يستنكف العبد من التعلم والتفهم حتى يصل إلى الحقيقة التي هي ضالة كل مؤمن يأخذها أنى وجدها ، فلا ينبغي للإنسان أن يحجب عن نفسه العلم والمعرفة ، ويعيش في ظلمة الجهل ، ويبتني على عقائد الآباء ولو كانت باطلة ، فلابد أن يُحكِّم العقل قبل كل شيء فالله تعالى بالعقل يثيب وبه يعاقب ، ولقد ذم القرآن الكريم أُناسا عطلوا عقولهم ، وصموا أسماعهم عن الحق ، قال تعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(3) .

قال الشيخ الراوندي عليه الرحمة : قال الحسن بن علي (عليهما السلام) : عجبت لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله فيجنب بطنه ما يؤذيه ويودع صدره ما

____________

1- سورة طه ، الآية : 114 .

2- سورة الزمر ، الآية : 17 ـ 18 .

3- سورة الأنعام ، الآية : 179 .


الصفحة 12

يرديه(1) .

فمن الأجدار بالعاقل أن يتجنب التقليد الأعمى ، وعليه بالتفكر ، ويتفهم تلكم الأدلة الكثيرة في الكتاب والسنة والتأريخ ، وكلها دلائل تنص على لزوم الأخذ بمنهج أهل البيت(عليهم السلام) وأنهم خلفاء الله تعالى في أرضه ، أولهم أميرالمؤمنين (عليه السلام) وآخرهم الإمام الحجة المهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام) .

وحري أيضاً بالقارئ الكريم أن يقرأ كتب هؤلاء المستبصرين الذين شرحوا فيها كيفية استبصارهم ، والأسباب التي دعتهم إلى الأخذ بمذهب الشيعة الإمامية ، وليرى القارئ الكريم ، كيف وصل هؤلاء المستبصرون إلى الحقيقة بمحض إرادتهم وعزيمتهم ، وبفضل تعرفهم على الأدلة المقنعة ، والتي قادتهم إلى الحق والإعتراف به .

إعتراف المستبصرين بأن في كتب السنة الدلائل الواضحة على
صدق التشيّع

ولست هنا في صدد سرد الأدلة على خلافة أميرالمؤمنين (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتب السنة ككتب الصحاح والمسانيد والحديث وكتب التأريخ أيضاً ، وأن فيها ما يكفي في معرفة الحق لحتوائها الكثير من البراهين الدالة على النصوص التي لا تقبل التأويل ولا الشك في أن الخليفة ـ بمقتضاها ـ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، بل أترك القارئ هنا ليقرأ بنفسه تلكم الإعترافات التي جاءت على لسان جملة من المتشيعين الذين استبصروا وأخذوا بمنهج أهل

____________

1- الدعوات ، الراوندي : 144 ـ 145 ح375 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 1/218 ح43 .


الصفحة 13

البيت (عليهم السلام) وتركوا ما ألفوه لعشرات السنين بعدما فتحوا قلوبهم على معرفة الحق ، وتركوا التعصب فهداهم الله تعالى ، فهؤلاء قد اعترفوا أن في كتب السنة دلائل على صحة معتقد الشيعة فلا مجال لتأويل هذه الدلائل أو إنكارها .

يقول الشيخ الأنطاكي(رحمه الله) في حواره مع عالم شافعي من الشام : بعد اشتهار أمرنا بالتشيع أتاني أحد أعاظم علماء الشافعية المشهورين بالعلم والفضيلة في مدينة حلب الشهباء ، وسألني بكل لطف لماذا أخذتم بمذهب الشيعة وتركتم مذهبكم وما هو السبب الداعي لكم واعتمادكم عليه وما هو دليلكم على أحقية علي (عليه السلام) من أبي بكر ؟ فناظرته كثيراً ، وقد وقعت المناظرة فيما بيننا مراراً وأخيراً اقتنع الرجل ، ومن جملة المناظرة أنه سألني عن بيان الأحقية في أمر الخلافة هل أبو بكر أحق أم علي ؟ فأجبته إن هذا شيء واضح جداً بأن الخلافة الحقة لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) فور وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم من بعده إلى الحسن المجتبى (عليه السلام) .. الخ

ودليل الشيعة على ذلك الكتاب الكريم ، والسنة الثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من الطرفين ، وكتبهم مليئة من الحجج والبراهين الرصينة ، ويثبتون مدعاهم من كتبكم ومؤلفاتكم ، إلاّ أنكم أعرضتم عن الرجوع إلى مؤلفات الشيعة والوقوف على ما فيها ، وهذا نوع من التعصب الأعمى ؟

إلى أن يقول : فالشيعة برمتهم يحكمون بما ثبت عندهم من الأدلة قرآنا وسنة وتأريخا ، ويحتجون من كتب خصومهم السنة فضلا عن كتبهم بالخلافة لعلي ولبنيه الأئمة الأحد عشر(عليهم السلام) الذين تمسكت الشيعة بإمامتهم(1) .

____________

1- كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : 319 .


الصفحة 14

ويقول السيد حسين الرجا السوري المستبصر : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الإستشفاء ، فاستقبلنا ورحب بنا ، فقبلت يده ، ولما استقر بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين أصحيح ما سمعناه عنك فقلت له : نعم شيخنا .

فقال : تكلم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة هي المصيبة في الدين ؟

فقلت له : شيخنا لقد قرأت بعض كتبهم العقيدية والجدلية والتأريخية وسيرة الصحابة وغيرها فوجدتهم يثبتون صحة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخص صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة ، وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم .

ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلما يزداد شكي في التسنن يزداد يقيني في التشيع ، وفي مثل هذه القضايا تزل الأقدام ، فخفت على نفسي من زلة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاّ عند العلماء ، وإلاّ فمرضي لا تُرجى براءته(1) .

ويقول الشيخ معتصم السوداني المستبصر : وبعد الإنتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم وسألته بكل احترام هل أنت شيعي ؟ ومن هم الشيعة ؟ ومن أين تعرفت عليهم ؟

قال : مهلا ... مهلا سؤال بعد سؤال .

____________

1- دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا السوري : 28 ـ 29 ، المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 366 ـ 367 .


الصفحة 15

قلت له : عفوا ، وأنا ما زلت مذهولا مما سمعته منك ؟

قال : هذا بحث طويل ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب مع الأسف لم تكن النتيجة متوقعة .

فقاطعته : أي نتيجة هذه ؟

قال : ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام ؟وبعد البحث اتضح أن الحق كان مع أبعد الطرق تصوراً في نظري وهم الشيعة ؟

قلت له : لعلك تعجلت .. أو اشتبهت ؟

فابتسم في وجهي قائلا : لماذا لا تبحث أنت بتأمل وصبر ؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيرا ؟

قلت متعجبا : مكتبتنا سنية فكيف أبحث فيها عن الشيعة ؟

قال : من دلائل صدق التشيع أنه يستدل على صحته من كتب وروايات علماء السنة ، فإن فيها ما يظهر حقهم بأجلى الصور .

قلت : إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنة ؟

قال : لا ، فإن للشيعة مصادر خاصة تفوق أضعافا مضاعفة مصادر السنة كلها مروية عن أهل البيت(عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنهم لا يحتجون على أهل السنة بروايات مصادرهم لأنها غير ملزمة لهم فلابد أن يحتجوا عليهم بما يثقون به ، أي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم .

سرَّني كلامه وزاد تفاعلي للبحث ، قلت له : إذن كيف أبدأ ؟

قال : هل يوجد في مكتبتكم صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي ؟


الصفحة 16

قلت : نعم عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث .

قال : من هذه ابدأ ثم تأتي بعد ذلك التفاسير ، وكتب التأريخ فإن في هذه الكتب أحاديث دالة على وجوب اتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) .

وبدأ يسرد لي أمثلة منها مع ذكر المصدر ورقم المجلد والصفحة ، توقفت حائراً أسمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل مما جعلني أشك في كتب السنة ، ولكن سرعان ما قطع عني هذا الشك بقوله : سجل هذه الأحاديث عندك ثم ابحثها في المكتبة ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن الله(1) .

المستبصرون والحوار وقراءة الكتب العلميّة

من خلال الحوار والمناظرة تتضح الكثير من المسائل العالقة في الذهن ، فكثير ما يستمع البعض إلى بعض معتقدات الشيعة عن طريق بعض الأبواق المأجورة ، أو يقرأها من طريق بعض الأقلام المحرفة ، فإذا أحب فعلاً أن يتعرف على عقائد الشيعة فعليه بمراجعة ما كتبه علماء الشيعة وفقهائهم والمحسوبين عليهم ، لا من طريق خصومهم وأعدائهم الذين يحاولون تشويه صورة الشيعة والتشيع .

ومن أراد أن يتعرف على عقائد الشيعة وأدلتهم في مسائل الإمامة وغيرها من المسائل فليرجع إلى كتاب الغدير للأميني وكتاب المراجعات وكتاب أصل الشيعة وأصولها ودلائل الصدق للمظفر وأمثالها .

وهناك أيضاً كتب قيمة كتبت بقلم بعض المستبصرين فلا بأس بمراجعتها

____________

1- المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 274 ـ 279 .


الصفحة 17

وقراءتها مثل كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة للأنطاكي ، وكتاب ثم اهتديت للتيجاني ، وكتاب بنور فاطمة اهتديت ، وكتاب المتحولون للشيخ هشام آل قطيط .

فإن هذه الكتب كفيلة في التعريف بالتشيع والشيعة وأدلتهم من القرآن والسنة الشريفة .

يقول الشيخ معتصم السوداني : وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن أتوقعها وكنت في طوال هذه الفترة كثير النقاش مع زملائي ..

إلى أن يقول الشيخ معتصم : وبعد قرائتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين وبعض الكتب الأخرى اتضح لي الحق وانكشف الباطل لما في هذين السفرين من أدلة واضحة ، وبراهين ساطعة بأحقية مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وازدادت قوتي في النقاش والبحث حتى كشف الله نور الحق في قلبي ، وأعلنت تشيعي ..(1)

وتقول الأستاذة السورية لمياء حمادة في كتابها القيم كتاب أخيراً أشرقت الروح في حوارها مع الأستاذة بتول العراقية : فقالت : هل تريدين الحق ؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء وأتمنى منك أن تقبلي هديتي المقبلة ، كتب عدة ، إقرأيها وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه عليَّ ... فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلها ونحن نتناقش في صحة كلامي وعدمه ، أما إذا قرأتِ عن أشخاص عدة استبصروا عرفوا طريق الحق ، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة ، لوجدت برهانا دامغا ساطعا وحجة عليك من كتبكم ، ولن

____________

1- المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 274 ـ 279 .


الصفحة 18

أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنت بعد قراءتك لكتب المتشيعين .

شكرتها وتمنيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت ، فأنا شغفة ومتشوقة لقراءتها عسى ولعل أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة .

وفعلا ، لم تكذب خبرا فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب وقالت لي :سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء ، فترددت قليلا في قبول الدعوة ، ثم قبلت وأنا حيرانة ، وقلت : حسنا كما تريدين ... ثم انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة ـ كما يقولون ـ فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة وفاجأني الكل بقصة لم أسمع بها من قبل ، رزية يوم الخميس ، إنها فضيحة فظيعة لا تصدق ، ولكن عندما ذيل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ ابن الأثير .

فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذب نفسي وأقول : إنه قول جماعة لا يحبون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم ، أليس ذلك مذكور في الصحاح ؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكد ، وتمنيت أني لو لم أجدها ، لكن البخاري ذكرها ، ومسلم ذكرها ، وكلهم ذكروها ، وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر ، وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون .

ومن هنا ، ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر ، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقي ، أكملت قراءة كل كتب التيجاني ، والشيخ محمّد مرعي أمين الأنطاكي ، وكتاب و ... و ... وكلهم سنة تشيعوا ولم أسمع بحياتي عن شيعي قد تسنن .

إن رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني ، ليتك يا عزيزي القارئ


الصفحة 19

تعرفها لتعرف أني على حق ، إنها قصة يندى لها الجبين وهي عار على أهل السنة في كتبهم ، فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون عن رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يكتبون ، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .

لقد قرأت الكتب واقتنعت بها ، وأنا مندهشة حينا لما أقرأ ، ومستاءة حينا آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة ... فالشيعة على حق ونحن على باطل ، وهم يتمسكون باللب ونحن نتمسك بالقشور ، هم الذين يجب أن يسموا أهل السنة ، لأنهم لم يغيروا ما جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أما نحن فاتبعنا سنة أبي بكر وعمر ومعاوية .

أقولها وبكل صراحة : إن الحق هو اتباع أهل البيت(عليهم السلام) الذين أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بهم فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما(1) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك(2) آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة ، ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النية وليهنأ وليعتز بنفسه كل شيعي فهو الذي يتمسك بالعروة الوثقى ، وهو من الفرقة الناجية التي حدث عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في

____________

1- سنن الترمذي 5/328 ـ 329 ح3876 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/14 . وسوف يأتي المزيد من تخريجات هذا الحديث المتواتر .

2- المستدرك ، الحاكم : 2/343 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وذكره أيضاً في ص 150 ـ 151 .


الصفحة 20

حديث له .

انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيعت تماما وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقررت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة .

إلى أن تقول : وأنت عزيزي القارئ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات ... الخ وكل من تشيع لأنها حجة علينا يوم الحساب .. وستجد فيها جوابا لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي تتشجع وتبحث بنفسك على طريق النور والحق .

.. وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغير رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام ، وإلاّ فأنت إنسان راق قد اتبعت قوله تعالى : {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ}(1)(2) .

ويقول الشيخ مروان خليفات الأردني في حواره مع صديقه الشيعي في حديث رزية الخميس وآثارها : وفي أثناء مسيرنا وبينما كنت أحدثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني قائلا كالمنتصر : رزية الخميس .

قلت : خيرا ماذا تقصد ؟

قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيام حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فقال عمر : إن النبي غلبه الوجع أو يهجر حسبنا كتاب الله .

____________

1- سورة الزمر ، الآية : 17 ـ 18 .

2- كتاب أخيرا أشرقت الروح ، لمياء حمادة : 9 ـ 21 ، المتحولون ، هشام آل قطيط : 330 ـ 341 .


الصفحة 21

فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قط ؟

قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم .

عندئذ يأست من جوابه وشعرت بالهزيمة .. وأردفت : في أي كتاب قرأت هذه الحادثة ؟ لأنني وإن وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أعتصر ألما .

فقال : في كتاب ثم اهتديت لأحد علمائكم الذين تشيعوا .

قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيع .

قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيع وأسباب تشيعه ، وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزية الخميس تدور في ذهني وأتوجس خيفة لعلي أجدها فأخذتني قصة الكاتب الممتعة وأسلوبه الجذاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت(عليهم السلام) ومخالفات الصحابة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)ورزية الخميس ، والمؤلف يوثق كل قضية من صحاحنا المعتبرة فدهشت لما أقرأ ! وشعرت أن كل طموحاتي انهارت وسقطت أرضا وحاولت إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا .

رزية الخميس في صحيح مسلم والبخاري

وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة وبدأت برزية الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدة طرق وكان أمامي احتمالان : إما أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يهجر والعياذ بالله ! وبهذا أدفع التهمة عن عمر .


الصفحة 22

وإما أن أدافع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقر بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأً جسيماً بحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى طردهم وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما رددتها وافتخرت بها أمامه .

وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحة ما في الكتاب فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح .

بقيت فترة حائراً تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً وعرض علي صديقي كتاب لأكون مع الصادقين لمؤلفه التيجاني وكتاب فسئلوا أهل الذكر وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق لكنها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار(عليهم السلام) أبناء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشقاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ورحمة الله للملأ بكل قناعة واطمئنان قلب .

وها أنا الآن وبعد تخرجي من كلية الشريعة على يقين تام بصحة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمر بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي وفقه الله(1) .

ويقول الشيخ هشام آل قطيط المستبصر في حواره مع صديقه الشيعي :

____________

1- المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 193 ـ 196 .


الصفحة 23

وفعلا في اليوم الثاني أتاني صديقي الشيعي بكتاب المراجعات وبدأت بالقراءة فيه حتى وصلت إلى ص71 فاستوقفني مقال للشيخ الأنطاكي الحلبي المتشيع ( الاختلاف بين المذاهب الأربعة ) واستوقفتني أقوال للإمام علي ( كرم الله وجهه ) ما أقواها وأشدها وطأً وأثراً على النفس في ص75 ، قوله (عليه السلام) : ( نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ) .

ثم قال في ص82 : وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أهاب بالجاهلين وصرخ في الغافلين ، فنادى : ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) .

فسجلت مصادر الحديث الذي ينقلها العالم الشيعي في كتابه ( المراجعات ) وبعد يومين نزلت إلى مكتبة دار الفتوى ( عائشة بكار ) لأفتش عن المصادر لأرى مدى صدق الشيعة في أقوالهم ، وفعلا عندما أتيت بصحيح الترمذي فوجدت الحديث ، فشعرت بالانتصار النفسي وفرحت فرحاً شديداً ، وتابعت المصادر فأنزلت تفسير ابن كثير فوجدت فيه الحديث ..

الله أكبر أكبر !! صرت أصيح ما هذا الانتصار .. ؟ إصبر إصبر ، أحدث نفسي : تابع البحث لا تيأس ، أشجع نفسي الآن وليس غدا يجب الذهاب إلى الشيخ عبد الفتاح صقر ، لأناقشه في هذا الحديث الذي سجلت مصادره عندي بورقة وضعتها في جيبي وأغلقت عليها كأني عثرت على كنز !! أحدث نفسي : إصبر ، تابع البحث ، فصبَّرت نفسي على فرحها الشديد .

ورجعت أتابع القراءة ، وأي شيء كان يثيرني كنت أسجله ، وأنزل إلى المكتبة فقط ، أنزل إلى مكتباتنا حذراً من الصحاح الموجودة عند الشيعة كما


الصفحة 24

يقول علماؤنا السنة : أغلبها مزورة ومحرفة !!

إلى أن يقول : وهنا جاء التأمل والصراع ، والمسألة مع النفس ومع الذات .. فراجعت المصادر ووقفت عليها ، ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم وإحاطته الدقيقة بالتأريخ والسيرة والصحاح ، واستهواني الكتاب بأسلوبه الجذاب وثوبه الناعم المزركش ، وصرت أفكر يا إلهي أين كنت أنا ؟ أين علماؤنا من هذه الكتب ؟ فهل يعرف علماؤنا ما في هذ الكتب من أدلة ويتعمدون طمس هذه الحقائق عنا ؟ لأنه ليس من اختصاصنا البحث في الدين وإنما هو حكر على الشيوخ والعلماء فقط ، أم أنهم لا يعلمون حقيقة هذه الكتب(1) ؟!

كتاب التحول المذهبي

وفيما يتعلق برحلة المستبصرين والأسباب والدواعي التي دعتهم إلى الأخذ بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) راجع كتاب التحول المذهبي ـ بحث تحليلي حول رحلة المستبصرين إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) للكاتب الفاضل الأستاذ علاء الحسون وفقه الله تعالى فإنه كتاب قيّم بحث فيه ما يخص المستبصرين من حيث الدوافع إلى الإستبصار ، والعقبات التي تعترض طريقهم ، ومراحل الإستبصار ، وما بعد الإستبصار وغير ذلك ، بشكل مفصل فجزاه الله خير الجزاء .

____________

1- المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 49 ـ 52 .


الصفحة 25

المناظرة الأُولى

مناظرة
الشيخ الأنطاكي السوري(1) مع جماعة من السنّة
في عقيدة الشيعة في أمر الخلافة


قال الشيخ محمّد مرعي الأنطاكي(رحمه الله) : وفي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك سنة 1371 هـ ، بينما أنا مشتغل في مكتبتي بكتابة كتاب : ( الشيعة وحجّتهم في التشيُّع ) إذ وفد عليَّ جماعة يبلغ عددهم نحو خمسة عشر شخصاً ، أو أكثر ، وفيهم العلماء وغير العلماء ، فتلقَّيتهم بالترحاب ، وبصدر

____________

1- هو : المرحوم العلامة الكبير المجاهد الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي مولداً ، والحلبي نشأة ، والأزهري تخرجاً ، والشافعي مذهباً ، والشيعي خاتمة ، من أبرز علماء سوريا ، ولد سنة 1314 هـ ، في قرية من القرى التابعة إلى أنطاكية ، ودرس فيها بضع سنوات ثمّ انتقل إلى الجامع الأزهر مع أخيه ، ودرس عند شيخ الجامع الأزهر الشيخ مصطفى المراغي ، والشيخ محمد أبو طه المهنى وغيرهما من مشيخة الأزهر ، حصل على شهادات راقية من جامع الأزهر ، وعاد إلى بلاده ، وامتهن إمامة الجماعة والجمعة والتدريس والإفتاء والخطابة نحو خمسة عشر عاماً .

وأخيراً أخذ بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) لما تبيّن له أن الحقّ معهم وفيهم ، وذلك بسبب قراءته كتاب المراجعات للسيد شرف الدين (قدس سره) ، ومناظراته الكثيرة مع علماء الشيعة الإمامية ، كما تشيع على يده ويد أخيه الشيخ أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الكثير من أبناء العامة من سوريا ولبنان وتركية . (إستفدنا هذه الترجمة من كتابه الشهير "لماذا اخترت مذهب الشيعة" ) .


الصفحة 26

رحب ، وقلب ملؤه السرور ، وما إن اطمأنَّ بهم الجلوس حتى فاتحوني بالبحث العلميّ ، يريدون الإيضاح عن مذهب الشيعة ، وعن اعتقادهم في الخلافة ، وما يدور حولها .

ضرورة الوصية بالخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

فبادرت إلى الجواب ، وهم صامتون يصغون إلى ما أورد عليهم من الأدلّة الواضحة ، والحجج القاطعة ، والبراهين الساطعة ، القائمة لدينا ولديهم حتى مضى علينا أكثر من ثلثي الليل ، وبعد انتهائنا من البحث قاموا ، فمنهم الشاكر ، ومنهم المنكر .

ومن جملة ما أفدت عليهم ، قلت : لا شك في أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم أن أمّته الجديدة القريبة العهد بالإسلام ، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة ، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب(1) ، ولا يسلم منهم إلاَّ مثل همل النعم(2)عند ورودهم على الحوض ـ كما جاء في البخاري في حديث الحوض(3) ، ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشرَّ لوصيِّه وخليفته من بعده علي (عليه السلام)(4) ،

____________

1- قال تعالى في سورة آل عمران ، الآية : 144 : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) .

2- قال ابن الأثير في النهاية : 5/274 : في حديث الحوض : ( فلا يخلص منهم إلاَّ مثل همل النعم ) الهمل : ضوالّ الإبل ، واحدها هامل ; أي إن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة .

3- صحيح البخاري : 7/208 ـ 209 .

4- جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 11/216 ، في ترجمة رقم : 5928 بإسناده عن أبي إدريس عن علي (عليه السلام) قال : مما عهد إليَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأمة ستغدر بك من بعدي .

وراجع الحديث في المصادر الآتية : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/107 و20/326 ح734 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/447 ـ 448 ، تذكرة الحفاظ ، الذهبي : 3/995 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/244 .

ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : 3/142 عن حيان الأسدي قال : سمعت علياً (عليه السلام) يقول : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الاُمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي .

ورواه عنه كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/297 ح31562 .


الصفحة 27

وأنهم فور موته يحدثون حدثاً .

إذن ، فلابد أن يكون قد وضع للخلافة حلاًّ لها ، يوقف من تدعوه نفسه إلى الخلافة ، ولا يخفى عليه أمر أصحابه ، إذ أنه قد سبرهم ، وعرف المستقيم منهم والملتوي ، وهو القائل لهم : ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه(1) ، وكان شيخنا العلامة الشيخ ( أحمد أفندي الطويل الأنطاكي ) يرويه لنا في أثناء الدرس ، وعلى المنبر ، ويقول في ختام الحديث : ولو جامع أحدهم امرأته في السوق لفعلتموه !! وهو القائل : من لم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية(2) أي كفر .

إذن ، فلابد أن يضع للخلافة حلاًّ يوقفهم عند حدِّهم ، ونحن ما دمنا نعتقد أنه نبيٌّ مرسل من الله ، ويعلم أنه الذي ختم الرسل ، وأن رسالته مستمرة إلى آخر الدنيا ، فلا يبقى له أن يترك أمّته فوضى مع علمه أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين

____________

1- صحيح البخاري : 4/144 ـ 145 و8/151 ، صحيح مسلم : 8/57 ، صحيح ابن حبان : 15/95 ، مسند أحمد بن حنبل : 2/327 و511 ، المستدرك ، الحاكم : 4/455 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 7/261 .

2- راجع : شرح النهج لابن أبي الحديد : 9/155 و13/242 . وسوف يأتي الحديث نفسه أيضاً مع مصادر أخرى .


الصفحة 28

فرقة كما في الحديث(1) .

مناقشة دعوى إيكال أمر الخلافة إلى الاُمة

هذا ودعوى إيكال أمر الخلافة إلى الأمة باطلة لأمور :

أوّلا : إن أهل الحلِّ والعقد ، أو الانتخاب ، أو ذوي الشورى لا يتمُّ الأمر بما أوكل إليهم إلى مدى الدهر ، بل هو عين إيقاع الأمة في الفوضى التي توقع الأمة في هوَّة ساحقة لاحدَّ لها ولا قرار ، لهذا نرى الأمّة لا زالت تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم إلى يومنا هذا ، ثمَّ إلى انتهاء حياة البشر يوم البعث والنشور .

ثانياً : مما لا خفاء فيه أن الناس مختلفون في معتقداتهم ، ومتباينون في آرائهم ، ونرى أنه لا يتفق اثنان في الرأي ، بل الإنسان نفسه لا يتفق له أن يستمرَّ على رأي دائم ، بل يتقلَّب رأيه في كل لحظة ، فكيف يمكن أن يكون الأمر موكولا إلى أهل الحلِّ والعقد ؟! وهذا يأباه العقل والوجدان .

ثالثاً : يستحيل أن يحصل الاتفاق بإيكال الأمر إلى أهل الحلِّ والعقد ، فلابدَّ من وقوع اضطراب شديد بين الشعوب والقبائل ، ووقوع القتل والسلب والنهب ، وغيرها ممّا هو موجود ، كما هو موجود في كل عصر ومصر ، ولم يمكن لرئيس أن يتمَّ على يده نظام حياة الإنسان إلاَّ بالقوَّة القاهرة ، وهذه مؤقَّتة زائلة ، ومتى زالت رجع كل واحد إلى ما كان عليه من الأعمال الضارّة بالسكان .

لهذا قلنا مكرَّراً : إن الله لا يدع أمراً من أمور الدين للأمَّة تتجاذبه

____________

1- تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 13/295 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 62/311 ، الفصول في الأصول ، الجصاص : 3/316 .


الصفحة 29

أهواؤهم ، بل لابدَّ من أن يوكل الأمر إلى أربابه ممن له أهليّة كاملة في العلم الغزير الذي كان عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) ، والشجاعة ، والحكم ، والكرم ، والزهد ، والتقى ، والفراسة ، والإعجاز ، وأهمُّها العصمة ، وغير ذلك مما يكون الوصيُّ الذي يقوم مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة إليه في إدارة دفّة الحكم ، وهذا لا يمكن أن يتمكَّن منه أحد إلاَّ الله العالم بما تكنُّه الصدور ، ويعلم السرَّ وأخفى ، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بيَّن بصراحة في كل مناسبة أن الوصيَّ والخليفة من بعده : علي (عليه السلام) .

كما وإن هناك أدلّة كثيرة أخرى ترشدك إلى ما تقوم به الحجة ، زيادة على ما قدَّمنا ، مما هو ثابت لدنيا معاشر الشيعة ، والكتاب والسنة بُنيتا على ذلك .

ثمَّ استحسن جميعهم ما أفدت عليهم ، وطلبوا مني بعض مؤلَّفات

الشيعة ، فأعطيتهم بعض ما كانت عندي ، فقاموا وحمدوا الله تعالى على هذه النعمة(2) .

____________

1- قال الأنطاكي في الهامش : كحديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها .

2- لماذا اخترت مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، الأنطاكي : 450 ـ 453 .


الصفحة 30

المناظرة الثانية

مناظرة
الشيخ الأنطاكي مع بعضهم في مشروعية السجود
على التربة الحسينيّة وإقامة العزاء


يقول الشيخ محمّد مرعي الأنطاكي (رحمه الله) : في يوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة 1374 هجرية أتاني جماعة من علماء السنّة وبعضهم زملائي في الأزهر حاملين عليَّ حقداً في صدورهم لأخذي بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتركي مذهب السنة ، ودار البحث بيننا طويلا يقرب حوالي عشر ساعات تقريباً وذلك في كثير من المسائل .

ومنها : انتقادهم على الشيعة بأنهم يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ، وإجراؤهم التعازي على الإمام الحسين (عليه السلام) وهو بدعة ؟!

فقلت لهم : كلاهما أمرٌ محبوب محبذ إليه من الشارع المقدّس، أما قولكم : إنّ الشيعة يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ! هذا غير صحيح لأن السجود على التربة لا يكون شركاً ، لأن الشيعة تسجد على التربة لا لها ، وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم ـ على الفرض المحال ـ أن التربة هي أو في جوفها شيء يسجدون لأجلها ، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها ، لأن الشخص لا يسجد على معبوده ، لأن السجود يجب أن يكون


الصفحة 31

للمعبود وهو الله يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هو الله سبحانه، أمّا السجود على الله فهو كفر محض، فسجود الشيعة على التربة ليس شركاً !

لماذا السجود على التربة

فأجابني أحدهم وهو أعلمهم قائلا : أحسنت يا فضيلة الشيخ على هذا التحليل اللطيف ، ولنا أن نسألك ما سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة، ولم لا تسجدون على سائر الأشياء كما تسجدون على التربة ؟

فأجبته : ذلك عملا بالحديث المتفق عليه بالإجماع جميع فرق المسلمين وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً(1) ، فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين ، ولذلك نسجد دائماً على التراب الذي اتفق المسلمون جميعاً على صحة السجود عليه .

فسألني : وكيف اتفق المسلمون عليه ؟

فأجبته : أول ما جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وأمر ببناء مسجد فيها، هل كان المسجد مفروشاً بفرش ؟

فأجابني : كلاّ لم يكن مفروشاً .

قلت : فعلى أي شيء كان يسجد النبي (صلى الله عليه وآله)والمسلمون ؟

أجابني : على أرض المسجد المفروشة بالتراب .

قلت : ومن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين

____________

1- راجع : مسند أحمد بن حنبل : 1/301 ، صحيح البخاري : 1/86 سنن الترمذي : 1/199 ح316 ، السنن الكبرى للبيهقي: 2/433 ، وسائل الشيعة : 3/350 ح3839 و 3840 وص 351 ح 3841 وج 5 ص 117 ح 6083 و 6068 .


الصفحة 32

علي (عليه السلام)هل كان المسجد مفروشاً بفرش ؟

فأجابني أيضاً : كلاّ.

قلت : فعلى أي شيء كان المسلمون يسجدون في صلواتهم في المسجد ؟

أجابني : على أرض مفروشة بالتراب .

فقلت : إذن جميع صلوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت على الأرض وكان يسجد على التراب، وكذلك المسلمون في زمانه وبعده كانوا يسجدون على التراب ، فالسجود على التراب صحيح قطعاً، ومعاشر الشيعة إذ تسجد على التراب تأسياً برسول الله (صلى الله عليه وآله) فتكون صلواتهم صحيحة قطعاً .

فأورد عليَّ : بأن الشيعة لم لا تسجد على غير التربة التي يحملونها معهم من سائر مواضع الأرض أو غيرها من التراب ؟

فأجبته : أولا : أن الشيعة تجوّز السجود على كل أرض سواء في ذلك المتحجر منها أو التراب .

ثانياً : حيث إنه يشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة ، فلا يجوز السجود على أرض نجسة ، أو تراب غير طاهر ، لذلك يحملون معهم قطعة من الطين الجاف الطاهر تفصياً عن السجود على ما لا يعلم طهارته من نجاسته ، مع العلم أنهم يجوّزون السجود على تراب أو أرض لا يعلم بنجاسته .

فأورد عليَّ : إن كانت الشيعة يريدون بذلك السجود على التراب الطاهر الخالص فلم لا يحملون معهم تراباً يسجدون عليه ؟

فأجبته : حيث إن حمل التراب يوجب وسخ الثياب لأنه أينما وضع من الثوب فلا بد أن يوسخه ، لذلك نمزجه بشيء من الماء ثم ندعه ليجف حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب .