الصفحة 385

المناظرة الثالثة والأربعون

مناظرة
الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ أحمد الأمين
في صيانة القرآن عن التحريف(1)


قال الشيخ معتصم السوداني ـ في معرض كلامه عمّا جرى له مع بعض أولئك الذين ينالون من الشيعة ـ : وجرى حوار بيني وبين شيخهم ـ أحمد الأمين ـ وطلبت منه العقلانية وترك الإستهتار والتهجم دون جدوى ، وبعدما طفح الكيل وازداد تعنتهم وتعصبهم ذهبت إلى مسجدهم وصليتُ خلفه صلاة الظهر ، وبعد الإنتهاء من الصلاة سألته : هل تعرضتُ لك يوماً طوال هذه المدة ، التي تسب فيها الشيعة وتكفرهم بمكبرات الصوت ؟!

قال : لا .

قلت : أو تدري ما السبب ؟!

____________

1- من أراد الاطلاع الواسع على رأي الشيعة الإمامية واعتقادهم بصيانة القرآن الكريم عن التحريف فليراجع :

1 ـ البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي (قدس سره) : ص 197 ـ 272 .

2 ـ التحقيق في نفي التحريف للسيد علي الميلاني .

3 ـ سلامة القرآن من التحريف ، نشر وإصدار مؤسسة الإمام عليّ (عليه السلام) وغيرها الكثير .


الصفحة 386

قال : لا أدري .

قلت : إن كلامك تهجم وجهل ، وتعرّض لشخصيتي ، فخفتُ أن أعترض عليك فيكون ذلك دفاعاً عن نفسي ، وليس دفاعاً عن الحق ، والآن أطلب منك مناظرة علمية ومنهجية أمام الجميع حتى ينكشف الحق .

قال : لا مانع عندي .

قلت : إذاً حدد محاور المناظرة .

قال : تحريف القرآن ، وعدالة الصحابة .

قلت : حسناً ، ولكن هناك أمران ضروريان لابد من مناقشتهما ، وهما صفات الله ، والنبوة في اعتقادكم ورواياتكم .

قال : لا .

قلت : ولِمَ ؟

قال : أناأحدد المحاور ، فإذا طلبتُ منك ـ أنا ـ المناظرة ، يكون الحق لك في تحديد المحاور .

قلت : لا خلاف ... متى موعدنا ؟

قال : اليوم ، بعد صلاة المغرب ـ ظناً منه أنه سيرهبني بهذا الموعد القريب ـ فأظهرت موافقتي بكل سرور ، وخرجت من المسجد .

وبعد أداء صلاة المغرب ، بدأت المناظرة ، فبدأ شيخهم ـ أحمد الأمين ـ الحديث كعادته يتهجم ويتهم الشيعة بالقول بتحريف القرآن ، وكان يمسك في يده كتاب (الخطوط العريضة لمحب الدين) .

وبعد الفراغ من حديثه ، ابتدأت حديثي ، وقمت بالرد على كل ما افتراه من اتهامات بالتفصيل ، وبرأت الشيعة تماماً من القول بتحريف القرآن ، وبعد ذلك ،


الصفحة 387

قلت له كما قيل : ترون التبنة في أعين غيركم ، ولا ترون الخشبة في أعينكم ، فإن الروايات التي احتوتها كتب الحديث عند السنة ظاهرة في اتهام القرآن الكريم بالتحريف ، فنسبة القول بالتحريف إلى السنة أقرب منها إلى الشيعة . وذكرت ما يقارب عشرين رواية مع ذكر المصدر ورقم الصفحة من صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، مثال :

أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي بن كعب قال : كم تقرأون سورة الأحزاب ؟ قال : بضعاً وسبعين آية ،قال : لقد قرأتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل البقرة أو أكثر منها ، وإن فيها آية الرجم(1).

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب ، قال : إن الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ... إلى أن يقول : ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم)(2).

وروى مسلم في صحيحه ، قال : بُعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة ، وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمر ، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها ، غير

____________

1- مسند أحمد بن حنبل : ج 5 ص 132 .

2- صحيح البخاري : ج 8 ص 209 ـ 210 (ك المحاربين ، ب رجم الحبلى إذا زنت) .


الصفحة 388

أني قد حفظت منها لوكان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)(1).

وفي أثناء ذكري لهذه الروايات ، لاحظت أن الشيخ حملق عينيه وفتح فاه وظهرت الحيرة والدهشة على وجهه ، فماأن توقفت عن الكلام حتى أخذ يقول : أنا لم أسمع بذلك وأنا لم ارَ ذلك ، وأطالبك أن تحضر هذه المصادر أمامي .

قلت : قبل قليل كنت تتهجم على الشيعة وتتهمهم بالتحريف ،فلماذا لم تحضر كتبهم التي لم ترها في حياتك كلها ، فأنت ملزم بإحضار مصادرك وهذه مكتبتك ، فيها البخاري ومسلم وكتب الحديث ، أحضرها حتى اُخرجَ لك هذه الروايات منها ، وعندما لم يجد مخرجاً قفز إلى موضوع آخر ، وهو أن الشيعة تقول بالتقية فكيف نصدق كلامهم ؟!

وهرج ومرج ، حتى قام أحدهم وأذن لصلاة العشاء ، وبعد الصلاة تواعدنا أن نكمل المناظرة في الأيام القادمة ، على أن نختار في كل يوم موضوعاً نتناظر حوله ... ولما جاء الغد كنتُ جالساً أمام منزلنا في الصباح فمر الشيخ وسلّم عليَّ بكل احترام وقال : إن هذه المباحث لا يفهمها العامة ، فمن الأفضل أن نتحاور ونتناظر أنا وأنت على انفراد .

قلت : أوافق ، لكن بشرط أن تترك التهجم على الشيعة ، وفيما بعد لم نسمع له تهجماً على الشيعة ..(2)

____________

1- صحيح مسلم : ج 2 ص 726 ح 119 (ك الزكاة ب 39) .

2- الحقيقة الضائعة للشيخ معتصم السوداني : ص 26 ـ 29 .


الصفحة 389

المناظرة الرابعة والأربعون

مناظرة
الشيخ معتصم السوداني مع الأستاذ عبد المنعم
في أن كتب السنّة فيها دلائل على التشيُّع
وبداية تحوُّله وبحثه عن الحقيقة


يقول الشيخ معتصم سيِّد أحمد السوداني : انطلقت إلى المكتبة التي حوت كثيراً من الكتب والموسوعات الضخمة ، فأصبحت ملازماً لها ، ولكنَّ المشكلة التي واجهتني هي : من أين أبدأ ؟ وأيَّ شيء أقرأ ؟

وبقيت على هذه الحال أنتقل من كتاب إلى آخر ، وقبل أن أضع لنفسي برنامجاً فتح لي أحد أقاربنا باباً واسعاً ومهمّاً في البحث والتنقيب ، وهو دراسة التاريخ وتتبُّع المذاهب الإسلاميّة لمعرفة الحقِّ من بينها ، وكان الفتح توفيقاً إلهيّاً لم يكن في حسباني عندما التقيت بقريبي عبد المنعم ـ وهو خريج كلية القانون ـ في منزل ابن عمّي في مدينة عطبرة ، وقبل غروب الشمس رأيته في ساحة المنزل يتحاور مع أحد من الإخوان المسلمين الذي كان ضيفاً في البيت ، فأرهفت السمع لأرى فيم يتحادثان ، وأسرعت إليهم عندما علمت بطبيعة النقاش ، وهو في الأمور الدينيّة ، فجلست بالقرب منهم أراقب تطوُّرات المحاورة التي امتاز فيها عبد المنعم بالهدوء التامّ ، رغم استفزازات الطرف الآخر


الصفحة 390

وتهجُّمه ، ولم أعرف طبيعة النقاش بتمامه إلى أن قال الأخ المسلم : الشيعة كفَّار زنادقة .

هنا انتهيت وأمعنت النظر ، ودار في ذهني استفهام حائر : من هم الشيعة ؟ ولماذا هم كفَّار ؟ وهل عبد المنعم شيعيٌّ ؟ وما يقوله من غريب الحديث هل هو كلام الشيعة ؟

وللإنصاف إن عبد المنعم أفحم خصمه في كلِّ مسألة طرحت في النقاش ، بالإضافة إلى لبقة منطقه وقوَّة حجَّته .

وبعد الانتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم ، وسألته بكلِّ احترام : هل أنت شيعيٌّ ؟ ومن هم الشيعة ؟ ومن أين تعرَّفت عليهم ؟

قال : مهلا .. مهلا ، سؤال بعد سؤال .

قلت له : عفواً ، وأنا ما زلت مذهولا ممَّا سمعته منك .

قال : هذا بحث طويل ، ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب ، مع الأسف لم تكن النتيجة متوقَّعة .

فقاطعته : أيُّ نتيجة هذه ؟

قال : ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا ، نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل : هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام ؟ وبعد البحث اتّضح أن الحقَّ كان مع أبعد الطرق تصوُّراً في نظري وهم الشيعة .

قلت له : لعلّك تعجَّلت .. أو اشتبهت .

فابتسم في وجهي قائلا : لماذا لا تبحث أنت بتأمُّل وصبر ؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيراً .


الصفحة 391

قلت متعجِّباً : مكتبتنا سنّيّة ، فكيف أبحث فيها عن الشيعة ؟

قال : من دلائل صدق التشيُّع أنه يستدلُّ على صحّته من كتب وروايات علماء السنة ، فإن فيها ما يظهر حقَّهم بأجلى الصور(1) .

قلت : إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنة ؟

قال : لا ، فإن للشيعة مصادر خاصّة تفوق أضعافاً مضاعفة مصادر السنة ، كلّها مرويَّة عن أهل البيت(عليهم السلام)عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكنّهم لا يحتجُّون على أهل السنة بروايات مصادرهم ; لأنها غير ملزمة لهم ، فلابد أن يحتجُّوا عليهم بما يثقون به ; أي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم .

سرَّني كلامه ، وزاد تفاعلي للبحث ، قلت له : إذن كيف أبدأ ؟

قال : هل يوجد في مكتبتكم صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي ؟

قلت : نعم ، عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث .

قال : من هذه ابدأ ، ثمَّ تأتي بعد ذلك التفاسير وكتب التأريخ ، فإن في هذه الكتب أحاديث دالّة على وجوب اتّباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) .

وبدأ يسرد لي أمثلة منها ، مع ذكر المصدر ورقم المجلَّد والصفحة ، توقَّفت

____________

1- وهذه الشهادة من الأستاذ عبد المنعم شهادة حقٍّ ، وقد سمعناها كثيراً ، وإليك كلام بعض المستبصرين الفضلاء ، وهو السيد حسين الرجاء ، إذ يقول عن الشيعة الإماميّة : لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنّة ، وبالأخصّ وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنّة ، وبالأخص صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة ، وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنّة من كتبهم ، ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيع . راجع كتاب المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : 367 .


الصفحة 392

حائراً أسمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل ، ممَّا جعلني أشكُّ في كتب السنّة ، ولكن سرعان ما قطع عنّي هذا الشكَّ بقوله : سجِّل هذه الأحاديث عندك ، ثمَّ ابحثها في المكتبة ، ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن الله .

البحث في مكتبة الجامعة

بعد مراجعة تلك الأحاديث في البخاري ومسلم والترمذي في مكتبة جامعتنا تأكَّد لي صدق مقالته ، وفوجئت بأحاديث أخرى أكثر منها دلالة على وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ، ممَّا جعلني أعيش في حالة من الصدمة ، لم نسمع بهذه الأحاديث من قبل .

فعرضتها على زملائي في الكلّيّة حتى يشاركوني في هذه الأزمة ، فتفاعل البعض ، ولم يكترث لها البعض الآخر ، ولكنّني صمَّمت على مواصلة البحث ولو كلَّفني ذلك كل عمري ، وعندما جاء يوم الخميس انطلقت لعبد المنعم ، فاستقبلني بكل ترحاب وهدوء ، وقال : يجب عليك ألا تتعجَّل ، وأن تواصل البحث بكل وعي .

ثمَّ بدأنا في بحوث أخرى لم أكن أعرفها ، وقبل رجوعي إلى الجامعة طلب منّي عدّة أمور أبحثها ، وهكذا دواليك إلى مدّة من الزمن ، وكانت طبيعة النقاش بيني وبينه تتغيَّر من فترة إلى أخرى ، فأحياناً أحتدُّ معه في الكلام ، وأحياناً أكابر في الحقائق الواضحة ، فكنت ـ مثلا ـ عندما أراجع بعض المصادر وأتأكَّد من وجودها أقول له : إن هذه الأحاديث غير موجودة ، ولست أعلم إلى الآن ما الذي كان يدفعني إلى ذلك سوى الشعور بالانهزام وحبِّ الانتصار .

وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن


الصفحة 393

أتوقَّعها ، وكنت في طوال هذه الفترة كثير النقاش مع زملائي .

إلى أن يقول الشيخ معتصم : وبعد قراءتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين وبعض الكتب الأخرى اتّضح لي الحقُّ وانكشف الباطل ; لما في هذين السفرين من أدلّة واضحة ، وبراهين ساطعة بأحقّيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، وازدادت قوَّتي في النقاش والبحث حتى كشف الله نور الحق في قلبي ، وأعلنت تشيعي(1) .

____________

1- المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : 274 ـ 279 .


الصفحة 394

المناظرة الخامسة والأربعون

مناظرة
الشيخ معتصم السوداني مع بعض السلفيين في
وجوب اتّباع أهل البيت (عليهم السلام) والأدلّة على إمامة أميرالمؤمنين (عليه السلام)


الشيعة والتشيع حديث الساعة بين طلبة الجامعة

قال الشيخ معتصم السوداني تحت عنوان ( مع الوهّابيّة في أركان النقاش ) : دارت في الساحة الفكريّة في مدينة عطبره أحداث ساخنة ، بعد أن سيطر الطرح الشيعيُّ على مستوى المناظرات وأركان النقاش ، خاصة بين طلبة جامعة وادي النيل ، فكان حديث الساعة : الشيعة والتشيُّع حتى في الأماكن العامة ، هذا ممَّا أشعل نار الحقد الوهّابيّ ، فكثّفوا هجومهم على الشيعة في كل منابرهم ، وعندما علموا أن مصدر التشيّع في المدينة هو جامعة وادي النيل ، عملوا على حجز دار الطلاب ، وهي دار كبيرة تقام فيها نشاطات الطلاب الثقافيّة والسياسيّة ، لمدّة يومين وهما : الخميس والجمعة ، وكان برنامجهم يشتمل على معرض كتاب وملصقات وعرض فيديو ، كلُّها تعرِّض بالشيعة ، بالإضافة إلى محاضرة في اليوم الأول بعنوان : " وجاء دور المجوس " وكان المحاضر مستعاراً من مدينة أخرى وهي ( مدني ) جنوب الخرطوم ، وفي اليوم التالي كان ركن النقاش بعنوان : ( هذا أو الطوفان ) ويختلف ركن النقاش عن المحاضرة بأنّه


الصفحة 395

يغلب عليه طابع النقاش والجدال والحدّيّة أكثر من المحاضرة .

وكان قصدهم من هذا الجهد هو تشديد الضربة على الشيعة ، حتى ينتهي وجودهم في المدينة ، أو على الأقل يحدثوا قطيعة بين الشيعة والمجتمع ، ولذلك عندما فشلوا في الردّ على الشيعة رفعوا شعارات الولاء والبراءة ، وأمروا الناس بمقاطعة الشيعة في كل أمور الحياة .

الحوار العلمي الساخن في مواجهة السلفيين في دار الطلاب

وعندما اكتشفنا نواياهم قرّرنا أن يكون ردّنا عليهم وعلى افتراءاتهم قويّاً ومحكماً ، وأن يكون أكثر علميّة ، ولا ننصاع لتهكُّماتهم ومهاتراتهم ، وخاصة أن الجوَّ الذي سوف يكون فيه الحوار هو جوٌّ مثقَّف وواعي بأهمّيّة البرهان والدليل .

وعندما جاء يوم الخميس زرنا الدار في الساعة الخامسة مساءً حتى نقف على آخر التطوُّرات ، فوجدنا أن الدار كلَّها معدّة لذلك ، فقد حشدوا فيها المعارض والملصقات ومكبّرات الصوت وكراسي ، ولحى طويلة تملأ الدار ، وقد كان الجوُّ مهيباً ، وهم ينظرون إلينا ويتهامزون ويتغامزون ، ولكنّا كسرنا حاجز الهيبة ، وتجوّلنا في أجنحته ، نتصفّح عناوين الكتب ، ونقرأ شعاراتهم التي كتبت بخط عريض في كفر الشيعة وبعدهم عن الدين ، فهي تحكم في الواقع على جهالة الوهابيّة ، وبعدهم عن الإسلام الصحيح ، فكان الأصدقاء يضحكون على هذه العقول السخيفة التي سطَّرت هذه الكلمات ، وعندما حان وقت المغرب ذهبنا لنصلّي جماعة ، ثمَّ نأخذ احتياطاتنا اللازمة في تأمين أنفسنا من اعتداءاتهم ، وتوزيع برامج النقاش بيننا ، وكيفيَّة الانتشار ، واتّخاذ المناطق المهمّة في الجلوس وغيرها ، وبالفعل تمَّ ذلك ، واتخذت أنا أول مقعد في مقابل


الصفحة 396

المتحدِّث الوهابي مباشرةً .

دعوى أن الصحابة كلهم عدول

وبعد تلاوة آيات من القرآن الحكيم وتقديم المتحدِّث ، شرع المحاضر في حديثه وكان يحتوي على الآتي :

اختلف المسلمون إلى مذاهب عديدة ، وهذا مصداق لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى إلى اثني وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلاَّ واحدة ، وقيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : ما كنت عليه أنا وأصحابي(1) .

وهذا الحديث نصّ صريح على أن طريق النجاة هو الأخذ بمنهج السلف الصالح ، فهم الذين فهموا الدين ونقلوه ، وحفظوا القرآن وفسرّوه ، ولا يجوز أن نقدِّم رأينا على كلامهم ، بل نتمسّك بهم ، ونعضُّ على سنّتهم بالنواجذ .

إنّ الشيعة عندما أرادوا أن يطعنوا في الدين طعنوا في الصحابة ، والطعن في الناقل هو الطعن في المنقول ، فشكّكوا في عدالة الصحابة وجرحوهم ، مع أنّ الجرح والتعديل لا يجوز في حقّهم ; لأنّهم وثَّقهم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)(2) .

____________

1- تذكرة الموضوعات ، الفتني : 15 ، كشف الخفاء ، العجلوني : 1/150 ، فتح القدير ، الشوكاني : 1/371 .

2- وهذا ما يروِّج له كبار القوم أمثال : ابن الأثير وابن حجر والنووي وابن حزم ومن تبعهم على ذلك ، وقد تقدَّم قول ابن الأثير أنه قال في مقدِّمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة : 1/3 : والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاَّ الجرح والتعديل ، فإنهم كلهم عدول لا يتطرَّق الجرح إليهم ; لأن الله عزَّوجلَّ ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) زكَّياهم وعدَّلاهم ...

وقال ابن حجر في الإصابة : 1/22 : قال الإمام النووي : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم ، بإجماع من يعتدُّ به ، وقال إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنّهم حملة الشريعة ، فلو ثبت توقُّف في روايتهم لا نحصرت الشريعة على عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولما استرسلت سائر الأعصار .

وقال الخطيب البغدادي في الكفاية : ص 64 مبوِّباً على عدالتهم : ما جاء في تعديل الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)للصحابة ، وأنّه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم : كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يلزم العمل به إلاَّ بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نصّ القرآن .

وقال ابن حزم في المحلّى : 9/362 : فالصحابة كلهم عدول ، فإذا ثبتت صحة صحبته فهو عدل مقطوع بعدالته ; لقول الله تعالى : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ) الآية . سورة الفتح ، الآية : 29 .

وأمَّا أبو حنيفة فله رأي في ذلك ، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 4/68 : روى أبو يوسف أنَّه قال أبو حنيفة : الصحابة كلُّهم عدول ما عدا رجالا ، ثمَّ عدَّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك .

أقول : لو كان كل الصحابة عدولا كما يزعم هؤلاء ، وقد زكَّاهم الله تعالى لما رمى بعضهم بعضاً بالكذب والافتراء ، ولما قاتل بعضهم بعضاً ، ولما اعتدى بعضهم على بعض ، ولصدَّق بعضهم بعضاً ، هذا ولم تكن الصحابة في يوم ما يعتقدون في أنفسهم هذا الاعتقاد من النزاهة والطهارة ، كيف وحال الصحابة يشهد بعدم ذلك ؟ فلو كانت الصحابة كلهم عدولا لما خفي عليهم هذا الأمر ، ولا حتجّوا بالآية الشريفة على هذه الدعوى ، ولا حتجَّ بعضهم على بعض دفاعاً عن نفسه بما زعمه هؤلاء من التزكية ، وهذا لم يحصل إطلاقاً ، والآية الشريفة ليست مطلقة كي تشمل جميع الصحابة فراجع سبب نزولها .

وأمَّا قول إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشريعة ، فلو ثبت توقُّف في روايتهم لا نحصرت الشريعة على عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) ولما استرسلت سائر الأعصار .

فهو أول الكلام ; فإنّا لا نسلِّم انحصار الشريعة بهم ومن طريقهم ، وذلك لوجود عترة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته(عليهم السلام) الذين أمرنا بالتمسُّك بهم في حديث السفينة وحديث الثقلين وغيرهما ، وثانياً : لو سلَّمنا توقُّفها فهي لا تتوقَّف على جميع الصحابة ، بل من ثبتت وثاقته وتزكيته .

قال العلاّمة المجلسي عليه الرحمة في البحار : 28/36 : اعلم أن أكثر العامة على أن الصحابة كلهم عدول ، وقيل : هم كغيرهم مطلقاً ، وقيل : هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن بين علي(عليه السلام)ومعاوية ، وأمَّا بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقاً ، وقالت المعتزلة : هم عدول إلاَّ من علم أنه قاتل علياً (عليه السلام) فإنه مردود ، وذهبت الإمامية إلى أنهم كسائر الناس من أن فيهم المنافق والفاسق والضال .. إلخ .

وقال العلاّمة الأميني عليه الرحمة في كتابه الغدير : 10/96 ، في حال أبي محجن الثقفي : وما أدراك ما الثقفي ؟! كان يدمن الخمر ، منهمكاً في الشراب ، حدَّه عمر في سبع مرَّات ، ونفاه إلى جزيرة في البحر ، وبعث معه رجلا فهرب منه ، وهو صاحب الشعر الدائر السائر :


إذا متُّ فادفنّي إلى جنب كرمة تروِّي عظامي بعد موتي عروقها


ولا تدفنَّني بالفلاة فإني أخاف إذا ما متُّ أن لا أذوقها

هذا أبو محجن فانظر ماذاترى ، وأنت بين أمرين : إمَّا أن تأخذ بكتاب الله وفيه قوله تعالى : (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا) وإمَّا أن تجنح إلى ما جاء به القوم من خرافة : الصحابة كلهم عدول ، لا يستوي الحسنة ولا السيئة ، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، لا يستوي الخبيث والطيب (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ) سورة السجدة ، الآية : 18 .

وقال الأستاذ محمود أبو ريّة(رحمه الله)في كتابه أضواء على السنّة المحمديّة : 353 : وإذا كان الجمهور على أن الصحابة كلهم عدول ، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة ، واعتبروهم جميعاً معصومين عن الخطأ والسهو والنسيان ، فإن هناك كثيراً من المحقِّقين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة ، وإنما قالوا كما قال العلامة المقبلي : إنها أغلبيّة لا عامة ، وإنه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو والهوى ، ويؤيِّدون رأيهم بأن الصحابة إن هم إلاَّ بشر ، يقع منهم ما يقع من غيرهم ، مما يرجع إلى الطبيعة البشرية ، ويعزِّزون حكمهم بما وقع في عهده من المنافقين والكذَّابين ، وبما وقع بعده من الحروب والفتن والخصومات التي لا تزال آثارها إلى اليوم ، وستبقى إلى ما بعد هذا اليوم .


الصفحة 397


الصفحة 398

الحديث عن أثر التشيع في السودان

إنّ فرقة الشيعة ابتكرتها اليهوديَّة ، ولذلك نجد أن مؤسّسها يهوديٌّ اسمه عبدالله بن سبأ ، وهو دخيل على الإسلام وما كان يقصد إلاَّ الفتنة ، فغلوا جماعته في عليٍّ (عليه السلام) وألّهوه حتى أحرقهم بالنار ، وهذا دليل كاف على أن علياً بريءٌ منهم .


الصفحة 399

إنّ الشيعة دخيلة على السودان ، وهو شعب سنّي أصيل ، وهذا من مساوىء الحكومة الحاكمة ، فإنها فتحت المجال لهم ، وكان من المفترض أن تقف في وجوههم وتردَّ كيدهم .

ومن مساوئ الشيعة أيضاً أنهم يؤمنون بزواج المتعة ، وهو زواج جاهليٌّ أبطله الإسلام ، ولكنهم يدّعون أنّه لم يحرّمه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن حرَّمه عمر بن الخطاب .

ولم يخرج كلامه من هذه النقاط ، وبعد أن ختم حديثه ، وزَّع جماعته قطعاً ورقيّةً حتى تكتب فيها الأسئلة ، ولكنّها طريقة غير مجدية في حقّنا ، فرفعت يدي ، وطلبت أن أسأل مباشرةً ، فوافق على ذلك .

طلب المناظرة مع المُحاضِر

وبعد أن أمسكت بلاقطة الصوت ، شكرته على إتاحته الفرصة لنا ، وقلت له : إنّ لي ملاحظات على كل كلامك ، ولكن أن أسألك وأنت تجيب فهذه مسألة غير منصفة ، فأخيّرك بين أمرين : إمّا تعقد معي مناظرة ، وإمّا أن تسمح لي بالكلام حتى أعقّب على كل المحاضرة ، فأيَّهما تختار ؟

سكت مدّة من الزمن ، وقال : أسمح لك بخمس دقائق .

قلت : لا تكفي .

قال : عشر دقائق .

قلت : أيضاً لا تكفي ، وأنا أرى أن تكون مناظرة ، حتى لا تكون محدّدة بزمن ، ونحن مستعدُّون أن نجلس معك أسبوعاً كاملا ، ونطرح كل العقائد الشيعيّة من الألف إلى الياء .


الصفحة 400

قال : إن المناظرة لابدَّ أن تنسَّق مع جماعة أنصار السنّة المحمديَّة في الجامعة .

قلت : أنا أريدها معك أنت شخصيّاً ، فلا تحتاج إلى تنسيق .

قال : تكلَّم براحتك .. وكأنه هاربٌ من المناظرة .

مفهوم التشيع ونشاءته التاريخية

وبعدما فسح لي المجال للتحدّث ، رأيت أنّه من الأنسب أن لا أعتمد على منهجيّة الردِّ وحسب ، وإنما أقوم بتوضيح عام لمفهوم التشيُّع ونشوئه التاريخي ومصادره ، بمثابة مقدّمة تأصيليّة .

فقلت : إنّ التشيُّع ليس وليد اللحظة ، ولا وليد حالة تأريخيّة معيَّنة كما يقول البعض : إنّ التشيّع نشأ بعد حرب الجمل ، أو كما يقال : التشيّع أصبح خطّاً في الأمّة الإسلاميّة بعد حادثة كربلاء الأليمة التي ولَّدت تيَّاراً عاطفيَّاً عنيفاً في نفوس المسلمين ، ممَّا جعلهم يتبنّون أهل البيت(عليهم السلام) باعتبارهم قيادةً للمسلمين ، وليس كما يقول المجحفون إنّ التشيُّع وليد الذهنيّة اليهوديَّة التي تمثَّلت في شخصيَّة عبدالله بن سبأ .

إن الناظر إلى التشيُّع بروح موضوعيَّة ، يرى أنه ضارب جذوره في عمق الرسالة المحمديَّة ، فهو كمفهوم واضح من خلال النصّ القرآني ، والأحاديث النبويّة ، فإنّه لا يتجاوز أن يكون نظرة عميقة في سنن الله سبحانه وتعالى ، التي نستخلص منها ضرورة اصطفاء أئمّة وقادة ربانيين ، يتكفَّلون بقيادة البشريّة إلى نور الهداية ، فالضرورة العقليّة تحتّم وجود إمام من قبل الله ليقود هذه الأمة ، وتؤيِّد هذه الضرورة العقليّة النصوص الشرعيّة التي نجدها ظاهره في تنصيب


الصفحة 401

الأئمة واصطفاء القادة ، فما من مجتمع بشريٍّ مرَّ على تأريخ الإنسانية إلاّ وكان فيه قيادة إلهيَّة تمثِّل حجّة الله على العباد ، فقد أرسل الله مائة وأربعة وعشرين ألف نبيٍّ كما في بعض الروايات ، ولكل نبيٍّ وصيّ يحفظ خطَّ الرسالة من بعد النبيِّ .

وما لاقته الأمّة الإسلاميَّة من تمذهب وفرقة ما كان إلاَّ لفقدان المرجعيَّة الواحدة ، المصطفاة من قبل الله ، وممّا ثبت بالضرورة أنّ فترة وجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان المسلمون كياناً واحداً ; لوجود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بينهم ، وكذلك إذا فرضنا وجوده (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليوم لكانت الأمّة الإسلاميّة جسداً واحداً ، فيتّضح بذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمثّل صمّام أمان لهذه الأمّة ، فمجرَّد ما انفلت صمَّام الأمان انفلت الوضع من بعده ، فماذا كان يمثّل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!

كان يمثّل المرجعيّة المعصومة والقيادة الواحدة ، فيثبت من ذلك أنّ الطريق الوحيد لعصمة الأمّة هو وجود قيادة إلهيَّة معصومة ، وهذا ما تتبنّاه الشّيعة ، ومن هنا كان من الضروريِّ أن ينصب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إماماً لقيادة المسلمين ، والذي ينكر التنصيب ـ بمعنى أنّ الله لم يعيِّن إماماً ـ يكون بذلك نسب سبب الضلالة إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فهذا هو مفهوم الإمامة ، ولا أتصوَّر أنّ أحداً من المسلمين ينكر الإمامة كضرورة ومفهوم ، ولكنّ الخلاف كل الخلاف في مصاديق الإمامة الخارجيَّة ، فإنّ الشيعة تعتقد أنّ الإمامة جارية في ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) ، ولم يكن هذا مجرّد افتراض جادت به قريحة الشيعة ، وإنما هو نص قرآني وحديث نبوي ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في الحاكم : أوحى إليَّ في عليٍّ ثلاثة : أنّه


الصفحة 402

سيِّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرِّ المحجَّلين(1) ، وحديث جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آخذٌ بضبع علي بن أبي طالب (عليه السلام)وهو يقول : هذا إمام البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله(2) ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مرحباً بسيِّد الموحِّدين ، وإمام المتقين ، وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الأئمة من ولدي ، فمن أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، والوسيلة إلى الله جلَّ وعلا (3) ، ومئات الأحاديث .

فما ذنب الشيعة بعد ذلك إذا والوا علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأخذوا دينهم منه ، فهو المسار الطبيعي للرسالة ، ولو لاه لم يعرف للدين معنى .

ولذلك نجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكّد كثيراً على ضرورة الإمامة ، وإمامة عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالذات ، وهذا هو التشيُّع ، فهل لكم معنى آخر للتشيُّع حتى تنسبوه إلى عبدالله بن سبأ ؟! بل كلمة الشيعة نفسها لم تكن مصطلحاً غريباً على

الأمّة الإسلاميّة ، فقد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على تثبيت هذا المصطلح وتأصيله

____________

1- المستدرك ، الحاكم : 3/137 ـ 138 ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، المناقب ، الخوارزمي : 328 ح340 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/302 ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 1/69 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 1/78 و9/121 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/169 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : 4/153 .

2- المستدرك ، الحاكم : 3/129 ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، تأريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 3/181 ، رقم : 1203 و4/441 ، رقم : 2231 ، فتح الملك العلي ، المغربي : 57 ، المناقب ، الخوارزمي : 177 ح215 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/226 و383 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/602 ح32909 ، فيض القدير ، المناوي : 4/469 ح5591 .

3- ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 2/318 ح918 .


الصفحة 403

في ذهنيَّة الأمّة الإسلاميّة ، كما جاء في حديث جابر قال : كنّا عند النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فأقبل عليٌّ (عليه السلام) ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : " والذي نفسي بيده ، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة " فأنزل قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(1) ، وكما جاء عن ابن عباس قال : لمَّا أنزل الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيَّين ، ويأتي عدوُّك غضاباً مقمحين(2) .

وغير هذه الروايات الواضحة في تحديد مسار الأمَّة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لذلك نجد أنّ لهذه الروايات مصاديق وترجمة خارجيَّة من مجموعة من الصحابة كسلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والمقداد ، حتى أصبح لفظ الشيعة لقباً لهم . ذكر أبو حاتم في كتابه الزينة : إنّ أوّل اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة ، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة : أبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وسلمان الفارسي(3) .

هذا بالإضافة لوجود كثير من الآيات والأحاديث التي توجب اتّباع أهل

البيت(عليهم السلام) خاصّة ، وأخذ الدين عنهم ، كقوله تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ

____________

1- سورة البيِّنة ، الآية : 7 .

2- شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : 2/460 ـ 461 ح1126 ، النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : 4/106 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : 6/379 ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 92 ، ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : 2/452 ح254 ، الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 246 ، الآية الحادية عشر .

3- ذكره في باب الألفاظ المتداولة بين أهل العلم .


الصفحة 404

الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) .

من الضروريِّ أن لا يكون الله طهّرهم من الذنوب عبثاً ، وإنّما تطهيرهم مقدِّمة لاتّباعهم وأخذ الدين منهم ، كما جاء في الحديث : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن العليم الخبير أنبأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض(2) .

وهذا يدلُّ على أن البعد عن الضلالة لا يتحقّق إلاَّ باتّباعهم وأخذ الدين منهم ، حتى السلف الصالح لا يسمّى صالحاً إلاَّ إذا أخذ دينه عن أهل البيت(عليهم السلام) ، فبأيِّ حجّة بعد ذلك تقول : إن أخذ الدين لابد أن يكون عن طريق السلف ؟ وأيَّ سلف تقصد ؟ هل الذين لم يتفقوا في أبسط الأحكام الفقهيّة كاختلافهم في قطع يد السارق ، فهل تقطع من أصل الأصابع كما قال بعض الصحابة أو من الكفّ ، أو من المرفق ، أو من الكتف كما قال آخرون(3) ؟

فمن الضروريِّ أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلَّغ حكماً واحداً لا أحكاماً متعدّدةً ، وهذا يدلُّ على أن الصحابة هم الذين أخطأوا ، فكيف نعتمد على قولهم ، وندين الله تعالى باتّباعهم ؟

هل هناك دليل على وجوب اتباع السلف ؟

فإذن ليس كما ذهبت أنّ الطريق هو متابعة كل السلف الذين اقتتلوا ،

وكفَّروا بعضهم ، وإنّما يؤخذ الدين عن شريحة خاصة كفل الله عصمتهم من

____________

1- سورة الأحزاب ، الآية : 33 .

2- تقدمت تخريجاته في المناظرة الخامسة .

3- راجع : بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، وتفسير الفخر الرازي في تفسير الآية الشريفة : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) سورة المائدة ، الآية : 38 .


الصفحة 405

الاختلاف ، وهم أهل البيت(عليهم السلام) الذين تواترت الروايات في حقِّهم ، ووجوب اتباعهم .

أسألك بالله إن كنت صادقاً فيما تقول ، أن تثبت لي دليلا واحداً يقتضي بوجوب اتباع السلف ؟! واستدلالك ببعض الآيات كقوله تعالى : وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}(1) فإنها لا يمكن أن تحمل على مطلق السلف ، وإنّما هي عامّة ، وتخصيصها يحتاج إلى دليل ، ولا توجد قرائن تخصّصها إلاَّ ما جاء في حقِّ أهل البيت(عليهم السلام) ، ولا يمكن أن تحملها على مطلق السلف كما ثبت من وقوع الاختلاف بينهم .

ولا نقبل استدلالك بقوله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}(2) فإنّها لا تتجاوز أن تكون مدحاً ، وإن تنازلنا وسلّمنا بظهورها فيما تدّعي فإن الظهور لا يقابل النصوص الواضحة القاطعة بوجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) .

ونحن ندري أنّ مشكلتكم ليست الأدلّة والبراهين الواضحة في وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ، وأنكم لم تكونوا سلفيين بمحض إرادتكم ، وإنَّما هذا ما ورثتموه من التاريخ الجائر للحكمين الأموي والعباسي ، الذي عمل جهده حتى يورث الأمَّة تيَّاراً يواجه أهل البيت(عليهم السلام) ، وإلاّ ما كرّرت أنت نفس مالاكه علماؤك الأقدمون ، الذين صنعتهم السلطات الجائرة ، ليشوِّهوا صورة التشيُّع .

____________

1- سورة النساء ، الآية : 115 .

2- سورة الفتح ، الآية : 29 .


الصفحة 406

لا علاقة للتشيّع بعبدالله بن سبأ

بالله عليك ، هل هناك عاقل له قليل اطّلاع بالمذهب الشيعيِّ يكون صادقاً مع نفسه إذا نسبه إلى عبدالله بن سبأ ؟ نعم قد يكون الجاهل معذوراً ، ولكن ما عذر من يكرّر الجهل ويتبّناه من غير دراية وتحقيق ، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين ، فكيف تتحدَّثون عن الشيعة وكأنهم مخلوق غريب لا ارتباط لهم بالإنسانيّة ، ويعيشون في كوكب غير كوكبنا ؟

عزيزي ! إنّ الوسائل قد تغيَّرت ، فاتركوا ما ورثتموه عن سلفكم ، ابحثوا عن وسائل جديدة في الردِّ على الشيعة ، فزمنهم غير زمنكم ، فقد تعدَّدت وسائل المعارف ، فهذه الكتب الشيعيّة متوفِّرة في كل مكان فاطّلعوا على براهينهم ، وهذه البلاد الشيعيّة زوروها ، وقفوا على أحوالهم .

وكان بإمكاني أن لا أردّ على ما ذكرت ; لأنه لا يرقى إلى مستوى الفكر والنقاش ، ولكن تنازلا أعقّب على ما ذكرته في حديثك .

أولا : إنّ نسبة الشيعة إلى عبدالله بن سبأ ، يرجع إلى ما رواه الطبري ، وهو أول راوي لذلك ، أمَّا بقية المؤرِّخين فإنهم أخذوا منه ، وروى الطبري ذلك عن سيف بن عمر ، وسيف معروف قدره عند علماء الجرح والتعديل(1) ، فإنه رجل

____________

1- قال يحيى بن معين ـ ت 233 هـ ـ : ضعيف الحديث ، فلسٌ خير منه ، وقال أبو داوود ـ ت 275 هـ ـ : ليس بشيء كذّاب ، وقال النسائيي صاحب الصحيح ـ ت 303 هـ ـ : ضعيف ومتروك الحديث ، ليس بثقة ولا مأمون ، وقال ابن حاتم ـ ت 327 هـ ـ : متروك الحديث ، وقال ابن عدي ـ ت 365 ـ : يروي الموضوعات اُتهم بالزندقة ، وقال : قالوا : كان يضع الحديث ، وقال الحاكم ـ ت405 هـ ـ : متروك ، وقد اتهم بالزندقة ، وهاهُ الخطيب البغدادي ، ونقل ابن عبد البرّ عن ابن حيان أنه قال فيه : سيف متروك ، وإنّما ذكرنا حديثه للمعرفة ، ولم يعقِّب ابن عبد البرِّ عليه ، وقال الفيروز آبادي : صاحب توالف ، وذكره مع غيره وقال عنهم : ضعفاء ، وقال ابن حجر بعد إيراد حديث ورد في سنده اسمه : فيه ضعفاء أشدُّهم سيف ، وقال صفي الدين : ضعَّفوه ، وروى له الترمذي فرد حديث .


الصفحة 407

كاذب ومدلِّس ، ولا يؤخذ برواياته ، وللمزيد ارجع إلى كتاب عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى للعلامة السيد مرتضى العسكري .

ثانياً : حتى لو سلّمنا بهذه الروايات فإنها لا تقول بأن عبدالله بن سبأ هو مؤسّس الشيعة ، فكل ما فيها أنّ هذا الرجل ادّعى أنّ لكل نبيٍّ وصيّاً ، وأنّ وصيَّ محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عليٌّ (عليه السلام) ، وهذا ليس من مبتكرات عبدالله بن سبأ ، وإنما صرَّح به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل ، فإذا كان قول الشيعة مطابقاً لقول ابن سبأ ، فما هو وجه الملازمة بين هذا وبين أن يكون هو مؤسّس الشيعة ؟ فما هو وجه الشبه حتى تربط بين الأمرين ؟ ولعمري إنها لسخافة في الرأي .

أمَّا تأليه عليٍّ (عليه السلام) وأنّ عليّاً (عليه السلام) أحرق أتباعه بالنار ، فإن الشيعة لا تؤمن بذلك ، وإنما نعتقد أن عليّاً (عليه السلام) عبدٌ صالح من عباد الله الصالحين ، اختاره الله لحمل رسالته من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ثالثاً : ما كانت هذه الفرية إلاَّ حلقة من مسلسل الوضع على الشيعة ، كما قال طه حسين : ( ابن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة ، ولا وجود له في الخارج ) وتستهدف هذه المحاولة تشويه عقائد الشيعة التي تنبع من القرآن والسنة ، مثل الوصيَّة والعصمة ، فلم يجد أعداؤهم طريقاً إلاَّ ربط هذه العقائد بجذر يهوديٍّ ، يكون بطلها شخصاً خياليّاً اسمه عبدالله ابن سبأ ، فيلقى اللوم بذلك عليه وعلى الذين أخذوا منه ، وهذا بالإضافة إلى تعديل صورة الصحابة وتنزيههم عن اللوم والعتاب ، بما جرى بينهم من فرقة واختلاف انتهت بقتل عثمان ، وحرب الجمل التي تعتبر أكبر فاجعة بعد حادثة السقيفة ، حيث راح


الصفحة 408

ضحيَّتها آلاف من الصحابة ، وما هذه القصة المفتعلة عن ابن سبأ إلاَّ تغطية على تلك الفترة الزمنيّة الحرجة ، فألقوا مسؤوليَّة ما حدث على هذه الشخصيّة الوهميّة وأسدلوا الستار ، ومن غير ذلك يكون الصحابة أنفسهم مسؤولين عمَّا حدث ، من انشقاق الأمَّة ، وتفرّقهم إلى مذاهب ومعتقدات شتى ، ولكن هيهات يتسنَّى لهذا الدخيل أن يعبث حتى غيَّر تاريخ الإسلام العقائدي ، والصحابة شهود على ذلك !! فإذا لم يكن الصحابة قادرين على قيادة الأمّة إلى برِّ الأمان في حياتهم ، فكيف يقودون الأمَّة بعد وفاتهم ، فالذي فشل في حياته كيف ينجح بعد مماته ؟!

الدليل على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخلافته

وعندما كنت أتحدَّث كان بعض الوهابيّة يصيحون : الزمن ، الزمن ، ولكن المحاضر صامت وكأنّ على رأسه الطير ، ولم يتفوّه بكلمة واحدة ، وشعرت بأنه يطلب المزيد ، ولذلك ما إن وضعت لاقطة الصوت وقلت : لنا عودة ، قال : أسألك سؤالا ، هل عندك دليل على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخلافته ؟

قلت : من القرآن والسنة ، والعقل ، والتاريخ ، فأيّها تحبُّ ؟

قال : من القرآن .

فحمدت الله في سرّي على هذه الفرصة الجديدة ، وقلت : إنّ الآيات كثيرة في ذلك ، وسوف أذكر لك بعضها مع التوضيح :

الآية الأولى : آية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ...} .

أولا : قوله تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ


الصفحة 409

الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1) .

هذه الآية تطرح نفس ما قلناه ، وتؤكِّد أولا : ضرورة الولاية في الدين ، وثانياً : استمراريّة ولاية الله ، وهي السلطة والحاكميّة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمَّ من بعده الذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون .

أمَّا ولاية الله فهي ثابتة بالذات ، وأمَّا ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين آمنوا فهي بالتبع ، فولاية الله في الأرض وحكومته لا تتمُّ إلاَّ باصطفاء بشر أعطاهم الله القدرة التي تؤهّلهم على أن يكونوا امتداداً لحكومة الله في الأرض ، فلا يحقُّ للإنسان ، مطلق الإنسان ، أن يتصرَّف في إدارة البلاد والعباد من غير إذن الله ; لأنّ الله هو الحاكم {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ}(2) ولا تتمُّ حكومته في الأرض إلاّ إذا اصطفى الله حاكماً من عباده ، ولذلك جاءت هذه الآية القرآنيّة صريحة في هذا المجال ، فأثبتت أولا : ولاية الله ، ثمَّ أجرت هذه الولاية على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمَّ صرَّحت أن الولاية من بعد الرسول تكون مستمرَّة في الذين آمنوا وآتوا الزكاة في حال الركوع .

فدلالة هذه الآية على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) تكون واضحة إذا اتضح أنّ المراد من قوله تعالى {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والحمد لله إنّ هذا المعنى ثابت ; لما تواتر من الأخبار في نزول هذه الآية بخصوص علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأذكر لكم هنا ما جاء عن أبي ذر الغفاري في رواية طويلة أخرجها عنه الحاكم الحسكاني ( ج1

____________

1- سورة المائدة ، الآية : 55 .

2- سورة الأنعام ، الآية : 57 .


الصفحة 410

ص177 ط . بيروت ) بسنده .

قال أبو ذر الغفاري : أيُّها الناس ! من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرٍّ الغفاري ، سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بهاتين وإلاَّ فصمَّتا ، ورأيته بهاتين وإلاَّ فعميتا ، وهو يقول : عليٌّ قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله ، أما إني صلّيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء ، وقال : اللهم اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يعطني أحدٌ شيئاً ، وكان علي (عليه السلام) راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختّم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلمَّا فرغ النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}(1) ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}(2) ، اللهم وأنا محمّد نبيُّك وصفيُّك ، اللهم فاشرح صدري ، ويسرّ لي أمري ، وجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً أخي ، اشدد به أزري .

قال : فوالله ما استتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلام حتى نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) من عند الله ، وقال : يا محمّد ! هنيئاً ما وهب لك في أخيك ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : وما ذاك يا جبرئيل ؟ قال : أمر الله أمّتك بموالاته إلى يوم القيامة ، وأنزل عليك {إِنَّمَا

____________

1- سورة طه ، الآية : 25 ـ 32 .

2- سورة القصص ، الآية : 35 .


الصفحة 411

وَلِيُّكُمُ} ... إلى آخر الآية(1) .

فيكون معنى الآية بعد ذلك : إنما وليُّكم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) . ولا يستشكل أحد ، كيف خاطب الله الفرد بصيغة الجمع ؟ لأنه أمر جائز في لغة العرب ، وهو ضرب من ضروب التعظيم ، والشواهد على ذلك كثيرة ، كقوله تعالى : {الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء}(2) . فالقائل هو حيي بن أخطب ، وقوله تعالى : {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ}(3) ، وهذه الآية نزلت في رجل من المنافقين ، إما في الجلاس بن سويد ، أو نبتل بن الحرث ، أو عتاب بن قشيرة(4) .

ولا يستشكل أيضاً بأنّ معنى الوليّ هو المحبُّ والناصر ، وإنما هو الأولى بالتصرُّف ، والذي يدلُّ على ذلك هو أن الله تعالى نفى أن يكون لنا وليٌّ غيره وغير رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وغير {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} بلفظة {إِنَّمَا} ، ولو كان المقصود الموالاة في الدين ما خصّ بها المذكورين ، لأن الموالاة في الدين عامة للمؤمنين جميعاً ، قال تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض}(5) فالتخصيص يدلُّ على أنّ نوع الولاية يختلف عن ولاية المؤمنين لبعضهم البعض ، فلا يكون المراد من قوله :

____________

1- شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : 1/229 ـ 231 ح235 ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 87 .

2- سورة آل عمران ، الآية : 181 .

3- سورة التوبة ، الآية : 61 .

4- تفسير الطبري : 8/198 .

5- سورة التوبة ، الآية : 71 .


الصفحة 412

{وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ...} مجمل ومطلق المؤمنين ، وإنّما تكون خاصّة بعلي (عليه السلام) بدليل ( إنّما ) التي تفيد التخصيص فتنفي جملة المؤمنين ، وهذا بالإضافة للأحاديث التي أثبتت أن هذا الوصف {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}لم ينطبق على أحد ، ولم يدّعه أحد غير أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وهو كونه أتى الزكاة وهو راكع .

الآية الثانية : آية {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ...} .

ثانياً : قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(1) .

تعالوا لنتدبَّر في هذه الآية المباركة ، فإننا نلاحظ أنّ هذه الآية خاطبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلهجة غريبة : " وإن لم تفعل " فمتى توانى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر تبليغ الرسالة حتى يخاطبه الله بقوله : {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} فنستظهر من ذلك أن هذا الأمر الذي يأمر المولى بتبليغه في غاية الأهمّيّة والشأن ، هذا أولا .

وثانياً : صعوبة تبليغ هذا الأمر من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذه الصعوبة تتحتَّم أن تكون من باب عدم قبول سائر الناس لهذا الأمر ، وإلاَّ لم تكن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مصلحة في عدم تبليغه لهذا الأمر ، ويؤكِّد ذلك ذيل الآية {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي بمعنى أنك ستواجه معارضة عنيفة في تبليغ هذا الأمر لدرجة أنه يمكن أن يلحق الأذى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهنا كفل الله له العصمة والضمانة .

وقوله تعالى : {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} إنّ هذا الأمر بلغ من الأهمّيّة

____________

1- سورة المائدة ، الآية : 67 .


الصفحة 413

جعلته يوضع في كفّة قبال كل الرسالة بما فيها من صبر على العناء والجهاد ودماء الشهداء ، وما لاقاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أذى ، حتى قال : ما أوذي نبيٌّ كما أوذيت ، يكون كل هذا لا اعتبار له إلاَّ بتبليغ هذا الأمر .

فياترى ماذا يكون ؟ هل الصيام ، أم الزكاة ، أم الحج ، أو التوحيد وسائر المفردات العقائدية ؟ لا يمكن أن يكون ذلك ; لأنّ هذه الآية في سورة المائدة ، وهي مدنيَّة ، كما أنّها من أواخر سور القرآن كما جاء في مستدرك الحاكم ، هذا بالإضافة إلى نزول هذه الآية بالذات بعد حجّة الوداع ، وهي آخر حجّة في الإسلام ، وكانت كل أحكام الدين مبلَّغةً وواضحةً ، فيكون الأمر خلاف ذلك ، وإنّما له ربط بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فهل هنالك أمر غير تعيين الإمام والخليفة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أمرٌ يكون بقاء الرسالة منوطاً به ، حيث لو لاه لما كانت رسالة ، وهل هنالك أمرٌ وقع الخلاف فيه بين المسلمين غير الخلافة والولاية كما قال الشهرستاني : ( ما سُلّ سيف في الإسلام كما سلّ في الخلافة )(1) ، هذا بالإضافة لما أوضحناه في بداية حديثنا أن الإمامة والمرجعيّة الواحدة هي كفيلة بعصمة الأمّة من الضلال ، فيتحتَّم أن يكون الأمر المراد تبليغه هو ذلك .

وهذا ما أثبته المفسِّرون ، وأصحاب السير ، ورواة الأحاديث بأن هذه الآية نزلت بخصوص علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، في غدير خم ، ذكر السيوطي في تفسيره ( الدرّ المنثور ) في تفسير الآية عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، بأسانيدهم عن أبي سعيد قال : ( نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم في

____________

1- الملل والنحل ، الشهرستاني : 1/30 .


الصفحة 414

علي (عليه السلام) ) ونقل أيضاً عن ابن مردويه بإسناده إلى ابن مسعود قوله : كنّا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ـ أن عليّاً مولى المؤمنين ـ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(1) .

وروى الواحدي في أسباب النزول : ص150 عن أبي سعيد قال : ( نزلت في غدير خم في علي (عليه السلام) )(2) ، وروى الحافظ ابن عساكر الشافعي بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب(3) .

فقد جاء عن زيد بن أرقم أنه قال : لمَّا نزل النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بغدير خم ، في رجوعه من حجّة الوداع ، وكان في وقت الضحى والحرّ شديد ، أمر بالدوحات فقمِّمن ، ونادى : الصلاة جامعة فاجتمعنا ، فخطب خطبة بليغة ، ثمَّ قال : إنّ الله تعالى أنزل إليَّ : {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وقد أمرني جبرائيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد ، وأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخي ووصيّي وخليفتي والإمام من بعدي .. فاعلموا معاشر الناس ذلك ، فإنّ الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً ، وفرض طاعته على كل أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدَّقه ، اسمعوا وأطيعوا ، فإنّ الله مولاكم ، وعليٌّ إمامكم ، ثمَّ الإمامة في ولده من صلبه إلى يوم القيامة ...(4) .

وبعدما بلَّغ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية علي(عليه السلام) التي لو لاها لم يكتمل الدين ،

____________

1- الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/298 ، فتح القدير ، الشوكاني : 2/60 .

2- أسباب نزول الآيات ، الواحدي : 135 .

3- تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/237 .

4- راجع : الغدير ، الأميني : 1/214 ـ 215 ، روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : 92 ـ 93 .


الصفحة 415

كما هو واضح من منطوق الآية :{وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أمَّا مفهومها ( إذا بلغت أكملت الرساله ) ومن هنا نزل قوله تعالى :{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(1) فإكمال الدين وإتمام النعمة بولاية عليٍّ (عليه السلام)(2) .

الآية الثالثة : {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(3) .

هذه الآية تلخِّص ما أوضحناه بأن استمراريّة الرسالة منوطة بطاعة الله ورسوله وطاعة أولي الأمر من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونجد هنا أن مفهوم الولاية وكأنه ثابت في فطرة الإنسان ، ولذلك تتَّكي الآية عليه لإثبات حكم آخر ، وهو الملاك والمناط الذي من خلاله نتعرَّف على وليِّ الأمر ، وهو العصمة .

إنّ العصمة للوالي ثابتة بالضرورة العقليّة ، ولكن هذا ليس موضع حديثنا ، ويكفي في هذا المقام أنّ الآية ظاهرة ، بل نصٌّ صريح في المدَّعى وهو العصمة ، فإنّ الله سبحانه وتعالى أمر بطاعة وليِّ الأمر على سبيل الجزم ، وكل من يأمر الله

____________

1- سورة المائدة ، الآية : 3 ، وقد صرَّح بنزول هذه الآية في علي (عليه السلام) كثيرٌ من المحدِّثين ، وذكر منهم الأميني في كتابه الغدير : 1/230 ـ 237 ستة عشر مصدراً ، فراجع .

2- روى ابن عساكر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : لمَّا أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست وليَّ المؤمنين ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، قال : فأنزل الله عزَّوجلَّ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) قال أبو هريرة : وهو يوم غدير خم ، من صام ثماني عشرة من ذي الحجّة كتب الله له صيام ستين شهراً ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/233 .

3- سورة النساء ، الآية : 59 .


الصفحة 416

بطاعته على سبيل الجزم لابد أن يكون معصوماً ، وإلاّ اجتمع الأمر والنهي في موضع واحد ، وهذا محال ; لأنه لا يأمر بالمعصية وينهى عنها .

وتقرير ذلك : إذا أمرنا الله بالطاعة الحتميّة لوليِّ الأمر ، مع افتراض المعصية والخطأ منه ، فنقع بالتبع في المعصية والخطأ منّا لطاعتنا له ، فيكون بذلك قد أمرنا الله بالمعصية والخطأ بطريقة غير مباشرة ، وفي الوقت نفسه قد نهانا الله عن الخطأ والمعصية ، وهذا تناقض ومحال ، فتتحتَّم وتتعيَّن العصمة للإمام ، وهذا هو المقياس الذي جعله الله لنا لنكتشف من خلاله المصداق الخارجي للإمام ، وهذا يعني الكفر بكل وال ادّعى خلافة المسلمين وهو غير معصوم ، فضلا على أن يكون فاسقاً مجاهراً بالفجور .

وياترى من الذين كفل الله عصمتهم وطهارتهم حتى يكونوا ولاة أمورنا ؟ لم نجد في آيات الذكر الحكيم ، ولا أحاديث النبيِّ الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا من بين دفّات التاريخ جماعة طهّرهم الله وأذهب عنهم الرجس غير أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1) .

وإفادة العصمة واضحة من هذه الآية ، وذلك لاستحالة تخلُّف المراد ، إذا كان المريد هو الله سبحانه ، وهي تطهير أهل البيت(عليهم السلام) خاصة ، وأداة الحصر ( إنّما ) شاهدةٌ على ذلك ، وهذا بالإضافة لتأكيدات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على تعضيد هذا المعنى ، كما في حديث الثقلين : إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ،

____________

1- سورة الأحزاب ، الآية : 33 .