الصفحة 384

المناظرة التاسعة والستون

مناظرة

السيّد حسين الرجا مع بعض مشايخ السنّة

قال السيِّد حسين الرجا : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبّين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الاستشفاء ، فاستقبلنا ورحَّب بنا ، فقبَّلت يده ، ولمَّا استقرَّ بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين ! أصحيح ما سمعناه عنك ؟

فقلت له : نعم شيخنا .

فقال : تكلَّم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة ، هي المصيبة في الدين ؟

فقلت له : شيخنا ! لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخصّ صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة . وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم .

ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكّي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيُّع ، وفي مثل هذه القضايا تزلُّ الأقدام ، فخفت على نفسي من زلَّة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاَّ عند العلماء ، وإلاَّ فمرضي لا


الصفحة 385

ترجى براءته .

فأطرق الشيخ دقيقة صمت ، ثمَّ نظر إليَّ نظر العالم المتمكِّن والمتحدّي ، فقال : يا حاج حسين ! لا يمكن أن الصحابة يغلطون أو يزلّون ، وإذا الصحابة يغلطون أو يزلّون ، أو يأثمون ويجرمون ، أو يتعاطون المعاصي فأنا أشرط عمامتي وأضعها في بيت الماء ـ يعني يمزِّقها ويضعها في المرحاض .

ولمَّا أنهى الشيخ كلامه أطرقت رأسي ، ولم أردَّ جواباً ، وشرع ذهني يتجوَّل بين ثلاثة محاور ، تارة في مكتبة الشيخ التي تضمُّ صحيحي مسلم والبخاري ، وتارة في عمامته التي أصيغت على طراز أبدع ما تصاغ به العمائم ، وثالثة أفكِّر في المرحاض الذي لا يبعد كثيراً عن مجلس الحوار ، فأخذني صراع داخلي ، فتارة تحمل عليَّ نفسي فأكاد أن أقول للشيخ : آتني بمجلَّد كذا ورقم كذا وباب كذا وكذا في مسلم والبخاري ، وتارة أحمل عليها فأسكتها ، فو الله ما منعني عن ردّ التحدّي إلاَّ شيمي وأخلاقي ، ولأن الردَّ خطير .

وبعد الحوار الذي هو أقرب إلى كونه صبياني تفرَّقنا ، ولمَّا دخلت بيتي وأخذت مضجعي أدركتني بركة الشيخ ، فاستفدت كثيراً ، غير أنها من نوع سلبي ونتيجة عكسيَّة ، حيث قرَّرت أن لا أموت إلاَّ شيعيّاً على طريق محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وعلمت أن الشيخ مأسور الفكر والدراسة ، وأدركت أن كثيراً ما يوجد في العالم الإسلامي من عالم بلا علم ، وعمامة بلا معمَّم ، وأيقنت أن طلب العلم للعلم هو غيره عن طلب العلم للوظيفة والاكتساب(1) .

____________

1- المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : 366 ـ 367 .


الصفحة 386

المناظرة السبعون

مناظرة

الكاتب الأستاذ إدريس الحسني المغربي

مع بعضهم في معاوية والحجّاج

قال الأستاذ إدريس الحسيني(1) : جاءني يوماً أحد أصدقائي الطلبة ، يسألني عن معاوية وقتاله لعلي (عليه السلام) في صفين ، وقبل أن أباشر في الجواب نطق أحد الحاضرين قائلا : اللعنة عليه ، فخزرت فيه ، ثم قلت : أعوذ بالله ، لماذا تلعنه ؟

قال : لأنه قاتل علياً (عليه السلام)(2) .

____________

1- هو : الأستاذ الكاتب والصحافي السيّد إدريس بن محمّد بن أحمد العشاقي المغربي الحسيني الإسماعيلي ، من نسل إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، من مواليد نكسة 1967 ، بمدينة مولاي إدريس ، ويحضر حالياً بحوث الخارج في الحوزة العلميّة في منطقة السيِّدة زينب (عليها السلام) في الشام ، وله عدة مؤلَّفات منها : كتاب لقد شيَّعني الحسين (عليه السلام) ، وكتاب الخلافة المغتصبة ، وله كتاب رد على أحمد الكاتب ( المتحوِّلون : 265 ـ 266 ) .

2- قال ابن أبي الحديد : وكان معاوية على أسّ الدهر مبغضاً لعلي (عليه السلام) ، شديد الانحراف عنه ، وكيف لا يبغضه ، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة ، وشرك عمَّه في جدِّه وهو عتبة ، أو في عمِّه وهو شيبة ، على اختلاف الرواية ، وقتل من نبي عمِّه عبد شمس نفراً كثيراً من أعيانهم وأماثلهم ، ثمَّ جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان ، فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه ، وانضواء كثير من قتلته إليه (عليه السلام) ، فتأكَّدت البغضة ، وثارت الأحقاد ، وتذكرت تلك الترات الأولى ، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه .

وقد كان معاوية مع عظم قدر علي (عليه السلام) في النفوس ، واعتراف العرب بشجاعته ، وأنه البطل الذي لا يقام له يتهدَّده ـ وعثمان بعد حيٌّ ـ بالحرب والمنابذة ، ويراسله من الشام رسائل خشنة .

إلى أن قال : ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا ، يرمى بالزندقة ، وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الإلحاد والتعرُّض لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ، ولو لم يكن شيءٌ من ذلك لكان في محاربته الإمام (عليه السلام) ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفِّرها التوبة . شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد 1/338 ـ 340 .


الصفحة 387

قلت له : ومع ذلك ، فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : لا تسبّوا أصحابي .

وبهذه الكلمة البائسة الغبيّة المصحوبة بتماوج كاريكاتوري يختزل وقاراً مصطنعاً .. استطعت أن أسكت صديقنا(1) .

قال إدريس الحسيني في موضع آخر : وذات مرَّة قلت لأحد المشائخ الكبار : عجباً ! لست أدري كيف يقبل المسلمون بأمثال الحجاج بن يوسف الثقفي ، ذلك السفاح ، ما وقَّر عالماً ولا عاميّاً ؟(2)

فقال شيخنا الموقَّر : أعوذ بالله ، نحن السنة والجماعة نعتقد في إيمانه وإسلامه ، وقد قال فيه العلماء خيراً رغم كل ذلك ، فهو من الصالحين ، لأنه شكل القرآن ؟(3) .

ويقول السيد إدريس الحسيني في كتابه القيِّم ( لقد شيَّعني الحسين (عليه السلام) )

____________

1- كتاب لقد شيعني الحسين (عليه السلام) ، الكاتب والصحفي إدريس الحسيني : 46 .

2- راجع جملة من أخبار الحجاج في التأريخ وموبقاته بعد هذه المناظرة .

3- كتاب لقد شيَّعني الحسين (عليه السلام) ، الكاتب إدريس الحسيني : 49 .


الصفحة 388

في سبب تشيُّعه وأخذه بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) : ما إن خلصت من قراءة مذبحة كربلاء بتفاصيلها المأساويّة حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري ، ومن هنا بدأت نقطة الثورة ; الثورة على كل مفاهيمي ومسلَّماتي الموروثة ; ثورة الحسيني (عليه السلام) داخل روحي وعقلي ، إلى أن يقول : فكربلاء مدخلي إلى التأريخ ، إلى الحقيقة ، إلى الإسلام ، فكيف لا أجذب إليها جذبة صوفي رقيق القلب ، أو جذبة أديب مرهف الشعور ؟! وتلك هي المحطة التي أردت أن أنهي بها كلامي عن مجمل معاناة آل البيت(عليهم السلام) ، وظروف الجريمة التأريخية ضدَّ نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : من قتل الحسين (عليه السلام) ؟ أو بتعبير أدقّ من قتل من ؟ نحن لا نشك في أن مقتل الحسين (عليه السلام) هو نتيجة وضع يمتدُّ بجذوره إلى السقيفة ، إلى أخطر قرار صدر بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان ضحيَّته الأولى : آل البيت(عليهم السلام) ، ونلاحظ من خلال حركة التاريخ الإسلامي أن محاولة تهميش آل البيت ، وقمع رموزهم بدأ منذ السقيفة ، ورأيي لو جازف الإمام علي وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) لكان فعلا أحرقوا عليهم الدار ، ولكان شيء أشبه بعاشوراء وكربلاء الحسين (عليه السلام)(1) .

والجدير بالذكر هنا هو ما أنشده القاضي أبو بكر بن أبي قريعة ( المتوفَّى 367 ) في هذا المعنى ، حيث يقول :


يَا مَنْ يُسَائِلُ دائباً عن كلِّ مُعضِلَة سخيفه

لاَ تَكْشِفَنَّ مُغَطَّأً فَلَرَبَّما كَشَّفْتَ جِيْفَه

____________

1- نفس المصدر : 315 و317 .


الصفحة 389

وَلَرُبَّ مَستُور بَدَا كالطبلِ مِنْ تَحْتِ القطيفه

إِنَّ الجَوَابَ لَحَاضِرٌ لكنَّني أُخفِيْهِ خِيْفَه(1)

لو لا اعتذارُ رَعِيَّة ألغى سِيَاسَتَها الخليفه

وَسُيُوفُ أعْدَاء بها هَامَاتُنا أبداً نقيفه

لَنَشَرْتُ مِنْ أَسْرَارِ آلِ محمَّد جُمَلا طريفه

تُغنِي بِها عمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ وأبو حنيفه

وَأَرَيْتُكُمْ أَنَّ الحُسَيْنَ أُصيِبَ في يَوْمِ السقيفه

وَلاَِيِّ حَال أُلْحِدَتْ باللَّيلِ فَاطِمَةُ الشريفه

وَلِما حَمَتْ شَيْخَيْكُمُ عَنْ وَطْيِ حُجْرَتِها المنيفه

آه لِبِنْتِ محمَّد ماتت بِغُصَّتِها أسيفه(2)

جملة من أخبار الحجاج في التأريخ

جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد : فأمَّا الكعبة فإن الحجاج في أيام عبدالملك هدمها ، وكان الوليد بن يزيد يصلّي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة ، فقيل له ، فقرأ : {فَأَيْنََما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}(3) .

وخطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم ! إنّما يطوفون بأعواد ورمَّة بالية ! هلاّ طافوا بقصر

____________

1- كشف الغمة ، الإربلي : 2/127 ـ 128 .

2- كتاب الوافي بالوفيات ، الصفدي : 3/227 ـ 228 .

3- سورة البقرة ، الآية : 115 .


الصفحة 390

أميرالمؤمنين عبد الملك ! ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله !(1)

وروى أبو داود في سننه بسنده عن المغيرة عن الربيع بن خالد الضبي قال : سمعت الحجاج يخطب ، فقال في خطبته : رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه ، أم خليفته في أهله ؟ فقلت في نفسي : لله عليَّ ألا أصلِّي خلفك صلاة أبداً ، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنَّك معهم(2) .

وقال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم(3) .

وقال أبو بكر بن عياش : عن عاصم بن أبي النجود : ما بقيت لله حرمة إلاَّ وقد ارتكبها الحجاج .

وقال عبد الرزاق : عن معمّر ، عن ابن طاووس أن أباه لما تحقَّق موت الحجاج تلا قوله تعالى : {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(4)(5) .

وقال ابن حجر في ترجمته : حجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي ، الأمير الشهير ، ولد سنة ( 45 ) أو بعدها بيسير ، ونشأ بالطائف ، وكان أبوه من شيعة بني أمية ، وحضر مع مروان حروبه ، ونشأ ابنه مؤدِّب كتّاب ، ثمَّ لحق بعبد الملك بن مروان ، وحضر مع قتل مصعب بن الزبير ، ثمَّ انتدب لقتال عبدالله بن الزبير بمكة ،

____________

1- شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/242 .

2- سنن أبي داود : 2/400 ، رقم : 4642 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 9/151 .

3- تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 12/186 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/267 .

4- سورة الأنعام ، الآية : 45 .

5- البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/267 .


الصفحة 391

فجهَّزه أميراً على الجيش ، فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل ابن الزبير .

وقال جماعة : إنه دسَّ على ابن عمر من سمَّه في زجّ رمح(1) ، وقد وقع بعض ذلك في صحيح البخاري ، وولاَّه عبدالملك الحرمين مدّة ، ثمَّ استقدمه فولاَّه الكوفة وجمع له العراقين ، فسار بالناس سيرة جائرة واستمرَّ في الولاية نحواً من عشرين سنة ، وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرومه ، ويجادل على ذلك ، وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقرَّاء من أهل البصرة وغيرها ، فحاربه حتى قتله ، وتتبَّع من كان معه فعرضهم على السيف ، فمن أقرَّ له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه ، ومن امتنع قتله صبراً ، حتى قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم .

وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان : أحصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً .

وقال زاذان : كان مفلساً من دينه ، وقال طاووس : عجبت لمن يسمّيه مؤمناً ، وكفَّره جماعة منهم سعيد بن جبير ، والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي .. وغيرهم .

وقالت له أسماء بنت أبي بكر : أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وروى ابن أبي الدنيا بسنده ، عن زيد بن أسلم قال : أغمي على المسور بن مخرمة ، ثمَّ أفاق فقال : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأن محمّداً رسول الله أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ، إلى أن قال : وعبدالملك والحجاج يجرّ ان أمعاء هما في النار .

____________

1- الزُجّ بضمِّ الزاي المعجمة : الحديدة في أسفل الرمح ، ونصل السهم .


الصفحة 392

قال : قلت : هذا إسناد صحيح ، ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر ، ولا كان عبدالملك ولي الخلافة بعد ; لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد ابن معاوية من الشام ، وذلك في ربيع الأول سنة ( 64 ) من الهجرة .

وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام عروة عروة .

وقال موسى بن أبي عبدالرحمن النسائي عن أبيه : ليس بثقة ولا مأمون .

وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بأهل أن يروى عنه .

ومما يحكى عنه من الموبقات قوله لأهل السجن : {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} مات سنة ( 95 ) بواسط وهو الذي بناها ، وقيل إنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلاَّ يسيراً .

وقال الأصمعي : عن أبي عمرو بن العلاء : لمَّا مات الحجاج ، قال الحسن : اللهم أنت أمته فأمت سنَّته .

وعن أشعث الحداني ـ وكان يقرأ للحجاج في رمضان ـ قال : رأيته في منامي بحالة سيئة ، فقلت : يا أبا محمّد ! ما صنعت ؟ قال : ما قتلت أحداً بقتلة إلاَّ قتلت بها ، قلت : ثمَّ مه ؟ قال : ثمَّ أمر به إلى النار ..(1) .

____________

1- تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 2/184 ـ 187 .


الصفحة 393

المناظرة الحادية والسبعون

مناظرة

الشيخ مروان خليفات الأردني مع صديقه الشيعي

في حديث رزيّة الخميس وآثارها

قال الشيخ مروان خليفات(1) : في وقت الغروب ، وفي إحدى طرق القرية كنت مع صديقي الشيعي ، كان لا يأتي علينا يوم إلاَّ ويحتدُّ النقاش بيننا ، تمنَّيت في وقتها أن يصبح هذا الصديق سنّيّاً ، وعزمت أن أنقله من مذهبه إلى المذهب الشافعي ، وجرت الأيام ، والتحقت بكليَّة الشريعة ، وفي الدروس كان مشايخنا يتطرَّقون إلى الشيعة ، وكان البعض منهم يكفِّرهم ، ومع أني كنت على المذهب الشافعي إلاَّ أني بدأت أتأثَّر بما يطرحه أساتذتي السلفيَّة خاصة في العقيدة ، فقمت أردِّد معالم العقيدة السلفيَّة وكأني مقتنع بها ، وكنت أعرض هذه العقيدة مع ذكر الأدلّة على صديقي الشيعي ، وكذا ما يقال عن الشيعة في قاعة الدرس ، وذلك كي أبدأ بهدايته ، لكنَّه كان يردُّ عليَّ بكلِّ قوَّة .

____________

1- ولد عام 1973 في كفر جايز من توابع مدينة إربد في الأردن ، تخرَّج من جامعة اليرموك ، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية سنة 1995 م ، له كتاب : وركبت السفينة .


الصفحة 394

وفي أثناء مسيرنا ، وبينما كنت أحدِّثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني قائلا كالمنتصر : رزيَّة الخميس .

قلت : خيراً ! ماذا تقصد ؟

قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيام ، حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إن النبيَّ غلبه الوجع أو يهجر ، حسبنا كتاب الله .

فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قط ؟

قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم .

عندئذ يئست من جوابه ، وشعرت بالهزيمة ، وقلت فوراً : وإن قال ذلك يبقى صحابيّاً ، أسأل الله الغفران ، عبارة لم تأت صدفة ولكنها تعبير عن عقيدة ترسَّخت في أذهاننا ، وأردفت : في أيِّ كتاب قرأت هذه الحادثة ؟ لأنني وان وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أتعصَّر ألماً .

فقال : في كتاب ( ثمَّ اهتديت ) لأحد علمائكم الذين تشيَّعوا .

قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيَّع ؟!

قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيَّع ، وأسباب تشيُّعه وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزيَّة الخميس تدور في ذهني ، وأتوجَّس خيفة لعلي أجدها ، فأخذتني قصَّة الكاتب الممتعة ، وأسلوبه الجذَّاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت(عليهم السلام) ، ومخالفات الصحابة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ورزيَّة الخميس ، والمؤلِّف يوثِّق كلَّ قضيَّة من صحاحنا المعتبرة ،فدهشت لما أقرأ ، وشعرت أن كلَّ طموحاتي انهارت وسقطت أرضاً ، وحاولت


الصفحة 395

إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا .

وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة ، وبدأت برزيَّة الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدّة طرق ، وكان أمامي احتمالان : إمَّا أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يهجر والعياذ بالله ، وبهذا أدفع التهمة عن عمر ، وإمَّا أن أدافع عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقرُّ بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحقِّ النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى طردهم ، وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما ردَّدتها ، وافتخرت بها أمامه .

وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحّة ما في الكتاب ، فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح .

بقيت فترة حائراً ، تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً ، وعرض عليَّ صديقي كتاب ( لأكون مع الصادقين ) لمؤلِّفه التيجاني ، وكتاب ( فاسألوا أهل الذكر ) وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة ، وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق ، لكنَّها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها ، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها ، فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها ، إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار(عليهم السلام) ، أبناء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشقّاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ، ورحمة الله للملأ ، بكل قناعة واطمئنان قلب .

وها أنا الآن ـ وبعد تخرُّجي من كليَّة الشريعة ـ على يقين تام بصحّة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمرُّ بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي


الصفحة 396

وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي ، وفَّقه الله .

ولا أنسى تلك اليد ; يد الرحمة الإلهيَّة ، كانت تعطف عليَّ باستمرار أيَّما عطف ، فلك الحمد ربَّاه حمداً يليق بجلالك العظيم ، ومنِّك الجسيم(1) .

____________

1- المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : 193 ـ 196 .


الصفحة 397

المناظرة الثانية والسبعون

مناظرة

لمياء حمادة السوريَّة مع بتول العراقيَّة

في كليَّة الشريعة بدمشق في عقائد الشيعة

وشرحها كيفيَّة اعتناقها التشيُّع

تقول الأستاذة لمياء حمادة(1) في بداية اكتشافها للحقيقة : وربَّ صدفة ، ولحسن الحظّ وخير الطالع ، وأثناء دراستي في الجامعة دخلت علينا طالبة جديدة ، وكانت عراقيَّة ، وقد تهجَّرت من بلادها مع ذويها إلى بلدنا طلباً للأمان .

وقد انخرطت في الدراسة بالجامعة ، واختارت كليَّتنا ; لأن طلابها ملتزمون ، مع أنه كان بإمكانها أن تختار كليَّة أعلى من كليَّتنا ; لأنها كانت من المتفوِّقين في كليَّة الطبِّ في بلدها .

وكانت هذه الفتاة واسمها ( بتول ) ـ تجلس في المقعد الأخير في القاعة ، ودائماً تلبس العباءة السوداء والخمار يغطي رأسها حتى ذقنها وياله من حجاب

____________

1- ولدت سنة 1965 ، اعتنقت مذهب أهل البيت(عليهم السلام)عام 1985 ، تخرَّجت من كليَّة الشريعة جامعة دمشق عام 1987 م .


الصفحة 398

يدلُّ على التزامها الدينيّ ، وانتصارها على تقلُّبات العصر ، وهفوات التقدّم والموضة .

ولكن لمَّا عرفنا ـ نحن طلاب كليَّة الشريعة ـ بأنها عراقيَّة تيقّنّا بأنّها شيعيَّة ، وكثيراً ما كنَّا نتحرَّش بها قاصدين السخرية والاستهزاء بها ; لأنها ـ حسب اعتقادنا ومعلوماتنا الخاطئة طبعاً ـ أنها ومن يتبع هذا المذهب غير مسلمين ، فهم يعبدون عليَّ بن أبي طالب ، والمعتدلون منهم فقط يعبدون الله ، ولكنهم لا يؤمنون برسالة محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنه خان الأمانة ، فبدلا من أداء الرسالة إلى علي (عليه السلام) أدَّاها إلى محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنهم ينزِّلون أئمّتهم منزلة الآلهة ، وأنهم يقولون بالحلول ، وأنهم يسجدون للقرص الحجريّ من دون الله ، وأنهم أشدُّ على الإسلام من اليهود والنصارى ، لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى(عليه السلام) ، بينما نسمع عن الشيعة أنهم يعبدون علياً ويقدِّسونه .

ومع كل هذا التقريع وهذه السخرية والأخت بتول لا تردُّ علينا ، وتقول في كل مرة : سامحكم الله ، هداكم الله ، ليتكم تعلمون الحق ، أستغفر الله لي ولكم .

وهكذا إلى أن جاء يوم من الأيام ـ وهو بالنسبة لي يوم التحوُّل الكبير ـ جئت في هذا اليوم متأخِّرة عن موعد المحاضرة ، فلم أجد مكاناً إلاَّ إلى جانب هذه الفتاة بتول ، وكنت قبلا لا أجلس إلى جانبها أبداً ، تحسُّباً منها على أنها كافرة ، أو أنها جاسوسة تريد أن تعرف تفاصيل مذاهبنا لتنقلها إلى فرقتها .

جلست وأنا مستاءة منها نوعاً ما ، ثمَّ قلت في نفسي : ما لي وما لها ؟ كل واحدة منّا في حالها ، وبالصدقة كانت المحاضرة يومذاك عن المذهب الشيعيّ ، وبدأت المحاضرة وكلُّنا مصغون إلى ما يقال عن ذلك المذهب ، وبتول تندهش


الصفحة 399

وتندهش من كل ما يقال عنهم ، وتتمتم أثناء المحاضرة بأن لعنة الله على الظالمين .. سامحكم الله .. أذناب بني أمية .. أتباع معاوية ... وهكذا إلى أن انتهت المحاضرة وبتول تكاد تنفجر من الغيظ .

فقلت لها : لماذا أنت مغتاظة ومتضايقة ؟ أليس ما قاله الدكتور المحاضر عنكم صحيحاً ؟ فابتسمت بتول عندها وقالت : إذا كان الأستاذ يفكِّر بهذا الشكل فلا لوم على الطلاب ، وإذا كان تفكير الطلاب هكذا فلا لوم على عامة الناس الذين لا ثقافة لهم .

قلت : ماذا تقصدين ؟

أجابت : عفواً ، ولكن من أين لكم هذه الادّعاءات الكاذبة ؟

قلت : من كتب التاريخ ومما هو مشهور عند الناس كافّة .

قالت : هل عندكِ الوقت للمناقشة ؟

تردَّدت قليلا ثمَّ أجبت : ربّما بعض الوقت ، وأخذنا نتمشَّى إلى الكافتيريا ،فطلبت القهوة وجلسنا نتحدَّث .

قالت : لنترك الناس كافة ، الذين يعتمدون على الصحاح بالدرجة الأولى ، ولكن أنتِ هل قرأت شيئاً من الكتب عنّا ؟

قلت : نعم ، مثل : ظهر الإسلام ، وفجر الإسلام ، وضحى الإسلام لأحمد أمين ، وغيرها كتب كثيرة .

قالت : ومتى كان أحمد أمين حجَّة على الشيعة ؟ أليس عليكم أن تتبيَّنوا الأمر من مصادره الأصليّة المعروفة .

قلت : وكيف لنا أن نتبيَّن في أمر كهذا .


الصفحة 400

قالت : إن أحمد أمين نفسه زار العراق ، وقد التقى بأساتذة عدّة في النجف ،وعاتبوه على كتاباته عن الشيعة ، فاعتذر قائلا : إني لا أعلم عنكم شيئاً ، ولم أتصّل بالشيعة من قبل ، وهذه أول مرَّة ألتقي فيها بالشيعة ، فقلنا له : إذن لم تكتب عنا القبيح ؟ قال : هكذا ورثنا عن الناس نظرتهم إليكم .

وتابعت : أرأيتِ هذا الافتراء ؟ وهكذا خذي كل ما يقال عنّا على هذا المنوال ، فهو أكاذيب مغرضة حاقدة .

قلت : دعينا من أحمد أمين هذا ، وأخبريني عن حقائق عديدة تقال عنكم .

فقاطعتني قائلة : إذا كنتِ تريدين تمضية الوقت والكلام لمجرَّد الكلام فأنا آسفة ، والأفضل أن أذهب ، وأمَّا إذا أردتِ الاستفادة حقّاً ، والتأكُّد من مظلوميَّتنا فلكِ ما تريدين ، ووقتي لكِ كلُّه .

قلت : لا والله ، معاذ الله أن أتكلَّم معكِ لمجرَّد الكلام ، ولكني أحببتكِ فعلا ، وأحسست بأنّكِ مظلومة ، وعندكِ حجج كثيرة أردت قولها أثناء المحاضرة ، ولكنَّكِ لم تجرؤي ، فلم يا ترى ؟

قالت : الكلام مع هؤلاء الناس كعدمه ، وربَّما جرَّتنا المناقشة أن أضع من شأن مذهبي وديني من جرَّاء مناقشتي مع جهَّال كهؤلاء ، فقد قال الإمام علي (عليه السلام) : ناقشت جاهلهم فغلبني ، وناقشت عالمهم فغلبته(1) .

قلت : فلنبدأ ، فقاطعتني وقالت : إذن صلي على محمَّد وآل محمّد ،

____________

1- لم أعثر على مثل هذا الحديث في هذه العجالة ، وقد روي ما بمضمونه عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) وهو : لا ينتصف عالم من جاهل . عن كتاب عيون الحكم والمواعظ ، الليثي : 534 .


الصفحة 401

فتعجَّبت وقلت في نفسي : هؤلاء الذين نتّهمهم نحن بالخروج عن الدين يحافظون عليه أكثر منّا .

فقلت : اللهم صلِّ على محمّد وآله وصحبه أجمعين ، فتبسَّمت قليلا وقالت : تابعي ، فقلت لها : لأيِّ المذاهب ينتمي مذهبكم ؟

قالت : المذهب الجعفريّ .

قلت : عجباً ! ما هذا الاسم الجديد ؟! نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة ، وما عداها فليس من الإسلام في شيء .

وابتسمت قائلة : عفواً ، إن المذهب الجعفري هو محض الإسلام المحض ، ألا تعرفين أن الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ؟ وفي ذلك يقول أبو حنيفة : ( لولا السنتان لهلك النعمان )(1) .

فسكتُّ ولم أردَّ ، وقالت : إن المذاهب الأربعة أخذ بعضهم عن بعض ، فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي ، والشافعي أخذ عن مالك ، وأخذ مالك عن أبي حنيفة ، وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ، وعلى هذا فكلُّهم تلاميذ لجعفر بن محمّد (عليه السلام) ، وهو أول من فتح جامعة إسلاميَّة في مسجد جدِّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدِّث وفقيه .

وسألتني مقاطعة نفسها : أيَّ الأئمَّة تقلدين ؟

قلت : الإمام أبا حنيفة !

قالت : كيف تقلِّدين ميِّتاً بينك وبينه قرابة أربعة عشر قرناً ، فإذا أردت أن تسأليه الآن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك ؟

____________

1- التحفة الاثني عشرية ، الآلوسي : 8 ، الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، عبدالحليم الجندي : 162 .


الصفحة 402

فقلت لها بسرعة البديهة : وأنت إمامك ميِّت ، فكيف تقلِّدينه ؟

قالت : إن إمامي حيٌّ غائب ، وفي غيبته نقلِّد أحد المجتهدين الورعين ، ولا يجوز عندنا تقليد الميت .

وأخبرتني عندها كيف على الإنسان أن يعرف إمام زمانه ، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية(1) ، وأنا إمام زماني هو صاحب الزمان الإمام المهدي (عليه السلام) ، وهذا موضوع طويل يحتاج لشرح .

قلت : حسناً ، هذه اقتنعت بها .. لننتقل إلى الثانية : إنكم تعبدون عليّاً وتقدِّسونه ، أليس كذلك ؟

قالت : ألم تقرأي قول الله سبحانه وتعالى : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}(2) وقوله : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ}(3) ، وقوله :

____________

1- روى الشيخ الكليني عليه الرحمة في الكافي : 1/377 ح3 ، بالإسناد عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليَّة ؟ قال : نعم ، قلت : جاهليَّة جهلاء أو جاهليَّة لا يعرف إمامه ؟ قال : جاهليَّة كفر ونفاق وضلال .

وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في ثواب الأعمال : 205 ، عن عيسى بن السري اليسري قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليَّة ، قال أبو عبدالله (عليه السلام) : أحوج ما يكون إلى معرفته إذا بلغ نفسه هكذا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ فقال : لقد كنت على أمر حسن .

وجاء في مسند أحمد بن حنبل : 4/96 : عن أبي صالح ، عن معاوية قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من مات بغير إمام مات ميتة جاهليَّة .

وراجع : المعجم الكبير ، الطبراني : 19/388 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 5/218 و225 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/155 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 1/103 ح464 .

وفي رواية الطبراني في المعجم الأوسط : 6/70 : من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهليَّة .

2- سورة الفتح ، الآية : 29 .

3- سورة الأحزاب ، الآية : 40 .


الصفحة 403

{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}(1) ؟

قلت : بلى ، أعرف هذه الآيات .

قالت : فأين هو علي ؟ فالقرآن نفسه عندنا وعندكم ، ويقول بأن محمّداً هو رسول الله ، فمن أين جاء هذا الاتّهام الباطل ؟

قلت : هذه أقنعتيني بها ، فماذا عن خيانة جبرئيل ؟

قالت : حاشاه ، هذه أقبح من الأولى ، لأن محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل (عليه السلام) ، ولم يكن عليٌّ إلاَّ صبيّاً صغيراً ، عمره ست أو سبع سنوات ، فكيف يخطىء جبرئيل ، ولا يفرِّق بين محمَّد الرجل وعليٍّ الصبيّ ؟!

فقلت : هذا منطقيٌّ جدّاً ، كيف لم نحلِّل نحن بهذا المنطق ؟

أضافت : إن الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كلِّ الفرق الإسلاميَّة الأخرى ، التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمّة ، فإذا كان أئمّتنا عليهم سلام الله معصومين عن الخطأ وهم بشر مثلنا ، فكيف بجبرائيل وهو ملك مقرَّب ، سمَّاه الربُّ الروح الأمين ؟!

فاحترت وتلكَّأت ، وقلت في نفسي : قبل أن نسألهم عن اختلافهم عنّا في اعتقاداتهم ، لنسأل أنفسنا نحن السنة : لماذا تتعدَّد مذاهبنا وتختلف فيما بينها ؟

قلت : إذن كل ما يقال عنكم افتراء ؟

قالت : سامحكم الله .

اعتذرت منها لضيق الوقت ، وودَّعتها طالبة منها زيارتي في القريب

____________

1- سورة آل عمران ، الآية : 144 .


الصفحة 404

العاجل ; لأنني تلهَّفت كثيراً لسماع المزيد من ردود الشيعة على الأقاويل التي يدانون بها .

فشكرتني وتمنَّت هي بدورها لي الخير والهداية ، فقلت في نفسي بعدما مشيت خطوات عدّة : هل سيأتي يوم وأصبح فيه شيعيَّة ؟ ثمَّ استبعدت الفكرة ، وقلت : لا ، هكذا كان آباؤنا وأجدادنا ، فهل من المعقول أن يكونوا كلُّهم على ضلال ؟ وهل أنا الوحيدة في عائلتي سأكون على نور وبيِّنة ؟ لا ، لا .. هذا مستحيل ، أستغفر الله وأتوب إليه .

وبعد أيام عدّة جاءت بتول لعيادتي ، فقد كنت متوعِّكة قليلا ، ولم أذهب إلى الكليَّة لأيام عدّة ، فأهدتني طاقة من الورد ومعها مصحف ، ففتحته ووجدته مثل مصحفنا تماماً ، فقلت لها : يقولون إن لكم مصحفاً خاصاً بكم ؟

قالت : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأن محمَّداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيِّبين الطاهرين ، هؤلاء المفترون أعداء الإسلام يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم ببعض ، فنحن نعبد الله وحده لا شريك له ، وقرآننا واحد ، ونبيُّنا واحد ، وقبلتنا واحدة ، نشترك معكم في هذه الأمور ، وربما نختلف عنكم أنتم السنة في بعض الأمور الفقهيَّة وبعض الأمور العقائديَّة .

فقلت لها : زيديني زادك الله من علمه .

قالت : عن ماذا تريدين أن تستفسري ؟

قلت : حدِّثيني عن أحقّيّة عليٍّ (عليه السلام) في الخلافة كما تزعمون .. حدِّثيني عن التربة الحسينيّة ( قرص الطين الذي تسجدون عليه ) ، عن الحسين (عليه السلام) ، ولماذا يبكي الشيعة ويلطمون ؟ حدِّثيني عن توسُّلكم وتبُّرككم بأضرحة أئمَّتكم ، حدِّثيني كيف تجعلون من أبي بكر وعمر وعثمان أشخاصاً عاديين ، وأحياناً


الصفحة 405

تشتمونهم ، وتسبُّون بعض أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ... أخبريني لماذا وضوؤكم غير وضوئنا .. ولماذا صلاتكم غير صلاتنا ، وماذا عن الزواج المؤقَّت ، والتقيَّة ، والرجعة ، والخمس ، وتأويلكم لآيات القرآن في عليٍّ وذرّيّته(عليهم السلام)آيات لا نعرفها ، وماذا عن مصحف فاطمة (عليها السلام) ؟

ذكرت كل تساؤلاتي ، وكانت هي مبتسمة ، وبدا أنها مستعدّة لكل سؤال يطرح عليها ، وأنها واثقة من نفسها تماماً .

فقالت : هل تريدين الحقَّ ؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء ، وأتمنَّى منك أن تقبلي هديّتي المقبلة ، كتب عدّة ، اقرأيها ، وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه عليَّ ... فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلّها ، ونحن نتناقش في صحّة كلامي وعدمه ، أمَّا إذا قرأتِ عن أشخاص عدّة استبصروا ، وعرفوا طريق الحق ، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة ، لوجدتِ برهاناً دامغاً ساطعاً ، وحجّة عليكِ من كتبكم ، ولن أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنتِ بعد قراءتك لكتب المتشيِّعين .

شكرتها وتمنَّيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت ، فأنا شغفة ومتشوِّقة لقراءتها ، عسى ولعلَّ أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة .

وفعلا ، لم تكذِّب خبراً ، فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب ، وقالت لي : سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء ، فتردَّدت قليلا في قبول الدعوة ، ثمَّ قبلت وأنا حيرانة ، وقلت : حسناً كما تريدين ... ثمَّ انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة ـ كما يقولون ـ فقد استهواني


الصفحة 406

تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة ، وفاجأني الكل بقصّة لم أسمع بها من قبل ، رزيَّة يوم الخميس ، إنها فضيحة فظيعة لا تصدَّق ، ولكن عندما ذيَّل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ ابن الأثير .

فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذِّب نفسي وأقول : إنه قول جماعة لا يحبُّون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم ، أليس ذلك مذكوراً في الصحاح ؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكَّد ، وتمنَّيت أني لو لم أجدها ، لكنَّ البخاري ذكرها ، ومسلم ذكرها ، وكلُّهم ذكروها ، وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر ، وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون .

ومن هنا ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر ، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقيٌّ ، أكملت قراءة كل كتب التيجاني ، والشيخ محمّد مرعي أمين الأنطاكي ، وكتاب .. و ... و ... وكلُّهم سنة تشيَّعوا ، ولم أسمع بحياتي عن شيعيٍّ قد تسنَّن .

إن رزيَّة الخميس وحدها كافية لأن تشيِّعني ، ليتك ـ يا عزيزي القارئ ـ تعرفها لتعرف أني على حقّ ، إنها قصّة يندى لها الجبين ، وهي عار على أهل السنة في كتبهم ، فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون عن رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يكتبون ، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .

لقد قرأت الكتب واقتنعت بها ، وأنا مندهشة حيناً لما أقرأ ، ومستاءة حيناً آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة .. فالشيعة على حقٍّ ونحن على باطل ، وهم يتمسَّكون باللبِّ ونحن نتمسَّك بالقشور ، هم الذين يجب أن يُسَمَّوا أهل السنة ; لأنهم لم يغيِّروا ما جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أمَّا نحن فاتّبعنا سنّة أبي بكر


الصفحة 407

وعمر ومعاوية .

أقولها وبكل صراحة : إن الحقَّ هو اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ، الذين أوصى النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسُّك بهم فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما(1) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها هلك(2) .

آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة ، ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النيَّة ، وليهنأ وليعتزَّ بنفسه كل شيعي ، فهو الذي يتمسَّك بالعروة الوثقى ، وهو من الفرقة الناجية التي حدَّث عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث له .

انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيَّعت تماماً ، وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقرَّرت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة .

وفي اليوم الذي وعدتني به صديقتي بتول جزاها الله عنّي كل خير ، أتت

____________

1- سنن الترمذي : 5/328 ـ 329 ح 3876 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/14 و17 و26 و59 ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : 7/176 ح5 ، مسند أبي يعلى الموصلي : 2/376 ح166 ، المعجم الصغير ، الطبراني : 1/131 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/163 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 16 .

2- المستدرك ، الحاكم : 2/343 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، و150 ـ 151 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/45 ـ 46 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/168 ، تهذيب الكمال ، المزي : 28/411 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 2 ، ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : 1/93 .


الصفحة 408

إليَّ وقد بدا عليها الحزن قليلا ، فقلت : لم ـ يا صديقتي ـ هذا الحزن ؟

قالت : إنه يوم عاشوراء ، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) ـ إنه علينا أن لا نبتسم في هذا اليوم ففيه قتل الحسين (عليه السلام)(1) ، وكانت هذه مصيبة على الأمّة الإسلاميّة كلِّها .

فقلت : لعن الله أعداء الإسلام ، وعجِّل فرجك أيُّها الإمام المنتظر لتملأ هذه

____________

1- جاء في كتاب المصباح للشيخ الطوسي عليه الرحمة ، عن عبدالله بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله ! مم بكاؤك ؟ لا أبكى الله عينيك ، فقال لي : أو في غفلة أنت ؟ أما علمت أن الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم ؟ إلى أن قال (عليه السلام) : فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلَّت الهيجاء عن آل رسول الله ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم ، يعزُّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزَّى بهم ، قال : وبكى أبو عبدالله (عليه السلام) حتى اخضلَّت لحيته بدموعه ..

( مصباح المتهجِّد ، الطوسي : 782 ، المزار ، محمّد بن المشهدي : 473 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 98/303 ح4 ) .

وروى ابن قولويه عليه الرحمة ، عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي (عليهما السلام) عند أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في يوم قط فرئي أبو عبدالله (عليه السلام) في ذلك اليوم متبسِّماً إلى الليل ( كامل الزيارات ، ابن قولويه : 203 ح6 ) .

وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا (عليه السلام) : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهليَّة يحرِّمون فيه القتال ، فاستحلَّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلَّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء يحطُّ الذنوب العظام . ثم قال (عليه السلام) : كان أبي ( صلوات الله عليه ) إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه

وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين ( صلوات الله عليه ) . ( الأمالي ، الصدوق : 190 ح2 ) .


الصفحة 409

الدنيا قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً .

فاستغربت صديقتي وقالت : أتهزأين ؟ قلت : حاشا وكلاّ ، وقبلَّتها بين عينيها ، وقلت : أشكرك ، أشكرك يا بتول على هذه الهديَّة ، فلقد أنقذتيني من ظلام وجهل كنت أعيشه ، ونقلتيني إلى النور والعلم والنبوَّة والعقائد الصحيحة ، إلى أحضان أئمَّة الهدى أحفاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهل من مزيد من هذه الكتب ؟

فقالت : إذا كنتِ قد اكتفيتِ ، وصار عندكِ يقين تام فسأعطيكِ بعضاً من كتبنا من المؤلِّفين الشيعة .

فقلت : أتمنَّى هذا ، ودعينا الآن نذهب لحضور عاشوراء ، فذهبت ورأيت الناس في بكاء وعويل ، وكأن الحسين (عليه السلام) قد استشهد لتوِّه ، فبكيت معهم ، وعشت لحظاتهم المباركة الحزينة ، وأحسست بانجلاء الكروب عن نفسي ، وتنفسَّت الصعداء ، واعتبرت هذا اليوم أول يوم من مسيرة تشيُّعي ، واعتبرت هذا البكاء حزناً على الأيام الماضية ، وعلى الإسلام ، وعلى المآخذ التي كنت أشنُّها ورفاقي على صديقتي الشيعيّة ، وكل من اتّبع هذا المذهب ، والذين أصبحوا أحبّائي من بعد تشيُّعي ، وإخوتي في الدين ، بارك الله فيهم .

لقيت في البداية بعض المعارضة من أهلي ـ سامحهم الله ـ ولكن بصبري وتفوُّقي عليهم ، وحفظي لكل المسائل التي ربَّما أتعرَّض إليها خلال مناقشاتي ومجادلتي مع كل من يسمع بأنّي قد تشيَّعت ، تفوَّقت وتفوَّقت ، واستطعت أن أشيِّع اثنتين من أخواتي ، وذلك بعد اطّلاعي على كل كتب الشيعة تقريباً ، فقد وجدت في عقائدهم وأدعيتهم كنزاً لا يفنى .

وهكذا كانت مسيرة حياتي مع التشيُّع ، بدأتها بشك بيني وبين نفسي عن اختلاف المذاهب ، وأنهيتها بإعلان التشيُّع ، والتمسُّك بالمذهب الحقّ ; مذهب


الصفحة 410

أهل البيت (عليهم السلام) .

فسلام عليكم يوم ولدتم ، ويوم استشهدتم ، ويوم تبعثون ، وخاسر خاسر من لا يعرفكم ولا يعرف قدركم ، وأنا متأسِّفة جدّاً ، وأعتذر إليكم عني ، وعن المسلمين الذين كانوا يجهلون صلتكم بالنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديثه عنكم ، وعن حبِّكم ومودَّتكم الواجبة علينا ، وعن بعض من آذاكم ، وحمل الآخرين على القول فيكم وفيمن تمسَّك بكم أقاويل وأكاذيب مغرضة ، لعنهم الله وأحرقهم بناره .

وأنت ـ عزيزي القارئ ـ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات ... إلخ ، وكل من تشيَّع ; لأنها حجّة علينا يوم الحساب .. وستجد فيها جواباً لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي تتشجَّع وتبحث بنفسك على طريق النور والحقّ ... وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغيِّر رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام ، وإلاَّ فأنت إنسان راق قد اتّبعت قوله تعالى : {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ}(1)(2) .

____________

1- سورة الزمر ، الآية : 17 ـ 18 .

2- كتاب : أخيراً أشرقت الروح ، لمياء حمادة : 9 ـ 21 ، المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : 330 ـ 341 .