المناظرة السابعة والسبعون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعض السلفيَّة
في التوحيد والتوسُّل وصفات الله تعالى
قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني في حواره مع البعض ، وسبب تأليفه كتابه القيِّم ( بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ) تحت عنوان ( لماذا هذا الكتاب ) : ذهبت في يوم من الأيام إلى أحد أصدقائي لزيارته ، فأخذنا الحديث إلى حيث الشيعة والتشيُّع ، فتجاذبنا أطراف الحديث حول هذا الموضوع ... وفي أثناء تداولنا للموضوع دخل علينا شابٌّ في مقتبل العمر ... ألقى علينا تحيَّة الإسلام ، ثمَّ جلس وبدأ يستمع ، ونحن نواصل الحوار ، انتبهت إليه وقد بدت عليه علامات الحيرة ، ثمَّ تدخَّل في النقاش بقوله : يبدو أن بعض الفرق الضالّة أثَّرت عليك يا أخي ! وأخذ يتفنَّن في المهنة التي يجيدها وأمثاله من توزيع أصناف الكفر والضلال والزندقة على كل الطوائف الإسلاميَّة عدا الوهابيّة ، كنت منذ دخوله قد علمت أنه وهابيٌّ ، وذلك من ثوبه الذي كاد أن يصل إلى ركبتيه من القصر ... قبل أن يتمَّ كلامه ارتفع أذان المغرب ، توقّفنا عن النقاش حتى نصلِّي ثمَّ نعود بعد الصلاة .
بعد الصلاة بادرني قائلا : من أيِّ الفرق أنت ؟! يبدو أنك من جماعة الشيعة ؟!
قلت : تهمة لا أنكرها ، وشرف لا أدّعيه ، فما كان منه إلاَّ أن أرعد وأزبد وثارت ثائرته .
قلت له ـ وقد تجمَّع بعض أقارب صديقي حولنا ـ : إذا كان لديك إشكال تفضَّل بطرحه بأدب ، ولنجعله مناظرة مصغَّرة أو حواراً ـ وهو سلاحهم الذي يهدِّدون به الآخرين اغتراراً منهم بقوَّة مقدرتهم على الاحتجاج ـ .
وافق المغرور ، فقلت له : من أين نبدأ ؟ ما رأيك أن نبدأ بالتوحيد الذي تتمشدقون به ، وبسبب فهمكم الخاطىء له تضعون كل الناس في جبهة المشركين ؟
فوافق أيضاً ، وبدأ الحوار والجميع يستمع ، قلت : ما تقولون في الله خالق الكون وصفاته ؟
قال : نحن نقول : لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، ولا تجوز عبادة غيره .
قلت : وهل يختلف اثنان من المسلمين في ذلك ؟
قال : الجميع يقول بذلك ، ولكن تطبيقهم خلاف قولهم ; إذ أنهم في الواقع مشركون ; لأنهم يتوسَّلون بالأموات ، ويخضعون لغير الله ، ويشركون به في طلب الحاجات ، والخضوع لغير الله ، وغيرها من الأشياء التي ذكرتها تعني عبادة غيره تعالى .
قلت : حسناً ، طالما الجميع يقول بأن الله واحد أحد فرد صمد ، ولا يجوز عبادة غيره بأيِّ حال من الأحوال فهذا جَيّد ، ويخرج الجميع من دائرة الشرك ، إلاَّإذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أنهم يعبدون غير الله ، أو يشركون بعبادته أحداً ،
حينها يكونون مشركين .
أمَّا ما يفعلونه من أفعال مثل التوسُّل وتعظيم الأولياء واحترامهم فهذا ليس من الشرك في شيء ; لأن العبادة تعني الخضوع والتذلُّل لمن نعتقد أنه إله مستقلّ في فعله لا يحتاج إلى غيره ، أمَّا مجرَّد الخضوع والتذلُّل والاحترام فلا يعتبر عبادة ، وقد أمرنا به القرآن ; كالتذلُّل للوالدين والمؤمنين ، بل إن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) ، بناء على ذلك لا يكون احترام الأولياء وزيارة قبورهم والتوسُّل بهم وتعظيمهم شركاً بالله ; لأنهم لا يرون أن هؤلاء آلهة مستقلّون عن الله ، بل هم عباد أكرمهم الله بفضله ، فعطاؤهم من الله ، وليس لهم قدرة ذاتيّة مستقلّة .
قال : ولماذا لا يسألون الله مباشرة ؟ هل هناك مانع وهو القائل : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(1) ؟
قلت : أيضاً قال تعالى : {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ}(2) ، ثمَّ إنك عندما تمرض لماذا تذهب إلى الدكتور ؟ ألم يقل الله تعالى في كتابه : {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}(3) ؟ أليس من أسمائه الشافي ؟
قال : هذه ضرورة في الحياة .
قلت : أيضاً تلك سنّة ، وسبب به تبتغى الحاجات ، والتفتُّ إلى الحاضرين وقلت : هل تجدون في كلامي هذا خطأ ؟
فأقرُّوا بما قلت ، وزاد أحدهم ـ وكان صوفيّاً ـ : هذه الأشياء موجودة من
____________
1- سورة غافر ، الآية : 60 . 2- سورة المائدة ، الآية : 35 . 3- سورة الشعراء ، الآية : 80 .
زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وسار عليها الصحابة والتابعون ، وكل المسلمين إلى أن جاء ابن تيميّة وتلميذه محمّد بن عبد الوهاب ببدعهم الجديدة هذه .
قال الوهابي : إنكم تتحدَّثون بلا علم ، والوقت ضيِّق الآن ، فلنأخذ من الموضوع شيئاً نتناقش حوله ، وفي وقت آخر أكون مستعدّاً لنتحاور أكثر من ذلك .
قلت : عندي سؤال أخير حول التوحيد : ماذا تقولون في صفات الله ؟
قال : نحن لا نقول ، إنما نصفه بما وصف به نفسه في القرآن .
قلت : وبماذا وصف نفسه ؟ هل قال بأنه جسم يتحرَّك ؟ أو أن له يداً وساقاً وعينين ؟
قال : نحن نقول بما جاء في القرآن ، لقد قال تعالى : {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}(1) ، وكثير من الآيات الأخرى التي تصف الله لنا ، فنقول : إن لله يداً بلا كيف .
قلت : إن قولك هذا يستلزم التجسيم ، والله ليس بجسم ، وهو ليس كمخلوقاته ، ثمَّ ما هو الفرق بينكم وبين مشركي مكة ؟ أولئك نحتوا أصنامهم بأيديهم وعبدوها ، وأنتم نحتم أصناماً بعقولكم ، وظلَّت في أذهانكم تعبدونها ، لقد جعلتم لله يداً وساقاً وعينين ومساحة يتحرَّك فيها {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً}(2) ، وبكلمة : إن الآيات التي ذكرتها مجازيّة ، وترمز لمعان أخرى .
قال : نحن لا نؤمن بالمجازات والتأويلات في القرآن ؟
____________
1- سوره الفتح ، الآية : 10 . 2- سورة نوح ، الآية : 13 .
قلت : ما رأيك فيمن يكون في الدنيا أعمى ؟ هل يبعث كذلك أعمى ؟
قال : لا !
قلت : كيف وقد قال تعالى : {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}(1) ، وأنتم تقولون : لا مجاز في القرآن ، ثمَّ إنه بناء على كلامك إن يد الله ستهلك ، وساقه ، وكل شيء مما زعمتموه ـ والعياذ بالله ـ عدا وجهه ، ألم يقل البارىء جلَّ وعلا : {كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}(2) ، و{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِْكْرَامِ}(3) .
قال : هذه الأشياء لا ربط بينها وبين ما نقوله .
قلت : كلام الله وحدة واحدة لا تتجزَّأ ، وإذا استدللتم به على صحَّة قولكم يحقُّ لي أن أنطلق منه لتفنيد هذا القول ، وأنتم تستدلّون على مجي الله مع الملائكة صفّاً يوم القيامة ، كما فهمتم من القرآن .
قال : ذلك ما قاله الله تعالى في القرآن .
قلت : المشكلة تكمن في فهمك للقرآن ، إن في القرآن آيات محكمات وأخر متشابهات ، فلا تتّبع المتشابهات فتزيغ ، وإلاَّ أين كان الله حتى يأتي ؟
قال : هذه أمور لا يجب أن تسأل عنها .
قلت : دعك من هذا ، ألا تقولون إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل ليستجيب الدعاء ؟
قال : نعم ، ذلك ما جاءنا عبر الصحابة والتابعين من أحاديث .
____________
1- سورة الإسراء ، الآية : 72 . 2- سورة القصص ، الآية : 88 . 3- سورة الرحمن ، الآية : 26 .
قلت : إذن أين هو الله الآن ؟!
قال : فوق السماوات .
قلت : وكيف يعلم بنا ونحن في الأرض .
قال : بعلمه .
قلت : إذن الذات الإلهيَّة شيء ، وعلمه شيء آخر .
قال : لا أفهم ماذا تقصد !
قلت : إنك قلت إن الله في السماء ، وبعلمه يعلم بنا ونحن في الأرض ، إذن الله شيء ، وعلمه شيء آخر .
سكت متحيِّراً ... واصلت حديثي : أو تدري ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني الشرك الذي تصفون به الآخرين ; لأن الفصل بين الذات الإلهيَّة والعلم واحد من اثنين ، إمَّا أن العلم صفة حادثة فأصبح الله عالماً بعد أن كان جاهلا ، وإمَّا أنها صفة قديمة وهي ليست الذات كما تدّعون فيعني الشرك ; لأنكم جعلتم مع الله قديماً ، أو يأخذنا قولكم هذا إلى أن الله مركَّب ، والتركيب علامة النقص ، والله غنيٌّ كامل ، سبحانه وتعالى عمَّا يصفه الجاهلون .
عندما وصلت إلى هذا الموضع من الكلام قال أحد الحاضرين : إذا كانوا يقولون بذلك فالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم براء ، ثمَّ التفت إليَّ قائلا : ما تقول أنت حول هذا الموضوع ؟ ومن أين لك بذلك ؟
بيَّنت لهم أن ما أقوله هو كلام أهل البيت(عليهم السلام) ، وهو كلام واضح تقبله الفطرة ، ولا يرفضه صاحب العقل السليم ، ويؤكِّد عليه القرآن ، وأتيتهم ببعض خطب الأئمَّة حول التوحيد ، منها خطبة الإمام علي (عليه السلام) ، يقول : أوَّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده
الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلِّ صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنَّاه ومن ثنَّاه فقد جزَّأه ، ومن جزَّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ،ومن أشار إليه فقد حدَّه ، ومن حدَّه فقد عدَّه ، ومن قال : فيم فقد ضمَّنه ، ومن قال : علام فقد أخلى منه ...(1) .
ثمَّ شرحت لهم مقصود الخطبة ، قال بعض الحاضرين : والله إنه كلام بليغ سلس ومحكم .
ثمَّ اتفقت كلمتهم حول هذا الشابِّ المسكين أنه مخطىء في اعتقاده ، ويجب عليه مراجعة حساباته حتى لا يذهب إلى نار جهنم .
ثمَّ دار النقاش حول الرسالة والرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والذي يدّعون أنهم أولى الناس به ، وقد ثبت لي أنهم أبعد ما يكون عن نبيِّ الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعن معرفته ، فكيف يكونون أولى الناس به ؟
وبالحوار انقطعت حجّته ، وأصبح محلَّ تهكُّم الآخرين ، وقبل أن نختم الحوار سألني محاولا استفزازي : شيخنا ! ما رأيكم في الصحابة الذين نعتبرهم نحن من أولياء الله الصالحين ؟
فقلت له : يا شيخ ! أول الدين معرفته ، وأنت لم تعرف الله فكيف تعرف أولياءه ؟! وتواعدنا لمواصلة الحوار يوماً آخر .
وفي ذلك اليوم جاء بوجه آخر ، ويبدو أنه أخذ جرعة قويَّة من مشايخه ، وابتدأ هذه المرَّة بالشتم والسبِّ أمام جمع من الحاضرين ، وطالبهم بعدم
____________
1- نهج البلاغة ، خطب أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) : 1/15 ـ 16 .
الجلوس معي ، ولا أبالغ إذا قلت إنه ظلَّ ما يقارب الساعتين يسبُّ ويشتم ويصرخ ، ويلوِّح بيده مهدِّداً ومتوعِّداً بقتلي جهاداً في سبيل الله ، ولا أدري من أين تعلَّم الجهاد ، وهو عمليّاً محرَّم عندهم ، خصوصاً ضدَّ الطواغيت ، ولعلّه لم يكن ملتفتاً إلى أن دم الحسين (عليه السلام) ما زال يغلي في عروق الشيعة .
مع ذلك ـ ويعلم الله ـ فإنني لم أردَّ عليه ; لأنني على بصيرة من ديني ، وتعلَّمت من سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف أنه صبر على أذى كفار قريش ، وكيف أمروا صبيانهم بملاحقته وإيذائه ، وطلبوا من الناس ألا يستمعوا إليه ، وهكذا التاريخ يعيد نفسه .
لأجل ذلك ـ عزيزي القارئ ـ أقدِّم كتابي هذا ، إنه الحق يصرخ لنصرته ، لقد رأيت في عيون الذين حضروا حواري هذا التلهُّف لمعرفة الحقيقة ، وما زلت أراها في عيون كل الأحرار ، الذين يدفعون ثمن التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق .
وعندما يشعر الإنسان قبل ذلك بلذَّة الانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء ،ويبصر نور الحقّ شعلة برَّاقة أمام ناظريه ... يتمنَّى أن يشاركه الآخرون هذا النور ، فيبيِّن لهم طريق ذلك ... وهذا الكتاب ما هو إلاَّ إثارة لدفائن العقول ، وتحفيز الآخرين للبحث عن الحقيقة ، التي كادت أن تضيع بين مطرقة اقتفاء آثار الآباء والأجداد ، وسندان سياسة التجهيل التي مارسها العلماء في حقّ الأبرياء ، مثل هذا الشابّ الذي أجريت معه الحوار ، إن هنالك الكثير ما يزال على فطرته يريد الحقَّ ، ولكن يلتبس عليه الأمر فيتمسَّك بما اعتقده من باطل ، وأصبح جزء من كيانه يدافع عنه بتعصُّب ، مانعاً الحقيقة أن تتسرَّب إلى عقله .
لقد منَّ الله عليَّ بالهداية بفضله ، وأدخلني برحمته إلى حيث نور الحقّ ،
وشكراً لهذه النعمة يجب عليَّ أن أبلغ للناس ما توصَّلت إليه .
لذلك أسطِّر هذه المباحث ، وأكتب هذا الكتاب ، إنه شعلة حقٍّ أخذتها من فاطمة الزهراء عليها ، وأقدِّمها لكل طالب حقٍّ ، ولكل باحث عن الحقيقة ...(1) .
____________
1- بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ، عبد المنعم حسن : 15 ـ 23 .
المناظرة الثامنة والسبعون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني
مع بعض السلفيَّة في حديث أن الأئمة اثنا عشر
قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أوَّل الكتاب ، وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالّته ، وفاجأني بسؤال معتقداً أنه سيضعني في زاوية حرجة .. سؤال من ظنَّ أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر ؟ ولماذا هذا العدد بالذات ؟ وضحك !!
قلت له : يا أخي ! بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجرُّ إليك أسئلة لا قبل لك بها ، فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط ؟ ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربِّه ولم يكونوا ثمانين ؟ ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعاً من الأرض ، ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا ؟ ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثني عشر ؟ ولماذا يقول تعالى : {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً}(1) ولم يكونوا خمسة عشر ؟ ... وهكذا .
____________
1- سورة الأعراف ، الآية : 158 .
أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)كافية لتوجِّهنا للأخذ منهم ، ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسِّكة بهم ، وهنالك تعلم بعدد الأئمة ، ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم ; لأن الموضوع فرعىٌّ ، ومع ذلك ـ وبلطف من الله تعالى لإظهار الحقّ ولإقامة الحجّة ـ لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدِّد عدد الأئمَّة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وصدفة كنت أحمل أحد مجلَّدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث ، وفتحت باب الإمارة ، وقرأت عليه : عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلُّهم من قريش ، وقلت له : هل سمعت ؟ فبهت الذي كفر .
وانتفض انتفاضة قويَّة وكأنه قد مسَّ بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث ؟!
فذكرت له المصادر ، وأذكرها هنا تتمَّة للفائدة :
صحيح البخاري ، كتاب الأحكام ، ج9 ، ص729 .
صحيح مسلم ، ج3 ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش .
صحيح الترمذي ، ج4 ، ص501 .
سنن أبي داوود ، كتاب المهدي ، ص508 .
مسند أحمد بن حنبل ، ج1 ، ص398 .
وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبُّط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ، ولن يجدوا لها حلاًّ إلاَّ عند أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ، وهم الشيعة المعروفون بـ : الاثني عشريَّة ... ولقد حاول البعض أن يجد تفسيراً معقولا
للحديث على أرض الواقع ، فمنهم من عدَّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً (عليه السلام)وتوقَّف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي (عليهما السلام) ثمَّ تحيَّر ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفَّق لضبط العدد ، وآخر أصبح انتقائيّاً يختار كما يتراءى له ... وهكذا .
والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت(عليهم السلام) ، ذلك بعد أن علمنا حقَّهم في الولاية والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم ، وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ، الباب ( 94 ) عن المناقب ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا جابر ! إن أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوَّلهم عليٌّ ، ثمَّ الحسن ، ثمَّ الحسين ، ثمَّ علي بن الحسين ، ثمَّ محمّد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر ! فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمَّ جعفر بن محمّد ، ثمَّ موسى بن جعفر ، ثمَّ عليُّ بن موسى ، ثمَّ محمّد بن علي ، ثمَّ علي بن محمّد ، ثمَّ الحسن بن علي ، ثمَّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي المهدي ، ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها .
أمَّا النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت(عليهم السلام)فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يدّع أحد من الأمَّة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت(عليهم السلام)عن أنفسهم ...(1) .
____________
1- بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ، عبد المنعم حسن : 147 ـ 149 .
المناظرة التاسعة والسبعون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعضهم
في حديث أصحابي كالنجوم
قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحاً أفلا يعتبر علي (عليه السلام) منهم فيحقّ لي اتبّاعه ؟
قال : عليٌّ (عليه السلام) من أكابر الصحابة !
قلت له : إذن أنا أقتدي بعليٍّ (عليه السلام) ، الذي رفض بيعة أبي بكر ، وقاتل عائشة وطلحة والزبير ، ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع عليٍّ (عليه السلام) لو كنت حاضراً في حرب صفّين ولو تمكَّنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعليٍّ (عليه السلام)حتى لا يقتله ! أليس من حقي أن أقتدي بأيِّ صحابيٍّ كما تدّعون ؟! ... ألا ساء ما يحكمون(1) .
____________
1- بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ، عبد المنعم حسن : 163 .
المناظرة الثمانون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم السوداني وبعض الشيعة
مع بعض السلفيّة في أمر معاوية ويزيد
قال الأستاذ عبد المنعم السوداني : في إحدى المرَّات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابيّة صدفة ، وكنت موجوداً ، ولم تكن الرؤية واضحة لديَّ وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابيّة كان لهم حوار سابق مع الشيعة ، فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين (عليه السلام) وكربلاء ، ورأيت الوهابيّة وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال .
تحدَّث أحد الشيعة عن عدم أحقّيّة معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين ، فذكر اسم معاوية مجرَّداً من الترضّي عليه ، فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : قل : رضي الله عنه ، هل هو أخوك حتى تذكره مجرَّداً ؟!
فردَّ عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من عليٍّ (عليه السلام) وأكثر فهماً منه ؟ فشمَّر أحدهم عن ساعديه ، وكأنه ينوي ضربه ، وهو يقول : اسمعوا ، هذا هو ديدن الشيعة ، يشكِّكون في كل شيء ، وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهياً والإجابة عنه
واضحة ، فلا أحد يرى أن هنا لك أفضل من عليٍّ سوى الخلفاء الثلاثة ، رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم .
فالتفت إليه الشيعي وقال : أولا : فليتكلَّم أحدكم ، ثانياً : إذا أردت الحديث فافهم أولا ما أقول ثمَّ تحدَّث ، وثالثاً : إذا كان علي (عليه السلام) أفضل منّا ـ وهو كذلك بلا شك ـ فهو أدرى منا بالأصول ، أليس كذلك ؟!
قالوا بحذر : نعم .
فقال لهم : عليٌّ (عليه السلام) حارب معاوية ، ليس فقط لم يترضَّ عليه كما تطالبوني ، بل قاتله أشدَّ قتال ، ولو ظفر به لألحقه بأجداده .
قال أحدهم وهو يمضغ مسواكاً : نقول كما قال السلف : تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيّاً جليلا ، وأنه فعل خيراً عندما نصب يزيد ، ونرى أن خروج الحسين بن علي (عليه السلام) كان خطأ منه ، وقد تاب يزيد .
قال الشيعي : قولك : فنعصم منها ألسنتنا ، لا ينطبق عليك ; لأنك الآن تقول إن معاوية صحابيٌّ جليل ، إذن لقد أخطأ عليٌّ في حربه لمعاوية ، ثمَّ من قال لك : إنك لن تسأل عن تلك الدماء ؟ لابدّ أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان : إحداهما على حقٍّ ، والأخرى على باطل ، ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك ( الفتنة ) كما تدّعي .
أمَّا عن الحسين بن علي (عليه السلام) فهو لم يخطىء كما تقول ، فهو كما قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : سيِّد شباب أهل الجنة(1) ، وهو من أهل بيت النبوَّة ، وتعلَّم من
____________
1- روى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة . وروى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن حذيفة قال : أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلَّيت معه المغرب ، ثمَّ قام يصلّي حتى صلى العشاء ، ثمَّ خرج فاتبعته ، فقال : ملك عرض لي ، استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ ، ويبشِّرني أن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة . راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/512 ، سنن الترمذي : 5/321 ح3856 ، صحيح ابن حبان : 15/413 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 167 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/35 ـ 38 ح2599 وح2608 وح2611 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 129 .
جدِّه كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلَّم من أبيه ما تعلَّم كما نقلت إلينا كتب التأريخ .
قاطعه أحد الوهابيّة ، وساق كلاماً سيّئاً خارجاً عن حدود الأدب في الحوار والمناظرة ، كما هي عادة أمثاله وشاكلته ، بدل أن يدلي بحجّة أو برهان .
فقال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائماً كان أعداء الشيعة ، باسم الحقّ يقتلون الحقّ ، وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق ، وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيراً ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبنَّاه معاوية ويزيد وآل أميَّة ومن إليهم .
وبعد مشادّة كلاميّة عنيفة حصلت بينهم .. يقول الأستاذ عبد المنعم فقال له بعضهم : على كل حال يجب ألا تتأثَّر بكلام هؤلاء ، فإن في حديثهم سحراً يؤثِّر .
ضحكت وقلت له : هذا ما قالته قريش للنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما جاء بالقرآن ، ورجعت إليه مرَّة أخرى قائلا له : دعنا من كل ذلك ، فأنا أسألك حول قضيّة الحسين بن علي (عليهما السلام) كمسألة واضحة ماذا تقولون فيها ؟
سكت وكأنه يبحث عن إجابة ، ثمَّ قال : لماذا تبحثون عن هذه الأشياء ؟!
قلت : أجب على سؤالي ، ودع عنك السبب .
قال : معاوية صحابيٌّ جليل ، ويزيد كان أميراً على المسلمين ، والحسين خرج على وليِّ أمر زمانه ، ولو كان يزيد قد أخطأ فربَّما يكون قد تاب ، فلا داعي
لأن نتحدَّث حوله ونشهِّر به .
قلت مختتماً هذا الحوار الذي لن يثمر عن شيء : أنت بهذا تلغي الآيات القرآنية التي شهَّرت بقابيل ونمرود وفرعون والسامري .. وغيرهم من الطغاة أعداء الرسالات ، وبقولك هذا تبرِّر لكل مخطىء في هذه الدنيا ; لأنه ربما يتوب ، وبهذه العقليّة تعطِّل الدين ، ويصبح كل التأريخ بلا فائدة .
كلمة أخيرة أقولها لك : أنتم لا ترتقون لمستوى الدفاع عن شريعة السماء ; لأنها لا تحتاج إلى مراوغة وكذب وافتراء ، وحديثي معك الآن إذا لم أصبح بسببه شيعيّاً فهو يبعدني عنكم أكثر فأكثر .
وحاول أن يعتذر قائلا : على كل حال ، نصيحة لك لا تقرأ لهؤلاء ، ونحن سنكون بالمرصاد لهم .
قلت : إذا كانوا على حق فالله ناصرهم ، وإن كانوا على باطل فأنتم أكثر بطلاناً منهم .
وتركته وانصرفت راجعاً إلى الإخوة ، فوجدت أن الوهابيّة لم تزل تدافع عن يزيد ومعاوية ، فتركتهم وانصرفت إلى بعض أشغالي أسفاً على حال هؤلاء المساكين الذين يردِّدون ما يقوله أحبارهم بلا وعي ولا فهم(1) .
____________
1- بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : 189 ـ 192 .
المناظرة الحادية والثمانون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني
مع بعضهم في الافتراء على الشيعة وأثر أدعية أهل البيت (عليهم السلام)
قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : ولأهل البيت(عليهم السلام) تراث عظيم ، كان من الممكن أن تستفيد منه الأمَّة ، ولكنها أبت إلاَّ نفوراً ، وإحدى معاجزهم التي بهرتني ذلك المنهج في الدعاء ، وكيفيَّة التقرُّب إلى الله تعالى ، والأدب الرفيع في مخاطبة الربِّ سبحانه ، والقارئ للصحيفة السجّاديّة ـ وهي صحيفة كلُّها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) ـ يتعجَّب لماذا لم يهتمَّ علماء السنة بهذه الصحيفة ، هل لأنها واردة عن أحد الأئمَّة أهل البيت ؟ أم ماذا ؟!(1) .
____________
1- يقول الدكتور أسعد الفلسطيني أحد المتشيعين فيما وجده أيضاً ولمسه في أدعية أهل البيت(عليهم السلام) : وأمَّا على صعيد الأخلاق والتربية الروحيّة فما عليك إلاَّ أن تنظر في مفاتيح الجنان ، والصحيفة السجّاديّة ، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات المأثورة لترى سموَّ المستوى الذي أراد أهل البيت(عليهم السلام)أن يهذِّبوا به نفوس أتباعهم . المتحوِّلون : 476 . ويقول الدكتور محمّد المغلي ( النمسا ) ـ وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة بروكسل في بلجيكا ، وقد تشيَّع وأخذ بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)ـ : إن أحد الأسباب التي جعلته يتشيَّع هو تأثُّره البالغ بالأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) ، وضرب أمثلة على ذلك وقال : مثل دعاء كميل ، ودعاء الافتتاح الذي يقرأ في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ، ودعاء الصباح للإمام علي (عليه السلام) ، وأدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة السجادية ، وغيرها من الأدعية التي لا مثيل لها عند المذاهب الإسلامية الأخرى . راجع كتاب المتحولون ، هشام آل قطيط : 556 ـ 557 .
أحد الإخوة الذين استبصروا كان يميل للوهابيَّة بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم ، وقبل أن ينغمس معهم تماماً منَّ الله عليه بأحد الأصدقاء ، والذي أعطاه بعض مؤلَّفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحُذِّر منهم ، فطلب منّي ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيُّع وما إليه ، فرحَّبنا به وجلسنا ، فدار النقاش حول معتقدات الشيعة ، وبعد نقاش طويل تنفَّس قائلا : هذا الكلام حقٌّ لا لبس فيه ، ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل ؟!
قلت له : كما أن للحق أنصاراً يعملون على نصرته ، فإن للباطل جنوداً وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل إلاَّ على باطل .
قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثُّر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شيء حتى الصلاة ، كان وقت صلاة المغرب قد حان فقلت : الآن بإمكانك أن تصلّي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدّعون .
توضَّأنا وصلَّينا ، وكان اليوم يوم خميس ، وبعد الصلاة ـ وكما هو معروف عند الشيعة ـ يستحبُّ قراءة دعاء كميل ، وهو دعاء علَّمه أميرالمؤمنين علي (عليه السلام)لأحد أصحابه ، وهو كميل بن زياد النخعي ، والشيعة يواظبون على قراءته .
قرأنا ذلك الدعاء ، وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألَّمت لهذه الأمّة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت(عليهم السلام) ، خصوصاً فيما يختصُّ بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربَّه .
بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه ، وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا : إن الشيعة لا يعرفون الصلاة ، والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة(1) .
____________
1- بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : 210 ـ 211 .