رجس ودنس ، أو بمعنى آخر عصمهم من الخطأ .
وبمعرفة المعصومين نكون قد عرفنا من هم أئمتنا ، وولاة أمورنا في تلك الآية ، فتكون الطاعة واجبة على كل مسلم لله تعالى وللرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأهل البيت(عليهم السلام) ، وبذلك رسم لنا القرآن طريقنا من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو موالاة أهل البيت(عليهم السلام)ومودّتهم كما أمر الله بقوله : {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(1) ، ومن هنا جاءت الأحاديث متواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توجب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّي تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، إنّ العليم الخبير أنبأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ..(2) فحصر هذا الحديث مسار الأمَّة من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو في اتّباع الكتاب والعترة ، فعندما رأى الشيعة هذه النصوص تشيَّعوا لأهل البيت(عليهم السلام)وتابعوهم ، فالتشيُّع يعني اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) .
ولا تتصوَّري أن الفكر الشيعي وليد ذهنيّة ابتكرت فكرة الإمامة في ظروف تأريخيّة معيَّنة ، وإنّما هو امتداد طبيعيٌّ لحركة الرسالة الإسلاميَّة ، وقد كان الصحابة الذين يوالون الإمام عليّاً (عليه السلام) ـ أمثال : أبي ذر وسلمان والمقداد رضي الله تعالى عنهم ـ يسمُّونهم بشيعة عليٍّ (عليه السلام) ، كما أكَّد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المفهوم ، وجذّر هذا المصطلح في عقليَّة الأمَّة الإسلاميَّة بمجموعة أحاديث بشّر بها شيعة عليٍّ (عليه السلام) بالفوز بالجنّة ، وأكَّدت أنّهم هم الفرقة الناجية ، كقول رسول
____________
1- سورة الشورى ، الآية : 23 . 2- المستدرك ، الحاكم : 3/109 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد تقدَّم المزيد من تخريجات الحديث الشريف .
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، ويدخل جنَّة عدن التي وعدني ربّي ، فليوال عليَّ بن أبي طالب من بعدي ، ويوال وليَّه ، ويقتدِ بأهل بيتي ، فإنّهم خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، ويل للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي(1) ، وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي ! أنت وشيعتك على منابر من نور ، مبيضّة وجوههم حولي في الجنّة ، يا علي ! أنت وشيعتك هم الفائزون(2) .
وغيرها من الأحاديث التي رسمت للأمَّة طريقها .
فهذا هو التشيُّع باختصار ، وأنا أدعوك إلى التأمُّل فيما قلته لك ، ويكون الحوار بيننا ممتدّاً .
توقَّف الزمن أمامي وأنا أستمع إلى هذا الكلام .. ارتسمت على محيَّاي الدهشة .. وبدا عليَّ السّكون .. ولكنّه في الواقع هزّ نفسي بعنف ، وكأنّه اقترب بأنامله حول عنقي ليحبس بكلماته أنفاسي ، فهل سحب خالي بهذا الكلام البساط من تحت أقدام كلِّ المذاهب ... لكنّه بدأ من النقطة التي وقفت عندها في مفترق الطريق ، فلعله هو العابر الذي كنت أنتظره ليسلّي وحدتي ، ويربط على قلبي لكي أقتحم تلك الصفحات التي ختمت بحبر التقديس .
ولكن سرعان ما لملمت أشتات ذهني ، وحزمت أمر نفسي قائلة : لا
____________
1- تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/240 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/170 ، عن حلية الأولياء لأبي نعيم الإصبهاني ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 12/103 ح94198 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 1/379 ـ 380 ح2 . 2- راجع : مناقب أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، الكوفي : 249 ـ 250 ح167 ، المناقب ، الخوارزمي : 129 ح143 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 391 ـ 392 ح4 .
يمكن تجاوز كل ذلك الزخم الفكريّ في الموروث الإسلاميِّ ، وما أبدعت فيه عبقريَّات العقل المسلم بهذه الكلمات ، فالأمر موقوف على كثير من البحث والنقاش .
قاطعني قائلا : أنا لم أطلب منك تحديد موقف بهذا الكلام ، كما أنني لا أؤمن بسياسة التلقين وتمرير الأفكار ، فكل ما ذكرته توضيح عام ، وما زال البحث والنقاش بيننا .
قلت : الأمر بحاجة إلى تركيز أكثر ، وأنا لا أجد أنّ المكان مناسب في وسط هذه الضجّة وزغاريد الفرحة ، فمن المناسب أن ننتظر بعد أن تهدأ الأمور ، وأجد الفرصة الكافية لاستجماع نفسي لطرح الحوار نقطة بعد نقطة .
قال : لا بأس بهذا الاقتراح ، فأنا موجود متى طلبتِ منّي الحوار .
ودّعت خالي بعد تلك الجلسة العابرة ، ودخلت مع النساء في معمعة الزواج ، بين ضجيج النسوة ، وصراخ الأطفال ، ولكنّها لم تحجب عن سمعي تلك الكلمات التي سمعتها من خالي ، فما زالت تتردّد في أذني ، فعزمت على إعداد العدّة ، فلا يمكن الاستهانة بهذا الكلام ، كما لا يمكن الاستهانة بمقدرة خالي العلميَّة ، فقد أدهشني فعلا بتلك الكلمات التي كانت تنساب على لسانه من غير جهد وتكلُّف .
الخلافة بين النص والشورى
بعد الانتهاء من مراسيم الزواج وفي مساء يوم من الأيام دعوت خالي لإكمال الحوار ، وقد سجّلت مجموعة أدلّة تنقض ما قاله خالي ، فوافق بترحاب ،بشرط أن يكون النقاش مع مجموعة لتعمَّ الفائدة .
وفي جوٍّ من الهدوء والسكينة وتحت ضوء القمر اجتمعنا أنا وأخواتي وبنات خالتي ، وبدأ الحوار مع خالي ..
قلت : أولا ، وقبل كل شيء تعلم أن كل من لا يؤمن بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان فهو كافر ، والشيعة لا يؤمنون بذلك ، ويعتبرون أنّ الخليفة من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عليٌّ (عليه السلام) فحسب ، وفي هذا الكلام تجاوز على الخلفاء ، وكذبٌ وافتراء على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وطعن في الصحابة ، وتسقيط لمكانة أبي بكر وعمر وعثمان .
خالي : لعلَّ الله منَّ عليَّ بكِ حتى أهتدي على يديكِ إن كنت ضالا ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وأيم الله لئن يهدي الله على يديك رجلا خير لك ممَّا طلعت الشمس عليه وغربت(1) ، وقال تعالى : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}(2) .
فتعالي ، اكشفي لي المستور ، وأنيري دربي للحقيقة ، ولكن أرجو منك ـ يا بنت أختي ـ بأن تنتهجي طريق الحكمة والدليل ، فنحن قوم نميل مع الدليل أينما مال ، قال تعالى : {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3) ، وقال تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}(4) وقال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : رحم الله امرأ سمع حكماً فوعى ، ودعي إلى رشاد فدنا ، وأخذ بحجزة هاد فنجا(5) .
____________
1- المستدرك ، الحاكم : 3/598 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 1/315 ح930 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 5/334 . 2- سورة المائدة ، الآية : 32 . 3- سورة البقرة ، الآية : 111 . 4- سورة النحل ، الآية : 125 . 5- نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 1/125 ـ من 126 خطبة له (عليه السلام) رقم : 76 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 66/310 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/172 .
وعندها أطرقت رأسي خجلا ، وقلت : سامحني يا خالي ، ولكنَّ الحوار ليست فيه اعتبارات ، وأنت صادق فيما قلت ، وما عليك إلاَّ مواصلة النقاش ، وعليك ذكر دليل الشيعة على أن الإمام علياً (عليه السلام) قد نصّ عليه من قبل الله تعالى .
خالي : إذا كنت مديرة مدرسة أو شركة وطرأ عليك سفر ، فهل تغادرين هذه المدرسة أو تلك الشركة بدون تعيين أيِّ وكيل ؟
قلت : طبعاً لا ، وليست هذه صفة أيِّ إداريٍّ عاقل .
خالي : إذن فهل خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الدنيا بدون وضع أيِّ حلٍّ لأمّته ؟ فهل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهل بما سيقع من بعده من حروب وفتن واختلافات ؟ وهل يعقل أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ هذه الشخصيَّة العملاقة التي بنت أعظم حضارة في تأريخ الإنسانيَّة ـ يترك هذه الحضارة من غير تعيين من يرعى شؤونها ؟
أو ليس من الواجب على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون حريصاً على العباد ، فيختار إليهم من يكون إمامهم في أمور الدين والشريعة ؟ أو ليس هو القائل : ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلُّها في النار إلاّ واحدة(1) .
حاشا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يترك أمَّته سدىً ، وهو العالم بما سيجري بعده ، وقد أثبت التاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أراد أن يخرج من المدينة إلى غزوة كان لا يخرج حتى يجعل خليفة ، وقد ذكر البخاري في صحيحه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما خرج لغزوة تبوك خلَّف علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المدينة ، وقال له : يا علي ! ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ
____________
1- مسند أحمد بن حنبل : 3/120 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 1/128 ، وقد تقدَّمت تخريجاته .
بعدي(1) ، فيتضح من ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وضع حلاًّ لأمّته .. أليس كذلك ؟
قلت : أنا لا أعترض على شيء ممّا قلت ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لم يخرج من هذه الدنيا حتى وضع حلاًّ .. ولكن لا يعني هذا أن يكون الحلّ الذي وضعه هو النصّ على الإمامة .
خالي : إذن ما هو الحل ؟
قلت : الحل هو الشورى بين المسلمين .
خالي : إذن خلاصة هذا الكلام أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم بما سيجري من بعده ، وأنه قد وضع حلاًّ لأمَّته .. ولكن اختلفنا في نوعيَّة ذلك الحل ، فأنتم تقولون : إن الحل الذي وضعه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الشورى بين المسلمين .. أمَّا الشيعة فقد ذهبت إلى أن الحلَّ هو النص والتعيين من قبل الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنّ الرسول عيّن من بعده علياً وأهل بيته(عليهم السلام) .
قلت : إنّ الأدلة على الشورى واضحة في آيات الله تعالى ، ولا أدري كيف تغافل عنها الشيعة ، فهل هناك نص أوضح من قوله تعالى : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(2) ، وقوله : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(3) ؟!
فإنّ الظاهر من هذه الآيات هو إعطاء الشرعيَّة للأمَّة في انتخاب خليفتها ، وليست لك حجّة ممّا ينتج من هذا الانتخاب من اختلاف ; لأنّ من ميزات
____________
1- سنن الترمذي : 5/301 ـ 302 ح3808 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 2/337 ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وتقدَّم المزيد من تخريجات هذا الحديث الشريف المتواتر . 2- سورة الشورى ، الآية : 38 . 3- سورة آل عمران ، الآية : 159 .
شريعتنا الغرّاء أنّ الاختلاف مسموح به ، بل هو رحمة كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اختلاف أمَّتي رحمة(1) ، هذه من أعظم القيم الإسلاميّة وهو إقرار مبدأ الديمقراطية .
كما أن الواقع العملي لسيرة المسلمين وخاصة سيرة السلف الصالح قد أجمعوا على هذا المبدأ ، وأنّ أول شورى حدثت في التاريخ أسفرت عن أعظم حضارة بقيادة الخلفاء كانت نتاج مبدأ الشورى ، وهذا ما أراده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو القائل : لا تجتمع أمَّتي على ضلال(2) ، وهذا للأمَّة فماذا يكون الحال إذا كان المجمعون هم الصحابة الذين زكَّاهم الله عزّوجل ومدحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلم تكن ـ يا خالي ـ خلافة أبي بكر خارجة عن الدين ، بل هي الدين بعينه .
____________
1- شرح مسلم ، النووي : 11/91 ، الجامع الصغير ، السيوطي : 1/48 ح288 ، كشف الخفاء ، العجلوني : 1/64 ح153 . قال المتقي الهندي في كنز العمال : 10/136 ح28686 : اختلاف أمَّتي رحمة ( نصر المقدسي في الحجة ، والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند ، وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ، ولعلّه خرِّج في بعض كتب الحفّاظ التي لم تصل إلينا ) . وقال الفتني في تذكرة الموضوعات : 90 ـ 91 : في المقاصد اختلاف أمتي رحمة للبيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل بلفظ : واختلاف أصحابي لكم رحمة ، وكذا للطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع ، وقال العراقي : مرسل ضعيف ، وقال شيخنا : هذا الحديث مشهور على الألسنة ، وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس ، وكثر السؤال عنه ، وزعم كثير من الأئمة أنَّه لا أصل له ، لكن ذكره الخطابي وقال : اعترض على الحديث رجلان ; أحدهما ماجن ، والآخر ملحد ، وهما : إسحاق الموصلي والجاحظ ، وقالا : لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ، ثمَّ ردَّ الخطابي عليهما ، ولم يقع في كلامه شفاء في عزو الحديث ، ولكنه أشعر بأن له أصلا عنده ، وفي حاشية البيضاوي ذكر هذا الحديث السبكي وغيره وليس بمعروف عند المحدِّثين . 2- أحكام القرآن ، الجصاص : 2/37 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 8/123 ، وقد تقدَّم هذا الحديث في مناظرة أميرالمؤمنين (عليه السلام) مع أبي بكر .
وإذا كنت في شك ممَّا قلت لك تكون قد خالفت أهل البيت(عليهم السلام) الذين تدّعون التمسُّك بهم ; لأنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) بنفسه بايع أبا بكر ولم يخالفه ، وإذا كانت الخلافة له لم سكت وبايع أبا بكر ، وكان على الأقل احتجّ عليهم وذكَّرهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نصَّ عليه ، ولكن حدث عكس ذلك ، فقد أقرَّ عليٌّ (عليه السلام) مبدأ الشورى كما جاء في هذا النص ـ كتبته من كتاب يرجعه إلى نهج البلاغة ـ : وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضاً ، فإن خرج من أمرهم بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منهم ، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين(1)، ولعلّ عليّاً (عليه السلام) كان يدري أنَّ أناساً يأتون من بعده يدّعون أن الإمامة حقٌّ له دون غيره ، ولذلك سطَّر هذه الكلمات حتى تكون حجّة عليهم مدى الدهر .
هذا من جهة عليٍّ (عليه السلام) ، أمَّا من جهة الصحابة فالأمر أوضح ، لأنهم لم يبايعوا علياً ، ولو كان هناك نص عليه لم يتخذوا دونه بدلا ، ولا يمكن أن يقبل أن كل الصحابة قد تواطؤا على عليٍّ ، وهم الذين مدحهم الله في كتابه : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً}(2) ، وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم(3)(4) .
____________
1- نهج البلاغة ، 3/7 ، من كتاب له (عليه السلام) لمعاوية ، رقم : 6 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 3/75 و14/35 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 59/128 ، المناقب ، الخوارزمي : 202 . 2- سورة الفتح ، الآية : 29 . 3- تقدَّمت تخريجاته . 4- قال محمّد بن عقيل في النصائح الكافية : 181 ـ بعدما ساق حديث : أصحابي كالنجوم ـ : قال ابن عبد البرّ : هذا إسناد لا تقوم به حجَّة ; لأن الحرث بن غصين مجهول ، وقال أيضاً عن محمّد بن أيوب الرقي قال : قال لنا أبو بكر أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار : سألتهم عمَّا يروى عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)ممَّا في أيدي العامّة يروونه عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : إنّما مثل أصحابي كمثل النجوم ، أو أصحابي كالنجوم فبأيِّها اقتدوا اهتدوا ، قالوا : هذا الكلام لا يصحُّ عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وربَّما رواه عبدالرحيم عن أبيه عن ابن عمر ، وإنّما ضعف هذا الحديث من قبل عبدالرحيم بن زيد ; لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه .. وقال الحجّة العلم آغا بزرك الطهراني عليه الرحمة في الذريعة : 13/188 تحت رقم : 651 : ( شرح حديث أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم ) لبعض الأصحاب ، استدلَّ به من وجوه على وضع هذا الحديث وكذبه وبطلانه ، وهو في أربعمائة بيت ، أوَّله : الحمد لله الذي جعل مقام شيعة عليٍّ عليّاً ، وصيَّرهم مع خليله إبراهيم في ذلك الاسم سميّاً .. إلخ ، وعلى فرض صحّة هذا الحديث وصدوره عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) فليس المراد به كافّة الأصحاب ، بل هم أهل البيت المعصومون(عليهم السلام) ، وآخره : الحمد لله الذي جعل الحقَّ ممّا يعلو ولا يعلى ، والنسخة في مكتبتي المسمَّاة بـ : ( مكتبة صاحب الذريعة العامّة ) في النجف الأشرف ، وورقها سميك ، لكنَّه ليس بأقدم من القرن الماضي أو قبله بقليل ، والظاهر أنَّه ألفِّ جواباً على بعض العامة المستدلين بالحديث على صحّة مذهبهم .
فإذا كان الصحابة لم يبايعوا عليّاً فهذا دليل قويٌّ على أنَّه لا يوجد أيُّ نص ; إذ لو كان هناك ثمَّة نصٌّ لالتزم به الصحابة الكرام .
ثمَّ بالله عليك ، إذا كانت الإمامة نصّاً إلهيّاً ، وهي بهذه الدرجة من الخطورة كما تدّعون وتطبِّلون على ذلك ، لماذا لم تذكر في القرآن الكريم ؟ لماذا لم يذكر اسم عليٍّ (عليه السلام) كما ذكر اسم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل لم يترك حتى إشارة واضحة محكمة في ذلك الخصوص ؟
فهذا يدلُّ على أنّ القضيَّة هي قضيّة شورى بين المسلمين ، وليست القضيّة نصاً كما تدّعي وتذهب .
وإن تنازلنا وسلّمنا للشيعة أنّ الخليفة لابد أن يكون منصوصاً عليه فحينها تكون الكفّة مع أبي بكر الصديق .
خالي متعجِّباً : ... أبو بكر ؟
قلت : أجل ، الصدّيق ..
خالي : نوِّرينا ، كيف ذلك ؟؟
قلت : عن عليٍّ (عليه السلام) قال : دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلنا : يا رسول الله ! استخلف علينا ، قال : إن يعلم الله فيكم خيراً يولِّ عليكم خيركم ، فقال علي (رضي الله عنه) : فعلم الله فينا خيراً فولَّى علينا خيرنا أبا بكر(1) .
وعن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) أيضاً : أتت امرأة إلى النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر أن ترجع إليه ، فقالت : إن جئت ولم أجدك ; كأنها تقول الموت ، قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر(2) .
وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : يكون خلفي اثنا عشر خليفة ; أبو بكر لا يلبث إلاَّ قليلا ..(3) .
وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اقتدوا بالذين بعدي ; أبي بكر وعمر(4) .
هذا بالإضافة إلى قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ
____________
1- المستدرك ، الحاكم : 3/145 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 30/289 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 13/189 ح36562 . 2- صحيح البخاري : 4/191 ، فتح الباري ، ابن حجر : 7/16 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 5/248 . 3- المعجم الكبير ، الطبراني : 1/90 ح142 ، الكامل ، ابن عدي : 208 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 30/229 . 4- سنن الترمذي : 5/271 ح3742 ، مسند الحميدي : 1/214 ح449 ، المستدرك ، الحاكم 3/75 ، المعجم الأوسط ، الطبراني : 4/140 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/53 ، قال : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم .
فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(1) ، فإن هذه الآية نازلة في حق أبي بكر الصدّيق ، فكانت النتيجة طبيعيَّة أن يعيِّن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر كما عيّنه إماماً ليصلّي بالمسلمين .
الاستدلال بآيات الشورى باطل
خالي : انتهيت ؟
قلت : أجل ، وهل بعد هذا الكلام من زيادة ، وابتسمت قائلةً : قطعت جهيزة قول كل خطيب ، ولو كان للشيعة ربع هذه الأدلة لقلنا إنهم تأوّلوا ، ولوجدنا لهم عذراً .
خالي : هوِّني عليك يا بنت أختي ، زادني الله وإياك بصيرة في الحق .. وهدانا الله إلى طريق الهدى والصراط المستقيم .
حججك ـ يا عزيزتي ـ قويّة ومنطقيّة ، ولكن عندي عدّة أسئلة وبعض الشبهات حول ذلك ، فإن أجبت عنها كان الصواب معك .
قلت بوجه مستبشر وبلهفة : تفضَّل .. تفضَّل .
خالي : ذكرت أنّ الحل والمنهجيّة التي وضعها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمَّته بعد وفاته هي الشورى بين المسلمين ، واستدليت بالآيتين المباركتين : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(2) ، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(3) .
قلت : أجل ، هو ذلك .
____________
1- سورة المائدة ، الآية : 54 . 2- سورة آل عمران ، الآية : 159 . 3- سورة الشورى ، الآية : 38 .
خالي : حسناً ! من هو المخاطب بقوله تعالى : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}(1) ؟
قلت : المخاطب هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
خالي : إذن فالخطاب في الآية متوجِّهٌ إلى الحاكم الذي استقرّت حكومته ، أليس كذلك ؟
قلت وبعد ثوان من الصمت : لم أفهم ذلك .
خالي : بما أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الحاكم الشرعي ، وخطاب الآية متوجّهٌ له ، فلا يمكن أن تكون الآية مؤسِّسة لنظريَّة الحكم ، وإلاّ يكون في الأمر خلف وتحصيل حاصل ; لأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الحاكم حين ذاك ، فكيف تكون الشورى لتنصيب الحاكم والحاكم موجود ؟! فأقصى ما نفهمه من الآية أنّ من وظائف الحاكم الشرعيِّ هو الشورى مع رعيّته ، هذا ما أكَّده أميرالمؤمنين (عليه السلام) : من استبدّ برأيه هلك ، ومن شاور الرجال في أمورها شاركها في عقولها(2) ، هذا أوَّلا .
وثانياً : إنّ مشورة الحاكم للرعيَّة ليست على وجه الإلزام ; أي ليس واجباً على الحاكم الأخذ برأيهم ، والدليل على ذلك قوله تعالى : {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}(3) ، فالأمر أوَّلا وأخيراً منوط بالحاكم .
هذه هي الشورى الشرعيَّة التي أمر بها الإسلام ، وهي لا تنعقد إلاّ بوجود
____________
1- سورة الشورى ، الآية : 38 . 2- نهج البلاغة ، خطب الإمام علي (عليه السلام) : 4/41 ح161 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 72/104 ح38 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 18/382 . 3- سورة آل عمران ، الآية : 159 .
الحاكم والقيّم على الشورى ، فأركان الشورى في الإسلام ، أوَّلا : المتشاورون ، وهذا من قوله تعالى : {وَشَاوِرْهُمْ} ، وثانياً : موضوع للشورى ، والدليل عليه : {فِي الأَمْرِ} .
وثالثاً : وليٌّ وقيّم على الشورى ، حيث ترجع إليه الآراء ، وهو الذي يحكم فيها : {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} ، فبهذا لا يمكن أن تنعقد الشورى بكيفيَّتها الإسلاميَّة إلاّ بحاكم ، وأنتم تزعمون أنّ الحاكم لا يأتي إلاَّ عن طريق الشورى ، وهذا دور ، والدور باطل كما تعلم ، أي ـ بمعنى آخر ـ إن الحاكم لا يأتي إلاّ بالشورى ، والشورى لا تقوم إلاَّ بالحاكم ، فإذا حذفنا المتكرِّر تكون المحصَّلة : الحاكم لا يقوم إلاَّ بالحاكم ، أو الشورى لا تقوم إلاّ بالشورى ، وهذا باطل بإجماع العقلاء ، فتكون الآية خارجة عن موضوع تعيين الحاكم ، ولأجل ذلك لم نر أحداً من ]أهل[ السقيفة احتجّ بهذه الآية .
فالمتعمعِّن في الآية يتضح له أنّ الأمر بالمشاورة كان بقصد الملاينة معهم والرحمة بهم ، ومن سبل الترابط الذي يجمع بين القائد وأمَّته ، قال تعالى : {فَبَِما رَحْمَة مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ}(1) .
أمَّا قوله تعالى : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(2) فالكلام فيها بنفس ما تقدَّم ; لأن الخطاب كان شاملا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً ، فمن الممنوع عقلا وشرعاً أن يعقد الصحابة مشورة من دون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بينهم ، فإذا
____________
1- سورة آل عمران ، الآية : 159 . 2- سورة الشورى ، الآية : 38 .
تحتّم دخول الرسول معهم ـ وهو الحاكم المطاع ـ فتخرج الشورى حينها عن موضوع تعيين الحاكم كما تقدَّم في الآية الأولى ، فتكون الآية حثَّت على الشورى فيما يمتُّ إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أمرهم .
أمَّا كون تعيين الإمام داخلا في أمورهم فهذا هو أوَّل الكلام ، وعلى أقل تقدير إذ لا ندري هل أن أمر الإمام هو من شؤون المؤمنين أم من شؤون الله سبحانه ، ومع هذا الترديد لا يصحُّ التمسُّك بالآية .
فهذه الآيات التي ذكرتيها لا يستفاد منها أكثر من رجحان التشاور بين المؤمنين في أمورهم ، كما أن التشاور لا يمكن أن يكون في القضايا التي ورد فيها تحديد شرعيٌّ ، فليس لأحد صلاحيَّة في قبالة تشريعات الله ، قال تعالى :{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}(1) ، وقال : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً}(2) .
... فالآيتان أجنبيَّتان تماماً عن موضوع القيادة ، وبالتالي دليلك هذا ساقط ، ولا ينهض بأيِّ حال من الأحوال لإثبات المدَّعى .. أليس كذلك ؟!
قلت : هذا الكلام يبدو في ظاهره وجيهاً ، مع أنّه يشوبه نوع من الغرابة ، فلم أسمع من قبل بمثل هذا الاستدلال ، ولكن كل ما أفهمه أنّ اختلاف أمَّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة .
____________
1- سورة القصص ، الآية : 67 . 2- سورة الأحزاب ، الآية : 36 .
حديث اختلاف أمَّتي رحمة
عذراً يا عزيزتي ! إنّ الحديث الذي ذكرتيه ليس بهذا الفهم ، والوارد في تفسيره عند أهل البيت(عليهم السلام) ـ كما جاء في كتاب اسمه علل الشرائع ـ أنه قيل للإمام الصادق (عليه السلام) : إن قوماً يروون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : اختلاف أمَّتي رحمة ، فقال : صدقوا ، فقيل : إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ؟ قال (عليه السلام) : ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنما أراد قول الله عزَّ وجلَّ : {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(1) واختلاف أهل البلدان إلى نبيِّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمَّ من عنده إلى بلادهم رحمة .. فالاختلاف في البلدان لا في الدين ، لأن الدين واحد(2) .
وهذا ما تؤكِّده كتب اللغة ، فقد جاء في المنجد : اختلف إلى المكان : تردّد ; أي جاء المرَّة بعد الأخرى ، وهذا ما يقبله العقل والشرع ، قال تعالى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}(3) ، وقوله تعالى : {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(4) ، وقال : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}(5) ، وقال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(6) .
____________
1- سورة التوبة ، الآية : 122 . 2- علل الشرائع ، الصدوق : 1/85 ح4 ، معاني الأخبار ، الصدوق : 157 ح1 . 3- سورة آل عمران ، الآية : 103 . 4- سورة الأنفال ، الآية : 46 . 5- سورة الصف ، الآية : 4 . 6- سورة الحجرات ، الآية : 4 .
الديمقراطيَّة مبدأ إسلاميٌّ وعقلائيٌّ
قلت : حسناً يا خالي ! إذاً أنتم الشيعة الإماميّة لا تعترفون بمبدأ الشورى في الفكر الإسلاميِّ ، وإذا كان الأمر كذلك فلم المصلحون والمجدِّدون يقولون : إن بنيان الحكم في الإسلام مبنيٌّ على أسس الديمقراطيَّة ، وحريَّة الرأي والتعبير ، ولم يكن ذلك من فراغ ، وإنما استناداً للطريق الذي شرَّعه الإسلام لانتخاب الحاكم بالشورى والاختيار الحرِّ ، وهذا ما أجمع عليه كل العقلاء ، مسلمون وغير مسلمين ؟
خالي : أوَّلا : إنّ الديمقراطية بصورتها الحاليَّة لم تكن هي المبدأ الذي اتفق عليه كل العقلاء .
وثانياً : إنّ الديمقراطيَّة بالفهم الإسلاميِّ هي رقابة مشتركة بين الحاكم والرعيَّة من أجل تطبيق قيم ومبادئ سامية ، وليست هي الفوضى التي تنتج من الاتباع المطلق لرغبات الشعب ، وإنما هي مساعي مشتركة بين الحاكم والرعيَّة لتطبيق شرع الله .
ثالثاً : إنّ الديمقراطية يمكن أن تقبل في إطار خاص وليس مطلقاً ، أي في الأمور التي تعتبر من اختصاصات البشر ، لا في الأمور التي هي من شأن الله سبحانه وتعالى ، فالحاكميَّة الحقيقيَّة لله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ}(1) ، والله هو الخالق ، والخالق مالك ، والمالك هو الحاكم ، ولا يجوز للمملوك أن يتصرَّف في حقِّ المالك إلاّ بإذن المالك ، وقد جرت سنّة الله سبحانه وتعالى باصطفاء الخلفاء
____________
1- سورة الأنعام ، الآية : 57 .
والحكّام الذين يمثلِّون حكومته في الأرض ، قال تعالى : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(1) وقال تعالى : {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}(2) وقال : {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(3) وهذا غير الآيات التي تحدَّثت عن اصطفاء الله للخلفاء ، فأمر الحكم هو من اختصاص الله عزّ وجلَّ ، فلا تجري فيه الديمقراطيَّة .
الديمقراطيَّة لا تصلح في المجتمع القبلي
رابعاً : ولو سلّمنا جدلا أنّ الديمقراطيَّة يمكن أن تكون طريقاً لاختيار الحاكم ، لكنّها لا تفيد مع ذلك المجتمع الجاهلي الذي لم يعرف في طول تأريخه معنى الشورى ، فإنّ الأنظمة التي كانت سائدة هي الأنظمة القبليّة ، والتقسيمات العشائريّة ، التي لا تعترف إلاَّ بقانون القوَّة .
قلت : لكنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سعى سعياً حثيثاً لمحو الروح القبليّة ، وإذابة الفوارق العشائريّة ، وجمع ذلك الشتات في بوتقة الإيمان الموحّد .
خالي : نعم هذا صحيح ، ولكن ليس من الممكن أن ينقلب النظام القبلي في مدّة ثلاثة وعشرين عاماً إلى نظام موحَّد إسلاميٍّ ، فقد كان لا يرى إلاّ الانتساب إلى القبليَّة فخراً له ، والأدلة على ذلك كثيرة ، فقد نقل البخاري في صحيحه : ( تنازع مهاجريٌّ مع أنصاريٍّ ، فصرخ الأنصاري : يا معشر الأنصار ! وصرخ المهاجري : يا معشر المهاجرين ! ولمَّا سمع النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : دعوها فإنّها
____________
1- سورة البقرة ، الآية : 30 . 2- سورة الأنبياء ، الآية : 73 . 3- سورة البقرة ، الآية : 124 .
منتنة(1) .
ولولا قيادته الحكيمة (صلى الله عليه وآله وسلم) لخضّب وجه الأرض بدماء المسلمين من المهاجرين والأنصار ، وكم حدثت أمثال تلك الحوادث ، حتى قال فيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا معشر المسلمين ! أبدعوى الجاهليّة وأنا بين أظهركم(2) وحتّى تتأكَّد ممَّا قلته لك ارجع إلى أيِّ كتاب في التأريخ ، لترى الصورة الحقيقيَّة للمجتمع الأول ، ولا تفهم من ذلك أنّي أشكِّك في مجتمع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكل ما أقصده أنّ النظرة المثاليّة ليست واقعيّة .
قلت : ليس كلّ ما جاء في كتب التأريخ حقيقة .
خالي : عفواً ! لا تعتمدي على الكلمات المطلقة ، ليس كل ما في التأريخ حقيقة ، هذا الكلام عليك وليس معك ; لأنّ السلف الذين تدافعين عنهم أنتِ لم تعيشىِّ معهم ، وكل ما تعرفينه عنهم هو عبر التأريخ ، هذا أوَّلا .
وثانياً : إنّ هنالك روايات في الصحاح التي تعترفون بصحّتها تكشف أن المجتمع الأول لم يكن مثاليّاً كما تتخيَّلين ، وإليك هذه الحادثة التي جاءت في صحيح البخاري في قصة الإفك كمثال وليس حصراً :
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ! من يعذرني في رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلاَّ خيراً ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلاَّ خيراً ، وما يدخل على أهلي إلاَّ معي .
قالت عائشة : فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال : أنا ـ يا
____________
1- صحيح البخاري : 4/160 و6/65 ـ66 . 2- أسد الغابة ، ابن الأثير : 1/149 ، سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ابن هشام : 2/397 ، فتح القدير ، الشوكاني : 1/368 .
رسول الله ـ أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا .
قالت عائشة : فقام رجل من الخزرج ، وهو سعد بن عبادة ، وهو سيِّد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحاً ولكن احتملته الحميَّة ، فقال سعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل .
فقال أسيد بن حضير ـ وهو ابن عم سعد بن معاذ ـ لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ، لتقتلنّه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين .
قالت عائشة : فصار الحيَّان ( الأوس والخزرج ) حتى همُّوا أن يقتتلا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم على المنبر ، ولم يزل رسول الله يخفضهم ( أي يهدِّئهم ) حتى سكتوا(1) .
فعليك أن تتدبَّر ، هذا هو الحال ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم ، فكيف الحال بعد وفاته ؟!
واسمحي لىِّ أن أتجاسر قليلا وأقول لك : إنّ فرض الديمقراطية في مثل هذا المجتمع هرطقة فاضحة .
وذلك لأنَّ العمليّات الانتخابيّة التي يفترض إجراؤها تحت مظلّة الديمقراطيَّة تستلزم وعياً ، ونظراً للمصالح والمفاسد ، وتقويماً للطرق السليمة التي تفيد المجتمع في ارتقائه وتكامله ، وتجربة في الحياة السياسيّة ، وهذا كلُّه يستدعي أرضيَّة ثقافيَّة وفكريَّة نشطة لدى أبناء الشعب ، وفي غير تلك الصورة
____________
1- صحيح البخاري : 5/58 و6/7 ـ 8 .
يكون فرض الديمقراطيَّة ضرباً من اللاواقعيَّة .
قلت : بقدر ما أنك تجد شواهد على بدويَّة ذلك المجتمع ، فإنّ الشواهد على وجود نماذج طيِّبة كثيرة جداً في التأريخ ، وليس من الإنصاف أن تتمسَّك بالشواهد السلبيَّة دون الإيجابيَّة ، فمجرَّد وجود تلك النماذج الإيجابيَّة كاف لصيرورة نظام الشورى .
خالي : أنا لا أنكر تلك النماذج الإيجابيَّة ، بل أفتخر بها ، ولكن ليس هذا مربط الفرس ، فإن القضيَّة تدور مدار الشرعيَّة للشورى ، والمدَّعى قائم على نفي الشرعيَّة عنها ; إذ لا يعقل أن تكون الشورى هي الطريق الذي حدَّده الشرع ، في حين أنه لا توجد رواية واحدة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدَّث فيها عن الشورى ، وهذا خلاف المفترض ، حيث كان من اللازم أن يبيّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كيفيَّة الشورى وحدودها وآلياتها ، في حين أنّ الأحاديث التي تتحدَّث عن السواك وفوائده لا تقلُّ عن الخمسة والثلاثين حديثاً .
خلافة أبي بكر والإجماع
قلت : في كلامك نسبة كبيرة من الوجاهة ، وقد يصل إلى حدِّ الإقناع لو لا أنه معارض بإجماع الصحابة الذين استقرَّ رأيهم على خلافة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ، وقد أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الإجماع الشرعيَّة بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تجتمع أمَّتي على الخطأ(1) .
خالي : بغضّ النّظر عن الكلام حول حجّيّة الإجماع والنقاش الدائر حوله ،
____________
1- تقدمت تخريجاته .
فإن إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر لا يخلو من إشكال ; لأنّ القدر المتيقّن من حجّيّة الإجماع هو الإجماع غير المخروق ; أي الإجماع الذي لم يخالفه مخالف ، وهذا غير متحقّق .
قلت : إنّ الإجماع ينعقد برؤوس القوم وزعمائهم ، وهذا متحقِّق ، ولا عبرة بغيرهم .
خالي : إنّ الذين تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر لم يكونوا من صغار القوم كما زعمت ، بل هم أعاظم الصحابة(1) ، وإليك منهم على سبيل المثال لا الحصر :
____________
1- قال اليعقوبي في تأريخه : 2/124 في الأحداث التي جرت بعدما بويع لأبي بكر : وجاء البراء بن عازب ، فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم ! بويع أبو بكر ، فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمّد ، فقال العباس : فعلوها وربِّ الكعبة . وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في عليٍّ ، فلمَّا خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس ـ وكان لسان قريش ـ فقال : يا معشر قريش ! إنه ما حقَّت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلها دونكم ، وصاحبنا أولى بها منكم . وقام عتبة بن أبي لهب فقال :
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
عن أوَّل الناس إيماناً وسابقة | وأعلم الناس بالقرآن والسنن |
وآخر الناس عهداً بالنبيِّ ومن | جبريل عون له في الغسل والكفن |
من فيه ما فيهم لا يمترون به | وليس في القوم ما فيه من الحسن |
وتخلَّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم : العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد ابن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب .
فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأي ؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب ، فتجعل له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه من بعده ، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي ، إذا مال معكم ، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلا ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ، إلى أن قال : فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً ، فوليت ذلك .. ولقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك ، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عمَّ رسول الله .. وقال عمر بن الخطاب : إي والله ، وأخرى أنا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم .
فردَّ عليه العباس ، فكان من كلامه له : فإن كنت برسول الله فحقاً أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، فما تقدمنا في أمرك ، ولا حللنا وسطاً ، ولا برحنا سخطاً ، وإن كان هذا الأمر إنَّما وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين ، إلى أن قال : فأمَّا ما قلت إنّك تجعله لي ، فإن كان حقاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض ، وعلى رسلك ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من شجرة نحن أغصانها ، وأنتم جيرانها ، فخرجوا من عنده .
فروة بن عمرو ، وهو ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر ، وكان ممّن جاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان يتصدّق من نخله بألف ساق كل عام ، وكان سيِّداً ، وهو من أصحاب علي ، وممّن شهد معه يوم الجمل ..(1) ، وجاء في أسد الغابة : شهد العقبة وبدراً وما بعدهما(2) .
وممّن تخلّف أيضاً خالد بن سعيد الأموي ، وهو ممَّن أسلم قديماً فكان ثالثاً أو رابعاً ، وقيل : خامس من أسلم ، وقال ابن قتيبة في المعارف : أسلم قبل إسلام أبي بكر(3) .. وسعد بن عبادة ، وحذيفة بن اليمان ، وخزيمة بن ثابت ، وأبو بريدة الأسلمي ، وسهل بن حنيف ، وقيس بن سعد ، وأبو أيوب الأنصاري ، وجابر بن عبدالله .. وغيرهم ، وكل هؤلاء من الصحابة العظماء كما تعلم ، هذا بالإضافة إلى أبي ذر وسلمان والزبير وأبيّ بن كعب والمقداد بن الأسود(4) .
____________
1- وقد ذكر ذلك الزبير بن بكار في الموفقيات : 590 . 2- أسد الغابة ، ابن الأثير : 4/178 . 3- المعارف ، ابن قتيبة : 128 . 4- قال اليعقوبي في تأريخه : 126 : وكان فيمن تخلَّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب ، وقال : أرضيتم ـ يا بني عبد مناف ـ أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم ؟ وقال لعلي بن أبي طالب : امدد يدك أبايعك ، وعلي معه قصي ، وقال :
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ولا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلاَّ فيكم وإليكم | وليس لها إلاَّ أبو حسن علي |
أبا حسن فاشدد بها كف حازم | فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي |
وإن امراً يرمي قصي وراءه | عزيز الحمى والناس من غالب قصي |
وكان خالد بن سعيد غائباً ، فقدم فأتى علياً فقال : هلمَّ أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك .
واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : اغدوا محلِّقين الرؤوس ، فلم يغد عليه إلاَّ ثلاثة نفر .
بيعة علي (عليه السلام) لأبي بكر
قلت : كلامك مقنع ، وقد تفاجأت فعلا بهذه الأسماء ، ولكنه معارض بمبايعة علي (عليه السلام) لأبي بكر ، وهذا كاف ; لأنه مدار الخلاف .
خالي : لم تكن مبايعة علي (عليه السلام) لأبي بكر متفق عليها ، فقد تواتر في كتب التأريخ والصحاح والمسانيد تخلُّف علي (عليه السلام) ومن معه عن بيعة أبي بكر ، وتحصُّنهم بدار فاطمة (عليها السلام)(1) .
ومن ذلك ما رواه البلاذري ، قال : بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (عليه السلام) حين قعد عن بيعته ، وقال : ائتني به بأعنف العنف ، فلمَّا أتاه جرى بينهم كلام ، فقال عليٌّ (عليه السلام) لعمر : احلب حلباً لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته
____________
1- قال اليعقوبي في تأريخه : 126 : وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار ، وخرج عليٌّ (عليه السلام) ومعه السيف ، فلقيه عمر ، ودخلوا الدار ، فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجنَّ أو لأكشفنَّ شعري ولأعجّنَّ إلى الله ! فخرجوا وخرج من كان في الدار .
اليوم إلاَّ ليؤثرك غداً(1) .
لذلك قال أبو بكر في مرض موته : أما إني لا آسى على شيء من الدنيا إلاَّ على ثلاث فعلتهن وددت أنّي تركتهن ، إلى قوله : فأمّا الثالثة التي فعلتها فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد أغلقوه على حرب(2) .
وقد ذكر المؤرِّخون ممَّن دخل في دار فاطمة (عليها السلام) :
1 ـ عمر بن الخطاب .
2 ـ خالد بن الوليد .
3 ـ عبدالرحمن بن عوف .
4 ـ ثابت بن قيس .
5 ـ زياد بن لبيد .
6 ـ محمّد بن مسلمة .
7 ـ زيد بن ثابت .
8 ـ سلمة بن أسلم .
9 ـ أسيد بن حضير .
وقد ذكروا في كيفيَّة كشف بيت فاطمة (عليها السلام) أنه : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر ، منهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) والزبير ، فدخلا بيت
____________
1- أنساب الأشراف ، البلاذري : 1/587 . 2- السقيفة وفدك ، الجوهري : 75 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 20/24 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 1/62 ، ح43 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 30/418 ـ 422 ، تأريخ الطبري : 2/619 ، ميزان الاعتدال ، الذهبي : 3/109 ، لسان الميزان ، ابن حجر : 4/189 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 5/631 ـ 632 ح14113 .
فاطمة (عليها السلام)ومعهما السلاح ..(1) .
وذكر المؤرِّخون أيضاً : قد بلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّاً (عليه السلام) ، فبعث إليهم أبو بكر عمر ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم .
فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيتهم فاطمة فقالت : يا بن الخطاب ! أجئت لتحرق دارنا ؟!
قال عمر : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمَّة(2) .
وفي أنساب الأشراف : فتلقّته فاطمة (عليها السلام) على الباب ، فقالت : يا ابن الخطاب ! أتراك محرِّقاً عليَّ بابي ؟! قال عمر : نعم(3) .
وعلى ذلك أنشد حافظ إبراهيم شاعر النيل قائلا :
وقولة لعليٍّ قالها عمر | أكرم بسامعها أعظم بملقيها |
حرَّقتُ دارك لا أبقي عليك بها | إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها |
ما كان غير أبي حفص يفوه بها | أمام فارس عدنان وحاميها(4) |
قلت وأنا مندهشة : لم أسمع بهذا من قبل ، فهل يمكن أن تنقلب الأمَّة حتى على بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن ـ يا خالي ـ إذا تجاوزت هذه الحادثة ـ مع أنه ممّا لا يمكن تجاوزه ، وإنّما لفتح الباب أمام الحوار ـ وسلَّمتُ بما حدث ، فإنه لا
____________
1- السقيفة وفدك ، الجوهري : 46 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/50 و6/47 . 2- العقد الفريد ، ابن عبد ربِّه الأندلسي : 3/63 ـ 64 ط . الثانية ، وفي ط . أخرى : 5/13 . 3- أنساب الأشراف : 1/586 . 4- ديوان حافظ إبراهيم : 1/82 ، تحت عنوان : عمر وعلي (عليه السلام) .