ولم يتوقف النبى فى هذه المرحله عن ترسيخ العقيده وبيان الطريقه المثلى لكشف المنافقين وعزلهم بعد ان اصبحوا خطرا يتهدد الاسلام ومستقبله.

نتائج فتح مكه:

بفتح مكه سقطت عاصمه الشرك، وتلقت عقيده الشرك ضربه قصمت ظهرها تماما، وهدمت اركانها، وباستسلام قاده البطون هزم انصار الشرك، وقضى تماما على وجوده، وتكرس نهائيا مبدا التوحيد، فلم يعد بوسع احد ان يعلن عن شركه، او يجاهر بمعارضته لعقيده التوحيد.

لقد احترقت رايه الشرك والمعارضه التى كانت تلجا اليها العرب، فاذا سلم قاده البطون واسلموا واعطوا القياده لمحمد وهم الد اعدائه، فما هى مصلحه الاخرين بمعارضه محمد!!

ومن الذى يقف بوجه محمد الذى قضى على الحركه اليهوديه بكل قوتها ومكرها، ودوخ القبائل العربيه واذهب ريحها مع كثرتها، ثم ركع قاده بطون قريش بكل فخرها وشرفها، لقد كان فتح مكه اعلانا وبخط عريض بان محمدا سيد الجزيره بغير منازع، والمالك الحقيقى لخيراتها، والمخول بتوزيع الادوار كلها على سكانها، وان الدين الذى جاء به محمد هو الدين الرسمى للسكان، فمن لم يوال محمدا او يتظاهر بموالاته، ومن لم يعتنق دين محمد او يتظاهر باعتناقه فقد اسقط ضمنيا حقه بالرزق، والملك، والجاه، والنفوذ، وبالمستقبل كله، ورضى ان يعيش خائفا فى مجتمع موعود بالامن والاستقرار، وبفتح وباستسلام هوازن والطائف، سقطت آخر حصون المقاومه، للنبوه وللدين، واخذت قبائل العرب تتوافد على النبى لتعلن قبولها بولايته واعتناقها للدين، حتى سمى عام الفتح بعام الوفود، كان محمدا يبحث عن الناس، والناس الان يبحثون عن محمد، كان محمدا يركض خلفهم، وصار العرب يركضون الى محمد، واخذ جباته يتحركون بين القبائل ويجبون الاموال، ليوزعها محمد على الوجه الشرعى.

وباختصار فانك لا تجد الا مسلما او متظاهرا بالاسلام، ومواليا للنبى او متظاهرا بالولاء، لقد اصبحت الجزيره دوله اسلاميه واحده، قامت لاول مره فى التاريخ، وحدها النبى خلال مده لا تتجاوز العشر سنين، ونالت شرف رئاسه النبى لهذه الدوله.

فاعظم مظاهر وحدتها كانت رئاسه النبى المباركه، فقد والته كل العرب او تظاهرت بموالاته بدون اكراه، ودخلت فى دينه او تظاهرت بالدخول فى دينه وبدون اكراه ايضا.

لقد اصبح محمد نظام وحده العرب، ونظام وحده الدوله، ونظام وحده القانون لقد اختلط محمد بالدين، واختلط الدين بمحمد فهما وجهان لعمله واحده.

فلو قمت بكل واجباتك الدينيه من صلاه وصيام وحج وقراءه قرآن وصدقه وقيام ليل، ولكنك لا توالى محمدا فانت كافر بلا خلاف، بمعنى ان الرئاسه اختلطت بالدين، فاذا امكن الفصل بين الرئيس وبين الدين، عندئذ تتحول الدوله الى دوله غير اسلاميه وتصبح ملكا، لقد صار الرئيس بمثابه خيط سبحه اذا قطع الخيط تبعثرت حبات السبحه.

الباب الثالث - البطون تواجه النبى بعد اسلامها

الفصل الاول: مفتاح النصر الاعظم واساسه الاوحد

شخص محمد بالذات كامام او كقياده سياسيه، وما جاء به من عند اللّه كشريعه او كقانون هما الاساس الاوحد الذى بنيت عليه الامه الجديده، وهما مفتاح كل الانتصارات التى تعاقبت طوال عهد النبوه الذى استمر 23 عاما.

ودور الامه منحصر بقبول محمد كقياده سياسيه ومرجعيه، وبقبول ما جاء به كقانون نافذ، وقد اختار اللّه محمدا كامام او كمرجع او كقائد، لانه الاعلم والافهم والافضل والاتقى والاقدر حسب علم اللّه القائم على الجزم واليقين.

وقد انزل عليه القرآن ليكون بمثابه قانون نافذ يسرى عليه وعلى رعايا دولته، وقد اختار اللّه قواعد هذا القانون لانها الانسب والاصلح لتنظيم كافه العلاقات الناشئه عن وجود الدعوه والدوله معا، بمعنى ان امامه او قياده او مرجعيه محمد بالذات، وتطبيق القواعد والقوانين الالهيه تقود حتما الى الانتصار الاعظم، والى المثاليه المطلقه، التى تجلب منافع الاجتماع والدوله، وتتجنب شر حاله الاجتماع والدوله، لان الدوله اى دوله تقبض على مقاليد الامور وتحوز الارزاق وتنقلب الى قوه رهيبه لا طاقه للافراد ولا للمجتمع بمواجهتها ان لم تكن بيد امينه او تكون هنالك ضمانات فعليه بان تستعمل الدوله قواها الرهيبه استعمالا سليما.

عناصر النصر:

واذا اردنا ان نجمل ونكشف للتوضيح عناصر النصر الاعظم واساسه الاوحد، فانا نجمعها بثلاثه عناصر:

العنصر الاول:

قياده سياسيه او مرجعيه او امامه محمد صلى اللّه عليه وآله بالذات، لانه الاعلم والافهم بما انزل اللّه، الافضل والاتقى والاقدر حسب علم اللّه تعالى القائم على الجزم واليقين، وهو الحاله المثلى للحكم، اذ يقود الجماعه اعلمها وافهمها وافضلها واتقاها واقدرها، فاذا لم تكن القياده والمرجعيه والامامه لمحمد بالذات، خلال عهده الراشد فان القياده لن تكون اسلاميه، ولن تكون مثاليه، ولن تحقق الغايه من وجودها.

العنصر الثانى:

ان تكون القواعد الالهيه التى انزلها اللّه على محمد او اوحاها له، او الهمه اياها هى القانون النافذ السارى على العلاقات الناتجه عن الدعوه الالهيه والدوله الالهيه، فاذا طبق جزء من هذه القواعد، واهمل جزءا آخر فعندئذ لا يصبح القانون قانونا الهيا، وتفوت المنفعه منه ويقصر عن بلوغ الغايه من وجوده.

العنصر الثالث:

وهو قبول الجماعه المسلمه بقياده محمد بالذات وبمرجعيته او امامته، وبقبول القواعد الالهيه كحاكم وحكم لتنظيم العلاقات المنبثقه عن مسيرتى الدعوه والدوله.

فاذا لم تقبل الجماعه بالاثنين معا، فانها ليست فى الحق والحقيقه جماعه اسلاميه، انما هى شى‏ء آخر بين بين وامره الى اللّه، وبوقت يطول او يقصر ستدفع هذه الجماعه ضريبه عدم قبولها هذا.

تلك هى مفاتيح النصر والهزيمه، والعز والذل، وهى اساس الشرعيه والمشروعيه، فاذا فقد عنصر من هذه العناصر، اهتزت الشرعيه من اساساتها، وفقدت تواجدها تماما.

الامامه او القياده هى العنصر الاهم:

اهم عنصر من تلك العناصر الثلاثه هو عنصر القياده او الامامه او المرجعيه، فالامام هو اس الدين كله، ومحور كل العناصر، فلا احد يفهم المقصود الشرعى من كل نص فهما قائما على الجزم واليقين الا الامام او القائد او المرجع.

فهو الملجا الذى يلجا اليه المومنون، وهو الثقه الذى يتلقون منه بيان القواعد الالهيه، وهو المخول باجابه الامه على كل سوال، فاذا فقدت الامه نبيها او امامها او قائدها الشرعى او مرجعها الذى ينبغى ان ترجع اليه عندئذ تصبح الامه مثل جسد بغير راس، او كبدن من غير قلب، او قطعان من غير راع، ومن هنا صارت الامامه ضروره من الضرورات لا غنى عنها فى كل العقائد الالهيه، وتوصلت التشريعات الوضعيه الى هذا المطاف فاقرت بضروره الامامه او القياده او المرجعيه.

والفرق ان الامام فى العقائد الالهيه هو الاعلم والافهم والافضل، بينما القائد او الامام فى العقائد الوضعيه هو الغالب.

محور اهتمام النبى بعد الفتح:

بعد ان فتح النبى مكه، واستسلمت زعامه بطون قريش، صارت القياده او الامامه او المرجعيه من بعده هى محور كل اهتماماته، وانصب اهتمامه على ترتيب موسسه الامامه او القياده وابراز اهميتها، وتحديد الامام او القائد الذى سيخلف النبى بعد موته، وتقديمه للامه على اساس انه وليها وقائدها ومرجعها بعد موت النبى، وبيان الحكمه من اختياره بالذات، وبيان طريقه انتقال منصب الامامه او القياده او المرجعيه من امام الى امام، لان اخطر ما يواجه الامه من بعد وفاه الرسول هو الصراع على الرئاسه.

وانصب اهتمام النبى على اقناع الامه بان الامام من بعده يجب ان يكون الاعلم والافهم بالدين، والافضل والاتقى، واصلح الموجودين فى زمانه، وتلك صفات لا يعلمها الا اللّه تعالى.

ومن هنا فانه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحدد هذا الامام من تلقاء نفسه، ولم يقدمه للامه لتعرفه من تلقاء نفسه، انما اللّه تعالى هو الذى اختار الامام من بعده، واهله للامامه، وامر نبيه ان يقدمه للمسلمين كامام وكقائد وكمرجع لهم بعد وفاه نبيهم.

واكد لهم ان الامور البسيطه ترقب اوامر اللّه فيها فكيف بامر على مستوى خطوره الامامه (ان اتبع الا ما يوحى الى).

فاللّه سبحانه وتعالى هو الذى اختار الامام وحدده واهله وبين طريقه انتقال الامامه من امام الى امام، على اعتبار ان الامامه جزء لا يتجزء من الدين وبيانها واجب على النبى، اذن من غير المعقول ان يبين الرسول المهم ويترك الاهم.

قرار اختيار الامام من بعد النبى اعلن يوم اعلنت النبوه:

بعد الانتصار الاعظم بفتح مكه وتصفيه جيوش الشرك، ودخول الناس فى دين اللّه افواجا، بدات الامه باستعراض بط‏ى‏ء لسيره محمد، الرجل العظيم الذى صنع المعجزات، فوحد العرب وحولهم من دين الى دين بمده فعليه لم تتجاوز العشر سنين، وتبين ان رسول‏اللّه يوم اعلن النبوه والرساله والكتاب اعلن بنفس الوقت نبا ولايه العهد او الامامه من بعده، فقد صرح الرسول بنفس الجلسه التى اعلن فيها نبوته بان ولى عهده والامام من بعده هو على‏بن ابى طالب حيث قال له:

(انت اخى وخليفتى ووصيى فيهم من بعدى) او (ان هذا اخى وخليفتى ووصيى فيكم من بعدى فاسمعوا له واطيعوا)، ومن الطبيعى ان الرسول لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، انما هو امر الهى تلقاه من ربه، وامره باعلانه بنفس الوقت الذى اعلن فيه انباء النبوه والرساله والكتاب.

ومن ذلك التاريخ لم يصدر امر الهى بالغاء او نسخ قرار تعيين الامام على وليا للعهد، وخليفه من بعد النبى، حيث بقى هذا الامر الالهى سارى المفعول من بدء الدعوه الى ما بعد الفتح، واستمر ساريا مفعوله، لانه لم يلغ ولم ينسخ، والمسلمون يعلمون ذلك، وبطون قريش تعلم ذلك علم اليقين، ومن دخل الاسلام او تظاهر بدخوله يعلم ذلك ايضا.

وعندما صدر الامر الالهى لم تحمله بطون قريش على محمل الجد، لانها استبعدت ان ينجح محمد بدعوه او بتاسيس ملك.

ولما اراد الرسول بعد نجاحه ان يذكر الناس بانه ميت لا محاله وانه قد نعى الى نفسه، وانه لا بد للناس من امام وقائد ومرجع من بعده ياخذهم بالحق ويقودهم بالهدى، وان هذا الامام هو على‏بن ابى طالب، اختاره اللّه واهله للقياده والامامه والمرجعيه من بعد النبى، وامر نبيه ان يعلن ذلك بيوم وساعه اعلان نبا النبوه والرساله، حتى تكون الامور واضحه بعد موت النبى ولا يختلف عليه اثنان.

الامام من بعد النبى كان معروفا للجميع:

والامام الذى اختاره اللّه تعالى، للامامه والقياده من بعد النبى، وهو على‏بن ابى طالب لم يكن نكره، ولا خامل الذكر فهو ابن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، المكنى بابى طالب، تعرفه وتعرف اباه وجده العرب والعجم فهم شيوخ البطاح، وابو طالب سيد مكه وحكيمها، يعرفه العرب والعجم ايضا ويعرفون انه هو الذى حمى الدعوه والداعيه، وربى النبى فى حجره، وبقى النبى فى بيته حتى تزوج خديجه بنت خويلد، والاهم من ذلك ان عليا ابن عم رسول‏اللّه، وزوج البتول، فاطمه الزهراء سيده نساء العالمين، وانه هو والد سبط‏ى الرسول، سيدى شباب اهل الجنه وريحانتى النبى من هذه الامه.

ثم ان على بن ابى طالب هو فارس الاسلام، فهو الاشجع وهو الاقوى، وهو الاكثر جهادا، فمن يدعى انه فاق عليا بهذه الامور او تقدم عليه فهو كاذب كائنا من كان، ومن كان فى شك من هذا، فليدلنى الثقلان على رجل اجاب عمروبن ود يوم الخندق غيره، مع ان عمرو هذا قد بح صوته من النداء:

هل من مبارز؟!

وليدلنى الثقلان على واقعه هرب فيها على، ولينفى الثقلان هروب غيره!!!

ثم ان عليا هو الاعلم بالنص، وهو المخول ببيان ما تختلف فيه الامه من بعد النبى بالنص، وهو الهادى بالنص، وهو المخول بان يودى عن النبى بالنص، وهو الاعدل بالنص، وهو الافضل بالضروره والعقل والنص.

وباختصار فان على بن ابى طالب فى العرب كالقمر فى رابعه السماء، يستمد نوره وبهاءه من شمس دين الاسلام، وهو محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم.

وعندما يقدمه النبى للامه كقائد وكمرجع وكامام لها من بعد النبى، فانه يقدم الذى اختاره اللّه تعالى لمهمه الامامه والقياده والمرجعيه واهله لذلك.

المعترضون على الامامه هم المعترضون على النبوه:

عندما اعلن رسول‏اللّه النبوه والرساله اعترضت بطون قريش على نبوه محمد، ولم تعترف بها وقاومت رسول‏اللّه 21 عاما رافضه رفضا مطلقا النبوه والرساله، فزعمت ان محمدا ليس موهلا للنبوه فهو غلام يتيم -على حد تعبير ابى سفيان- والافضل من النبى (رجل من القريتين عظيم).

واختلقت على النبى الاكاذيب فقالت:

انه ساحر، وشاعر، ومجنون، وكاهن، وكاذب... الى آخر اسطوانتها التى سجلها القرآن الكريم للاعتبار.

وبذلت كل جهودها لصرف النبوه عن محمد.

وتصدت للنبى عشر سنوات فى مكه، ذاق فيها هو والهاشميون من شر البطون الامرين، ولما عزم النبى على الهجره ت‏امرت كل بطون قريش على قتله، فنجاه اللّه، ثم طاردته فى طريقه الى يثرب فنجاه اللّه، ثم حاربته سبع سنين حربا مسلحه، ومع هذا رفضت الاعتراف به نبيا ورسولا، ورفضت الدخول فى دينه طوال تلك المده.

وعندما غزاها النبى ودخل مكه دخول الفاتحيين، اضطرت بطون قريش ان تعترف بان محمدا رسول ونبى لتحقن دمها!!

فهل يعقل من كان هذا موقفهم من رسول‏اللّه ان ينسوا ذلك بعد التلفظ بالشهادتين.

ومن هنا فالذين اعترضوا على نبوه محمد هم انفسهم الذين اعترضوا على امامه على، والذين اتحدوا لاجهاض نبوه محمد، هم انفسهم الذين اتحدوا لاجهاض امامه على واهل بيت النبوه.

المنافقون هم ساعد بطون قريش الايمن:

المنافقون فئه مسلمه محسوبه على المسلمين، تلفظت بالشهادتين، واظهرت الاسلام والموالاه لمحمد وآله، وابطنت الكفر والفسوق والعصيان والحقد الاسود على محمد وآله.

وقد برزت ظاهره النفاق بعد ان نجح الرسول بتكوين كيان سياسى فى المدينه المنوره، وبعد ان اعز اللّه جانبه، فلم يقو اعداوه من اهل المدينه ومن حولها على الجهر بمعاداته او السير بعكس تيار القوه الغالبه فى المجتمع، فانتشر النفاق فى المدينه وما حولها من الاعراب قال تعالى:

(وممن حولكم من الاعراب منافقون، ومن اهل المدينه مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم) (563).

وقويت شوكه منافقى المدينه وما حولها بفتح مكه وانهيار آخر معاقل الشرك، فلم يعد بوسع احد كائنا من كان الجهر بمعارضه دين الاسلام او قياده النبى فتوسعت ظاهره النفاق، اذ اضطر قاده البطون ان يظهروا الاسلام والموالاه للنبى وآله رغبه او رهبه وان يخفوا غير ذلك.

ومن هنا حدث تقارب مذهل بين منافقى المدينه وما حولها، ومنافقى مكه، والمنافقين من الاعراب قال تعالى:

(ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائره السوء) (564).. هولاء الاعراب لا خلاق لهم ولا دين ولا هم لهم الا المغنم والمكسب المادى، فهم جميعا ضد من تدور عليه الدائره ليغنموا، ووصل التقارب بين الفرقاء الثلاثه:

(بطون قريش ومنافقى المدينه وما حولها، والاعراب) الى حد التحالف.

الجامع المشترك:

بطون قريش تحسد محمدا وبنى هاشم، لان اللّه قد اختصهم بالنبوه وفضلهم على البطون، ونتيجه للحرب التى دارت بين محمد وبين البطون فقد قتل محمد وحمزه وعلى سادات بطون قريش، فجمعت البطون مع الحسد لمحمد ولبنى هاشم الحقد عليهم لانهم قتلوا الاحبه.

فالحسد لمحمد ولال محمد، والحقد على محمد وعلى آل محمد، هو اساس التقارب والتحالف بين بطون قريش، ومنافقى المدينه وما حولها، والاعراب، واساس وحده المصالح.

النص والراى:

محمد واهل بيته والذين آمنوا يلتزمون بالنصوص الشرعيه والتوجيهات الالهيه لادراك المقاصد الشرعيه، وبطون قريش والمنافقون والذين فى قلوبهم مرض ينفرون من النص، ويعتقدون ان الذى يسميه محمد نصوصا وتوجيهات الهيه ما هى الا آراء شخصيه لمحمد تكلم بها بلحظه غضب، فيصبح رايهم مقابل راى محمد.

ومن هنا فقد اعتقدوا ان آراءهم هى اكثر توفيقا وتحقيقا للمقاصد الشرعيه من راى محمد!!

والعياذ باللّه.

ومن هنا هانت عليهم معصيه الرسول، وهان عليهم موازنه آرائهم بالنصوص الشرعيه، وترجيح آرائهم على النصوص الشرعيه.

وهان عليهم اعمال الراى واهمال النص.

وليبقوا ظاهريا ضمن اطار الشرعيه سموا تقديم الراى على النص اجتهادا، ورتبوا اجرا على ذلك فقالوا:

ان المجتهد ماجور اخطا ام اصاب، وتجاهلوا بانه لا اجتهاد فى مورد النص.

وهكذا تركوا الجزم واليقين الاتى من اللّه ورسوله، واتبعوا الظن والتخمين المتاتى من اعمال آرائهم، واتباع ما تهوى الانفس.

كيف انتهت ظاهره النفاق ومتى؟

بقيت ظاهره النفاق من ابرز الظواهر التى رافقت نشوء دوله النبى، واستمرت طوال حياته المباركه، وحتى بعيد وفاته بقليل، فلما نجحت بطون قريش بانقلابها الاسود على اهل بيت النبوه، وقف المنافقون وقفه رجل واحد مع بطون قريش التى كان يقودها عمر وابو بكر وابو عبيده رضى اللّه عنهم، لم يقف المنافقون معهم حبا بالبطون ولا بقيادتها، ولكن كانت الغايه من وقفه المنافقين الحيلوله بين اهل بيت النبوه وبين حقهم بقياده الامه، وغايه المنافقين البعيده المدى كانت تخريب النظام السياسى الاسلامى عن طريق الخطوه الكبرى المتمثله باقصاء القياده الشرعيه.

وكانت وقفه المنافقين تلك نقطه تحول فى تاريخ الامه، وفى تاريخ ظاهره النفاق، اذ من تاريخ تلك الوقفه اصلح اللّه المنافقين بيوم وليله، واختفت كلمه النفاق نهائيا، ولم يرو اى راو على الاطلاق ان احدا من المنافقين قد عارض ابا بكر، او عمر، او عثمان، او معاويه، او احد ملوك بنى اميه، او ملوك بنى العباس!

وكانهم كانوا ينتظرون موت الرسول ليصلحوا انفسهم بيوم وليله، وليوالوا اى ولى يتولى امورهم باستثناء اهل بيت النبوه، فعندما آلت الامور الى على اتحدوا ضده، ولكن بلباس المومن لا بلباس المنافق.

النبى على علم بموقف بطون قريش وموقف المنافقين:

كان النبى على علم يقينى بموقف بطون قريش وموقف المنافقين والمرتزقه من الاعراب، فى قضيه الخلافه والامامه من بعده، وكان يعلم ان الذين اعترضوا على نبوته ورسالته وحاولوا ان يصرفوا فضل النبوه والرساله عنه، سيعترضون على امامه على وسيحاولون ان يصرفوا عنه فضل الامامه، وكان على علم بحجم التقارب بين بطون قريش ومنافقى المدينه وما حولها ومرتزقه الاعراب.

لكن مثل محمد لا ينحنى امام العواصف، ولا يثنيه شى‏ء فى الدنيا عن تبليغ رسالات ربه كامله غير منقوصه، ومثله لا يصدر احكاما على ما فى نوايا الناس وضمائرهم، فقد يعدلون، او يحدث اللّه لهم ذكرا.

لذلك فقد تابع تبليغ رسالات ربه، وبلغ الامه مجتمعه ومنفرده:

ان امام الامه ومرجعها وقائدها من بعده هو على بن ابى طالب واحد عشر اماما من ولده، وركز تركيزا خاصا على على‏بن ابى طالب لانه اول الائمه من بعده، وحتى لا ينسى المومنون ربط قضيه الامامه باهل بيت النبوه، وربط اهل بيت النبوه بالقرآن الكريم، جعل القرآن هو الثقل الاكبر، واهل بيت النبوه هم الثقل الاصغر، واعلن استحاله الهدى بغير هذين الثقلين، واستحاله تجنب الضلاله بغير التمسك بهما، واعلن ان اهل بيت النبوه كسفينه نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، واعلن ان اهل بيت النبوه امان للامه، وبين للناس بان اللّه تعالى هو الذى امره بهذه الاعلانات، لانه يتبع ما يوحى اليه، وقد بلغهم هذه الاعلانات معذره اليهم.

ومضى رسول‏اللّه بتبليغ رسالات ربه، وبتقديم الامام من بعده بمختلف وسائل التبليغ وطرق الكشف، وبكشف خدع المنافقين والبطون واساليبهم الملتويه وبدون اثاره.

تحالف بطون قريش والمنافقين لاجهاض موسسه الامامه بعد موت النبى:

بعد فتح مكه وتصفيه جيوب الشرك ادركت بطون قريش، المهاجرون منها والطلقاء، بان النبى قد بدا بترتيب عصر ما بعد النبوه، وان اجل النبى قد دنى، وادرك المنافقون ما ادركته البطون وايقنوا جميعا بان محمدا يخطط ليكون الامام من بعده ابن عمه وزوج ابنته ووالد سبطيه:

على‏بن ابى طالب.

وايقنت البطون بانه اذا نجح النبى بتنصيب على بن ابى طالب اماما من بعده، فلن تخرج الامامه من الهاشميين الى يوم الدين، وستجمع الامه على قيادتهم.

وهكذا يجمع الهاشميون النبوه والامامه معا او النبوه والخلافه معا او النبوه والملك معا على حد تعبير عمربن الخطاب، فاذا فعلوا ذلك امتازوا على قومهم بجحا بجحا على حد تعبير عمربن الخطاب ايضا.

لذلك لملمت البطون نفسها لمواجهه نوايا محمد، وحدث تقارب جدى بين الذين اسلموا من البطون قبل فتح مكه وبين الطلقاء الذين اسلموا بعد الفتح.

فصار عثمان‏بن عفان رضى اللّه عنه، وهو مهاجر، حليف حقيقى لابى سفيان ومعاويه ويزيد والحكم‏بن العاص، وهم طلقاء، وتكونت وحده حال بين التسعه المبشرين فى الجنه، وبين قاده الطلقاء وافرادهم، بمعنى ان الذين اسلموا من بطون قريش قبل الفتح شكلوا جبهه واحده مع الذين اسلموا بعد الفتح، وصار لمنتسبى بطون قريش موقف موحد او مشابه من كل الاحداث.

كانت البطون تحكم بلده مكه وفق صيغتها السياسيه الجاهليه، وها هو محمد يصنع ملكا عظيما وهو حكم العرب، فلا مصلحه لبطون قريش ان تعترض على نبوه محمد فضلا عن عدم جدوى هذا الاعتراض، والافضل للبطون ان تتمسك بنبوه محمد، وان تعترف بحق الهاشميين الشرعى بالنبوه، ومقابل اعترافها هذا يجب ان يعترف الهاشميون بحق البطون بالملك.

وتلك هى القسمه العادله، للهاشميين النبوه خالصه من دون البطون، وللبطون الملك تتداوله فى ما بينها خالصا من دون الهاشميين، وهذا هو وجه الصواب والتوفيق على حد تعبير منظر البطون عمربن الخطاب رضى اللّه عنه.

ولكن محمد غير قابل بهذه القسمه، وهو يخطط لاقامه امامه يديرها اثنا عشر اماما من اهل بيته يحكمون بالتتابع، والافضل للبطون ان تترك محمدا وشانه وان تقيم تحالف حقيقى بينها وبين الجميع بما فيهم المنافقين، وهكذا اتحدت البطون بعد الفتح ضد على وبنى هاشم لاجهاض الامامه، كما اتحدت ضد محمد وبنى هاشم لاجهاض النبوه.

وتحقيقا لهذا الهدف مدت قيادات البطون ايديها الى المنافقين، ووضعتهم بما يلزم بالصوره، وتحالفت مع طلاب المصالح من الانصار.

لست ادرى كيف نفسر قول عمربن الخطاب:

(فما ان رايت اسلم حتى ايقنت بالنصر) فمن الذى اخبر عمر بان اسلم ستحضر؟!

وكيف عرف عمر ان قبيله اسلم معه وانها تويد نظامه الجديد؟!

ان الجواب المنطقى الوحيد هو ان قبيله اسلم بالصوره كامله، وانها على موعد لتاييد النظام الجديد، (حيث ضاقت بهم السكك)، على حد تعبير عمر رضى اللّه عنه.

والموكد ان بطون قريش قد اتحدت بعد الفتح ضد على وامامته وضد بنى هاشم، تماما كما اتحدت بطون قريش ضد محمد ونبوته وضد بنى هاشم، ولكنهم هذه المره قالوا بان محمدا من قريش وان عشيرته اولى به، وان عليا والهاشميين طلاب زعامه، ولا ينبغى ان يتولى الاماره طالبها!!

ومن الموكد ايضا بان بطون قريش قد تحالفت مع المنافقين فى المدينه وما حولها ومع المرتزقه من الاعراب.

ومن الموكد اخيرا بان قياده بطون قريش قد اجتذبت اليها قطاعا كبيرا من الانصار، وانهم جميعا حلفاء!!

قياده هذا التحالف:

من الموكد ان القائد العام لهذا التحالف هو عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه، فلو شاء عمر لكان هو الخليفه الاول، وان نائب القائد العام هو ابو بكر رضى اللّه عنه، فهما معا لا يفترقان فى عمل ولا مسير ولا منزل، كما قال الواقدى (565)، وقد آخى الرسول بينهما قبل الهجره وبعدها، وكلاهما نال شرف مصاهره الرسول، فقد زوج عمر ابنته حفصه لرسول‏اللّه وزوج ابو بكر ابنته عائشه لرسول‏اللّه، ومن المدهش ان عائشه وصفيه كانتا يدا واحده كما يقول الواقدى فى مغازيه، وكانتا معا حتى على الرسول نفسه، انظر الى قوله تعالى:

(ان تتوبا الى اللّه فقد صفت قلوبكما، وان تظاهرا عليه فان اللّه هو مولاه وجبريل وصالح المومنين) (566) فالف المثنى فى كلمتى تتوبا، وتتظاهرا، تشمل السيدتين عائشه وحفصه.

راجع على سبيل المثال تفسير ابن كثير (567).

ويلى ابا بكر وعمر بالاهميه ابو عبيده، ويليه بالاهميه عثمان ويليهما طلحه، وسعدبن ابى وقاص، وعبد الرحمن‏بن عوف، وكان الزبير خارج قياده بطون قريش لان هواه مع بنى هاشم ثم غيره ابنه عبداللّه، وقد عرفوا بالنفر الذى مات رسول‏اللّه وهو راض عنهم، على حد تعبير عمر، ثم عرفوا بالعشره المبشرين بالجنه.

وساعد هولاء القاده العظام بقياده بطون قريش، خالدبن الوليد، وعمروبن العاص، وابو سفيان، ومعاويه، ويزيد، وعبداللّهبن ابى سرح، وغيرهم من عظماء البطون، كالحكم‏بن العاص، والوليدبن عقبه‏بن ابى معيط، وكلهم موتور وحاقد على على واهل بيت النبوه، فما من احد منهم الا وقتل على اباه او اخاه او ابن عمه، وساعد هولاء القاده العظام من الانصار اسيدبن حضير، وبشيربن سعد وغيرهم.

ويمكنك القول ان اقوى اركان قياده هذا التحالف كان عمربن الخطاب، وهو الاجرء فلو سكت لسكتوا، ولو رضى لرضوا لان النبى قد خلق تيارا غلابا من القبول بولايه على، كما تدل على ذلك رساله معاويه لمحمد بن ابى بكر.

اهداف قاده البطون من هذا التحالف:

هدف قاده البطون من تشكيل هذا التحالف هو منع الهاشميين من ان يجمعوا بين النبوه والخلافه، حتى لا يجحفوا على قومهم، وتثبيت مبدا النبوه لبنى هاشم والخلافه لبطون قريش تتداولها فى ما بينها، والحيلوله بين الامام على بالذات وبين حقه بالامامه، لان على قد قتل سادات قريش، ولا تقبل به البطون اماما، حتى وان اختاره اللّه نفسه!!

والحيلوله بين اى هاشمى وبين الاماره، لان اى هاشمى اذا تسلم الاماره فسيدعوا لخلافه او امامه اهل بيت النبوه، وعلى هذا اجمعت قياده بطون قريش ومن تحالف معها.

وبطون قريش تعترف بالنبى وتدين بالاسلام، ولكنها ترفض ان يجمع الهاشميون مع النبوه الملك (الخلافه والنبوه معا).

روح الفريق:

ساد هذا التحالف روح الفريق، والالتزام بالهدف، ففى سقيفه بنى ساعده وعندما قال الانصار لا نبايع الا عليا وعلى غائب، عندئذ قال ابو بكر:

انى قد رضيت لكم احد هذين الرجلين:

عمر وابا عبيده فبايعوا ايهما شئتم.

عندئذ قال الاثنان:

معاذ اللّه ان نتقدم عليك، فقفز بشيربن سعد فبايع ابا بكر وبايعه عمر وابو عبيده وعندما مرض ابو بكر مرضه الذى مات منه، دعا عثمان ليكتب له عهدا، فقال ابو بكر:

(انى قد وليت عليكم..) فاغمى عليه من شده الوجع، فاتمها عثمان من تلقاء نفسه وكتب:

(انى قد وليت عليكم عمربن الخطاب)، فلما افاق ابو بكر من غيبوبته طلب من عثمان ان يقرا له ما كتب، ولما قرا عثمان ارتاحت نفس ابى بكر، وقال لعثمان:

(واللّه لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها).

فانت تلاحظ ان عثمان قد كتب كلمه عمر من تلقاء نفسه، لانه يعرف ان الخليفه حسب الاتفاق عمر، ثم انظر الى قول ابى بكر:

(واللّه لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها)، بمعنى ان الجميع يتصرفون بروح الفريق وضمن مخطط معلوم بغض النظر عن الديكور.

وعندما مرض عمر مرضه الذى مات منه كان واضحا ان الخليفه من بعده عثمان بكل المقاييس، فعثمان كان يعرف بالرديف اى الرجل الذى يلى الرجل، ولكن عمر اراد ان يتولى عثمان الخلافه بديكور خاص، ويتولى الطاقم الذى اختاره عمر فى ما بعد صد الامام على عن حقه بالامامه، حيث يفتح شهيه اكبر عدد من الطامعين بالخلافه فيكونون للامام فى ما بعد مجتمعين ندا!!

ولم ينس عمر الذين ساعدوه على انشاء التحالف، فقال بحسره:

(لو كان ابو عبيده حيا لوليته واستخلفته) وابو عبيده ثالث الثلاثه من المهاجرين الذين دخلوا سقيفه بنى ساعده، وقال عمر:

ولو كان خالدبن الوليد حيا لوليته واستخلفته وكان لخالد دور عظيم بتثبيت اركان الحكم الجديد، فقد كان مع السريه التى كلفت باحراق بيت فاطمه بنت محمد على من فيه، وهو الذى قتل مالك‏بن نويره الصحابى الذى ولاه رسول‏اللّه، ومع هذا تزوج امراته بنفس الليله بدون عده.

ولا فرق عند التحالف بين عربى وعجمى، والدليل ان عمر بن الخطاب قال فى مرضه:

(ولو كان سالم مولى ابى حذيفه حيا لوليته واستخلفته)، وسالم هذا من الموالى ولا يعرف له نسب فى العرب.

وقد كانت حجه المهاجرين فى السقيفه ان عشيره محمد اولى بميراثه، وان العرب لا تولى هذا الامر الا من كانت النبوه فيهم، ومع هذا فان عمر قال:

(ولو كان معاذ بن جبل حيا لوليته واستخلفته)، ومعاذ من الانصار، وحسب اقوال الثلاثه فى السقيفه فان الخلافه لم تكن جائزه للانصار!!!

بمعنى ان التحالف كان يتصرف كفريق واحد، والمهم عنده تحقيق الهدف بالحيلوله بين ان يجمع الهاشميون الملك والنبوه معا، وان تكون النبوه لبنى هاشم والخلافه لغيرهم، ومن باب سد الذرائع الحيلوله بين اى هاشمى وبين الاماره حتى ولو كانت على بلده صغيره لان التحالف يخشى ان يستغل الهاشمى امارته للتوطيد للهاشميين!!

وسيله هذا التحالف لتحقيق اهدافه:

ملخص هدف التحالف:

ادركت بطون قريش ان نبوه محمد قدر لا مفر منه، وان الاسلام اصبح حقيقه من حقائق الحياه، ولا مطمع للبطون بصرف النبوه عن محمد، او القضاء على دينه لان هذا غير ممكن.

وهدف البطون منصب على صرف الامامه والقياده والمرجعيه عن على‏بن ابى طالب من بعد النبى، والحيلوله دون اعطاء اهل بيت النبوه دورا مميزا فى الامه بعد وفاه الرسول، وذلك حتى لا يجمع الهاشميون بين النبوه والملك، او النبوه والخلافه.

فيصير النبى منهم والخلفاء منهم ويذهبوا بالشرف كله، وتحرم بقيه البطون من هذا الشرف.

وحيث ان المنافقين يكرهون محمدا واهل بيت محمد فقد اتحدوا مع البطون لغايات صرف الامامه من بعد النبى عن على‏بن ابى طالب، والحيلوله دون اعطاء اهل بيت النبى دورا مميزا بعد وفاه الرسول، والمرتزقه من الاعراب مع البطون ومع المنافقين، مما جعل من هذه العناصر الثلاثه حلفا واقعيا حقيقيا له قيادته، وله اهدافه، وله مويدوه.

كيف تتحقق اهداف هذا الحلف؟ لا طاقه لهذا التحالف على مواجهه الرسول عن طريق الحرب، وربما كانت قياده هذا التحالف عزوفه عن فكره الحرب بسبب اواصر النسب بينها وبين الرسول، ولا طاقه لهذا التحالف بمواجهه الرسول عن طريق المنطق، لان قيام هذا التحالف عمل ضد المنطق، وليس بامكان هذا التحالف ان يواجه الرسول عن طريق الشرع، لان هذا التحالف ما قام الا لهدم الجانب السياسى من الشرع!!!

انه تحالف نشا فى الظلام، ولكن ليس بامكان قاده التحالف ان يقفوا مكتوفى الايدى، مشلولى الحركه، بالوقت الذى يوطد فيه محمد الامر من بعده لعلى، ويبرز الدور المميز لاهل بيته من بعده!!

لقد ادرك قاده التحالف خطوره البيان النبوى، وهو لا يتوقف عن القول بانه يتبع ما يوحى اليه، وانه لا ينطق عن الهوى.

فاذا استطاعت قياده التحالف ان تشكك بقول الرسول وبشخصيته، فانها ستبطل مفعول البيان النبوى المنحصر فى حديث الرسول، وقاده التحالف وافراد التحالف اقل واذل من ان يواجهوا رسول‏اللّه بذلك.

ومن هنا لم يبق امام قياده التحالف الا مواجهه النبى بحرب الشائعات، وذلك باطلاق سلسله من الشائعات تتظافر للتشكيك فى قول الرسول وشخصيته، واستحاله ان تكون كل اقوال الرسول من عند اللّه.

فاذا نجحت هذه الشائعات بزعزعه الثقه ببيان الرسول المتعلق بالامور السياسيه، يكون اجله قد دنا، ولا تمهله المنيه لبناء ما هدمته قياده التحالف، عندئذ يتم توزيع الادوار بين كتائب التحالف، واثناء انشغال العتره الطاهره بتجهيز النبى، ينصب خليفه من بطون قريش، حيث يجمع الخليفه بيده الجاه والمال وتاييد التحالف ويواجهوا عليا واهل بيت النبوه وبنى هاشم بامر واقع.

وبعد ذلك تقوم السلطه الجديده بتحويل تلك الشائعات الى قناعات، ثم يتناقلها العامه بالوراثه، وتصبح جزءا من الدين!!!

تلك هى خطه التحالف لتحقيق هدفه!!!

المواجهه عن طريق الشائعات:

الشائعه الاولى: رسول‏اللّه بشر ولا يحمل كل كلامه محمل الجد:

لقد اشاعت قياده التحالف بان رسول‏اللّه بشر يتكلم فى الغضب والرضى، ولا ينبغى ان يحمل كلامه على محمل الجد، وبالتالى لا ينبغى تنفيذ كل ما يقوله الرسول، فضلا عن عبثيه كتابه اقوال الرسول.

قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص:

(كنت اكتب كل شى‏ء اسمعه من رسول‏اللّه اريد حفظه، فنهتنى قريش، وقالوا تكتب كل شى‏ء سمعته من رسول‏اللّه، ورسول‏اللّه بشر يتكلم فى الغضب والرضى، فامسكت عن الكتابه، فذكرت ذلك لرسول‏اللّه، فاوما باصبعه الى فمه وقال:

اكتب، فوالذى نفسى بيده ما خرج منه الا حقا) (568).

من الذى يجرو على هذا النهى؟ وما هى مصلحته بعدم كتابه احاديث رسول‏اللّه؟ وكيف يقوم بهذا العمل الخطير اثناء حياه الرسول سرا ودون علم الرسول؟ ان الشخص الوحيد القادر على هذا العمل الخطير، والقول الاشد خطوره هو عمربن الخطاب رضى اللّه عنه، فهو قائد التحالف، وهو المعنى الاول بتحقيق الهدف الذى قام التحالف لتحقيقه، وهو مبتدع نظريه (النبوه لبنى هاشم والخلافه للبطون)، وهو المقتنع بصواب وعداله هذا التوزيع، ثم انه ليس موضع شك، فهو مهاجر وهو صهر الرسول.

والشخص الاخر القادر على فعل ذلك هو ابو بكر رضى اللّه عنه، فهو نائب قائد التحالف، ومن المويدين لنظريه عمر والمقتنعين بصوابها، ثم انه ليس موضع شك فهو مهاجر، وهو صهر الرسول، ومن الموكد ان عثمان رضى اللّه عنه شريكهما بهذا النهى، فهو من رجال عمر، ومن المقتنعين بنظرياته، وهو اموى ونوه الهاشميون باقاربه شيوخ الوادى، وهو يعتقد ان التحالف قد ينجح، ومن الممكن ان يحصل على نصيبه وافرا، ومن جهه ثانيه، فليس هو بمتهم فهو مهاجر وصهر الرسول ايضا!!

دليلنا على ان هذا النهى صدر عن الثلاثه وان الاشاعه قد انطلقت منهم

لما آلت الخلافه الى ابى بكر الصديق كان اول مشروع فعله هو جمعه للاحاديث النبويه التى كتبها هو شخصيا وقيامه باحراقها، كما روت السيده عائشه ابنته وام المومنين.

وكان مشروعه الثانى ان جمع الناس وقال لهم:

(انكم تحدثون عن رسول‏اللّه احاديثا تختلفون فيها، والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول‏اللّه شيئا، فمن سالكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه) (569).

فهذا الموقف المعلن من ابى بكر، وقناعته بان التحديث عن رسول‏اللّه يورث الخلاف، وقيامه باحراق الاحاديث التى جمعها شخصيا يدل على حساسيته المفرطه من احاديث رسول‏اللّه، وانه احد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابه احاديث الرسول، تحت شعار انه يتكلم فى الغضب والرضى، ثم من هى قريش ان لم يكن ابو بكر وهو احد شيوخها منها!!

وعندما آلت الخلافه، الى عمربن الخطاب بعد موت ابى بكر، كان اول مشاريعه ان طلب من الناس وناشدهم لياتوه باحاديث رسول‏اللّه التى كتبوها، وظن الناس ان عمر يريد ان يجمع احاديث رسول‏اللّه فاتوه بها، فلما اتوه باحاديث رسول‏اللّه المكتوبه امر بحرقها جميعا، وحرقت بالفعل (570).

جاء فى كنز العمال:

حديث (انه ما مات عمر حتى بعث الى اصحاب رسول‏اللّه فجمعهم من الافاق:

عبداللّهبن حذيفه وابا الدرداء وابا ذر وعقبه‏بن عامر وقال لهم:

ما هذه الاحاديث التى افشيتم عن رسول‏اللّه فى الافاق)؟ قالوا:

اتنهانا؟ قال:

لا، اقيموا عندى لا واللّه لا تفارقونى ما عشت، فنحن اعلم ناخذ منكم ونرد عليكم) (571).

وروى الذهبى فى تذكره الحفاظ بترجمه ابى بكر، ان عمر حبس ثلاثه بتهمه (انهم اكثروا الحديث عن رسول‏اللّه) (572).

ولقد نهى عمر جيوشه عن التحديث عن رسول‏اللّه (573)، وهذه السياسه الصارمه نحو روايه الاحاديث، ونحو حرق المكتوب منها، تدل على حساسيته المفرطه تجاه احاديث رسول‏اللّه، حتى ولو كان شخصيا هو الذى سمعها، وموقفه بالحجره المباركه ومواجهته للرسول وجها لوجه، وقوله للرسول:

حسبنا كتاب اللّه يوكد هذه الحساسيه، وان لم يكن ابو حفص مع قريش التى نهت عبداللّه بن عمرو عن كتابه احاديث الرسول، فمن هى قريش اذا؟، صحيح انه لم يكن واحدا من ساده قريش قبل الاسلام، وانه كان شخصا عاديا، ولكنه نال الشرف بالاسلام، ونال العلا بمصاهرته لرسول‏اللّه فاصبح من ساده قريش، فمن غير الممكن ان تنهى قريش فى غياب عمر!!!

ولما آلت الخلافه الى عثمان بعد موت عمر كانت اول مشاريعه ان اصدر مرسوما بعدم جواز روايه اى حديث لم يسمع به فى عهدى ابى بكر وعمر (574).

تلك هى قريش التى نهت عبداللّهبن عمروبن العاص عن كتابه احاديث رسول‏اللّه، بحجه ان الرسول بشر يتكلم فى الغضب والرضى.

والغايه الحقيقيه من النهى كانت لغايات ابطال مفاعيل الاحاديث النبويه المتعلقه بموسسه الامامه من بعد النبى وبالدور المميز لاهل بيت النبوه بعد وفاته!!

معاويه يبين الغايه من الاشاعه:

معاويه بن ابى سفيان احد قاده التحالف، وقد اصدر مرسوما ملكيا بعد عام الجماعه، وارسل نسخا من هذا المرسوم الى كل عماله، حيث امر فيه بالحرف:

(ان برئت الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته)، روى ذلك المدائنى فى كتابه الاحداث كما فى شرح النهج لعلامه المعتزله، فمعاويه ابرز بيت القصيد والغايه من منع كتابه احاديث رسول‏اللّه، حتى لا ينتشر فضل ابى تراب واهل بيته فى الامه، وحتى لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعا بقياده هذه الامه!!(575).

الشائعه الثانيه: رسول‏اللّه كان يفقد السيطره على اعصابه

فيشتم ويلعن ويسب:

قلنا ان قياده التحالف قد صممت نهائيا على اقصاء الامام على عن حقه بالقياده والامامه من بعد النبى، وعلى الغاء الدور المميز لاهل بيت النبوه وتجريدهم من كافه حقوقهم السياسيه، وانها عزمت على ان تتصدى للحمله المركزه، التى كان يقودها رسول‏اللّه قبل وفاته لتثبيت الشرعيه.

وتحقيقا لهذه الاهداف، اطلقت قياده التحالف اشاعتها الاولى التى مفادها ان رسول‏اللّه بشر يتكلم فى الغضب والرضى، ولا ينبغى ان يحمل كلامه على محمل الجد، ولا ينبغى ان يكتب كلام الرسول، وقد اثبتنا ذلك.

ولتدعيم هذه الاشاعه اطلقت قياده التحالف شائعتها الثانيه:

روى البخارى فى صحيحه، كتاب الدعوات، باب قول النبى من آذيته، ومسلم فى صحيحه، كتاب البر والصله، باب من لعنه النبى ما يلى وبالحرف:

(ان رسول‏اللّه كان يغضب، فيلعن، ويسب، ويوذى من لا يستحقها، ودعى اللّه ان تكون لمن بدرت منه زكاه وطهورا).

وهكذا صوروا رسول‏اللّه صاحب الخلق العظيم الذى وصفه اللّه تعالى بايه محكمه (وانك لعلى خلق عظيم) (576) بصوره الرجل الذى يفقد السيطره على اعصابه، فيتصرف مثل تلك التصرفات التى الصقوها ظلما برسول‏اللّه.

لان الشخص العادى الذى لا تتوفر فيه موهلات النبوه يترفع عن سب ولعن وايذاء الناس بدون سبب فكيف بسيد الخلق واعظمهم؟!!!

ما هو القصد من هذه الاشاعه؟

القصد منها دعم الاشاعه الاولى، والتشكيك بشخصيه الرسول وبصحه حكمه على الرجال، والنيل من على بن ابى طالب واهل بيته، وابراز مظلوميه اعداء اللّه، ورفع خامل ذكرهم، اذ من الثابت ان رسول‏اللّه قد لعن اعداء اللّه، وبالذات الكثير من قاده هذا التحالف كما يروى البخارى والسيوط‏ى والترمذى، والنسائى، واحمد، وابن جرير، والبيهقى، ونصربن مزاحم، والحلبى.

وراجع كتابنا الخطط السياسيه (577)، تجد الذين لعنهم رسول‏اللّه، وراجع بعث اسامه فى كل السير تجد ان رسول‏اللّه قد لعن الذين يتخلفون عن جيش اسامه.

ومن جمله الذين لعنهم رسول‏اللّه ابو سفيان، ومعاويه، ويزيد، والحكم‏بن العاص، و... الخ.

بموجب هذه الشائعه، فان الذين لعنهم رسول‏اللّه صاروا مطهرين او زاكين، وهكذا فاقوا منزله اهل البيت الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!!

واذا كان لقول الرسول بعلى واهل بيته قيمه، فلماذا لا يكون لقوله هذا بقاده التحالف قيمه، وهذا يعزز الشائعه الاولى التى اطلقها قاده التحالف بضروره عدم حمل كلام الرسول على محمل الجد، وبالتالى عدم جدوى كتابته!!

ومن جهه اخرى فلن يعترض معترض على مروان بن الحكم او على معاويه بن ابى سفيان، اذا آلت اليهم الخلافه يوما ما!

فاذا قال لمعاويه قائل:

لقد لعنك رسول‏اللّه فكيف تت‏امر على امه محمد الذى لعنك؟ عندئذ يجيبه معاويه بلسان فصيح:

فظ اللّه فاك، لقد دعى لى رسول‏اللّه، ان تكون لعنته لى زكاه وطهورا، ودعوات الانبياء مستجابه، لذلك فانى زاك بالنص ومطهر بالنص، واصحابك اهل بيت النبوه مطهرين فقط، فانا اولى بالقياده منك ومنهم!!

وشر البليه ما يضحك!!

الشائعه الثالثه: النبى يخيل اليه انه يفعل الشى‏ء وما فعله:

ولدعم الشائعتين السابقتين، وامعانا بالتشكيك بقول الرسول وشخصه، اطلقت قياده التحالف شائعتها الثالثه.

النص الحرفى لهذه الشائعه:

روى البخارى فى كتاب بدء الخلق، باب صفه ابليس وجنوده، وفى كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر، وكتاب الادب، باب ان اللّه يامر بالعدل، وكتاب الدعوات، باب تكريم الدعاء، وروى مسلم فى صحيحه، باب السحر ما يلى وبالحرف:

(ان بعض اليهود سحروا رسول‏اللّه، حتى ليخيل اليه انه يفعل الشى‏ء وما فعله).

وهذا قمه الشكيك فى كل ما يصدر عن رسول‏اللّه، وما يعنى التحالف بالدرجه الاولى، ما صدر ويصدر عن رسول‏اللّه بالامور المتعلقه برئاسه الدوله، وبالمكانه الخاصه التى تصوروا ان رسول‏اللّه قد خص بها اهل بيته الكرام.

الشائعه الرابعه: الرسول يسقط من القرآن:

ولدعم الشائعات الثلاثه، وللتشكيك فى ذاكره الرسول حتى بالامور المتعلقه بالقرآن الكريم، فقد اطلق قاده التحالف اشاعتهم الرابعه:

روى البخارى فى باب قوله تعالى:

(وصل عليهم) وكتاب الشهادات، باب شهاده الاعمى ونكاحه، وروى مسلم فى كتاب فضائل القرآن، باب الامر بتعهد القرآن ما يلى وبالحرف:

(ان النبى سمع رجلا يقرا فى المسجد فقال الرسول:

رحمه اللّه اذكرنى كذا وكذا آيه اسقطتها من سوره كذا)!!!

فانت ترى انه لولا هذا القارى‏ء، لما تذكر النبى بزعمهم الايه التى اسقطها من سوره كذا!!!

وهذا تشكيك بقوه ذاكره الرسول حتى بالامور المتعلقه بالقرآن الكريم، فكيف بالامور السياسيه!!!

الشائعه الخامسه: الرسول يهجر، ان رسول‏اللّه قد هجر، ما شانه اهجر !!؟:

ثم بلغت حمله قاده التحالف على رسول‏اللّه المدى، عندما قالوا له وجها لوجه وفى بيته:

(رسول‏اللّه يهجر، ان رسول‏اللّه قد هجر، ما شانه اهجر).

والذين قالوا هذا لرسول‏اللّه هم حزب عمربن الخطاب، وعمر نفسه هو اول من قال كما ذكر ذلك ابو حامد الغزالى فى كتابه (578)، وكما ذكر ذلك السبط الجوزى فى كتابه (579).

وبعد ذلك تجرا حزب عمر وقالوا:

(القول ما قاله عمر ان رسول‏اللّه يهجر، وان رسول‏اللّه قد هجر، وما شانه (اى الرسول) اهجر)!!!

واصح الصحاح عند شيعه قاده التحالف هما صحيح بخارى وصحيح مسلم، وقد روى البخارى هذه الواقعه الاليمه بست صيغ، ورواها مسلم فى صحيحه، واحمد فى مسنده، والنووى بشرح صحيح مسلم، وابن ابى الحديد بشرح النهج، واذا اراد القارى‏ء الكريم ان يقف على تفاصيل هذه الحقيقه بدقه ويقف على كامل المراجع فعليه ان يراجع كتابنا نظريه عداله الصحابه والمرجعيه السياسيه فى الاسلام.

ولا يقوى احد فى الدنيا على انكار هذه الواقعه، او الاعتذار عنها (580).

من اول من اتهم رسول اللّه بالهجر؟

اول من اتهم رسول‏اللّه بالهجر، ورفع بوجهه شعار:

(حسبنا كتاب اللّه) هو عمر بن الخطاب، حيث حضر هو وثله من حزبه ليطمئنوا على الوضع الصحى لرسول‏اللّه، ومن الموكد ان شخصا ما اخبر عمر بان الرسول سوف يكتب وصيه تلك الليله، فاحضر عمر عددا كبيرا من حزبه ليحول بين الرسول وبين كتابه وصيته كما اقر عمر بذلك (581).