ولقد روي المئات من المواقف التي تعرض لها أمير المؤمنين علي عليه السلام، عندما غير الصحابة وبدلوا بعد رسول الله، وبعد أن انتشرت الفتيا بالرأي، بقي عليه السلام القرآن الناطق الذي يحكم بالحق وللحق، لا يخشى في الله لومة لائم.
روى النسائي في سننه وغيره كثير عن مروان أن عثمان نهى عن المتعة وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة، فقال علي لبيك بحجة وعمرة معا، فقال عثمان أتفعلها وأنا أنهى عنها، فقال علي لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من الناس.
وكلنا يعرف موقفه عليه السلام بعد موت الخليفة الثاني، عندما دعاه عبد الرحمن بن عوف للبيعة على كتاب الله وسنة رسوله وسنة أبي بكر وعمر رفض عليه السلام ذلك ولم يقبل أن يُدخِلَ بين الكتاب والعترة الطاهرة أي دخيل.
وكذلك كانت مواقف الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، كانت كلها قرآنا ناطقا ينطق بالحق الذي يرضاه الله ورسوله، وبالتالي تسقط كل الإتهامات الباطلة ضد أهل البيت وشيعتهم، إذ لا يمكن لأهل البيت عليهم السلام أن يتفرقوا عن القرآن الكريم أو أن يحكموا بما هو خارج عنه، ويكفي المنصف المدقق من ذوي العقول السليمة أن ينظر إلى الفقه الشيعي ويقارنه مع بقية المذاهب ليجد أن الإلتزام الكامل بالكتاب ومضامينه وأحكامه هي الأمر
ونظرة منصفة أيضا من منصف مدقق ذو عقل سوي وبصيرة متفتحة إلى مناظرات الأئمة من أهل البيت عليهم السلام مع خلفاء عصورهم وعلماء المذاهب المختلفة، فسيدرك حقيقة العترة النبوية الطاهرة واقترانها الأبدي بالكتاب. وسيدرك مدى سعة فهمهم للنصوص القرآنية وتأويلها بمراد الله عز وجل، وسيعتقد حقا أن كلامهم فوق كلام البشر ودون كلام الله.
أرجوا من القارئ العزيز مراجعة ما جمعه مراجعنا العظماء وعلماؤنا الأجلاء فيما يتعلق بسيرة أئمتنا من أهل البيت عليهم السلام.
كما لا يمكن للقرآن الكريم أن يتفرق عن أهل البيت عليهم السلام أو أن يستغني عنهم، ولذلك فإن الإرادة التكوينية في أن الكتاب والعترة الطاهرة لن ينفصلا عن بعضهما سوف تتجلى بكل وضوح عند ظهور الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي سوف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وستظهر الإرادة الإلهية على الكرة الأرضية بقيام دولة الكتاب وأهل البيت عليهم السلام.
ضرورة وجود الإمام في كل عصر:
ومن محطات حديث الثقلين الهامة جدا خصوصا العبارة التي نحن بصدد شرحها، أنه يؤكد على ضرورة وجود إمام معصوم من أهل البيت عليهم السلام في كل عصر وزمان، إذ لا يمكن أن يخلو عصر من العصور من إمام معصوم معين من الله تعالى، وهذا الأمر واضح الدلالة في كل عبارات حديث الثقلين التي تعرضنا لبيان بعضها، وخاصة جملة لن يتفرقا الواردة في عشرات الأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك الروايات المستفيضة عند كل مذاهب المسلمين التي سنمر على بعض منها في الصفحات التالية.
والأمر المهم في وقتنا الحاضر هو الإعتقاد بضرورة وجود إمام معصوم في كل عصر وفي كل زمان، وهذا الوجود للإمام هو ضرورة تكوينية وضرورة شرعية.
روى الشيعة والسنة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
وروي أيضا عند كل طوائف المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته.
وروي عن الإمام الرضا عليه السلام انه قال: (لا تخلو الأرض من قائم منا ظاهراً أو خافٍ، ولو خلت يوماً بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله).
وروي عن أهل البيت عليهم السلام (لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها).
ولو أضفنا إلى ما ذكرنا من الروايات، الروايات التي تتعلق بالإمام المهدي المنتظر عند كل طوائف المسلمين لوجدنا أن كل ما ذكرنا يتطابق ويتلازم مع حديث الثقلين من حيث ضرورة وجود إمام معصوم من أهل البيت عليهم السلام في كل عصر وزمان.
ولأهمية وضرورة هذا الإعتقاد، وضرورة معرفة إمام وصاحب العصر والزمان، وضرورة بيعة الإمام قبل أن يطرق الموت أبوابنا، فإن الواجب عليك أخي المؤمن أن تسارع في الإعتقاد بأن الكتاب وأهل البيت لن يتفرقا، وأن
قال تعالى في سورة الأنعام الآية 158 {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون}.
لن يفترقا:
وأما الإفتراق في بعض متون حديث الثقلين من خلال عبارة لن يفترقا، فهو كما قلنا معناه الإنفصال والتفرق بين شيئين ولكن بفعل فاعل خارج عن الشيئين المتصلين والمقترنين معا.
وهذا يعني أن الإرادة التكوينية التي قررها الله سبحانه وتعالى في أن الكتاب والعترة الطاهرة، كما أنهما شيء واحد لا ينفصل أحدهما عن الآخر من ذات نفسه، ولا وجود لأحدهما من دون الآخر، ولا يمكن أن يتحقق لهما ذلك الإنفصال والإنفصام.
فكذلك أيضا بالنسبة للإرادة التكوينية للكتاب والعترة أنهما لا يفترقان عن بعضهما بعامل خارج عنهما، إي أنه لو حاول كل الناس أن يفصلوا الكتاب عن أهل البيت أو أهل البيت عن الكتاب، لما تحقق لهم ذلك مهما حاولوا وبذلوا الجهد الكبير في ذلك، لأن الإرادة التكوينية في منع التفرق والإفتراق تشمل العوامل الخارجية أيضا.
ولذلك فإن البحث في هذه النقطة يشمل عدة محاور، نطرحها على شكل أسئلة ثم من خلال النظر إلى حديث الثقلين وتاريخ المسلمين والنصوص الشرعية فإننا نتوصل إلى جميع مطالب هذه النقطة.
وهل بقي من المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من يأخذ بوصيته في التمسك بالكتاب والعترة الطاهرة من أهل البيت عليهم السلام؟.
ماذا فعل بقية المسلمين من غير المتمسكين بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟. وبماذا يتمسكون؟.
هل ستتجلى تلك الإرادة الإلهية في ظهورها يوما على مساحة الكرة الأرضية؟.
فمن خلال ما مر معنا في البحث، تبين لنا بشكل قطعي لا يقبل الشك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بولاية أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم والإقتداء بهديهم، وتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يدعوا لذلك منذ بداية دعوته وحتى آخر يوم في حياته، كان دائما يأمر بالتمسك بالعروة الوثقى والصراط المستقيم وركوب سفينة الناجين.
حتى أن الحديث النبوي الشريف الذي ذكرناه في البحث أكثر من مرة، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض)، يتطابق مع حديث الثقلين تطابقا تاما في توضيح الإرادة الإلهية بأن أهل البيت مع القرآن والقرآن معهم وأنهما لن يفترقا أبدا.
ولم تكن تلك الدعوات من رسول الله صلى الله عليه وآله لولاية أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام تلقى القبول عند طائفة كبيرة ممن لبسوا عباءة الإسلام في الظاهر وتجردوا عن الإيمان في بواطنهم. وكان من نتائج ذلك أن ائتلفت تلك الطائفة، وتحالفت أثناء حياة رسول الله صلى الله عليه وآله على رفض التمسك بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخذت على عاتقها محاربتها بكل الوسائل المتاحة، وأهمها التخطيط المركز والمدروس بدقة متناهية لمرحلة وجود رسول الله في المدينة، والتخطيط لما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
محاولات التمهيد لفصل الكتاب عن العترة:
ولقد ظهرت بعض المحاولات من خلال معارضة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعدم طاعته، والتنقيص من علمه ومعرفته بشؤون الدنيا أثناء حياته وإيذائه ورفع الأصوات بين يديه والتنازع والإختلاف في حضرته وإيجاد رأي عام ضده، من أجل أن تسقط هيبته حتى تكون مخالفة رسول الله أمرا عاديا يتقبله المسلمون بشكل طبيعي.
وكذلك من خلال بث الشائعات ضده وضد أهل بيته وأزواجه وملاحقتهم وغير ذلك من أنواع الأذى الذي يحقق أهداف المخططين من قريش وأعوانهم، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت). مما يدل على حقيقة ما ذهبنا إليه.
ولقد روت كتب الحديث والسير عند أهل السنة عشرات الروايات التي تصف ذلك أذكر بعضا منها على سبيل المثال وليس الحصر.
منها هروبهم من المعارك حيث كانوا يتركون رسول الله ومعه ثلة من المؤمنين، ثم يولون مدبرين كما حصل في أُحد وحنين. أو يكون خروجهم معه من أجل الدنيا وليس للدفاع عن رسول الله ودينه العظيم.
فقد عصوا أمر رسول الله عندما أمرهم في البقاء على الجبل، وكذلك هروبهم ورسول الله صلى الله عليه وآله جريحا مكشوفا للمشركين، ولولا دفاع أمير المؤمنين عنه لتمكنوا من قتله. وكذلك هروبهم من حنين وكان من بين الهاربين كبار الصحابة، ولولا نفر من بني هاشم وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لتمكن المشركون من قتل رسول الله. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينادي في المسلمين أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب، ولكنهم وبالرغم من نداء الرسول لهم ولوا مدبرين.
قال تعالى في سورة التوبة الآية 25 {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}.
فقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال عن صلح الحديبية (والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ألست نبي الله؟ قال: بلى. فقلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري. قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.
فأتيت أبا بكر، فقلت يا أبا بكر: أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه تفز حتى تموت، فو الله إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا إنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال عمر: فعملت لذلك أعمالا.
وروى في فتح الباري شرح صحيح البخاري قال أخرج البزار من حديث عمر نفسه مختصرا ولفظه " فقال عمر: اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي، وما ألوم عن الحق، وفيه: قال فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت، حتى قال لي: يا عمر، تراني رضيت وتأبى.
ومنها معصيتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمرهم بعد الحديبية أن يحلقوا رؤوسهم ويذبحوا هديهم، فلم يفعلوا، وكان ذلك التمرد إمتدادا لتمرد عمر بن الخطاب على أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يتعلق بصلح الحديبية، فتمرد المسلمون ورفضوا طاعة رسول الله وعصوا
فقد ذكر الصابوني في مختصر تفسير بن كثير بعض تفاصيل ذلك التمرد، وبرره بأن المسلمين عصوا أمر رسول الله انتظارا منهم أن ينسخ الله حكم النبي، لكنه وللأسف الشديد لم يتدبر في خطورة الأمر على أنه معصية واضحة وتمرد علني على رسول الله من قبل بعض المسلمين وعلى رأسهم عمر بن الخطاب.
روى في مختصر ابن كثير في تفسير الآية {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} ذكروا أن هذه الآية نزلت في سنة ست أي عام الحديبية حين حال المشركون بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبين الوصول إلى البيت، وأنزل اللّه في ذلك سورة الفتح بكمالها، وأنزل لهم رخصة أن يذبحوا ما معهم من الهدي وكان سبعين بدنة، وأن يحلقوا رؤوسهم وأن يتحللوا من إحرامهم، فعند ذلك أمرهم عليه السلام بأن يحلقوا رؤوسهم وأن يتحللوا فلم يفعلوا انتظاراً للنسخ حتى خرج فحلق رأسه ففعل الناس وكان منهم من قصَّر رأسه ولم يحلقه فلذلك قال صلى اللّه عليه وسلم: "رحم اللّه المحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول اللّه، فقال في الثالثة: "والمقصرين".
ومنها جذبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وشده من ثوبه بطريقة همجية أمام جموع المسلمين من أجل إسقاط هيبته صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أجل التقليل من شأنه وشأن طاعته، وذلك عندما قام للصلاة على عبد الله بن أبي.
روى الترمذي وغيره عن ابن عمر قال: جاء عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين مات أبوه فقال: أعطني قميصك أكفنه وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه وقال: إذا فرغتم فآذنوني، فلما أراد أن يصلي جذبه عمر وقال: أليس قد نهى اللّه أن تصلي على المنافقين، فقال: أنا بين الخيرتين: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، فصلى عليه.
وروى البخاري في صحيحه وفي رواية أخرى عن ابن عمر قال: فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟
ومنها تركهم لرسول الله يخطب على المنبر يوم الجمعة، وخروجهم لاستقبال التجارة القادمة من الشام وإلى اللعب واللهو، حيث خرج المسلمون كلهم من المسجد يوم الجمعة وتركوا الصلاة وسماع خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يبق مع رسول الله سوى نفر قليل من المؤمنين منهم أمير المؤمنين علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى في سورة الجمعة الآية 11 {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين}.
ومنها تشاتم الصحابة بين يديه وتضاربهم بالنعال بحضرته. كما روت ذلك كتب الصحاح عند أهل السنة وغيرهم.
فقد روى السيوطي في الدر المنثور حادثة بين رجل من الأوس ورجل من الخزرج فقال هذا يا للأوس وقال هذا: يا للخزرج. فاضطربوا بالنعال والحجارة فتلاطموا.
ومنها رفع أصواتهم فوق صوت النبي، حيث كان الصياح ورفع الصوت من أبي بكر وعمر بين يدي رسول الله فأنزل الله تعالى في تلك الحادثة قرآنا يتلى.
قال تعالى في سورة الحجرات. الآية: 2 {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.
ومنها صراخهم وصياحهم وكثرة لغطهم أمام رسول الله حتى يسقطوا هيبته ويضيعوا قيمة كلامه الشريف، كما ذكر في حادثة رزية الخميس.
وأيضا عندما عين رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر إماما وخليفة من بعده بأمر من ربه، فضجوا وكثر صياحهم ولغطهم وخالفوا أمر الله في طاعة
روى أبو داوود في سننه عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفةً)،قال: فكبر الناس وضجوا، ثم قال كلمةً خفيفةً. قلت لأبي: يا أبت ما قال. قال: كلهم من قريش.
ومنها عدم طاعتهم له في ما يتعلق بجيش أسامة، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله مصرا على إرسال الجيش بقيادة أسامة بن زيد وتحت قيادته كبار الصحابة منهم أبو بكر وعمر، لكن المسلمين لم يلتزموا بأمر رسول الله وإصراره، حتى أنه قال لهم بشكل صريح أكثر من مرة (أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة).
ومنها اتهامه بالباطل وإيذائه في العديد من المناسبات، ودونك سورة التحريم، وحادثة الإفتراء على أم المؤمنين السيدة أم إبراهيم مارية القبطية رضي الله تعالى عنها.
وكذلك ورد في القرآن الكريم الآيات القرآنية التي تحذر من أذى رسول الله أو الإستهزاء به أوالتمرد عليه والتحذير من مخالفته ومعصية أمره، ولولا وجود ذلك الأذى لما نزلت تلك الآيات تحذر من إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأيضا ورد في الحديث العشرات بل المئات من الروايات التي تظهر مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله ومعصيته أو الإستهزاء به والتي أظهر فيها أصحابها عدم احترامهم لشخصه الكريم ولمنزلة النبوة ومقام الرسالة، ذكرت قسما منها ويقتضي المقام ذكر بعضا آخر منها:
روى البخاري ومسلم عَنْ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: لما كان يوم حنين آثر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ناسا في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس
وروى البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم أنه قال: بينما هو يسير مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مَقْفَلِهِ من حنين، فعلقه الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقال: أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاة نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً.
روى السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ان الذين يؤذون الله ورسوله} الآية. قال: نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ صفية بنت حي رضي الله عنها.
وهناك المئات من قضايا الإيذاء لرسول الله والاستهزاء بشخصه الكريم مذكورة في القرآن الكريم وفي كتب الأحاديث لا يتسع المجال لذكرها، ذكرت العديد منها في كتابنا سبيل المستبصرين.
ثم قضية بناء مسجد الضرار، حيث قام المسلمون ببناء مسجد خارج المدينة من أجل سلب مركز قيادة رسول الله للمسلمين، وتحويل الأنظار عنه والتنقيص من قيمة مركز القيادة، ولقد ذَكَرتُ قصة مسجد الضرار بتفاصيلها في كتابنا سبيل المستبصرين تحت عنوان إغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فراجعها في محلها تجد تفاصيل دقيقة من الضروري لكل مسلم منصف أن يتعرف عليها.
وكان باستطاعة أولئك أن يدخلوا الإسرائيليات في حياة المسلمين من دون أن يُطلعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، ولكنهم أرادوا من ذكر الأمر وتكراره أمام رسول الله، أن يأخذوا ترخيصا وإقرارا شرعيا منه صلى الله عليه وآله فيما يتعلق بنشر ثقافة يهود بين المسلمين، وعندما فشلوا في ذلك، كذبوا على رسول الله فيما بعد وادعوا على لسانه أنه قال (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وبذلك أعطوا شرعية لماأرادوا وغطوا بهذا الترخيص على فعلهم المشين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله.
والذي يؤكد افتراءهم على رسول الله هو ما سأقدمه من روايات تبين بعضا من الحقيقة.
روى أحمد والبزار وفي فتح الباري عن جابر قال: نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير.
فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني وروى في مجمع الزوائد والطبراني عن أبي الدرداء قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله جوامع من
وروى السيوطي في الدر المنثور قال اخرج أحمد عن عبد الله بن ثابت قال: "جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى السيوطي في الدر المنثور عن عمر بن الخطاب قال (انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا في يدك يا عمر؟ فقلت يا رسول الله، كتاب نسخته لنزداد به علما إلى علمنا، فغضب رسول الله حتى احمرت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة. فقالت الأنصار: أغضب نبيكم السلاح. فجاؤوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أيها الناس، إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه، واختصر لي اختصارا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية، فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون. وفي رواية أخرى (فلا يهلكنكم المتهوكون).
وهنا لابد من التدقيق في عبارة رسول الله (ولا يغرنكم أو فلا يهلكنكم المتهوكون). من ناحية ربط معنى الهلاك الذي في العبارة، مع عبارات حديث الثقلين وحديث السفينة، من أجل فهم معنى الهلاك وهو ترك اتباع أهل البيت عليهم السلام وترك ركوب سفينتهم ومخالفة إرادة الله تعالى ووصية رسول الله فيهم.
وأمر آخر يجب الإلتفات إليه في عبارة فلا يهلكنكم المتهوكون، من ناحية معنى الكلمة.
وقال الجوهري: والتهوك أيضاً مثل التهور وهو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة. وقال الحسن المتهوكون المتحيرون.
فالمتهوكون هم الذين يقعون في الأمور بغير روية، ويتهورون في أخذها والتعامل معها، ولا يضيرهم ذلك ويتهورون في أخذها والتعامل معها، ولا يضيرهم إن كانت ترضي الله تعالى ورسوله أو تغضبهما، وروى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها فقال يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولكني أعطيت جوامع الكلم، واختصر لي الحديث اختصارا.
ثم انتشر الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته وبعد وفاته، حتى أنه اضطر لأن يخطب في المسلمين مراراً محذراً لهم من خطر أولئك الكذابة عليه، ولولا وجود أولئك الكذابين بين المسلمين لما حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم.
فقد روى في كنز العمال وكل صحاح ومسانيد المسلمين عن عدد كبير من الصحابة، والحديث متواتر عند كل طوائف المسلمين، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (من علم شيئا فلا يكتمه، ومن كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
ثم كثرت محاولات الإستهزاء والسخرية والحسد والضغائن ضد أمير المؤمنين علي عليه السلام والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والحسن والحسين عليهم السلام وضد بني هاشم بشكل عام، حتى يسقط احترامهم بين الناس. وبالتالي تسهل عملية انتهاك حرماتهم وسلب حقوقهم وأحقيتهم، وتمر على أغلب المسلمين بشكل طبيعي واعتيادي.