الصفحة 169
وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار). رواه في كنز العمال ومجمع الزوائد والطبراني وبن حبان.

ولكن المسلمين اليوم لا يلتفتون إلى كل تلك الوصايا البينات الواضحات، التي بينها ووضحها رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، إذ أن المسلمين لا زالوا وحتى اليوم يخافون من معاوية ويزيد، ويخافون من ذكر علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام، فالكل طوع أمر معاوية ويزيد ولو أدى ذلك إلى معصية الله تعالى ومخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم إن الأمة لا زالت وحتى اليوم تعادي أهل البيت وشيعتهم، وتظلمهم وتفتري عليهم، وتكفرهم وتستبيح دماءهم كما يجري اليوم في مناطق متعددة من العالم ضد أهل البيت وشيعتهم، وكل ذلك طاعة لمعاوية ويزيد، وكأن كتاب معاوية إلى أمصار الدولة الإسلامية والذي ذكرناه في البحث يتجدد في كل يوم، ويحفظه المسلمون ويطبقونه بحذافيره، وكأنه أمر إلهي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم أني أبرأ إليك مما فعل معاوية ويزيد وأشياخهم وأتباعهم، اللهم إني أتقرب إليك بحب أهل بيت نبيك، وأتقرب إليك بموالاتهم واتباعهم والإقتداء بهديهم وطاعتهم كما أمرت أنت ياربنا ويا سيدنا ومولانا، اللهم إنني أوالي من والوا وأعادي من عادوا، وأنصر من نصرهم، وأُبغض من أبغضهم، فاجعلني والمؤمنين مع من نحب، وثبتنا على صراطك المستقيم، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

لقد قام يزيد اللعين وبقرار منه وإقرار وبتنفيذ جيش الدولة الأموية، بقتل الإمام الحسين عليه السلام في سبعة عشر من أهل بيت رسول الله وثلة من صحابة الحسين عليهم رضوان الله تعالى، يوم عاشوراء على أرض كربلاء في حادثة الطف، التي تقشعر الأبدان عند سماعها فكيف بمن أبصرها وعاش أحداثها، حيث لم يرقب يزيد وشياطينه إلاً ولا ذمةً في الحسين وأهل بيته وأبنائه وأصحابه، الذين ما خرجوا إلا دفاعا عن دين الإسلام، دين المصطفى

الصفحة 170
صلى الله عليه وآله وسلم، خرجوا ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ويحرروا الناس من عبادة الجبت والطاغوت إلى عبادة الواحد الأحد.

يقول الإمام الحسين عليه السلام (لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله، ناكثا عهده، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله).

لهذا نهض الحسين عليه السلام، لإصلاح ما قد فسد في الأمة، ولم يخرج من أجل دنيا أو منصب أو ساعيا وراء سمعة، وإنما خرج ونهض طلبا للإصلاح، كيف لا وقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله: (حسين مني وأنا من حسين).

لقد أجمع يزيد اللعين وجلاوزته على القضاء على الإمام الحسين عليه السلام وعلى نهضته، فحاصروه وقطعوا عنه الماء، وأرهبوا وقتلوا وسجنوا وآذوا من كان من أنصاره سلام الله تعالى عليه، ثم قاموا بمهاجمة معسكره واعتدوا على الأطفال والنساء، وقتلوا أصحابه واحدا بعد واحد، وقتلوا من كان معه من أبناءه ومن أبناء الإمام الحسن عليه السلام، وحتى الرضع منهم من خلال مشاهد لا يمكن لإنسان أن يتحملها حتى ولو كان كافرا، حتى أن الإمام الحسين عليه السلام بعد أن قتلوا من معه قال لشمر وعمر بن سعد بن أبي وقاص وبقية المجرمين الذين كانوا معهم قال لهم مخاطبا (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم).

ولكن الطبيعة البهيمية الشيطانية التي كانت عند يزيد وشياطينه، فعلتها، وقاموا بقتل ابن بنت نبيهم في أبشع صورة من صور الإعتداء والإنتقام من رسول الله محمد وأهل بيته عليهم السلام، وداسوا على جسده الشريف بحوافر خيولهم، وقطعوا الرأس الشريف، وتركوا جسد الإمام الحسين في ساحة الجريمة، ثم حملوا الرأس الشريف والرؤوس المقطعة، وسبوا نساء أهل البيت

الصفحة 171
بعد أن سرقوا ونهبوا كل ما كان في حوزتهم، وسار موكب الرأس الشريف ومعه السيدة زينب بنت أمير المؤمنين، وكذلك الإمام علي بن الحسين زين العابدين ومن بقي من النساء والأطفال، وطافوا بهم البلاد حتى وصلوا إلى دمشق عاصمة الأمويين، ووضع الرأس الشريف بين يدي اللعين يزيد، وأنشأ قائلا معبرا عن ما ورثه من حقد وبغض وضغينة للإسلام وأهل البيت عليهم السلام، متحديا إرادة الله تعالى، معلنا الحرب على الله ووحيه ورسوله وأهل البيت عليهم السلام، شامتا منتشيا، قائلا:


ليت أشياخي ببدر شهدواجزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقممن بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزل

وهكذا فرح يزيد اللعين وشياطينه، بالجريمة التي اقترفوها، وأعلنوا ذلك اليوم يوم عاشوراء يوم مقتل إمام عظيم من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وجعلوا ذلك اليوم عيدا يفرحون به، ويحتفلون بجريمتهم التي بكت عليها السماء والأرض، كما ورد في العديد من الروايات.

ولا زال الكثير من المسلمين وللأسف يحتفلون بذلك اليوم ويعتبرونه يوم فرح، حيث دفع الأمويون الأموال الطائلة لوضاعي الحديث، من أجل أن يضعوا لهم أحاديث مكذوبة تجعل من ذلك اليوم يوم عيد وفرح وسرور، ما عدا تلك الطائفة من المؤمنين شيعة أهل البيت عليهم السلام، الذين يحزنون أشد الحزن في يوم الذكرى الأليمة يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ويعبرون عن حزنهم ومواساتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله، الذي بكى الحسين يوم ولادته وأخبره جبريل عليه السلام بذلك، وخرج رسول الله باكيا مسمعا بكاءه ونشيجه لأصحابه، قائلا لهم أن الأمة ستفتن من بعده وأن الحسين مقتول، حيث بين رسول الله أن مقتل الحسين عليه السلام فتنة عظيمة للأمة في كل زمان ومكان.


الصفحة 172
إنني أدعوا نفسي وكل المسلمين أن يقرؤوا مقتل الحسين عليه السلام، والإستماع لقصة مقتله عليه السلام، فالإمكانيات موجودة من خلال المؤلفات الكثيرة وكذلك من خلال المحطات الفضائية، والحجة قائمة واضحة بينة، ولكنني أحب أن أَذكُرَ ببعض الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في صحاح ومسانيد المسلمين، ليتعرف المسلم على ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله عن الحسين عليه السلام وقضيته التي يجهلها أغلب المسلمين وغيبت عنهم عن قصد متعمد وسابق إصرار، وما سأذكره من روايات هو للتعريف بالحسين وقضيته عليه السلام على شكل مختصر، وإلا فإن ما هو موجود في الحسين وأهل البيت عليهم السلام عموما أكثر بكثير، ولا يمكن لنا في هذا البحث الموضوعي أن نشير إلى جل روايات الحسين وسرد تفاصيل مقتله عليه السلام، ولكنني أشير وأذكر بمحطات هامة لكل قضية تتعلق بحديث الثقلين ولو على سبيل الإختصار.

روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحسين مصباح الهدى، وسفينة النجاة).

وروى أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم والسيوطي والضياء، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).

وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال عن الحسن والحسين عليهما السلام (هما ريحانتاي من الدنيا).

وروى الطبراني وفي كنز العمال وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (من أحب هذين، يعني الحسن والحسين، وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).

وروى السيوطي والديلمي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي).

وقد مر من خلال البحث العديد من الروايات التي تأمر بمحبة أهل البيت عليهم السلام، والتحذير من ظلمهم وأذيتهم، ولكنني أضيف هنا ما يتعلق ببحثنا.


الصفحة 173
فقد روى المتقي الهندي في كنز العمال والبغوي وابن السكن والباوردي وابن منده وابن عساكر وابن حجر في الإصابة، عن أنس بن الحارث، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول (إن ابني هذا يعني الحسين يقتل بأرض من أرض العراق، يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منهم فلينصره).

وروى في كنز العمال وغيره كثير عن أم سلمة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالسا ذات يوم في بيتي، فقال: لا يدخلن علي أحد، فانتظرت فدخل الحسين عليه السلام فسمعت نشيج النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا الحسين في حجره أو إلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي، فقلت: والله! ما علمت به حتى دخل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حب الدنيا فنعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من ترابها، فأراه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بالحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض كربلاء، قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أرض كرب وبلاء).

وروى أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني والهيثمي في مجمع الزوائد عن أنس بن مالك، قال: (أن ملك القطر استأذن ربه أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له، فقال النبي لأم سلمة: املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد. قال: وجاء الحسين بن علي ليدخل فمنعته، فوثب فدخل، فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه، قال: فقال الملك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتحبه؟ قال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل به. فضرب بيده فجاء بطينة حمراء فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها. قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء).

وروى الطبراني والهيثمي في مجمع الزوائد عن عائشة قالت: دخل الحسين بن علي عليهما السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يوحى إليه، فنزا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منكب وهو على ظهره، فقال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتحبه يا محمد؟ قال: يا جبريل وما لي لا أحب ابني!. قال: فإن أمتك ستقتله من بعدك، فمد جبريل

الصفحة 174
عليه السلام يده فأتاه بتربة بيضاء، فقال: في هذه الأرض يقتل ابنك هذا واسمها الطف، فلما ذهب جبريل من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتزمه في يده يبكي، فقال: يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف، وأن أمتي ستفتن بعدي. ثم خرج إلى أصحابه فيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل عليه السلام أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه).

روى أحمد في المسند عن عبد الله بن يحيى، عن أبيه: أنه سار مع علي عليه السلام، وكان صاحب مطهرته، فلما جاؤوا نينوى وهو منطلق إلى صفين. فنادى علي عليه السلام: إصبر أبا عبد الله، إصبر أبا عبد الله، بشط الفرات. قلت: وماذا تريد؟

قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: ما أبكاك يا رسول الله؟

قال: بلى، قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات.

قال: فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟

قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا.

وروى في كنز العمال وغيره كثير عن شيبان بن مخرم قال: إني لمع علي عليه السلام، إذ أتى كربلاء فقال (يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر).

وروى بن كثير في البداية والنهاية، قال، روى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب عليه السلام (أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل، وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها، فقيل: كربلاء. فقال: كربٌ وبلاء.

فنزل فصلى عند شجرة هناك ثم قال: يقتل ههنا شهداء هم خير الشهداء، يدخلون الجنة بغير حساب، وأشار إلى مكان هناك، فعلّموه بشيء فقتل فيه الحسين عليه السلام).


الصفحة 175
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد والطبراني عن أبي هرثمة قال كنت مع علي رضي الله تعالى عنه بنهري كربلاء فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمها ثم قال (يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب).

وروى المناوي في فيض القدير وغيره كثير قال (ولما نزل الحسين عليه السلام بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء، فقال كرب وبلاء فكان ما كان).

وروى في كنز العمال عن محمد بن عمرو بن حسين قال (كنا مع الحسين عليه السلام بنهر كربلاء، فنظر إلى شمر ذي الجوشن، فقال: صدق الله ورسوله!. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي! وكان شمر أبرص).

وروى بن كثير في البداية والنهاية قال، وقد حكى أبو الجناب الكلبي وغيره، أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح الجن على الحسين عليه السلام وهن يقلن:


مسح الرسول جبينهفله بريقٌ في الخدود
أبواه من عليا قريشٍجده خير الجدود

وروى بن كثير وابن عساكر (أن طائفة من الناس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الروم، فوجدوا في كنسية مكتوباً:


أترجو أمةٌ قتلت حسيناًشفاعة جده يوم الحساب؟

فسألوهم من كتب هذا؟ فقالوا: إن هذا مكتوب ههنا من قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة سنة).

وروي عن أكثر من مصدر من مصادر المسلمين، أن الذين قتلوه رجعوا فباتوا وهم يشربون الخمر والرأس معهم، فبرز لهم قلم من حديد فرسم لهم في الحائط بدم هذا البيت:


أترجو أمةٌ قتلت حسيناًشفاعة جده يوم الحساب؟.

وروى أحمد في المسند عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام نصف النهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم، فقلت: بأبي

الصفحة 176
وأمي يا رسول الله، ما هذا؟. قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم.

قال عمار: فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل في ذلك اليوم.

وروى بن أبي الدنيا: استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال: قتل الحسين والله، فقال له أصحابه: لِمَ يا ابن عباس؟.

فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه زجاجة من دم.

فقال: أتعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟ قتلوا الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعهما إلى الله. فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة.

وروى الترمذي عن سلمى قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه ولحيته التراب. فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً.

وروى بن كثير ومحمد بن سعد عن شهر بن حوشب قال (إنا لعند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسمعنا صارخةً، فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين. فقالت أم سلمة: قد فعلوها، ملأ الله قبورهم - أو بيوتهم -عليهم ناراً، ووقعت مغشياً عليها، وقمنا).

وروى أحمد بن حنبل في المسند عن عمار قال: سمعت أم سلمة قالت: (سمعت الجن يبكين على الحسين، وسمعت الجن تنوح على الحسين).

وروى أيضا عن هاشم بن هاشم، عن أمه، عن أم سلمة قالت: سمعت الجن ينحن على الحسين وهن يقلن:


أيها القاتلون جهلاً حسيناًأبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكمونبي ومرسل وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داودوموسى وصاحب الإنجيل


الصفحة 177
وروى الحاكم في المستدرك وبن كثير في البداية والنهاية وغيرهما عن ابن عباس. قال (أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وأنا قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً).

إنني أدرك أن هذا البحث هو بحث في حديث الثقلين، ولكن كما ذكرت أن هذا الحديث يعتبر محورا من محاور الإسلام المركزية، التي تدور حولها أغلب قضايا الإسلام بل كلها إذا صح التعبير، ولذلك أخي الكريم وكما أثبت لك في بداية البحث فإنك تجد أن المسائل كلها مترابطة ترابطا وثيقا بأهل البيت عليهم السلام وإمامتهم وولايتهم، فنحن لا زلنا في وضع عنوانين لجملة من حديث الثقلين وهي (لن يتفرقا أي الكتاب والعترة)، ولا زلنا نذكر ما قام به المسلمون منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من محاولات ومخططات لفصل أهل البيت عليهم السلام عن الكتاب، ولمحو حقوقهم وأحقيتهم، وطمس هويتهم.

فهل انتصر يزيد اللعين وشياطينهم في حربهم ضد رسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام؟.

لقد تنبه المسلمون بعد استشهاد أبي عبد الله الإمام الحسين عليه السلام إلى الحقيقة التي غيبها معاوية ويزيد وأشياخهم، وبدأت نهضة الحسين تؤتي أكلها، وبدأ المسلمون يلتفون حول راية أهل البيت عليهم السلام، وانتشر الأتباع والشيعة في كثير من أرجاء الدولة الأموية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وهو دائما وأبداً الصادق المصدوق عندما قال: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا)، وبُعِثَ دين محمد من جديد، ولولا نهضة الحسين عليه السلام، لطمست كل معالم الدين، ولذابت تعاليم الإسلام الحقيقي، ولكن إرادة الله تعالى شاءت أن يُبعَثَ الدين من جديد على يد الإمام الحسين عليه السلام، ولذلك قيل (أن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء).