الصفحة 82
والله أولى بذلك منا! أنت قتلت عثمان، ثم قمت تغمص على الناس أنك تطلب بدمه، فانكسر معاوية.

فقال ابن عباس: والله ما رأيتك صدقت إلا فزعت وانكسرت.

قال فضحك معاوية، وقال: والله ما أحب أنكم لم تكونوا كلمتموني (1).

(34)
عبد الله بن عباس مع معاوية

وفد عبد الله بن عباس على معاوية، قال: فوالله إني لفي المسجد إذ كبر معاوية في الخضراء، فكبر أهل الخضراء، ثم كبر أهل المسجد تكبير أهل الخضراء، فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها، فقالت: سرك الله يا أمير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به؟

قال: موت الحسن بن علي! فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ثم بكت وقالت: مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال معاوية: نعما والله ما فعلت، إنه كان كذلك أهلا أن تبكي عليه.

ثم بلغ الخبر ابن عباس رضي الله عنهما فراح فدخل على معاوية قال:

علمت يا ابن عباس أن الحسن توفي؟ قال: ألذلك كبرت؟ قال: نعم. قال:

[ أما ] والله ما موته بالذي يؤخر أجلك، ولا حفرته بسادة حفرتك، ولئن أصبنا به فقد أصبنا قبله بسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين، ثم بعده سيد الأوصياء، فجبر الله تلك المصيبة ورفع تلك العثرة.

فقال: ويحك يا ابن عباس! ما كلمتك [ قط ] إلا وجدت معدا (2).

____________

(1) تأريخ اليعقوبي: ج 2 ص 222.

(2) مروج الذهب: ج 3 ص 8، في نسخة دار الهجرة ج 2، ص 430.

الصفحة 83

(35)
ابن عباس مع معاوية

في الأمالي للسيد: ولما أتى معاوية نعي الحسن بن علي عليهم السلام بعث إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو لا يعلم الخبر، فقال له: هل عندك خبر من المدينة؟ قال: لا، قال أتانا نعي الحسن وأظهر سرورا!

فقال ابن عباس: إذا لا ينسأ في أجلك ولا تسد حفرتك. قال: أحسبه قد ترك صبيته صغارا، قال: كلنا كان صغيرا وكبر. قال: وأحسبه قد كان بلغ سنا، قال: مثل مولده لا يجهل. قال معاوية: وقال قائل: إنك أصبحت سيد قومك، قال: وأما أبو عبد الله الحسين بن علي حي فلا (1).

(36)
عبد الله مع معاوية

إن معاوية مر بحلقة من قريش، فلما رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس، فقال له: يا ابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجدة أني قاتلتكم بصفين! فلا تجد من ذلك يا ابن عباس فإن عثمان قتل مظلوما! قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما؟ قال: عمر قتله كافر. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان؟ قال قتله المسلمون. قال: فذاك أدحض لحجتك.

قال: فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب علي وأهل بيته عليهم السلام فكف لسانك. فقال: يا معاوية! أتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال:

لا، قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم. قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله

____________

(1) يوجد في البحار: ج 44 ص 159 عن ربيع الأبرار للزمخشري والعقد الفريد. وملحقات إحقاق الحق ج 11 ص 181 عن مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 178. وتاريخ الخميس ج 2 ص 293. وتاريخ الإسلام والرجال قريبا مما مر. وسيأتي بلفظ آخر في ج 2 ص 61 عن الموفقيات.

الصفحة 84
به! ثم قال: فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال: العمل به. قال:

كيف نعمل به ولا نعلم ما عنى الله؟ قال: سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك. قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي أنسأل عنه آل أبي سفيان؟. يا معاوية أتنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام؟ فإن لم تسأل الأمة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف!

قال أقرؤا القرآن وتأولوه، ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك. قال: فإن الله يقول في القرآن: " يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ".

قال: يا ابن عباس! أربع على نفسك وكف لسانك، وإن كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا لا يسمعه أحد علانية.

ثم رجع إلى بيته فبعث إليه بمائة ألف درهم (1).

(37)
عبد الله بن عباس مع معاوية

حضر عبد الله بن عباس مجلس معاوية ابن أبي سفيان، فأقبل عليه معاوية، فقال: يا ابن عباس، إنكم تريدون أن تحرزوا الإمامة كما اختصصتم بالنبوة، والله لا يجتمعان أبدا، إن حجتكم في الخلاقة مشتبهة على الناس، إنكم تقولون: نحن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله فما بال خلافة النبوة في غيرنا؟

وهذه شبهة، لأنها تشبه الحق وبها مسحة من العدل، وليس الأمر كما تظنون، إن الخلافة تنقلب في أحياء قريش برضى العامة وشورى الخاصة، ولسنا نجد الناس يقولون: ليت بني هاشم ولونا ولو ولونا كان خيرا لنا في دنيانا وأخرانا،

____________

(1) الاحتجاج: ج 2 ص 15 ط نجف. والبحار: ج 44 ص 124 ونقل صدره في البحار ج 8 ص 534 ط الكمباني عن الكشف عن الموفقيات.

الصفحة 85
ولو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ما قاتلتم عليها اليوم، والله لو ملكتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم!

فقال ابن عباس رحمه الله: أما قولك يا معاوية: إنا نحتج بالنبوة في استحقاق الخلافة فهو والله كذلك، فإن لم يستحق الخلافة بالنبوة فبم يستحق؟.

وأما قولك: إن الخلافة والنبوة لا يجتمعان لأحد، فأين قول الله عز وجل:

" أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " فالكتاب هو النبوة، والحكمة هي السنة، والملك هو الخلافة، فنحن آل إبراهيم والحكم بذلك جار فينا إلى يوم القيامة.

وأما دعواك على حجتنا أنها مشتبهة: فليس كذلك، وحجتنا أضوأ من الشمس وأنور من القمر، كتاب الله معنا، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فينا، وإنك لتعلم ذلك، ولكن ثنى عطفك وصعرك قتلنا أخاك وجدك وخالك وعمك، فلا تبك على أعظم حائلة وأرواح في النار هالكة، ولا تغضبوا لدماء أراقها الشرك وأحلها الكفر ووضعها الدين.

وأما ترك تقديم الناس لنا فيما خلا وعدولهم عن الإجماع علينا: فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم. وكل أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه وزال باطله.

وأما افتخارك بالملك الزائل الذي توصلت إليه بالمحال الباطل: فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه الله. وما تملكون يوما يا بني أمية إلا ونملك بعد كم يومين، ولا شهرا إلا ملكنا شهرين، ولا حولا إلا ملكنا حولين.

وأما قولك إنا لو ملكنا كان أهلك للناس من ريح عاد وصاعقة ثمود:

فقول الله يكذبك في ذلك، قال الله عز وجل " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فنحن أهل بيته الأدنون. وظاهر العذاب بتملكك رقاب المسلمين ظاهر للعيان، وسيكون من بعدك تملك ولدك وولد أبيك أهلك للخلق من الريح

الصفحة 86
العقيم. ثم ينتقم الله بأوليائه ويكون العاقبة للمتقين (1).

(38)
أياس مع عبد الرحمن

عن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، قال: كان أياس بن معاوية لي صديقا، فدخلنا على عبد الرحمن بن القاسم ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وعنده جماعة من قريش يتذاكرون السلف، ففضل قوم أبا بكر وقوم عمر وآخرون عليا رضي الله عنهم أجمعين فقال: أياس إن عليا رحمه الله كان يرى أنه أحق بالأمر، فلما بايع الناس أبا بكر ورأى أنهم قد اجتمعوا عليه وأن ذلك قد أصلح العامة، اشترى صلاح العامة بنقض رأي الخاصة، يعني بني هاشم.

ثم ولي عمر - رحمه الله - ففعل مثل ذلك به وبعثمان رضي الله عنه فلما قتل عثمان رحمه الله فاختلف الناس وفسدت الخاصة والعامة وجد أعوانا فقام بالحق ودعا إليه (2).

(39)
سعيد مع عمر بن علي

عن أبي داود الهمداني، قال: شهدت سعيد بن المسيب، وأقبل عمر بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فقال له سعيد: يا ابن أخي، ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كما يفعل إخوتك وبنو عمك؟

فقال عمر: يا ابن المسيب، كلما دخلت فأجئ فأشهدك؟ فقال سعيد:

ما أحب أن تغضب، سمعت والدك عليا يقول: والله، إن لي من الله مقاما لهو

____________

(1) البحار: ج 44 ص 117 - 118 عن مجالس المفيد ره وكشف الغمة: 126 وج 8 ص 533 - 534 مع اختلاف أوجب إيراده فيما بعد.

(2) المحاسن للبيهقي: ج 1 ص 75.

الصفحة 87
خير لبني عبد المطلب مما على الأرض من شئ، فقال عمر: سمعت والدي يقول: ما من كلمة حكمة في قلب منافق فيخرج من الدنيا حتى يتكلم بها [ فقال سعيد: يا ابن أخي جعلتني منافقا! ] قال: ذاك ما أقول لك، ثم انصرف (1).

(40)
مالك بن العجلان مع معاوية

قال معاوية يوما وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم: أخبروني بخير الناس أبا وأما، وعما وعمة، وخالا وخالة، وجدا وجدة؟.

فقام مالك بن العجلان، فأومأ إلى الحسن، فقال: ها هو ذا، أبوه علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه جعفر الطيار في الجنان، وعمته أم هاني بنت أبي طالب، وخاله القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وجدته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فسكت القوم، ونهض الحسن.

فأقبل عمرو بن العاص على مالك، فقال أحب بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل؟ فقال ابن العجلان: ما قلت إلا حقا، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية لخالق إلا لم يعط أمنيته في دنياه وختم له بالشقاء في آخرته. بنو هاشم أنضرهم عودا و أوراهم زندا، كذلك يا معاوية؟ قال:

اللهم نعم (2).

____________

(1) الغارات: ج 2 ص 579.

(2) محاسن البيهقي: ج 1 ص 131.

الصفحة 88

(41)
حرة بنت حليمة مع الحجاج

روي عن جماعة ثقات أنه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية رضي الله عنها على الحجاج بن يوسف الثقفي ومثلت بين يديه، فقال لها: أنت حرة بنت حليمة السعدية؟ فقالت له: فراسة من غير مؤمن! فقال لها: الله جاء بك، فقد قيل عليك: إنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر وعثمان.

قالت: لقد كذب الذي قال: إني أفضله على هؤلاء خاصة. قال: وعلى من غير هؤلاء؟ قالت: أفضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم!

فقال لها: أقول لك إنك تفضليه على الصحابة فتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من أولي العزم! فإن لم تأتيني ببيان ما قلت وإلا ضربت عنقك.

فقالت: ما أنا فضلته على هؤلاء الأنبياء، بل الله عز وجل فضله في القرآن عليهم في قوله تعالى في حق آدم: " فعصى آدم ربه فغوى " وقال في حق علي:

" وكان سعيه مشكورا ".

فقال: أحسنت يا حرة، فبم تفضليه على نوح ولوط؟ قالت: الله تعالى فضله عليهما بقوله: " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما " وعلي بن أبي طالب كان ملائكة (ملاكه ظ) تحت سدرة المنتهى زوجته بنت محمد صلى الله عليه وآله فاطمة الزهراء التي يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها.

فقال الحجاج: أحسنت يا حرة، فبم تفضلينه على أب الأنبياء إبراهيم خليل الله؟ فقالت: الله ورسوله فضله بقوله: " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " وأمير المؤمنين قال قولا لم

الصفحة 89
يختلف فيه أحد من المسلمين: " لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا " وهذه كلمة لم يقلها قبله ولا بعده أحد.

قال: أحسنت يا حرة، فبم تفضلينه على موسى نجي الله؟ قالت: يقول الله عز وجل: " فخرج منها خائفا يترقب " وعلي بن أبي طالب بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخف حتى أنزل الله في حقه " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ".

قال أحسنت يا حرة، قال: فبم تفضلينه على داود؟ قالت:

الله فضله عليه بقوله: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى " قال لها: في أي شئ كانت حكومته؟ قالت: في رجلين: أحدهما كان له كرم وللآخر غنم، فنفشت الغنم في الكرم فرعته، فاحتكما إلى داود، فقال: تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان عليه، فقال له ولده: لا يا أبة، بل نأخذ من لبنها وصوفها، فقال الله عز وجل: " ففهمناها سليمان " وإن مولانا أمير المؤمنين رضي الله عنه قال:

" اسألوني عما فوق، اسألوني عما تحت، اسألوني قبل أن تفقدوني " وأنه - رضي الله عنه - دخل على النبي صلى الله عليه وآله يوم فتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وآله للحاضرين: " أفضلكم وأعلمكم علي ".

فقال لها: أحسنت يا حرة، فبم تفضلينه على سليمان؟ قالت: الله فضله عليه بقوله: " رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " ومولانا علي - رضي الله عنه - قال: " يا دنيا قد طلقتك ثلاثا، لا رجعة لي فيك " فعند ذلك أنزل الله عليه " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ".

قال: أحسنت يا حرة، فبم تفضيلنه على عيسى؟ قالت: الله فضله عليه بقوله: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته

الصفحة 90
فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسي إنك أنت علام الغيوب " إلى آخر الآية، فأخر الحكومة، ومولانا علي بن أبي طالب لما ادعى النصيرية فيه ما ادعوا وهم أهل النهروان قاتلهم، ولم يؤخر حكومتهم.

فهذه كانت فضائله، لا تعدل بفضائل غيره.

قال: أحسنت يا حرة، خرجت من جوابك، ولو لا ذلك لكان ذلك، ثم أجازها وأعطاها وسرحها تسريحا (رحمة الله عليها) (1).

(42)
غانمة مع معاوية

قيل: ولما بلغ غانمة بنت غانم سب معاوية وعمرو بن العاص بني هاشم، قالت لأهل مكة: أيها الناس، إن قريشا لم تلد من رقم ولا رقم، سادت وجادت، وملكت فملكت، وفضلت ففضلت، واصطفيت فاصطفت، ليس فيها كدر عيب ولا أفن ريب، ولا حشروا طاعنين، ولا حادوا نادمين، ولا المغضوب عليهم ولا الضالين.

إن بني هاشم أطول الناس باعا، وأمجد الناس أصلا، وأحلم الناس حلما، وأكثر الناس عطاء، منا عبد مناف الذي يقول فيه الشاعر:

كانت قريش بيضة فتفلقت * فالمخ خالصها لعبد مناف

وولده هاشم الذي هشم الثريد لقومه، وفيه يقول الشاعر:

هشم الثريد لقومه وأجارهم * ورجال مكة مسنتون عجاف

ثم منا عبد المطلب الذي سقينا به الغيث، وفيه يقول الشاعر:

ونحن سني المحل قام شفيعنا * بمكة يدعو والمياه تغور

____________

(1) ملحقات إحقاق الحق: ج 5 ص 47 عن در بحر المناقب. والبحار: ج 46 ص 134 عن فضائل بن شاذان والروضة. وقاموس الرجال: ج 10 ص 415.

الصفحة 91
وابنه أبو طالب عظيم قريش، وفيه يقول الشاعر:

آتيته ملكا فقام بحاجتي * وترى العليج خائبا مذموما

ومنا العباس بن عبد المطلب، أردفه رسول الله صلى الله عليه وآله فأعطاه ماله، وفيه يقول الشاعر:

رديف رسول الله لم أر مثله * ولا مثله يوم القيامة يوجد

ومنا حمزة سيد الشهداء، وفيه يقول الشاعر:

أبا يعلى لك الأركان هدت وأنت الماجد البر الوصول ومنا جعفر ذو الجناحين أحسن الناس حسنا وأكملهم كمالا ليس بغدار ولاختار، بدله الله عز وجل بكل يد له جناحا يطير به في الجنة، وفيه يقول الشاعر:

هاتوا كجعفرنا ومثل علينا * كانا أعز الناس عند الخالق

ومنا أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفرس بني هاشم، وأكرم من احتفى وتنعل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ومن فضائله ما قصر عنكم أنباؤها، وفيه يقول الشاعر:

وهذا علي سيد الناس فاتقوا * عليا بإسلام تقدم من قبل

ومنا الحسن بن علي رضي الله عنه سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة، وفيه يقول الشاعر:

ومن يك جده حقا نبيا * فإن له الفضيلة في الأنام

ومنا الحسين بن علي رضوان الله عليه حمله جبرئيل عليه السلام على عاتقه، وكفى بذلك فخرا، وفيه يقول الشاعر:

نفى عنه عيب الآدميين ربه * ومن مجده مجد الحسين المطهر

ثم قالت: يا معشر قريش، والله ما معاوية بأمير المؤمنين ولا هو كما يزعم، هو والله شانئ رسول الله صلى الله عليه وآله إني آتية معاوية، وقائلة له

الصفحة 92
ما يعرق جبينه ويكثر منه عويله.

فكتب عامل معاوية إليه بذلك، فلما بلغه أن غانمة قد قربت منه أمر بدار ضيافته فنظفت وألقى فيها فرش، فلما قربت من المدينة استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم، فقال لها يزيد: إن عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته - وكانت لا تعرفه - فقالت: من أنت كلاك الله؟ قال: يزيد بن معاوية، قالت: فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد! فتغير لون يزيد وأتى أباه فأخبره، فقال: هي أسن قريش وأعظمهم، فقال يزيد كم تعد لها يا أمير المؤمنين؟ قال: كانت تعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة عام، وهي من بقية الكرام.

فلما كان من الغد أتاها معاوية، فسلم عليها، فقالت: على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان.

ثم قالت: من منكم ابن العاص؟ قال عمرو: ها أنذا، فقالت: وأنت تسب قريشا وبني هاشم؟ وأنت والله أهل السب وفيك السب وإليك يعود السب يا عمرو! إني والله لعارفة بعيوبك وعيوب أمك وإني أذكر لك ذلك عيبا عيبا:

ولدت من أمة سوداء، مجنونة حمقاء، تبول من قيام، ويعلوها اللئام، إذا لامسها الفحل كانت نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يوم واحد أربعون رجلا!!! وأما أنت: فقد رأيتك غاويا غير راشد، ومفسدا غير صالح، ولقد رأيت فحل زوجتك على فراشك، فما غرت ولا أنكرت!

وأما أنت يا معاوية، فما كنت في خير، ولا ربيت في خير، فما لك ولبني هاشم؟ أنساء بني أمية كنسائهم؟ أم أعطى أمية ما أعطى هاشم في الجاهلية والإسلام؟ وكفى فخرا برسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال معاوية: أيها الكبيرة، أنا كاف عن بني هاشم، قالت فإني: أكتب

الصفحة 93
إليك عهدا، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا ربه أن يستجيب لي خمس دعوات، أفأجعل تلك الدعوات كلها فيك؟ فخاف معاوية وحلف لها أن لا يسب بني هاشم أبدا (1).

(43)
أم سلمة مع عائشة

روي عن عائشة رضي الله عنها أنها دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل، وقد كانت أم سلمة حلفت أن لا تكلمها أبدا من أجل مسيرها إلى محاربة علي بن أبي طالب. فقالت عائشة: السلام عليك يا أم المؤمنين، فقالت: يا حائط، ألم أنهك ألم أقر لك؟. قالت عائشة: فإني أستغفر الله وأتوب إليه، كلميني يا أم المؤمنين! قالت: يا حائط! ألم أقل لك ألم أنهك؟ فلم تكلمها حتى ماتت. وقامت عائشة وهي تبكي وتقول: واأسفاه! على ما فرط مني (2).

(44)
أبو علي

عن أبي علي المحمودي، عن أبيه، قال: قلت لأبي الهذيل العلاف: إني أتيتك سائلا. قال أبو الهذيل: سل وأسأل الله العصمة والتوفيق.

فقال أبي: أليس من دينك أن العصمة والتوفيق لا يكونان من الله لك إلا بعمل تستحقه به؟ قال: أبو الهذيل: نعم. قال: فما معنى دعاؤك اعمل وخذ؟

قال له أبو الهذيل: هات سؤالك.

فقال له: شيخي، خبرني عن قول الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم "، قال أبو الهذيل: قد أكمل لنا الدين. فقال شيخي، فخبرني أن

____________

(1) المحاسن للبيهقي: ج 1 ص 145 - 149.

(2) المحاسن للبيهقي 1 ص 481.

الصفحة 94
أسألك عن مسألة لا تجدها في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ولا في قول الصحابة ولا في حيلة فقهائهم ما أنت صانع؟ فقال: هات، فقال:

شيخي، خبرني عن عشرة كلهم عنين وقعوا في طهر واحد بامرأة وهم مختلف الأمر، فمنهم من وصل إلى نصف حاجته، ومنهم من قارب حسب الإمكان منه، هل في خلق الله اليوم من يعرف حد الله في كل رجل منهم مقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحد في الدنيا ويطهره منه في الآخرة؟ ولنعلم ما تقول في أن الدين قد أكمل لك، فقال: هيهات! (1).

(45)
إسماعيل ابن الصادق عليه السلام مع القاسم بن محمد

كان القاسم بن محمد بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي - يلقب أبا بعرة ولي شرطة الكوفة لعيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس - كلم إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام بكلام خرجا فيه إلى المنافرة، فقال القاسم بن محمد:

لم يزل فضلنا وإحساننا سابغا عليكم - يا بني هاشم - وعلى بني عبد مناف كافة. فقال إسماعيل: أي فضل وإحسان أسد يتموه إلى بني عبد مناف؟ أغضب أبوك جدي بقوله: " ليموتن محمد ولنجولن بين خلاخيل نسائه كما جال بين خلاخيل نسائنا " فأنزل الله تعالى مراغما لأبيك " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا "! ومنع ابن عمك أمي حقها من فدك وغيرها من ميراث أبيها! وأجلب أبوك على عثمان وحصره حتى قتل! ونكث بيعة علي وشام السيف في وجهه وأفسد قلوب المسلمين عليه!

فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هؤلاء أسديتم إليهم إحسانا فعرفني من هم

____________

(1) البحار: ج 49 ص 282.

الصفحة 95
جعلت فداك! (1).

(46)
كلام لقيس بن سعد مع معاوية

قال اليعقوبي في ذكر صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان لعنه الله: وأتاه قيس بن سعد بن عبادة، فقال: بايع قيس! قال: إن كنت لأكره مثل هذا اليوم يا معاوية! فقال له: مه رحمك الله! فقال: لقد حرصت أن أفرق بين روحك وجسدك قبل ذلك، فأبى الله يا ابن أبي سفيان إلا ما أحب. قال: فلا يرد أمر الله.

قال: فأقبل قيس على الناس بوجهه، فقال:

يا معاشر الناس، لقد اعتضتم الشر من الخير واستبدلتم الذل من العز والكفر من الإيمان، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين وسيد المسلمين وابن عم رسول رب العالمين، وقد وليكم الطليق يسومكم الخسف ويسير فيكم بالعسف، فكيف تجهل ذلك أنفسكم؟ أم طبع الله على قلوبكم وأنتم لا تعقلون؟.

فجثا معاوية على ركبتيه ثم أخذ بيده وقال: أقسمت عليك، ثم صفق على كفه، ونادى الناس: بايع قيس! فقال: كذبتم والله! ما بايعت (2).

(47)
قيس بن سعد مع معاوية

قال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن، فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة.

قال قيس: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويتبسم إلى

____________

(1) ابن أبي الحديد: ج 9 ص 323 - 324.

(2) وتجد القصة في الغدير: ج 2 ص 104.

الصفحة 96
أصحابه، وأراك تسر حسوا في ارتغاء وتعيبه بذلك. أما والله، لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى وليس كما يهابك طغام أهل الشام (1).

(48)
قيس مع معاوية

قال المسعودي في مروج الذهب في أحوال معاوية:

دخل قيس بن سعد بعد وفاة علي ووقوع الصلح في جماعة من الأنصار على معاوية، فقال لهم معاوية: يا معشر الأنصار، بم تطلبون ما قبلي؟ فوالله لقد كنتم قليلا معي كثيرا علي، ولفللتم حدي يوم صفين حتى رأيت المنايا تلظى في أسنتكم، وهجوتموني في [ أسلافي ] بأشد من وقع الأسنة، حتى إذا أقام الله ما حاولتم ميله قلتم: إرع [ فينا ] وصية رسول الله صلى الله عليه وآله هيهات!

يأبى الحقين العذرة يأبى الحقير القدرة ذر فقال قيس: نطلب ما قبلك بالإسلام الكافي به الله، لا بما تمت به إليك الأحزاب. وأما عداوتنا لك فلو شئت كففتها عنك. وأما هجاؤنا إياك، فقول يزول باطله ويثبت حقه. وأما استقامة الأمر فعلى كره كان منا.

وأما فلنا حدك يوم صفين، فإنا كنا مع رجل نرى طاعته لله طاعة. وأما وصية رسول الله بنا، فمن آمن به رعاها بعده. وأما قولك: يأبى الحقين العذرة، فليس دون الله يد تحجزك منا يا معاوية! فقال معاوية يموه: ارفعوا حوائجكم.

نقله في العقد الفريد (2) باختلاف قليل، وزاد بعد قوله " يد تحجزك عنا يا معاوية " فدونك أمرك يا معاوية! فإنما مثلك كما قال الشاعر:

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 1 ص 25 الطبعة الحديثة المصرية.

(2) العقد الفريد: ج 4 ص 34.

الصفحة 97

يا لك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري (1).

(49)
قيس مع النعمان

قال نصر: ثم إن معاوية سأل النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم، فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين، فقال: يا قيس، أنا النعمان بن بشير. فقال قيس: هيه يا ابن بشير! فما حاجتك؟ فقال النعمان: يا قيس، إنه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه، ألستم معشر الأنصار تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار؟ وقتلتم أنصاره يوم الجمل؟ وأقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين؟ فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة، ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب ودعوتم إلى البراز، ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر، وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم، فاتقوا الله في البقية!.

فضحك قيس، ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة!

إنه لا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش الضال المضل.

أما ذكرك عثمان: فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها مني، قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من هو خير منك. وأما أصحاب الجمل: فقاتلناهم على النكث. وأما معاوية: فوالله لئن اجتمعت عليه العرب [ قاطبة ] لقاتلته الأنصار.

وأما قولك: إنا لسنا كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم

____________

(1) راجع الغدير: ج 2 ص 105 عن الامتاع والمؤانسة ج 3 ص 170، والعقد، والمروج.

الصفحة 98
كارهون.

ولكن انظر يا نعمان، هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور! انظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه؟ ثم انظر هل ترى مع معاوية أنصارا غيرك وغير صويحبك؟ ولستما والله، ببدريين [ ولا عقبيين ] ولا أحديين، ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن، ولعمري، لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك!

وقال قيس في ذلك:

والراقصات بكل أشعث أغبر * خوص العيون تحثها الركبان
ما ابن المخلد ناسيا أسيافنا * فيمن نحاربه ولا النعمان
[ تركا العيان وفي العيان كفاية * لو كان يدفع صاحبيك عيان
وجدا معاوية بن صخر شبهه * فيها التلبس والبيان يهان
ذكرا ابن عفان فقلت إلا أربعا * ما أنتما سبغها ولا عثمان
ما تعدل الأنصار عنه ساعة * والحق في الأنصار والبرهان
وجدت قريش في الحوادث منطقا * هذا الشقي وصهره مروان
لم تبسطوا كفا لنصرة هالك * لا لا ولا عصبت عليه بنان ]

كذا في الفتوح (1).

(50) قيس مع النعمان

إن معاوية دعا النعمان ومسلمة، فقال: يا هذان، لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج، صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى

____________

(1) وقعة صفين: ص 448 - 449، والإمامة والسياسة ج 1 ص 102. والغدير: ج 2 ص 82، وابن أبي الحديد في النهج: ج 8 ص 87 - 88، والبحار: ج 8 ص 463 ط الكمپاني. وفتوح ابن أعثم: ج 3 ص 281.

الصفحة 99
والله جبنوا أصحابي الشجاع والجبان، وحتى والله! ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قالوا: قتلته الأنصار. أما والله، لألقينهم بحدي وحديدي، ولأعبين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقه، ثم لأرمينهم بأعدادهم من قريش، رجال لم يغذهم التمر والطفيشل، يقولون: نحن الأنصار، قد والله! آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم...

وانتهى الكلام إلى الأنصار، فجمع قيس بن سعد الأنصاري الأنصار، ثم قام خطيبا فيهم، فقال: إن معاوية قد قال ما بلغكم وأجاب عنكم صاحباكم، فلعمري! لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس، وإن وترتموه في الإسلام فقد وترتموه في الشرك، وما لكم إليه من ذنب [ أعظم ] من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه، فجدوا اليوم جدا تنسونه [ به ] ما كان أمس، وجدوا غدا [ جدا ] تنسونه [ به ] ما كان اليوم، وأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب. وأما التمر:

فإنا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه.

وأما الطفيشل فلو كان طعامنا لسمينا به، كما سميت قريش السخينة ثم قال قيس بن سعد في ذلك:

يا ابن هند دع التوثب في الحر * ب إذا نحن في البلاد نأينا
نحن من قد رأيت فادن إذا شئ * ت بمن شئت في العجاج إلينا
إن برزنا بالجمع نلقك في الجمع * وإن شئت محضة أسرينا
فالقنا في اللفيف نلقك في الخزرج * ندعو في حربنا أبوينا
أي هذين ما أردت فخذه * ليس منا ولا منك الهوينا
ثم لا تنزع العجاجة حتى * تنجلي حربنا لنا أو علينا
ليت ما تطلب الغداة أتانا * أنعم الله بالشهادة عينا
إننا الذين إذا الفتح * شهدنا وخيبرا وحنينا


الصفحة 100

بعد بدر وتلك قاصمة الظهر * وأحد وبالنضير ثنينا
يوم الأحزاب قد علم الناس * شفينا من قبلكم واشتفينا (1).

(51)
قيس مع معاوية

لما قدم معاوية ابن أبي سفيان حاجا في خلافته، فاستقبله أهل المدينة، فنظر فإذا الذين استقبلوه ما فيهم أحد من قريش، فلما نزل قال:

ما فعلت الأنصار؟ وما بالها لم تستقبلني؟

فقيل له: إنهم محتاجون لا دواب لهم فقال معاوية: فأين نواضحهم؟

فقال قيس بن سعد بن عبادة - وكان سيد الأنصار وابن سيدها -: أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله حين ضربوك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون. فسكت معاوية. فقال قيس: أما إن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا أنا سنلقي بعده أثرة.

قال معاوية: فما أمركم به؟

فقال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه.

قال: فاصبروا حتى تلقوه (2).

وزاد ما يأتي:

ثم قال: يا معاوية، تعيرنا بنواضحنا، والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم

____________

(1) وقعة صفين: ص 445 - 447. وابن أبي الحديد: ج 8 ص 86 الطبعة الجديدة: ج 2 ص 292 الطبعة القديمة المصرية. والغدير: ج 2 ص 80. وفتوح ابن أعثم: ج 3 ص 181.

(2) البحار: ح 44 ص 124، والاحتجاج: ج 2 ص 15 ط نجف. والغدير: ج 2 ص 106 عن سليم بن قيس الكوفي التابعي.

الصفحة 101
جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا. ثم دخلت أنت وأبوك كرها في الإسلام الذي ضربناكم عليه.

فقال معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتكم إيانا، فلله ولقريش بذلك المن والطول! ألستم تمنون علينا - يا معشر الأنصار - بنصرتكم رسول الله؟ وهو من قريش، وهو ابن عمنا ومنا، فلنا المن والطول أن جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا، فهداكم بنا.

فقال قيس: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافة وإلى الجن والإنس والأحمر والأسود والأبيض، اختاره لنبوته، واختصه برسالته، فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام وأبو طالب يذب عنه ويمنعه ويحول بين كفار قريش وبين أن يردعوه أو يؤذوه، وأمره أن يبلغ رسالة ربه، فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب. وأمر ابنه بموازرته، فوازره ونصره، وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك عليا عليه السلام من بين قريش، وأكرمه من بين جميع العرب والعجم.

فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم أبو طالب وأبو لهب وهم يومئذ أربعون رجلا، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وخادمه علي عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله في حجر عمه أبي طالب، فقال: أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي؟

فسكت القوم حتى أعادها ثلاثا، فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله!

صلى الله عليك، فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه وقال: " اللهم املأ جوفه علما وفهما وحكما " ثم قال لأبي طالب: يا أبا طالب، اسمع الآن لابنك وأطع، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى. وآخى صلى الله عليه وآله بين علي وبين نفسه.